logo
بعد غزة..وبعد لبنان..وبعد سوريا..جميعنا أخطأنا بحقك يا سماحة السيد حسن نصر الله..!

بعد غزة..وبعد لبنان..وبعد سوريا..جميعنا أخطأنا بحقك يا سماحة السيد حسن نصر الله..!

ترددتُ كثيرًا قبل أن أكتب، كأنني أخوض معركة طهارة وقدسية داخل اللغة، أبحث عن مفردة لا تخون الشعور، ولا تتبرّج أمام من يستحق الصدق لا الزينة.
حاولتُ أن أُعيد تركيب الجمل مرات، أهرب من الجُرح، والملح يلاحقني…
فهذه كلمة حق، وصرخة اعتراف، ووقفة أمام الحقيقة الصادقة، التي هربنا منها حين عجزنا تشبيه صورتك فيها.
نحن لا نتغيّر.
نمضي، وقلوبنا محشوّة بأخبار الأمس: ثأر، حقد، كراهية، وفتنة.
والعالم يتغيّر:
الشمس تدور، الأرض تتنفس، والإنسان ينهض.
إلا العرب…
نحن كما نحن، نمارس الانقراض ببطء، وننقّب عن المجد في كتب التاريخ ونشرات الغبار.
نقتل بعضنا لبعض.
نُزايد بالتبعية، ثم نمدّ الموائد لمن يتجبر علينا..
لم يبقى امام العرب الا ان يقولوا لإسرائيل: أهلًا وسهلًا، خذي أرضنا دمري بيوتنا مزقي مستقبلنا، وانهشي من لحم أطفالنا، وسامحينا إن أزعجناك بأصوات الأموات..
كل ذلك، ونحن نتغنّى بالوحدة!
غزة تُسحق، وسوريا تقسم، ونحن نحصي الموتى والجرحى.
نفتح أفواهنا كما تُفتح القبور، ونلوك الخوف كمن يلوك جثة وطن.
أصبحنا خبرًا عاجلًا في شريط الهوان، نحترف الصمت، ونمارس الشجب كطَقسٍ مقدّس.
كلنا نبدأ من الصواب، ثم نتوه في الرأي، وندّعي أننا فلاسفة، أنبياء، وأوصياء على هذا الخراب.
نرقص على الأنقاض، نصفّق للموت، نكتب الشعر كمن يرثي نفسه،
لكننا لم نسجّل يومًا سعيدًا يُذكَر فوق شواهد قبورنا.
لماذا؟
لأننا أخطأنا.
نعم، سماحة السيد حسن نصر الله، جميعنا أخطأنا:
الكتّاب الذين لم يكتبوا عنك لأنك لا تُكتب،
الفنّانون الذين لم يرسموك، لأنك لا تُرسم،
والشعوب التي رأت فيك عزم قوتها، فخافت من قوتها.
المثقفون الذين صمتوا عنك، لأن فلسفتك ليست من كتبهم، بل من فلسفة الوجود، من عز كربلاء، من صرخة: 'هيهات منا الذلة'… من يجرؤ أن يشرح فلسفة تُقال في لحظة موتٍ على شفاه الخلود؟
والمناضلون المقاومون الذين ذابوا فيك عشقًا، فماتوا دون أن يبوحوا، ويُقال عنهم عشّاق، بل مشتاقون الى تبسمك، فقط تلك الابتسامة تكفي, والخاتم بحركة الكف يكفي.
كان يجب ان نعترف أنك الحكاية والبداية والنهاية،
ولا يحق لي أن أعتذر باسم الجميع،
ولا حتى باسم الحروف التي تتهيّب ذكرك،
ولا من تلك العمامة التي تجسد تضحيات الحسين وعدالة علي ورحمة محمد، ومحبة عيسى، واستغفار يونس، وعصا موسى، وصبر أيوب، وجمال يوسف ودمعة يعقوب، وفداء إسماعيل وصداقة إبراهيم مع الله.
سيأتي يوم — وربما لا — سيعتذر فيه الجميع،
مع أنك لا تنتظر، ولا تطلب، ولا تعاتب.
صبرت،
وجاهدت،
وقاومت،
وسهرت على عيون المستضعفين، تبكي لله لأجلنا، بينما نحن نبكي على مصالحنا.
كتبت لك الآن يا سيدي،
لعل كلماتي تسافر إليك،
تحملها ملائكة السماء إكرامًا لك، لا لأنك تحتاجها، بل لأننا نحن من نحتاج أن نكتبها.
لعل أحدهم يقرأها، فتعود علينا بالمطر والسلام والامان.
ما أصعب فقدك…
سكن الحزن قلوبنا، وقتلنا الزمن إلى وجودك، حتى السمع بدأ يبحث عن بعض ترانيم صوتك.
لم نعد نشاهد الحقيقة، فقد كانت أنت.
سيدي يا نصر الله،
أكتب عنك، لا كمن يكتب عن بطل، بل كمن يكتب عن أسطورة تعرف أنها لم تُخلق لتُصدّق.
أكتب عن شهيدٍ قال يوم ودّع ابنه الشهيد في يوم الشهيد:
'أشكر الله أن تطلع إلى عائلتي واختار منها شهيداً، فقبلني في جمع عوائل الشهداء…'
من قال هذا لا يُرثى له، بل يُحجّ إليه.
أيها السيد،
لقد قلبت المعادلة.
جعلتنا نعيد تعريف الانتصار.
أنت لم تأخذ تحرير الجنوب بالمفاوضات، بل انتزعته بالدم.
لم تُساوم، بل صمّمت خارطة الوطن على جغرافيا الشهداء.
يا سيدي،
قتلوك لأنهم يريدون قتلنا،
ولو قُتلنا جميعًا، وما قتلوك، لكنا ما زلنا أحياء.
لقد حرّرت وطنًا قبل أن تتكالب عليك الأمم.
رسمته بدموع الأمهات،
وزيّنته بتكبيرات الآباء،
وجعلت علمه يرفرف على القمم، لا على موائد التسويات.
كنا نعتقد أن الحرية والسيادة هِبة،
فجئتنا تُعلّمنا أنها تؤخذ عنوة.
أنت، يا سيدي، لا تشبه الا نفسك.
في عالمٍ يعشق التكرار، أنت المفاجأة.
في وطنٍ يزيف البطولة، أنت الحقيقة.
في زمنٍ يخاف من العزّة، أنت العزّة التي لا تخاف.
وفي النهاية،
كلماتي أضعها بين يديك لا لتقرأها، بل لتصفح عنها.
لأن ما قدمته أكبر من كل النصوص،
وأعظم من كل الألقاب.
وكل ما نكتبه، يا سيد شهداء الامة،
يبقى دون مستواك.
سلام عليك طالما الجنوب محتل،
وسلام عليك طالما إسرائيل تنتهك السيادة،
وسلامٌ عليك ما دامت الحرية تُعتقل،
وسلامٌ عليك ما دامت الكرامات تُذل،
وسلامٌ عليك ما دامت غزة تُقصف،
وسلام عليك طالما الأقليات تُظلم في عالمنا العربي،
وسلام عليك طالما الإسرائيلي هو من يحكم،
وسلام عليك طالما الشرق ينبطح.
كل من عاش بعدك يقرؤك السلام،
وسلام عليك، وألف سلام، لأننا فهمنا — متأخرين — أنه لا سلام بعدك.
نعم، جميعنا أخطأنا،
نعدك ان نتحرر من القيود ونحرر الحدود ونعود احياء شهود، تقرئنا السلام.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ستحرر فلسطين بمنطق المقاومة كما في خرمشهر
ستحرر فلسطين بمنطق المقاومة كما في خرمشهر

اذاعة طهران العربية

timeمنذ 7 ساعات

  • اذاعة طهران العربية

ستحرر فلسطين بمنطق المقاومة كما في خرمشهر

إن قول الإمام الخميني بأن الله هو من حرّر خرّمشهر يعني أنه إن جاهدتم فإن القدرة الإلهية ستساندكم. لن يُهزم جيش تكون ذخيرته وسنده القدرة الإلهية. ستُحرّر فلسطين أيضا بهذا المنطق. لن يظل أي شعب مستضعفا بهذا المنطق. ~ الإمام الخامنئي في مراسم تخريج دفعة من الطلبة الجامعيين الضباط في جامعة الإمام الحسين (عليه السلام) 2016/05/23.

الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن السنين الخداعة عشية الظهور الشريف… أغنام تثور على الرعاة نصرة لأنياب الذئاب وأضراس الضباع
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن السنين الخداعة عشية الظهور الشريف… أغنام تثور على الرعاة نصرة لأنياب الذئاب وأضراس الضباع

وكالة أنباء براثا

timeمنذ 15 ساعات

  • وكالة أنباء براثا

الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن السنين الخداعة عشية الظهور الشريف… أغنام تثور على الرعاة نصرة لأنياب الذئاب وأضراس الضباع

التعليقات علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ... الموضوع : محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ... الموضوع : مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !! ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ... الموضوع : المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!! م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ... الموضوع : كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!

مستقبل حزب الله
مستقبل حزب الله

موقع كتابات

timeمنذ 16 ساعات

  • موقع كتابات

مستقبل حزب الله

في قلب العاصفة اللبنانية، ومع تصاعد رياح التحولات الإقليمية، يقف حزب الله أمام مفترق طرق تاريخي. لم تعد المسألة متعلقةً فقط بخطاب المقاومة، بل باتت مسألة بقاءٍ، وهويةٍ، وشرعيةٍ داخل بيتٍ يتصدّع من الداخل وتحيط به الشكوك من الخارج. في سبتمبر 2024، سقطت قامة الحزب الكبرى، حسن نصر الله، ثم تبعه اغتيال هاشم صفي الدين، الرجل الذي وُصف بالظلّ الثقيل لخليفة الأمين العام. ومع هذا الغياب القيادي المفاجئ، تفجّرت الخلافات، وبرزت الانقسامات التي كانت تختبئ طويلاً خلف خطاب الوحدة والانضباط. تَشظّى الحزب إلى جناحين متصارعين: الجناح الأول تمثّله شخصيات متجذّرة في العقل العسكري والأمني للحزب، وعلى رأسها 'الشبح' طلال حميّة، رجل الظلّ الذي قاد 'الوحدة 910' المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. هذا الجناح يتمسّك بصلب العلاقة مع إيران، يرى في طهران ليست فقط الداعمة، بل المرجعية، والمصدر العقائدي والمالي والاستراتيجي. الجناح الثاني يقوده الشيخ نعيم قاسم، الرجل الذي ارتدى عباءة القيادة بعد نصر الله، لكنه لم يرث كاريزماه ولا صلابته. قاسم يدفع نحو براغماتيةٍ سياسية، ينادي بتقليص التورط الإقليمي، ويدعو لتقاربٍ محسوبٍ مع بعض الدول العربية، علّه يخفف عزلة الحزب ويُنعش بيئته المنهكة. بين هذين الجناحين، يقف وفيق صفا، رجل العلاقات المعقّدة، الذي يعرف كيف يدير الأمن والسياسة في آن. يحاول أن يوازن بين التوجهين، لكنه لا يملك بعدُ قوة الحسم. أما البيئة الحاضنة، فلم تعد كما كانت. فالدخان المتصاعد من حرب 2024 لم يُخمده وعدٌ بالمقاومة. الضاحية الجنوبية، صور، النبطية، والهرمل بدأت تُعبّر عن ضجرها. النسبة المتدنية في الانتخابات، الاحتجاجات التي خرجت من داخل المعاقل، والتذمّر من الخدمات والفساد… كلها رسائل واضحة: الصمت لم يعد ولاءً، والتذمّر لم يعد خيانةً. فأيّ مستقبلٍ ينتظر حزب الله؟ هل يعود إلى الداخل اللبناني، حزباً سياسياً له جمهور، ومكانٌ في البرلمان لا في الجبهات؟ أم يُعيد الاصطفاف مع محوره الإقليمي، ويُغلق أذنيه عن أصوات أهله؟ هل تتغلب لغة البندقية، أم لغة البراغماتية؟ وهل الحزب الذي اعتاد القيادة من فوق، قادرٌ على قبول صوتٍ من القاعدة؟ الجواب، كما هو الحال في لبنان، ليس قراراً استراتيجياً فقط… بل معركةُ بقاءٍ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store