أن تكون معلماً وقائداً تربوياً
تُعيدُ مهنةُ التعليم تعريفَ السلطة داخل الصفّ: سلطةُ المعنى؛ يشرحُ المعلّم المفهومَ فينحتُ للطالب طريقًا إلى الاكتشاف، ويصوغُ السؤالَ فيوقظُ الفضول، ويقدّمُ التقييمَ بوصفه حوارًا بنّاءً لا حكمًا نهائيًا. يوازنُ بين صرامةِ المعايير ومرونةِ الوصول إليها، فيُفَعِّلُ التقويمَ التكويني، ويحوّلُ الخطأَ إلى مادةٍ للتعلّم لا إلى وصمة. يخطّطُ للمحتوى على مبدأ البناء التراكمي، ويختبرُ طرائقَ التدريس عبر التعلم القائم على المشروعات، والتعلّم بالبحث، والتعاون بين الأقران، ويصوغُ بيئةً صفّيةً آمنةً تمنحُ الحقّ في السؤال والاختلاف، وتحتفي بتنوّع الخبرات والذكاء واللغات.
يشتغلُ القائدُ التربويّ على الأفق المؤسسي نفسه الذي يتحرّك فيه المعلّم، لكنه يوسّعُ العدسة لتشمل الثقافة المدرسية والسياسة التعليمية والشراكات المجتمعية. يحدّدُ الاتجاه ويُوحِّدُ الجهد: يصوغُ رؤيةً مشتركةً تُترجَمُ إلى أهدافٍ قابلةٍ للقياس من غير أن تُسقط البعد القيميّ، ويَبني فرقًا مهنيةً تتعلّم معًا لا أفرادًا يعملون بمعزل. يديرُ المواردَ بوصفها أدواتٍ للعدالة، فيوجّهُ الدعمَ حيث الحاجة لا حيث الصوت الأعلى. يُفعّلُ البيانات لفهم الفجوات وتحسين الأداء، لكنه يرفضُ اختزال الإنسان في مؤشّر؛ فيقرأُ الأرقامَ ومعها القصص، ويقيسُ التقدّمَ بالتحسّن الفعليّ في حياة المتعلّمين، لا بعدد الشهادات والصور.
تُدمِجُ القيادةُ التربويةُ بين السياسة والأخلاق: تتعاملُ مع التشريعات والميزانيات والاعتمادات، لكنها تُصِرّ أن تظلّ البوصلة هي مصلحةُ الطالب. تُحاورُ الأسرةَ والمجتمع، وتفتحُ المدرسة على محيطها بوصفها مركزًا للمعرفة والخدمة، فتستقبلُ الخبراء وتُرسِلُ طلبتها إلى الحقول والمتاحف والمختبرات، وتحوّلُ المشاريعَ الصفية إلى حلولٍ صغيرةٍ لمشكلاتٍ حقيقية في الحيّ والمدينة. تُرسِّخُ ثقافةَ التطوير المهني المستمرّ، فتجعلُ القراءةَ والبحثَ والتأملَ جزءًا من الدوام لا ترفًا على الهامش، وتعمل على هيكلة النقدَ الداخليّ كي يصبحَ محرّكًا للتحسّن لا مدخلًا للتجريح.
تواجهُ الرسالةُ التربويةُ تحدّيات العصر الرقميّ من موقع الفاعل لا المفعول به. يوظّفُ المعلّم والأستاذ التقنياتِ والذكاءَ الاصطناعيَّ ليُضاعفا القدرة على التعلّم المخصص، ويعلّمان المتعلّم «كيف» يفكّر قبل «بماذا» يُجيب. تُبنى المناهج على محو الأمية الرقمية والإعلامية، وعلى التفكير النقديّ وأخلاقيات المعرفة، فيتعلّم الطالبُ أن يتحقّق من المعلومات، وأن يفرّق بين الرأي والمعطى، وأن يستخدم الأدوات الذكية من غير أن يتنازل عن مسؤوليته الفكرية. تُحفّزُ هذه الأدواتُ التعلمَ النشط: محاكاةٌ للمختبرات، منصّاتٌ للمشاريع التعاونية، تحليلاتٌ فورية لتقدّم الطلبة، مع عيونٍ يقِظة تمنعُ التسرّب إلى سطحيةٍ تُلمّع المؤشرات وتُفقِدُ المعنى.
تستلزمُ العدالةُ التربويةُ تصميمًا شموليًا للتعلم: تُراعى الفروق الفردية، وتُرفَعُ الحواجز أمام ذوي الإعاقات، ويُقدَّمُ الدعمُ اللغويّ والثقافيّ للطلبة القادمين من خلفيّاتٍ متنوّعة. يُصاغُ المنهجُ بلغتين على الأقل حين يقتضي السياق، ويُمنَحُ الطالبُ الموهوبُ فضاءاتٍ للتسريع والابتكار بقدر ما يُمنحُ المتعثرُ وقتًا ودعمًا إضافيّين. تُسجَّلُ النجاحاتُ الصغيرةُ وتُحتفَى بها لأنها اللبنات التي تُشيَّدُ منها الثقةُ بالنفس والقدرةُ على الاستمرار.
تقتضي القيادةُ التربويةُ أيضًا كفاءةً في إدارة الأزمات: تُبنى خططُ الوقاية والاستجابة والتعافي، وتُدرَّبُ الطواقمُ على الإسعاف النفسيّ الأوليّ، ويُصانُ الإيقاعُ المدرسيّ في وجه الطوارئ بلا خسارةٍ لكرامة أحد. تُدارُ المخاطرُ بوضوح التواصل وشفافية القرار، وتُحافَظُ على ثقة المجتمع عبر إطلاعٍ دوريٍّ صادق يوازنُ بين الحقّ في المعرفة وحفظ الخصوصية.
تقتضي الحِرَفيةُ التربويةُ أن يتقنَ المعلّمُ علمَ المادة وطرائقَ تدريسها معًا؛ فلا قيمةَ لمعرفةٍ لا تُنقلُ بنجاعة، ولا جدوى لطريقةٍ بليغةٍ بلا محتوى راسخ. يقرأُ المعلّمُ في تخصّصه وفي علوم التربوية، يتأملُ ممارسته باستمرار، يجرّب، يُعدّل، يوثّق. يَقبلُ بأن التعليمَ مهنةُ «الاقتراب التدريجيّ من الأفضل»، وأن الجودةَ سيرورةٌ لا محطة. ويَقبلُ القائدُ بأن الإصلاحَ التربويَّ عملٌ تراكميّ، يُنجَزُ على مراحل، ويُقاسُ بمتوسط التحسّن على مدى سنوات، لا بضجيج حملةٍ قصيرة.
تستمدُّ المدرسةُ معناها من علاقتها بالوطن والإنسان. تُربّي على المواطنة المسؤولة، والضمير العام، والعمل التطوّعي، واحترام القانون بوصفه عقدًا أخلاقيًا قبل أن يكون نصًّا ملزمًا. تُنمّي الحسَّ الجماليَّ في الفنون واللغة والبيئة، لأن الذائقةَ الرفيعةَ سياجُ السلوك القويم. وتُدرِّبُ على الحوار والتعدّد والاختلاف، لأن المجتمعَ لا يُبنى بالنسخ المتطابقة بل بتآلف المختلفين على قواعد مشتركة.
تُلخّصُ الرسالةُ في فعلٍ مزدوج: أن «تعلّم» وأن «تقود». تعلّمُ لتُحرّر، وتقودُ لتُمكّن. تُحافظُ على حرارة الحكاية داخل الدرس كي لا تبردَ المعرفةُ في يد الطالب، وتُرسِّخُ صرامة المنهج في قلب المؤسسة كي لا تتبدّد الجهود في نوايا حسنة بلا أثر. وتُحسنُ الختام بأن تَعدَ بما تستطيعُ الوفاءَ به: تحسينٌ ملموسٌ في فهم الطلبة، وفي مهاراتهم وقيمهم، وفي علاقتهم بذواتهم ومجتمعهم. هكذا فقط يُصبحُ أن تكون معلّمًا أو قائدًا تربويًا فعلَ بناءٍ يوميٍّ لهُوية الإنسان وكرامته، لا وظيفةً تُؤدَّى ثم تُنسى.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ 36 دقائق
- سرايا الإخبارية
دعوت الله كثيرًا ولم تتحقق دعواتي، فهل الله غاضب عليّ؟
سرايا - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعيش في قلق وتوتر منذ سبعة أشهر، وأنا بلا عمل، وكلما تيسرت الأمور واقترب الخلاص، وأشعر أنني قد اقتربت من الحصول على وظيفة، تحدث أشياء أخرى، وعقبات تعيق ذلك. ومع ذلك لم أتوقف عن الدعاء، وطلب الأوقات التي يكون فيها الدعاء مستجابًا، أصلي بعد منتصف الليل، وأجتهد في الدعاء، وأبكي وأنا ساجد، وأتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو يوسوس لي بأن الله سبحانه وتعالى غاضب عليّ، ولذلك لا يستجيب لي. وأصبح كلام الناس عني بأنني نحس، ولكني قرأت من قبل أن الله سبحانه وتعالى إن ألهمني ويسر لي الدعاء، فبإذنه تعالى سوف يستجيب لي عاجلاً غير آجل، وأنه سبحانه لا يعلق قلب أحد بشيء لم يكن مكتوبًا له. أفيدوني بالله عليكم، ماذا أفعل؟


هلا اخبار
منذ ساعة واحدة
- هلا اخبار
3690 ميجا واط الحمل الكهربائي الأقصى المسجل الأحد
هلا أخبار – بلغ أقصى حمل كهربائي مسجل، اليوم الأحد، 3690 ميجا واط، بحسب بيانات شركة الكهرباء الوطنية. وكان أقصى حمل سجل الأربعاء الماضي، بلغ 4810 ميجا واط.

سرايا الإخبارية
منذ 2 ساعات
- سرايا الإخبارية
إعلان تقديم طلبات الاستفادة من المكرمة الملكية السامية لأبناء العشائر للعام الجامعي 2025-2026
سرايا - تعلن اللجنة العليا للمكرمة الملكية السـامية لأبناء العشائر في مـدارس البـادية الأردنية والمدارس ذات الظـروف الخاصة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن بدء تقديم طلبات الاستفادة من المكرمة الملكية السامية للعام الجامعي 2025-2026، وذلك اعتباراً من صباح يوم الأحد الموافق 17-8-2025، وحتى الساعة الثانيـة عشرة ليلاً من يوم الأحد الموافق 24-8-2025، علماً بأن تقديم طلب الاستفادة من هذه المكرمة سيكون إلكترونياً من خلال الموقع الالكتروني لوحدة تنسيق القبول الموحد ( ، ويتم دفع رسم طلب الاستفادة من هذه المكرمة باستخدام آلية الدفع الالكتروني عن طريق "خدمة تسديد الفواتير من البنك المركزي الأردني" إي-فواتيركم (eFAWATEERcom)، وذلك بعد تثبيت طلب الاستفادة من هذه المكرمة. شروط الاستفادة من المكرمة الملكية السامية: 1. أن يكون الطالب أردني الجنسية. 2. أن يكون الطالب متقدماً بطلب التحاق إلكتروني لوحدة تنسيق القبول الموحد، وذلك قبل أن يتقدم بطلب استفادة من المكرمة الملكية السامية. 3. أن يكون الطالب حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية العامة الأردنية للعام الحالي فقط 2025، وبالدراسة المنتظمة، وبمعدل لا يقل عن (65%). 4. أن يكون الطالب قد أمضى السنتين الدراسيتين الأخيرتين في المدرسة الثانوية المشمولة بالمكرمة الملكية السامية لهذا العام، أو أن يكون الطالب قد أمضى مدة لا تقل عن سبع سنوات في مدرسة رافده للمدرسة الثانوية المشمولة لهذا العام، وانتقل منها لأسباب أكاديمية أو اجتماعية أو رسمية توافق عليها اللجنة العليا. 5. أن يتقدم الطالب بطلب للاستفادة من المكرمة الملكية السامية من خلال الموقع الإلكتروني للوحدة (برمجية تقديم طلب الاستفادة). 6. لا يستفيد من هذه المكرمة الطلبة خريجو المدارس الخاصة. 7. لا يستفيد من هذه المكرمة طلبة الدراسة الخاصة. المدارس المشمولة بالمكرمة الملكية السامية: تم تحديد هذه المدارس من قبل وزارة التربية والتعليم وفقاً لتعليمات المكرمة الملكية السامية لأبناء العشائر في مدارس البادية الأردنية والمدارس ذات الظروف الخاصة، ولمعرفة هذه المدارس حسب المحافظة يمكن للطالب الاطلاع عليها من خلال الموقع الالكتروني لوحدة تنسيق القبول الموحد من خلال الرابط الآتي الوثائق الـرسمية المطلوبة: • على الطالب الذي انتقل من مدرسة مشمولة بالمكرمة الملكية السامية للعام الحالي وكان من أبناء الموظفين الحكوميين الذين اقتضت طبيعة عملهم الانتقال من محافظة إلى أخرى، ولم يكمل الطالب مدة السنتين الأخيرتين المحددة في شروط الاستفادة من المكرمة الملكية السامية، إحضار شهادة من جهة عمل ولي الأمر تبين تاريخ انتقاله وسبب النقل، وتحميلها من خلال البرمجية للنظر في طلبه من قبل اللجنة العليا. • على الطالب الذي درس مدة لا تقل عن سبع سنوات في مدارس رافده للمدارس الثانوية المشمولة لهذا العام، وانتقل منها لأسباب أكاديمية أو اجتماعية أو رسمية احضار شهادة تثبت دراسته في هذه المدارس موقعة ومصدقة من إدارات المدارس ومديريات التربية والتعليم ذات العلاقة (وحسب النموذج الجديد الذي تم اعتماده وتعميمه على مديريات التربية والتعليم) مبيناً فيها سبب النقل وتحميلها من خلال البرمجية. خطوات تقديم طلب الاستفادة من المكرمة الملكية السامية: 1. الدخول إلى الموقع الإلكتروني للوحدة ( قسم مرحلة البكالوريوس والضغط على رابط تقديم طلب الاستفادة من المكرمة الملكية السامية، وبعد ذلك يتم إدخال الرقم الوطني، وكلمة المرور التي قام الطالب بإنشائها عند تقديم طلب القبول الموحد الإلكتروني. 2. إذا كان الطالب مشمول بالمكرمة الملكية السامية نتيجة دراسته للسنتين الدراسيتين الأخيرتين في المدرسة الثانوية المشمولة بالمكرمة الملكية السامية لهذا العام، فعليه القيام بتخزين الاستفادة بعد دخوله إلى الطلب، حيث سيظهر له رقم الدفع الإلكتروني. 3. إذا كان الطالب مشمول بالمكرمة الملكية السامية نتيجة دراسته في المدارس الرافدة للمدارس المشمولة، فعليه القيام بتحميل شهادة تثبت دراسته في هذه المدارس موقعة ومصدقة من إدارات المدارس ومديريات التربية والتعليم ذات العلاقة مبيناً فيها سبب النقل ثم تخزين الاستفادة بعد دخوله إلى الطلب حيث سيظهر له رقم الدفع الإلكتروني. 4. أخيراً يقوم الطالب باستخدام رقم الدفع الإلكتروني لتسديد مبلغ (5) دنانير رسوم تقديم طلب الاستفادة، وذلك من خلال خدمة (إي- فواتيركم)، وبخلاف ذلك لا يعتبر الطلب مكتملاً.