متاهة المفاوضات
تستخدم إسرائيل المفاوضات لكسب الوقت، وللتغطية على أهداف أبعد بكثير من موضوع التفاوض، وهي بارعة في هذا التخصص. فعلت ذلك في مفاوضاتها مع منظمة التحرير، واستغلت المفاوضات كغطاء لتمرير مخططاتها الاستيطانية والتوسعية وفرض الحقائق على الأرض في الضفة الغربية، وها هي تعيد اللعبة ذاتها في مفاوضاتها غير المباشرة مع «حماس»، تستغلها لإطالة أمد الحرب، وتحقيق المزيد من المنجزات، وتغيير خرائط المنطقة، بل إنها جعلت منها أداة من أدوات الحرب والقتل والتشريد، وجعلت جميع الأطراف الأخرى («حماس»، الشعب الفلسطيني، الأمة العربية، دول العالم...) جميعهم يقفون في وضعية المتفرج وفي انتظار نتائج جولات المفاوضات، لا يفعلون شيئاً سوى الترقب والرجاء أن تنتهي المفاوضات بهدنة وإعلان وقف إطلاق النار، بينما الاحتلال يواصل القتل والتدمير.
مشكلة «حماس» أنها تعتقد أن الرهائن الإسرائيليين هم ورقة ضغط قوية ومؤثرة في مجرى التفاوض، وهذا نابع من اعتقادها أن إسرائيل في عدوانها تستهدف القضاء على «حماس»، وأن الستين ألف قتيل فلسطيني هم مجرد أضرار جانبية.
في الحقيقة أن إسرائيل لم تشن الحرب بهدف القضاء على «حماس» (قبل الحرب وعلى مدى سنوات كانت تسمح بتمرير الأموال القطرية لدعم «حماس»)، ولم تشنها بهدف استرداد الأسرى. أما ما يقوله إعلامها الرسمي وما تسوقه «الجزيرة»، فهو مجرد تضليل ودعاية انطلت على الكثيرين، لقد بات واضحاً ما هي أهداف إسرائيل الحقيقية من العدوان: التخلص من عبء السكان في القطاع لتغيير الميزان الديموغرافي، من خلال قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وتهجير من تبقى منهم قسرياً ولكن تحت مسمى الهجرة الطوعية، والإسراع في مخططها الاستيطاني التوسعي التهويدي في الضفة الغربية (تحت غطاء الحرب، وضجيجها الإعلامي، وبحجة 7 أكتوبر)، وتغيير خارطة الشرق الأوسط الجيوسياسية، والتخلص من كل المخاطر الأمنية المحتملة («حزب الله» مثلاً) لتضع نفسها في المكانة الجديدة ضمن الخارطة الأوسع، وفي سياق ترتيبات نظام دولي وإقليمي جديد، بحيث تتربع على قمته، وتكون لها اليد الطولى، والكلمة النهائية.
وقد خسرت في سبيل تحقيق هذه الأهداف ما يربو على 420 قتيلاً (منذ 8 أكتوبر)، ومليارات الدولارات، وضحّت بسمعتها في العالم، وخسرت صورتها التي طالما سعت لتكريسها كضحية، وممثلة ليهود العالم، وجزء من الحضارة الغربية. لم تقدم تلك الخسائر من أجل عشرات الرهائن، وهي غير مستعدة لخسارة أثمن فرصة تاريخية تحصل عليها طوال تاريخها، وهي فرصة تهجير الفلسطينيين، والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية، بل وعلى الكيانية الفلسطينية والهوية السياسية التي تجسدها منظمة التحرير، باختصار فرصتها الذهبية لتصفية القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد عبء إنساني على العالم، ومشاريع إعمار للدول المانحة والشركات العابرة للقارات.
لذلك، حتى لو أسفرت المفاوضات عن هدنة، فإنها لن توقف الحرب (ستكون بصور وأشكال أخرى)، ولن تتوقف إسرائيل عن المضي في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، ونحن كفلسطينيين سننشغل كثيراً في تداعيات الحرب، سنحتاج سنوات طويلة وثقيلة للتعافي من آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. قد ننجر إلى حرب أهلية، أو إلى فوضى أمنية، ونرتد إلى زمن العشائر والميليشيات المسلحة (وإسرائيل تخطط لذلك، وتسعى إليه).
لو كانت «حماس» تقاتل فعلياً، بمعنى أنها تمتلك أدوات حقيقية للردع، أو للدفاع عن النفس، أو لإجبار العدو على مسار معين، أو لدفعه للتراجع، أو إبطاء تقدمه، أو إحباط مساعيه، لقلنا لها وبكل قوة: واصلي الحرب، وكل الشعب معك. لكنها حقيقة لا تمتلك شيئاً من هذا كله، بل إن وجودها بحد ذاته (ووجود الرهائن) هو الذريعة الأساسية لإطالة أمد الحرب، ودون أن تدفع إسرائيل أي ثمن سياسي، فهي في الإعلام الغربي تقاتل «منظمة إرهابية».
بالعودة إلى موضوع المفاوضات، في هذه الحرب، والأربع حروب السابقة، لم تخض «حماس» أي مفاوضات سياسية، كانت بعد كل حرب تفاوض على قضايا مطلبية وآنية (مطار، ميناء، مساحة الصيد البحري، عدد الشاحنات، ودخول مساعدات، فك الحصار، المعابر...)، وفي هذه الحرب العدوانية تفاوض فقط على إنهائها، وبالشكل الذي يضمن بقاءها (كحركة)، ويسمح لها بالعودة إلى الحكم بطرق خلفية بعد ذلك. وطالما أن إنهاء الحرب لمصلحة الشعب الفلسطيني (وهو بالتأكيد لمصلحته) فلماذا خاضت «حماس» الحرب من الأساس؟ ولماذا خاضتها كجيش، وعلى شكل حرب، مع دعاية إعلامية تصورها كقوة عملاقة وجبارة لديها كتائب مسلحة، وألوية، وصواريخ، وأنفاق!!
في الواقع لم تخض «حماس» مفاوضات سياسية، ولا يمكنها ذلك، لأن الطرف الآخر (الإسرائيلي والأميركي) لا يراها جهة سياسية، بقدر ما يراها في أحسن الأحوال تهديداً أمنياً، ولأن دول العالم وهيئاته ومنظماته الرسمية لا تعترف بـ»حماس» كجهة سياسية، تمثل الفلسطينيين، وبالتالي سقف المفاوضات محدود، ولهذا بذلت «حماس» كل جهدها للدخول مع أميركا كطرف، على أمل أن تعترف بها، وأن تسمح لها ضمن صفقة غير معلنة بالعودة إلى حكم غزة، مدركة مصلحة إسرائيل وأميركا من وراء ذلك، أي بتثبيت الانقسام وتكريسه للأبد، لأن الانقسام أضمن طريقة لوأد حلم الدولة الفلسطينية. وبذلك تكون إسرائيل قد حولت «التهديد الأمني»، إلى فرصة وأداة لتحقيق أهدافها بعيدة الأمد.
لكن نتنياهو لن يستطيع فعل ذلك، ببساطة، لأن اتهامات خصومه السياسيين ستطيح به وتنهي مستقبله، اتهامه بدعم «حماس» (قبل الحرب)، والسماح بتمويلها، والتغاضي عن أنشطتها، وعن تنامي قوتها.. وبالتالي هو معني الآن (ومن خلال الحرب) بإظهار أقصى مدى ممكن من البطش والقسوة والإجرام لتبرئة نفسه من تلك التهم، ولإثبات أنه هو من حارب «حماس»، وهو من قضى عليها.
إذا تعاملنا بشجاعة وصدق ووعي وطني مع معطيات الحرب ونتائجها الكارثية، بمعنى أن يتحمل كل طرف مسؤولياته بعيداً عن الخطابات الشعبوية والشعارات والغيبيات، وأدركنا أن انسحاب «حماس» من المشهد لا يعني أبداً نهاية المقاومة، ولا يعني تصفية القضية، ولا يعني «صبرا وشاتيلا» جديدة، فالمذابح تحصل يومياً منذ 18 شهراً (بوجود «حماس» وأسلحتها)، يمكن حينها أن نجترح حلاً سياسياً للخروج من هذا المأزق بأقل قدر ممكن من الخسائر، أي بما يضمن بقاء الشعب فوق أرضه وإحباط مخطط التهجير. عدا ذلك، سندفع ثمناً غالياً، وحينها سنفقد كل الخيارات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 27 دقائق
- فلسطين أون لاين
السُلطات القضائية في بيرو تُحيل قضايا ضدَّ جنود "إسرائيليين" إلى المُدَّعي العام لحقوق الإنسان
أحالت السلطات القضائية في بيرو رسمياً قضية تتعلق بجرائم إبادة جماعية ارتكبها جندي إسرائيلي في قطاع غزة إلى المدعي العام لحقوق الإنسان. وتُعتبر هذه الخطوة الأولى من نوعها على المستوى الدولي، بناء على شكوى تقدمت بها مؤسسة هند رجب لحقوق الإنسان، تتهم فيها الجندي، الحامل لجنسية مزدوجة، بالمشاركة في تدمير أحياء مدنية وبنية تحتية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة بين عامي 2023 و2024. وقدَّمت المؤسسة أدلة موثقة بالصوت والصورة ومصادر استخباراتية، تتهم الجندي الذي خدم في فيلق الهندسة القتالية بالجيش الإسرائيلي، بـ"المشاركة المباشرة في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة ومحو أحياء بأكملها"، معتبرة أن هذه الوحدة العسكرية كانت من الأذرع الأساسية في تحويل مناطق مدنية بغزة إلى أماكن "غير صالحة للعيش". ومن جهته، أكد المحامي البيروفي البارز خوليو سيزار أربيزو غونزاليس، أن النيابة العامة في بيرو بدأت التحقيق في الأدلة بشكل فعلي، عوضاً عن الاكتفاء بتقييم صلاحيتها للنظر في القضية. وقد تم ذلك في إطار التزامات بيرو الدولية، ولا سيما نظام روما الأساسي والقانون الإنساني الدولي. وقالت المؤسسة إن القضية لا تندرج ضمن الإجراءات الشكلية أو الرمزية، بل تمثل "بداية حقيقية لمحاسبة قانونية". وكشفت المؤسسة أنها قدمت طلبات اعتقال لألف جندي إسرائيلي مزدوجي الجنسية في ثماني دول، دون الكشف عن الأسماء، حرصا على عدم تنبيههم لأي إجراءات قضائية مرتقبة قد تطالهم. ودعت المؤسسة الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي إلى اتخاذ خطوات مماثلة في حال دخول مشتبه بهم من المتورطين في الجرائم المرتكبة بغزة إلى أراضيها. وتقول المؤسسة على موقعها الرسمي بأن الشكوى التي تم تقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا، مقدمة بأسماء المتهمين الألف ومدعومة بالأدلة والبراهين التي تم التحقق منها، وتثبت مشاركتهم بشكل فعال ودوري في ارتكاب جرائم حرب خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ أكثر من عام. وتشمل التهم الموجه إلى الجنود الألف، تدمير البنية التحتية لقطاع غزة، حيث استهدفت منازل المدنيين والمدارس والمستشفيات، أيضا تهمة المشاركة في حصار القطاع ومنع دخول المساعدات الإغاثية والمياه والغذاء، وكذلك استخدام تكتيك حربي غير إنساني باستهداف مخيمات النازحين وتجويع الأسر المشردة. وتقول مؤسسة هند رجب أن من بين المتهمين ضباط ومسؤولين ذوي رتب كبيرة في الجيش الإسرائيلي، متهمين بتخطيط وتنفيذ والاشراف على الجرائم التي ارتكبت في حق أهالي القطاع منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. المصدر / فلسطين أون لاين+ وكالات


معا الاخبارية
منذ 40 دقائق
- معا الاخبارية
واشنطن تحذر: لا تشاركوا في مؤتمر حل الدولتين
بيت لحم- معا- أرسلت الولايات المتحدة برقية تدعو فيها الدول إلى عدم المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة حول حل الدولتين. وجاء في الرسالة أن "واشنطن تُعارض أي خطوة من شأنها الاعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية، وترى أن الدول التي تتخذ إجراءات عدائية ضد إسرائيل تتعارض مع المصالح الأمريكية، وقد تُجبر على تحمل العواقب". يُعقد المؤتمر في أعقاب مساعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، إلى جانب دول أوروبية أخرى، لإصدار إعلان اعتراف بدولة فلسطينية. وصرّح ماكرون مؤخرًا في مقابلة مع صحيفة "ذا باريزيان" بأن مسألة فرض عقوبات على إسرائيل فيما يتعلق بالتعاون معها "مطروحة"، وأشار إلى أنه "من المستحيل التظاهر بأن شيئًا لا يحدث. ما تفعله حكومة نتنياهو في غزة أمرٌ غير مقبول فيما يتعلق بالوضع الإنساني. لا ماء ولا دواء، ولا نستطيع إجلاء الجرحى. بالإضافة إلى ماكرون، قال مبعوث فرنسي لدى الأمم المتحدة إن آلية إسرائيل لإيصال المساعدات إلى غزة تنتهك القانون الدولي ولا تُلبّي الاحتياجات.


معا الاخبارية
منذ ساعة واحدة
- معا الاخبارية
الجيش الاسرائيلي يعلن اعتقال عنصرين من حماس جنوب سوريا
بيت لحم- معا- أعلن جيش الاحتلال اعتقال عنصرين من حركة حماس خلال عملية خاصة جنوب سورية. واضاف جيش الاحتلال في بيانه " الجنود نفذوا عملية الليلة الماضية لاعتقال عنصرين من حماس في منطقة بيت جن جنوب سوريا. ونُفذت العملية من قِبل الوحدة 504. وأفادت قناة سوريا تي في أن "حوالي 100 جندي دخلوا المنطقة، في 10 مركبات عسكرية، وحلقت طائرات مسيرة في سماء المنطقة خلال العملية".