logo
يوتيوب: العالم الخفي تحت ظلال خوارزمية

يوتيوب: العالم الخفي تحت ظلال خوارزمية

الوسط٢٦-٠٤-٢٠٢٥

Estudio Santa Rita
هناك جانب خفي ليوتيوب، يختبئ خلف خوارزمية مُتحكمة، وهو لا يُشبه ما تعرفه. الغالبية العظمى من فيديوهات يوتيوب، التي تقدر بـ 14.8 مليار فيديو، لم تُشاهد تقريباً حتى الآن.
في 23 أبريل/نيسان 2005، نشر موقع يوتيوب أول فيديو له؛ 19 ثانية محرجة لمؤسس المنصة وهو يصف الأفيال في حديقة الحيوانات. ولكن بعد 20 عاماً، انتقل يوتيوب من فكرة للهواة إلى عملاق كبير لدرجة أنه يُوصف بـ "هوليوود الجديدة".
يوتيوب هو خدمة البث التلفزيوني رقم واحد في العالم، حيث يشاهد المستخدمون مليارات الساعات يومياً. يتفوق كبار مستخدمي يوتيوب بانتظام على الاستوديوهات الكبيرة. للمقارنة، بيع ما يقدر بنحو 823 مليون تذكرة سينما في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا في عام 2024. وفي الوقت نفسه، حقق أنجح فيديو لليوتيوبر الشهير MrBeast وحده 762 مليون مشاهدة، أي حوالي مشاهدة واحدة لكل 10 أشخاص على وجه الأرض.
هذه هي رؤية يوتيوب التي تروج لها الشركة - أنيقة، واحترافية، ومسلية، وصاخبة - ولكن من وجهة نظر واحدة، كل هذا مجرد واجهة.
من منظور آخر، جوهر يوتيوب أشبه بالمقطع أدناه من عام 2020. قبل أن أشاهده، لم يُشاهد إلا مرتين. يُوجه رجل الكاميرا من نافذة غرفته بينما تندلع عاصفة ثلجية في فصل الشتاء. يقول: "ها هو، الثلج يتساقط". يُسمع صوت تلفزيون في الخلفية. يهبط طائر على سياج قريب. تمر 19 دقيقة. لا شيء يحدث.
يقول رايان ماكجريدي، الباحث الأول في مبادرة البنية التحتية الرقمية العامة بجامعة ماساتشوستس أمهرست الأمريكية: "إن النقاشات التي نجريها حول يوتيوب مبنية على نظرة سطحية لماهية المنصة الحقيقية. عندما نركز فقط على ما هو شائع، نغفل عن حقيقة أن الغالبية العظمى من الناس يستخدمون يوتيوب كمحمّلين، ونتجاهل الدور الذي يلعبه في مجتمعنا".
قضيتُ الشهر الماضي أتصفح إحدى أولى عينات يوتيوب العشوائية التي جُمعت خارج الشركة. رأيتُ جانباً من الإنترنت يبدو أحياناً ضائعاً، جانباً ينبض بالتعبير عن الذات بصدق وشفافية. إنه عالم كامل لن تُبينه لك خوارزمية يوتيوب.
يقول ماكجرادي: "يوتيوب ليس مجرد منصة للمحترفين. نعتمد عليه كمصدر أساسي للفيديوهات على الإنترنت. يوتيوب بمثابة بنية تحتية، وأداة أساسية يستخدمها الناس للتواصل".
لكشف هذا الجانب من يوتيوب، طوّر ماكجرادي وزملاؤه أداة تُصنف الفيديوهات عشوائياً. جرّبت هذه الأداة أكثر من 18 تريليون رابط محتمل قبل أن تجمع عينة كافية لإجراء تحليل علمي دقيق. ومن بين النتائج، يُقدر الباحثون أن متوسط عدد مشاهدات الفيديو هو 41 مرة فقط.
وتُصنّف المنشورات التي تزيد عن 130 مشاهدة في الثلث الأعلى من المحتوى الأكثر شيوعاً على الخدمة. بمعنى آخر، فإن الغالبية العظمى من محتوى يوتيوب يكاد يكون غير مرئي.
معظم هذه الفيديوهات ليست مُخصصة لنا لنشاهدها. إنها موجودة لأن الناس يحتاجون إلى مساحة رقمية لتخزين ذكرياتهم. ولا تتأثر بضغوط النقرات و الخوارزميات، بل مكان لا يُشترط فيه أن يكون المحتوى فعالاً، بل يمكن أن يوجد ببساطة.
قبل 12 عاماً، نشرت امرأة أمريكية تُدعى إميلي فيديو على يوتيوب بعنوانن "sw33t tats". وعلمتُ أنه أقدم من ذلك، إذ سُجِّل حوالي عام 2008. في الفيديو، تجلس إميلي، التي طلبت حجب اسمها الكامل، في غرفتها الجامعية. تفتح فمها بينما تضع أختها الصغرى قلماً على شفتها السفلى.
"توقفي عن الحركة!"، صرخت أختها وهي تبدأ الكتابة، وبالكاد تمكنت الفتيات من السيطرة على ضحكاتهن. فتحت إميلي شفتيها أمام الكاميرا، وفعلت أختها الشيء نفسه، كاشفة عن وشم جميل خاص بها.
إميلي، البالغة من العمر 34 عاماً الآن والمقيمة في مدينة نيويورك، نسيت وجود هذا الفيديو حتى سألتها عنه. قالت: "لا أتذكر حتى لماذا رفعته. أعتقد أنني أردت إرساله إلى أختي، ولكن كان علي أيضاً تحرير مساحة على قرصي الصلب. كنت أحتاج فقط إلى مكان أضعه فيه. لا أعرف، إنه مضحك وغريب. أنا سعيدة لأنه لا يزال هنا."
نميل إلى افتراض أن سبب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو محاولة التأثير والشهرة. لكن هذه طريقة خاطئة للتفكير في الأمر، كما يقول إيثان زوكرمان، الذي يقود أبحاث يوتيوب بصفته مدير مبادرة البنية التحتية الرقمية العامة بجامعة ماساتشوستس.
صرحت يوتيوب لبي بي سي بأنه من غير الصحيح القول إن المنصة لا تسمح بمشاهدة مقاطع فيديو ذات مشاهدات منخفضة أو محتوى من قنوات صغيرة. وأوضحت يوتيوب أن وظيفة الخوارزمية هي مساعدة المستخدمين في العثور على مقاطع الفيديو التي يرغبون في مشاهدتها، وهذا سيزيد من قيمتها، وهذا يشمل أحياناً مقاطع فيديو ذات عدد مشاهدات منخفض.
يقول بوت بولوينكل، المتحدث باسم يوتيوب: "يكمن سحر يوتيوب في أنه سواء حصد الفيديو 60 مشاهدة أو ستة ملايين مشاهدة، يُمكن للناس إيجاد ما يرغبون، وتعلم مهارة جديدة، والاستمتاع بوقتهم، ومشاركة آرائهم مع العالم". ويضيف: "تبدأ كل قناة من الصفر، ومنه يُمكنها بناء جمهورها الخاص وتنمية أعمالها".
لم يكن زوكرمان وزملاؤه أول من بحثوا عن عيوب يوتيوب. فبين عامي 2009 و2012، على سبيل المثال، تضمنت هواتف آيفون ميزة تتيح للمستخدمين نشر مقاطع الفيديو مباشرة على يوتيوب ببضع نقرات.
وأفاد يوتيوب بأن عمليات التحميل عبر الأجهزة المحمولة ارتفعت بنسبة 400 في المئة يومياً. وما لم يُضف المستخدمون عنواناً مخصصاً، فإن أسماء جميع هذه المقاطع تتبع تنسيقاً قياسياً، مما يُسهل البحث عنها بعد أكثر من عقد. وقد استكشف بعض مُعدلي المحتوى على الإنترنت هذه المقاطع، التي يبدو أن عددها بالملايين. حتى أن أحدهم أنشأ مُشغلاً مُخصصاً يُتيح التنقل بينها.
ويقول زوكرمان إنه بدون توصيات الخوارزمية، ستجد أن يوتيوب عبارة عن دراسة للحياة اليومية، حيث يقوم الناس بتوثيق اللحظات الصغيرة في حياتهم واستخدام الأدوات المتاحة لتبادل أفكارهم.
في جنوب آسيا، على سبيل المثال، يقول زوكرمان إن يوتيوب والشبكات المشابهة تُعتبر بمثابة أداة مراسلة فيديو للأشخاص ذوي الإلمام المحدود بالقراءة والكتابة أو الأميّين. في الواقع، يأتي معظم محتوى يوتيوب من خارج الولايات المتحدة. وقدّر مختبر زوكرمان أن أكثر من 70 في المئة من مقاطع فيديو يوتيوب مُقدّمة بلغات غير الإنجليزية.
ستجد صياداً في أمريكا الجنوبية يُلوح من قاربه، أو عمال بناء يتحدثون باللغة الهندية عن مدى افتقادهم لوطنهم. تندرج مقاطع الفيديو هذه تحت ما يُطلق عليه زوكرمان محتوى "الأصدقاء والعائلة"، حيث تأتي جميع التعليقات والتفاعلات من أشخاص يبدو أنهم يعرفون المستخدم شخصياً.
إذا انتشر أي من هذه الفيديوهات على نطاق واسع، فهذا يعني أن خطأ كبيراً قد وقع. وهذا ليس ما يسعى إليه معظم مستخدمي يوتيوب، كما يقول زوكرمان.
لحظات صغيرة
معظم مقاطع يوتيوب غير المُشاهدة لا تحتوي على التسلية كثيراً: عروس تستعد لجلسة تصوير، رجل كوري غاضب يُثرثر عن السياسة، ست ثوانٍ من مُدرب فنون قتالية، بدون سياق. لقطات من كاميرا لوحة القيادة لسيارة تُكافح للهروب من موقف سيارات، امرأة تُعلن عن حصان للبيع في عام 2018، إلى آخره من المقطاع الخاصة.
تسجيلات شاشة لا حصر لها لألعاب الفيديو - وجدت دراسة أجرتها جامعة ماساتشوستس أمهرست أن الأشخاص الذين يلعبون ألعاب الفيديو يُشكلون ما يقرب من 20 في المئة من محتوى يوتيوب.
أحياناً، تصادف شيئاً ممتعاً، أو في أغلب الأحيان، غريباً. ثلاثة رجال يصفعون مؤخرات بعضهم البعض على أنغام أغنية لجيمس براون. امرأة تستعرض نوعاً من البولونيا المقطعة مسبقاً. أو قناة "فضاءات وأشياء أخرى"، حيث يغني طفل أغنية راب عن كوكب نبتون ويشارك تعازيه بوفاة الملكة إليزابيث. يبدو أن هذا الأخير يندرج ضمن فئة "أشياء أخرى".
بعض الفيديوهات مؤلمة، استمعتُ إلى رجل مُسن يصف كيف يعيش في سيارة في مزرعة، مُقايضاً العمل اليدوي بمأوى. وكان هناك تكريم مؤثر لقطٍ راحل من مالكه، تايلر. يقول وهو يُحبس دموعه: "لم تنجُ كيكو. المكان هادئ للغاية بدونها". بعد بضع عشرات من الفيديوهات، توقفتُ لأشاهد راقصة باليه شابة تطفو برشاقة على خشبة المسرح، تتأرجح جيئة وذهاباً أمام حشد صامت.
يقول زوكرمان: "بصفتنا باحثين، نقضي وقتاً طويلاً في مشاهدة هذه اللقطات. قد يشبه الأمر إلى حد كبير النظر إلى صور شخصية لأشخاص. معظمها ممل، لكنها أحياناً تكون مؤثرة، بل ومُقلقة. وفي بعض الأحيان، تجد شيئاً يكشف لك الكثير عن كيفية تواصل البشر".
لكن مقاطع الفيديو المفضلة لدي بلا منازع كانت لبيل هيلمان، المعروف باسم "ذا ووف درايفر". يبلغ من العمر 58 عاماً ويعمل في مجال العقارات بالقرب من بالتيمور، الولايات المتحدة. لكن هذا ليس شغفه. ما يهتم به هيلمان حقاً هو كلابه، وطريقة رعايته الفريدة لهم. يقول في أحد مقاطع الفيديو : "لم ترَ شيئاً كهذا من قبل". أضمن أنه محق.
صنع هيلمان أكثر من 50 مركبة مصممة خصيصاً ليصطحب كلاب الهاسكي الأربعة معه في ما يُطلق عليه "التزلج الحضري". يستخدم هيلمان منصات التواصل الاجتماعي لتوثيق مغامراتهم على مسارات شرق الولايات المتحدة. يشبه الأمر إلى حد ما سباقات الزلاجات التي تجرها الكلاب في إيديتارود . إلا أن الكلاب هنا عادة ما تُربط إلى جانب أجهزته البطيئة، ودراجاته الهوائية المتكئة، وعرباته الكهربائية المخصصة للمشي. يبدو أن كلاب هيلمان متحمسة للمشاركة.
نشر أكثر من 2400 فيديو على يوتيوب خلال السنوات الـ 14 الماضية، يتضمن العديد منها أغانٍ روك أصلية . (يقول هيلمان إنه ألف أكثر من 100 أغنية لفرقة WoofDriver). يبذل جهداً كبيراً، حيث يسافر مع طائرات بدون طيار ومجموعات من الأصدقاء لتوثيق رحلاته. حتى أنه دفع أموالاً لمشاهير عبر منصة Cameo للترويج لفيديوهاته. لكن رغم كل هذا الجهد، غالباً ما لا تحظى قناته باهتمام كبير. وتحظى العديد من مقاطع الفيديو بمشاهدات قليلة جداً.
لا أحظى بجمهور كبير في كثير من الأحيان، لكن هذا لا يزعجني. كنتُ معجباً جداً بمدى سعادة الكلاب لدرجة أنني فكرتُ في وقت ما: "لا بد لي من مشاركة هذا". يقول هيلمان: "ربما يُلهم هذا شخصاً ما للعناية بكلابه بشكل أفضل، لكنني في الحقيقة أستخدم يوتيوب كأداة لتخزين هذه اللقطات، لذا لدي مكان لتوثيق مغامراتي".
يوتيوب لا يدفع الفواتير، ووف درايفر لا يبيع أي شيء - مع أنه مستعد لتزويدك بالأبعاد إذا كنت ترغب في بناء زلاجة كلاب حضرية خاصة بك. يقول هيلمان: "أفعل ذلك فقط بسبب المتعة التي يجلبها لي".
"إذا بحثت عنه، سوف تجده"
عادةً، لا تُشبه مقاطع يوتيوب العشوائية مقاطع ووف درايفر المُنتجة بعناية، ولكنه يُمثلها تمثيلاً جيداً. وكما هو الحال مع محتوى هيلمان، فإن غالبية مقاطع يوتيوب غير المُشاهدة تتراوح بين الحيادية والإيجابية بشكل كبير.
لا ينطبق الأمر نفسه على ما يتصدر المشهد أو يُصبح "تريند". تشير الأبحاث إلى أن خوارزمية يوتيوب تُضخم السلبية، وتُرسخ الصور النمطية، وتُقلل من سيطرة المستخدمين على المحتوى الذي لا يرغبون بمشاهدته. على مر السنين، واجه يوتيوب انتقادات متزايدة بسبب مخاوف بشأن خطاب الكراهية والتطرف السياسي والمعلومات المضللة. إلى جانب منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، استُخدم يوتيوب من قِبل عصابات المخدرات، وسخّره الإرهابيون كأداة للترويج والتجنيد.
يقول يوتيوب إنه اعتمد مجموعة من الإرشادات منذ بداياته لتحديد ما هو مسموح به على المنصة. ويؤكد أنه ضاعف جهوده للوفاء بمسؤولياته. ومن طرق قياس نجاحه " معدل المشاهدات المخالفة ". ففي عام 2017، لكل 10,000 مشاهدة على يوتيوب، كان هناك ما بين 63 و72 مشاهدة من محتوى ينتهك سياسات يوتيوب، لكن هذا العدد انخفض اليوم إلى ما بين ثماني وتسع مشاهدات، وفقاً للشركة.
يقول موقع يوتيوب إنه يمنح المستخدمين عدة طرق لإدارة توصيات يوتيوب ونتائج البحث، مثل حذف سجل المشاهدة.
عندما شرعت مبادرة البنية التحتية الرقمية العامة في دراسة يوتيوب، كان أحد دوافعها توثيق مدى شيوع خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على المنصة. يقول ماكجريدي: "إذا بحثت عنه، فستجده"، ولكن مقارنة بمجموع الفيديوهات على يوتيوب، يُعد هذا نادراً للغاية. ومع ذلك، لا يهم مدى ندرة الفيديو الضار إذا حقق عدداً كبيراً من المشاهدات، كما يقول ماكجريدي، ويظل المحتوى الضار مشكلة خطيرة على يوتيوب.
في السنوات الأخيرة، واجهت جوجل موجة من التدقيق من قِبل صانعي السياسات، مع قوانين جديدة وأكوام هائلة من اللوائح المقترحة، ناهيك عن سلسلة من قضايا مكافحة الاحتكار. ولكن عندما يتجه النقاش التنظيمي إلى مقاطع الفيديو على يوتيوب نفسها، ينصب التركيز دائماً تقريباً على المحتوى الذي ينتشر بسرعة، كما يقول ماكجرادي.
وهذا يتجاهل الالتزامات التي ينبغي أن يتحملها موقع يوتيوب، لأنه وفقاً لماكجرادي، فإن الشركة تدير جزءاً من البنية التحتية الأساسية.
يقول ماكجريدي: "الإنترنت يعاني من مشاكل عميقة، ولا يمكننا تجاهل الطريقة التي تُفاقم بها شركات التكنولوجيا هذه المشاكل. ما يُشعرني بالأمل هو أنه عندما نجد طريقة للنظر في كيفية استخدام الناس للإنترنت، فإن الكثير منه لا يزال يُشبه الإنترنت في بداياته. "التواصل" بكل معنى الكلمة، إنه مكان يُشارك فيه الناس العاديون أنفسهم ويُبدعون في أعمال رائعة."
يوتيوب الذي نتحدث عنه - ذلك الذي يعجّ بالمشاهير والفضائح والانتشار المُصطنع - لا يروي إلا جزءًا من القصة. أغلبها موجود في لحظات هادئة، بكاميرات مرتجفة وأصوات غير متكلفة. شاهدتُ مئات من هذه الفيديوهات. كانت موجودة ليشاهدها العامة، لكن من الواضح أيضاً أن معظم الناس لم يُحمّلوا هذا المحتوى للغرباء.
كان الأمر أشبه بكشف سر، فيلم وثائقي ضخم وغير مُنظم عن حياة الإنسان. لكن مشاهدته كانت أيضاً بمثابة عمل مُضنٍ مقارنة بالترفيه المُثير للرعب الذي تُقدمه الخوارزمية. في النهاية، أغلقتُ علامات التبويب وعدتُ إلى صفحة يوتيوب الرئيسية، إلى عالم الإنترنت المُصقول للشركات.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حملات مقاطعة وموجة غضب جماهيري تدفع شركة اتصالات مصرية لحذف إعلان من منصاتها الإعلامية
حملات مقاطعة وموجة غضب جماهيري تدفع شركة اتصالات مصرية لحذف إعلان من منصاتها الإعلامية

الوسط

timeمنذ 3 أيام

  • الوسط

حملات مقاطعة وموجة غضب جماهيري تدفع شركة اتصالات مصرية لحذف إعلان من منصاتها الإعلامية

social media تسبب إعلان تلفزيوني لشركة اتصالات مصرية في إثارة ردود فعل متباينة بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبره البعض مُسيئًا لمشجعي نادي الزمالك المصري. ورآه آخرون احتفالية حماسية قد يختم بها النادي الأهلي موسمه بعد منافسة ضارية وصعبة على بطولة الدوري مع غريميه بيراميدز والزمالك ستتواصل حتى المباراة الأخيرة من مباريات مجموعة التتويج في البطولة. الإعلان وعنوانه "الأهلي حالة" يحتوي على تتابع لقطات لمشجعي النادي الأحمر في مواقف يومية متعددة، مُصاحَب بأغنية جماعية على غرار "أهازيج" مشجعي ألتراس أهلاوي في المدرجات. غير أن ما أثار ردود فعل غاضبة لدى مشجعي نادي الزمالك - صاحب الشعبية الكبيرة بين مشجعي أندية كرة القدم في مصر - هو ظهور شخص يرتدي ملابس بيضاء لإجباره على الذهاب لمستشفى الأمراض العقلية. ويحاول مسعفون إدخاله بالقوة إلى إحدى سيارات الإسعاف التي ظهرت بلون الأبيض وخطين أحمرين، وهو ما يشبه قميص نادي الزمالك المصري، بالإضافة إلى لقطة أخرى لإخراج مشجع يعتقد أنه زملكاوي من أحد المقاهي لعدم تشجيعه الأهلي. غضب جماهيري هاجمت جماهير الزمالك عبر منصات التواصل الاجتماعي الشركة المنتجة للإعلان، وسط مطالبات بمقاطعتها إثر وجود إسقاطات على النادي في الإعلان. نشر اليوتيوبر المصري أبو عمر، المعروف بمحتواه الذي يعرض فيه الهواتف وتقنيات الاتصال، عبر صفحته على موقع فيسبوك، يؤكّد أنه قام بالتحويل إلى شركة أورانج المنافسة لشركة اتصالات بسبب الإعلان المسيء للنادي الأبيض، ودعا جميع مشجعي الزمالك إلى اتخاذ نفس الإجراء، ونشر صورة من فواتير التحويل للشركة الجديدة. حملات الهجوم والمقاطعة دفعت شركة "اتصالات مصر" مُزوِد خدمة الهواتف المحمولة والأرضية والإنترنت إلى إصدار بيان توضيحي تعتذر فيه لجماهير الزمالك وتقول إن رسالة الإعلان تعرضت لتأويل بطريقة غير صحيحة، وأن الشركة تحترم جميع الفرق الرياضية في مصر. وأشارت إلى أن مضمون الإعلان "مجرد شكل دعائي، ولا توجد به أي نوايا عدائية لأي مؤسسة رياضية". ودفعت حملات الهجوم والمقاطعة إلى اتخاذ شركة "اتصالات مصر" قراراً بحجب الإعلان عبر جميع منصاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي. EPA جماهير النادي الأهلي تستعد لحسم اللقب رقم 45 للدوري المصري "مجنون الأهلي" اليوتيوبر أحمد كمال، الذي ظهر في الإعلان ويمتلك صفحة مشهورة عبر يوتيوب تحت اسم "بتاع أفلام" يقدم فيها نقداً فنياً للأفلام والمسلسلات، نشر مقطعاً مُصوراً قصيراً عبر صفحته على يوتيوب أكد خلالها أنه لم يقصد الإساءة لجماهير الزمالك، وأن الدور الذي ظهر به في الإعلان هو لشخص مجنون بحب النادي الأهلي. وفي إطار المُكايدة أو "التحفيل" كما يُطْلَق عليه بين جماهير الكرة المصرية، أعاد مشجعين للنادي الأهلي نشر الإعلان بكثافة عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم حذفه من المنصات الرسمية لشركة اتصالات. يقول المشجع الأهلاوي محمد علي في صفحته عبر موقع إكس: "حذف إعلان اتصالات الجديد من جميع منصات السوشيال ميديا، بس على مين خلاص معانا سكرينات فيديو وصوره". أما هشام يوسف فيقول عبر موقع فيسبوك "الإعلان اتحذف .. تمام بس احنا هنشيره (نعيد نشره) ونشغله لشهور .. كل أهلاوي يشيره". نشر الملياردير المصري نجيب ساويرس والمعروف بتشجيعه للنادي الأهلي ومالك نادي "زد" أحد أندية الدوري الممتاز، عبر صفحته على موقع إكس ساخراً "إعلان جميل وأغنية حلوة مش شايف أي سبب للمنع إلا لو الزملكاوية زعلوا ..لو كده اطلب من (شركة أورانج) Orange يعملوا أغنية مضادة ... ويبقى تعادل من غير خصم نقط". من جانبه، نشر النائب محمد الجارحي، عضو مجلس إدارة النادي الأهلي عبر صفحته الموثقة على موقع فيسبوك قال فيه: "إعلان حلو أوي ... كفاية حساسيات مش موجودة على أرض الواقع .. ما هي العربية ده لونها في العالم كله.. حتى اسأل جوجل"، في إشارة إلى لون سيارة الإسعاف التي ظهرت في الإعلان بلون قميص نادي الزمالك. نفس الفكرة تقريباً أكد عليها المشجع الأهلاوي عمر صفوت عبد العليم، الذي نشر عبر موقع إكس يقول: "يعني هيئة الإسعاف قصدها أن الزملكويه مرضى؟ لك الله يا زمالك"، وقام بنشر صور متعددة لسيارات الإسعاف بلونها المميز باللون الأبيض والخطين بالأحمر في مناطق مختلفة من العالم. حملات المقاطعة وشكك بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في جدوى حملات المقاطعة، خاصة أن الشركات المنافسة لشركة "اتصالات مصر" سبق وأن أنتجت بعض الإعلانات الترويجية خلال الأعوام الماضية تتضمن بعض اللقطات التي تم تفسيرها على أنها تمثل "إهانة" لمشجعي نادي الزمالك. نشر علاء على صفحته على موقع إكس بعض الصور مقتطعة من إعلانات سابقة لشركات فودافون و"وي" و"اتصالات مصر"، صُنفت على أنها مسيئة لنادي الزمالك. وكتب علاء: "كدا الزملكاويه قاطعوا وي واتصالات وفودافون. فاضلهم أورانج اللي صاحبها أهلاوي"، في إشارة إلى رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس. المشجعة الأهلاوية شيرين محمود كتبت أيضاً عبر موقع إكس، مُشَكِكَةً في جدوى حملات المقاطعة لشركة الاتصالات: "أهو من الصبح كلهم بيقولوا نفس الكلام ومعرفش لحد امته هيفضلوا يكذبوا ع جمهورهم كده! طيب أنا جنبي (بجانبي) فرع اتصالات لا شفت طابور ولا شفت واحد بس واقف ع الباب، هو إنت عاوز تفهمني أن واحد معاه خط من سنين ومعروف لكل الناس ومرتبط بحسابات بنكية ومالية و سوشال بسهولة كده أنزل أغيره عشان مشهد في إعلان ! ما تحترموا عقول الناس شوية واكبروا شوية!؟". وتسبب الإعلان الأخير في ضيق واحتقان بين الجماهير وموظفي شركة الاتصالات، وفق قول المذيع الرياضي كريم رمزي الذي قال في صفحته الموثقة عبر موقع إكس إنه سمع تسجيلاً صوتياً لإهانة موظف خدمة العملاء في شركة "اتصالات مصر" بسبب الإعلان وكتب يقول "إنك تزعق (ترفع صوتك) لموظف بيعمل شغله (يقوم بعمل وظيفته) مالوش (ليس له) أي علاقة بالإعلان.. دي مش جدعنة خالص والله". كمال شعيب المستشار القانوني لنادي الزمالك أدلى ببعض التصريحات للصحف المصرية أكد خلالها أن نادي الزمالك تقدم ببلاغ رسمي إلى النائب العام ضد الشركة المنتجة للإعلان لما يحتويه من إساءة وتحريض على التعصب.

ملايين المشاهدات لأغنية «كانييه ويست» تمجّد هتلر عبر «إكس»
ملايين المشاهدات لأغنية «كانييه ويست» تمجّد هتلر عبر «إكس»

الوسط

timeمنذ 4 أيام

  • الوسط

ملايين المشاهدات لأغنية «كانييه ويست» تمجّد هتلر عبر «إكس»

حققت أغنية «هيل هتلر» للمغني الأميركي كانييه ويست ملايين المشاهدات على منصة «إكس»، المملوكة لإيلون ماسك، منذ إصدارها في 8 مايو، على الرغم من حظر الأغنية من منصات رئيسية أخرى، مثل يوتيوب. وبعدما حقق هذا الفنان، الذي بات يُعرف باسم «يي»، شهرة بفضل أغانيه التي نال من خلالها 24 جائزة «غرامي»، أطلق المغني سلسلة تصريحات معادية للسامية ومؤيدة للنازية في السنوات الأخيرة، وفق وكالة «فرانس برس». وعلى حسابه في «إكس»، حقق المقطع الذي نُشر في ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية ما يقرب من عشرة ملايين مشاهدة حتى الأحد. وتُظهر في الأغنية مجموعة من الأميركيين السود يرتدون جلود الحيوانات، ويرددون عنوان الأغنية الذي يحيي أدولف هتلر، مهندس إبادة نحو ستة ملايين يهودي في أوروبا بين عامي 1933 و1945. وتنتهي الأغنية بخطاب ألقاه الديكتاتور النازي. وبحسب بيان نقلته محطة «إن بي سي نيوز» الأميركية، قررت يوتيوب إزالة المحتوى المذكور، مؤكدة أنها ستواصل إزالة التحميلات الجديدة للأغنية من منصتها. وقالت شبكة التواصل الاجتماعي «ريديت» للوسيلة الإعلامية نفسها إنها ستزيل أي تحميلات للأغنية من المنصة. وقال ناطق باسم الموقع: «الكراهية ومعاداة السامية ليس لهما مكان على الإطلاق على ريديت». وقد أزيلت الأغنية أيضا من منصتي البث الموسيقي الرئيسيتين «سبوتيفاي» و«أبل ميوزيك». ومنذ استحواذه على «تويتر» في أواخر عام 2022، قرر ماسك السماح بخطاب الكراهية والمعلومات المضللة على المنصة التي بات اسمها «إكس». وينصب أغنى أغنياء العالم نفسه مدافعا عن حرية التعبير، لكنّ منتقديه يتهمونه بالترويج لمعتقداته السياسية الخاصة. وأصبح رئيس شركتي «تسلا» و«سبايس إكس» حليفا وثيقا لدونالد ترامب خلال الحملة الرئاسية الأميركية لعام 2024، وخصص 277 مليون دولار من ثروته الشخصية لدعم المرشح الجمهوري وحزبه. ولم ترد «إكس» على الفور على أسئلة وكالة «فرانس برس» في الموضوع. وفي فبراير، أعلن كانييه ويست عزمه الانكفاء عن «إكس»، حيث اختفى حسابه لأيام، ولم يتضح بعد ما إذا كان قد جرى حظره أو أن المغني ألغى الحساب بنفسه. وقبل ذلك بفترة وجيزة، كان قد نشر رسائل معادية للسامية، مثل أنا أحب هتلر، وأعرب عن دعمه مغني الراب شون كومز، المعروف أيضا باسم «بي ديدي»، الذي يخضع للمحاكمة حاليا في نيويورك في قضية كبرى تتعلق بالاتجار بالجنس. كذلك جرى إغلاق موقع العلامة التجارية للأزياء «ييزي» في فبراير من قِبل منصة «سوبيفاي»، بعد أن طرح عليها للبيع قمصانا بيضاء عليها صليب معقوف. وفي خريف عام 2022، أدلى كانييه ويست، الذي يقول إنه يعاني الاضطراب الثنائي القطب، بتصريحات معادية للسامية. وجرى تعليق حساب الفنان على «تويتر» بسبب التحريض على العنف، بعد نشره صورة تُظهر صليبا معقوفا متشابكا مع نجمة داود. وأعيد تفعيل حسابه لاحقا بواسطة الشبكة الاجتماعية التي اشتراها إيلون ماسك. كذلك قررت شركة المعدات والألبسة الرياضية «أديداس» إنهاء تعاونها مع مغني الراب، الذي يعد أحد أنجح نجوم عالم الموضة.

يوتيوب: العالم الخفي تحت ظلال خوارزمية
يوتيوب: العالم الخفي تحت ظلال خوارزمية

الوسط

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • الوسط

يوتيوب: العالم الخفي تحت ظلال خوارزمية

Estudio Santa Rita هناك جانب خفي ليوتيوب، يختبئ خلف خوارزمية مُتحكمة، وهو لا يُشبه ما تعرفه. الغالبية العظمى من فيديوهات يوتيوب، التي تقدر بـ 14.8 مليار فيديو، لم تُشاهد تقريباً حتى الآن. في 23 أبريل/نيسان 2005، نشر موقع يوتيوب أول فيديو له؛ 19 ثانية محرجة لمؤسس المنصة وهو يصف الأفيال في حديقة الحيوانات. ولكن بعد 20 عاماً، انتقل يوتيوب من فكرة للهواة إلى عملاق كبير لدرجة أنه يُوصف بـ "هوليوود الجديدة". يوتيوب هو خدمة البث التلفزيوني رقم واحد في العالم، حيث يشاهد المستخدمون مليارات الساعات يومياً. يتفوق كبار مستخدمي يوتيوب بانتظام على الاستوديوهات الكبيرة. للمقارنة، بيع ما يقدر بنحو 823 مليون تذكرة سينما في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا في عام 2024. وفي الوقت نفسه، حقق أنجح فيديو لليوتيوبر الشهير MrBeast وحده 762 مليون مشاهدة، أي حوالي مشاهدة واحدة لكل 10 أشخاص على وجه الأرض. هذه هي رؤية يوتيوب التي تروج لها الشركة - أنيقة، واحترافية، ومسلية، وصاخبة - ولكن من وجهة نظر واحدة، كل هذا مجرد واجهة. من منظور آخر، جوهر يوتيوب أشبه بالمقطع أدناه من عام 2020. قبل أن أشاهده، لم يُشاهد إلا مرتين. يُوجه رجل الكاميرا من نافذة غرفته بينما تندلع عاصفة ثلجية في فصل الشتاء. يقول: "ها هو، الثلج يتساقط". يُسمع صوت تلفزيون في الخلفية. يهبط طائر على سياج قريب. تمر 19 دقيقة. لا شيء يحدث. يقول رايان ماكجريدي، الباحث الأول في مبادرة البنية التحتية الرقمية العامة بجامعة ماساتشوستس أمهرست الأمريكية: "إن النقاشات التي نجريها حول يوتيوب مبنية على نظرة سطحية لماهية المنصة الحقيقية. عندما نركز فقط على ما هو شائع، نغفل عن حقيقة أن الغالبية العظمى من الناس يستخدمون يوتيوب كمحمّلين، ونتجاهل الدور الذي يلعبه في مجتمعنا". قضيتُ الشهر الماضي أتصفح إحدى أولى عينات يوتيوب العشوائية التي جُمعت خارج الشركة. رأيتُ جانباً من الإنترنت يبدو أحياناً ضائعاً، جانباً ينبض بالتعبير عن الذات بصدق وشفافية. إنه عالم كامل لن تُبينه لك خوارزمية يوتيوب. يقول ماكجرادي: "يوتيوب ليس مجرد منصة للمحترفين. نعتمد عليه كمصدر أساسي للفيديوهات على الإنترنت. يوتيوب بمثابة بنية تحتية، وأداة أساسية يستخدمها الناس للتواصل". لكشف هذا الجانب من يوتيوب، طوّر ماكجرادي وزملاؤه أداة تُصنف الفيديوهات عشوائياً. جرّبت هذه الأداة أكثر من 18 تريليون رابط محتمل قبل أن تجمع عينة كافية لإجراء تحليل علمي دقيق. ومن بين النتائج، يُقدر الباحثون أن متوسط عدد مشاهدات الفيديو هو 41 مرة فقط. وتُصنّف المنشورات التي تزيد عن 130 مشاهدة في الثلث الأعلى من المحتوى الأكثر شيوعاً على الخدمة. بمعنى آخر، فإن الغالبية العظمى من محتوى يوتيوب يكاد يكون غير مرئي. معظم هذه الفيديوهات ليست مُخصصة لنا لنشاهدها. إنها موجودة لأن الناس يحتاجون إلى مساحة رقمية لتخزين ذكرياتهم. ولا تتأثر بضغوط النقرات و الخوارزميات، بل مكان لا يُشترط فيه أن يكون المحتوى فعالاً، بل يمكن أن يوجد ببساطة. قبل 12 عاماً، نشرت امرأة أمريكية تُدعى إميلي فيديو على يوتيوب بعنوانن "sw33t tats". وعلمتُ أنه أقدم من ذلك، إذ سُجِّل حوالي عام 2008. في الفيديو، تجلس إميلي، التي طلبت حجب اسمها الكامل، في غرفتها الجامعية. تفتح فمها بينما تضع أختها الصغرى قلماً على شفتها السفلى. "توقفي عن الحركة!"، صرخت أختها وهي تبدأ الكتابة، وبالكاد تمكنت الفتيات من السيطرة على ضحكاتهن. فتحت إميلي شفتيها أمام الكاميرا، وفعلت أختها الشيء نفسه، كاشفة عن وشم جميل خاص بها. إميلي، البالغة من العمر 34 عاماً الآن والمقيمة في مدينة نيويورك، نسيت وجود هذا الفيديو حتى سألتها عنه. قالت: "لا أتذكر حتى لماذا رفعته. أعتقد أنني أردت إرساله إلى أختي، ولكن كان علي أيضاً تحرير مساحة على قرصي الصلب. كنت أحتاج فقط إلى مكان أضعه فيه. لا أعرف، إنه مضحك وغريب. أنا سعيدة لأنه لا يزال هنا." نميل إلى افتراض أن سبب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي هو محاولة التأثير والشهرة. لكن هذه طريقة خاطئة للتفكير في الأمر، كما يقول إيثان زوكرمان، الذي يقود أبحاث يوتيوب بصفته مدير مبادرة البنية التحتية الرقمية العامة بجامعة ماساتشوستس. صرحت يوتيوب لبي بي سي بأنه من غير الصحيح القول إن المنصة لا تسمح بمشاهدة مقاطع فيديو ذات مشاهدات منخفضة أو محتوى من قنوات صغيرة. وأوضحت يوتيوب أن وظيفة الخوارزمية هي مساعدة المستخدمين في العثور على مقاطع الفيديو التي يرغبون في مشاهدتها، وهذا سيزيد من قيمتها، وهذا يشمل أحياناً مقاطع فيديو ذات عدد مشاهدات منخفض. يقول بوت بولوينكل، المتحدث باسم يوتيوب: "يكمن سحر يوتيوب في أنه سواء حصد الفيديو 60 مشاهدة أو ستة ملايين مشاهدة، يُمكن للناس إيجاد ما يرغبون، وتعلم مهارة جديدة، والاستمتاع بوقتهم، ومشاركة آرائهم مع العالم". ويضيف: "تبدأ كل قناة من الصفر، ومنه يُمكنها بناء جمهورها الخاص وتنمية أعمالها". لم يكن زوكرمان وزملاؤه أول من بحثوا عن عيوب يوتيوب. فبين عامي 2009 و2012، على سبيل المثال، تضمنت هواتف آيفون ميزة تتيح للمستخدمين نشر مقاطع الفيديو مباشرة على يوتيوب ببضع نقرات. وأفاد يوتيوب بأن عمليات التحميل عبر الأجهزة المحمولة ارتفعت بنسبة 400 في المئة يومياً. وما لم يُضف المستخدمون عنواناً مخصصاً، فإن أسماء جميع هذه المقاطع تتبع تنسيقاً قياسياً، مما يُسهل البحث عنها بعد أكثر من عقد. وقد استكشف بعض مُعدلي المحتوى على الإنترنت هذه المقاطع، التي يبدو أن عددها بالملايين. حتى أن أحدهم أنشأ مُشغلاً مُخصصاً يُتيح التنقل بينها. ويقول زوكرمان إنه بدون توصيات الخوارزمية، ستجد أن يوتيوب عبارة عن دراسة للحياة اليومية، حيث يقوم الناس بتوثيق اللحظات الصغيرة في حياتهم واستخدام الأدوات المتاحة لتبادل أفكارهم. في جنوب آسيا، على سبيل المثال، يقول زوكرمان إن يوتيوب والشبكات المشابهة تُعتبر بمثابة أداة مراسلة فيديو للأشخاص ذوي الإلمام المحدود بالقراءة والكتابة أو الأميّين. في الواقع، يأتي معظم محتوى يوتيوب من خارج الولايات المتحدة. وقدّر مختبر زوكرمان أن أكثر من 70 في المئة من مقاطع فيديو يوتيوب مُقدّمة بلغات غير الإنجليزية. ستجد صياداً في أمريكا الجنوبية يُلوح من قاربه، أو عمال بناء يتحدثون باللغة الهندية عن مدى افتقادهم لوطنهم. تندرج مقاطع الفيديو هذه تحت ما يُطلق عليه زوكرمان محتوى "الأصدقاء والعائلة"، حيث تأتي جميع التعليقات والتفاعلات من أشخاص يبدو أنهم يعرفون المستخدم شخصياً. إذا انتشر أي من هذه الفيديوهات على نطاق واسع، فهذا يعني أن خطأ كبيراً قد وقع. وهذا ليس ما يسعى إليه معظم مستخدمي يوتيوب، كما يقول زوكرمان. لحظات صغيرة معظم مقاطع يوتيوب غير المُشاهدة لا تحتوي على التسلية كثيراً: عروس تستعد لجلسة تصوير، رجل كوري غاضب يُثرثر عن السياسة، ست ثوانٍ من مُدرب فنون قتالية، بدون سياق. لقطات من كاميرا لوحة القيادة لسيارة تُكافح للهروب من موقف سيارات، امرأة تُعلن عن حصان للبيع في عام 2018، إلى آخره من المقطاع الخاصة. تسجيلات شاشة لا حصر لها لألعاب الفيديو - وجدت دراسة أجرتها جامعة ماساتشوستس أمهرست أن الأشخاص الذين يلعبون ألعاب الفيديو يُشكلون ما يقرب من 20 في المئة من محتوى يوتيوب. أحياناً، تصادف شيئاً ممتعاً، أو في أغلب الأحيان، غريباً. ثلاثة رجال يصفعون مؤخرات بعضهم البعض على أنغام أغنية لجيمس براون. امرأة تستعرض نوعاً من البولونيا المقطعة مسبقاً. أو قناة "فضاءات وأشياء أخرى"، حيث يغني طفل أغنية راب عن كوكب نبتون ويشارك تعازيه بوفاة الملكة إليزابيث. يبدو أن هذا الأخير يندرج ضمن فئة "أشياء أخرى". بعض الفيديوهات مؤلمة، استمعتُ إلى رجل مُسن يصف كيف يعيش في سيارة في مزرعة، مُقايضاً العمل اليدوي بمأوى. وكان هناك تكريم مؤثر لقطٍ راحل من مالكه، تايلر. يقول وهو يُحبس دموعه: "لم تنجُ كيكو. المكان هادئ للغاية بدونها". بعد بضع عشرات من الفيديوهات، توقفتُ لأشاهد راقصة باليه شابة تطفو برشاقة على خشبة المسرح، تتأرجح جيئة وذهاباً أمام حشد صامت. يقول زوكرمان: "بصفتنا باحثين، نقضي وقتاً طويلاً في مشاهدة هذه اللقطات. قد يشبه الأمر إلى حد كبير النظر إلى صور شخصية لأشخاص. معظمها ممل، لكنها أحياناً تكون مؤثرة، بل ومُقلقة. وفي بعض الأحيان، تجد شيئاً يكشف لك الكثير عن كيفية تواصل البشر". لكن مقاطع الفيديو المفضلة لدي بلا منازع كانت لبيل هيلمان، المعروف باسم "ذا ووف درايفر". يبلغ من العمر 58 عاماً ويعمل في مجال العقارات بالقرب من بالتيمور، الولايات المتحدة. لكن هذا ليس شغفه. ما يهتم به هيلمان حقاً هو كلابه، وطريقة رعايته الفريدة لهم. يقول في أحد مقاطع الفيديو : "لم ترَ شيئاً كهذا من قبل". أضمن أنه محق. صنع هيلمان أكثر من 50 مركبة مصممة خصيصاً ليصطحب كلاب الهاسكي الأربعة معه في ما يُطلق عليه "التزلج الحضري". يستخدم هيلمان منصات التواصل الاجتماعي لتوثيق مغامراتهم على مسارات شرق الولايات المتحدة. يشبه الأمر إلى حد ما سباقات الزلاجات التي تجرها الكلاب في إيديتارود . إلا أن الكلاب هنا عادة ما تُربط إلى جانب أجهزته البطيئة، ودراجاته الهوائية المتكئة، وعرباته الكهربائية المخصصة للمشي. يبدو أن كلاب هيلمان متحمسة للمشاركة. نشر أكثر من 2400 فيديو على يوتيوب خلال السنوات الـ 14 الماضية، يتضمن العديد منها أغانٍ روك أصلية . (يقول هيلمان إنه ألف أكثر من 100 أغنية لفرقة WoofDriver). يبذل جهداً كبيراً، حيث يسافر مع طائرات بدون طيار ومجموعات من الأصدقاء لتوثيق رحلاته. حتى أنه دفع أموالاً لمشاهير عبر منصة Cameo للترويج لفيديوهاته. لكن رغم كل هذا الجهد، غالباً ما لا تحظى قناته باهتمام كبير. وتحظى العديد من مقاطع الفيديو بمشاهدات قليلة جداً. لا أحظى بجمهور كبير في كثير من الأحيان، لكن هذا لا يزعجني. كنتُ معجباً جداً بمدى سعادة الكلاب لدرجة أنني فكرتُ في وقت ما: "لا بد لي من مشاركة هذا". يقول هيلمان: "ربما يُلهم هذا شخصاً ما للعناية بكلابه بشكل أفضل، لكنني في الحقيقة أستخدم يوتيوب كأداة لتخزين هذه اللقطات، لذا لدي مكان لتوثيق مغامراتي". يوتيوب لا يدفع الفواتير، ووف درايفر لا يبيع أي شيء - مع أنه مستعد لتزويدك بالأبعاد إذا كنت ترغب في بناء زلاجة كلاب حضرية خاصة بك. يقول هيلمان: "أفعل ذلك فقط بسبب المتعة التي يجلبها لي". "إذا بحثت عنه، سوف تجده" عادةً، لا تُشبه مقاطع يوتيوب العشوائية مقاطع ووف درايفر المُنتجة بعناية، ولكنه يُمثلها تمثيلاً جيداً. وكما هو الحال مع محتوى هيلمان، فإن غالبية مقاطع يوتيوب غير المُشاهدة تتراوح بين الحيادية والإيجابية بشكل كبير. لا ينطبق الأمر نفسه على ما يتصدر المشهد أو يُصبح "تريند". تشير الأبحاث إلى أن خوارزمية يوتيوب تُضخم السلبية، وتُرسخ الصور النمطية، وتُقلل من سيطرة المستخدمين على المحتوى الذي لا يرغبون بمشاهدته. على مر السنين، واجه يوتيوب انتقادات متزايدة بسبب مخاوف بشأن خطاب الكراهية والتطرف السياسي والمعلومات المضللة. إلى جانب منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، استُخدم يوتيوب من قِبل عصابات المخدرات، وسخّره الإرهابيون كأداة للترويج والتجنيد. يقول يوتيوب إنه اعتمد مجموعة من الإرشادات منذ بداياته لتحديد ما هو مسموح به على المنصة. ويؤكد أنه ضاعف جهوده للوفاء بمسؤولياته. ومن طرق قياس نجاحه " معدل المشاهدات المخالفة ". ففي عام 2017، لكل 10,000 مشاهدة على يوتيوب، كان هناك ما بين 63 و72 مشاهدة من محتوى ينتهك سياسات يوتيوب، لكن هذا العدد انخفض اليوم إلى ما بين ثماني وتسع مشاهدات، وفقاً للشركة. يقول موقع يوتيوب إنه يمنح المستخدمين عدة طرق لإدارة توصيات يوتيوب ونتائج البحث، مثل حذف سجل المشاهدة. عندما شرعت مبادرة البنية التحتية الرقمية العامة في دراسة يوتيوب، كان أحد دوافعها توثيق مدى شيوع خطاب الكراهية والمعلومات المضللة على المنصة. يقول ماكجريدي: "إذا بحثت عنه، فستجده"، ولكن مقارنة بمجموع الفيديوهات على يوتيوب، يُعد هذا نادراً للغاية. ومع ذلك، لا يهم مدى ندرة الفيديو الضار إذا حقق عدداً كبيراً من المشاهدات، كما يقول ماكجريدي، ويظل المحتوى الضار مشكلة خطيرة على يوتيوب. في السنوات الأخيرة، واجهت جوجل موجة من التدقيق من قِبل صانعي السياسات، مع قوانين جديدة وأكوام هائلة من اللوائح المقترحة، ناهيك عن سلسلة من قضايا مكافحة الاحتكار. ولكن عندما يتجه النقاش التنظيمي إلى مقاطع الفيديو على يوتيوب نفسها، ينصب التركيز دائماً تقريباً على المحتوى الذي ينتشر بسرعة، كما يقول ماكجرادي. وهذا يتجاهل الالتزامات التي ينبغي أن يتحملها موقع يوتيوب، لأنه وفقاً لماكجرادي، فإن الشركة تدير جزءاً من البنية التحتية الأساسية. يقول ماكجريدي: "الإنترنت يعاني من مشاكل عميقة، ولا يمكننا تجاهل الطريقة التي تُفاقم بها شركات التكنولوجيا هذه المشاكل. ما يُشعرني بالأمل هو أنه عندما نجد طريقة للنظر في كيفية استخدام الناس للإنترنت، فإن الكثير منه لا يزال يُشبه الإنترنت في بداياته. "التواصل" بكل معنى الكلمة، إنه مكان يُشارك فيه الناس العاديون أنفسهم ويُبدعون في أعمال رائعة." يوتيوب الذي نتحدث عنه - ذلك الذي يعجّ بالمشاهير والفضائح والانتشار المُصطنع - لا يروي إلا جزءًا من القصة. أغلبها موجود في لحظات هادئة، بكاميرات مرتجفة وأصوات غير متكلفة. شاهدتُ مئات من هذه الفيديوهات. كانت موجودة ليشاهدها العامة، لكن من الواضح أيضاً أن معظم الناس لم يُحمّلوا هذا المحتوى للغرباء. كان الأمر أشبه بكشف سر، فيلم وثائقي ضخم وغير مُنظم عن حياة الإنسان. لكن مشاهدته كانت أيضاً بمثابة عمل مُضنٍ مقارنة بالترفيه المُثير للرعب الذي تُقدمه الخوارزمية. في النهاية، أغلقتُ علامات التبويب وعدتُ إلى صفحة يوتيوب الرئيسية، إلى عالم الإنترنت المُصقول للشركات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store