logo
تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟

تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟

الاتحاد٣٠-٠٤-٢٠٢٥

تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟
تُعد كهربة كل شيء أكبر تحول يشهده النظام العالمي للطاقة منذ عقود. ومع ذلك، فإن طريق المستقبل يواجه عراقيل بسبب الحروب الثقافية، حول التحول في الطاقة ومكافحة تغيّر المناخ.
وهذا يزيد من الضغط على مؤيدي المركبات الكهربائية، ومضخات الحرارة، وتوربينات الرياح لمواجهة المخاطر التي تصاحب رؤيتهم. وتتزايد أهمية التصدي لهذه المخاطر مع ازدياد استهلاك الطاقة. فمنذ عام 2010، نما الطلب العالمي على الكهرباء بوتيرة تكاد تكون ضعف سرعة نمو إجمالي استهلاك الطاقة. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، جزئياً بسبب التقنيات الجديدة الشرهة للإلكترونات، مثل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وجزئياً ببساطة لأن العالم يزداد ثراءً.
في الوقت نفسه، فإن الطريقة التي يلبي بها العالم الطلب على الكهرباء تتغير بشكل جذري: إذ أصبحت مصادر التوليد المعتمدة على الطقس، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، أكبر مصادر الإمداد الجديدة، على عكس المصادر الموثوقة، التي اعتمد عليها العالم طوال القرن الماضي - مثل المفاعلات النووية، ومحطات الفحم، ومشاريع الطاقة الكهرومائية الكبرى. ومع ذلك، لا يزال التفكير العالمي بشأن أمن الطاقة يركّز بقوة على الجغرافيا السياسية للوقود الأحفوري والشرق الأوسط، بدلاً من العالم الجديد المعتمد على الإلكترونات. ولم يحدّد مسؤولو الطاقة بعد المخاطر المترتبة على كهربة كل شيء بدقة.
لحُسن الحظ، بدأت الحكومات تُدرك هذه المخاطر. تقترح الوكالة الدولية للطاقة رفع «أمن الكهرباء إلى أولوية سياسية استراتيجية». ففي ورقة سرية تم إعدادها قبل اجتماع حول أمن الطاقة تم تنظيمه مع الحكومة البريطانية في لندن يومي 24-25 أبريل، أبلغت الوكالة الحضور بأن «أمن الكهرباء أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى».
ومن الصعب أن يختلف أحد في بريطانيا مع هذا الرأي: فقبل بضعة أسابيع فقط، توقفت عمليات مطار هيثرو بعد أن اشتعلت النيران في محول كهربائي في محطة فرعية قديمة. للأسف، يرى بعض نشطاء البيئة، الذين لا يرون أي مشكلة تقريباً في كهربة كل شيء، أن أي مخاوف تُطرح ما هي إلا محاولات لتأخير التحول الضروري بعيداً عن الوقود الأحفوري.
وفي المقابل، لا يرى منكرو تغير المناخ أي مشكلة إلا في مصادر الطاقة المتجدّدة والمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة، متناسين جميع المخاطر التي يجلبها النفط والغاز والفحم. وبين هذين الموقفين تكمن الحقيقة. يتمثل أول المخاطر المرتبطة بكهربة كل شيء في تلبية الطلب الهائل الإضافي على الإلكترونات. فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك الكهرباء العالمي كل عام من 2025 إلى 2027 بما يعادل استهلاك اليابان اليوم. وإذا لم تتمكن مصادر الطاقة المتجددة من تلبية هذه الزيادة، فستكون هناك حاجة إلى مصادر بديلة.
وللأسف، لا تزال الصين تعتمد على محطات الفحم لتلبية نمو الطلب على الكهرباء، وهو ما يشكّل خطراً كبيراً على البيئة. وغالباً ما يُنسى أن الفحم، رغم الحديث المتزايد عن النمو في إنتاج الطاقة المتجددة، لا يزال المصدر المفضل عالمياً لانتاج الكهرباء، حيث يوفّر أكثر من ثلث إجمالي الإنتاج. وعند إضافة الغاز الطبيعي، يشكل الاثنان معاً حوالي 50% من إمدادات الكهرباء العالمية.
الخطر الثاني هو مواءمة الطلب الذي يتطلب إمداداً مستمراً على مدار الساعة مع نظام توليد يعتمد، بشكل هامشي، اليوم على ما إذا كانت الشمس مشرقة والرياح تهب. وقالت الوكالة الدولية للطاقة في ورقتها السرية: «ستظهر تحديات منهجية في موازنة الشبكات التي تهيمن عليها الطاقة المتجددة بشكل متزايد خلال فترات انخفاض التوليد الممتدة». بعبارة أبسط: لا تزال هناك شكوك كبيرة حول كيفية عمل الشبكة الكهربائية عندما لا يكون الطقس مواتياً. وهذه حقيقة طالما تجاهلتها الوكالة الدولية للطاقة وبعض مؤيدي الطاقة المتجددة.
ومن الجيد أن يتم الاعتراف بها الآن صراحة. وهناك مشكلة إضافية: تحت الضغط لتحقيق الأهداف البيئية، تقوم شركات المرافق بإغلاق محطات الطاقة القابلة للتوزيع، والتي يُمكن تشغيلها وإيقافها عند الطلب، مثل المفاعلات النووية ومحطات الفحم والغاز. وتمثل ألمانيا، التي أغلقت جميع مفاعلاتها النووية، مثالاً واضحاً.
وقد حذّرت الوكالة الدولية للطاقة قائلة: «تنشأ نقاط الضعف الحالية من التقاعد المبكر لمحطات توليد الطاقة القابلة للتوزيع دون وجود بدائل كافية». الخطر الثالث يكمن في الشبكة الكهربائية ذات الطبيعة العنكبوتية، التي تربط مئات محطات الطاقة والمحطات الفرعية والمستهلكين. وتؤدي الاختناقات إلى تأخير تشغيل محطات الطاقة المتجدّدة لشهور أو حتى سنوات.
كما أن عقلية «ليس في فنائي الخلفي» تؤخر الاستثمارات المطلوبة لاستيعاب المزيد من إنتاج الطاقة المتجدّدة. وإذا كان الاستثمار في خطوط الكهرباء الهوائية ضعيفاً، فإن الإنفاق على خطوط التوزيع النهائية أضعف بكثير. كما أن الاستثمار في تخزين الطاقة في الشبكة لا يزال غير كافٍ. الخطر الرابع هو الطابع الخاص للكهرباء: يجب أن يتطابق العرض والطلب على الإلكترونات في كل ثانية، وكل دقيقة، وكل ساعة، وكل يوم. في المقابل، تتمتع أسواق الفحم والغاز والنفط باحتياطات كبيرة تخفّف من أي خلل. أما الكهرباء فلا تملك هذا الترف، مما يجعل النظام أكثر هشاشة. إذ يمكن لبرج كهربائي منهار أن يتسبب في انقطاع الكهرباء عن منطقة بأكملها، كما يمكن لهجوم إلكتروني أن يفصل أجزاء واسعة من الشبكة.
الخطر الخامس هو تقلب الأسعار. فقد شهدت أسعار الكهرباء خلال السنوات الخمس الماضية تقلبات أكبر بكثير من أسعار الوقود الأحفوري. في ألمانيا، تراوحت أسعار الكهرباء بالجملة قبل يوم من التسليم منذ عام 2020 بين 687 يورو (782 دولاراً) لكل ميجاواط/ ساعة وسالب 5 يورو لكل ميجاواط/ ساعة. وهذا التقلب الشديد لا يسبب فقط معاناة للمستهلكين، بل يجعل قرارات الاستثمار أكثر صعوبة بالنسبة للمنتجين.
وتُعدّ الطاقة المتجددة - والحاجة إلى محطات طاقة باهظة الثمن تعمل بالغاز كبديل خلال فترات الطقس السيئ - السبب الرئيسي وراء هذا التقلب. أول خطوة لحل المشكلة هي الاعتراف بوجودها. ومن الجيد أن الحكومات بدأت تتحدث علنًا عن مخاطر السياسات الخضراء ذات النوايا الحسنة. الآن، التحدي هو البدء في معالجتها. التحدث عن المشكلة ليس إنكاراً للمناخ. إنه واقعية الكهرباء.
خافيير بلاس*
*كاتب متخصص في شؤون الطاقة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"بيرسيفيرانس" ترصد أول شفق مرئي بالعين المجردة على المريخ
"بيرسيفيرانس" ترصد أول شفق مرئي بالعين المجردة على المريخ

الاتحاد

timeمنذ 5 أيام

  • الاتحاد

"بيرسيفيرانس" ترصد أول شفق مرئي بالعين المجردة على المريخ

رصدت مركبة بيرسيفيرانس التابعة لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) ظاهرة الشفق على المريخ في شكل ضوء مرئي بالعين المجردة، وتألقت السماء في نعومة باللون الأخضر في أول مشاهدة للشفق على سطح أي كوكب آخر غير الأرض. وقال علماء إن الشفق ظهر في 18 مارس 2024، حين واجهت جسيمات فائقة الطاقة من الشمس الغلاف الجوي للمريخ، مما أدى إلى تفاعل أسفر عن توهج خافت عبر سماء الليل بالكامل. ورصدت أقمار اصطناعية الشفق سابقاً على المريخ من مدار في نطاق الأطوال الموجية فوق البنفسجية، لكن ليس في شكل الضوء المرئي. وأطلقت الشمس قبل ذلك بثلاثة أيام توهجاً شمسياً رافقه انبعاث للكتلة في شكل إكليل وهو انفجار ضخم من الغاز والطاقة المغناطيسية يجلب معه كميات كبيرة من الجسيمات الشمسية النشطة التي انطلقت إلى الخارج عبر النظام الشمسي. والمريخ هو رابع الكواكب بعداً من الشمس، بعد عطارد والزهرة والأرض. وحاكى العلماء الحدث سلفاً وأعدوا أدوات على المركبة لتكون جاهزة لرصد الشفق المتوقع. وعلى متن بيرسيفيرانس جهازان حساسان للأطوال الموجية في النطاق المرئي، مما يعني أنهما يرصدان الألوان التي يمكن للعين البشرية رؤيتها. ويتشكل الشفق على المريخ بالطريقة نفسها التي يتشكل بها على الأرض، حيث تتصادم الجسيمات المشحونة النشطة مع الذرات والجزيئات في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى إثارة هذه الجسيمات دون الذرية التي تسمى الإلكترونات لتبعث جسيمات ضوئية تسمى الفوتونات. وظهر اللون الأخضر بسبب التفاعل بين الجسيمات المشحونة من الشمس والأكسجين في الغلاف الجوي للمريخ. لكن الشفق قد يكون متوهجاً كحاله في المناطق الشمالية والجنوبية من الأرض، لكن الشفق الذي تم رصده على المريخ كان باهتاً جداً. وإذا تمكن رواد الفضاء من الأرض ذات يوم من الإقامة على سطح المريخ لفترة طويلة، فقد يستمتعون بعرض ضوئي ليلي.

كفاءة الطاقة.. حل فعّال لخفض انبعاثات قطاع الصناعة
كفاءة الطاقة.. حل فعّال لخفض انبعاثات قطاع الصناعة

العين الإخبارية

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • العين الإخبارية

كفاءة الطاقة.. حل فعّال لخفض انبعاثات قطاع الصناعة

يمكن لكفاءة الطاقة أن تحل أزمة انبعاثات الكربون؛ خاصة في قطاع الصناعة الذي يستهلك كميات هائلة من الطاقة. كانت الثورة الصناعية التي انطلقت في أثناء القرن الثامن عشر هي شرارة الانبعاثات الغازية التي تسببت في تسارع التغيرات المناخية نحو الاحتباس الحراري الذي تعاني منه الحياة على سطح الأرض اليوم. لذلك، يسعى العلماء والخبراء لإيجاد طرائق فعّالة لتقليل انبعاثات قطاع الصناعة. ومن أبرز النُهج المطلوبة لتقليل تلك الانبعاثات هو تعزيز كفاءة الطاقة وإدارتها. وهذا ما دققت في دراسته مجموعة بحثية من جامعة لينشوبينغ؛ إذ وجدوا أنّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناتجة عن الصناعة يمكن خفضها بنسبة 5% عند اتباع نهج شامل لكفاءة الطاقة وإدارتها بدلًا من التركيز فقط على التطور التكنولوجي. ونشر الباحثون نتائجهم في كفاءة الطاقة تُعرف كفاءة الطاقة على أنها استخدام مقدار أقل من الطاقة، لتحقيق نفس النتائج أو المستوى من الخدمة. وقد ظهر مفهوم كفاءة الطاقة لأول مرة في أثناء سبعينيات القرن العشرين، عندما حدثت أزمة النفط التي أدت لارتفاع أسعار الطاقة، وقتها اتخذت الشركات والمؤسسات الإجراءات اللازمة لخفض تكلفة الطاقة على الشركة، وكان السبيل الوحيد هو رفع كفاءة الطاقة. لكن، يرى الباحثون أنّ الأغلبية العظمى تفسر مفهوم كفاءة الطاقة بالاستثمار في معدات جديدة موفرة للطاقة، ويعتقدون أنّ هذا كافٍ لتحقيق كفاءة الطاقة. والحقيقة أنّ ذلك لا يحقق الإمكانات الكاملة لكفاءة الطاقة. لذلك، قاموا بتحليل ما يلزم الصناعات لتقليل استخدامها للطاقة. وحددوا 9 عوامل من شأنها أن تساعد الشركات والمؤسسات على تصميم وإدارة كفاءة الطاقة بصورة أفضل. الحياد الكربوني ترى الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، أنّ كفاءة الطاقة هي الإجراء الأكثر فعالية بل إنه حجر الزاوية من أجل تحقيق الحياد الكربوني والوصول إلى صافي الصفر بحلول العام 2050 كما يهدف اتفاق باريس. ويرى الباحثون أنّ هناك إمكانات هائلة في كفاءة الطاقة لم يتم استغلالها بعد. كما أشاروا إلى ضرورة التعاون بين الأشخاص ذوي الخبرات والخلفيات المختلفة للشركات؛ فالعمل والتعاون بين خبرات متعددة التخصصات من شأنها أن تحقق النجاح المرجو. يشجع الباحثون أيضًا أن يكون هناك تبادلًا للمعرفة والخبرات بين الشركات المختلفة، ما يوفر دعمًا مستمرًا لتعزيز كفاءة الطاقة على نطاقات واسعة. aXA6IDgyLjI5LjIxMy4xMDAg جزيرة ام اند امز GB

تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟
تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟

الاتحاد

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • الاتحاد

تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟

تأمين الطاقة الكهربائية أم مكافحة التغير المناخي؟ تُعد كهربة كل شيء أكبر تحول يشهده النظام العالمي للطاقة منذ عقود. ومع ذلك، فإن طريق المستقبل يواجه عراقيل بسبب الحروب الثقافية، حول التحول في الطاقة ومكافحة تغيّر المناخ. وهذا يزيد من الضغط على مؤيدي المركبات الكهربائية، ومضخات الحرارة، وتوربينات الرياح لمواجهة المخاطر التي تصاحب رؤيتهم. وتتزايد أهمية التصدي لهذه المخاطر مع ازدياد استهلاك الطاقة. فمنذ عام 2010، نما الطلب العالمي على الكهرباء بوتيرة تكاد تكون ضعف سرعة نمو إجمالي استهلاك الطاقة. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، جزئياً بسبب التقنيات الجديدة الشرهة للإلكترونات، مثل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، وجزئياً ببساطة لأن العالم يزداد ثراءً. في الوقت نفسه، فإن الطريقة التي يلبي بها العالم الطلب على الكهرباء تتغير بشكل جذري: إذ أصبحت مصادر التوليد المعتمدة على الطقس، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، أكبر مصادر الإمداد الجديدة، على عكس المصادر الموثوقة، التي اعتمد عليها العالم طوال القرن الماضي - مثل المفاعلات النووية، ومحطات الفحم، ومشاريع الطاقة الكهرومائية الكبرى. ومع ذلك، لا يزال التفكير العالمي بشأن أمن الطاقة يركّز بقوة على الجغرافيا السياسية للوقود الأحفوري والشرق الأوسط، بدلاً من العالم الجديد المعتمد على الإلكترونات. ولم يحدّد مسؤولو الطاقة بعد المخاطر المترتبة على كهربة كل شيء بدقة. لحُسن الحظ، بدأت الحكومات تُدرك هذه المخاطر. تقترح الوكالة الدولية للطاقة رفع «أمن الكهرباء إلى أولوية سياسية استراتيجية». ففي ورقة سرية تم إعدادها قبل اجتماع حول أمن الطاقة تم تنظيمه مع الحكومة البريطانية في لندن يومي 24-25 أبريل، أبلغت الوكالة الحضور بأن «أمن الكهرباء أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى». ومن الصعب أن يختلف أحد في بريطانيا مع هذا الرأي: فقبل بضعة أسابيع فقط، توقفت عمليات مطار هيثرو بعد أن اشتعلت النيران في محول كهربائي في محطة فرعية قديمة. للأسف، يرى بعض نشطاء البيئة، الذين لا يرون أي مشكلة تقريباً في كهربة كل شيء، أن أي مخاوف تُطرح ما هي إلا محاولات لتأخير التحول الضروري بعيداً عن الوقود الأحفوري. وفي المقابل، لا يرى منكرو تغير المناخ أي مشكلة إلا في مصادر الطاقة المتجدّدة والمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة، متناسين جميع المخاطر التي يجلبها النفط والغاز والفحم. وبين هذين الموقفين تكمن الحقيقة. يتمثل أول المخاطر المرتبطة بكهربة كل شيء في تلبية الطلب الهائل الإضافي على الإلكترونات. فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك الكهرباء العالمي كل عام من 2025 إلى 2027 بما يعادل استهلاك اليابان اليوم. وإذا لم تتمكن مصادر الطاقة المتجددة من تلبية هذه الزيادة، فستكون هناك حاجة إلى مصادر بديلة. وللأسف، لا تزال الصين تعتمد على محطات الفحم لتلبية نمو الطلب على الكهرباء، وهو ما يشكّل خطراً كبيراً على البيئة. وغالباً ما يُنسى أن الفحم، رغم الحديث المتزايد عن النمو في إنتاج الطاقة المتجددة، لا يزال المصدر المفضل عالمياً لانتاج الكهرباء، حيث يوفّر أكثر من ثلث إجمالي الإنتاج. وعند إضافة الغاز الطبيعي، يشكل الاثنان معاً حوالي 50% من إمدادات الكهرباء العالمية. الخطر الثاني هو مواءمة الطلب الذي يتطلب إمداداً مستمراً على مدار الساعة مع نظام توليد يعتمد، بشكل هامشي، اليوم على ما إذا كانت الشمس مشرقة والرياح تهب. وقالت الوكالة الدولية للطاقة في ورقتها السرية: «ستظهر تحديات منهجية في موازنة الشبكات التي تهيمن عليها الطاقة المتجددة بشكل متزايد خلال فترات انخفاض التوليد الممتدة». بعبارة أبسط: لا تزال هناك شكوك كبيرة حول كيفية عمل الشبكة الكهربائية عندما لا يكون الطقس مواتياً. وهذه حقيقة طالما تجاهلتها الوكالة الدولية للطاقة وبعض مؤيدي الطاقة المتجددة. ومن الجيد أن يتم الاعتراف بها الآن صراحة. وهناك مشكلة إضافية: تحت الضغط لتحقيق الأهداف البيئية، تقوم شركات المرافق بإغلاق محطات الطاقة القابلة للتوزيع، والتي يُمكن تشغيلها وإيقافها عند الطلب، مثل المفاعلات النووية ومحطات الفحم والغاز. وتمثل ألمانيا، التي أغلقت جميع مفاعلاتها النووية، مثالاً واضحاً. وقد حذّرت الوكالة الدولية للطاقة قائلة: «تنشأ نقاط الضعف الحالية من التقاعد المبكر لمحطات توليد الطاقة القابلة للتوزيع دون وجود بدائل كافية». الخطر الثالث يكمن في الشبكة الكهربائية ذات الطبيعة العنكبوتية، التي تربط مئات محطات الطاقة والمحطات الفرعية والمستهلكين. وتؤدي الاختناقات إلى تأخير تشغيل محطات الطاقة المتجدّدة لشهور أو حتى سنوات. كما أن عقلية «ليس في فنائي الخلفي» تؤخر الاستثمارات المطلوبة لاستيعاب المزيد من إنتاج الطاقة المتجدّدة. وإذا كان الاستثمار في خطوط الكهرباء الهوائية ضعيفاً، فإن الإنفاق على خطوط التوزيع النهائية أضعف بكثير. كما أن الاستثمار في تخزين الطاقة في الشبكة لا يزال غير كافٍ. الخطر الرابع هو الطابع الخاص للكهرباء: يجب أن يتطابق العرض والطلب على الإلكترونات في كل ثانية، وكل دقيقة، وكل ساعة، وكل يوم. في المقابل، تتمتع أسواق الفحم والغاز والنفط باحتياطات كبيرة تخفّف من أي خلل. أما الكهرباء فلا تملك هذا الترف، مما يجعل النظام أكثر هشاشة. إذ يمكن لبرج كهربائي منهار أن يتسبب في انقطاع الكهرباء عن منطقة بأكملها، كما يمكن لهجوم إلكتروني أن يفصل أجزاء واسعة من الشبكة. الخطر الخامس هو تقلب الأسعار. فقد شهدت أسعار الكهرباء خلال السنوات الخمس الماضية تقلبات أكبر بكثير من أسعار الوقود الأحفوري. في ألمانيا، تراوحت أسعار الكهرباء بالجملة قبل يوم من التسليم منذ عام 2020 بين 687 يورو (782 دولاراً) لكل ميجاواط/ ساعة وسالب 5 يورو لكل ميجاواط/ ساعة. وهذا التقلب الشديد لا يسبب فقط معاناة للمستهلكين، بل يجعل قرارات الاستثمار أكثر صعوبة بالنسبة للمنتجين. وتُعدّ الطاقة المتجددة - والحاجة إلى محطات طاقة باهظة الثمن تعمل بالغاز كبديل خلال فترات الطقس السيئ - السبب الرئيسي وراء هذا التقلب. أول خطوة لحل المشكلة هي الاعتراف بوجودها. ومن الجيد أن الحكومات بدأت تتحدث علنًا عن مخاطر السياسات الخضراء ذات النوايا الحسنة. الآن، التحدي هو البدء في معالجتها. التحدث عن المشكلة ليس إنكاراً للمناخ. إنه واقعية الكهرباء. خافيير بلاس* *كاتب متخصص في شؤون الطاقة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store