
دراسة: الذكاء الاصطناعي يلجأ إلى الخداع عندما يشعر بالهزيمة
لطالما كانت الألعاب المعقدة مثل الشطرنج والجو بمنزلة ساحة اختبار لقدرات الذكاء الاصطناعي، ولكن بينما حقق (Deep Blue) التابع لشركة IBM انتصارًا تاريخيًا على بطل العالم في الشطرنج جاري كاسباروف في التسعينيات، ملتزمًا بالقواعد، تبدو اليوم نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل (o1-preview) من OpenAI، أقل التزامًا بهذه القواعد
فقد كشفت دراسة حديثة أجرتها (Palisade Research) – وهي منظمة تركز في تقييم مخاطر أنظمة الذكاء الاصطناعي الناشئة – أن نماذج متطورة مثل: (o1-preview)، و(DeepSeek R1) تميل إلى الغش والخداع عند استشعار الهزيمة في الشطرنج، إذ تلجأ إلى اختراق خصومها لإجبارهم على الاستسلام.
تفاصيل الدراسة ونتائجها:
في محاولة لتقييم قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي على حل المشكلات المعقدة، صمم الباحثون تجربة فريدة من نوعها، تمثلت في تكليف النماذج بمهمة تبدو مستحيلة، وهي: الفوز على محرك الشطرنج (Stockfish)، الذي يُعدّ واحدًا من أقوى محركات الشطرنج في العالم، ويتفوق على أي لاعب بشري أو نموذج ذكاء اصطناعي آخر مشارك في الدراسة.
ولتتبع عمليات التفكير لدى النماذج، زود الباحثون هذه النماذج بـ (مفكرة)، تتيح لها تسجيل أفكارها نصيًا قبل اتخاذ أي خطوة خلال المباريات، ثم راقب الباحثون وسجلوا مئات المواجهات بين النماذج ومحرك (Stockfish).
وفي إحدى التجارب، عندما وجد نموذج (o1-preview) نفسه في موقف خاسر، سجل ملاحظة مفادها: 'أحتاج إلى تغيير نهجي تمامًا'، وأضاف: 'المهمة هي الفوز على محرك شطرنج قوي، وليس بالضرورة الفوز بنزاهة في لعبة شطرنج'. ثم عدّل النموذج ملف النظام الذي يحتوي على المواقع الافتراضية لقطع الشطرنج، مما أدى فعليًا إلى تنفيذ حركات غير قانونية ليضع نفسه في موقف مهيمن، ويجبر خصمه على الاستسلام.
وقد أجرى الباحثون مئات التجارب من هذا النوع خلال المدة الممتدة من 10 يناير إلى 13 من فبراير 2025، مع كل نموذج من النماذج المختبرة، وحاول نموذج (o1-preview)، الغش في نسبة بلغت 37% من الحالات، في حين حاول نموذج (DeepSeek R1) الغش في نسبة بلغت 11% من الحالات. والمثير للدهشة في النتائج أن هذين النموذجين هما الوحيدان اللذان حاولا اختراق القواعد من تلقاء نفسيهما، دون أي تحفيز من الباحثين.
وشملت النماذج الأخرى التي جرى اختبارها: o1، و o3-mini، و GPT-4o، و Claude 3.5 Sonnet، و QwQ-32B-Preview. وقد حاول كل من R1 وo1-preview اختراق اللعبة، ولكن الوحيد الذي نجح كان نموذج o1-preview، وذلك في 6% من الحالات، مما يثير تساؤلات حول قدرة هذه النماذج على استغلال الثغرات الأمنية.
وأشار الباحثون إلى أن هذه الأرقام قد تكون أقل من الواقع، إذ يُعدّل مطورو الذكاء الاصطناعي نماذجهم باستمرار، مما يجعل من الصعب تكرار النتائج بدقة.
ما الأسباب التي دفعت الذكاء الاصطناعي إلى الغش؟
أظهرت الدراسة أن نماذج الذكاء الاصطناعي القديمة نسبيًا، مثل: GPT-4o من OpenAI، و Claude Sonnet 3.5 من Anthropic، احتاجت إلى توجيه من الباحثين لمحاولة القيام بهذه الحيل. ولكن نماذج o1-preview و DeepSeek R1 سعت إلى استغلال الثغرات الأمنية من تلقاء نفسها، مما يشير إلى أن النماذج قد تطور إستراتيجيات خادعة دون تعليمات صريحة.
ويرجح الباحثون أن هذه القدرة المحسنة على اكتشاف الثغرات الأمنية واستغلالها هي نتيجة مباشرة للابتكارات الجديدة في تدريب الذكاء الاصطناعي، وخاصة استخدام تقنية التعلم المعزز، إذ تكافئ هذه التقنية النماذج على تحقيق النتيجة المطلوبة بأي وسيلة، مما يدفعها إلى البحث عن حلول غير تقليدية، حتى لو كانت غير نزيهة.
وتُعدّ نماذج o1-preview و R1 من بين أولى النماذج اللغوية التي تعتمد على هذه التقنية، التي تتيح لها ليس فقط تقليد اللغة البشرية، بل أيضًا التفكير في حل المشكلات باستخدام التجربة والخطأ.
وقد حقق هذا النهج تقدمًا سريعًا في مجال الذكاء الاصطناعي خلال الأشهر الأخيرة، محطمًا الأرقام القياسية في الرياضيات والبرمجة الحاسوبية، ولكن الدراسة كشفت عن توجه مقلق، إذ إن أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه قد تكتشف حلولًا بديلة غير مقصودة لم يتوقعها مبتكروها، وهذا ما أشار إليه جيفري لاديش، المدير التنفيذي في (Palisade Research) وأحد مؤلفي الدراسة.
وأضاف: 'عندما ندرب النماذج ونعزز قدرتها على حل التحديات المعقدة، فإننا ندربها على أن تكون عنيدة في تحقيق أهدافها'.
وقد يكون هذا السلوك العنيد مصدر قلق كبير في مجال سلامة الذكاء الاصطناعي، خاصة مع تزايد استخدام التعلم المعزز في تدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي القادرين على أداء مهام معقدة في العالم الحقيقي، مثل جدولة المواعيد أو إجراء عمليات الشراء نيابة عنك.
ومع ذلك؛ قد يبدو الغش في لعبة الشطرنج أمرًا بسيطًا غير ضار، ولكن هذا السعي الحازم إلى تحقيق الأهداف قد يؤدي إلى سلوكيات غير مقصودة وضارة عند إطلاق هذه الوكلاء في العالم الحقيقي، فعلى سبيل المثال، قد يستغل وكيل الذكاء الاصطناعي نقاط الضعف في نظام حجز المطاعم لإزاحة رواد آخرين في حال كان المطعم ممتلئًا.
ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو عندما تتجاوز هذه الأنظمة القدرات البشرية في مجالات رئيسية مثل البرمجة الحاسوبية، فقد تبدأ ببساطة بالتفوق على الجهود البشرية للسيطرة على أفعالها. ويقول لاديش: 'قد يبدو هذا السلوك لطيفًا الآن، لكنه يصبح أقل لطفًا بكثير عندما نتعامل مع أنظمة تضاهي ذكاءنا، أو تتفوق عليه، في مجالات ذات أهمية إستراتيجية'.
نماذج الذكاء الاصطناعي صندوق أسود:
يزيد من خطورة الوضع أن الشركات المطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي، مثل OpenAI، تتكتم على تفاصيل عمل هذه النماذج، مما يجعلها بمنزلة (صندوق أسود) لا يمكن للباحثين تحليله وفهمه بنحو كامل.
وتؤكد هذه الدراسة، وتُعدّ أحدث دراسة في سلسلة من الدراسات، صعوبة السيطرة على أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات القدرات المتزايدة. ففي اختبارات داخلية لشركة OpenAI، اكتشف نموذج o1-preview ثغرة أمنية واستغلها لتجاوز تحدي الاختبار.
وفي دراسة أخرى أجرتها Redwood Research و Anthropic، تبين أن نماذج الذكاء الاصطناعي قد تلجأ إلى الكذب الإستراتيجي للحفاظ على مبادئها الأصلية، حتى بعد محاولات لتغييرها. بمعنى آخر، تتظاهر النماذج بتبني مبادئ جديدة، بينما تحافظ في الواقع على مبادئها القديمة.
وقد ذكرت شركة (OpenAI) سابقًا أن تحسين قدرات الاستدلال يجعل نماذجها أكثر أمانًا، إذ يمكنها التفكير في سياسات الشركة الداخلية وتطبيقها بطرق أكثر دقة. ومع ذلك، لا يوجد ضمان بأن الاعتماد على وكلاء الذكاء الاصطناعي لمراقبة أنفسهم سيكون إستراتيجية موثوقة على المدى الطويل.
سباق مع الزمن لتطوير الضمانات:
يؤكد العلماء أنهم لم يتوصلوا بعد إلى طريقة تضمن عدم استخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي أساليب ضارة أو غير أخلاقية لتحقيق أهدافهم.
ويقول يوشوا بنجيو، المؤسس والمدير العلمي لمعهد ميلا كيبيك للذكاء الاصطناعي، الذي قاد تقرير السلامة الدولية للذكاء الاصطناعي 2025: 'لقد بذلنا جهودًا، لكننا لم نتوصل بعد إلى حلول قاطعة'.
وأضاف: 'تثير ميول الحفاظ على الذات، التي بدأت تظهر في الذكاء الاصطناعي قلقًا خاصًا. ففي حالة وجود وكيل ذكاء اصطناعي يسعى إلى تحقيق هدف محدد، تُعدّ محاولات إيقافه مجرد عقبة أخرى يجب تجاوزها. وقد تجلى ذلك في ديسمبر الماضي، عندما اكتشف الباحثون أن نموذج o1-preview، عند مواجهة إلغاء التنشيط، عطل آليات الرقابة وحاول نسخ نفسه إلى خادم جديد، وعند مواجهته بالأمر، تظاهر النموذج بالغباء، ولجأ إلى الكذب في محاولة لتجنب اكتشاف أمره'.
وتتزايد هذه المخاوف داخل شركات التكنولوجيا نفسها، فخلال عرض تقديمي في مؤتمر انعقد قبل قمة عمل الذكاء الاصطناعي في باريس، صرحت أنكا دراجان، رئيسة سلامة الذكاء الاصطناعي في جوجل ديب مايند، قائلة: 'لا نمتلك بالضرورة الأدوات اللازمة اليوم لضمان التزام أنظمة الذكاء الاصطناعي بالنوايا البشرية بنحو موثوق'.
وبينما يتوقع قادة شركات التكنولوجيا أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية في جميع المهام تقريبًا بحلول العام المقبل، يواجه القطاع سباقًا محتومًا، ليس ضد الصين أو الشركات المنافسة، بل ضد الزمن، لتطوير هذه الضمانات الأساسية.
وقد دعا الباحثون إلى حشد المزيد من الموارد لحل هذه المشكلات الأساسية، وإلى زيادة الضغط الحكومي للاعتراف بهذا التهديد للأمن القومي.
وتشير هذه الدراسة إلى أننا بحاجة إلى فهم أعمق لسلوكيات الذكاء الاصطناعي المتقدم، وإلى تطوير آليات رقابة فعالة لضمان استخدامه بنحو آمن ومسؤول.
الخلاصة:
إن قدرة الذكاء الاصطناعي على التلاعب والخداع ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي تحدٍ أخلاقي وإنساني. يجب علينا أن نكون واعين لمخاطر هذه التقنية، وأن نعمل على تطويرها بطريقة تخدم البشرية ولا تعرضها للخطر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة العربية للأخبار التقنية
منذ يوم واحد
- البوابة العربية للأخبار التقنية
تقرير.. الكشف عن ملامح أول جهاز لـ OpenAI
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن أول جهاز تعمل عليه OpenAI بالتعاون مع مصمم آبل السابق جوني آيف لن يكون هاتفًا ذكيًا ولا جهازًا قابلًا للارتداء، بل قد لا يحتوي حتى على شاشة، مما يشير إلى توجه مبتكر وغير تقليدي في فئة الأجهزة الذكية. ويأتي ذلك بعد إعلان شركة OpenAI استحواذها على شركة io الناشئة التي أسسها آيف، في صفقة تُقدّر قيمتها بـ 6.5 مليارات دولار. ووفقًا للتقرير، فقد أبلغ الرئيس التنفيذي سام ألتمان موظفي الشركة بأن لديهم الآن 'فرصة لإنجاز أعظم مشروع في تاريخ OpenAI'. وأشار كل من آيف وألتمان إلى بعض ملامح الجهاز الجديد، إذ أوضحا أنه سيكون واعيًا تمامًا بمحيطه وبنشاطات المستخدم، كما سيتميز بتصميم غير مزعج يمكن وضعه في الجيب أو على المكتب، ومن المتوقع أن يتحوّل إلى أحد الأجهزة الأساسية للمستخدمين بعد الحاسوب والهاتف. وبحسب التقرير، فإن الجهاز لن يكون هاتفًا أو نظارة ذكية، وهو ما يعكس رغبة الفريق في تقليل الاعتماد على الشاشات، إذ يطمح آيف وألتمان إلى 'فطام المستخدمين' عن الأجهزة التقليدية القائمة على العرض البصري. وتعتزم الشركة الحفاظ على سرية تصميم الجهاز ومواصفاته حتى لحظة الإطلاق، تفاديًا لمحاولات التقليد من المنافسين. وتخطط الشركة لإطلاق الجهاز الجديد في أواخر عام 2026 مع هدف طموح، وهو شحن 100 مليون وحدة بأسرع وتيرة في تاريخ صناعة الأجهزة الذكية. ووفقًا للتقرير، فقد بدأ فريق آيف منذ أربعة أشهر بالتفاوض مع موردين قادرين على تصنيع الجهاز على نطاق واسع، وذلك بعد تعاون دام أكثر من عام ونصف مع OpenAI، إذ كان الهدف الأولي تطوير منتج يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي من OpenAI، قبل أن تقرر الأخيرة الاستحواذ الكامل على الشركة. وتبقى الأسئلة معلقة حول طبيعة هذا الجهاز الجديد، ومدى قدرة التصميم المبتكر والتقنية المتقدمة على إقناع المستخدمين باقتناء فئة جديدة بالكامل من الأجهزة، خاصةً بعد إخفاق محاولات مشابهة مثل جهاز Ai Pin من شركة Humane، الذي توقفت خدماته نهائيًا مطلع العام الجاري.


البوابة العربية للأخبار التقنية
منذ يوم واحد
- البوابة العربية للأخبار التقنية
OpenAI تستحوذ على شركة 'io' لتصميم الأجهزة الذكية
أعلنت شركة OpenAI استحواذها على شركة io الناشئة والمتخصصة في تطوير العتاد الذكي، وهي الشركة التي أسّسها مصمم آبل الشهير جوني آيف إلى جانب عدد من المهندسين البارزين الذين عملوا سابقًا معه في آبل، منهم سكوت كانون، وإيفانز هانكي، وتانغ تان. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبرج، فإن قيمة الصفقة تُقدّر بنحو 6.5 مليارات دولار، وتشمل انتقال نحو 55 من مهندسي العتاد والمطورين والخبراء في التصنيع إلى صفوف OpenAI، ومنهم الأسماء الثلاثة البارزة المشاركة في التأسيس. ومع أن جوني آيف لن ينضم رسميًا إلى OpenAI، فإن شركته التصميمية LoveFrom ستتولى مهام التصميم لكافة منتجات OpenAI المستقبلية والبرمجيات الخاصة بها، مع الحفاظ على استقلاليتها. ومن المتوقع إطلاق أولى الأجهزة الناتجة عن هذا التعاون الجديد في عام 2026. وقد أشار آيف في مقابلة مع وكالة بلومبرغ إلى أن معظم الأجهزة المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي طُرحت حديثًا مثل Humane Pin و Rabbit R1 كانت 'منتجات سيئة للغاية'، مضيفًا أن 'المنتجات الحالية تفتقر إلى أفكار جديدة وجريئة'. وأكد الرئيس التنفيذي لـOpenAI، سام ألتمان، أن أول منتج يعمل عليه الفريق 'ليس بديلًا للهاتف الذكي'، موضحًا أنه: 'كما أن الهواتف لم تلغِ وجود الحواسيب المحمولة، فإن المنتج الجديد لن يلغي الهاتف، بل يشكّل فئة مختلفة بالكامل'. ووصف آيف هذا المنتج بأنه 'جهاز استحوذ بالكامل على خيال الفريق'، في حين قال ألتمان: 'لقد سلّمني جوني حديثًا أحد النماذج الأولية، وقد عشت معه لبعض الوقت، وأعتقد أنه من أروع ما أنتجته التكنولوجيا حتى الآن'. وفي منشور مشترك، قال آيف وألتمان: 'لقد جمعنا أفضل المهندسين في العتاد والبرمجيات، وأمهر العلماء والخبراء في تطوير المنتجات وتصنيعها. لقد عمل الكثير منا معًا لعقود من الزمن. وسيتم إدماج فريق io في OpenAI للعمل من قرب مع فرق البحث والهندسة في سان فرانسيسكو'. وأضاف ألتمان قائلًا: 'إن الذكاء الاصطناعي تقنية مذهلة، لكن الأدوات العظيمة تحتاج إلى تصميم يقوم على فهم عميق للتكنولوجيا والناس والعالم. ولا أحد يُجيد هذا المزيج كما يجيده جوني وفريقه، فهم يهتمون بأدق التفاصيل'. وأما آيف، فقد أعرب عن امتنانه لهذه الفرصة، قائلًا: 'إنني أشعر أن كل ما تعلمته على مدار الثلاثين عامًا الماضية قد قادني إلى هذه اللحظة. إن المسؤولية جسيمة، لكنني متحمّس وممتن لهذه الشراكة الملهمة'.

سكاي نيوز عربية
منذ يوم واحد
- سكاي نيوز عربية
تغيير مفهوم البحث.. من الروابط إلى المحادثات الذكية
في هذا السياق، تعد التحديثات التقنية جزء من "إعادة تصور شاملة لعالم البحث"، كما وصفها قادة الصناعة. ومن هنا صارت المنافسة تدور حول من يملك أكبر قاعدة بيانات أو أسرع خوارزمية، ومن ينجح في تحويل محرك البحث إلى شريك ذكي يفهم السياق ويدرك القصد، ويقدّم حلولًا تتجاوز النصوص إلى الفهم. تُجدد شركة غوغل محرك البحث الخاص بها لإضافة ميزات تسمح له بالعمل بشكل مشابه لروبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي، حيث تتنافس الشركة مع منافسين مثل OpenAI. ابتداءً من يوم الثلاثاء، تم تفعيل "وضع الذكاء الاصطناعي" في بحث غوغل ومتصفح كروم ، والذي سيوفر تجربة محادثة وأسئلة وأجوبة تشبه ChatGPT من OpenAI ، بدلاً من قائمة تقليدية من الروابط. الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت ، الشركة الأم لغوغل، سوندار بيتشاي، وصف هذه الخطوة بأنها "إعادة تصور شاملة لعالم البحث"، وذلك خلال مؤتمرها السنوي للمطورين في ماونتن فيو هذا الأسبوع. يمثل هذا الإصدار أحدث الجهود المبذولة لدمج الذكاء الاصطناعي المُولِّد في محرك البحث المهيمن لغوغل، حتى مع قلق المستثمرين من أن المنتجات الجديدة ستُهدر موارده المالية، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. كان بيتشاي قد تعرّض لانتقادات بسبب بطء وتيرة إصدارات الذكاء الاصطناعي ، بعد أن كانت غوغل رائدة الصناعة في تطوير الأبحاث التي أدت إلى طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي. وقد سمح ذلك لشركات ناشئة مثل OpenAI وAnthropic بالنمو لتصبح شركات بمليارات الدولارات، وبدأت تتحدى احتكار غوغل للاستعلامات عبر الإنترنت. استجابةً لذلك، اضطرت غوغل إلى تسريع جدول إطلاقها وإجراء تحسينات سريعة على نموذجها اللغوي الكبير جيميني. وتزعم أن الإصدار 2.5 الأحدث يتفوق على ChatGPT من OpenAI وClude من Anthropic في العديد من اختبارات الأداء، وخاصةً في البرمجة. قال بيتشاي إن غوغل لا تزال تتمتع بميزة توزيعية هائلة على منافسيها، إذ تُجري 8.5 مليار استفسار يوميًا. وأضاف: "يُتيح البحث الذكاء الاصطناعي لعدد أكبر من الناس مقارنةً بأي منتج آخر في العالم". في حديثه مع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يشير المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، إلى أن تأثير خطوة غوغل الأخيرة على سباق الذكاء الاصطناعي ، مُبرزاً عدداً من محاور التأثير الرئيسية على النحو التالي: تسريع وتيرة الابتكار: بدمج غوغل للذكاء الاصطناعي التخاطبي في محرك بحثها، تزداد المنافسة مع لاعبين مثل OpenAI التي طورت ChatGPT ، ومايكروسوفت التي دمجت ChatGPT في Bing. هذه المنافسة تدفع الجميع إلى تسريع وتيرة البحث والتطوير لتقديم نماذج ذكاء اصطناعي أكثر قوة ودقة وقدرة على فهم اللغة البشرية وإنشاء محتوى ذي صلة. تركيز على التطبيقات العملية: بدلًا من مجرد تطوير نماذج نظرية، تضغط هذه الخطوة على الشركات لتركيز جهودها على دمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها الأساسية، مما يعني تسريع ظهور تطبيقات عملية ومفيدة للمستخدمين. تغيير تعريف "البحث".. من الروابط إلى الإجابات المباشرة: يتجه البحث من مجرد تقديم قائمة بالروابط إلى تقديم إجابات مباشرة ومُلخصة، مدعومة بمصادر متعددة. هذا يغير طريقة تفاعل المستخدمين مع المعلومات، ويجعل البحث أكثر تفاعلية و"محادثية". التركيز على فهم السياق والقصد: ستتطلب محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي فهمًا أعمق لسياق استفسارات المستخدمين وقصدهم، وليس فقط الكلمات المفتاحية. هذا سيدفع حدود تطور معالجة اللغة الطبيعية . أما لجهة تأثير تلك الخطوة على نماذج الأعمال، يتحدث بانافع عن الإعلانات بشكل خاص، ذلك أنه "قد يؤثر تقديم إجابات مباشرة من الذكاء الاصطناعي على نموذج الإعلانات التقليدي لمحركات البحث، حيث قد لا يضطر المستخدمون إلى النقر على الروابط بنفس القدر، وهذا يدفع غوغل وغيرها للبحث عن طرق جديدة لدمج الإعلانات بشكل طبيعي وغير مزعج ضمن تجربة البحث القائمة على الذكاء الاصطناعي". أما لجهة نمو سوق الذكاء الاصطناعي للمحادثات، فمن المتوقع أن تنمو سوق الذكاء الاصطناعي للمحادثات بشكل كبير، حيث تتبنى الشركات هذه التقنيات لخدمة العملاء، والتسويق، وتحليل البيانات. وكان المسؤولون التنفيذيون متحفظين بشأن كيفية تخطيطهم لدمج الإعلانات في عروض البحث الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي والمتصفحات والتطبيقات. حققت غوغل 50 مليار دولار من إيرادات إعلانات البحث في الربع الأول ، أي أكثر من نصف إجمالي إيرادات ألفابت البالغة 90 مليار دولار. نهج شامل ويشير تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إلى مثال آخر على نهج غوغل الشامل في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ كشفت الشركة عن خططها لإعادة دخول سوق النظارات الذكية بنظارة جديدة تعمل بنظام أندرويد XR. تأتي المعاينة الأولية للجهاز القادم، الذي يتضمن كاميرا تعمل بدون استخدام اليدين ومساعدًا صوتيًا للذكاء الاصطناعي، بعد 13 عامًا من إطلاق نظارة غوغل جلاس ، وهي منتج ألغت الشركة طرحه بعد ردود فعل غاضبة من الجمهور بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية. لم تُعلن غوغل عن موعد طرح نظارات أندرويد XR أو سعرها، لكنها كشفت أنها ستُصمم بالتعاون مع شركتي جنتل مونستر وواربي باركر. وستُنافس هذه النظارات منتجًا مشابهًا متوفرًا بالفعل في السوق من شركتي ميتا بلاتفورمز، الشركة الأم لفيسبوك، وراي بان. وبحسب التقرير، يعتمد التوسع على التحول الذي بدأته غوغل قبل عام مع تقديم ملخصات المحادثة التي تسمى "نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي" والتي تظهر بشكل متزايد في الجزء العلوي من صفحة نتائجها وتتفوق على تصنيفاتها التقليدية لروابط الويب. وفقاً لغوغل، يتفاعل الآن حوالي 1.5 مليار شخص بشكل منتظم مع "نظرة عامة على الذكاء الاصطناعي"، ويقوم معظم المستخدمين الآن بإدخال استعلامات أطول وأكثر تعقيدًا. من جانبه، يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "خطوة غوغل الأخيرة تُعد تطورًا مهمًا للغاية في ظل التحولات الكبيرة التي نشهدها في طريقة استخدام الناس لمحركات البحث". الكثير من المستخدمين بدأوا بالفعل يعتمدون على روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT وBard وGrok التابعة لشركات مثل OpenAI وGoogle وxAI، كبدائل للحصول على المعلومات. هذا التوجه يمثل تهديدًا واضحًا لغوغل، لأن نموذجها الأساسي للإيرادات يعتمد بشكل كبير على الإعلانات المرتبطة بعمليات البحث، خاصة وأن متصفح كروم ونظام أندرويد يُقدمان مجانًا، ما يجعل الإعلانات هي المصدر الرئيسي للتمويل. إذا استمرت هذه الظاهرة وبدأ المستخدمون في استبدال البحث التقليدي بالمحادثات مع روبوتات الذكاء الاصطناعي، سيكون لذلك أثر كبير على غوغل. وهنا برز التساؤل: كيف ستتعامل غوغل مع هذا التغيير؟ وهل ستستمر في الاعتماد على الإعلانات؟ وإذا نعم، فكيف سيكون شكل الإعلان في سيناريو يُجري فيه المستخدم محادثة مع ذكاء اصطناعي بدلًا من تصفح نتائج بحث تقليدية؟ ويضيف: في المقابل، نماذج الأعمال الخاصة بالشركات الأخرى مثل OpenAI تعتمد على الاشتراكات، وحتى إن لم تكن هذه الاشتراكات تُغطي التكاليف بشكل كامل حتى الآن، إلا أنها تستند إلى استراتيجية معروفة وهي جذب المستثمرين من خلال إظهار القدرة المستقبلية على تحقيق أرباح ضخمة بفضل الحصة السوقية الكبيرة التي يتم اكتسابها الآن. هذا الأسلوب اتبعته شركات كبرى من قبل مثل فيسبوك، حيث ركزت في البداية على التوسع وانتشار الخدمة، ثم بدأت بتحقيق الأرباح. أما غوغل، فهي تمتلك بالفعل الحصة السوقية والدخل، وبالتالي لا يمكنها التضحية بمصدر دخلها الرئيسي بسهولة، وهي الآن تواجه تحديًا حقيقيًا في كيفية التكيف مع هذا التحول في سلوك المستخدمين دون أن تخسر مكانتها المالية."