
المسؤولية المهنية للمحامين في عصر الذكاء الاصطناعي بين الدقة القانونية والمخاطر التكنولوجية
الألباب المغربية/ ياسيــن كحلـي*
تعد القضايا القانونية التي تتناول سلوك المحامين والتزامهم بالمعايير الأخلاقية والمهنية من القضايا ذات الأهمية البالغة، نظرا لما تفرضه من معايير صارمة على المحامين فيما يتعلق بالتحقق من صحة المعلومات التي يقدمونها إلى المحاكم. في هذه القضية، التي نظرت فيها المحكمة الجزئية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة الجنوبية من إنديانا، تم تسليط الضوء على مشكلة جديدة نسبيا في المجال القانوني، وهي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إعداد المذكرات القانونية دون إجراء مراجعة دقيقة لما ينتجه من معلومات.
أولا: المسار القانوني والحقائق الجوهرية للقضية
نشأت القضية عندما رفع Mid Central Operating EngineersHealth and WelfareFund دعوى ضد HoosierVac LLC في المحكمة الفيدرالية، حيث دارت القضية حول مسائل متعلقة بالرعاية الصحية والالتزامات التعاقدية بين الأطراف. وكجزء من الإجراءات، قدم المحامي 'رافاييل راميريز' مذكرة قانونية لدعم طلب موكله بإعادة النظر في قرار المحكمة برفض طلب نقل القضية، إلا أن المحكمة لاحظت أن المذكرة تحتوي على استشهاد بقضية تدعى In re Cook CountyTreasurer, 773 F.3d 834 (7th Cir. 2014)، وهي قضية لم تتمكن المحكمة من العثور عليها في السجلات القانونية.
عند مطالبة المحامي بتصحيح هذا الخطأ، قدم إشعارا رسميا إلى المحكمة يعترف فيه بعدم قدرته على تحديد المصدر الصحيح لهذا الاستشهاد، وسحب القضية المذكورة من مذكرته القانونية، واعتذر للمحكمة ولفريق الدفاع عن الخطأ الذي وقع فيه. إلا أن القاضي قرر إجراء مراجعة أوسع لمذكرات المحامي السابقة في القضية، ليجد أن المحامي 'راميريز' استشهد في مذكرتين قانونيتين أخريين بقضايا غير موجودة، وهي قضية :
KnoedlerManufacturers, Inc. v. Cox, 545 F.2d 1033, 1035 (7th Cir. 1976) التي وردت في مذكرة سابقة، وقضية :
Brown v. Local 58, IBEW, 628 F.2d 441 (6th Cir. 1980) التي وردت في مذكرة أخرى.
عند استدعائه لجلسة استماع، أقر المحامي 'راميريز' بأنه استخدم برامج الذكاء الاصطناعي في إعداد مذكراته القانونية، دون أن يكون على دراية بأن هذه الأنظمة يمكن أن تولد استشهادات قانونية زائفة، تعرف في مجال الذكاء الاصطناعي بـــ'هلوسة الذكاء الاصطناعي'. وأوضح للمحكمة أنه استخدم هذه التقنيات في مهام قانونية سابقة مثل صياغة العقود، لكنه لم يكن على علم بأن هذه الأدوات يمكن أن تنتج استشهادات غير صحيحة، كما أكد أنه لم يقم بأي مراجعة مستقلة للتحقق من صحة القضايا التي أدرجها في مذكراته القانونية، وهو ما يمثل انتهاكا صارخا للقواعد القانونية والمهنية للمحاماة.
ثانيا : التكييف القانوني للقرار في ضوء القاعدة 11 الفيدرالية
استندت المحكمة في قرارها إلى القاعدة 11 من القواعد الفيدرالية للإجراءات المدنية (FederalRule of Civil Procedure 11)، التي تنص في فقرتها الثانية على أن تقديم أي مرافعة أو مذكرة قانونية للمحكمة يتضمن التزاما ضمنيا من قبل المحامي بأن ما تحتويه الوثيقة قانوني وصحيح، وأنه تم التحقق من صحة الادعاءات الواردة فيها.
بموجب هذه القاعدة، يتعين على المحامين التأكد من أن أي استشهاد قانوني يستند إلى قانون سار أو إلى حجج غير تافهة لتطوير القانون القائم. وعندما تكتشف المحكمة أن محاميا قدم معلومات قانونية غير دقيقة دون التحقق منها، فإنها تمتلك سلطة فرض عقوبات تأديبية، والتي قد تشمل الغرامات المالية أو إحالة المحامي إلى لجنة تأديب المحامين في الولاية.
في هذه القضية، وجدت المحكمة أن المحامي 'راميريز' لم يقم بإجراء 'تحقيق معقول' في القضايا التي استشهد بها، حيث أنه لو قام بذلك، لكان قد اكتشف بسهولة أن هذه القضايا غير موجودة. وأكدت المحكمة أنه لا يمكن لمحام أن يتذرع بـ'حسن النية' أو الجهل كعذر لتقديم معلومات غير صحيحة، لأن مسؤولية المحامي تتطلب منه التدقيق والبحث بدقة قبل تقديم أي مرافعة للمحكمة.
ثالثا : قرار المحكمة والجزاءات المفروضة
بناء على هذه الوقائع، قررت المحكمة فرض غرامة مالية قدرها 15,000 دولار على المحامي، حيث تم تخصيص 5,000 دولار عن كل مذكرة قانونية تحتوي على استشهادات غير صحيحة. كما أصدرت ذات المحكمة أمرا للمحامي بإبلاغ موكله (HoosierVac LLC) بهذا القرار رسميا وتقديم شهادة للمحكمة تفيد بأنه قد قام بالتبليغ داخل أجل سبعة أيام من تاريخ اصدار الحكم.
إضافة إلى ذلك، أحالت المحكمة القضية إلى رئيس المحكمة للنظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات التأديبية، والتي قد تشمل إحالة المحامي إلى لجنة تأديب المحامين في ولاية إنديانا الأمريكية للنظر في إمكانية اتخاذ عقوبات إضافية مثل تعليق رخصته أو فرض عقوبات مهنية أخرى.
رابعا : تداعيات القضية على الممارسات القانونية واستخدام الذكاء الاصطناعي
أصبحت تشكل هذه القضية تحذيرا واضحا وسط جسم المحامين الأمريكيين وباقي العالم، حول المخاطر المحتملة للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في البحث القانوني دون التحقق من صحة النتائج. لقد أصبح الذكاء الاصطناعي أداة شائعة في مكاتب المحاماة، حيث يساعد في تحليل الوثائق القانونية والبحث عن القوانين والاجتهادات القضائية ذات الصلة، إلا أن هذه القضية تؤكد على أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلا عن البحث القانوني التقليدي الذي يركز بالأساس على الذكاء الفكري البشري والخبرة البشرية في توليد بحوث قانونية أصيلة، بحيث لا يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي دون مراجعة بشرية دقيقة.
أحد الجوانب المهمة التي أكدت عليها المحكمة هو أن استخدام التكنولوجيا يجب أن يكون مقرونا بالتحقق البشري الدقيق. إذ أنه حتى مع توفر أدوات قانونية مثل Westlaw وLexisNexis، التي توفر وسائل للتحقق من صحة القوانين والاجتهادات القضائية، فإن بعض المحامين لا يزالون يتهاونون في القيام بالتحقق الذاتي اللازم.
وتفتح هذه القضية أيضا نقاشا أوسع حول مدى مسؤولية المحامي عند استخدام التكنولوجيا الحديثة. فبينما تساعد أدوات الذكاء الاصطناعي في توفير الوقت والجهد، إلا أن هذا لا يعفي المحامي من واجبه الأساسي في ضمان دقة وصحة المعلومات التي يقدمها للمحكمة. وكما أشار القاضي في قراره، فإن المحاماة ليست مجرد 'نقل معلومات'، بل هي مهنة تتطلب مهارات فكرية وقانونية عالية، ويجب على المحامي أن يستخدم التكنولوجيا بحكمة ودقة عاليتين.
ختاما؛ يمكن القوب بأنقضية Mid Central Operating EngineersHealth and WelfareFund ضد HoosierVac LLCأصبحت تعد مثالا مهما في بيان التحديات القانونية التي يمكن أن تنشأ عند استخدام الذكاء الاصطناعي دون رقابة دقيقة. وقد بينت المحكمة أن المحامين يجب أن يكونوا أكثر حذرا عند استخدام التكنولوجيا، وأن مسؤوليتهم المهنية لا يمكن تفويضها إلى برامج الحاسوب.
لمنع حدوث مثل هذه الأخطاء مستقبلا، ينصح المحامون باتباع نهج أكثر حذرا عند استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث القانوني، بما يشمل التحقق اليدوي الدقيق لجميع الاستشهادات القانونية والاجتهادات القضائية قبل تقديمها للمحكمة، وحضور دورات تدريبية حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني بشكل مسؤول.
*مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الألباب
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- الألباب
جولة أبريل 2025 من الحوار الاجتماعي محطة حاسمة في تعزيز المكاسب الاجتماعية وبناء رؤية مشتركة
الألباب المغربية/ ياسيــن كحلـي* في سياق المساعي الوطنية الرامية إلى ترسيخ دعائم الحوار الاجتماعي كآلية استراتيجية لتحقيق التوازن المجتمعي، وتجسيدا للتوجيهات الملكية السامية التي جعلت من الحوار الاجتماعي ركيزة أساسية في النموذج التنموي الجديد، تأتي جولة أبريل 2025 للحوار الاجتماعي المركزي لتمثل منعطفا تاريخيا في مسار الإصلاحات الاجتماعية ببلادنا. وقد ترأسها رئيس الحكومة بمشاركة النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية بهدف تقييم المنجزات المحققة في إطار الحوار الاجتماعي، ومتابعة تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين الأطراف المعنية، ووضع خطط للمرحلة المقبلة، مع التركيز على استكمال تنفيذ الاتفاقين الاجتماعيين الموقعين في 30 أبريل 2022 و29 أبريل من السنة الماضية. حيث حققت هذه الجولة حصيلة متميزة بفضل التعاون البناء بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، مما أسفر عن تحسينات ملموسة في الدخل والقدرة الشرائية للشغيلة، وتعزيز الحماية الاجتماعية. فعلى مستوى القطاع العام، تم في يوليوز 2024 صرف الدفعة الأولى من الزيادة العامة في الأجور بقيمة 1000 درهم شهريا صافية، موزعة على مرحلتين، استفاد منها جميع موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة. كما شملت الإجراءات قطاعات حيوية مثل التربية الوطنية بتكلفة تجاوزت 17 مليار درهم، والتعليم العالي بغلاف مالي قدره ملياران درهم، وقطاع الصحة بتكلفة بلغت 3.5 مليار درهم. ومن المتوقع أن يرتفع المتوسط الشهري الصافي للأجور في القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول 2026، مقارنة بـ8,237 درهم في 2021، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور من 3000 درهم إلى 4500 درهم، بزيادة نسبتها %50، بتكلفة إجمالية تقدر بِـ45.7 مليار درهم. أما في القطاع الخاص، فقد شهد الحد الأدنى القانوني للأجر في النشاطات غير الفلاحية (SMIG) زيادة بنسبة %15، ليرتفع من 2638.05 درهم إلى 3046.77 درهم شهريا، بزيادة قدرها 408.72 درهم. وفي النشاطات الفلاحية (SMAG)، ارتفع الحد الأدنى للأجر بنسبة %20، من 1859.79 درهم إلى 2255.27 درهم، بزيادة شهرية تقدر بـ395.48 درهم. كما تم تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، مع تطبيق الأثر الرجعي على المتقاعدين منذ يناير 2023، مما وسع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل فئات جديدة. وفي إطار تحسين النظام الضريبي، أدت مراجعة الضريبة على الدخل بدءا من يناير 2025 إلى توفير ست مليارات درهم، ساهمت في زيادة دخل الشغيلة بأكثر من 400 درهم شهريا. كما التزمت الحكومة بمواصلة تحسين الدخل في القطاع العام عبر صرف دفعة ثانية من الزيادة بقيمة 500 درهم في يوليوزمن هذه السنة، وفي القطاع الخاص عبر رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة %5 في يناير وأبريل 2026، والعمل على توحيده تدريجيا بحلول سنة 2028. إلى جانب ذلك، تم الاتفاق على مواصلة النقاش حول النظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية، الذي يهم أكثر من 84.000 موظفا، مع عقد اجتماع جديد في 13 ماي 2025. كما التزمت الحكومة بمراجعة الأنظمة الأساسية لهيئات مهنية مثل المهندسين والمتصرفين والتقنيين ومفتشي الشغل، وإحداث لجان مختصة لإصلاح تشريعات العمل وتعديل مدونة الشغل بما يتوافق مع تطلعات الشركاء. وفي مجال إصلاح أنظمة التقاعد، تم تشكيل لجنة وطنية لوضع تصور توافقي للإصلاح، بناء على المبادئ المتفق عليها في الاتفاق الاجتماعي لأبريل 2024. كما أكدت الحكومة على أهمية الحوار القطاعي المنتظم، وأعلنت عن إصدار منشور لتعميمه على القطاعات المعنية، مع متابعة نتائج هذه الحوارات من قبل رئيس الحكومة. بهذه الخطوات، يؤكد المغرب التزامه الراسخ بترسيخ الحوار الاجتماعي كأداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مع التركيز على تحسين ظروف العيش والعمل لكافة فئات الشغيلة، وتعزيز الثقة بين الأطراف الاجتماعية والاقتصادية. *مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية


كواليس اليوم
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- كواليس اليوم
جولة أبريل 2025 من الحوار الاجتماعي محطة حاسمة في تعزيز المكاسب الاجتماعية وبناء رؤية مشتركة
ياسيــن كحلـي مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية في سياق المساعي الوطنية الرامية إلى ترسيخ دعائم الحوار الاجتماعي كآلية استراتيجية لتحقيق التوازن المجتمعي، وتجسيدا للتوجيهات الملكية السامية التي جعلت من الحوار الاجتماعي ركيزة أساسية في النموذج التنموي الجديد، تأتي جولة أبريل 2025 للحوار الاجتماعي المركزي لتمثل منعطفا تاريخيا في مسار الإصلاحات الاجتماعية ببلادنا. وقد ترأسها رئيس الحكومة بمشاركة النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية بهدف تقييم المنجزات المحققة في إطار الحوار الاجتماعي، ومتابعة تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين الأطراف المعنية، ووضع خطط للمرحلة المقبلة، مع التركيز على استكمال تنفيذ الاتفاقين الاجتماعيين الموقعين في 30 أبريل 2022 و29 أبريل من السنة الماضية. حيث حققت هذه الجولة حصيلة متميزة بفضل التعاون البناء بين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، مما أسفر عن تحسينات ملموسة في الدخل والقدرة الشرائية للشغيلة، وتعزيز الحماية الاجتماعية. فعلى مستوى القطاع العام، تم في يوليوز 2024 صرف الدفعة الأولى من الزيادة العامة في الأجور بقيمة 1000 درهم شهريا صافية، موزعة على مرحلتين، استفاد منها جميع موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة. كما شملت الإجراءات قطاعات حيوية مثل التربية الوطنية بتكلفة تجاوزت 17 مليار درهم، والتعليم العالي بغلاف مالي قدره ملياران درهم، وقطاع الصحة بتكلفة بلغت 3.5 مليار درهم. ومن المتوقع أن يرتفع المتوسط الشهري الصافي للأجور في القطاع العام إلى 10,100 درهم بحلول 2026، مقارنة بـ 8,237 درهم في 2021، بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور من 3000 درهم إلى 4500 درهم، بزيادة نسبتها %50، بتكلفة إجمالية تقدر بِـ 45.7 مليار درهم. أما في القطاع الخاص، فقد شهد الحد الأدنى القانوني للأجر في النشاطات غير الفلاحية (SMIG) زيادة بنسبة %15، ليرتفع من 2638.05 درهم إلى 3046.77 درهم شهريا، بزيادة قدرها 408.72 درهم. وفي النشاطات الفلاحية (SMAG)، ارتفع الحد الأدنى للأجر بنسبة %20، من 1859.79 درهم إلى 2255.27 درهم، بزيادة شهرية تقدر بـ 395.48 درهم. كما تم تخفيض شرط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3240 يوم اشتراك إلى 1320 يوما، مع تطبيق الأثر الرجعي على المتقاعدين منذ يناير 2023، مما وسع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل فئات جديدة. وفي إطار تحسين النظام الضريبي، أدت مراجعة الضريبة على الدخل بدءا من يناير 2025 إلى توفير ست مليارات درهم، ساهمت في زيادة دخل الشغيلة بأكثر من 400 درهم شهريا. كما التزمت الحكومة بمواصلة تحسين الدخل في القطاع العام عبر صرف دفعة ثانية من الزيادة بقيمة 500 درهم في يوليوز من هذه السنة، وفي القطاع الخاص عبر رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة %5 في يناير وأبريل 2026، والعمل على توحيده تدريجيا بحلول سنة 2028. إلى جانب ذلك، تم الاتفاق على مواصلة النقاش حول النظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية، الذي يهم أكثر من 84,000 موظفا، مع عقد اجتماع جديد في 13 ماي 2025. كما التزمت الحكومة بمراجعة الأنظمة الأساسية لهيئات مهنية مثل المهندسين والمتصرفين والتقنيين ومفتشي الشغل، وإحداث لجان مختصة لإصلاح تشريعات العمل وتعديل مدونة الشغل بما يتوافق مع تطلعات الشركاء. وفي مجال إصلاح أنظمة التقاعد، تم تشكيل لجنة وطنية لوضع تصور توافقي للإصلاح، بناء على المبادئ المتفق عليها في الاتفاق الاجتماعي لأبريل 2024. كما أكدت الحكومة على أهمية الحوار القطاعي المنتظم، وأعلنت عن إصدار منشور لتعميمه على القطاعات المعنية، مع متابعة نتائج هذه الحوارات من قبل رئيس الحكومة. بهذه الخطوات، يؤكد المغرب التزامه الراسخ بترسيخ الحوار الاجتماعي كأداة فعالة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مع التركيز على تحسين ظروف العيش والعمل لكافة فئات الشغيلة، وتعزيز الثقة بين الأطراف الاجتماعية والاقتصادية.


الألباب
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- الألباب
إعادة هندسة تدبير منازعات الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وترشيد النفقات
الألباب المغربية/ ياسيــن كحلـي* تنظم وزارة الاقتصاد والمالية، عبر الوكالة القضائية للمملكة، يومي 15 و16 أبريل 2025 بالرباط، المناظرة الوطنية الأولى حول تدبير منازعات الدولة تحت شعار: 'تدبير منازعات الدولة والوقاية منها: مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات'. وتأتي هذه المبادرة في سياق تزايد التحديات القانونية والمؤسساتية المرتبطة بتصاعد حجم المنازعات التي تواجهها الإدارة العمومية، حيث تشير التقارير الرسمية، لاسيما الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات والوكالة القضائية، إلى أن التكاليف الناتجة عن هذه النزاعات تتجاوز 2 مليار درهم سنويا، فضلا عن تأثيرها السلبي على المناخ الاستثماري واستنزاف المال العام. كيف يمكن تجاوز المقاربة التقليدية في تدبير منازعات الدولة، التي تركز على المعالجة اللاحقة، نحو مقاربة استباقية تدمج بين التوقع، والتنسيق المؤسساتي، والترشيد المالي، بما يحقق التوازن بين متطلبات المشروعية وضرورات التنمية؟ يكتسي الموضوع راهنية خاصة بعد دستور 2011، الذي وسع من مسؤولية الدولة القانونية، وكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ما يفرض إعادة النظر في آليات تدبير المنازعات من زاوية استباقية تقوم على الحكامة القانونية والنجاعة المؤسساتية. وقد تفاقمت الإشكالات المرتبطة بالمنازعات نتيجة القصور في التنسيق بين المتدخلين، وتعدد الجهات المعنية، وغياب رؤية استراتيجية موحدة. وتبرز الإحصائيات أن %60 من أسباب النزاعات تعود لمخاطر قانونية ومالية كان من الممكن التنبؤ بها وتفاديها، بينما تظهر تقديرات أخرى أن تحسين جودة الصياغة القانونية والرقابة الإدارية قد يجنب الإدارة ما يفوق %40 من المنازعات القضائية. وترتكز المقاربة الجديدة المقترحة على أربع ركائز أساسية: أولا : تعزيز الوقاية الاستباقية من خلال تعميم مراجعة قانونية مسبقة لكل المشاريع والقرارات الإدارية، وتكوين الموظفين في مجالات الصياغة القانونية وإدارة المخاطر. ثانيا : توحيد الآليات المؤسساتية، عبر تفعيل دور الوكالة القضائية كجهة مركزية تعمل على التنسيق، وإنشاء وحدات قانونية متخصصة داخل الإدارات العمومية. ثالثا : تشجيع الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، بما في ذلك التحكيم الإداري والتوفيق، خاصة في مجالات العقار والاستثمار. رابعا :رقمنة مسار التقاضي عبر منصات إلكترونية موحدة تربط بين الجهات الإدارية، وقواعد بيانات الصفقات والمنازعات، بما يعزز الشفافية والتتبع. وتأتي المناظرة المرتقبة لتكون فضاء للحوار بين صناع القرار والخبراء الوطنيين والدوليين من أجل بلورة تصور استراتيجي موحد، يتوخى ترشيد النفقات العمومية، وضمان نجاعة تنفيذ الأحكام القضائية، والتي لا يزال تعثر تنفيذها يشكل عائقا أمام حوالي %40 من المشاريع الكبرى. وستتناول الجلسات العامة والورشات الموضوعاتية مختلف أبعاد الإشكالية، انطلاقا من الجوانب العملية المرتبطة بتدبير الملفات القضائية، وصولا إلى الإطار القانوني والتنظيمي الواجب مراجعته، مع التركيز على المؤشرات الكمية والنوعية لقياس فعالية التدخلات المؤسساتية. وبالتالي؛ فإن تحسين تدبير منازعات الدولة لم يعد مجرد إجراء إداري أو تقني فحسب، بل أضحى يمثل رافعة حقيقية لتحقيق الأمن القانوني، وضمان استدامة السياسات العمومية، وتعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين. فتبني مقاربة شمولية تستند إلى الحكامة، والشفافية، والوقاية، يعد شرطا حاسما لا محيد عنه لضمان توازن حقيقي بين متطلبات المشروعية القانونية وضرورات التنمية الاقتصادية، وذلك في انسجام تام مع التوجيهات الملكية السامية، ومع مضامين الفصل السادس من الدستور الذي يجعل من حماية المال العام مسؤولية جماعية تبدأ من الإدارة وتنتهي عند أجهزة الرقابة والمساءلة. *مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية