logo
تغطية الإعلام الغربي للإبادة تتغيّر… لكن من يغيّر سيليكون فالي؟

تغطية الإعلام الغربي للإبادة تتغيّر… لكن من يغيّر سيليكون فالي؟

العربي الجديدمنذ 4 أيام

شهدت الأسابيع الأخيرة تغيراً تدريجياً، لكنه ملحوظ في
تغطية وسائل الإعلام الغربية
لما يحدث في غزة. بعد أشهر من التهرب، بدأ الإعلام الأوروبي والأميركي باستخدام مصطلح الإبادة الجماعية عند الحديث عن العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على قطاع غزة. صحيفة ليبراسيون كتبت على صفحتها الأولى: "الإبادة في غزة مستمرة"، بينما وصفت "لوموند" الوضع بأنه "حرب شاملة لا تميز بين مدني ومسلح"، منتقدة منع دخول المساعدات وتجويع السكان أداة حرب.
في ألمانيا، نشرت "دير شبيغل" تحقيقات معمّقة حول جرائم حرب "محتملة". وفي الولايات المتحدة، وبعد تردد طويل، بدأ كُتّاب رأي في صحيفتَي نيويورك تايمز وواشنطن بوست بإبداء تشكيك علني في "الرواية الأمنية" الإسرائيلية. حتى إن مراسلين عسكريين معروفين بقربهم من البنتاغون باتوا يتحدثون عن "عدم فعالية القصف العنيف في تحقيق أهدافه"، وعن "كلفة أخلاقية وسياسية طويلة المدى".
لكن هذا التحول المتأخر في لغة الإعلام، الذي جاء استجابة لضغط جماهيري وأكاديمي وشعبي، يطرح سؤالاً موازياً: لماذا لا نشهد تحولاً مماثلاً في وادي السيليكون؟ ولماذا تبدو كبرى شركات التكنولوجيا وكأنها تقف، صامتة – أو متواطئة – أمام مأساة موثقة عالمياً؟
منذ بدء
حرب الإبادة على غزة
، أثبتت تقارير موثقة أن الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى - مثل أمازون، وغوغل، ومايكروسوفت، وميتا، وبالانتير - لم تكن مجرد مراقب صامت، بل فاعلاً نشطاً في دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية، تقنياً وتمويلياً وأيديولوجياً. اعتمد الجيش الإسرائيلي بشكل واسع على أدوات استهداف مبنية على الذكاء الاصطناعي. وهذه البرامج لا تعمل في فراغ، بل تعتمد على بنية رقمية قوية توفرها شركات أميركية:
غوغل
: تقدم خوارزميات التعرف إلى الوجه.
أمازون
: تقدم خدمات حوسبة سحابية لاستضافة البيانات التحليلية.
مايكروسوفت
: توفر أدوات التعرف إلى الكلام لتسريع معالجة المعلومات الاستخبارية.
تُستخدم هذه الأدوات في أنظمة يصفها جنود إسرائيليون سابقون بأنها تشبه "البحث عن صديق على فيسبوك"، لكن النتيجة ليست دعوة إلى لقاء، بل إشارة إلى اغتيال.
في عام 2021، وقّعت غوغل وأمازون عقداً مع الحكومة الإسرائيلية بقيمة 1.2 مليار دولار تحت اسم "نيمبوس"، يتيح استخدام خدماتهما في الوزارات، ومن بينها الجيش والمخابرات. العقد يحتوي على بنود تمنع الموظفين من الاعتراض على استخدام التقنية في عمليات عسكرية. ورغم احتجاجات موظفين وناشطين داخل الشركتين، استمرت الشركتان في تفعيل المشروع. بعض التطبيقات التي نُفّذت ضمن "نيمبوس" ظهرت لاحقاً في أدوات المراقبة داخل الضفة الغربية وغزة، بما فيها أنظمة تمييز الوجوه وتتبّع حركة الأفراد.
أما شركة Palantir، التي أسسها بيتر ثيل وأليكس كارب، فتُعَدّ اليوم أحد أهم مزوّدي الجيشين الأميركي والإسرائيلي بأدوات "استهداف ذكية". بعد افتتاحها فرعاً في تل أبيب عام 2015، باتت تزود إسرائيل بأدوات تحليل بيانات ضخمة تشمل البريد الإلكتروني، والمكالمات، والموقع الجغرافي، والسوشيال ميديا.
يرى مؤسسو بالانتير أنفسهم ضمن "الطبقة المحاربة الرقمية"، ويعتبرون تقنياتهم "وسيلة لخوض الحرب من دون دماء"، رغم أن نتائجها على الأرض تقول عكس ذلك: آلاف القتلى من المدنيين في غزة في غضون أشهر.
بعيداً عن أدوات القتل المباشرة، لعبت "ميتا" دوراً مختلفاً، لكنه لا يقل خطورة. بحسب تحقيق لـ"الجزيرة"، سمحت الشركة بنشر أكثر من 100 إعلان مدفوع يروّج لبيع شقق في مستوطنات غير شرعية في الضفة الغربية، ويدعو إلى تمويل وحدات عسكرية إسرائيلية تنفذ عمليات في غزة. من بين الإعلانات: تمويل لطائرات مسيّرة تستخدم في استهداف الغزيين، وشراء معدات قناصة للواء غولاني، والترويج لمشروع "رامات أديرت" في مستوطنة أريئيل. ورغم سياسة "ميتا" التي "تحظر الترويج للأسلحة"، استمرت هذه الإعلانات لفترات طويلة من دون تدخل يذكر، مع كل المداخيل المالية التي جنتها الشركة منها.
في موازاة ذلك، شكا الآلاف حذف منشورات مؤيدة لفلسطين، أو خفض وصولها عبر خوارزميات "فيسبوك" و"إنستغرام"، ما يعزز الشكوك حول انحياز سياسي ممنهج.
انطلاقاً من كل ما سبق، يمكن فهم أسباب انحياز الشركات في سيليكون فالي، حتى مع تغيّر المواقف السياسية والإعلامية الغربية. فأولاً، الحرب تدرّ أرباحاً هائلة. عقود الدفاع تُقدّر بعشرات المليارات، وغالباً ما تكون طويلة الأمد. مقابل ذلك، تراجعت أرباح الإعلانات والاشتراكات، ما يدفع الشركات إلى البحث عن مصادر دخل مستقرة.
السبب الثاني، الذي غالباً ما يُسقَط عند الحديث عن وادي السيليكون. فأغلب شركات التكنولوجيا في الوادي، ولدت في
أحضان البنتاغون. فأولى برمجيات الإنترنت، والحواسيب المتقدمة، ونظم GPS، جميعها كانت مشاريع عسكرية في الأصل. واليوم، تعود هذه العلاقة إلى الواجهة عبر الذكاء الاصطناعي. ولا تخفي بعض الشركات أهمية المشاريع الدفاعية ــ العسكرية هذه. فيروج مستثمرون ومؤسسو شركات مثل Anduril لفكرة أن "السلام لا يتحقق إلا بالخوف". في قمة DefenseTech الأخيرة في تل أبيب قبل أشهر قليلة، قال ممثل Palantir: "الشعوب تريد الأمان، والأمان يعني أن العدو خائف".
تكنولوجيا
التحديثات الحية
"مايكروسوفت" تحظر رسائل البريد الإلكتروني التي تحوي كلمة "فلسطين"
إلى جانب تداخل العلاقات التكنولوجية ــ العسكرية، عملت الشركات في الوادي إلى قمع أي صوت عمّالي محتج على التعاون مع الاحتلال. فبعد احتجاجات موظفين على مشاريع عسكرية، عمدت الشركات إلى ميثاقات تمنع العمل السياسي الداخلي. في مشروع "نيمبوس"، وُضع بند يمنع الاعتراض الأخلاقي من قبل العاملين.
إذاً صحيح أن الصحافة الغربية بدأت تعيد النظر في خطابها، وتنتقد صراحة سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وتستخدم كلمات كانت قبل أشهر محرّمة (إبادة، تطهير عرقي، تجويع جماعي)، لكن الشركات التقنية تواصل دورها في تمكين هذه السياسات على الأرض.
وإذا كانت الصحافة قادرة - بتراكم الضغط - على التحوّل، فإن التكنولوجيا لا تخضع للضغط الأخلاقي بالسهولة نفسها. فهي محكومة بمنطق الربح والسوق والعلاقات مع مراكز القرار.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صدام دونالد ترامب وإيلون ماسك: أكثر من قطيعة
صدام دونالد ترامب وإيلون ماسك: أكثر من قطيعة

العربي الجديد

timeمنذ 3 ساعات

  • العربي الجديد

صدام دونالد ترامب وإيلون ماسك: أكثر من قطيعة

فوجئ العالم، أمس الخميس، باندلاع حرب تصريحات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك، مع حسم البيت الأبيض، اليوم الجمعة، أن لا اتصال هاتفياً سيجمع الرجلين، بحسب ما نقلته وكالة رويترز عن مصدر مطلع في البيت الأبيض، بعد تسريب معلومات عن احتمال حدوث تهدئة بينهما. وجاءت هذه التطورات بعد أشهر من العلاقة المميزة بينهما، التي أثمرت عن تحالف بين أكبر شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي مع ترامب، في حملته الانتخابية لرئاسيات 2024، وتمويل ماسك حملة ترامب بنحو 250 مليون دولار. وكان ماسك، مالك شركات "إكس" (تويتر سابقاً)، و"سبايس إكس" (المخصصة للفضاء)، و"تسلا" (للسيارات الكهربائية)، رجل ترامب المفضل ومدمّر مؤسسات الدولة وطارد الموظفين منها بصفته رئيس "إدارة كفاءة الحكومة" بصفة وزير حتى استقالته منها في مايو/أيار الماضي، هو الشعبوي الداعم علناً لليمين المتطرف وللفاشيين في كل العالم ومحرّض رئيسه على تبني سياسات ومواقف بناءً على خلفية يمينية متطرفة. ماسك المعارض لقانون ترامب وبات ماسك ضيفاً دائماً على البيت الأبيض، مصطحباً أحياناً ابنه، وأحياناً أخرى والدته. ولم يتردد ترامب في 11 مارس/آذار الماضي في عقد مؤتمر صحافي، بمثابة إعلان لشركة تسلا في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، برفقة ماسك، أمام صف من سيارات تسلا اللامعة. حتى أن الرئيس الأميركي أكد أنه سيصنّف أي عنف ضد وكلاء "تسلا" على أنه إرهاب محلي، وذلك بعد تعرّض بعض تلك السيارات لهجمات متفرقة. لكن العلاقة بينهما تحوّلت إلى صدام؛ أولى جولاته كانت أمس الخميس، بإفصاح ماسك عن معارضته مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي تبناه ترامب، قائلاً إنه "لا يطيق" هذا التشريع، ووصفه بأنه "بشع ومثير للاشمئزاز". ويتضمن مشروع القانون، الذي أقره مجلس النواب في مايو/أيار الماضي، إعفاءات ضريبية تقدر بتريليونات الدولارات، وزيادة في الإنفاق الدفاعي، إلى جانب السماح للحكومة الأميركية باقتراض المزيد من الأموال. ويُتوقع أن يزيد مشروع القانون، الذي يدعوه ترامب "القانون الجميل والضخم" بصيغته الحالية العجز في الميزانية الأميركية، أي الفارق بين الإنفاق الحكومي والإيرادات، بحوالي 600 مليار دولار في السنة المالية القادمة، وفقاً للتقديرات. وفي سلسلة منشورات عبر "إكس"، قال ماسك إن مشروع الإنفاق "المليء بالإهدار بشكل كبير" سيزيد العجز الضخم أصلاً إلى 2.5 تريليون دولار، وسيثقل كاهل المواطنين الأميركيين بديون لا يمكن تحمّلها. ويتضمن مشروع القانون تمديداً لتخفيضات ضريبية وُضعت عام 2017، إلى جانب زيادة كبيرة في التمويل العسكري ودعم خطط الإدارة لترحيل المهاجرين غير النظاميين. كما يقترح رفع سقف الدين، أي الحد الأقصى لاقتراض الحكومة، إلى 4 تريليونات دولار. الرئيس الأميركي يصف رجل الأعمال بـ"المجنون" و"المتقلب" وانهار التحالف السياسي بين ترامب وماسك، مساء الخميس، مع تهديد الرئيس الأميركي بتجريد الملياردير من عقود ضخمة، بقيمة 22 مليار دولار، مبرمة مع الحكومة. ولمّح ترامب إلى توجيه ضربة موجعة للمقاول "المجنون" كما وصفه، مهدداً بإلغاء العقود الحكومية التي تشمل إطلاق صواريخ إلى الفضاء واستخدام مجموعة الأقمار الاصطناعية ستارلينك. وكتب ترامب عبر منصته تروث سوشال: "الوسيلة الأسهل لتوفير المال في ميزانيتنا، مليارات الدولارات، تكون بإلغاء عقود إيلون مع الحكومة والدعم المقدم له". وباع متداولون في وول ستريت أسهم "تسلا" بعد كلام ترامب، لتغلق على انخفاض حاد وقدره 14.3% وتخسر الشركة 150 مليار دولار تقريباً من قيمتها السوقية. وكان هذا أكبر تراجع على الإطلاق تشهده "تسلا" في يوم واحد. ورد ماسك مجدداً مؤكداً أنه سيبدأ "سحب" مركبة دراغون الفضائية من الخدمة، علماً أنها تعد ذات أهمية حيوية لنقل الرواد التابعين لناسا إلى محطة الفضاء الدولية. وجاء في منشور لماسك على "إكس": "في ضوء بيان الرئيس حول إلغاء عقودي الحكومية، ستباشر سبايس إكس سحب مركبة دراغون الفضائية من الخدمة على الفور". لكنه بدا لاحقاً وكأنه يتراجع عن ذلك في معرض رده على مستخدم عبر "إكس": "حسناً لن نسحب دراغون"، إلا أن كلامه لم يكن واضحاً. وبعد دقائق من إغلاق البورصة، رد ماسك بتأييد منشور على "إكس" يقترح عزل ترامب من الرئاسة وتعيين نائبه جي دي فانس رئيساً. ومن المرجح ألا يقدم الجمهوريون على هذه الخطوة، علماً أن الحزب الجمهوري يتمتع بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. كما اقترح ماسك تأسيس حزب ثالث في الولايات المتحدة، لمنافسة الجمهوريين والديمقراطيين. من جهته، قال ترامب في تصريحات نقلها التلفزيون من المكتب البيضوي "خاب أملي كثيراً"، بعدما انتقد مساعده السابق وأحد كبار مانحيه مشروع قانون الإنفاق المطروح أمام الكونغرس. وتبادل الرجلان بعد ذلك الإهانات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر بماسك إلى حد نشر منشور قال فيه إن اسم ترامب وارد في وثائق حكومية بشأن الملياردير جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية، الذي انتحر في زنزانته في عام 2019 خلال انتظار محاكمته. وقد أثارت قضية انتحاره نظرية مؤامرة. وأضاف ماسك: "يوماً سعيداً دي جاي تي" في إشارة إلى اسم ترامب الكامل، دونالد جون ترامب. وعن ذلك، ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت لوكالة فرانس برس، أن منشور ماسك حول إبستين "فصل مؤسف من جانب إيلون المستاء من مشروع القانون الكبير والجميل لأنه لا يتضمن السياسات التي يريدها". وكان ترامب قد تعهّد خلال حملته الرئاسية لعام 2024 بكشف الوثائق السرية المتعلقة بقضية جيفري إبستين، كما قال في مقابلة مع مقدم البرامج ليكس فريدمان في سبتمبر/ أيلول 2024، إنه من المرجح أن ينشر "قائمة العملاء" الذين زاروا إبستين، وإنه لا يمانع في نشر ملفات إضافية. تقارير دولية التحديثات الحية إيلون ماسك خارج إدارة ترامب: إرث "التطهير" والفوضى والفضائح وتعود قصة هذه الوثائق إلى القضية الشهيرة التي أدين فيها إبستين بتهمة الاتجار بالجنس على المستوى الفيدرالي، وكشفت وثائق المحكمة التي نشرت في يناير/ كانون الثاني 2024 أسماء مشاهير في قضيته مثل الأمير البريطاني أندرو والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون وترامب والملياردير بيل غيتس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك كان إبستين يجلب لهم عاملات جنس. وحجب الكثير من المستندات والوثائق، جزء منها أرجع إلى حماية هويات الضحايا. زاد الغموض مع وفاة إبستين داخل السجن في 2019 (خلال فترة ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021)، وبينما قالت التقارير الرسمية إنه توفي منتحراً، إلا أن مشاهير وصانعي محتوى زعموا أنه "تم قتله من جانب أصحاب النفوذ حتى لا يكشف عن باقي الأسماء". وكان اسم ترامب قد ورد منذ القضايا الأولى التي لاحقت إبستين، وخرجت إلى العلن صور له مع الأخير، في منتجع ترامب في مارآلاغو في فلوريدا، تعود لعام 1997 ثم في 2000، وذلك مع زوجته ميلانيا، وشريكة إبستين، ماكسويل. وكان ترامب قد وصف إبستين في عام 2002، بتصريح لإحدى المجلات الأميركية، بأنه "رجل جيد جداً"، وأكد أنه يعرفه منذ 15 عاماً. وقال ترامب حينها: "من الممتع جداً مجالسته، حتى أنه يقال إنه يحب النساء الجميلات تماماً مثلي، والعديدات منهن شابات... جيفري يتمتع جيداً بحياته الاجتماعية". في فبراير/شباط الماضي، بعد أسابيع قليلة من تنصيبه، أعلنت وزيرة العدل بام بوندي عن نشر المرحلة الأولى من الوثائق المتعلقة بقضية جيفري إبستين، مؤكدة التزامها بتعهد الرئيس الأميركي بالشفافية وكشف النقاب عن "الأفعال المقززة التي ارتكبها جيفري إبستين وشركاؤه"، أشارت وزيرة العدل إلى أن الوزارة تلقت بالفعل نحو 200 صفحة من الوثائق ولكن هناك آلاف الوثائق التي علمت بها ولم يسبق الإفراج عنها رسمياً، وأنه سيتم نشرها. وكان المشهد تلفزيونياً لجذب أنصار ترامب، إذ إن الوثائق المذكورة بدت تكراراً لما هو منشور بالفعل ولم تتضمن القائمة التي يرغب أن يراها كثيرون. وبالعودة إلى خلاف ترامب وماسك، فعندما التقى ترامب على انفراد مسؤولي البيت الأبيض الأربعاء الماضي، لم يكن هناك ما يشير إلى أن الصدام العلني مع ماسك وشيك. وقال مسؤولان في البيت الأبيض مطلعان على الأمر لوكالة رويترز، إن ترامب أعرب عن ارتباكه وإحباطه في الاجتماع بشأن هجمات ماسك على مشروع القانون "الجميل والكبير" . وقال المسؤولان إن ترامب تراجع عن شن هجوم على ماسك لأنه أراد الحفاظ على دعمه السياسي والمالي قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2026. لكن بحلول بعد ظهر أمس الخميس، تغير مزاج ترامب، ووصف ماسك بأنه "متقلب". وفي إشارة إلى هذه الصفة، أعرب مسؤول ثالث في البيت الأبيض لـ"رويترز" عن دهشته من تحول ماسك، مشيراً إلى أنه "فاجأ الرئيس والجناح الغربي (يضم المكتب البيضوي وغرفة العمليات) بأكمله". ويمكن أن يعيد الانفصال تشكيل مستقبل الرجلين، فبالنسبة إلى ترامب، إن فقدان دعم ماسك يهدد نفوذه المتزايد بين أكبر شركات التكنولوجيا وجماهير وسائل التواصل الاجتماعي والناخبين الأصغر سناً، وهي مجموعات رئيسية قد يصعب الوصول إليها. كما يمكن أن يعقّد جمع التبرعات قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. أما بالنسبة إلى ماسك، فمن المحتمل أن تكون المخاطر أعلى، إذ يخاطر الانقطاع بتكثيف التدقيق في ممارساته التجارية التي يمكن أن تعرض العقود المبرمة مع الحكومة لخطر إجراء تحقيقات منتظمة فيها. ماسك يؤيد منشوراً يدعو لعزل ترامب وتنصيب نائبه جي دي فانس رئيساً وبرزت انعكاسات الصدام بين ترامب وماسك على الحزب الجمهوري، إذ أيّد السيناتور راند بول من ولاية كنتاكي، موقف ماسك بشأن "القانون الجميل والضخم"، مشيراً إلى أنه لن يدعم القانون إذا تضمن رفع سقف الدين. وأشار إلى أن "الحزب الجمهوري سيتحمّل مسؤولية الدين بمجرد تصويته لمصلحته"، بحسب تصريحه لقناة سي بي إس الأميركية. وردّ ترامب بسلسلة منشورات غاضبة على منصة "إكس"، متهماً بول بأنه "لا يفهم المشروع إطلاقاً"، وأضاف أن "سكان كنتاكي لا يطيقونه"، واصفاً أفكاره بـ"الجنونية". ودافع الجمهوريون عن مشروع القانون، إذ قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون إن الحزب "سيمضي قدماً وبسرعة"، رغم "الاختلاف في وجهات النظر". ومع تريث بعض أعضاء الحزب الجمهوري في اتخاذ موقف محدد من صدام ترامب ـ ماسك، انتقد حلفاء ترامب ماسك، بل شجعوا الرئيس الأميركي على اتخاذ إجراءات ضده. في السياق، قال ستيف بانون ، مستشار البيت الأبيض في ولاية ترامب الأولى والمنتقد المتكرر لماسك: "يوصي الناس، بمن فيهم أنا، الرئيس بسحب كل عقد مرتبط بإيلون ماسك وأن تبدأ التحقيقات الرئيسية على الفور". وقال بانون إن وضع الهجرة لماسك المولود في جنوب أفريقيا، والتصريح الأمني، و"تعاطي المخدرات والعلاقة مع الصين والتورط في محاولة إيصال الرئيس شي (جين بينغ) إلى حفل التنصيب (لترامب في 20 يناير الماضي) يجب أن تخضع جميعها للتدقيق". في المقابل، رحّب بعض الديمقراطيين بتصريحات ماسك رغم انتقاداتهم السابقة له ولفريق عمل "إدارة كفاءة الحكومة". وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر: "حتى إيلون ماسك، الذي شارك في العملية وكان من المقربين لترامب، يقول إن المشروع سيئ. يمكننا أن نتخيل مدى سوء هذا المشروع". وحدّد ترامب والجمهوريون في الكونغرس موعداً نهائياً في 4 يوليو/ تموز المقبل لإقرار القانون وتوقيعه. (العربي الجديد، فرانس برس، رويترز) اقتصاد دولي التحديثات الحية مخاوف في الأسواق بعد هجوم ماسك ضد قانون ضرائب ترامب

همود التكنولوجيا الإسرائيلية: مخاطر مستقبلية تهدد قاطرة النمو الاقتصادي
همود التكنولوجيا الإسرائيلية: مخاطر مستقبلية تهدد قاطرة النمو الاقتصادي

العربي الجديد

timeمنذ 5 ساعات

  • العربي الجديد

همود التكنولوجيا الإسرائيلية: مخاطر مستقبلية تهدد قاطرة النمو الاقتصادي

تبدو الافتراضات التي تؤكد نمو التكنولوجيا العالية الإسرائيلية غير دقيقة، حتى إن تقرير معهد رايز الإسرائيلي يبين أن احتمال حدوث سيناريو "العاصفة المثالية" آخذ في الازدياد. ومن بين الأسباب، عدم الاستقرار الداخلي، وتراجع سمعة إسرائيل ، والتغير التكنولوجي الذي لا يُفيد مزايا التكنولوجيا العالية المحلية، والركود العالمي نتيجة الحروب التجارية. "هل ستكون الأمور على ما يرام بالضرورة؟" هذا هو السؤال المحوري الذي يطرحه تقرير خاص حرره البروفيسور يوجين كيندال، وكتبه معهد رايز لأبحاث التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلي ونشره موقع "كالكاليست". تقرير يخلص إلى أنه على الرغم من أن قطاع التكنولوجيا المتقدمة يُظهر قوةً مفاجئة على ما يبدو طوال عام ونصف عام من الحرب، بل ويُحقق صفقات غير مسبوقة، إلا أن هناك تيارات سلبية كامنة. يتناول التقرير الذي أعده معهد رايز ما إذا كانت الافتراضات الأساسية التي استندت إليها التكنولوجيا العالية الإسرائيلية على مدى العقود القليلة الماضية لا تزال صالحة. الإجابات ليست مشجعة، وفق "كالكاليست". ليس فقط بسبب التغييرات في إسرائيل، ولكن أيضًا نتيجة لثورة الذكاء الاصطناعي في العالم. تميل الثورات من هذا النوع إلى إبعاد الدول التي كانت تقود اللعبة سابقاً لتقديم لاعبين أقوياء جدد. في ذروة الثورة، غرقت إسرائيل في انقلاب قضائي وحرب، ما يجعل التأقلم صعبًا، بالإضافة إلى الأسباب الموضوعية. ونشرت شركة IVC الإسرائيلية المتخصصة في مجال مصادر البيانات والمعلومات التجارية، العام الماضي، التقديرات للربع الثالث من عام 2024 التي بموجبها جمعت شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية 938 مليون دولار فقط في 61 صفقة. وهذا هو أقل رأسمال جُمع منذ سبع سنوات، أي منذ الربع الثالث من عام 2017، وأقل عدد من المعاملات في العقد الماضي. وهذا يمثل انخفاضًا بنسبة 70% مقارنة بالربع السابق وأكثر من 51% مقارنة بالربع الأول من عام 2024. أما بالنسبة لعدد الصفقات، فقد سُجّل انخفاض بنسبة 58% مقارنة بالربع السابق، وثلث مقارنة بالربع الأخير من عام 2023. وهذا يعني أن الاتجاه الهبوطي الذي بدأ قبل ثلاث سنوات يزداد سوءا. التكنولوجيا في قلب الأزمات والافتراض الأساسي لكثيرين هو أن التكنولوجيا العالية الإسرائيلية سوف تنجو من جميع الأزمات، كما كتب مؤلفو تقرير رايز، "ولكن المزيد من الافتراضات تثبت عدم صحتها، واحتمال حدوث سيناريو العاصفة المثالية يتزايد، وهو مزيج من عدم الاستقرار الداخلي، وانحدار سمعة إسرائيل في الخارج، والتغيير التكنولوجي الذي لا يفيد مزايا إسرائيل، والركود العالمي نتيجة للحروب التجارية". لا تزال منظمة رايز تعتقد بوجود سيناريو ركود مؤقت سيتلاشى مع انتهاء الحرب في إسرائيل واستقرار اللاعبين الرئيسيين في مجال الذكاء الاصطناعي. ولكن هناك أيضًا سيناريو أقل تفاؤلاً، حيث ستتقلص التكنولوجيا العالية الإسرائيلية وتركز على قطاعات قليلة وعدد قليل من الشركات الناجحة. وبالتالي، ستتوقف عن كونها محرك النمو الاقتصادي. وكتب كيندال: "في رأينا، لا يمكن تجاهل هذا السيناريو. على مستوى السياسات، نعتقد أن مفهوم أن التكنولوجيا العالية الإسرائيلية محصنة ضد الصدمات بمرور الوقت وستتمكن حتمًا من العودة إلى مجدها السابق ليس سياسة مسؤولة. دور السياسة الحكومية، من بين أمور أخرى، هو التحوط من المخاطر وليس المقامرة بأن كل شيء سيكون على ما يرام". اقتصاد دولي التحديثات الحية رغم حرب الإبادة... الصادرات العسكرية الإسرائيلية تحطم رقماً قياسياً ما هي المؤشرات على أرض الواقع التي تُقلق واضعي التقرير؟ تأتي أوضح إشارة من الأساس الذي بُنيت عليه التكنولوجيا المتقدمة، أي رأس المال البشري. لأكثر من عقد من الزمان، كان هناك نقص مستمر في الأيدي العاملة في قطاع التكنولوجيا المحلي، وهي يقدرون بـ20 ألفًا. ومع ذلك، منذ بداية عام 2023، كان هناك ركود في عدد العاملين في هذه الصناعة، وعلى وجه التحديد، كانت هناك زيادة حادة ومستمرة في عدد الباحثين عن عمل بين المبرمجين. علاوة على ذلك، تضاعفت نسبة الباحثين عن عمل في مجال التكنولوجيا المتقدمة من إجمالي الباحثين عن عمل، وهي أكبر من نسبتهم في القوى العاملة. هذا الاتجاه ليس فريدًا في إسرائيل، بل يحدث أيضًا في الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى تفسير أن بعض الأسباب تتعلق بالذكاء الاصطناعي الذي يحوّل مهارات البرمجة إلى سلعة. إذا زاد هذا الاتجاه، فستكون لذلك عواقب سلبية كبيرة على الميزة التنافسية لإسرائيل. تحذيرات متصاعدة يأتي تحذير آخر من قطاع الشركات الناشئة، وهو أوسع قاعدة للابتكار الإسرائيلي ومفتاح ميزته النسبية في العالم، كما يطلق عليه: "أمة الشركات الناشئة". ولكن هنا أيضًا، تملي ثورة الذكاء الاصطناعي متطلبات جديدة، وخاصة الموارد الكبيرة التي تواجه الشركات الناشئة صعوبة في توفيرها: الطاقة، وقوة الحوسبة، والخوارزميات اللازمة لتدريب النماذج. يعود الابتكار على المستوى العالمي إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، والأوساط الأكاديمية، أو حتى الحكومات، ما يجعل من الصعب على الشركات الناشئة المنافسة. تعتقد مؤسسة رايز أن هذا أحد أسباب انخفاض إنشاء الشركات الناشئة الجديدة في إسرائيل. سُجّلت ذروة الاتجاه المثير للقلق في عام 2023، عندما كان عدد الشركات الناشئة التي أُغلقت، لأول مرة في تاريخ الصناعة المحلية، أعلى من عدد الشركات الناشئة التي أُسّست. من المؤشرات الأخرى على تراجع مكانة الشركات الناشئة مقارنةً بالشركات العامة الكبيرة، انخفاض نشاط جمع رأس المال وصناديق رأس المال الاستثماري. اقتصاد دولي التحديثات الحية مطالب أوروبية بتجميد أصول بنك إسرائيل المركزي... ما القصة؟ ووفقًا للتقرير، ووفقًا لخط الاتجاه طويل الأجل، كان من المفترض أن تجمع الشركات الناشئة في إسرائيل 20 مليار دولار بحلول عام 2024، لكنها في الواقع جمعت حوالي نصف هذا المبلغ. وهنا أيضًا، لا تُعدّ البيانات استثنائية مقارنةً بالعالم، إلا أنها تُلقي بظلالها السلبية على مصلحة الصناعة الإسرائيلية التي أصبحت بمثابة "مختبر أبحاث" لشركات عملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت، لكنها لا تُطوّر ابتكاراتها الخاصة. كذا يتحول تركيز الابتكار العالمي اليوم بشكل أكبر إلى الأجهزة والطاقة والرعاية الصحية، حيث تكون إسرائيل أقل قوة. وهنا، يلعب صغر حجم إسرائيل على حسابها في غياب الميزانيات الضخمة المخصصة من قبل حكومات دول مثل الولايات المتحدة والصين وكندا أو الدول الأوروبية. يضاف إلى كل هذه المؤشرات التحذيرية الوضع الجيوسياسي في إسرائيل، الذي يؤثر، ولأول مرة منذ عقود، على قطاع التكنولوجيا المتقدم، الذي كان يُعتبر "محمية طبيعية"، وفقاً للتقرير. لكن وفقًا لأوري غاباي، الرئيس التنفيذي لشركة رايز، بدأت المشاكل قبل الحرب (2023). يقول: "هناك فجوة كبيرة بين ما نقوله لأنفسنا والأرقام على أرض الواقع. المشكلة لم تبدأ في عام 2023، بل مع توالي الحملات الانتخابية. بالكاد عملت الوزارات الحكومية مدة ثلاث سنوات على الأقل منذ عام 2019. في السنوات الأخيرة، لم تكن إسرائيل بارعة في التفكير الاستراتيجي الحكومي". وأشار غاباي إلى أن نشر التقرير كان مصحوبًا بشكوك كثيرة. ويقول: "لقد انتظرنا طويلًا قبل إصدار هذه الوثيقة لأننا قلنا إن غالبية (المؤشرات السلبية) ربما تكون آثارًا معزولة للانقلاب ثم الحرب، لكننا نرى الآن أنها مستمرة منذ مدة طويلة. حتى لو انتهت الحرب غدًا، فهناك اتجاهات سلبية لن تتغير فورًا". وتابع أن القول الشائع "المشكلة ليست مشكلتنا وحدنا، بل مشكلة عالمية"، لا يعني عدم وجود مشكلة، وأننا لسنا بحاجة للبحث عن حل. حتى لو قلّ عدد الشركات الناشئة في الولايات المتحدة، فإن لديها عددًا أكبر من الشركات العملاقة التي ترغب في إدارة القطاع ودفعه قدمًا. أما في إسرائيل، فالحساسية أعلى بكثير. أيضًا، لأن الاقتصاد يعتمد بشكل أكبر على التكنولوجيا المتقدمة، وداخل هذا القطاع، يُهيمن عنصر الشركات الناشئة بشكل أكبر بكثير من الدول الأخرى". وقال إن "سمعة إسرائيل تتآكل. لقد اعتادت الحكومة على إدارة التكنولوجيا المتقدمة ونجاحها بمفردها مدة 20 عامًا، ولم تعد تستوعب أن هذا لم يعد هو الحال".

العيد تحت القصف... والعيد تحت الغلاء
العيد تحت القصف... والعيد تحت الغلاء

العربي الجديد

timeمنذ 8 ساعات

  • العربي الجديد

العيد تحت القصف... والعيد تحت الغلاء

بين من يدعون إلى الهدنة في غزّة من أجل العيد ومن يحاولون ذبح خروف يوم العيد في المغرب رغم منع السلطات التضحية هذه السنة، شعرةٌ خفيفةٌ في سوء فهم معنى العيد. الأوائل بسبب أنهم يعتقدون أنّه ما زال للأيام حُرمة في مكان يعيش الديستوبيا أمام أعين العالم الجبانة، بينما العيد عند الغزّيين هو النّجاة من القصف، وكسرة خبز، وهذان معاً أول حاجات الإنسان منذ أول وجوده في الأرض، أن ينجو من الوحوش وأن يجد ما يأكله. فحتى الحاجة إلى المأوى واللباس جاءا بعد ذلك. أمّا المغاربة الذين مُنعوا من التضحية هذه السنة، فبعضهم لم يأخذ القرار بجدّية، وسلك سبلاً خفيّةً إلى ذبح الخروف. سواء قبل العيد، أو سرّاً في اليوم الموعود. ففي نظر هؤلاء ماذا يفعل الإنسان في العيد إذا لم يكن لديه لحم وفير؟ رغم أنّ سبب منع التضحية لم يكن التضييق على تأدية طقس، بل السعي إلى الحفاظ على القطيع "الحيواني". وهذا الإقبال على اقتناء وتخزين اللحم يضرب هذا الهدف في الصميم، لأنه سيؤدّي إلى ذبح عدد كبير من الماشية، ممّا سيأتي على عدد القطيع المقرّرة حمايته. وإذا لم يبحث هؤلاء عن اللحم في عمومه، فهم يبحثون (بشقّ الأنفس) عن الأعضاء التي تمثّل عنصراً أساساً في أطباق العيد؛ الكبدة للفطور، الكرشة للغذاء، لحم الرأس لكسكس لليوم الثاني في العيد، ولحمٌ فتي للشواء... بالضبط كالعادة. صحيح أن هناك فئة وجدتها فرصةً للتّخفّف من الأعباء الأسرية، واستغلال عطلة العيد في السفر، لكنّ فئة عريضةً محتارةً في أيام العيد كيف تقضيها. إنه نقص الخيال، والفراغ النفسي الذي يجعل الإنسان يتمسّك بالعادات والتقاليد والطقوس بشدّة، لأنه ضائع من دونها، ولأنه لم يعتد اختيار طريقة احتفال غير الجاري بها العمل منذ نشأة مجتمعه. والحقيقة أن عيد الأضحى هو أكثر الاحتفالات فقراً في الخيال الجمعي من حيث الطقوس، فهو مناسبة تعتمد على استهلاك اللحم في ثلاثة أيام، وهي العادة التي كانت سائدة قديماً، في غياب الثلاجات التي تتيح الاحتفاظ به، فكان على الناس ابتداع طرائق مختلفة لطبخه خلال تلك الفترة، وأبدع المغاربة في ذلك. ولم يغيّر الناس طريقة التعاطي مع هذا العيد رغم تغيّر المجتمع. ففي عيد الفطر ابتكر الناس على مرّ الأجيال طرائقَ للاحتفال به؛ ملابس وحلويات وأطعمة مختلفة. ورغم أن المغاربة الوحيدون الذين وجدوا أنفسهم أمام هذا القرار، لأنه قد يتّسع ليشمل دولاً عديدةً مستقبلاً. إذ نُشرت خلال الأيام الماضية أسعار المواشي في المنطقة العربية، خلال الفترة السابقة للعيد، وكانت مُثيرة للاستغراب. ففي فلسطين، تجاوز سعر الخروف ثمانمائة دولار، واقترب أقلّ سعر له من أربعمائة في دول أخرى. إذا نحن أمام المعضلة نفسها التي دفعت المغرب إلى اتخاذ القرار، وهي ارتفاع جنوني للأسعار بما يفوق قدرة معظم الأسر، مع قلّة العرض، فالمضاربة والحاجة تدفعان الأسواق إلى الجشع، والحكومات لا تفعل شيئاً لمنع المضاربة وتوفير عرض وفير يُرضي الطلب. لذا ستفرض إعادة النظر في السُّنة نفسها في أقرب الآجال، مع درجات التضخّم التي أتت على العالم. وبما أن كثيرين لم ينظروا إلى الأضحية طقساً دينياً مقدّساً، بقدر ما هو في نظرهم طقس اجتماعي. وبما أن الطقوس أقدس من معطيات الواقع، ستجد الحكومات العربية نفسها أمام خيار منع التضحية، لإعفاء الناس من ثقل الواجب الاجتماعي، وتحقيق نوع من المساواة، فكيف تقنع أطفال أسرة تحت خطّ الفقر أن الخروف ليس هو العيد؟ ومع تحكّم رؤوس الأموال في الأسعار واستغلال مواسم الإقبال، ممّا يضع الإنسان البسيط، والمتوسّط الدخل، في مواجهة ما لا يقدر على تحمله، لن يكون أمام الحكومات سوى إعفاء الناس ممّا لم تساعدهم في حمله. هذه الحكومات التي تضحّي بالشعوب كلّ يوم من أجل عيون الرأسمالية الجشعة، والإجراءات النيوليبرالية. لذا، ليس غريباً عنها أن تضحّي بغزّة من أجل عيون آلهة العالم الجديدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store