
تحولات إقليمية في قطاع "الاتصالات" بدءاً من سوريا فهل يكون لبنان ممراً رقمياً موازياً لمسار الكوابل البحرية؟
فيما يشهد قطاع الاتصالات في المنطقة تحولات استراتيجية مهمة، برزت أخيراً خطوة سورية لافتة عبر إطلاق المرحلة الأولى من مشروع "أوغاريت 2"، بالشراكة مع شركة UNIFI الأميركية، والشركة السورية للاتصالات، وهيئة الاتصالات القبرصية CYTA. المشروع يهدف إلى تأمين ربط دولي عالي الجودة لسوريا، من خلال مسارات بحرية جديدة، وبدعم مباشر من شركة اتصالات أوروبية وأخرى أميركية.
هذا الحدث يسلط الضوء على غياب لبنان عن هذا الحراك الإقليمي، رغم امتلاكه الإمكانيات الفنية والبنية التحتية التي تؤهله للعب دور أساسي فيه. فلبنان، على سبيل المثال، شريك رسمي في الكابل البحري الدولي IMEWE منذ عام 2007 من خلال هيئة أوجيرو في خطوة استراتجية آنذاك تستشرف مستقبل لبنان كمركز اساسي للاتصالات في المنطقة Telecom Hub. فكابل IMEWE هو من أهم الكوابل التي تربط الهند بأوروبا عبر المتوسط، ويملك لبنان سعة وازنة فيه من خلال وزارة الاتصالات وهيئة "أوجيرو"، انطلاقاً من محطة الإنزال في مدينة طرابلس.
مصادر متابعة في قطاع الاتصالات تسأل عبر "النهار" عن عدم مبادرة الحكومة اللبنانية على سبيل المثال إلى بيع أو تأجير سعة من كابل IMEWE إلى سوريا، كما فعلت قبرص عبرCYTA؟ فالخطوة برأيه ممكنة من حيث الإمكانيات التقنية والملكية، ويمكن أن تدر عائدات على الخزينة، وتعيد للبنان بعضاً من دوره في خارطة الاتصالات الإقليمية.
وعلى صعيد الربط التقني، ثمة كابل بحري مهم بين لبنان وسوريا يُعرف باسم Berytar، وهو خط ألياف ضوئية يربط عدة مدن بين لبنان وسوريا خصوصاً مدينتي طرابلس اللبنانية وطرطوس السورية، تم إنشاؤه منذ أكثر من عقدين، ويُشغَّل بالشراكة بين "أوجيرو" والشركة السورية للاتصالات. وقد صُمم الكابل ليكون بوابة تبادل مباشر بين البلدين، ويمكن تطويره ليُستخدم في تمرير سعة IMEWE من لبنان إلى سوريا، ومنها إلى العمق العربي.
ورغم أهمية هذا الكابل، إلا أنه بقي مهملاً، دون أي تحديث حقيقي أو استثمار في قدراته. والفرصة اليوم متاحة لإعادة تأهيله ضمن مشروع متكامل يربط لبنان بشبكة إقليمية تمتد من المتوسط إلى الخليج، عبر سوريا والعراق.
وفي حين يشكك البعض في أن يسمح الوضع السياسي والقانوني بتنفيذ هكذا تعاون، تؤكد المصادر إمكانية ذلك، شرط أن يتم بشفافية كاملة وبالتنسيق مع الجهات الدولية، وفي مقدمها الولايات المتحدة. على اعتبار أن سوريا تخضع لعقوبات، لا يمكن تجاوز القوانين الدولية، وخصوصاً لوائح OFAC (مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي). إلا أن اللافت في مشروع "أوغاريت 2" هو أن شركة UNIFI الأميركية منخرطة فيه، بما يؤكد أن التنسيق القانوني مع الجانب الأميركي، ممكن إذا ما تم التقديم له ضمن إطار قانوني مدروس وواضح. وتالياً، تعتبر المصادر أن الكرة اليوم في ملعب وزارة الاتصالات اللبنانية وهيئة أوجيرو لإعداد تصور مهني يضمن استثمار البنية التحتية للدولة، وعلى رأسها كابل IMEWE وكابل Berytar، في خدمة موقع لبنان الجغرافي والرقمي، وتوليد عائدات للخزينة اللبنانية المنهكة، فالفرصة موجودة، والقدرات متوافرة، وما ينقص هو المبادرة.
في زمن يتحدد فيه النفوذ بالبيانات والربط الدولي، لم تعد كوابل الاتصالات مجرد أدوات تقنية، بل مفاتيح استراتيجية واقتصادية. فهل لبنان مستعد للعب دوره كجسر بين الشرق والغرب؟ أم يواصل الغياب الرقمي... بينما تمر الكوابل من حوله؟
بعد التغييرات الجيوسياسية المهمة التي طرأت في المنطقة أخيراً، لا يجب فقط النظر في استبدال كابل اتصالات بحري قديم بين لبنان وقبرص بآخر جديد (قدموس)، بل يجب مقاربة موضوع الكوابل البحرية بصورة أوسع لتحقيق دور استراتيجي للبنان كبديل بري لمسار الإنترنت بين أوروبا وآسيا، خصوصاً أن 90% من حركة الإنترنت هذه تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس. وتالياً يجب التركيز على جعل لبنان مركزاً رئيسياً من خلال إنشاء مسارات ألياف ضوئية برية شرقاً عبر سوريا والعراق والأردن فالسعودية، تربط لبنان بدول الخليج وآسيا. وكذلك الربط شمالاً مع تركيا وأوروبا عبر شبكات برية، ومن ثم الدمج مع الكوابل البحرية غرباً لتوجيه الحركة نحو أوروبا عبر المتوسط. وذلك يتطلب برأي المصادر، وضع خطة استراتجية من وزارة الاتصالات بالتنسيق مع هيئة أوجيرو تقوم على تحديث البنية التحتية الوطنية للألياف الضوئية والشبكات الأساسية. وإنشاء المزيد من نقاط تبادل إنترنت (IXPs) محايدة في بيروت وطرابلس. وبناء شراكات إقليمية ودولية مع دول كالسعودية والإمارات وتركيا بالإضافة إلى شركات الاتصالات العالمية، وصولاً إلى تسويق لبنان كممر أساسي رقمي محايد وآمن ومتين موازٍ لمسار الكوابل البحرية التي تمر عبر البحر الأحمر، وذلك في ظل التحديات الجيوسياسية المتراكمة من باب المندب إلى قناة السويس.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المركزية
منذ 11 ساعات
- المركزية
هل يعيّن مجلس الوزراء عويدات رئيساً لـ"أوجيرو" في جلسته المقبلة؟
المركزية- يسير قطار التعيينات الإدارية في "الخطّ السريع" على أكثر من مرفق، بعد سنوات من التمديد لرؤساء ومدراء حاليين لأسباب عديدة ومتشعّبة باتت معروفة، بدءاً من الفراغ الرئاسي إلى المناكفات السياسية وغيرهما... ومحطات التعيينات متعددة: من مجلس الإنماء والإعمار، إلى تلفزيون لبنان، فهيئة "أوجيرو" للاتصالات الأرضية... فمع استقالة المدير العام لـ"أوجيرو" عماد كريدية في 18 الجاري بعدما عيّنه مجلس الوزراء مديرًا عامًا للهيئة في العام 2017 خلفاً لعبد المنعم يوسف، استعجلت وزارة الاتصالات "فتح باب الترشّح لملء مركز رئيس هيئة "أوجيرو"/ مدير عام"، ودعت "مَن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة إلى تقديم طلباتهم عبر منصّة "OMSAR". ووفق الآلية المُتّبَعة، أُجريَت الأربعاء الفائت المقابلات المطلوبة مع المرشحين لتولي إدارة هيئة "أوجيرو"، وحصل كلٌ منهم على نقاط معيّنة تخوّل مَن نال النقاط الأعلى أن يحظى بفرصة الفوز. وبحسب معلومات "المركزية"، من غير المستبعَد طرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء في أول جلسة مقبلة، حيث من المقرّر أن يقيّم المجلس الأسماء المؤهّلة للتعيين في المنصب المذكور، وفق سِيَرهم الذاتية والنقاط التي حصلوا عليها خلال المقابلات المنوَّه عنها. وعلمت "المركزية" أن من بين ما يقارب الـ100 طلب، يبرز إسم المرشّح أحمد بسّام عويدات لرئاسة "أوجيرو". في السياق، تجدر الإشارة إلى أن العُرف يقضي بتولي شخصيّة من الطائفة السنيّة رئاسة هيئة "أوجيرو"، ولكن... مع غياب المنافسة الطائفية، هل تشهد غربلة الأسماء منافسة من نوع آخر تحتدم فيها المبارزة السياسية والحزبية؟!

القناة الثالثة والعشرون
منذ 11 ساعات
- القناة الثالثة والعشرون
هل يعيّن مجلس الوزراء عويدات رئيساً لـ"أوجيرو" في جلسته المقبلة؟
يسير قطار التعيينات الإدارية في "الخطّ السريع" على أكثر من مرفق، بعد سنوات من التمديد لرؤساء ومدراء حاليين لأسباب عديدة ومتشعّبة باتت معروفة، بدءاً من الفراغ الرئاسي إلى المناكفات السياسية وغيرهما... ومحطات التعيينات متعددة: من مجلس الإنماء والإعمار، إلى تلفزيون لبنان، فهيئة "أوجيرو" للاتصالات الأرضية... فمع استقالة المدير العام لـ"أوجيرو" عماد كريدية في 18 الجاري بعدما عيّنه مجلس الوزراء مديرًا عامًا للهيئة في العام 2017 خلفاً لعبد المنعم يوسف، استعجلت وزارة الاتصالات "فتح باب الترشّح لملء مركز رئيس هيئة "أوجيرو"/ مدير عام"، ودعت "مَن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة إلى تقديم طلباتهم عبر منصّة "OMSAR". ووفق الآلية المُتّبَعة، أُجريَت الأربعاء الفائت المقابلات المطلوبة مع المرشحين لتولي إدارة هيئة "أوجيرو"، وحصل كلٌ منهم على نقاط معيّنة تخوّل مَن نال النقاط الأعلى أن يحظى بفرصة الفوز. وبحسب معلومات "المركزية"، من غير المستبعَد طرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء في أول جلسة مقبلة، حيث من المقرّر أن يقيّم المجلس الأسماء المؤهّلة للتعيين في المنصب المذكور، وفق سِيَرهم الذاتية والنقاط التي حصلوا عليها خلال المقابلات المنوَّه عنها. وعلمت "المركزية" أن من بين ما يقارب الـ100 طلب، يبرز إسم المرشّح أحمد فارس عويدات لرئاسة "أوجيرو"، وهو يشغل حالياً منصب مدير عام الصيانة والاستثمار في وزارة الاتصالات منذ كانون الأول 1999. في السياق، تجدر الإشارة إلى أن العُرف يقضي بتولي شخصيّة من الطائفة السنيّة رئاسة هيئة "أوجيرو"، ولكن... مع غياب المنافسة الطائفية، هل تشهد غربلة الأسماء منافسة من نوع آخر تحتدم فيها المبارزة السياسية والحزبية؟! انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النهار
منذ 7 أيام
- النهار
قانوناً... ترامب لا يستطيع إلغاء العقوبات على سوريا!
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم، حين أعلن الثلاثاء من الرياض، إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا. استراح السوريون، لكن سؤالاً أثار حفيظة كثيرين: قانوناً، هل يحق لترامب، أو لأي رئيس أميركي، إلغاء العقوبات المفروضة على دمشق، ما دامت مربوطة بقوانين؟". تقول الدكتورة جوديت التيني، أساتذة القانون الدولي في معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، لـ"النهار": "عموماً، إذا كانت العقوبات مفروضةً بموجب أوامر تنفيذية (Executive Orders) حصراً، يعود للرئيس إلغاؤها من دون الرجوع إلى الكونغرس. لكن، في حالة قانوني 'قيصر' و'مكافحة الإرهاب'، العقوبات المرتبطة بهما صادرة ضمن قوانين أصدرها الكونغرس، وتالياً لا يمكن للرئيس أن يُلغيها بمرسوم رئاسي. ما يمكنه فعلياً هو تعليق هذه العقوبات بشكل موقت، بناءً على مصالح الأمن القومي، وهذا يحتاج إلى تبريرات مهمة وإلى تجديد دوري". تضيف: "يمكنه كذلك تخفيف حدة تنفيذ العقوبات بتوجيهات لوزارة الخزانة أو الخارجية. لكن لإلغاء العقوبات بشكل كامل، يجب إقرار قانون جديد في الكونغرس يعدل القوانين الصادرة أو يُلغيها". للوصول إلى إلغاء فعلي للعقوبات على سوريا، بحسب التيني، لا بدّ من اقتراح تعديل هذه القوانين أو إلغائها، و"هنا يمكن لعضو في الكونغرس تقديم مشروع قانون لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا، تناقشه اللجان المتخصصة كلجنة الشؤون الخارجية ولجنة الأمن القومي، ويصوّت عليه مجلسا النواب والشيوخ، ثم يوقعه ترامب بعد موافقة الكونغرس. أما التنفيذ فيتم من خلال الوزارات المعنيّة ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، وربما يستغرق ذلك سنوات عدة، ارتباطاً بالتوافق السياسي في الكونغرس، وقوة المعارضة، والمصالح الدولية". أخيراً، هل تستطيع الشركات التي تتعامل بالدولار استباق التنفيذ القانوني والتعامل تجارياً مع سوريا؟ تجيب التيني: "كلا، لا يمكن اعتبار تعامل الشركات الأميركية، أو الأجنبية التي لها ارتباط بالسوق الأميركية، مع سوريا قانونياً قبل الرفع الرسمي للعقوبات، تحت طائلة العقوبات المالية والقانونية".