
فن تشكيل الأماكن
أطلقت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي النسخة الأولى من «بينالي أبوظبي للفن العام»، والذي تتواصل فعالياته حتى 30 أبريل 2025، في مواقع مختلفة في أبوظبي والعين، وحسب البيان الصحفي، الذي صدر عند انطلاق الحدث الفني الكبير في نوفمبر 2024، فإن «البينالي، الذي يُقام تحت شعار «للعامة»، منصة بارزة تجمع بين التركيبات والعروض الفنية لأكثر من 70 فناناً مقيماً في دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها. ويسهم هذا التجمُّع الفني في إبداع أعمال تركيبية مصمَّمة خصيصاً لتناسب المواقع في أبوظبي والعين».
وكما يشير الموقع الإلكتروني للبينالي
(https://paad.ae): «تستكشف النسخةُ الافتتاحيةُ من (بينالي أبوظبي للفن العام) مفهوم المكان العام في أبوظبي من خلال أربعة عوامل رئيسية، هي: البيئة، المجتمع، المدنية، والأصالة. وتسعى إلى البحث في كيفية تأثير الظروف البيئية على أماكن التجمع والتفاعل، وكيف تُرسم حدود ما يمكن اعتباره فضاءً عاماً. كما تتناول هذه النسخة العلاقة بين التطور الحديث للمدينة وممارساتها الأصيلة، من خلال طرح ومعالجة التحدي المتمثل في الحفاظ على القيم التقليدية وسط النمو الحضري والتنويع الاقتصادي. ويمتّد البينالي بين مدينتي العين وأبوظبي، ويسعى إلى أن يكون صلة الوصل بين ماضي الإمارة وحاضرها، داعياً الفنانين إلى المساهمة في تعميق فهمنا للأماكن العامة وأهميتها الثقافية، من خلال تقديم مجموعة من الأعمال التي تُعرض فيها وتتفاعل مع المجتمع وتشجّع على المشي. ومن أبرز تلك الأماكن محطة حافلات أبوظبي، المعروفة بهندستها المعمارية الفريدة ودورها كمركز مجتمعي، والمعمار التراثي في مدينة العين، بما في ذلك المنازل التقليدية المبنية من طوب الطين والواحات الخضراء».
ويعزّز «بينالي أبوظبي للفن العام» مبدأ الشمولية ويدعو الفنانين إلى المساهمة في بناء فهم أعمق للأماكن العامة وأهميتها الثقافية».
وكريستوفر جوشوا بنتون، أحد أبرز الفنانين المشاركين في البينالي، وهو من مواليد عام 1988 - بورتسموث، فيرجينيا، ويعمل ويقيم في أبوظبي، ويقدم موقع البينالي تعريفاً للفنان والعمل المشارك به، كما يبدو في صورة غلافنا هذا الأسبوع، إذ يُعد كريستوفر جوشوا بنتون «فناناً مهتماً بالعلوم الاجتماعية، ويُعنى باستكشاف قضايا القوة والعمل والشتات من خلال التركيبات والمنحوتات والأفلام، وغالباً ما يعمل بشكل تعاوني. يُعدّ عمله «حيث تُفرش سجادتي، يكون وطني» (2024) مشروعاً تعاونياً تم تطويره مع أصحاب المحال في سوق السجاد في أبوظبي، وهو السوق الذي بُنيَ كمنحة كريمة من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه. ويجمع العمل قصصاً شخصية من أفغانستان وباكستان والهند، فيما يمثل كل جزء في السجادة ذكريات هؤلاء التجار، بدءاً من والي، التاجر الأفغاني الذي يحلم ببستان التفاح الخاص به، وصولاً إلى عبدول، الراعي من شمال باكستان».
من جانبه، وحسب ما جاء على موقع كريستوفر جوشوا بنتون الإلكتروني
(www.christopherbenton.com) فإن العمل الفني «حيث تُفْرَش سجادتي، يكون وطني» يتميز بـ(تصميم مرح ولكنه مؤثر، مستوحى من سجاد الحرب الأفغاني، في حين أن التركيبة المستوحاة من الكليم الشبيهة بالشبكة تستحضر جمالية منقطة 8 بت تذكرنا بألعاب الفيديو المبكرة. يعكس العمل الواسع النطاق دورة حياة السجاد - من جمع صوف الأغنام، إلى صباغة الألياف بالنيلي الطبيعي، إلى بيعها في السوق. من المفترض أن يتم التنقل في هذه التجربة اللمسية على نطاق بشري، مع زخارف وأشياء بأحجام للمشاهدة عن قرب. ويشتهر بنتون بتحديه لأشكال الفن الغربي التقليدي».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 40 دقائق
- العين الإخبارية
حالة دينا داش الصحية تثير اهتمام متابعيها بعد «فيديو المستشفى»
كشفت دينا داش، صانعة المحتوى وشقيقة الفنان المصري أحمد داش، عن تعرضها لوعكة صحية عقب ولادة طفلها الثاني. ونشرت دينا مقطع فيديو عبر خاصية القصص القصيرة على حسابها بموقع إنستغرام، تحدثت فيه بصراحة عن وضعها الصحي قائلة: "من يوم التلات وأنا في المستشفى بعمل تحاليل عشان نعرف المشكلة، وهعمل عملية بكرة، إن شاء الله تعدي على خير". وأشارت إلى أنها لم تعتد مشاركة جوانب حياتها الخاصة السلبية، لكنها رأت ضرورة التوضيح، مضيفة: "عارفة إنكم مش متعودين تشوفوني كده، أنا عادة بطلع وأنا كويسة وبضحك وبنشر الحاجات الحلوة، بس الحقيقة إن في كتير ما حدش يعرفه". وفي حديثها لمتابعيها، أوضحت دينا أنها لا تملك رسالة محددة، لكنها طلبت الدعاء، مؤكدة أنها ستعود إلى جمهورها قريبًا: "لو افتكرتوني ادعولي، وإن شاء الله أرجع بالسلامة". وفي مقطع لاحق، حاولت طمأنة جمهورها قائلة: "حاسيت إني كنت باين عليّا الحزن أوي في الفيديو اللي فات، أنا مش عايزاكم تتخضوا، الحمد لله أنا بخير وهبقى أحسن". وكانت دينا قد أعلنت يوم 8 مايو/أيار الجاري عن استقبال طفلها الثاني "حسن"، حيث نشرت صورة من المستشفى جمعتها بزوجها وطفليها، وعلّقت عليها: "أهلًا بك في عائلتنا الصغيرة يا حسن، نحن الآن مكتملون. الحمد لله". aXA6IDgyLjIzLjIzMi4zMiA= جزيرة ام اند امز GB


البوابة
منذ ساعة واحدة
- البوابة
صنع الله إبراهيم «مغرد خارج السرب» تجسدت عبقريته في قدرته البالغة على الجمع بين الذاتي والواقعى فى تجريب متدفق وحرية إبداعية
أيام وأسابيع وشهور وربما سنوات تلزمك حينما تنوي الكتابة عن صنع الله إبراهيم، الذي وصفه النقاد بـ«المغرد خارج السرب».. ربما لا تراه الكاتب الأدبي النابغ والأقوى والأفضل، أو تراه صاحب السرديات التي تتماس مع النفس البشرية في أحزانها وأفراحها ومعاناتها، لكنك لن تشكك في عبقرية صنع الله إبراهيم التي تجسدت في قدرته البالغة الأهمية على الجمع بين الذاتي والواقعي، وهو ما أجمع عليه جميع النقاد، في تجريب وحرية إبداعية تأسست على إنتاج المعنى المغاير، وهو المعني الذي يجمع بين الذاتي والتاريخي والسياسي، والذي يهدف إلى قول الحقيقة. فتجربة صنع الله إبراهيم حافلة بالعمل الإبداعي، والنقدي، والسياسي والاجتماعي، فمن الممكن أن تتخيل أن هذا الإنسان ذو الجسد النحيف يحمل فوق رأسه شعرًا كثيفًا.. يشبه أينشتين، صاحب القنبلة الذرية، يبدو هزيلاً ضعيفاً لكنه يملك قلماً حيّر النقاد والأدباء، مفجرًا بثرائه المعرفي والإبداعي المتدفق، اللافت لكل الأقلام، سواء كانت أقلاما نقدية أو أقلاما أدبية فكانت ولا تزال مسيرته الإبداعية نبراسًا للأجيال الجديدة. حرية إبداعية يقول صنع الله ابراهيم في مقالته التي حملت عنوان «تجربتي الروائية»، والتي نشرت في عدد مجلة الأدب فبراير عام 1980، المخصص للرواية العربية: «كل شيء يخضع لما تريد أن تقوله. وهي مقولة قديمة جداً يثبت تجددها كل يوم. لكن الامر ليس بهذه البساطة. فلا بد من أقصى حرية في الخيال، وأقصى معرفة ممكنة بحقائق الحياة والعلم وقوانين المجتمع والتطور، والتراث العالمي والتجارب المعاصرة، وأقصى جرأة على التجريب وكسر القواعد البالية واستحداث قواعد جديدة ، ولا بد أساساً، وقبل كل شيء ، من الصدق». رواية «شرف» احتلت المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مئة رواية عربية وهنا نرى أننا أمام كاتب يضع أمام نفسه كل معطيات الحياة حتى يكتب، بل، نراه يخضعها لما يريد أن يقوله، يتحدث عن أعماله وتجربته الإبداعية والتي وربطها بضرورة معرفة حقيقة الحياة وعلومها وقوانين المجتمع المحيط، بل أيضًا على الكاتب أن يرى ويعرف ويتعلم ويقرأ حتى تكتمل تجربته الإنسانية من خلال المعرفة المتعمقة القائمة على الحقائق، والصدق وهو ما أكده في نهاية الاقتباس.. وأنه لا بد وأن يتحلى الكاتب بالصدق، قبل كل شيء فالصدق هو الأمر الوحيد الذي يجعل من الكاتب كاتبً، فإذا صدق الكاتب مع نفسه صدقه القارئ، فقبل التجديد والقواعد والسرد وطريقة الكتابه فهناك عامل أساسي أن تكون صادقًا، صادقا فيما تكتب وصادقا فيما تقول وصادقًا في قناعاتك، حتى وأنت تكسر القواعد يجب أن تكون صادقًا.. ليكمل صنع الله إبراهيم طارحًا الكثير من التساؤلات حول ماهية الكتابه ولماذا يكتب ولمن يكتب بالرغم من كل ما يقابله من تحديات ونجده يقول: «ويتعين علىَّ أن أعكف على مشاكلي في وحدة تامة: هل من حقي أن أكتب خلال وحدة متصورة بين ذاتي الانسانية وذاتي الروائية والواقع نفسه؟ هل أواصل طريقي المضاد للتأليف .. القريب من السيرة الذاتية؟ هل إذا طعمته ببعض الحيل الصغيرة القالب البوليسي مثلا كان من الممكن استخدامه في نجمة أغسطس من أجل التشويق، يصبح في إمكاني أن أصل إلى الجمهور العريض؟ كيف يمكن أن أحكي حكاية تمتع القارئ العادي في نفس الوقت الذي تستجيب فيه إلى مطالب القارئ المثقف المتعمق ولا تقدم أي تنازل عن المبادئ التي تحكم رؤية متميزة أطمح إلى التعبير عنها؟». تلك التساؤلات التي جعلت منه أول ناقد لذاته وكتاباته وإعادة رؤيته لما قدمه من أعمال فهل كانت تستحق كل تلك المعاناة وكل خذا الاحتفاء ففي تساؤله عن حقه في الكتابة عن تجربته الذاتية، وهو ما جعل الكثير من النقاد يربطون بين تجربته الذاتية وتجربته الإبداعية ولا يستطيعون الفصل بين الاثنين، والجميع أجمعوا على الربط بين الذاتي والإبداعي في تجربة صنع الله إبراهيم الإبداعية. يقول: على الكاتب أن يرى ويعرف ويتعلم ويقرأ حتى تكتمل تجربته الإنسانية من خلال المعرفة المتعمقة القائمة على الحقائق فقد قال عنه صدوق نور الدين في كتابه «اكتمال الدائرة»: يمكن تركيز سمات الكتابة الروائية لصنع الله إبراهيم في عدة سمات ومنها الكشف عن تقلبات وتناقضات لذات الإنسانية في مسار الحياة اليومية، وربط النفسيات والسلوكيات الفردية بالتاريخي وبروح المرحلة السياسية، كما أنه اعتمد على لغة تقريرية مليئة بالفراغات والايحاءات، حيث توصف وتسرد الأحداث باقتصاد واضح في التعبير يستعدي تلقيا خاصا قادرًا على الكشف عن موضوع تلك الإيحاءات وتنبع مسارات المعنى المتنامي في الرواية، وأيضًا توظيف أجناس أخرى تطعم شكل الرواية وتعطيها بعدًا ذاتيًّا و تاريخيًّا، كالسيرة وكتابة اليوميات والمذكرات.. هذا المزج يتفرد ببعدين أساسين للتجربة الروائية لصنع الله إبراهيم بعد مباشر يحكي اليومي والذاتي والحميمي، وبعد غير مباشر هو امتداد لكل تلك التفاصيل على مستوى أكبر وهو النظام الاجتماعي، السياسي والثقافي، وتعتبر رواياته تشريحًا للواقع المصري في ادق تفاصيله وبكل تناقضاته. السخرية كما أن صنع الله إبراهيم استعمل السخرية التي تميز كل رواياته وإن كانت بدرجات متفاوتة، إذ تعكس السخرية التي تتحول إلى سخرية سوداء في بعض الأحيان، وعيًّا ممزقًا بين أحلام كبيرة وواقع عنيد، غير أن ما يستدعي الانتباه في جماليات السخرية لدى الروائي هو استعماله للجسد والجنس كتعبير مجازي عن سخرية اجتماعية وسياسية لأن الجسد يعكس ليس فقط ما تحسه الذات وما يقع داخله، ولكن أيضًا ما يقع خارجه من تحكم وقمع وتسلط يكون موضوعه الذات الفردية والجماعية، فهذا القمع والتسلط على مستوى الذات يتجلى في الكبت الذي يسكن الجسد، والذي لا يقتصر على الجنس، وإن كان من أوضح مظاهرة" بل كل مظاهر الإحباط الذ تصيب الفرد في مناخ تغيب فيه الحريات وتنتفي فيه فرص الإعراب عن الذات سياسيًّا واجتماعيًّا. ويقول أيضًا: «إن هذا الكتاب يأتي للوقوف على تجربة صنع الله إبراهيم مجددًا من منطلق توسيعة الاهتمام خاصة وان التجارب الروائية التي جئ على إصداراها مما أعدة ثلاثية تستحق الدرس والتحليل، بل تقتضي إعادة النظر في توسعة للبدايات الأولى التي حالت ظروف دون نشرها وتداولها في الآن ذاته، والتي منها الروايات "67" وبرلين 69، و 1970 والملاحظ هنا أنها تلك الاعمال تحمل أرقاما كعناوين وهو الاختيار ذاته الذي نزع إليه الروائي جميل عطية إبراهيم في "1952، واوراق 1954، وجورج اويل في اعماله 1934، وألبرتو موافيا». كان يرى أن الكتابة عن أي روائي لا يجب أن تتم إلا حين تكتمل تجربته الإبداعية، وأنه لا يمكن الحكم عليه من عمل أو اثنين أو ثلاثة ولكن عن مجمل أعماله إذ يقول: «لقد حاولت كل جهدي أن أتجنب الحديث في هذا الموضوع لسبب بسيط ، هو ايماني بان روايتين أو ثلاث لا تصنع كاتبا ، ولا يمكن الحديث عن التجربة الروائية إلا من خلال كم من الأعمال». الكتابة تأكيدًا على الذات والتجربة الذاتية وقبل البدء نعود مرة أخرى لما قاله صنع الله إبراهيم نفسه حول تجربته الروائية وكيف نقد نفسه بنفسه في كتاباته وكيف يرى العلاقة بين الناقد والكاتب ونجده يقول: يكفي أن أقول اني قد اتخذت قراري بكتابة الرواية تأكيدا لذاتي ودفاعًا عنها في ظروف صعبة للغاية هي ظروف السجن. فكان الحصول على الورقة والقلم الممنوعين ثم توفير المخبأ الملائم لهما، يمثل انتصارا على القضبان وعلى الورقة كان بوسعي أن أمارس كل الحرية المفتقدة. ومنذ البداية كانت لعبة الشكل تستهويني. فالحرية التي يتعامل بها الكتاب المعاصرون مع مادة الرواية كانت تثيرني للغاية . كل رواية تصبح مفاجأة تامة ومغامرة مثيرة جديدة، لا تكرار فيها أو ابتذال. ميلاد داخل القضبان وفي هذا الجزء تحدث صنع الله إبراهيم عن ميلاد تجربته الإبداعية وراء القضبان والتي وصفها بـ"مرحلة الطفولة" وليس هناك أصدق من هذا التعبير الذي وصف به حالة فالكتابة هنا بمثابة طقوس عبور لميلاد جديد وراء القضبان تكونت خلاله تجربة إنسانية وإبداعية باتت فيما بعد مادة خصبة للنقاد والباحثين في الرواية العربية في العصر الحديث وبالتحديد في حقبة الستينيات من القرن الـ20، ويقول صنع الله عن تلك المرحلة: «وكان من الطبيعي أن تتحول الطفولة التي استيقظت أدق لحظاتها في أيام السجن ولياليه الطويلة إلى منجم غني بالنسبة للعمل الاول، لكني لم أكتب غير بضع فصول توقفت بعدها عندما واجهت المشاكل التي يواجهها كل كاتب في بداية عمله، وأحيانا كثيرة بعد الرواية الأولى». ليتبع تلك الانطلاقة بتساؤلات هامه يسأله كل صاحب تجرب إبداعية صادقة.. أي الطرق سوف يسلكها هذا الطفل الحبيس وراء القضبان.. هل سيستطيع استكمال المسيرة التي انطلقت أم ماذا ؟! حول الأسلوب السردي أو التقنية الكتابية التي سيستخدمها للتعبير عمَّا بداخله من مشاعر ومن أحاسيس وأي الشخصيات سيختار وأي الحكايات سوف يقوم بروايتها. أي طريق أسلك؟ هنا يتساءل صنع الله إبراهيم قائلاً: «أي طريق بين عشرات الطرق الأساليب والأشكال والمدارس؟ تشيكوف وجوركي وجويس وبروست فضلا عن زولا وبلزاك ونجيب محفوظ ثم روب آلان جريبه وأصحاب الرواية الجديدة في فرنسا الذين كانوا يحدثون ضجة كبرى في ذلك الوقت (بداية الستينيات)؟، لم يكن الأمر متعلقا بالحرفة، بالتكنيك وحسب، وانما كان يشمل أساساً وجهة النظر، الرؤية، ما تريد ان تقوله، كنت قد بدأت حركتي من موقع التمرد على ما كان يعرف في ذلك الحين بالواقعية الاشتراكية. فقد شعرت أنا وكثيرون غيري أنها تزيف الواقع وتزوقه وقدرت أن هذا الخداع لا يساعد الإنسان بل يضلله». الحقيقة مرة أخرى بدايات صادقة، لم يكن يشغل صنع الله إبراهيم في تلك الفنرة سوى أن يعبر عن الحقيقة وهو ما جغله يخلط بين الواقع والذاتي والخيالي فنجده يؤكد على ذلك قائلاً: «هكذا عاهدت نفسي منذ البداية أن أذكر الحقيقة. ولأن الحقيقة ليست مطلقة فلا بد من أن أبذل كل جهد، مسلحاً بالعلم والتجربة، ماركس وفرويد ومن أضاف إليها، لأقترب منها قدر الإمكان. وكان لدي قدر كاف من الغرور وقتذاك كنت ما أزال في الثانية والعشرين من عمري لأعاهد نفسي ألا أكرر أو أقلد، وأن أصمت إذا لم يكن عندي ما أضيفه». إن العلاقة بين الكاتب والناقد العربيين، هي إلى الآن علاقة غير سوية. فالكاتب يتطلع إلى الناقد منتظراً منه بلورة- ولا أقول حلولاً- للمشاكل التي تعترضه في عمله، ورأياً كاشفاً يستند إلى نظرة أشمل، تحليلية، مقارنة، متمرسة ، يمكن أن يسترشد به . لكننا لا نجد لدى النقاد العرب - فيما عدا حالات استثنائية - سوى الخطاب الموجه للقاري وحده. وفي الروايات العلمية لم يكن ثمة مجال للجملة القصيرة المحايدة أو الموجزة أن «جبل الثلج، لا نفع له هنا. فلا بد من شرح تفاصيل هذا العالم كي يصبح مفهوماً من القارىء . ولا بأس من استخدام التشبيهات وكافة الحيل اللغوية لتحقيق هذا الهدف. ثمة صخرة يمكن الاستناد اليها : كل شيء يخضع لما تريد أن تقوله». وهنا نرى أن الروائي يمتلك مرجعية توازي بين قراءة الإبداع والنقد وهو ما يجعله أول ناقد لما يقدن على ابداعه وانجازة ليتحقق في اللاحق توضيح من خلال الشهادة أو الحوارات، وإن هذه القراءة تقتضي إعادة التفكير وفق بنائها لما يحق إدراجه في الصيغه وبالتالي المادة، وهو ما يؤكده صنع الله إبراهيم بأن المشترك يتمثل في الوحدة بين الشكل والواقع. وقد نقد صنع الله إبراهيم نفسه إذ قال عن قصته "تلك الرائحة" أنها جاءت بلغة تلقائية بها شيء من الركاكة.. فلم نجد كاتبصا بتلك المصداقية مع نفسه وفي عدد هو مخصص بالأساس للاحتفاء بالرواية فنجده يقول: «في "تلك الرائحة"، كانت لغتي تلقائية بها شيء من الركاكة التي حافظت عليها عن قصد عندما وجدت لها جمالية من نوع خاص، تخدم الخطاب المقصود. لكن «نجمة أغسطس» كانت تتطلب، بحكم الوحدة المبتغاة بين الشكل والمضمون موقفاً مختلفاً من اللغة». لكن هذا لا يكفي لنفي امكانية التأثر بهذه المدرسة من خلال الدراسات النقدية والعروض الصحفية، ولست أجد غضاضة في هذا التأثر ان صح. فنحن لا نكتب من فراغ، ومن حقي أن أستفيد من معطيات وتجارب الآخرين بشرط أن أضيف اليها شيئاً. فالتاريخ الأدبي هو تاريخ الاضافات والتجاوزات. وقد سبق ان اعترفت باني تخرجت من مدرسة هيمنجواي. لكن التأثر غير التقليد والمحاكاة. فإذا ما استخدم أحد المنولوج الداخلي، هل نعتبره مقلداً لجويس؟ المشكلة تبقى دائماً في الرؤية. اللعبة الروائية ومن تلك النقطة نجد الدكتور صدوق نور الدين حينما حاول الكتابة عن تجربة صنع الله إبراهيم الإبداعية بأن مفهوم الرواية لديه يأتي بإثارة مسألة شكل الكتابة، بما هي اختيار هدفه إنتاج معني، وأن اللافت هنا هو تعدد صيغ الكتابة وتنوعها، مما أوقع شخص الروائي أمام قلق الاختيار، كما أنه امام حرية تدفع به إلى ممارسة «اللعب الروائي» وفقًا للتركيب الأدبي الذي يقتضي الدمج والمزج بين أكثر من جنس دون الإخلال بالهوية المتمثلة في التحديد، إذ أن الروائي بما يمتلك من كفاءة واقتدار يسعى إلى تفرد أسلوبه التذي يميزة على المتداول أو السائد، وهو ما نزع إليه صنع الله إبراهيم. وهو ما أكده صنع الله بنفسه حينما قال إن "تلك الرائحة وهي القصة التي منعت من النشر أو التدوال بعد صدورها وعرفت بالمجموعة الممنوعة من النشر بالأسلوب الركيك أو الركاكة اللغوية وهو ما أكده بأن تلك الركاكة كانت مقصودة لأنها جسدت جماليات من نوع خاص يتماس مع موضوع المجموعة. ويتابع: «لقد واجهت هذه الرواية القصيرة الرفض التام في البداية سواء من جانب الدولة التي صادرتها أو النقاد الذين هاجموها، أما القراء الذين تسربت إليهم فقد صدموا من صراحتها القاسية التي مست الأبنية العقائدية والتقاليدية لديهم وفي رأي أن تلك الصدمة التي حققتها هي دليل نجاحها ونذير مبكر أوائل 1966 بفجيعة 1967، وما تلاها من انتكاسات، فقد أكدت غربة بطلها عما يجري حوله ورفضه ما هو مبتذل وبرجوازي وغير إنساني، والغريب أن عددًا من النقاد التقدميين البارزين راوا فيها تشيؤا واستنكروا هذه الغربة غير المفهومة وأدرجوها ضمن عجز المثقفين المنعلين عن إدراك الظواهر الاجتماعية، فقد نظروا إليها من واقه التسليم بالواقع المعاش على أمل تطويره في المستقبل من خلال وحدة مجردة من الصراع القوي التقدمية هي في حقيقتها تبعية مطلقة للسلطة الثورية المستبدة». تَميَّز إنتاج «صنع الله إبراهيم» الأدبي بالتوثيق التاريخي، والتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلًا عن سرده الكثيرَ من حياته الشخصية. ومن أشهر أعماله: رواية «شرف» التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مئة رواية عربية، و«اللجنة»، و«ذات»، و«الجليد»، و«نجمة أغسطس»، و«بيروت بيروت»، و«النيل مآسي»، و«وردة»، و«العمامة والقبعة»، و«أمريكانلي»، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالَم الأدب. سمية أحمد بلزاك إميل زولا صدوق نور الدين


البوابة
منذ ساعة واحدة
- البوابة
دينا الحمامي تكتب: صنع الله إبراهيم.. الراهب الذي أحب مصر حد التجسيد
بدأت محبتي الهائلة للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم منذ طفولتي وتحديداً في العام 2001 عندما أعلنت الجامعة الأمريكية في القاهرة عن صدور الترجمة الإنجليزية لرواية "ذات"، كنتُ فتاة صغيرة لا تتجاوز الحادية عشرة وكل معرفتها بالعالم الخارجي تستقيها من جدتها الشغوفة بالفنون والآداب، دارت مكالمة تليفونية مطولة بين أمي وجدتي مفادها سعادتهما الهائلة بترجمة هذه الرواية المصرية البديعة والتي نجحت في تجسيد المرأة المصرية بكامل فطرتها دونما إدّعاء أو مبالغات. مرت الأعوام وازدادت محبتي للقراءة بوجه عام واستطعت قراءة معظم الأعمال الشهيرة لصنع الله إبراهيم على وجه الخصوص، إلا أنني وجدتُ نفسي أغيب بين كتبي ودروسي وأنشطتي الرياضية، ثم أعود لقراءة رواية "ذات" مرة أخرى، بالمحبة ذاتها والحماسة نفسها وبكامل الترقب وبكل خفقات القلب والابتسامات والدموع، حتى توحدتُ تماماً مع "ذات" وعوالمها لدرجة الخلط بينها هي ومؤلفها، ولحسن الحظ لم أتخلص من هذا الخلط ليومنا هذا، إذ اعتبرتُ دوماً أن ذات ما هي إلا جزء أصيل من كاتبها، جزء لا يختص بالكتابة وحدها، لكنه يتجاوزها إلى تخوم وجدانه وهويته وأصالته وعبقريته وتفرده. أتقن فى "ذات" إبراز كل الانعكاسات التي طرأت على تحولات المجتمع وشخوصه على مسرح الأحداث عبر إشارات في غاية النعومة والذكاء لعبة الكاتب والمكتوب أحب صنع الله مصر محبة من ذاك النوع الذي تغبطه دونما قدرة على بلوغه، فكلنا نحب الوطن على طريقتنا، ولكن عد لي شخوصاً أو حتى مبدعين استطاعوا التوحد مع أوطانهم، وعتّقوا محبتهم الهائلة لها إلى أن خرجت على هيئة أبطال من لحم ودم يمكنهم تجسيد الوطن بأكمله بين دفتي كتاب. لم تتجسد المرأة في رواية "ذات" بشكلها النمطي الكلاسيكي في فترة الستينيات من القرن الماضي؛ إما كامرأة لعوب تحترف فنون الهوى واللعب بقلوب الرجال، أو كزوجة مسلوبة الإرادة وعديمة الحيلة، بل حضرت بكامل حقيقيتها؛ بجموحها نحو الأمل والحب وتكوين الأسرة والسعادة بصورتها البكر، بهشاشتها حيال الفقد وموت أحبائها بمن فيهم نجومها المفضلين، باستعادتها لزمام حياتها في أعقاب الأزمات التي تعصف بحياتها وحياة محيطها الاجتماعي. روح مصر الناصعة برع صنع الله إبراهيم في بث روح مصر الناصعة في كل تفصيلة من حياة بطلته الورقية "ذات"، فلم يكتف بتجسيد صورة الوطن عبر أكثر من ستين عاماً عبر حياة الشخصية الأساسية للرواية، بل عمل على إبراز كل الانعكاسات التي طرأت على تحولات المجتمع ومن ثم شخوصه على مسرح الأحداث عبر إشارات في غاية النعومة والذكاء، فذات ابنة شرعية لهذا الوطن بكامل أزاماته وانتصاراته وهزائمه، أشرقت وتوردت حينما كان الوطن يستعد للنصر، ففرحت لفرحه وزفت لأول زوج عرض عليها، ثم عانت من تغريبة عندما سافر زوجها وتركها لرعاية البيت، فانعكس ذلك في محاولاتها الجامحة لتغيير جلدها وتجديد لون شعرها بنفس الوقت الذي كان يستعد الوطن للانفتاح الاقتصادي. التغيير الجذري خشيت ذات من كل محاولات التغيير الجذرية عندما خرجت الأمور عن سيطرة خططها ووجدت أن تحويشة عمرها قد ضاعت في اللا شيء، فأصبحت أكثر عملية ومنطقية حتى في أحلامها، ركنت إلى عجلة الاستقرار فشاخت وتضخم وزنها وأصبحت لا تنفق إلا في الضروري والمهم، تماماً كما ركن الوطن إلى وهم الاستقرار لعقود حتى استيقظ الناس على وحش التغيير الذي هدم المعبد على رؤوس الجميع. حُملت ذات بخطايا المقربين والجيران، كما أثقل كاهل الوطن بذنوب لا قبل له بها، وأصبح المسؤول الوحيد عن تسديد فواتير كل من أحبهم ومد لهم يد العون في أحد الأيام.