logo
الشركات الناشئة في الصين تخوض سباقاً تكنولوجياً جديداً

الشركات الناشئة في الصين تخوض سباقاً تكنولوجياً جديداً

العربي الجديدمنذ 2 أيام

بدأت الصين تتقدم بخطى ثابتة نحو ريادة مجال "الروبوتات البشرية"، مُستندة إلى تجارب متسارعة ودعم حكومي واسع النطاق. فقد قدّمت شركة ناشئة صينية تُدعى "إنجين إيه آي" (Engine-AI) قبل بضعة أسابيع عرضاً لروبوت يشبه البشر، يقلّد خطوات راقصة أدّتها شابة أمامه، وتمكّن خلال أيام من إتقان رقصة "Axe Gang" الشهيرة. وبينما قد يبدو هذا العرض ترفيهياً للوهلة الأولى، إلا أنه يعكس قفزة نوعية في مجال
الذكاء الاصطناعي
المتكامل في الروبوتات.
وبعد سنوات من هيمنة شركات أميركية كـ"بوسطن ديناميكس" على هذا القطاع، يبدو أنّ الصين باتت تزاحم بقوة لتقود هذا المجال خلال العقد المقبل. ففي إبريل/ نيسان الماضي، استضافت بكين أول نصف ماراثون لروبوتات بشرية شارك فيه 21 روبوتاً، فيما نظّمت شركة "يونيتري روبوتيكس" (Unitree Robotics)، في مايو/ أيار الحالي، أول بطولة ملاكمة بين روبوتات، ورغم أنّ 15 من أصل 21 روبوتاً فشلت في إنهاء سباق الماراثون، إلا أنّ الفكرة لا تكمن في الكمال، بل في التقدّم، كما يرى مختصون، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ، اليوم السبت.
الصين، التي تملك بالفعل أعلى كثافة روبوتات في خطوط الإنتاج مقارنة بالولايات المتحدة واليابان، تعمل على نقل هذه التكنولوجيا إلى مجالات أكثر تعقيداً، مثل الرعاية الصحية، توصيل الأدوية في دور رعاية المسنين، الدوريات الأمنية، الإرشاد السياحي في المتاحف، وحتى الاستخدامات العسكرية، وفق تقارير محلية. وتُجري الشركات تجارب لتسخير نماذج الذكاء الاصطناعي في تعليم
الروبوتات
كيفية التعامل مع مهام جديدة دون الحاجة إلى برمجة دقيقة لكل موقف.
وبحسب "بلومبيرغ"، يُقدّرالرئيس التنفيذي لـ"إنجين إيه آي" تشاو تونغيانغ، أنّ هناك حالياً ما بين 50 إلى 60 شركة في الصين تعمل على تطوير الروبوتات البشرية، مستفيدة من الخبرات الصناعية العميقة والدعم الحكومي السخي، وقد تلقت شركته مئات الطلبات لشراء روبوتاتها، ما يعكس تصاعد الطلب على هذه التكنولوجيا.
سيارات
التحديثات الحية
بي واي دي تطلق سيارة كهربائية منافسة في أوروبا بسعر 26 ألف دولار
الابتكار المحلي والسباق التكنولوجي العالمي
هذا التقدّم لفت انتباه الرئيس التنفيذي لشركة تسلا الأميركية
إيلون ماسك
، التي تطور روبوتها الخاص تحت اسم "أوبتيمس". وفي مؤتمر عبر الهاتف في إبريل/ نيسان الماضي، قال ماسك إنه يعتقد أنّ روبوتاته تتصدر المجال من حيث الأداء، لكنه أعرب عن قلقه من أنّ المراتب من 2 حتى 10 ستكون جميعها لشركات صينية. وأضاف أنه يشعر ببعض القلق من أن ترتيب الأفضلية سيكون: "تسلا" أولاً، ثم الصين تهيمن على بقية المراتب. واعتبر أن إدخال الروبوتات البشرية إلى سوق العمل قد يضاعف حجم
الاقتصاد العالمي
عشر مرات، واصفاً المستقبل بأنه "عالم مختلف جذرياً".
وتأتي أهمية الريادة في هذا المجال من التوقعات بأن الروبوتات البشرية ستخرج قريباً من إطار الخيال العلمي إلى الاستخدام العملي الواسع. فبحسب تقديرات "سيتي غروب"، من المتوقع أن تبلغ القيمة السوقية لقطاع الروبوتات البشرية وخدماتها حوالى 7 تريليونات دولار بحلول عام 2050، مع انتشار نحو 648 مليون روبوت بشري حول العالم.
وفي هذا السياق، أعلنت الصين أنها ستستثمر تريليون يوان (ما يعادل 138 مليار دولار) في قطاع الروبوتات والتكنولوجيا المتقدمة خلال العشرين سنة المقبلة، وهو رقم يتجاوز التزامات الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعتين. وعلى الرغم من وجود لاعبين بارزين في الغرب مثل "بوسطن ديناميكس" و"تسلا"، يرى باحثون أن النهج الصيني القائم على الرأسمالية الموجهة من الدولة يمنح البلاد أفضلية، كما حصل سابقاً في قطاعي السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية. من جانبه، قال مدير مركز "ستميسن سنتر" في واشنطن جوليان مولر-كالير لـ"بلومبيرغ" إنّ التطورات الرقمية والتكنولوجية أصبحت قضايا جيوسياسية من الدرجة الأولى، وقد يكون النموذج الصيني أكثر قدرة على النجاح.
نحو الريادة العالمية في مجال الروبوتات
ورغم أنّ السوق لم تقلع بالكامل بعد، إلا أنّ الصين تراهن على انطلاقة قريبة، فقد أشارت دراسة حديثة صادرة عن مركز "ليد روبوت" الصيني إلى أنّ البلاد ستنتج أكثر من 10,000 روبوت بشري هذا العام؛ أي ما يعادل أكثر من نصف الإنتاج العالمي. ويأتي ذلك في توقيت حاسم، في ظل أزمة عمالة متوقعة، إذ يُتوقع أن ينخفض عدد السكان في سنّ العمل في الصين بنسبة 22% بحلول عام 2050، ويصل العجز في العمالة في قطاعات التصنيع إلى 30 مليون عامل بحلول نهاية هذا العام، وفقاً لتقارير حكومية صينية.
وقد أدى هذا الواقع إلى ازدياد استخدام الروبوتات في المصانع، حيث بلغ عدد الروبوتات في الصين 470 لكل 10,000 عامل عام 2023، متجاوزة ألمانيا واليابان، بينما بلغت النسبة في الولايات المتحدة 295 روبوتاً للعدد نفسه من العاملين، وفق الاتحاد الدولي للروبوتات. وتُوظّف الشركات الصينية الذكاء الاصطناعي لتحسين قدرة الروبوتات على "الرؤية"، والتخطيط للحركة، وتنسيق بعضها مع بعض، والتكيّف مع البيئات الجديدة.
أسواق
التحديثات الحية
رئيس "إنفيديا": لا أدلة على تهريب رقائق الذكاء الاصطناعي للصين
ورغم هذه الإنجازات، لا تزال بعض الشركات الغربية تعتبر الروبوتات البشرية غير منطقية اقتصادياً في المدى القريب. وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة "إكزوتيك" (Exotec) الفرنسية رومان مولان، لا تزال الروبوتات البشرية غير مجدية اقتصادياً لمعظم الشركات في الوقت الراهن. مع ذلك، لا يبدو أن ماسك يشارك هذا الرأي، فقد قال إنّ آلافاً من روبوتات "أومتيمس" ستعمل في مصانع "تسلا" بحلول نهاية العام، مع خطط لإنتاج مليون روبوت سنوياً خلال أقل من خمس سنوات.
الروبوتات حلّاً لأزمة نقص العمالة في الصين
ومن المتوقع أن تُطرح هذه الروبوتات للبيع في عام 2027 بسعر يراوح بين 20,000 إلى 30,000 دولار. وبحسب "سيتي غروب"، فإنّ الروبوت يمكنه استرداد كلفته خلال 36 أسبوعاً فقط إذا افترض أنّ أجر العامل البشري 7.25 دولارات في الساعة، وهو الحد الأدنى في الولايات المتحدة، ما يجعل المعادلة أكثر إغراءً في الولايات ذات الأجور المرتفعة. وفيما يبدو أنّ الصين لا تنتظر تحقّق كل هذه التوقعات، فإنها تتحرك سريعاً لامتلاك زمام المبادرة في السباق نحو المستقبل الروبوتي.
وتشهد الصين توسّعاً ملحوظاً في مجال تصنيع الروبوتات الشبيهة بالبشر، والمدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع التصنيع، وتقديم حلول فعالة للتحديات الاقتصادية والديمغرافية المتزايدة التي تواجهها البلاد، وعلى رأسها التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، والنقص في القوى العاملة. ويرتبط هذا التطور بإنجازات كبيرة على صعيد الذكاء الاصطناعي، أسهمت فيها شركات محلية مثل "
ديبسيك
"، التي تعمل على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التعلم الذاتي وتحليل المعطيات بشكل متقدم، ما يمكّن الروبوتات من التصرف بذكاء يشبه السلوك البشري.
وتُظهر الحكومة الصينية التزاماً غير مسبوق بدعم قطاع الروبوتات والذكاء الاصطناعي، من خلال إعانات وخطط تمويل طموحة، فقد خصصت الدولة أكثر من 20 مليار دولار لهذا القطاع في عام 2024 فقط. وتُعد مدينة شنجن نموذجاً لهذا التوجه، حيث أُطلق صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات يوان لدعم الابتكار في الذكاء الاصطناعي والروبوتات. كذلك تقدم مدن مثل
ووهان
إعانات مباشرة للمصنعين، تصل إلى 5 ملايين يوان لكل مصنع. وانعكست هذه الجهود في الأرقام، حيث قفزت قيمة مشتريات الصين من الروبوتات إلى 214 مليون يوان في عام 2024، مقارنة بـ4.7 ملايين يوان فقط في عام 2023، ما يعكس تسارعاً حادّاً في نمو القطاع.
رغم هذا التقدم، تبرز مخاوف محلية ودولية بشأن تأثير الروبوتات بسوق العمل الصيني، وخصوصاً في قطاع التصنيع الذي يوظف نحو 123 مليون شخص. وتأتي هذه التحركات في سياق رؤية الصين طويلة المدى للثورة الصناعية الجديدة، التي تهدف إلى تحديث أنظمة الإنتاج الصناعي والارتقاء بقدرات التصنيع نحو مستويات أكثر ذكاءً واستدامة. ومع التقدم التكنولوجي المستمر والدعم السياسي والاقتصادي الواسع، تتهيأ الصين لتكون قوة عالمية رائدة في مجال الروبوتات البشرية والذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة المقبلة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحكومة البريطانية تخصص 6.8 مليار دولار لتزويد الجنود بمعدات المستقبل
الحكومة البريطانية تخصص 6.8 مليار دولار لتزويد الجنود بمعدات المستقبل

العربي الجديد

timeمنذ 4 ساعات

  • العربي الجديد

الحكومة البريطانية تخصص 6.8 مليار دولار لتزويد الجنود بمعدات المستقبل

أعلنت بريطانيا عن استثمار بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني (6.8 مليار دولار) في الطائرات العسكرية المسيّرة وأسلحة الليزر، في إطار سعيها لتزويد الجنود في الخطوط الأمامية بـ"معدات المستقبل". ويشمل التمويل، الذي أعلنه وزير الدفاع جون هيلي، تخصيص 4 مليارات جنيه للطائرات المسيّرة والأنظمة الذاتية، بالإضافة إلى مليار جنيه إضافي لتطوير أنظمة الليزر لحماية السفن والجنود البريطانيين، وفقا لوكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا). جاء الإعلان بعد نشر "مراجعة الدفاع الاستراتيجية" أمس الاثنين، التي أوصت بالتركيز بشكل أكبر على التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة، كـ"أولوية فورية". وقال هيلي إن هذا الاستثمار يمثل "أهم تقدم في تكنولوجيا الدفاع البريطانية منذ عقود"، وسيضمن "امتلاك قواتنا المسلحة القدرات المتطورة اللازمة لمواجهة تحديات عالم سريع التغير". وأضاف: "نحن ننفذ رؤية المراجعة الدفاعية الاستراتيجية لوضع المملكة المتحدة في طليعة الابتكار داخل الناتو (حلف شمال الأطلسي)، من خلال دعم الصناعة البريطانية وتسريع إدخال معدات المستقبل إلى أيدي الجنود في الخطوط الأمامية". أخبار التحديثات الحية فون ديرلاين: خطط الاتحاد الأوروبي الدفاعية قد تجمع 800 مليار يورو وسيجري تخصيص جزء من هذا الاستثمار لإنشاء مركز للطائرات المسيّرة يهدف إلى تسريع نشر هذه التكنولوجيا في جميع أفرع القوات المسلحة البريطانية. ويأتي التركيز على الطائرات المسيّرة بعد أن أثبتت هذه التقنية فاعليتها القاتلة المتزايدة في ساحة المعركة الأوكرانية، حيث باتت تتسبب في سقوط قتلى أكثر من المدفعية التقليدية. (أسوشييتد برس)

كيف تغير التكنولوجيا استراتيجيات الحرب وأدواتها؟
كيف تغير التكنولوجيا استراتيجيات الحرب وأدواتها؟

القدس العربي

timeمنذ 9 ساعات

  • القدس العربي

كيف تغير التكنولوجيا استراتيجيات الحرب وأدواتها؟

يدلل هجوم المسيرات الأوكراني الأخير على المطارات الروسية على التحولات الجذرية التي تدخلها التكنولوجيا المتقدمة على الحرب واستراتيجياتها وأدواتها. فبعملية استخباراتية جريئة، أدخل الأوكرانيون في شاحنات نقل عديد المسيرات إلى الأراضي الروسية، وتجاوزوا بذلك خطوط الدفاع الجوي التي عادة ما تعمل لرصد وإسقاط الأجسام المعادية على الحدود وعلى مسافات بعيدة عن المواقع الحيوية، ثم أطلقوها ومن مسافات قريبة بحمولتها المتفجرة لمهاجمة المقاتلات والقاذفات الروسية الرابضة في المطارات فدمروا وأعطبوا 40 وأظهروا قدرتهم على نقل العمليات العسكرية إلى العمق الروسي. وبينما تقترب الخسائر المادية لروسيا، وفقا للتقديرات الأولية، وبسبب التكلفة الباهظة للمقاتلات والقاذفات من 7 مليارات دولار أمريكي، لم يتحمل الطرف الأوكراني الكثير نظرا للكلفة المحدودة للمسيرات والتي باتت تستخدم على نحو يومي في الحرب بين البلدين. بذلك تكون التكنولوجيا المتقدمة، والتي تطورت معها المسيرات كسلاح جوي فعال وفتاك، قد قدمت للبلد الأصغر والأضعف عسكريا في الحرب الروسية-الأوكرانية الفرصة لتجاوز اختلال موازين القوة وتوظيف أداة رخيصة الثمن لتدمير أسلحة باهظة الكلفة وتغيير معادلة العمق الروسي الذي لا يمس في مقابل الأراضي الأوكرانية المستباحة. فقد مكنت التكنولوجيا، ومعها بالقطع الكفاءة الاستخباراتية، أوكرانيا من توجيه ضربة مؤلمة لروسيا في مطاراتها الواقعة في العمق السيبيري. القوة المفرطة التي تمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الدول من الاستحواذ عليها تغري بالتوسع في الحروب والصراعات العسكرية وإطالة أمدها وبالمثل، تغير التكنولوجيا المتقدمة من معادلات استراتيجية أخرى وتعيد ترتيب أهمية الأدوات العسكرية المستخدمة في الحروب بين البلدان وتزيد في جميع الأحوال من قدراتها التدميرية. ليست تكنولوجيا الحرب في القرن الحادي والعشرين تكنولوجيا أقل دموية من سابقاتها، بل على العكس فهي تنشر الدماء والدمار على نحو أوسع نظرا للكلفة المحدودة لأدوات كالمسيرات التي يستخدمها الأوكرانيون في أوروبا ودول كإسرائيل وإيران في الشرق الأوسط وحركات اللادولة كالحوثيين وتسمح للأطراف الأضعف في معادلات القوة من تجاوز اختلال القدرات العسكرية بتوجيه ضربات من نوعية هجوم المسيرات الأوكراني أو من نوعية المسيرات والصواريخ التي يطلقها الحوثيون. ولا يقل عن هذا الأمر خطورة ما ترتبه استخدامات الذكاء الاصطناعي فيما خص الحروب والصراعات العسكرية. فقد تطورت قدرات كرصد وتحديد مواقع ومهاجمة العناصر البشرية والمقومات المادية للدول وحركات اللادولة، على النحو الذي أظهرته ضربات إسرائيل المتتالية ضد إيران وحركة حماس وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن. هنا أيضا لا يرادف التقدم التكنولوجي التراجع في خرائط الدماء والدمار الناجمة عن الحروب، بل يعني في التحليل الأخير وبسبب القوة المفرطة المزيد من القتل والتشريد. فالقوة المفرطة التي تمكن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الدول من الاستحواذ عليها تغري بالتوسع في الحروب والصراعات العسكرية وإطالة أمدها (على النحو الذي آلت إليه الأمور بين روسيا وأوكرانيا وتتواصل به الحرب في غزة) وتغري أيضا بالتوسع في استهداف العناصر البشرية والمقومات المادية لدى الأطراف المعادية (على النحو الذي تمارسه روسيا يوميا بتدمير البنى التحتية الأوكرانية وتستخدمه إسرائيل ضد حماس وحزب الله). وما بين تغيير التكنولوجيا المتقدمة لاستراتيجيات الحروب وأدواتها، بعد أن صارت المسيرات التي لا تكلف سوى آلاف الدولارات قادة على تدمير مقاتلات وقاذفات بمليارات الدولارات (الهجوم الأوكراني الأخير) وبين القوة المفرطة التي تمكن استخدامات الذكاء الاصطناعي الدول من الاستحواذ عليها ومن توظيفها في سياق عمليات استخباراتية مدبرة (عملية الباجر التي نفذتها إسرائيل ضد عناصر حرب الله) تتصاعد عالميا سباقات تسلح محمومة ولهاث محموم أكثر خلف أسلحة الدمار الشامل دون خطوط حمراء. وحتما ستتمثل نتائج تلك التطورات الخطيرة في اتساع نطاقات الحروب والصراعات العسكرية وارتفاع مناسيب الدماء والدمار، وفي إبعاد دول هي في أمس الحاجة إلى تخصيص إمكاناتها للعمل التنموي والأمن الإنساني ولجهود التكيف البيئي وللطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر عن كل ذلك والزج بها إلى أتون سباقات التسلح وجنون أسلحة الدمار الشامل. وإذا كان القليل من بين دول عالم اليوم لا يعاني من محدودية الإمكانات المادية ويستحوذ على ما يكفيه لإطلاق جهود التنمية المستدامة وتطوير تسليح جيوشه (دول الخليج خاصة السعودية والإمارات نموذجا) فإنه كان من الأجدر بالدول هذه والأفضل لها أن تبتعد عن سباقات التسلح وأن توجه الموارد الموظفة لشراء الأسلحة إلى مساعدات تنموية لجوارها المباشر والإقليمي (وهو فيما خص السعودية والإمارات دول شبه الجزيرة العربية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا غير المصدرة للنفط أو الغاز الطبيعي). ليست الأزمة الحادة التي تتعرض لها منظومة العلاقات الدولية في 2025 وحسب من صناعة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولا من نتاج التعريفات الجمركية التي يفرضها على الشركاء والمنافسين على حد سواء، بل هي أيضا ترتبها التغيرات المتسارعة التي تأتي بها التكنولوجيا المتقدمة إلى ساحات الحروب والصراعات العسكرية وتزيد من حدتها الأبواب التي صارت مشرعة لجحيم سباقات التسلح والقوة المفرطة وأسلحة الدمار الشامل. كاتب من مصر

تغطية الإعلام الغربي للإبادة تتغيّر… لكن من يغيّر سيليكون فالي؟
تغطية الإعلام الغربي للإبادة تتغيّر… لكن من يغيّر سيليكون فالي؟

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

تغطية الإعلام الغربي للإبادة تتغيّر… لكن من يغيّر سيليكون فالي؟

شهدت الأسابيع الأخيرة تغيراً تدريجياً، لكنه ملحوظ في تغطية وسائل الإعلام الغربية لما يحدث في غزة. بعد أشهر من التهرب، بدأ الإعلام الأوروبي والأميركي باستخدام مصطلح الإبادة الجماعية عند الحديث عن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على قطاع غزة. صحيفة ليبراسيون كتبت على صفحتها الأولى: "الإبادة في غزة مستمرة"، بينما وصفت "لوموند" الوضع بأنه "حرب شاملة لا تميز بين مدني ومسلح"، منتقدة منع دخول المساعدات وتجويع السكان أداة حرب. في ألمانيا، نشرت "دير شبيغل" تحقيقات معمّقة حول جرائم حرب "محتملة". وفي الولايات المتحدة، وبعد تردد طويل، بدأ كُتّاب رأي في صحيفتَي نيويورك تايمز وواشنطن بوست بإبداء تشكيك علني في "الرواية الأمنية" الإسرائيلية. حتى إن مراسلين عسكريين معروفين بقربهم من البنتاغون باتوا يتحدثون عن "عدم فعالية القصف العنيف في تحقيق أهدافه"، وعن "كلفة أخلاقية وسياسية طويلة المدى". لكن هذا التحول المتأخر في لغة الإعلام، الذي جاء استجابة لضغط جماهيري وأكاديمي وشعبي، يطرح سؤالاً موازياً: لماذا لا نشهد تحولاً مماثلاً في وادي السيليكون؟ ولماذا تبدو كبرى شركات التكنولوجيا وكأنها تقف، صامتة – أو متواطئة – أمام مأساة موثقة عالمياً؟ منذ بدء حرب الإبادة على غزة ، أثبتت تقارير موثقة أن الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى - مثل أمازون، وغوغل، ومايكروسوفت، وميتا، وبالانتير - لم تكن مجرد مراقب صامت، بل فاعلاً نشطاً في دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية، تقنياً وتمويلياً وأيديولوجياً. اعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل واسع على أدوات استهداف مبنية على الذكاء الاصطناعي. وهذه البرامج لا تعمل في فراغ، بل تعتمد على بنية رقمية قوية توفرها شركات أميركية: غوغل : تقدم خوارزميات التعرف إلى الوجه. أمازون : تقدم خدمات حوسبة سحابية لاستضافة البيانات التحليلية. مايكروسوفت : توفر أدوات التعرف إلى الكلام لتسريع معالجة المعلومات الاستخبارية. تُستخدم هذه الأدوات في أنظمة يصفها جنود إسرائيليون سابقون بأنها تشبه "البحث عن صديق على فيسبوك"، لكن النتيجة ليست دعوة إلى لقاء، بل إشارة إلى اغتيال. في عام 2021، وقّعت غوغل وأمازون عقداً مع الحكومة الإسرائيلية بقيمة 1.2 مليار دولار تحت اسم "نيمبوس"، يتيح استخدام خدماتهما في الوزارات، ومن بينها الجيش والمخابرات. العقد يحتوي على بنود تمنع الموظفين من الاعتراض على استخدام التقنية في عمليات عسكرية. ورغم احتجاجات موظفين وناشطين داخل الشركتين، استمرت الشركتان في تفعيل المشروع. بعض التطبيقات التي نُفّذت ضمن "نيمبوس" ظهرت لاحقاً في أدوات المراقبة داخل الضفة الغربية وغزة، بما فيها أنظمة تمييز الوجوه وتتبّع حركة الأفراد. أما شركة Palantir، التي أسسها بيتر ثيل وأليكس كارب، فتُعَدّ اليوم أحد أهم مزوّدي الجيشين الأميركي والإسرائيلي بأدوات "استهداف ذكية". بعد افتتاحها فرعاً في تل أبيب عام 2015، باتت تزود إسرائيل بأدوات تحليل بيانات ضخمة تشمل البريد الإلكتروني، والمكالمات، والموقع الجغرافي، والسوشيال ميديا. يرى مؤسسو بالانتير أنفسهم ضمن "الطبقة المحاربة الرقمية"، ويعتبرون تقنياتهم "وسيلة لخوض الحرب من دون دماء"، رغم أن نتائجها على الأرض تقول عكس ذلك: آلاف القتلى من المدنيين في غزة في غضون أشهر. بعيداً عن أدوات القتل المباشرة، لعبت "ميتا" دوراً مختلفاً، لكنه لا يقل خطورة. بحسب تحقيق لـ"الجزيرة"، سمحت الشركة بنشر أكثر من 100 إعلان مدفوع يروّج لبيع شقق في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية، ويدعو إلى تمويل وحدات عسكرية إسرائيلية تنفذ عمليات في غزة. من بين الإعلانات: تمويل لطائرات مسيّرة تستخدم في استهداف الغزيين، وشراء معدات قناصة للواء غولاني، والترويج لمشروع "رامات أديرت" في مستوطنة أريئيل. ورغم سياسة "ميتا" التي "تحظر الترويج للأسلحة"، استمرت هذه الإعلانات لفترات طويلة من دون تدخل يذكر، مع كل المداخيل المالية التي جنتها الشركة منها. في موازاة ذلك، شكا الآلاف حذف منشورات مؤيدة لفلسطين، أو خفض وصولها عبر خوارزميات "فيسبوك" و"إنستغرام"، ما يعزز الشكوك حول انحياز سياسي ممنهج. انطلاقاً من كل ما سبق، يمكن فهم أسباب انحياز الشركات في سيليكون فالي، حتى مع تغيّر المواقف السياسية والإعلامية الغربية. فأولاً، الحرب تدرّ أرباحاً هائلة. عقود الدفاع تُقدّر بعشرات المليارات، وغالباً ما تكون طويلة الأمد. مقابل ذلك، تراجعت أرباح الإعلانات والاشتراكات، ما يدفع الشركات إلى البحث عن مصادر دخل مستقرة. السبب الثاني، الذي غالباً ما يُسقَط عند الحديث عن وادي السيليكون. فأغلب شركات التكنولوجيا في الوادي، ولدت في أحضان البنتاغون. فأولى برمجيات الإنترنت، والحواسيب المتقدمة، ونظم GPS، جميعها كانت مشاريع عسكرية في الأصل. واليوم، تعود هذه العلاقة إلى الواجهة عبر الذكاء الاصطناعي. ولا تخفي بعض الشركات أهمية المشاريع الدفاعية ــ العسكرية هذه. فيروج مستثمرون ومؤسسو شركات مثل Anduril لفكرة أن "السلام لا يتحقق إلا بالخوف". في قمة DefenseTech الأخيرة في تل أبيب قبل أشهر قليلة، قال ممثل Palantir: "الشعوب تريد الأمان، والأمان يعني أن العدو خائف". تكنولوجيا التحديثات الحية "مايكروسوفت" تحظر رسائل البريد الإلكتروني التي تحوي كلمة "فلسطين" إلى جانب تداخل العلاقات التكنولوجية ــ العسكرية، عملت الشركات في الوادي إلى قمع أي صوت عمّالي محتج على التعاون مع الاحتلال. فبعد احتجاجات موظفين على مشاريع عسكرية، عمدت الشركات إلى ميثاقات تمنع العمل السياسي الداخلي. في مشروع "نيمبوس"، وُضع بند يمنع الاعتراض الأخلاقي من قبل العاملين. إذاً صحيح أن الصحافة الغربية بدأت تعيد النظر في خطابها، وتنتقد صراحة سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وتستخدم كلمات كانت قبل أشهر محرّمة (إبادة، تطهير عرقي، تجويع جماعي)، لكن الشركات التقنية تواصل دورها في تمكين هذه السياسات على الأرض. وإذا كانت الصحافة قادرة - بتراكم الضغط - على التحوّل، فإن التكنولوجيا لا تخضع للضغط الأخلاقي بالسهولة نفسها. فهي محكومة بمنطق الربح والسوق والعلاقات مع مراكز القرار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store