
تعرف على المرأة التي تقود ثورة في عالم كرة القدم
"نتلقى اتصالات هاتفية ورسائل نصية بلا انقطاع"، هكذا قالت ميشيل كانغ، مالكة نادي لندن سيتي ليونيس، وهي مبتسمة.
لقد مرّت 72 ساعة منذ أن تمكّن فريقها لندن سيتي ليونيسز (اللبؤات)، من التأهل إلى الدوري الممتاز لكرة القدم للسيدات.
ومن السهل أن نفهم لماذا أصبحت اللاعبات، اللائي كنّ قبل 18 شهراً يترددن في قبول فكرة الانضمام إلى هذا النادي، الآن متلهفاتٍ لكي يكنّ جزءاً من قصة على غرار قصص هوليوود.
لأول مرة دوري كرة قدم للسيدات في السعودية
كيف رأيتم أداء "لبؤات الأطلس" في بطولة العالم لكرة القدم النسائية؟
كانت ميشيل كانغ قد اشترت فريق ليونيسز في ديسمبر/كانون الأول 2023، حين كان على وشك الإفلاس. لكن بفضل استثمارها المالي الضخم ورؤيتها بعيدة المدى، حوّلت هذا الفريق، الذي كان يُعد فاشلاً في يوم من الأيام، إلى كيان ثمين.
وقالت لبي بي سي سبورت: "أبادر قبل أن تتاح الفرصة لأحد كي يعلّق، سواء ليقول إن ما أفعله جيداً، أو — كما يحدث غالباً — ليظن أنني فقدت صوابي. لم تكن هذه أول مرة يُقال فيها إنني مجنونة، لكنني رأيت الإمكانات الكامنة، ومع قليل من التركيز، لم أعد أنظر إلى الوراء".
وقد ضمن نادي لندن سيتي النقطة التي كان يحتاجها للفوز بلقب البطولة الإنجليزية -الدرجة الثانية- بعد تعادله المثير 2-2 مع منافسه على اللقب، برمنغهام، في ملعب سانت أندروز، أمام نحو 9 آلاف متفرج.
ولو كنت تشاهد المباراة عبر التلفزيون، فمن المؤكد أنّك كنت ستتساءل عن هوية تلك المرأة اللافتة التي كانت في قلب احتفالات الفريق.
ففي إطلالة أنيقة، ارتدت كانغ، البالغة من العمر 65 عاماً، معطفاً كريمياً ونظارة شمسية داكنة أصبحت بمثابة علامتها المميزة، وكانت محور الاهتمام في حفل تسليم الكأس، حيث رفعتها مع قائدة الفريق كوسوفاري أسلاني، بينما كانت اللافتات والمشروبات الغازية تتطاير حولهما.
وعادةً ما يحتفل مالكو الأندية بمثل هذه الإنجازات من مقاعد المدراء، إلا أن كانغ اختارت أن تكون في قلب الحدث.
وهذا الأسلوب يُجسّد نهجها في كل شيء — فهي تفعل الأمور بطريقتها الخاصة.
وقالت كانغ: "ها نحن ذا، لقد نجحنا. هذا دليل على أن كل شيء ممكن مع الاستثمار المناسب".
ويُعد نادي لندن سيتي جزءاً من إمبراطورية كرة القدم النسائية العالمية التي تبنيها سيدة الأعمال الأمريكية الثرية بسرعة لافتة، إذ تمتلك كانغ أيضاً فريق أولمبيك ليون الفائز بدوري أبطال أوروبا للسيدات ثماني مرات، وفريق واشنطن سبيريت في الولايات المتحدة.
وهدفها هو إثبات أن أندية كرة القدم النسائية يمكنها أن تحقق نجاحاً واستثمارات تجارية مستدامة، دون الاعتماد على أندية الرجال. وحتى الآن، لم ينجح أحد في إثبات خطأ رؤيتها.
ورغم أن الفوز بالبطولة يعد إنجازاً بارزاً، فإن بطولة الدوري الممتاز للسيدات ستكون بمثابة خطوة كبيرة للأمام بالنسبة لفريقها.
وتصر كانغ على أن هدفهم لا يقتصر على البقاء في الدوري الممتاز، بل يهدفون إلى النجاح.
ولهذا السبب، في الساعة التاسعة صباحاً، في اليوم التالي لاحتفالات الصعود، كان فريقها بما في ذلك المدير الفني جوسلين بريشور، الذي استقدمته من باريس سان جيرمان، والمدير الرياضي ماركيل زوبيزاريتا، الذي تم استقدامه من الاتحاد الإسباني لكرة القدم، يخططون بالفعل للمنافسة في الدرجة الأولى.
يجب على النساء "اختيار معاركهن" - إنفانتينو
وتضيف كانغ قائلة: "كانت رؤيتنا منذ اليوم الأول، عندما بدأنا هذه الرحلة قبل عام، أن نبني على الأقل فريقاً جيداً/متوسط المستوى في دوري السوبر للسيدات، فلقد شهدنا صعود العديد من فرق الرجال والسيدات، ثم هبوطها في العام التالي، لذلك، سعينا لبناء فريق قادر على البقاء في الدوري الممتاز، وأن يكون منافساً قوياً، ووظفنا اللاعبين والمدربين لتحقيق ذلك".
وعندما سُئلت كانغ عن عدد اللاعبات اللواتي يخطط النادي للتعاقد معهن هذا الصيف، أجابت مازحة: "هذه قرارات تتجاوز صلاحياتي!"
وأضافت قائلة: "أشارك أحياناً في إقناع اللاعبات بالانضمام إلينا، لكن في النهاية، من نتعاقد معها أمر من اختصاص المدير الرياضي ومديرنا الفني، ولدي ثقة كاملة بهما".
ومع ذلك، لن يتفاجأ أحد برؤية مجموعة من النجمات الدوليات يصلن إلى مقر النادي في آيلسفورد بكينت، قبل بدء الموسم الجديد في سبتمبر/أيلول المقبل.
وكانت كانغ قد نجحت في إقناع الدوليتين السويديتين أسلاني وسوفيا جاكوبسون، وبطلة كأس العالم اليابانية ساكي كوماغاي، ولاعبة وسط برشلونة السابقة ماريا بيريز، بالانضمام إلى نادي لندن سيتي رغم وجوده في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي.
وبالنسبة لأسلاني، التي لعبت لفترات في باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي وريال مدريد خلال مسيرتها، فإن اللعب تحت قيادة سيدة كان أحد عوامل الجذب الكبيرة.
وقالت اللاعبة البالغة من العمر 35 عاماً، التي فازت ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز للسيدات مع مانشستر سيتي في عام 2016: "للمرة الأولى، شعرت بأن لدينا امرأة تستثمر، ولا يقتصر فعلها على الكلام فقط، بل إنها في الواقع تمنحنا كل الموارد التي نحتاجها للنجاح".
وأضافت أسلاني قائلة:"علينا الاستثمار لنحقق النجاح، وهذا ما تؤمن به ميشيل، إنها امرأة قوية، لا تتكلم كثيراً، بل تفعل ما تشاء".
لكن الأمر لا يقتصر على تشكيلة الفريق، حيث تنفق كانغ أموالها، لأنها ترى الصورة الأكبر لما يحتاجه الفريق الناجح.
ففي موقع التدريب بكوبداون بارك، من المقرر أن يكون هناك 7 ملاعب متوافقة مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جاهزة لاستقبال اللاعبات هذا الصيف، وهناك خطط طموحة لبناء مجمع رياضي، على الرغم من أن تصريح التخطيط للمباني والمرافق المقترحة لم يُحصل عليه بعد.
وفي حديثها عن المقترحات، أضاف كانغ قائلة: "سيكون مركز التدريب على أحدث طراز، أفضل من العديد من مراكز التدريب في الدوري الإنجليزي الممتاز للرجال".
ويلعب النادي مبارياته على ملعب هايز لين، الذي يتقاسمه مع نادي بروملي للرجال في دوري الدرجة الثانية، لكن كانغ تقول إنهم يدرسون بناء ملعب مخصص لفريقها.
وكل هذا يشير إلى حقيقة أنها لن تكتفي بكونها فريقاً في منتصف جدول الدوري النسائي لفترة طويلة، وهذا هو الإعداد المناسب لفريق يتنافس في دوري أبطال أوروبا.
وُلدت كانغ في سيول عاصمة كوريا الجنوبية، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة للدراسة وقد جنت ثروتها من قطاع الرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات، حيث قدرت مجلة فوربس ثروتها بـ 1.2 مليار دولار.
وبدأ شغفها بكرة القدم النسائية بعد أن دُعيت لحضور أول مباراة لها على الإطلاق لفريق واشنطن سبيريت عام 2021 حيث وقعت كانغ في غرام هذه الرياضة على الفور.
وتقول: "كان يوماً بارداً من شهر أبريل/ نيسان، وما زلت أتذكره بوضوح. لقد كنت في غاية الانبهار، وكأنني تحولت تماماً، فهناك شيء مميز في الوجود في أجواء الملعب مع اللاعبين، والروح التنافسية المتبادلة، إنه الأفضل على الإطلاق، وأعتقد أن هذا ما أثّر بي في النهاية".
وبحلول عام 2022، أصبحت كانغ المالكة الأكبر لشركة سبيريت. وبعد عام، أضافت لندن سيتي ليونيسز إلى محفظتها الاستثمارية قبل أن تشتري ليون في عام 2024.
وتقول: "إنه أمر ممتع للغاية، ليس لديّ أبناء، ولكن فجأةً أصبح لديّ ثلاثة فرق ولاعبات على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وأحاول حضور المباريات وتشجيع اللاعبات، هذا هو الجزء الممتع حقاً في النهاية."
قد يكون الأمر ممتعاً، لكن نواديها ليست جمعيات خيرية، بل شركات.
وتقول كانغ: "رأيتُ إمكانياتٍ هائلةً في الوضع الراهن مقارنةً بما يُمكن أن يكون عليه الوضع، كنتُ أعتقد أن الفجوة هائلة، وقد فوجئتُ حقاً بأن أحداً لم يُدرك ذلك، ناهيك عن الاستثمار في سدِّ هذه الفجوة".
فكيف تتمكن لاعبات العاصمة الآن من التنافس في دوري ما، وإنشاء قاعدة جماهيرية تضم بالفعل أربعة أندية لندنية راسخة هي آرسنال وتشيلسي وتوتنهام ووست هام؟.
وقالت كانغ: "إن واشنطن سبيريت سيكون أول من يحقق الهدف لأنهم متقدمون بعامين أو ثلاثة أعوام وقد استثمرنا بكثافة في تطوير المشجعين والشراكة مع الشركات".
ويتم نسخ النماذج وأفضل الممارسات في كل من ليون ولندن، ويتعلم فريق سبيريت أيضاً مما فعله ليون، لذلك فإننا جميعاً نتعلم من بعضنا بعضاً.
وأوضحت قائلة: "في نادي لندن سيتي، كان تركيزنا حتى الآن على المنتج والجانب الرياضي، ولكننا سنستثمر بشكل كبير في تطوير المشجعين وبناء قاعدة جماهيرية كبيرة متفاعلة، لذلك سنسير على الطريق الصحيح، وسنتمكن بالتأكيد من إيجاد الاستدامة المالية على المدى الطويل حيث أنه لن ينجو أي شيء، لا فريق رياضي ولا عمل تجاري، في غياب الاستدامة".
وتندرج أندية كانغ الثلاثة تحت مظلة مشروعها "كينيسكا سبورتس إنترناشونال"، لكن الأمر لا يقتصر على الاستثمار في كرة القدم النسائية فحسب.
ففي أغسطس/آب من عام 2024، أعلنت شركة كينيسكا أنها ستنشئ صندوق استثمار عالمي بقيمة 50 مليون دولار للمساعدة في تحسين صحة وأداء الرياضيات النخبة.
وقالت كانغ إن هذا الأمر سيكون بمثابة "عصر جديد للإمكانات الرياضية النسائية وسيدفع نحو تغيير دائم".
وكان أحد أول المستفيدين من هذه المنحة هو فريق الرغبي الأمريكي السباعي الذي حصل على 4 ملايين دولار بعد فوزه بالميدالية البرونزية في أولمبياد باريس، ووصفت اللاعبة إيلونا ماهر هذه المنحة بأنها "مؤثرة حقاً".
وقال ماهر البالغ من العمر 28 عاماً: "لقد رأت قيمتنا، التي كنا نعلم بالفعل أننا نمتلكها، واستثمرت فيها وهذا يهيئنا للفوز في لوس أنجلوس 2028".
وتعهدت كانغ أيضاً بالتبرع بمبلغ 30 مليون دولار لاتحاد كرة القدم الأمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة، بهدف دعم كرة القدم النسائية في أمريكا.
وتقول إيما هايز، المديرة السابقة لفريق تشيلسي والمديرة الحالية لمنتخب الولايات المتحدة للسيدات، لبي بي سي سبورت: "إنها تضع أموالها في فمها".
ومضت قائلة دعوني أوضح هذا الأمر، إنها سيدة أعمال فطنة، وهي تعلم أن الرياضة النسائية من المجالات الرياضية التي تتمتع بفرصة التطور والازدهار.
ورغم أنها تصف نفسها بأنها سيدة أعمال ومستثمرة وفاعلة خير، إلا أن كانغ ربما تكون أيضاً القائدة الثورية التي سترفع كرة القدم النسائية إلى مستويات أعلى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ ساعة واحدة
- BBC عربية
إعلان "اتصالات" لنادي الأهلي المصري يغضب جماهير الزمالك
أثار إعلان شركة "اتصالات" الترويجي لنادي الأهلي المصري غضب جماهير نادي الزمالك، فقد اعتبروه مسيئا لناديهم وقالوا إنه احتوى على مشهد لسيارة إسعاف بألوان قميص نادي الزمالك ويظهر شخص يبدو أنه يعاني من أزمة نفسية ويقوم شخصان بالإمساك به واقتياده إلى مستشفى الأمراض العقلية. يمكنكم مشاهدة الحلقات اليومية من البرنامج الساعة الثالثة بتوقيت غرينيتش، من الإثنين إلى الجمعة، وبإمكانكم أيضا الاطلاع على قصص ترندينغ بالضغط هنا.


BBC عربية
منذ 6 ساعات
- BBC عربية
الهرّ الأسود فلو يحذرنا من الكوارث الآتية
ماذا ستفعل لو وجدت نفسك وحيداً في عالمٍ يغرق؟ ماذا لو خسرت أحباءك ومنزلك وكل ما تملك، وسرت تائهاً بلا وجهة، والمياه تغمر كل شيء؟ ما الذي سيحلّ بنا عندما يأتي الطوفان؟ يدفعنا فيلم الرسوم المتحركة "فلو" إلى طرح هذه الأسئلة، وإلى تخيّل سيناريو ما بعد الكارثة. الفيلم الذي أخرجه اللاتفي غينتس زيلبالوديس، وشارك في كتابته وإنتاجه مع ماتيس كازا، يخلو من أي حوار. يحكي قصة هرّ أسود اسمه فلو، يحاول النجاة من طوفانٍ يجتاح العالم، برفقة مجموعة من الحيوانات الهاربة، ويدعو إلى التفكير في تداعيات تغيّر المناخ على الأرض وسكانها. واعتمد المخرج في تنفيذ العمل على برنامج "بلندر" (Blender) لصناعة الرسوم المتحركة، وقرّر الاستغناء عن الحوار تماماً، فجاء تواصل الحيوانات بأصواتها الطبيعية، من دون أن تُسقط عليها أي صفات أو سمات بشرية. هذا الخيار أضفى على الفيلم طابعاً واقعياً، وجعله متاحاً للجميع، من دون أن تشكّل اللغة عائقاً أمام فهمه. عرض العمل لأول مرة في 22 أيار/مايو 2024 ضمن قسم "نظرة ما" في مهرجان كان السينمائي، ونال جائزة أوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة، وفاز كذلك بجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم رسوم متحركة، إلى جانب جوائز عدّة أخرى، بينها جائزة سيزار الفرنسية عام 2025. وبدأ عرض الفيلم حديثاً في عدد من الدول العربية، من بينها لبنان، والسعودية، والإمارات. كلّ شيء يغرق يخرج "فلو" من منزله وحيداً وخائفاً، بعد أن فقد الأمل بعودة أصحابه. المياه تغمر كلّ شيء، ومنسوبها يستمرّ بالارتفاع. لم يعد بإمكانه البقاء في منزله، عليه أن يهجره ويتحرّك وسط غابةٍ بدأت الفيضانات تجتاحها أيضاً. كلّ ما حوله يغرق ويختفي تحت الماء. الرياح تشتدّ، والمطر لا يتوقّف. الحيوانات الأليفة والبرّية تركض مسرعةً لتنجو، وتكاد تدهسه. في هذه اللحظات، لا أحد يفكّر سوى بالهرب والنجاة من الطوفان. تطفو أمامه جثث حيوانات نافقة، قتلها الفيضان. ما أسباب حدوث الفيضانات وكيف يجب أن نتصرف عندما تحدث؟ يتوقّع العلماء أن يشهد العالم مزيداً من الكوارث الطبيعية، وبشكل خاص الفيضانات والحرائق، بوصفها من أبرز تداعيات تغيّر المناخ، التي ستصطحب معها ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، وهبوب رياح عاتية، وهطول أمطار غزيرة. الفيضانات وارتفاع منسوب المياه سيقابلهما جفاف وندرة في الأمطار. هذان العاملان كفيلان بتدمير الغابات والأراضي الزراعية، وبتهديد التنوع الإحيائي في أي مكان، بما في ذلك الكائنات النادرة المهددة بالانقراض. في الطريق إلى مكان يساعده على تفادي الغرق، يلتقي فلو بحيوانات أخرى ضلّت طريقها، ويختلط عالم البحر بعالم اليابسة. كلّ حيوان يحمل سلوكاً وأطباعاً مختلفة عن الآخر. عليهم الآن أن يعيشوا سوياً، بعدما تداخلت عوالمهم: قندس، وصقر جديان، وقرد ليمور، وكلاب أليفة. بعد النجاة، يأتي همّ الغذاء وهمّ المبيت. هذان العاملان، اللذان يؤمّنان الاستمرار والاستقرار، سيكونان أيضاً سبباً للنزاع بين الناجين. سيجد الناجون أنفسهم، بعد وقت، على متن سفينة مهجورة. ستكون وسيلة النجاة الوحيدة، ومنها ستبدأ الرحلة في عالم ضربته الكارثة، حيث غمرت المياه المعالم الطبيعية والمناطق السكنية، وما تبقّى من الحضارات والتاريخ. يذكّر هذا المشهد بسفينة نوح، سفينة النجاة التي حملت الناجين من الطوفان الكبير، كما يرد في الكتب المقدسة. ستبحر السفينة وسط الرياح الشديدة والمطر الغزير. وعلى متنها، ستتعلّم الكائنات المختلفة التكاتف والتعاون وبناء علاقات جديدة، كما ستُضطر لاكتساب مهارات مثل العوم، وصيد الأسماك، وقيادة السفينة. فهل سيتعاون البشر مع بعضهم البعض حين تحلّ الكارثة؟ سينما خضراء؟ تناولت السينما العالمية الكوارث الطبيعية في عدد كبير من الأفلام، خاصة في تسعينيات القرن الماضي، لكنها كانت تركّز في الغالب على معاناة الأفراد في مواجهة الخطر، من دون التطرّق مباشرة إلى الأسباب الكامنة وراء هذه الكوارث. ومع تصاعد حملات التوعية حول تغيّر المناخ وتداعياته خلال العقود الأخيرة، بدأ بعض الكتّاب والمخرجين بمحاولة مقاربة هذه الأزمة من منظور أعمق، لا يكتفي فقط برصد النتائج، بل يحاول العودة إلى جذور المشكلة. يرى الناقد السينمائي إلياس دُمّر، في حديث مع بي بي سي عربي، أنّ هناك تحولاً واضحاً في المعالجة السينمائية خلال السنوات الأخيرة. يقول: "في السابق، كانت الكوارث الطبيعية تُقدَّم في الأفلام بوصفها أحداثاً خارقة أو ضرباً من القضاء والقدر، من دون التعمّق في الأسباب الجذرية مثل تغيّر المناخ. ركزت أفلام مثل Twister (الإعصار) الصادر عام 1996، وVolcano (بركان) الصادر عام 1997، على الإثارة والتشويق، ولم تتناول البُعد البيئي أو المناخي بشكل فعلي". يقول دمّر: "شهدنا عبر السنين، تحوّلاً تدريجياً في اللغة السينمائية تجاه المسؤوليّة البيئيّة. فعلى سبيل المثال، يعتبر فيلم The Day After Tomorrow (بعد غد)، الصادر عام 2004، من أوائل الإنتاجات الهوليوودية الكبرى التي ربطت بوضوح بين التغيّر المناخي والكوارث الطبيعية، رغم ما وُجّه إليه من انتقادات تتعلق بالمبالغة العلميّة". أما فيلم Don't Look Up (لا تنظر إلى الأعلى)، الصادر عام 2021، فقدّم معالجة مجازية وساخرة سلّط الضوء على اللامبالاة البشريّة تجاه التحذيرات العلميّة، سواء تعلّقت بالمناخ أو بغيره من المخاطر الوجوديّة. الفيلم من بطولة ليوناردو دي كابريو، كايت بلانشيت، ميريل ستريب، وجنيفر لورنس. ويشير مّر إلى أنّ السينما الوثائقية تبدو أكثر حرية في تناول قضايا الواقع، بما في ذلك تغيّر المناخ، إذ أنها لا تخضع غالباً لشروط السوق أو لمعادلات الربح والخسارة، كما أنّ كلفتها الإنتاجية عادة ما تكون أقلّ. ومن بين الأمثلة التي يذكرها، الفيلم الوثائقي Before the Flood (قبل الطوفان)، الصادر عام 2016، من إنتاج ليوناردو دي كابريو بالتعاون مع الأمم المتحدة، والذي يتناول التهديدات المناخية بلغة مباشرة. كما يلفت إلى فيلم An Inconvenient Truth (حقيقة غير مريحة)، الذي صدر عام 2006، وفاز بجائزتي أوسكار، ويعدّ – بحسب دمّر – مثالاً بارزاً على التناول الصريح لقضية تغيّر المناخ في السينما العالمية. فيلم وثائقي لدي كابريو يحذر من التغير المناخي "قبل أن يأتي الطوفان" وثائقي الكوكب المتجمد لبي بي سي يعود بصور فريدة ولقطات حية للانهيار الجليدي يقول إلياس دمّر إنّ "هناك حساسية أكبر تجاه قضايا البيئة بدأت تظهر في هوليوود، خاصة مع تصاعد ضغوط جماعات البيئة والمشاهير الناشطين، مثل ليوناردو دي كابريو وإيما طومسون". ويضيف: "شهدنا أيضاً اتجاهاً متنامياً في بعض المهرجانات السينمائية لتخصيص جوائز أو فئات خاصة بالأفلام البيئية، مثل مهرجان "كان" الذي منح مساحات أوسع للأفلام الوثائقية عن الحياة البرية، أو مهرجان "صاندانس" الذي دعم تجارب بيئية مستقلة". لكن، رغم هذه المؤشرات الإيجابية، يرى دمّر أنّ السينما التجارية لا تزال "أسيرة منطق السوق، وبالتالي فإنّ الإنتاج البيئي المباشر لا يحظى غالباً بالزخم نفسه، ما لم يُغلّف بالإثارة أو يحظَ بنجوم كبار". ويتابع قائلاً إنّ هناك تحديات عدّة أمام السينما التي تتناول قضايا المناخ والبيئة. "أولها الجمود الجماهيري"، يوضح دمّر، "فالجمهور عموماً ينجذب إلى الترفيه أكثر من التوعية، ما يضع الأفلام البيئية في موقع صعب على المستوى التجاري". أما التحدي الثاني، بحسب دمّر، فيكمن في "تعقيد القضايا المناخية ذاتها؛ فمن الصعب تبسيط موضوع مثل الاحتباس الحراري أو تأثير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على الأرض بلغة سينمائية جذابة". ويشير أيضاً إلى أنّ "بعض الدول أو الجماهير لا تتقبّل بسهولة الرسائل التي تحمل نقداً ضمنياً للنظام الاقتصادي أو الصناعي، وهو ما يزيد من تعقيد استقبال هذا النوع من الأعمال". أما التحدي الثالث، فيتعلّق بـ"التحفّظات الإنتاجية"، إذ يميل العديد من المنتجين إلى تجنّب المواضيع الواقعية الثقيلة، خوفاً من عدم تحقيق عائدات مضمونة. ويرى دمّر أنّ الحلّ قد يكمن في "الدمج الذكي بين الترفيه والتوعية، عبر خلق شخصيات وقصص إنسانية تتقاطع مع الكوارث البيئية بشكل عاطفي وجذّاب". لكن المفارقة برأيه أنّ صناعة السينما نفسها من بين الأنشطة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والوقود، وتخلّف أثراً بيئياً سلبياً، ما قد يتعارض مع الرسائل التي تدعو إلى الحفاظ على البيئة. ومن هنا ظهر مصطلح "السينما الخضراء"، وهي مقاربة تعتمد على استخدام الطاقة النظيفة والتقنيات المستدامة في مواقع التصوير. ويتابع دمّر: "التأثير البيئي لصناعة السينما لا يستهان به، بدءاً من استهلاك الطاقة، مروراً باستخدام الطائرات والشاحنات لنقل الطواقم والمعدّات". ويضيف: "للوصول إلى سينما خضراء، توصي العديد من طاولات النقاش منذ سنوات بتقليل عدد عناصر فرق الإنتاج، وتخفيض التنقّلات، والاعتماد على الطاقة النظيفة في مواقع التصوير، إضافة إلى إعادة تدوير الديكور والأزياء بدلاً من صناعتها من جديد". ويختم دمّر بالقول إنّ "السينما الخضراء ليست حلماً بعيد المنال، لكنها تتطلب تنظيماً حازماً من الهيئات الرسمية، والتزاماً جدياً من داخل الصناعة نفسها، إلى جانب وعي جماهيري يضغط باتجاه هذا التغيير".


BBC عربية
منذ يوم واحد
- BBC عربية
بسبب منشور يحمل "إشارات معادية للسامية"، مقدم البرامج الرياضية غاري لينيكر يغادر بي بي سي
أكّدت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن لاعب كرة القدم الإنجليزي السابق، غاري لينيكر سيغادر منصبه في الهيئة كمقدم برامج رياضية، بعد نهاية برنامجه "مباراة اليوم" للموسم الكروي الجاري 2024/2025. وأشارت بي بي سي إلى أن لينيكر لن يكون جزءاً من تغطيتها لكأس العالم 2026، والموسم المقبل من كأس الاتحاد الإنجليزي. وتأتي مغادرة لينيكر على خلفية مشاركته منشوراً عبر منصة "إنستغرام" لمجموعة مؤيدة للفلسطينيين، يحتوي على مقطع فيديو يتحدث عن "الحركة الصهيونية". وتضمّن مقطع الفيديو رسماً لجرذ، وهو ما يرتبط تاريخياً بإهانات معادية للسامية، ويعكس لغة استخدمتها ألمانيا النازية للتعبير عن اليهود. وحذف لينيكر المنشور في وقت لاحق بعد تعرضه لانتقادات عديدة، وقدّم اعتذاراً عن مشاركته، قائلاً إنه "لم يكن ليشارك أبداً منشوراً معادياً للسامية بشكل متعمد"، وإنه حذف المنشور "بمجرد علمه بالمشكلة". وأضاف لينيكير أنه علم لاحقاً أن المنشور يحتوي على "إشارات مسيئة"، وأنه يشعر "بأسف شديد" تجاه هذه الإشارات. وقال المدير العام لبي بي سي، تيم ديفي، إن غاري أقرّ بالخطأ الذي ارتكبه، و"بناء على ذلك، اتفقنا على تنحّيه عن تقديم أي برامج بعد انتهاء الموسم الحالي". وقدّم ديفي إشادة بلينيكر، قائلاً إنه لطالما كان "صوتاً بارزاً في التغطية الكروية في بي بي سي على مدار عقدين من الزمن". وشارك لينيكر في العديد من التغطيات للأحداث الرياضية المتنوعة، وكان المقدّم الرئيسي لبرنامج "مباراة اليوم" الأسبوعي المختص بكرة القدم، منذ العام 1999، ويُعد المقدّم الأعلى أجراً في الهيئة. وفي نهاية عام 2024، أعلنت بي بي سي أن لينيكر لن يقدم البرنامج بعد انتهاء الموسم الحالي، لكنه سيغطي كأس العالم 2026، وكأس الاتحاد الإنجليزي، وهو ما تراجعت عنه اليوم بعد الإعلان عن رحيله. "ربما يريدون رحيلي" ولم تكن هذه المرة الأولى التي يثير فيها لينيكر الجدل بسبب تصريحاته ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي عام 2023، قالت بي بي سي إنها أجرت "حواراً صريحاً" مع النجم الإنجليزي بسبب تغريدة انتقد فيها سياسية الحكومة البريطانية بشأن قضية اللجوء، مقارناً بين خطابها وخطاب الحكومة الألمانية في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي فبراير/شباط 2025، وقع لينيكر، إلى جانب 500 شخصية بارزة، على رسالة مفتوحة يحث فيها بي بي سي، على إعادة عرض فيلم وثائقي عن غزة، أزالته بي بي سي عن خدمة "آي بلاير" بعد أن تم حذفه بعد تبين أن الراوي هو ابن مسؤول في حركة حماس. وفي وقت سابق من شهر مايو/أيار الجاري، بدا لينيكر وكأنه ينتقد الرئيس الجديد لبي بي سي سبورت، أليكس كاي-جيلسكي، حين صرّح لصحيفة التلغراف، أنه "لا يمتلك أي خبرة تلفزيونية"، وحثّه على عدم إجراء أي تغييرات على برنامج "مباراة اليوم". وفي مقابلةٍ حديثة مع المذيع في بي بي سي أمول راجان، قال لينيكر إنه شعر برغبة بي بي سي في رحيله أثناء تفاوضه على عقدٍ جديد، العام الماضي. وبعد الإعلان عن انتهاء مسيرته مع بي بي سي، قال لينيكر إنه يقرّ بالخطأ وحالة الانزعاج التي سببها، مضيفاً أن "التنحي هو الإجراء المسؤول". وأعاد لينيكر التأكيد على أنه لم يكن ليعيد أبداً نشر شيء معادٍ للسامية بشكل متعمد، لأن ذلك "يتعارض مع كل ما يؤمن به". بدوره عبّر مدير بي بي سي سبورت، أليكس كاي جيلسكي، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، عن حزنه لوداع لينيكر، قائلاً: "إنه لأمرٌ محزن أن أودع مذيعاً لامعاً كهذا، وأود أيضاً أن أشكر غاري على سنوات خدمته". فيما كتبت كاتي رازال، محررة بي بي سي للشؤون الثقافية، أن رحيل لينيكر يمثل "نهاية مؤسفة" لمسيرة مهنية في بي بي سي. وامتدحت رازال النجم الإنجليزي، قائلة: "غاري لينيكر من بين أعلى المذيعين أجراً في الهيئة لسبب وجيه: هو يتمتع بشعبية كبيرة لدى الجمهور، وواسع الاطلاع، وبارع في عمله". لكن رازال أشارت إلى إن لينيكر بدا "غير قادر أو غير راغب" على تقبل حقيقة أن كونه شخصية بارزة قد يمنعه من إبداء آرائه التي يرى العديدون أنها أثّرت على "حاجة بي بي سي للحياد".