
خطيب المسجد الحرام: الإيمان الصحيح لا يعارض العلم.. وآل الشيخ: إياكم وظلم العباد
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: "اتقوا الله رحمكم الله، طهروا قلوبكم قبل أبدانكم، وألسنتكم قبل أيديكم، عاملوا الناس بما ترون لا بما تسمعون، اسمعوا من إخوانكم قبل أن تسمعوا عنهم ظنوا بإخوانكم خيرًا، واتقوا شر ظنون أنفسكم، ومن أدب الفراق دفن الأسرار، من أغلق دونكم بابه فلا تطرقوه، واكسبوا إخوانكم بصدقكم لا بتصنعكم، وكل ساق سيسقى بما سقى: (وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَعُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوا مُّبِينًا).
وأضاف فضيلته أن الإيمان والعبادة، وعمارة الأرض، وإصلاحها أركان متلازمة، والمسلم يقوم بالإعمار قربة لله ونفعًا لنفسه ولعباده، فيستثمر في كل ما ينفع العباد والبلاد، الإيمان فينا مقرون بالعمل الصالح، والقراءة مقرونة باسم الله مستشهدًا بقوله تعالى (اقرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)، والعلم مربوط بخشية الله، والإيمان هو قائد العقل حتى لا يطغى العقل فيعبد نفسه، والإيمان هو الضابط للعلم حتى لا تؤدي سلبياته إلى اضطراب تنهار معه البشرية.
وأفاد الشيخ بن حميد بأن القرآن الكريم تكلم عن الأمم السابقة، وما وصلت إليه من القوة، والبناء، والإعمار، ثم بين ما كان من أسباب هلاكها وفنائها من أجل أن نعرف سنته سبحانه، فقد أخبر عن عظمة ما وصل إليه قوم عاد، فقال جل وعلا: (إرم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد)، مما يدل على عظمتها، وجمالها، وتقدمها، ولكنه في مقام آخر، قال جل وعلا: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ)، غرتهم قوتهم وكذبوا رسل الله، وتنكروا لدعوة الإيمان استكبارًا وجحودًا، ومن أعرض عن ذكر الله يبقى مرتكسًا في الظلمات مهما أوتي من العلوم والقوى، حيث خاطب الله نبيه محمدًا- صلى الله عليه وسلم - بقوله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)، وقال جل وعلا: ﴿هُوَ الَّذِي يُنزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، فالقوة والعزة بالإيمان والتقوى، والانتصار والبقاء بتعظيم شعائر الله، والعلوم مهما كانت قوتها، والصناعات مهما بلغت مخترعاتها وتقنياتها فإنها لا تجلب حياة سعيدة، ولا طمأنينة منشودة، مبيناً أن الدين الإسلامي ليس ذماً للعلوم واكتشافاتها، ولا للصناعات وأدواتها، ولا للمخترعات وتطويرها، ولا تنقصاً من مكانتها وقيمتها، وإنما هو التأكيد على أنه لا بد من نور الوحي لتزكية النفوس، وهداية البشرية، واستنارة الطريق.
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الازدهار الذي أحرزته التراكمات المعرفية من بيت اللبن والطين إلى ناطحات السحاب وشاهقات المباني، وما حصل في وسائل النقل عبر التاريخ من التحول من ركوب الدواب إلى امتطاء الطائرات مرورا بالسيارات والقاطرات، وفي بريد الرسائل: من الراجل والزاجل إلى البريد الرقمي، كل ذلك على عظيم اختراعه وعلى جماله، والراحة في استعماله لكنه لم يقدم البديل عن الإيمان، وتزكية النفس واحترام الإنسان، وتأملوا ذلك -حفظكم الله- في ميدان الأخلاق، وحقوق الإنسان، وضحايا الحروب، والتشريد، والتهجير، والفقر، والتسلط، والاستبداد، واضطراب المعايير.
وأوضح فضيلته أن القوة الحقيقية هي الربط بين الإيمان والأخذ بالأسباب، وليس التعلق بالأسباب وحدها، لأن الرب سبحانه هو رب الأرباب، ومسبب الأسباب ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ومن ثم فإن صدق التوكل على الله هو المدد الحقيقي في كل مسارات الحياة ودروبها، بل التوكل عليه سبحانه هو معيار الإيمان (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ونور الوحي أعظم النور وأعلاه وأغلاه، وعلى المؤمن أن يعرف قيمته ومنزلته وقوته، ولا يستصغر نفسه أمام الماديات، أو يشعر بالحرج تجاهها.
وأبان الشيخ بن حميد أن الإيمان هو القائد للعقل، وهو الحامي للعلم، وحين ينفصل العقل عن الإيمان ينهار العمران البشري، وحين يعبث العقل بالعلم تنهار الحواجز بين الحق والباطل، والصالح والفاسد، والظلم والعدل، وتضطرب المعايير، وتتحول السياسات من سياسات مبادئ إلى سياسات مصالح، وبالعلم والإيمان يستقيم العمران، وتسير القاطرة على القضبان، والله غالب على أمره.
أخبار ذات صلة
وأفاد إمام وخطيب المسجد الحرام بأن بناء العمران وانهياره مرتبط بالإنسان، فالله سبحانه استخلف الإنسان ليقوم بعمارة الأرض، ومن ثم فإن أسباب تقدم المجتمع وتأخره تعود -بإذن الله- إلى الإنسان نفسه، فالتغيير في الخارج لا يكون إلا حين يكون التغيير في النفوس (وإِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيْرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وسنة الله أن الصالح يبقى لأن فيه نفعاً للبشرية، وغير الصالح لا يبقى لأنه لا نفع فيه، واعلموا أن الصلاح لا يكون إلا بالإيمان الصحيح، فهو الذي يطبع النفوس على الصدق، والإخلاص، والأمانة، والعفاف، ومحاسبة النفس، وضبط نوازعها، وإيثار الحق، وسعة النظر، وعلو الهمة، والكرم، والتضحية والتواضع، والاستقامة، والقناعة، والسمع والطاعة، والتزام النظام.
من جانبه، أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ المسلمين بتقوى الله تعالى، والمسارعة إلى مرضاته، مستشهداً بقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُون).
وقال: «إن من التوفيق الأعظم، والسداد الأتم، أن يحرص العبد على حفظ طاعاته لربه عز وجل، فيكون حريصًا أشد الحرص على حفظ طاعته، يجاهد نفسه على السلامة من حقوق الخلق، ويجاهدها على البعد التام عن الوقوع في ظلم المخلوقين، بأي نوع من أنواع الظلم القولية والفعلية، يقول تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)».
وأوضح فضيلته أن من أعظم البوار، وأشد الخسارة، ترك العنان للنفس في ظلمها للآخرين وانتهاك حقوقهم، قال صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا الظلم، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القيامة)، مبينًا أن أعظم ما يجب على المسلم حفظ حسناته، وصيانة دينه والحفاظ عليه، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبين).
وأكّد الدكتور آل الشيخ أن الإفلاس الحقيقي والخسارة الكبرى أن توفّق للخيرات والمسارعة للطاعات، وتأتي يوم القيامة حاملًا حقوق الناس متلبسًا بظلمهم فتلك البلية العظمى والخسارة الكبرى، مستشهدًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ من المُفْلِس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فَإِن فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) رواه مسلم.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين إلى المبادرة بأداء حقوق العباد، والتحلل منهم، وكف اللسان عن شتم الخلق، وقذفهم، وغيبتهم، والطعن في أعراضهم، محذرًا من الظلم والاعتداء على الخلق، وأكل أموالهم، والتهاون في إرجاعها، مستشهدًا بقوله تعالى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا).
وختم الخطبة مبينًا أن الواجب على كل مسلم أن يجتهد في براءة ذمته من حقوق الخلق، فقد ورد في الحديث الصحيح أن الجهاد في سبيل الله يكفر الخطايا إلا الدَّين، وأن التساهل به يورد العبد الموارد المهلكة في الدنيا والآخرة، مستشهدًا بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يُريد أداءها أدى الله عنه، ومَن أخذَ يُرِيدُ إتلافها أتْلَفَهُ الله) رواه البخاري.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

صحيفة عاجل
منذ 3 ساعات
- صحيفة عاجل
كشافة تبوك في طليعة مستقبلي ضيوف الرحمن القادمين عبر مدينة الحجاج بـحالة عمار
يواصل أفراد كشافة الإدارة العامة للتعليم بمنطقة تبوك مشاركتهم الفاعلة في استقبال حجاج بيت الله الحرام القادمين عبر مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار، ضمن الجهود المتكاملة التي تبذلها مختلف الجهات لخدمة ضيوف الرحمن. ويقدّم الكشافة في صورة وطنية تجسد معاني التطوع وروح الخدمة، عددًا من الخدمات الإرشادية والتوعوية والإنسانية، تشمل المساندة الجهات الحكومية العاملة في المدينة، وتنظيم حركة الحجاج القادمين، إضافة إلى المساعدة في نقل كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة عبر عربات خاصة، بما يعكس الصورة المشرقة لأبناء هذا الوطن، وتقديم الهدايا المخصصة. وأكد المدير العام للتعليم بمنطقة تبوك ماجد بن عبدالرحمن القعير أن مشاركة الكشافة تأتي ضمن برامج الإدارة الموسمية، وتسهم في تعزيز القيم الوطنية، وترسيخ مفاهيم العمل التطوعي لدى النشء، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تعكس روح الانتماء والولاء، وتعزز المسؤولية المجتمعية لدى الطلاب المشاركين. من جهتهم، عبّر عدد من الحجاج عن تقديرهم الكبير لما لمسوه من حفاوة الاستقبال، وحرص الكشافة على تقديم كل أشكال العون، مما أضفى طابعًا إنسانيًّا ودينيًّا عميقًا في أولى لحظات وصولهم إلى أرض المملكة. وتؤكد مشاركة كشافة تعليم تبوك عامًا بعد عام مكانتهم شركاء فاعلين في المنظومة الوطنية لخدمة الحجيج، بتوجيهات من القيادة الرشيدة -أيدها الله- التي لا تدّخر جهدًا في تسخير الطاقات لخدمة ضيوف الرحمن من مختلف بقاع الأرض.


صحيفة عاجل
منذ 5 ساعات
- صحيفة عاجل
الشؤون الإسلامية بتبوك تقدم خدمات توعوية بمدينة الحجاج بحالة عمار
يقدم فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة تبوك للحجاج القادمين عبر مدينة الحجاج بحالة عمار، لأداء مناسك الحج لهذا العام 1446هـ، جملةً من الخدمات التوعوية والإرشادية التي تُعينهم على أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة. ووزع الفرع خلال الأربعة أيام الماضية أكثر من (45660) من المواد التوعوية والإرشادية على الحجاج، تضمنت نسخة من كتيب حصن المسلم والتحقيق والإيضاح ودليل الحاج، إلى جانب توزيع عدد من البطاقات التعريفية التي تحتوي على "باركود" يتيح الوصول المباشر إلى المكتبة الإسلامية الرقمية والاستفادة من محتواها العلمي والدعوي المتنوع. وتأتي هذه الجهود ضمن منظومة متكاملة تنفذها وزارة الشؤون الإسلامية، وتهدف إلى تقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وتهيئة بيئة تنظيمية وخدمية تضمن لهم أداء مناسكهم بكل راحة وطمأنينة، تحقيقًا لتوجيهات القيادة الرشيدة -أيدها الله-، ورسالة الوزارة في العناية بضيوف الرحمن.


رواتب السعودية
منذ 5 ساعات
- رواتب السعودية
الشؤون الإسلامية بتبوك تقدم خدمات توعوية بمدينة الحجاج بحالة عمار
نشر في: 25 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي يقدم فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة تبوك للحجاج القادمين عبر مدينة الحجاج بحالة عمار، لأداء مناسك الحج لهذا العام 1446هـ، جملةً من الخدمات التوعوية والإرشادية التي تُعينهم على أداء مناسكهم بكل يسر وسهولة. ووزع الفرع خلال الأربعة أيام الماضية أكثر من (45660) من المواد التوعوية والإرشادية على الحجاج، تضمنت نسخة من كتيب حصن المسلم والتحقيق والإيضاح ودليل الحاج، إلى جانب توزيع عدد من البطاقات التعريفية التي تحتوي على ..باركود.. يتيح الوصول المباشر إلى المكتبة الإسلامية الرقمية والاستفادة من محتواها العلمي والدعوي المتنوع. وتأتي هذه الجهود ضمن منظومة متكاملة تنفذها وزارة الشؤون الإسلامية، وتهدف إلى تقديم أفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وتهيئة بيئة تنظيمية وخدمية تضمن لهم أداء مناسكهم بكل راحة وطمأنينة، تحقيقًا لتوجيهات القيادة الرشيدة ..أيدها الله..، ورسالة الوزارة في العناية بضيوف الرحمن. المصدر: عاجل