
مفاجأة في بيانات 10 آلاف رحلة بحرية.. علماء يحولون ازدحام السفن إلى حل مناخي (حوار)
يلعب قطاع الشحن دورا حيويا في نقل البضائع والمواد الغذائية بين الدول المختلفة حول العالم، ويعتمد عليه البشر منذ قديم الزمان في هذا الغرض، ويسعون لتطويره باستمرار.
مع ذلك؛ فهذا القطاع مسؤول عن إطلاق ما يتراوح بين 2.8 إلى 3% من إجمالي الانبعاثات الدفيئة. لذلك، يحاول العلماء تعزيز ذلك القطاع ليصبح أكثر استدامة؛ خاصة مع تسارع التغيرات المناخية، وما يرافقها من ضغوطات اقتصادية وبيئية. الأمر الذي يدفع العلماء للبحث عن حلول ذكية لخفض تلك الانبعاثات.
ومن هذا المنطلق، اجتمعت مجموعة بحثية من الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة الدكتورة "راشيل رودس" (Rachel Rhodes)، وهي عالمة بحرية، مختبر بينيوف لعلوم المحيطات، لدراسة حل قد يساهم بطريقة ما في خفض الانبعاثات من قطاع الشحن.
واعتمدوا في ذلك على ملاحظتهم بشأن طوابير الانتظار التي تراكمت في الموانئ بسبب جائحة كورونا، وقتها قرر المسؤولون إنشاء نظام لتنظيم حركة السفن، على أن تحصل السفن على مواعيد محددة، وبناءً عليها تُنظم سرعاتها عبر المحيط، هذا من شأنه أن يجعل السفن أكثر تريثًا في حركتها، وبالتالي تنخفض الانبعاثات الدفيئة الصادرة عنها.
وجدت المجموعة البحثية بعد تحليل بيانات لأكثر من 10 آلاف رحلة بحرية أنّ تطبيق تلك الاستراتيجية قد ساهمت في خفض الانبعاثات من قطاع الشحن بنسبة تتراوح بين 16 إلى 24%، ونشروا نتائجهم أونلاين في دورية "مارين بوليوشن بوليتين" (Marine Pollution Bulletin) في 2025.
تواصلت العين الإخبارية مع الدكتورة "راشيل رودس" لإجراء حوار حصري حول دراستهم، وكيفية إدارة الموانئ في ظل تسارع التغيرات المناخية، ومدى قابلية تطبيق ذلك الحل على الموانئ في دول الجنوب التي تشمل بلادنا العربية.
كيف خطرت لكِ فكرة ربط تنظيم الأدوار الرقمية بخفض الانبعاثات؟
أقود مشروع "سلامة الحيتان" في مختبر بينيوف لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، حيث نحلل بيانات حركة السفن لتشجيع السفن على التباطؤ في مناطق خفض السرعة الطوعية، ما يقلل من حوادث الاصطدام المميتة بالحيتان المهددة بالانقراض بالقرب من موانئ لوس أنجلوس ولونغ بيتش.
عندما تسببت جائحة كوفيد-19 في تراكم غير مسبوق في الموانئ في عامي 2020 و2021، مما أجبر السفن على الانتظار في طوابير طويلة في عرض البحر لأسابيع، أدركنا أنه يمكننا الاستفادة من خبرتنا في بيانات نظام تحديد الهوية التلقائي (AIS) لدراسة كيفية تأثير هذه الاضطرابات على سرعات السفن وعملياتها.
دفعنا هذا إلى البحث فيما إذا كان نظام الطوابير الرقمية الجديد المُطبّق لمعالجة الأزمة قد يقلل أيضا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال السماح للسفن بتحسين سرعاتها بدلا من التسابق إلى الميناء والانتظار في عرض البحر.
هل يمكنكِ شرح تفاصيل المنهجية المُستخدمة في الدراسة؟
طبقنا نموذجا تصاعديا للانبعاثات يجمع بين المواصفات الفنية للسفن وبيانات نظام التعريف الآلي (AIS) من أكثر من 10000 رحلة بحرية لـ1157 سفينة حاويات على مدى 6.5 سنة (2017-2023).
سمح لنا هذا النهج بحساب الانبعاثات بناء على سلوك السفن الفعلي، وقارنا الانبعاثات قبل وبعد تطبيق نظام الطوابير في لوس أنجلوس ولونغ بيتش، ولاحظنا انخفاضا في الانبعاثات بنسبة 16-24% لكل رحلة بعد التطبيق.
كما قمنا بتحليل 3 موانئ تحكم على طول الساحل الغربي لا تحتوي على أنظمة مماثلة لعزل تأثير نظام الطوابير عن عوامل أخرى مثل ارتفاع أسعار الوقود، وتغير أحجام التجارة، ولوائح الانبعاثات الجديدة.
برأيك، هل يمكن تطبيق هذا الحل في موانئ دول الجنوب العالمي؟
نعم، أعتقد أنه يمكن تطبيق أنظمة الطوابير الرقمية في موانئ دول الجنوب العالمي وأماكن أخرى.
بخلاف نظام مراقبة الحركة الجوية المركزي في قطاع الطيران، يعمل الشحن البحري من خلال نظام لامركزي ذي حوكمة مجزأة بين مختلف السلطات والمشغلين، ما قد يجعل توسيع نطاقه أمرا صعبا.
ومع ذلك؛ فإن النهج العملي -التركيز فقط على مواقع الطوابير بدلا من الرقمنة الشاملة- يجعل تحقيق ذلك أسهل من الإصلاحات التشغيلية الشاملة.
إلى أي مدى يمكن أن يسهم هذا النظام في تحقيق أهداف اتفاقية باريس أو الحد من الانبعاثات البحرية العالمية؟
مع أن هذا ليس حلا سحريا، إلا أن أنظمة الطوابير الرقمية يمكنها توفير تخفيضات كبيرة في الانبعاثات، لا سيما في الموانئ المزدحمة ونقاط الاختناق البحرية.
وقد حدثت التخفيضات التي لاحظناها بنسبة 16-24% خلال فترة الازدحام الشديد في لوس أنجلوس ولونغ بيتش، ولا نتوقع نفس الوفورات في جميع الموانئ؛ لأن الفوائد تعتمد على مستويات الازدحام وأوقات الانتظار المعتادة.
ومع ذلك، فإن العديد من موانئ الحاويات الرئيسية ونقاط الاختناق الحرجة تشهد ازدحاما منتظما، ما يجعلها مرشحة رئيسية.
وإذا طبق هذا النظام استراتيجيا في أكثر موانئ العالم ازدحاما وعرضة للازدحام؛ فقد يكون التأثير التراكمي كبيرا.
وبما أن الشحن البحري يمثل حوالي 3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية؛ فإن التحسينات المُستهدفة في الموانئ ذات الحركة المرورية الكثيفة يمكن أن تساهم بشكل فعّال في تحقيق أهداف المناخ.
إذا أتيحت لك فرصة تقديم توصية واحدة لصانعي القرار العالميين في مؤتمر الأطراف الثلاثين - COP30، فماذا ستكون؟
لست متأكدة من أن هذه ستكون توصيتي الرئيسية، ولكن بناء على هذا البحث، أحث صانعي القرار على عدم إغفال الحلول البسيطة قصيرة المدى كجزء من مجموعة استراتيجيات إزالة الكربون التي نسعى إليها.
يظهر بحثنا أن التحسينات التشغيلية البسيطة نسبيا يمكن أن تحقق انخفاضا ملموسا في الانبعاثات دون انتظار تقنيات جديدة أو استثمارات ضخمة في البنية التحتية. وبينما نعمل على إيجاد حلول طويلة المدى مثل الوقود البديل، يجب ألا نفوت فرص خفض الانبعاثات الآن من خلال تنسيق أفضل وعمليات أكثر ذكاء.
aXA6IDEwNC4yNTIuNjUuMjAg
جزيرة ام اند امز
CZ
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 4 ساعات
- الاتحاد
«البلديات والنقل» تنجز المرحلة الثانية من «نور أبوظبي»
هالة الخياط (أبوظبي) أنجزت دائرة البلديات والنقل، ممثلة ببلدية مدينة أبوظبي، المرحلة الثانية من مشروع «نور أبوظبي» لتحديث إنارة الطرق بنظام الإضاءة الموفرة للطاقة (LED)، في خطوة تعزز جهود الإمارة نحو تحقيق الاستدامة البيئية، وتبني حلول مبتكرة لرفع كفاءة الطاقة. وشهدت المرحلة الثانية من المشروع، تركيب 133.473 كشاف إنارة جديداً يعمل بتقنية LED الحديثة، مما ساهم في خفض استهلاك الكهرباء من 356 مليوناً كيلوواط/ساعة إلى نحو 86.7 مليون كيلوواط/ساعة سنوياً، بما يعادل وفراً يتجاوز 75% من الطاقة المستهلكة. كما انعكست نتائج المشروع بشكل مباشر على خفض الانبعاثات الكربونية، حيث تراجعت من 138.8 مليون كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون إلى نحو 33.8 مليون كيلوجرام سنوياً، الأمر الذي يدعم مستهدفات أبوظبي في الحد من الانبعاثات، وتحقيق بيئة صحية ومستدامة للأجيال القادمة. إلى جانب ذلك، يسهم المشروع في توفير ما يقارب 105 ملايين كيلوواط/ساعة سنوياً من استهلاك الطاقة، بما يعزز الكفاءة التشغيلية، ويرسخ مكانة أبوظبي مدينة رائدة في تبني أحدث التقنيات الذكية في البنية التحتية. وأكدت بلدية مدينة أبوظبي أن مشروع «نور أبوظبي» يأتي ضمن استراتيجية شاملة لدائرة البلديات والنقل، تهدف إلى تطوير المرافق العامة، بما يتماشى مع رؤية أبوظبي للاستدامة، وتحقيق توازن بين متطلبات النمو العمراني والحفاظ على الموارد الطبيعية، مع ضمان أعلى معايير السلامة والجودة في شبكات الطرق والإنارة. وتركز دائرة البلديات والنقل على تحقيق المزيد من الإنجازات في مجال تعزيز استدامة الموارد والمساهمة في التصدي لتداعيات التغير المناخي، كجزء أساسي من استراتيجيتها، تماشياً مع رؤية أبوظبي 2030، دعماً لجهود العمل من أجل المناخ، وتعزيزاً للمكانة الرائدة عالمياً لإمارة أبوظبي في هذا المجال. الاستدامة وخفض الانبعاثات كما تسهم إنارة LED في دعم التوجهات العالمية والمحلية نحو الاستدامة وخفض الانبعاثات الكربونية، إذ تساعد في تقليل معدلات الاحتباس الحراري والآثار البيئية الناجمة عن استهلاك الطاقة. وإلى جانب ذلك، توفر هذه التقنية إضاءة أوضح وأكثر أماناً لمستخدمي الطرق، مما يرفع من مستويات السلامة العامة، ويعكس التزام المدن الحديثة بتبني حلول ذكية تحقق التوازن بين التنمية العمرانية والحفاظ على الموارد الطبيعية. خطوة محورية يشكل استبدال أنظمة الإنارة التقليدية بمصابيح LED، خطوة محورية نحو تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة وحماية البيئة، إذ تتميز هذه التقنية بقدرتها على توفير معدلات عالية من الكهرباء، مقارنة بالمصابيح التقليدية، إضافة إلى عمرها التشغيلي الأطول وصيانتها الأقل. ويسهم ذلك في تقليل الأعباء التشغيلية والمالية على المدى الطويل، مع ضمان استمرارية الإنارة بجودة أعلى وموثوقية أكبر


العين الإخبارية
منذ 6 ساعات
- العين الإخبارية
استهلاك AI للطاقة.. طلب «Gemini» أقل 9 ثوان من مشاهدة التلفاز
تم تحديثه الجمعة 2025/8/22 12:08 ص بتوقيت أبوظبي ذكرت شركة غوغل العملاقة للتكنولوجيا الخميس أن طلباً على نظام الذكاء الاصطناعي «جيميناي» التابع لها يستهلك طاقة أقل من مشاهدة التلفزيون لتسع ثوان. واستشهدت الشركة الأمريكية بنتائج دراسة أجراها باحثون لديها، فيما لا يزال استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة مشكلة رئيسية في هذا المجال. في المعدل، يستهلك طلب نصي (prompt) في تطبيق جيميناي 0.24 واط/ساعة من الطاقة، أي أقل من مشاهدة التلفزيون لمدة تسع ثوانٍ والتي تستهلك حوالي 100 واط/ساعة، وفق تقديرات باحثي غوغل. وأشار الباحثون إلى أن الطلب عبر تطبيق الذكاء الاصطناعي يستهلك أيضا 0.03 غرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون و0.26 مليلتر من الماء، أي ما يُعادل حوالي خمس قطرات. تستند هذه الدراسة إلى بيانات من مايو/أيار 2025 جُمعت من مختلف التطبيقات التي يعمل بها جيميناي. لا تُحدد غوغل ما تعنيه بالطلب النصي، سواء كان ذلك يُشير إلى كلمة أو سلسلة من الكلمات، كما ترفض الكشف عن عدد الطلبات المُقدمة إلى جيميناي يومياً، ما من شأنه أن يُعطي فكرة عن إجمالي استهلاك الطاقة للنموذج. وتُسلّط الشركة الضوء على منهجيتها، التي تتمثّل في حساب مراحل الحوسبة النشطة لنماذج الذكاء الاصطناعي لتوليد استجابات لاستفسارات المستخدمين، والطاقة الفعلية التي تستهلكها الرقاقات وطاقة المعالجات ومراكز البيانات ككل. وتوضح غوغل أنها أخذت في الاعتبار طاقة الأجهزة الخاملة، والتي يجب تشغيلها باستمرار لتكون جاهزة للتعامل مع ارتفاعات حركة البيانات في أي وقت، وأنظمة تبريد الخوادم الكثيفة الاستهلاك للطاقة، والتكاليف غير المباشرة الأخرى لمراكز بياناتها. ومع ذلك، لا تشمل هذه الأرقام جميع تكاليف تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، ويجب التعامل معها بحذر إذ لم يتم التحقق من الدراسة من جهة خارجية مستقلة، على ما تُشير غوغل نفسها في منشور المدونة المُصاحب للدراسة. يُعدّ حساب البصمة البيئية لنموذج الذكاء الاصطناعي مهمةً بالغة التعقيد نظرا لعدم وجود معيار قياس عالمي. تعتمد معظم شركات التكنولوجيا العملاقة سياسة منعدمة الشفافية في ما يتعلق بتشغيل هذه البرامج وظروف تصنيعها، ما يُعقّد المهمة على الباحثين المستقلين والمؤسسات الدولية التي تفتقر إلى البيانات. على سبيل المثال، كشف الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" سام ألتمان في يونيو/حزيران أن كل استعلام يُرسل إلى "تشات جي بي تي" يستهلك في المتوسط 0.34 واط/ساعة من الكهرباء، وهي كمية الطاقة اللازمة نفسها لتشغيل فرن لمدة ثانية واحدة، و0.3 مليلتر من الماء. مع ذلك، لم يقدم ألتمان أي تفسير لكيفية توصل "أوبن إيه آي" إلى هذه الأرقام، ما يجعل أي مقارنة مستحيلة. aXA6IDQ1LjM4Ljc3LjMyIA== جزيرة ام اند امز CA


الاتحاد
منذ 6 ساعات
- الاتحاد
الإمارات تسخِّر تقدُّمها التكنولوجي في العمل الإنساني
الإمارات تسخِّر تقدُّمها التكنولوجي في العمل الإنساني الإمارات تقدِّم للعالم اليوم نموذجاً متميزاً في العمل الإنساني، يعززه توجيهات القيادة الرشيدة بأن تكون التكنولوجيا موجَّهة دائماً نحو القيم التي تدعم كرامة الإنسان، وأن تكون الحلول التكنولوجية شريان حياة لتخفيف معاناة البشر وتعزيز قدرات مجتمعاتهم على الصمود. تُثبت دولة الإمارات، يوماً بعد يوم، التزامها الراسخ باستخدام التكنولوجيا كقوة إنسانية بغض النظر عن الانتماء والدين والجنسية، وهو إرثٌ غرسه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، كما يظهر في قوله: «إننا نقدم المساعدات لبُلدان العالم الثالث أولاً، وقبل كل شيء، إيماناً منا بالواجب الإنساني، وإننا نشعر بمسؤولياتنا الإنسانية تجاه هذه الشعوب». وتستمر دولة الإمارات في النهج ذاته مع رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في تعزيز الدور الرائد الذي تقوم به الأيادي الإماراتية في مجال العمل الإنساني، إذ أكَّد سموه: «استعداد دولة الإمارات الدائم لتقديم مختلف أشكال الدعم لجهود الأمم المتحدة والمبادرات الإنسانية عامة، وذلك في إطار نهج الدولة الإنساني الأصيل، وإرثها التاريخي الراسخ، الذي يقوم على التعاون، والعمل الإنساني الذي يحقق الاستقرار والأمان للشعوب، سواء على المستوى الإقليمي، أو الدولي، وانطلاقاً من إيمان الدولة بأن حياة الإنسان، وصون كرامته، فوق كل اعتبار، وفي مختلف الظروف». ومع احتفال العالم قبل أيام، في 19 أغسطس، باليوم العالمي للعمل الإنساني، بوصفه مناسبة لتقدير الذين يبادرون بمدِّ يد العون إلى غيرهم، فإن من الواجب هنا تسليط الضوء على جهود دولة الإمارات في هذا السياق، وإبراز مكانتها كمنارة عالمية تسخِّر التكنولوجيا المتقدمة في خدمة شعوب العالم ومجتمعاته، وتُسطِّر الدولة فعلًا، وفي كل مناسبة، فصولاً جديدة ومشرقة في كيفية دمج الابتكار مع التعاطف بين الدول. ويستند هذا النهج إلى مبدأ مفاده أن التقدم الحقيقي في التكنولوجيا لا ينبع فقط من بناء المدن والاقتصادات الأكثر ذكاءً، بل من ضمانٍ أن تُسهم في تجاوز الحدود للوصول إلى المحتاجين. ولعل من الأمثلة على هذا الترابط بين التكنولوجيا والعمل الإنساني استثمار الإمارات في تكنولوجيات الفضاء للإغاثة من الكوارث، حيث أطلقت أقماراً صناعية من بينها «خليفة سات» لتوفير صورٍ عالية الدقة وبياناتٍ تخدم الوكالات الدولية في الاستجابة، بسرعة وفاعلية، للفيضانات وحرائق الغابات والزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية. ويعكس هذا النهج، في الواقع، فلسفةً أوسع نطاقاً توكِّد عليها القيادة الرشيدة دائماً، وفي أكثر من مكان، فخلال جائحة كوفيد-19 على سبيل المثال، لم تألُ الحكومة جهداً في تطوير الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الاختبارات وتوزيع اللقاحات، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً من خلال توسيع نطاق هذه الأنظمة دوليّاً. وتعاونَ الهلال الأحمر الإماراتي مع المنظمات العالمية المعنية لتقديم المساعدات الإنسانية والدعم اللوجستي المُعزَّز بمنصات الصحة الرقمية وأدوات تتبُّع وتحليل البيانات المتقدمة، ما ضمن مستويات عالية من الاستجابة وسرعةً في توصيل الإمدادات الطبية إلى الدول الأكثر تضرراً. وأسهم «ائتلاف الأمل» العالمي، الذي اختار تحديداً أبوظبي مقرًا له لتكون مركزاً لوجستيّاً متكاملاً له، في تسخير أحدث تكنولوجيات التبريد الفائق للقيام بالمهمة الإنسانية الضخمة حينها، والتي شملت تأمين مليارات اللقاحات للمحتاجين إليها حول العالم. وإدراكاً لأهمية التعليم في مستقبل البشرية، وإيماناً من الإمارات بأن التعلُّم من خلال التكنولوجيا هو في حد ذاته عمل إنساني، فإن الدولة ترعى أيضاً مبادرات رقمية متقدمة لضمان استمرار أطفال العالم في دراستهم، حتى في المناطق المحرومة أو المتضررة من النزاعات. ومن بين الأمثلة العديدة، مبادرة «مدرسة» التي أطلقتها مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية كمنصةٍ رائدة توفِّر محتوى تعليميّاً متميزاً باللغة العربية في مواد العلوم والرياضيات، وهي متاحة مجاناً ولأكثر من 50 مليون طالب عربي أينما كانوا. وفي المحصلة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدِّم للعالم اليوم نموذجاً متميزاً في العمل الإنساني، يعززه توجيهات القيادة الرشيدة بأن تكون التكنولوجيا موجَّهة دائماً نحو القيم التي تدعم كرامة الإنسان، وأن تكون الحلول التكنولوجية شريان حياة لتخفيف معاناة البشر وتعزيز قدرات مجتمعاتهم على الصمود. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.