logo
ثلاثةُ ملاكمين وهاويةٌ غير مسبوقة

ثلاثةُ ملاكمين وهاويةٌ غير مسبوقة

المغرب اليوممنذ 8 ساعات

مشاهدُ غيرُ مسبوقةٍ في الشرقِ الأوسط الرهيب. على المسرحِ السَّاخن ثلاثةٌ من كبارِ الملاكمين وبقعُ دمٍ وبحيراتُ ركام. استيقظَ أهلُ المنطقة فاكتشفوا أنَّ القاذفاتِ الأميركية انقضَّت فجراً على ثلاث منشآتٍ نووية إيرانية. استيقظَ الإسرائيليون فوجدوا في مدنِهم دماراً لم يعاينوا مثلَه منذ قيامِ الدَّولة في 1948. استيقظَ الإيرانيون فوجدوا أجواءَ بلادهم في قبضةِ المقاتلات الإسرائيلية تنهال بالقذائف على القواعدِ العسكرية والراداراتِ والمنصات وتصطاد الجنرالاتِ والعلماءَ النوويين.
ثلاثةُ ملاكمين ستمسُّ قراراتهم أمنَ المنطقة واستقرارَها وسلامةَ الشرايين التي تربطها بالعالم. والقصةُ أبعد من هرمز وأخطر. ثلاثة يملكون القدرةَ على تسديد الضربات ويفتقرون إلى القدرة على التراجع بعدمَا ذهبوا بعيداً. ثلاثة ملاكمين يريد كلٌّ منهم توسيعَ دور بلاده أو إعادتها عظيمة.
وُلد كبير الملاكمين في 14 يونيو (حزيران) 1946. شاءتِ الصدفة أن يُولد في الشهر الذي أنجبَ عدداً قياسياً من الحروب في الشرق الأوسط. شاءت أيضاً أن يحتفل بميلادِه في اليوم التالي للغارات الإسرائيلية على إيران. بدأ قبل أيام في إنفاق السنةِ الأخيرة من سبعيناتِه وستدركه الثمانينات خلال إقامتِه في البيت الأبيض.
لم يقاتل في فيتنام ولا في غيرها. سلك طريقَ الأعمال وتعلَّم «فن الصفقة». هاجسُه الربح ولا يميل إلى الإقرار بالخسارة. أدرك سحر الشاشة فأطلَّ منها على الأميركيين وحفظوا عن ظهر قلب عبارته الشهيرة «أنت مطرود».
أثار النجاح في عالم العقارات شهيتَه في الإمساك بمفاتيح البيت الأبيض. تقلَّب بين الأحزاب ثم انخرط في الحزب الجمهوري ونجح لاحقاً في الاستيلاء عليه وعلى البيت الأبيض. رجل من خارج المؤسسة أمسك بالقرار في «القوة العظمى الوحيدة».
في ولايته الأولى اتخذ دونالد ترمب قرارين خطيرين لهما علاقة بالوضع الحاضر؛ الأول الخروج من الاتفاق النووي مع إيران والثاني قتل الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي. لكنَّه حين أطل في ولايته الثانية قدم نفسه في صورة التَّواق إلى إنهاء الحروب ودخول التاريخ من بوابة صنع السلام وجائزة نوبل. وفي الملف النووي الإيراني فاوض وحدَّد مهلاً ولوّح بالأهوال وكان ما كان والذي تُوّج بالغارات الأميركية على المنشآت النووية.
وُلد الملاكم الثاني في 19 أبريل (نيسان) 1939. يبحر الآن في النصف الثاني من الثمانينات. في الرابع من يونيو (حزيران) 1989 صار لقبُه «المرشد الأعلى للثورة الإسلامية». ليس بسيطاً على الإطلاق أن يُؤتمنَ شخصٌ على إرث الخميني، وأن يتمتع بصلاحيات بلا حدود في دولة مثل إيران. واصل علي خامنئي سياسةَ تصدير الثورة، وهي بند في دستور البلاد. رعَى برنامج قاسم سليماني الذي نصَّ على تطويق إسرائيل والمنطقة بالصواريخ و«الجيوش الموازية».
وفي عهد خامنئي حقَّقت إيران اختراقات كبرى في عراق ما بعد صدام حسين ويمن ما بعد علي عبد الله صالح وسوريا ولبنان. لكن هذه النجاحات تعرَّضت لما يشبه الإعصار بعد «الطوفان» الذي أطلقه يحيى السنوار. سقطت الحلقة السورية وهَا هو بشار الأسد يتابع الحرائقَ من منفاه الروسي فيما تمكَّن أحمد الشرع من إبعاد سوريا عن النار.
مشهد لا يقل إيلاماً للمرشد وهو رؤية «حزب الله» اللبناني بلا حسن نصر الله وبلا قدرة على خوض حرب جديدة مع إسرائيل ولو نصرة لإيران نفسها. كان من الصعب على خامنئي المقيم في النصف الثاني من الثمانينات تقديم هدية كبيرة لقاتل سليماني لاتقاء ضربات قاتل نصر الله.
تكاثرت المشاهد غير المسبوقةِ على المرشد في الآونة الأخيرة. إسماعيل هنية زعيم «حماس» يُقتل في طهران نفسها. ونصر الله يُقتل في بيروت مع عدد من أركانه. والسنوار وقادة «حماس» يُقتلون في غزة. والشرع يفوز بالمصافحاتِ ووعود المساعدات ويغسل يدي سوريا من العصر الإيراني. ثم جاء ترمب يعرض على إيران العيش بلا سوريا و«الأذرع» وبلا «بوليصة تأمين» ازدادت الحاجة إليها، وهي القنبلة النووية أو الإقامة على شفير صناعتها. لم يستطع خامنئي منع اتفاق الملاكمين الآخرين ضد بلاده.
وُلد الملاكم الثالث في تل أبيب في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1949. يبحر الآن في النصف الثاني من السبعينات. سجل عدداً من الأرقام القياسية التي أنهكتِ المنطقة. أمضَى حتى الآن 17 عاماً في مكتب رئيس الوزراء متخطياً كلَّ أسلافه. صاحب الرقم القياسي أيضاً في قتل الفلسطينيين وقياداتهم والأمر نفسه بالنسبة إلى قياديي «حزب الله» اللبناني.
منذ سنوات طويلة وهو يحلم بنقل المعركة إلى «مسرحها الحقيقي» أي المواجهة المباشرة مع إيران. اعتبر برنامجَها النووي «خطراً وجودياً» وطرق مراراً أبواب البيت الأبيض سعياً إلى مشاركة أميركية في إطلاق إعصار ضدها. واضح أنَّ بنيامين نتنياهو نجح في التسلل إلى عقل ترمب وحساباته وانعطافاته.
مستقبل المنطقة يتوقَّف الآن على قرارات ثلاثة ملاكمين يعنيهم مستقبل صورتهم في التاريخ. اللعبة حرجة وخطرة. إذا ردَّ الملاكم الإيراني على الملاكم الأميركي مباشرة فإنَّ حرباً بهذا الحجم قد تصدع ركائز النظام نفسه. ويصعب الاعتقاد أنَّه يستطيع إطالة أمد تبادل الضربات مع الملاكم الإسرائيلي من دون مواجهة تدخل أميركي.
ذات يوم قالَ قاسم سليماني أمام حلقةٍ صغيرةٍ إنَّ الخيط الأميركي هو ما يحفظ «التوازنات الظالمة» في الشرق الأوسط، وإنَّه «لا بدَّ من قطع هذا الخيط، وهذا ممكن». قال أيضاً إنَّه إذا كانت إسرائيل حاملة طائرات أميركية فإنَّ الحاملات تغرق إذا أصيبت بثقوب عميقة وفقد سكانها ثقتهم بجيشهم وحكومتهم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البيت الأبيض: ترامب يريد السلام في الشرق الأوسط لكن الأمر يحتاج أحيانا لاستخدام القوة
البيت الأبيض: ترامب يريد السلام في الشرق الأوسط لكن الأمر يحتاج أحيانا لاستخدام القوة

كش 24

timeمنذ 2 ساعات

  • كش 24

البيت الأبيض: ترامب يريد السلام في الشرق الأوسط لكن الأمر يحتاج أحيانا لاستخدام القوة

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أن الرئيس ترامب لا يزال يرغب في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، لكنه يعتقد أن تحقيق هذا الهدف قد يتطلب في بعض الأحيان استخدام القوة. جاء ذلك خلال مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" حيث قالت ليفيت: "الرئيس يريد السلام، لكن أحيانا يجب استخدام القوة لتحقيقه"، وذلك في تعليق على سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط بعد الضربات الأمريكية الأخيرة على إيران. يذكر أنه وفي ليلة 22 يونيو، قامت الولايات المتحدة بشن ضربات على ثلاثة منشآت نووية إيرانية في مدن نطنز وفوردو وأصفهان. ووفقا لتصريحات واشنطن، فقد هدفت هذه الهجمات إلى تدمير أو إضعاف البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية بشكل كبير. وفي ردود أفعال دولية، أعربت البرازيل عن إدانتها الشديدة للهجمات الأمريكية معتبرة إياها انتهاكا صارخًا للقانون الدولي ولمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما دانت وزارة الخارجية الكورية الشمالية الضربة الأمريكية، معتبرة إياها "انتهاكا لسيادة إيران وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي". من جهته، حذر وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي الغرب من "لحظة خطر" بعد تعهد إيران بالرد على الضربة الأمريكية لمواقعها النووية.

من غزة إلى قطر … حربٌ على ثلاث جبهات تتصدّع وإشاراتُ تهدئة تلوح في الأفق
من غزة إلى قطر … حربٌ على ثلاث جبهات تتصدّع وإشاراتُ تهدئة تلوح في الأفق

صوت العدالة

timeمنذ 3 ساعات

  • صوت العدالة

من غزة إلى قطر … حربٌ على ثلاث جبهات تتصدّع وإشاراتُ تهدئة تلوح في الأفق

بقلم محمد قريوش بعد واحدٍ وعشرين شهراً من القتال المتواصل، تبدو حربُ غزة أكبرَ من أن تُحسَم، وأخطرَ من أن تستمرّ إلى ما لا نهاية. إسرائيل، التي وعدت بأن «تُسحق حماس في أسابيع»، غارقةٌ في استنزافٍ يلتهم اقتصادها ويُفجِّر انقسامها الداخلي. الولايات المتحدة أخطأت الحساب حين فتحت جبهةً مباشرة مع إيران، فوجدت قواتها هدفاً لردٍّ صاروخي على قاعدة العديد في قطر. وفي المقابل، أظهرت المقاومة الفلسطينية والإيرانية قدرةً لافتة على الصمود، ما قلب ميزان الردع التقليدي وأجبر العواصم الكبرى على التفكير في سلّمٍ للنزول من الشجرة. غزة: هدف «القضاء على حماس» يتبدّد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 دفعت غزة ثمناً إنسانيّاً مفزعاً: ما يقرب من 56 ألف شهيد وأكثر من 131 ألف جريح، أي نحو أربعة في المئة من سكان القطاع. ورغم الدمار واسع النطاق، ما زالت «كتائب القسّام» تطلق رشقاتٍ رمزيةً وتعمد إلى كمائن ليلية عند أطراف خان يونس ورفح، أوقعت قتلى في صفوف القوات المتوغّلة. داخل إسرائيل، يحتجّ أهالي الأسرى أسبوعياً أمام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مطالبين بصفقة تبادل ووقف الحرب، وهو ما يعكس تصدّع الإجماع الذي استندت إليه الحكومة عند انطلاق العمليات البرّية. تل_أبيب: تخبّط سياسي وأعباءٌ اقتصادية سقطت حكومة نتنياهو في فخّ توسيع الأهداف بلا خريطة خروج: من «إسقاط حماس» إلى «تغيير معادلة الردع مع إيران». ومع كل جبهة جديدة تتقلّص الخيارات ويزداد الضغط الداخلي. تقدّر وزارة السياحة الإسرائيلية خسائرها بأكثر من 3.4 مليارات دولار، فيما تشير تقارير مستقلة إلى كلفة كلية تناهز 67 مليار دولار حتى منتصف يونيو 2025. الدفاع الجوّي ناله الإنهاك؛ فالقبة الحديدية ومنظومات «مقلاع داود» استنزفت ما يزيد على ملياري دولار من صواريخ الاعتراض خلال أسابيع، وسط حديثٍ رسمي عن مخاوف من نفاد المخزون. واشنطن: خطأ حساب يفتح باب الردّ الإيراني في العاشر من يونيو/حزيران، نفّذت الولايات المتحدة وإسرائيل ضرباتٍ على ثلاثة مواقع نووية إيرانية بلا غطاء أممي. جاءت النتيجة عكسية؛ إذ أطلقت طهران أربعة عشر صاروخاً باليستياً باتجاه أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط. أُبلغت الدوحة مسبقاً، فاعترضت الدفاعاتُ ثلاثة عشر صاروخاً ولم تقع إصابات، لكن الرسالة وصلت: إيران قادرة على إيذاء المصالح الأميركية من دون أن تتجاوز الخطوط التي قد تشعل حرباً شاملة. الرئيس دونالد ترامب وصف الهجوم بـ«الضعيف» ودعا إلى وقف القتال، ملمّحاً إلى أن حملةً رئاسية على الأبواب لا تحتمل مستنقعاً جديداً في الخليج. طهران: ردٌّ محسوب وتأكيدٌ لقدرة الردع إيران اختارت « الضربة–الرسالة » : حجم ناري يسمح بإثبات القدرة ويَحُدّ الخسائر الجانبية. والأهمّ أنّها نفّذت هجوماً آخر على تل أبيب بعد أقلّ من أسبوعين من قصف منشآتها، ما أوحى بأن الجزء الأعظم من ترسانتها الصاروخية بقي سليماً. داخلياً، لم تُسجَّل احتجاجات واسعة مثل تلك التي هزّت البلاد عام 2022؛ إذ وظّفت القيادة شعار «وحدة الصف في مواجهة العدوان الأميركي–الصهيوني» لشدّ العصب الشعبي. إلى أين؟ سيناريوهات الأسبوع القادم تهدئة مشروطة كأحد أهم السيناريوهات وقف الغارات بعيدة المدى مقابل تجميد الردّ الإيراني؛ تدفع إليه قطر وواشنطن بدعمٍ أوروبي وقلقٍ من اضطراب أسواق الطاقة. اشتباك محدود في لبنان احتمال لجوء «حزب الله» إلى جولة نار سريعة لتحسين شروط التفاوض، مع تفاهمٍ ضمني على منع توسّع الجبهة. صفقة أسرى جزئية ضغط عائلات الأسرى وتراجع شعبية نتنياهو قد يفتحان ثغرة لوساطة مصرية–قطرية. جولة قصف متبادل جديدة و هو مستبعد الحدوث خطأ تقدير أو سقوط قتلى أميركيين في قواعد عراقية أو سورية قد يشعل تبادلاً محدوداً. تصعيد شامل كسيناريو ضعيف جدا. انهيار المسار الدبلوماسي أو ضربة خاطئة لرمز قيادي كبير قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة أوسع، لكن كل الأطراف تبدو حذرة حيال هذا السيناريو. و هنا تجدر الإشارة إلى ان الحرب انطلقت بوصفها حملة «موضعية» في غزة، لكنها تمدّدت فجأة إلى الخليج وإيران، لتثبت أنّ الكلفة قد تفوق بكثير أي مكاسب معلَنة. اليوم تدرك واشنطن وتل أبيب وطهران على حدّ سواء أنّ استمرار القتال يهدّد استقراراً اقتصادياً هشّاً ويستنزف شرعيّات سياسية متآكلة. إذا ما أُنجِزت صفقة تحفظ ماء وجه إسرائيل في ملف الأسرى، وتضمن لإيران استمرار قوة ردعها، وتسمح لواشنطن بالخروج من حقل ألغام انتخابي، فإنّ وقفاً متعددَ الطبقات لإطلاق النار قد يصبح واقعاً خلال أيام. غير أنّ تجربة الشهور الماضية تُذَكِّر بأنّ خطأً واحداً في الحساب، أو رصاصةً طائشة، كفيلٌ بأن يعيد عقارب الساعة إلى الصفر.

ترامب يجر العالم إلى جحيم نووي
ترامب يجر العالم إلى جحيم نووي

بديل

timeمنذ 3 ساعات

  • بديل

ترامب يجر العالم إلى جحيم نووي

الآن فقط، ربما بدأ يشعر نحو 70 مليون أمريكي، ممن اختاروا دونالد ترامب رئيسًا لبلدهم، بحجم الخطأ الذي ارتكبوه، وبمدى الخطر الذي عرضوا له بلادهم والعالم، بانتخاب رجلٍ متعصب، شعبوي، أحمق، وأخرق، يلعب بالسلاح كما يلعب به طفل في الخامسة من عمره، دون أن يدرك خطورة ما بين يديه… يقول ثعلب السياسة الأمريكية، الذي جرّب الحرب والسلم، هنري كيسنجر: 'نبتعد عن الحرب ما وسعنا ذلك، ليس حبًّا في السلم، بل خوفًا من خسارته.' وهذا ما لم يستوعبه عقل ترامب، الذي تورّط في أسرع قرار لدخول حرب في تاريخ الولايات المتحدة! من دون الرجوع إلى الكونغرس، ومن دون استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، ومن دون تحذير، ولا حتى مجرّد جهد دبلوماسي لإيجاد حل سلمي للأزمة، كتب ترامب منشورًا على موقعه 'تروث سوشيال' قال فيه: 'إن حمولةً كاملةً من القنابل أُلقيت على محطة فوردو اليوم'، وهي منشأة عميقة تحت الأرض تُعد أساسية في البرنامج النووي الإيراني، وأضاف قبل خروجه العلني لإخبار الأمريكيين من البيت الأبيض بأن بلادهم دخلت الحرب: 'لقد استهدف سلاحنا وجيشنا العظيم مفاعل نطنز وأصفهان… هذه مهمة لا يقدر عليها إلا جيشنا.' وكأنه يتحدث عن لعبة بلايستيشن، لا عن دولة يعيش فيها مئة مليون إنسان! يرمي قنابل خطيرة من السماء، تزن الواحدة منها آلاف الكيلوغرامات، تُلقى على مواقع حساسة، قد يتسرب منها إشعاع نووي يُحدث كارثة في إيران، وفي كل دول المنطقة… ومع ذلك، يقول لإيران: الآن حان موعد السلم، وهو يقصد الاستسلام! هل هذا رئيس دولة عظمى؟ يقول للعالم وللأمريكيين: 'سأتريث أسبوعين قبل أن أقرر إن كنت سأنضم إلى حرب إسرائيل على إيران أم لا'، ثم، وبعد 48 ساعة فقط عن هذا التصريح، يأمر بشن هجوم على مواقع نووية إيرانية، دون سابق إنذار، ودون التأكد من وجود خطر فعلي أم لا… فالصوت الوحيد الذي كان بجانبه وقال له لا توجد أدلة ملموسة على أن إيران تصنع سلاحًا نوويًا هي مديرة المخابرات الوطنية تولسي غابارد! عن كلام هذه السيدة التي تستند على تقارير أكثر من 14 جهازًا استخباراتيًا تحت يدها، قال ترامب إنها مخطئة، وهذا ما دفع غابارد للتراجع عن رأيها والالتحاق بالصف… هذه تصرفات رئيس عصابة صغير، يحكم بلدة هامشية، يناور ويجرب خدعًا بدائية للإيقاع بضحاياه… ولا يريد أن يسمع صوتًا غير صوته وصوت أناه المتضخمة! فأي عار هذا الذي يلحقه الرئيس الثرثار والمغرور بدولة كبيرة، كانت عظيمة، قبل أن يحكمها رجل شعبوي مريض يذهب إلى الحرب كما يذهب إلى ملعب الغولف التابع له في منتجع مارلاغو في فلوريدا؟! لا يملك المرء إلا أن يقارن بين رؤساء أمريكيين كبار وترامب… كم انحدرت السياسة الأمريكية، وكم اندحرت معها القيم، حتى صارت الولايات المتحدة تنتخب تاجر عقارات فاسد، عنصري، ومعطوب نفسيًا، لا يقيم وزنًا لقانون، ولا لمؤسسات دولية، ولا لنظام دولي بنته أمريكا وها هو يهدمه على رأسها. صدق الشاعر البرتغالي الراحل ساراماغو حين قال عن أمريكا: 'شعب كبير، ينتخب رئيسًا صغيرًا.' في السياسة، وخاصة في السياسة الدولية، وفي زمن الحرب تحديدًا، نحتاج إلى الاحتكام إلى معايير ثابتة، وقواعد مستقرة، وقانون دولي، ومعاهدات تنظم العلاقات بين الدول. من دون هذه الأسس، لن نتفق على شيء، ولن نصل إلى أي حوار منتج حول الصواب والخطأ في سلوك البشر… وستصبح كل القيم الإنسانية مستباحة… لهذا، لا بد من الرجوع إلى مرجعية القانون لفهم تداعيات حرب السبت. هل يحقّ لأمريكا، فقط لأنها دولة قوية وتمتلك أسلحة لا يمتلكها غيرها، أن تهجم على دولة أخرى بشكل مباغت، وأن تدمّر مواقعها النووية وتهدّد أمنها وأمن وسلام المنطقة بأسرها؟ الجواب: لا. هذا يُسمّى عدوانًا عسكريًا على دولة مستقلة، عضو في الأمم المتحدة. وكان الواجب، إذا كانت إيران تشكّل خطرًا على الأمن الأمريكي، أن تتوجّه إدارة ترامب إلى مجلس الأمن الدولي، وأن تستصدر قرارًا من هذا الأخير تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص على ما يلي: 'يقرّر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم، أو إخلال به، أو عمل عدواني، ويُصدر توصيات أو قرارات بشأن التدابير الواجب اتخاذها، وفقًا للمادتين 41 و42، لحفظ السلم أو إعادته. قبل اللجوء إلى التدابير العسكرية، يمكن لمجلس الأمن أن يدعو الأطراف المعنية إلى اتخاذ تدابير مؤقتة، مثل وقف الأعمال العدائية. وإذا رأى أن التدابير غير العسكرية كافية، يمكنه فرض عقوبات تشمل: الحظر الاقتصادي… وإذا لم تكن هذه الإجراءات كافية، يجوز لمجلس الأمن اتخاذ إجراءات عسكرية: باستخدام القوات الجوية أو البحرية أو البرية للسيطرة على الوضع.' لكن بدل هذا المسار القانوني والمؤسساتي، فضّلت واشنطن القفز على القانون الدولي والتوجه إلى سلوك عدواني أخرق يمس الأمن والسلم الدوليين. نتنياهو يعتبر ترامب هدية نزلت عليه من السماء، لا لتحقيق أمن إسرائيل فحسب، بل لبسط السيطرة على كل الشرق الأوسط، وضرب القوى الإقليمية التي تنافس إسرائيل، والآن إذا لم ترد إيران بقوة، سيبدأ نتنياهو بتحصيل الجزية من دول الخليج والدول العربية، بالادعاء أنه خلصهم من خطر النووي الإيراني، وأذرع طهران في العالم العربي… والآن يجب أن يمروا إلى الشباك للدفع، دفع تكلفة الحرب المالية والسياسية والاستراتيجية، قبل أن يمر (بيبي) إلى تحجيم تركيا التي ستجد نفسها قريبًا في مرمى مدفعية إسرائيل. نتنياهو يرى في ترامب رجلًا/طفلًا يمكن أن تُغريه بلعبة أو بكلمة إطراء أو جملة مديح لغروره، ثم تأخذ منه ما تشاء… وهذا ما حصل. في أقل من عشرة أيام، نال نتنياهو هديتين كبيرتين: السماح من واشنطن لتل أبيب باتخاذ قرار الحرب على إيران. إدخال أمريكا نفسها في حرب لا مصلحة لها فيها. بل أكثر من ذلك، فإن قرار ضرب إيران يتعارض مع العقيدة السياسية والعسكرية لليمين الشعبوي الحاكم في أمريكا، والذي صعد إلى السلطة تحت شعار: 'أمريكا أولاً' – لا حروب خارجية، لا تدخل في نزاعات، توفير المليارات لإعادة بناء أمريكا العظيمة من الداخل.' وها هو ترامب، وقبل أن يُكمل ستة أشهر في البيت الأبيض، يدخل حربًا جديدة ضد إيران، حربًا لم يجرؤ أي رئيس أمريكي – ديمقراطيًا كان أو جمهوريًا – على خوضها منذ نصف قرن. لكن الحرب لن تنتهي هنا. ستستمر بوسائل أخرى، حتى وإن قرّرت إيران التوقف عند هذا الحد، مكتفيةً بالوصول إلى عمق إسرائيل، وتحقيق خسائر بشرية ومادية نوعية، بفضل ترسانتها الصاروخية التي أثبتت قدرة ردع فعّالة اتجاه التفوق الجوي الإسرائيلي. حتى لو اكتفى الملالي بالحفاظ على نظامهم السياسي، وفشل مخطط نتنياهو في إثارة الفتنة داخل الجمهورية الإسلامية، فإن الإيرانيين – وغيرهم – سيزدادون اقتناعًا بأن امتلاك السلاح النووي صار ضرورة وجودية، بل بوليصة تأمين في عالم انهارت فيه المعايير والقوانين والمرجعيات. هنا تكمن خطورة القنابل التي سقطت فوق رؤوس الإيرانيين أمس: لقد زرعت إيمانًا راسخًا بأن الردع النووي وحده، هو القادر على فرض نوع من التنظيم على فوضى هذا العالم. إذن، الرسالة باتت واضحة: كل من يريد أن يحصل على قرار من ترامب هذه الأيام، فهذه فرصته الذهبية. طفل في البيت الأبيض، يلعب بأخطر ترسانة سلاح على وجه الأرض… قال بنجامين فرانكلين: 'فاتورة الحرب دائمًا ما تصل متأخرة.' ومن يعش… سيرى من سيعدّ الخسائر، ومن سيتسلّم فواتيرها، حين تصل إلى البيت الأبيض… وقريبًا جدًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store