
الندوة الحوارية "اللغات باعتبارها أدوات للتنمية المستدامة"
بالشراكة بين مركز أبوظبي للغة العربية والأرشيف والمكتبة الوطنية ومجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، انعقدت الجلسة الحوارية بعنوان "اللغات باعتبارها أدوات للتنمية المستدامة"، في إطار الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم، الذي يصادف 21 فبراير من كل عام، وذلك في مقر الأرشيف والمكتبة الوطنية بالعاصمة أبوظبي.
وناقشت الفعالية التي تقام ايضاً بالتزامن مع الاحتفال باليوبيل الفضي لليوم الدولي للغة الأم، الذي اختارت له اليونسكو هذا العام شعار "اللغات بوصفها أدوات للتنمية المستدامة"، أهمية التعدّدية اللغوية، وأثر التعليم متعدّد الألسن بوصفه أحد ركائز التعليم، والتعلّم بين الأجيال، وأضاءت على التنوّع الثقافي في مجتمع الإمارات بما ينسجم مع إعلان العام 2025 "عام المجتمع"، الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله.
وقالت سعادة هدى إبراهيم الخميس، مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي: "في رحاب إعلان الإمارات العام 2025 عاماً للمجتمع، نحتفل مع اليونسكو باليوبيل الفضي لليوم الدولي للغة الأم، إبرازاً لمكانة اللُّغات كأدوات للتنمية المستدامة، وأهمية التعليم متعدد الألسن في تمكين نهضة الأوطان ورفعة الإنسانية، مجدّدين التزامنا معاً يداً بيد للحفاظ على تراثنا وقيمنا الأصيلة والاعتزاز بهويتنا الوطنية ولغتنا العربية الأم، والاحتفاء بالتنوّع والتعددية الثقافية التي هي السمة الأبرز لمجتمعنا الإماراتي".
وتابعت سعادتها: "نسلّط الضوء على أهمية اللغات في إطلاق الإمكانات والقدرات، وإتاحة فرص تطوير ورعاية المواهب وتشجيع الابتكار، ونعمل بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية والأرشيف والمكتبة الوطنية، إسهاماً في إثراء الرؤية الثقافية لأبوظبي، وترجمةً لمبادئ عام المجتمع في بناء مجتمع متكاتف وترسيخ ثقافة التعاون وتعزيز الوحدة والانتماء".
وختمت بالقول: "نؤمن بالتعليم متعدّد اللغات لما له من دور في الحفاظ على التراث اللغوي وعادات وتقاليد الإنسانية بمختلف شعوبها وثقافاتها، ولكونه أداةً معرفية لتعزيز المهارات والتقدم العلمي والأداء الأكاديمي، والانسجام الاجتماعي والتفاهم المشترك والحوار".
ومن جهته، وقال سعادة الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: "يتزامن الاحتفاء بـاليوم الدولي للغة الأم هذا العام، مع تخصيص دولة الإمارات عام 2025 ليكون عام المجتمع؛ ليتقاطع هذا الاحتفاء باللغة، مع الاهتمام بالمجتمع الذي تُشكّل اللغةُ نواةَ هويته وثقافته؛ وأداته للقيام بدوره ركيزةً أساسية لعملية البناء والاستدامة في دولة الإمارات.
ومن هنا تنبع الأهمية النوعية للشعار الذي اختارته اليونسكو لاحتفالية هذا العام "اللغات بوصفها أدوات للتنمية المستدامة"؛ لأنه يسلط الضوء على اللغات من زاوية كونها مؤثراً حقيقياً في تنمية المجتمعات، إضافة إلى دورها في التواصل والالتقاء الحضاري بين الثقافات وحفظ تقاليدها. ومن هنا كان حرصنا في مركز أبوظبي للغة العربية على مشاركتكم الاحتفاء بهذه المناسبة، للتركيز على أهمية اللغة كونها ركيزة لتنمية الأمم، وتطوّرها والمحافظة عليها، والإسهام في صون مقدرات المجتمع الفكرية والمعرفية".
بدوره قال سعادة عبدالله ماجد آل علي، مدير عام الأرشيف والمكتبة الوطنية:" دولة الإمارات نموذجٌ عالميّ في التعايشِ والتنوع الثقافي واللغوي، وذلك بفضلِ رؤية قيادتِنا الرشيدة التي تدركُ أن اللغةَ ليستْ مجرّدَ وسيلةِ تواصل، بل هي الحاملُ لذاكرةِ الأممِ ومفتاحُ تقدمِّها واستدامَتِها. لذا فإن الاحتفاءُ باللغةِ الأم يعكس جزءاً من التزامِنا بالمحافظةِ على الإرثِ الثقافيِ واللغويِ للأجيال القادمة".
وتابع سعادته:" يحرصُ الأرشيفُ والمكتبة الوطنية على تقديمِ برامجَ ومشاريعَ ومبادراتٍ تعززُ مكانةَ اللغةِ العربيةِ والتعدديةَ اللغويةَ، وتدعمُ أهدافَ التعلمِ المستدام، لإيمانه بأن المعرفة اللغوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبحث العلمي، لا سيما وأن مكتبةُ الأرشيف والمكتبة الوطنية تعدّ اليوم مرجعاً علمياً غنياً، لما توفّره من مصادرَ بحثيةً متكاملةً تدعم جهودَ الباحثين في مختلفِ المجالات، ومن ضمنها مجالاتُ اللغةِ والترجمة، ونتطلع لمواصلة دعم المبادرات التي تعزّز اللغة الأم وتحافظ على تراثها وتطورها بالتعاون مع جميع المؤسسات التعليمية والثقافية".
وتناولت الجلسة النقاشية التي شارك فيها كلٌّ من الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة، والدكتورة سلوى مقدادي، أستاذ تاريخ الفنّ بجامعة نيويورك أبوظبي، مديرة "المورد" المركز العربي لدراسة الفنّ، والدكتورة هنادا طه، أستاذ كرسي اللغة العربية بجامعة زايد، وأدارتها الشاعرة شيخة المطيري، الحديث عن أهمية الاحتفاء باللغات الأم، وتقديرها، لما لها من دور مهمّ وفاعل في تقريب الشعوب، وفتح آفاق التلاقي والتعارف.
وأجمع المشاركون على أن اللغات شكّلت على امتداد التاريخ مفاتيح معرفة، وكانت ولا زالت لسان حال الأمم، والمعبّر عنها، حيث أوضح الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة بأن اللغة العربية راسخة ومتجذّرة في قلوب أبنائها، وأن بها طاقة تستوعب ما يأتي من كلمات مهاجرة فرضها الواقع، فيما أكّدت الدكتورة هنادا طه أن اللغة العربية بخير، لكن يوجد قلق بما يتعلّق بتعليم اللغة العربية، مشيرة إلى ضرورة أن يتّحد الفكر، مع توعية المجتمع نحو تعلّم اللغات وإدراكها، والإضاءة على سياسات لغوية باللغة العربية لترسيخ حضورها.
من جانبها بيّنت الدكتورة سلوى مقدادي، أستاذ تاريخ الفنّ بجامعة نيويورك أبوظبي وجود اهتمام كبير من قبل الشباب بالفنون العربية المعاصرة وتاريخ الفن، موضحة أن جهود الأرشفة ساهمت في حفظ منجزات فنية كبيرة تروي تاريخ الفن والثقافة العربية، وأن الكثير من الطلبة الأجانب الذين سعو لتعلّم الفنّ العربي كان من الضروري عليهم أن يتعلّموا اللغة العربية ليفهموا حقيقة الفنون وجمالياتها، واختتم المشاركون بالإشارة إلى أن اللغة بحدّ ذاتها هويّة، ويجب تعزيز وعي الأجيال الجديدة لإتقانها، والتحدّث بها، وحفظ استدامتها، لأهميتها في مدّ جسور التلاقي والتواصل مع نظرائهم حول العالم.
ويحتفي المركز سنوياً باليوم الدولي للغة الأم، الذي أعلنته "اليونسكو" منذ العام 2000، بهدف حماية تعدد اللغات، وصون اللغات الأم، وتعزيز السلام بين الشعوب، عبر إطلاق فعاليات تحاكي الشعار السنوي الذي تعلنه المنظمة الأممية، ويتسق مع رؤيته الإستراتيجية للغة العربية وأهميتها في بناء المجتمع وتنميته المستدامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ 16 ساعات
- البلاد البحرينية
الحاج عبدالله الذهبة.. تاجر مجوهرات أشرف على ملجأ أيتام بالهند
ينتسب الراحل الحاج عبدالله الذهبة إلى عائلة لها مكانتها وامتدادها في البحرين وبعض دول الخليج، وممن اشتهر من أعلام هذه الأسرة هو المرحوم الشاعر الشيخ عبدالله بن الشيخ أحمد الذهبة البحراني المولود في قرية جدحفص أوائل القرن الثاني عشر الهجري، ولا يزال مسجد الذهبة في القرية يحمل اسم والده الشيخ أحمد. مسؤولية إعالة الأسرة في فريق الحطب بالمنامة ولد الحاج عبدالله الذهبة عام 1926، وهو بالمناسبة حفيد الشاعر الشيخ عبدالله الذهبة رحمه الله، ومن أصدقاء طفولته ورفاقه المرحومين العلامة الشيخ أحمد بن خلف العصفور، حسن بن عبد الرسول بن رجب وإخوانه، عبدالرسول المسقطي، السيد مجيد الماجد، الحاج على أبو ديب، الحاج حسن على السماهيجى وجاسم محمد الصفار، توفي والده وهو صغير فتولى مسؤولية إعالة أسرته إذ كان هو الابن الوحيد بين ثلاث أخوات. بين صفوى ورحيمة والرياض سافر إلى السعودية في منتصف الأربعينيات بحثًا عن لقمة العيش حيث عمل في إحدى شركات النفط متنقلًا بين منطقتي صفوى ورحيمة ثم العاصمة الرياض، ودام عمله في السعودية ما يقارب 10 أعوام. بعد فترة عمله في السعودية، تزوج ابنة خالته كريمة السيد أحمد السيد محمود، ثم غادر إلى الكويت في منتصف الخمسينيات وزاول مهنة الدلالة وتجارة المواد الغذائية، واستقر في الكويت نحو 15 عامًا ثم قرر العودة إلى البحرين ليستقر بشكل دائم مع العائلة عام 1970، وافتتح محلًّا لبيع الذهب والمجوهرات واستمر في هذه التجارة لما يقارب 15 عامًا. مجمع الأيتام في 'رامبور' كان المرحوم الحاج عبدالله الذهبة مشهورًا بالأمانة ودماثة الخلق وحسن المعشر، ليس على مستوى البحرين فحسب، ولكن على مستوى الخليج والمنطقة، لذا تولى مسؤولية القيام بالعديد من المشاريع الخيرية نيابة عن عدد من تجار الخليج، ومن هذه المشاريع بناء مجمع للأيتام في قرية رامبور بالهند أوائل الستينيات بالهند، ويحوي ذلك المجمع مدرسة وسكن بتمويل من مؤسسة مناهل الخير في دولة الكويت. مجوهرات الهند وأحجارها الكريمة كان رحمة الله عليه كثير السفر للهند لتجارة المجوهرات والأحجار الكريمة، وكان يصطحب ابنه عادل في بعض السفرات ليتعرف على التجار الهنود، وكانت تمتد فترة إقامته لأكثر من 6 أشهر في بعض الأحيان بالزيارة الواحدة، وكان يزور دول الخليج للقاء التجار ورجال الأعمال. توفى رحمة الله عليه يوم الخامس والعشرين من شهر سبتمبر عام 1998، ودفن بمقبرة المنامة. في مجوهرات الذهبة بشارع الشيخ عبدالله من لقاءاته مع التجار البحرينيين والسعوديين مع تجار دبي محمد أحمد العباس وعلي ابراهيم الفردان


البلاد البحرينية
منذ 6 أيام
- البلاد البحرينية
استعدوا لزيادة عدد سكان سترة إلى 65 ألف نسمة
ترحب 'البلاد' برسائل ومساهمات القراء، وتنشر منها ما لا يتعارض مع قوانين النشر، مع الاحتفاظ بحق تنقيح الرسائل واختصارها. يرجى توجيه الرسائل إلى البريد الإلكتروني ([email protected]) متضمنة الاسم ورقم الهاتف. تأسست جمعية سترة الخيرية تحت مسمى 'صندوق سترة الخيري' في الأول من سبتمبر بالعام 1993م، وذلك طبقًا لأحكام القانون الخاص بالجمعيات والأندية الرياضية والهيئات الاجتماعية والثقافية. ومنذ ذلك التاريخ، والجمعية تقدم خدماتها لعموم مناطق سترة دون تمييز، وتسعى جاهدة لتلبية احتياجات الأسر المتعففة، وتقديم المساعدات للأفراد والطلبة المحتاجين، ودفع تكاليف العلاج لبعض الحالات المرضية، وتغطية نفقات الزواج. لدى الجمعية العديد من المشروعات الرائدة التي تلامس الحياة المعيشية لأبناء جزيرة سترة، مثل ترميم البيوت، وتوفير الأجهزة المنزلية والكهربائية، وإقامة حفلات تكريم للمتفوقين، وكفالة الأيتام، وتوزيع السلال الرمضانية، وحقيبة الطالب، والمبادرات الموجهة لأصحاب الهمم. ولا تختلف جمعية سترة الخيرية عن باقي الجمعيات والمؤسسات في مملكة البحرين، فهي تعيش المصاعب، وتتقاسم الهموم والمتاعب، وتواجه المنعطفات الخطيرة والتحديات المختلفة. لكنها تجتاز تلك العقبات بفضل الله تعالى، وبجهود وإخلاص أعضاء المجالس الإدارية المتعاقبة، وصبر العاملين في اللجان التابعة للجمعية، رحم الله الماضين وأطال في عمر الباقين. كما لا يمكن إغفال دعم ومساندة أهالي سترة، الذين كانوا عونًا وسندًا لجمعيتهم منذ تأسيسها وحتى اليوم. واليوم، وبعد مرور قرابة 32 عامًا على تأسيسها، ما تزال جمعية سترة الخيرية قادرة على العطاء على رغم صعوبة العمل ووعورة الطريق. وأحسب أن التحديات تزداد قوة من حين لآخر، ومعها يجب أن تتضاعف الجهود، ويزداد النشاط، وتُبتكر أساليب جديدة، وتُوضع برامج وخطط ناجحة. من الضروري أن تخرج الجمعية من حالة الرتابة والروتين، وتنفتح أكثر على الحاضنة الاجتماعية، وتوثق علاقتها بالأفراد وبقية جمعيات ولجان المجتمع المدني في سترة. كما أنه من واجب كل ستراوي مخلص الوقوف إلى جانب الجمعية، ومساندة العاملين فيها، فالأمر لم يعد كالسابق، لا على المستوى الإداري ولا الشعبي. الجمعية اليوم بحاجة ماسة إلى سجل منظم للأعضاء المنتسبين حسب النظام الأساسي؛ لأن ازدياد وتنوع العضوية سيسهم في تشكيل جمعية عمومية فاعلة، تدعم الإدارة القادمة، وتساهم في تطوير مستقبل الجمعية، وتعزز قوة الانتخابات، وتفرز إداريين ولجانًا عاملة تعيد للجمعية هيبتها وقوتها المعهودة. وليسمح لي مجلس إدارة جمعية سترة الخيرية أن أشير إلى بعض النقاط المهمة: أولًا: تحت شعار 'سترة تنتخب'، دشنت لجنة الإشراف على الانتخابات حملتها لانتخاب مجلس إدارة جديد. لكن، في ظل المعطيات الحالية، لن يتطور الأداء الإداري والمالي ما لم تكن هناك جمعية عمومية مختلفة وفاعلة، لها حضور قوي في الانتخابات وما بعدها. ثانيًا: لا ينبغي على الأخوة الأفاضل في اللجنة المشرفة على الانتخابات الاكتفاء بالجانب التنظيري، وإصدار البيانات والدعوات فقط، بل يجب تفعيل البرامج العلمية والعملية التي تشجع على المبادرة، وتنفيذ زيارات ميدانية لإقناع الكوادر المؤهلة بالترشح. ثالثًا: مع اكتمال مدينة شرق سترة، سيزداد عدد السكان بنسبة كبيرة قد تصل إلى نصف العدد الحالي، ليبلغ نحو 65 ألف نسمة أو أكثر. ومع هذا التوسع العمراني، ستزداد الضغوط على البنية التحتية، بما فيها جمعية سترة الخيرية؛ ما يستدعي الاستعداد المبكر بدءًا من الانتخابات القادمة، بإحياء الجمعية العمومية وتقوية مجلس الإدارة واللجان العاملة. رابعًا: لدي ثقة بوزارة التنمية الاجتماعية، ولا أشك في متابعتها لاحتياجات جمعية سترة الخيرية، خصوصًا مع التوسع العمراني والسكاني. ومن هذا المنطلق، أوجه الدعوة إلى وزير التنمية الاجتماعية أسامة العلوي، لزيارة الجمعية والاطلاع عن قرب على احتياجاتها، وما يواجهه مجلس إدارتها من معوقات وصعوبات، والعمل على تذليلها لضمان استمرار الجمعية في أداء واجباتها وتحقيق أهدافها.


البلاد البحرينية
منذ 6 أيام
- البلاد البحرينية
الكلمة مسؤولية... كيف نختار ما نقول؟
الكلمة ليست مجرد أصوات تُنطق أو حروف تُكتب، بل هي أداة قوية تخترق الحواجز لتصل إلى أعماق النفس البشرية؛ فتكمُن خطورتها في قدرتها على إنقاذ روحٍ من ظلام اليأس بكلمة طيبة، أو تحطيم قلبٍ بكلمة جارحة، كرصاصة تنطلق بلا عودة، تاركة آثارًا قد تمتدُّ إلى المجتمع بأسره؛ فبكلمة تُبنى الأمم، وبكلمة هدِمت القيم، وبكلمة تُشعل الحروب أو تُطفئ النزاعات، ولذلك أولى الإسلام للكلمة مكانة عظيمة، وجعلها مسؤوليةً يُحاسَب عليها المرء يوم القيامة، كما قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في اختيار الكلمات حينما قال: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يرفع اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ)، وهذا يبيّن بوضوح أن كلمةً واحدةً قد تكون الفارق بين النجاة والهلاك، ودليلًا على أن اللسانَ أعمقُ أثرًا من السنان. وفي عصرنا الراهن، حيث تعددت وسائل النشر، وتنوعت منصات التواصل الاجتماعي، باتت الكلمة تنتشر في ثوانٍ كالوباء، فتتحول الإشاعة إلى أزمة يصعب احتواؤها، قد تنهار سمعةٌ في لحظات، أو تندلع فتنة في مجتمع، أو يهتزّ سوقٌ بأكمله. لقد أصبح التنمّر الإلكتروني سببًا في دفع ضحاياه إلى حافة اليأس، وتحول الخطاب التحريضي إلى شرارة تُشعل الصراعات، فيما تلقي الأخبار الكاذبة بظلالها الثقيلة على الأمن والاستقرار. وهنا تكمُن المفارقة، فالكلمة التي كانت يومًا تتداول شفهيًّا بتأثير محدود، صارت اليوم سلاحًا رقميًّا نافذًا يطول ملايين العقول في لحظة، ما يستدعي منا وعيًا مضاعفًا بمضامينها، وعواقبها. إن مسؤوليتنا تجاه الكلمة هي مسؤولية عظيمة تتطلب منا إدراكًا عميقًا لتأثيرها البالغ في بناء المجتمعات وتشكيل الوعي الإنساني، ما يفرض على حامليها تبعةً أخلاقيةً عاليةً في توظيفها بحكمةٍ وروية؛ فليكن مقصد الكاتب أو المتحدث أن يبني جسور الفهم، لا أن يهدم قِيم التواصل، وأن يكون النقد مرآة تُظهر العيوب لتُصلحها لا سيفًا يُشهر لجرح الكرامات، أو اصطياد الهفوات. إن حرية الكلمة لا تعني أن يُطلق الإنسان لسانه، أو قلمه في نشر الأكاذيب، أو في تشويه صورة الآخرين، أو في إذكاء الفتن والفرقة بين الأفراد والمجتمعات؛ فالكلمة مسؤولية، وعلى من يملكها أن يُتقن استخدامها بحذر وحكمة، كي تكون مصدر خير وفائدة لا مصدر ضرر وهدم.