
في ندائه الى حجاج بيت الله الحرام السيد الخامنئي : أمريكا شريك حتمي في جرائم الكيان الصهيوني بغزة
اصدر قائد الثورة الاسلامية اية الله السيد علي خامنئي، صباح اليوم الخميس، نداءا موجها الى حجاج بيت الله الحرام.
وفيما يلي نص البيان:
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على خير خلق الله، محمدٍ المصطفى وآله الطيّبين وصحبه المُنتجبين، ومَن تبعهم بِإحسان إلى يوم الدين.
الحجُ مُنية المؤمنين، وعيدُ المشتاقين، ورزق السعداء الروحاني، وإذا اقترن بمعرفة عمق مكنوناته، فهو علاج الآلام الرئيسة للأمة الإسلامية، بل للبشرية جمعاء.
سفر الحج ليس كسائر الأسفار التي تُقصد للتجارة أو السياحة أو شتّى الأهداف الأخرى، التي قد يتخللها أحياناً عبادة أو عمل صالح؛ إنّه تمرين على الهجرة من الحياة المعتادة إلى الحياة المنشودة. الحياة المنشودة هي الحياة التوحيدية التي تتضمن مكونات أساسيّة ودائمة مثل: الطواف الدائم حول محور الحق، والسعي الدؤوب بين القمم الصعبة، والرجم الدائم للشيطان الشرير، والوقوف الممزوج بالذكر والابتهال، وإطعام المسكين وابن السبيل، والمساواة بين البشر بغض النظر عن اللون والعرق واللغة والجغرافيا، والاستعداد في كل الأحوال للخدمة واللجوء إلى الله ورفع راية الدفاع عن الحق.
شعيرة الحج تجمع في طياتها أمثلة رمزية لهذه الحياة، وتُعرّف الحجيج بها وتدعوهم إليها.
ينبغي أن تجد هذه الدعوة آذانا مُصغية، وأن تنفتح لها القلوب والأبصار، ظاهرا وباطنا. علينا أن نتعلّم هذه الدروس، ونرسّخ عزمنا على تطبيقها. بوسع كل إنسان أن يخطو خطوة في هذا الطريق بقدر استطاعته، غير أن العلماء والمثقفين وذوي المناصب السياسية والمواقع الاجتماعية تقع على عاتقهم مسؤولية أكبر ممّن سواهم.
إن العالم الإسلامي اليوم أحوج ما يكون إلى تطبيق هذه الدروس. هذا هو الموسم الثاني للحج الذي يتزامن مع فجائع غزة وغربي آسيا. لقد أوصلت العصابة الصهيونية الإجرامية الحاكمة في فلسطين مأساة غزة إلى مستوى يفوق التصوّر، بقسوة مروّعة ووحشية وشر لا نظير لهما. اليوم، يُقتل الأطفال الفلسطينيون، ليس بالقنابل والرصاص والصواريخ فحسب، بل أيضا بالعطش والجوع، وتتزايد يومًا بعد يوم أعداد العائلات الثكلى التي فقدت أحباءها من الشباب والآباء والأمهات. فمن الذي ينبغي أن ينهض لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية؟
مما لا شك فيه أن الحكومات الإسلامية هي المعنيّة الأولى بأداء هذا الواجب، وعلى الشعوب أن تمارس دورها في مطالبة حكوماتها بالعمل به. وبالرغم مما قد يكون بين هذه الحكومات من اختلافات في وجهات النظر السياسية حول قضايا متعددة، إلا أن ذلك ينبغي ألّا يحول دون اتفاقها وتعاونها في قضية غزة المأساوية، والدفاع عن التجمّع البشري الأكثر مظلوميّة في عالمنا المعاصر. يجب على الحكومات المسلمة أن تسدّ كل سبل الدعم للكيان الصهيوني، وأن تقطع يد المجرم عن مواصلة سلوكه الوحشي في غزة. إنّ أمريكا شريك حتمي في جرائم الكيان الصهيوني؛ لذا يجب على المرتبطين بأمريكا في هذه المنطقة، وغيرها من المناطق الإسلامية، أن ينصتوا إلى نداء القرآن الكريم بشأن الدفاع عن المظلوم، وأن يُجبروا الإدارة الأمريكية المستكبرة على وقف هذا السلوك الظالم. إن شعيرة البراءة في الحج هي خطوةٌ في هذا الاتجاه.
لقد وضعت مقاومة أهالي غزة المُدهشة قضيةَ فلسطين في صدارة اهتمام العالم الإسلامي وجميع أحرار العالم. يجب استغلال هذه الفرصة، والمسارعة في نصرة هذا الشعب المظلوم. وعلى الرغم من مساعي المستكبرين وداعمي الكيان الصهيوني لطيّ قضية فلسطين وإيداع ذكرها غياهب النسيان، إلا أن الطبيعة الشريرة لقادة هذا الكيان ولسياستهم الحمقاء قد أفرزت وضعاً جعل اسم فلسطين اليوم أكثر تألّقًا من أي زمنٍ مضى، والاشمئزاز العام من الصهاينة وداعميهم يزداد عن أي وقت سبق، وهذه فرصة مهمة للعالم الإسلامي.
على المتحدثين وذوي المكانة الاجتماعية أن يرفعوا من وعي الشعوب وتفاعلها، وأن يوسّعوا من نطاق المطالبة المتعلقة بفلسطين. وأنتم، أيها الحجاج السعداء، لا تَغْفلوا، في مناسك الحج، عن فرصة الدعاء والاستعانة بالله المتعالي، واسألوا الله النصر على الصهاينة الظالمين وداعميهم.
صلوات الله وسلامه على رسول الإسلام الأكرم، وعلى آله الأطهار، والسلام والتحيّة على الإمام المهدي، بقية الله، عجل الله ظهوره.
والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركته
السيّد علي الخامنئي
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء العراقية
منذ 6 ساعات
- الأنباء العراقية
محافظ البصرة يهنئ بحلول عيد الأضحى المبارك
بغداد - واع هنأ محافظ البصرة أسعد العيداني، اليوم السبت، بحلول عيد الأضحى المبارك. وقال العيداني في رسالة تهنئة تلقتها وكالة الأنباء العراقية (واع): "أتقدم بأصدق التهاني والتبريكات إلى أبناء شعبنا العراقي العزيز، وأهلنا في محافظة البصرة، بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك". وأضاف، "نبتهل إلى الله العلي القدير أن يعيد هذه المناسبة المباركة على عراقنا الحبيب بالأمن والاستقرار، وأن يحفظ شعبنا الكريم من كل سوء ومكروه، ونسأل أن يتقبل من حجاجنا سعيهم ويعيدهم إلى ذويهم بالصحة والسلامة، وأن يجعل من هذا العيد السعيد فرصة لتعزيز المحبة والوئام".


الحركات الإسلامية
منذ 6 ساعات
- الحركات الإسلامية
رسالة العيد.. خطاب العزلة والإنكار من الإخوان للمعتقلين
في رسالته الموسومة بـ"رسالة خاصة من الدكتور صلاح عبد الحق إلى المعتقلين في مصر"، نشرها امس الجمعة 6 يونيو 2025، على منصة " x" ، قدّم القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين خطابًا مشبعًا بالعاطفة الدينية، يُقارب في نَبرته الخُطَب الوعظية، لكنه يخفي في طيّاته رسالة سياسية واضحة. فالرسالة، التي وُجّهت للمعتقلين من كوادر الجماعة، تتوسّل بالسرديات القرآنية والرموز الدينية لاستعادة صورة "الابتلاء المقدس" التي لطالما استخدمتها الجماعة لتبرير فشلها السياسي وتغليف أزماتها الداخلية بقدسية زائفة. غير أن هذا الخطاب بدا اليوم معزولًا عن الواقع، متكلّسًا، لا يسمعه أحد سوى أتباع الجماعة أنفسهم، أولئك الذين يزدادون انكماشًا في فقاعة ضيقة من التكرار والمظلومية. صلاح عبد الحق، الذي تولى مهام القائم بأعمال المرشد العام عقب تراجع النفوذ التنظيمي لقيادات الصف الأول داخل مصر وخارجها، هو أحد رموز الجيل القديم في جماعة الإخوان، وكان ينتمي إلى ما يُعرف بـ"التيار المحافظ" داخلها. ورغم أنه لم يحظَ بشهرة واسعة كغيره من قيادات الجماعة التاريخيين، إلا أن اختياره جاء انعكاسًا لحالة التآكل القيادي، والفراغ الذي خلفته الانقسامات والانشقاقات المتتالية بعد 2013. وبدل أن يقدم طرحًا متجددًا يواكب المتغيرات، يعيد عبد الحق إنتاج خطاب الجماعة التقليدي، وكأنه يتحدث من زمن آخر، متجاهلًا التغيرات العميقة التي طرأت على المجتمع المصري وعلى موقع الإخوان فيه. ما الذي تقوله الرسالة؟ وما الذي لا تقوله؟ الرسالة، في ظاهرها، تبدو تهنئة رقيقة بعيد الأضحى، مرسلة من "القيادة" الإخوانية إلى من تصفهم بـ"الأحباب" في السجون. فهي تحفل بالتعابير الدينية والوجدانية، وتفيض بصور قرآنية وتشبيهات روحية، مثل الحديث عن "السكين الأقرب إلى العروق" و"فرج الله الذي كان أقرب من الذبح"، وتُسقِط على المعتقلين أوصافًا ملائكية من طراز "المغيبون عن أهليكم وأولادكم من أجل دينكم"، و"أطهر جيل لأقسى محنة". هذه العبارات تُعيد إنتاج صورة "المعتقل الإخواني" كرمز طهوري، مُفارق للعامة، موحَّد بالله، يُضحّي بنفسه لا من أجل مشروع سياسي، بل في سبيل "قضية مقدسة". لكن عند القراءة السياسية المتأنية، تتكشف أبعاد أعمق للرسالة، تتجاوز مجرد التهنئة. إذ نلحظ سعيًا دؤوبًا لإعادة ترسيم مكانة المعتقل الإخواني داخل الخيال التنظيمي كـ"شهيد حي"، يحمل لواء "المحنة" التي لا تنتهي، ويصبح عبرها هو النموذج الأمثل للمسلم الحق. هذا ما يظهر جليًا في قول الرسالة: "فوالله ما استقام له [الظالم] أمر، ولا صلح له عمل، ولا تحقق له أمل منذ امتدت يدُه إليكم بالغائلة"، وهي صيغة تسحب أي معنى سياسي أو واقعي للهزيمة، وتُفرغ المأساة من سياقاتها التاريخية والاجتماعية لتجعلها مجرد محكٍ إلهي لتثبيت الإيمان. لكن الأخطر من ذلك، هو ما لا تقوله الرسالة. فهي لا تتضمن، ولو بكلمة، أي اعتراف بالخطأ، أو مراجعة للمسار، أو حتى تلميح خجول إلى التفكير في المستقبل خارج سردية "الثبات على الطريق". لا حديث عن المآلات الكارثية لما بعد 2011، ولا اعتراف بالثمن الفادح الذي دُفع من دماء وأعمار ليس فقط كوادر الجماعة، بل من نسيج المجتمع المصري نفسه. على العكس، تنضح الرسالة بروح ماضوية، كأنها تقول للمعتقلين: "ابقوا حيث أنتم، لأننا كما نحن، ثابتون بلا مراجعة، ولا تغيير". وفي هذا الصمت المدوي تكمن دلالة جوهرية: الرسالة لا تسعى إلى تحريك واقع، بل إلى تثبيت وهم. إنها تؤسس لتقديس المعاناة لا تجاوزها، ولتحنيط الرموز لا نقدها، ولتعليق الواقع السياسي والاجتماعي عند لحظة المجد المزعوم، لا العمل على استشراف مخرج منه. ففي قولها: "دعوة الله عصيّة على الإنهاء، ومحاربته سبحانه إلى زوال"، تحوِّل الجماعة ذاتها إلى تجسيد للدين، وتخلط بين الرسالة السماوية والمشروع الإخواني، وهو لبّ أزمة الإخوان الكبرى مع الدولة والمجتمع والتاريخ. استخدام الدين كدرع أيديولوجي استخدام الدين كدرع أيديولوجي هو أحد أبرز ملامح الخطاب الإخواني في العقود الأخيرة، لكن رسالة الدكتور صلاح عبد الحق تمثل نموذجًا مكثفًا لهذا النمط، حيث يتجاوز التوظيف الرمزي إلى إنتاج بنية لغوية وعقائدية تُحصّن الجماعة من الداخل، وتُعفيها من أي مساءلة خارجية. فالمعتقل، وفق الرسالة، ليس سجينًا سياسيًا دفع ثمن حسابات فاشلة أو رهانات خاسرة، بل هو "اليوسفي المجهول أرضًا، المشهور سماءً"، "أشبه بالوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام"، أي أنه سجين في مقام النبوة والصحبة، ما يخرجه من المجال السياسي إلى الفضاء المقدس، ويجعل المساس بقضيته أو نقدها ضربًا من الوقيعة في الدين ذاته. هذا التقديس للمحنة يتجلّى بوضوح في المقطع الذي يقول فيه عبد الحق: "ينشر ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقًا"، ثم يستدعي قصة إبراهيم عليه السلام، حين كان "السكين أقرب إلى العروق" و"الذبح أقرب إلى الحدوث"، ليؤكد أن الفرج الرباني أعظم من كل التوقعات. هنا، تصبح معاناة المعتقلين لا نتيجة قرارات سياسية خاطئة، بل تجلٍ لإرادة إلهية عليا، وموقعًا اختاره الله لهم ليطهّرهم ويرفع منزلتهم. وهكذا، يغدو الظلم المُعاش امتحانًا للإيمان، لا نتيجة لمسار سياسي تحكمه عوامل بشرية قابلة للنقد والمراجعة. وتكمن الخطورة في أن هذا النمط من الخطاب يحوّل القيادة ذاتها إلى كيان "معصوم" عمليًا، لأنها –وفق هذا المنطق– مجرد أداة في يد القدر الإلهي، لا يُسائلها أحد عن نتائج الأفعال، بل يُطلب من الجميع الصبر على الابتلاء وانتظار الفرج. ففي قوله: "فما نقصان هذا [الظلم] إلا من نهاية ذاك [الابتلاء]"، يربط نهاية المحنة بنفاد صبر الخصم، لا بتغيير في الرؤية أو المنهج، ما يعكس قناعة دفينة بأن المسار لم يكن خاطئًا، بل فقط لم يُستكمل بعد. وهذه بالضبط هي الذريعة التي تُبقي الجماعة في حالة تجميد دائم، تتغذى على خطاب المظلومية وتتجنب أي تفكير حقيقي في الإصلاح أو التجديد. والمحصلة أن الرسالة، عوضًا عن أن تكون مساحة للمكاشفة أو النقد الذاتي، تتحول إلى "وثيقة شرعية" لإعادة إنتاج الأزمة، فحين يقول عبد الحق: "دعوة الله عصيّة على الإنهاء، ومحاربته سبحانه إلى زوال وبوار"، يُسقِط مرة أخرى بين الجماعة والدين، فلا يكون الفشل فشلًا سياسيًا، بل استهدافًا إلهيًا يُبتلى به "المؤمنون" ليزيدهم إيمانًا. وهكذا، تُقنّن الرسالة لثقافة الصمت والطاعة، وتُقدّم المعاناة كسردية خلاص، في تجاهل تام للكلفة التي يدفعها المجتمع والدولة، والمعتقلون أنفسهم، عنادًا في التغيير، ورفضًا للاعتراف. لغة بلا جمهور.. وهم العودة المفقودة الرسالة التي بعث بها الدكتور صلاح عبد الحق تحمل ملامح لغة خارج السياق، وكأنها كُتبت في فراغ زمني لا يعترف بأن عقدًا كاملًا قد مضى على تراجع الجماعة وتآكل حضورها الشعبي والسياسي. فهي لا تخاطب الحاضر، بل تستدعي جمهورًا من الماضي، جمهورًا كان موجودًا قبل عام 2013، لكنه اليوم إما ابتعد، أو راجع قناعاته، أو تجاوز الجماعة تمامًا. اللغة ذاتها محنطة، مثقلة بمفردات دينية منزوعة من سياقها الاجتماعي والسياسي، تستدعي "يوسف عليه السلام" و"الذبح العظيم" و"الفرج الإلهي"، لكنها لا تقول شيئًا له صلة بواقع الناس اليوم، ولا تعبّر عن تطورٍ في فكر الجماعة أو أدواتها. فالمواطن المصري اليوم لا يعيش فقط في ظل قبضة أمنية، بل يواجه أزمات اقتصادية خانقة، وتحولات اجتماعية عميقة، بينما الخطاب الإخواني، كما تعكسه الرسالة، يتجاهل هذه التحولات تمامًا. لا نجد في كلمات عبد الحق أي حديث عن العمل أو الغلاء أو التعليم أو الصحة أو حتى العدالة الاجتماعية – القضايا التي تشغل المواطن العادي يوميًا. وبدلًا من ذلك، يطلب من المعتقلين ومن ورائهم الجماهير أن يظلوا "صامدين"، و"ثابتين"، وأن ينتظروا "فرجًا قريبًا"، دون أي خطة أو تصور واقعي لماهية هذا الفرج أو كيف يتحقق. هذا الانفصال عن هموم الناس اليومية ليس تفصيلًا عرضيًا، بل يعكس مأزقًا وجوديًا تمر به الجماعة. فهي لم تعد تمتلك لغة تواصل مع الشارع، ولم تطور خطابًا يستجيب للأسئلة الجديدة التي يطرحها الواقع المصري. يقول عبد الحق للمعتقلين: "لكم الله، لا يضيعكم"، ويطالبهم بـ"التمسك بالصبر والثقة في الله"، لكن هذه العبارات، رغم ما تحمله من طمأنينة دينية، تبدو خاوية من المعنى حين تُطرح بلا سياق سياسي عقلاني أو برنامج واقعي يعيد الجماعة إلى دور فعّال في المجتمع. إنها خطبة روحية أكثر منها بيانًا سياسيًا، موجهة إلى جمهور لم يعد يؤمن. في النهاية، يظهر خطاب الجماعة وكأنه يدور في حلقة مغلقة من التكرار، يعيد إنتاج أساطير الذات المظلومة دون مراجعة أو إصلاح. وبينما يبحث المجتمع المصري –بما فيه من قوى سياسية وفكرية– عن أفق جديد يتجاوز الاستقطاب ويعالج الأزمات الهيكلية، يصرّ الإخوان على خطاب ماضوي يقدّس المعاناة ويحوّلها إلى غاية في ذاتها. صمتهم عن قضايا الناس الحقيقية، وتشبثهم بـ"المحنة" كشكل من أشكال البطولة، لا يعبّر فقط عن انفصال عن الواقع، بل أيضًا عن غياب أي مشروع للتجديد أو العودة. باختصار، هم يتكلمون، لكن لا أحد يسمع. خطر الإخوان.. لا في قوتهم بل في أوهامهم رغم ما تبدو عليه جماعة الإخوان المسلمين من ضعف تنظيمي، وتشظٍ داخلي، وملاحقة أمنية، إلا أن خطورتها لا تكمن اليوم في قدرتها على الحشد أو الفعل السياسي، بل في قدرتها على الاستمرار كفكرة مغلقة تُعيد إنتاج ذاتها داخل الوعي الديني لبعض الفئات. فالجماعة، كما تعكس رسالة صلاح عبد الحق، لم تتخلَّ عن منطق التقديس للمعاناة، ولم تخرج من إطار "المحنة" باعتبارها مرادفًا للشرعية، بل تواصل إعادة تدوير خطاب يختزل السياسة في البلاء، والفشل في "ابتلاء رباني". هذا الخطاب –وإن كان يبدو مكررًا– يشكّل خطورة فكرية على الوعي العام، لأنه يضرب أسس السياسة المدنية، ويصوّر الانكسار كنوع من الجهاد المجرد من الغاية السياسية. في نص الرسالة، نجد عبد الحق يقول للمعتقلين: "أنتم في منازل الأنبياء"، و"المحنة طريق الصدق"، وهي عبارات تنقل المعاناة من ساحة السياسة إلى فضاء القداسة، وتُخرج الجماعة من أي مساءلة بشرية باعتبار أنها تعاني في سبيل الله. هذا التقديس للمحنة لا يُعفي القيادة فقط من النقد، بل يزرع في أذهان الأتباع شعورًا بالتفوق الأخلاقي والديني، يجعلهم يرون الآخرين –بمن فيهم عموم الشعب– كمن خذلوا "دعوة الله"، لا كمن رفضوا تنظيمًا سياسيًا أخطأ الحسابات وأسقط الدولة في فوضى. هكذا تتحول السياسة إلى عبادة، والخطأ إلى ابتلاء، والفشل إلى دليل على الإيمان. الخطورة الحقيقية هنا أن هذا النمط من الخطاب ما يزال قادرًا على البقاء داخل دوائر دينية مغلقة، أو بين شرائح من الشباب المتدين الذي يعاني من اغتراب سياسي أو فقدان أفق. فالجماعة، رغم فشلها الواقعي، ما تزال تحتفظ بسردية تقنع هؤلاء بأنهم على "الطريق الحق"، وأن الظلم الذي يعيشونه هو دليل على صدقهم، وليس على خلل في المنهج أو التنظيم. وهذا ما يجعل الإخوان، وإن انتهوا كتنظيم فعّال، يملكون القدرة على العودة كأفكار تحت الجلد، كامنة، تنتظر فرصة جديدة للانبعاث، تمامًا كما حدث سابقًا بعد محن الستينيات. ختامًا، تكمن خطورة الإخوان اليوم في رفضهم إعلان نهاية الوهم، وإصرارهم على بعث الحياة في جسد تنظيمي وسياسي ميت. رسالة عبد الحق ليست مجرد تهنئة بعيد الأضحى، بل محاولة أخرى لغرس الإيمان في مشروع فقد شرعيته التاريخية، والاستمرار في جر الأتباع نحو مسارات الاصطدام مع الدولة والمجتمع. بهذا المعنى، فإن الإخوان لا يشكّلون خطرًا كقوة راهنة، بل كأثر ثقافي وعقائدي يكرّس الانفصال عن المجتمع، ويعيد إنتاج منطق "نحن وهم" في كل دورة من دورات الفشل. تهافت دعوى العودة إلى الحياة السياسية من يقرأ رسالة الدكتور صلاح عبد الحق، يدرك أن الحديث عن "عودة الإخوان للحياة السياسية" ليس إلا وهمًا يردده بعض قادة الجماعة في الخارج دون أي معطى واقعي. فالرسالة –التي يُفترض أنها تحمل خطابًا سياسيًا موجهًا لأكثر الفئات تضررًا من خيارات الجماعة، وهم المعتقلون– لم تطرح أي مبادرة، أو مراجعة، أو حتى خطاب جديد. لا توجد فيها مؤشرات لأي تصور مدني للحكم، ولا أي تلميح لإعادة النظر في أخطاء السنوات العشر الماضية. كل ما تقوله الرسالة: اصبروا، فأنتم على الحق، والله سيمتحنكم وينصركم، في لغة تستدعي النصوص أكثر مما تلامس الواقع. بل الأسوأ أن الرسالة تكرّس خطاب "الفرقة الناجية"، وتُصر على أن ما جرى للإخوان ليس نتيجة سوء تقدير سياسي أو فشل في قراءة تحولات المجتمع، بل "محنة ربانية" تقع ضمن سُنن الابتلاء والتمحيص. تقول الرسالة: "أنتم في منازل الأنبياء، لأنكم على الحق... والله اصطفاكم للثبات"، وكأن الجماعة كانت دائمًا على الطريق المستقيم، والشعب أو الدولة أو الخصوم هم من انحرفوا. هذا النوع من الخطاب لا يترك أي مساحة للنقد الذاتي أو للاعتراف بالمسؤولية، بل يغلق الباب تمامًا أمام فكرة المراجعة أو إعادة التواصل مع القاعدة الاجتماعية التي هجرت الإخوان. كما أن الرسالة تفتقر تمامًا إلى أي إشارات لفتح قنوات مع القوى السياسية الأخرى، أو حتى مع أطياف من الإسلاميين غير المنتمين للجماعة. فطوال نص الرسالة، لا يظهر أي وعي بوجود مجتمع سياسي خارج الجماعة، ولا حديث عن الشراكة أو التعدد أو التحالفات. وكأن الخطاب موجّه إلى "جماعة المؤمنين" وحدها، في سردية مغلقة تنظر إلى الآخر كخصم أو متخاذل، لا كطرف يمكن التفاعل معه. هذه النظرة الانعزالية تتناقض مع أي دعوى للعودة إلى السياسة، التي تستدعي بالضرورة رؤية للواقع، وتواصلاً مع المجتمع، وقبولاً بالتنوع. وهكذا، ينكشف أن الخطاب الإخواني كما يعبر عنه عبد الحق، لا يحمل أي ملامح لمشروع سياسي قابل للحياة، بل يعيد إنتاج ذات المنطق الذي قاد الجماعة إلى أزمتها الراهنة. لا تصور ديمقراطي، ولا حديث عن دولة مدنية، ولا حتى تلميح لاعتذار من الشعب المصري على ما جرى بعد 2011. هي رسالة مكتوبة بلغة الماضي، موجهة إلى جماعة مغلقة على نفسها، تُقنع المعتقلين أنهم في علياء إيماني، بينما تُبقي التنظيم في قاع العزلة السياسية والفكرية. رسالة قديمة لعصر جديد رسالة الدكتور صلاح عبد الحق الأخيرة لا تعبّر فقط عن حال المعتقلين في السجون، بل تختصر مأزق الجماعة بأكملها: خطاب متكلس، قيادة مفصولة عن الواقع، ورؤية مؤجلة بلا ملامح سياسية واضحة. الرسالة، رغم توقيتها في عيد الأضحى، تحمل نبرة حزينة، مأزومة، تُعيد تدوير الخطاب القديم ذاته الذي استخدمته الجماعة لعقود، كأن الزمن توقف. يتحدث عبد الحق عن "الثبات في وجه البلاء" و"التمكين بعد الابتلاء"، لكنه لا يطرح سؤالًا واحدًا عن جدوى المسار الذي اتُّبع، أو عن ثمنه السياسي والاجتماعي والأخلاقي. وبينما يُفترض أن العيد مناسبة للفرح والتجديد، فإن الرسالة تُغرق المتلقّي في خطاب الألم والانتظار الميتافيزيقي. لا تحمل الرسالة أي بارقة لتجديد سياسي أو فكري، بل تعيد إنتاج مفردات المظلومية والابتلاء والصبر، وتُغرق المعتقل في "فضيلة الألم"، إذ يقول عبد الحق: "يا من سُجنتم ظلمًا، أنتم في مقامات الأنبياء، والله لا يضيع أجر الصابرين." هذه التضمينات الدينية، بدل أن تفتح أفقًا جديدًا، تبدو كأنها جدار يُغلق على الداخلين، يمنعهم من التفكير في الخروج من الدوامة أو مراجعة المسار. الأزمة الأعمق أن الرسالة لا تُشير لا من قريب ولا من بعيد إلى نهاية الطريق أو ضرورة وقفة للمراجعة. فالجماعة، كما توحي الرسالة، ما تزال ترفض الاعتراف بانتهاء دورها السياسي أو بضرورة تجاوز بنيتها القديمة. تقول الرسالة بوضوح: "إن الله يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته"، في استمرار لمنطق الانتظار القدري، دون أدنى محاولة لفهم تغير الزمن، أو إعادة التفكير في أدوات التغيير. وكأن المطلوب من الأتباع أن يبقوا أسرى الأمل الغيبي، لا أصحاب فعل واقعي. إن أخطر ما في الرسالة أنها توحي بأن الجماعة لا تزال تمتلك "الحقيقة"، وتُصر على بث الحياة في مشروع يحتضر، دون أي فعل يُسند هذا الادعاء. الجماعة هنا لا تعترف بنهايتها، بل تروّج لوهم الاستمرارية، وتُطيل أمد الانفصال عن الواقع. فهي لا تطلب من الأتباع خطوات فعلية، بل مجرد انتظار طويل تحت عنوان "الفرج قريب"، كما جاء في النص: "لا تيأسوا، فإن بعد العسر يسرا، وبعد المحنة تمكينًا." لكن ما يُغيّب تمامًا هو: من سيقوم بالفعل؟ ومتى؟ وبأي برنامج؟ وبأي مراجعات؟ هذه الأسئلة تظل معلّقة في الفراغ، كما هو حال الجماعة كلها.


وكالة أنباء براثا
منذ 7 ساعات
- وكالة أنباء براثا
الشيخ جلال الدين الصغير : كيف نحظى بالسلام والصفاء الداخلي؟ العائلة الابراهيمية انموذجاً
التعليقات طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ... الموضوع : انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ... الموضوع : الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ... الموضوع : وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ... الموضوع : صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ... الموضوع : حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت. ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ... الموضوع : صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005 ----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ... الموضوع : تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41) منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ... الموضوع : النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ... الموضوع : الحسين في قلب المسيح