
في ذكرى رحيل إمام الدعاة.. كيف جمع الشعراوي الجميع حول التفسير؟
في مثل هذا اليوم، 17 يونيو/حزيران من عام 1998، أسدل الستار على حياة واحد من أبرز رموز الدعوة الإسلامية، الشيخ محمد متولي الشعراوي.
بعد مسيرة حافلة بالعطاء العلمي والتفسيري والدعوي امتدت لأكثر من نصف قرن، توفي الشيخ محمد متولي الشعراوي عن عمر 87 عامًا.
ولد الشعراوي في قرية دقادوس بمحافظة الدقهلية في 15 أبريل 1911، وسط أسرة محافظة محبة للعلم والقرآن، حيث أتمّ حفظ كتاب الله وهو ابن 11 عامًا فقط، ثم واصل رحلته التعليمية في الأزهر الشريف، حتى تخرّج في كلية اللغة العربية عام 1941، ليبدأ بعدها رحلته مع التدريس والدعوة.
عمل الإمام الراحل مدرسًا بعدد من المعاهد، ثم سافر إلى السعودية للتدريس في جامعة أم القرى، كما مثّل الأزهر في بعثة تعليمية إلى الجزائر، وهناك ساهم في إحياء النشاط العلمي والديني في مرحلة ما بعد الاستعمار، وهي مهام منحته أبعادًا أوسع في فهم قضايا الأمة الإسلامية.
لكن التحول الأهم في حياة الشعراوي جاء من خلال برنامج "خواطر الشعراوي"، الذي بدأ في أواخر السبعينيات، ليقدم أول تفسير متلفز للقرآن الكريم بلغة تُخاطب عامة الناس قبل خاصّتهم، معتمدًا على أسلوب السهل الممتنع الذي مزج بين روحانية الكلمة وبساطة الأداء، حتى صار برنامجه جزءًا من الذاكرة الدينية للملايين.
كما تولّى منصب وزير الأوقاف وشؤون الأزهر عام 1976، ليكون أحد قلة من العلماء الذين جمعوا بين العمل التنفيذي والدعوي، واستثمر هذا الموقع لتعزيز التوعية الدينية وربط الناس بالقرآن الكريم كمنهج حياة.
من أبرز سمات الشعراوي أنه لم يُعرف كفقيه أكاديمي بقدر ما عُرف بداعية متفرّد، يخاطب العقل والقلب معًا، ويقدّم التدبر القرآني بأسلوب إيماني بعيد عن التعقيد. ترك مؤلفات كثيرة، أبرزها: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، وخواطر إيمانية، والإسلام والفكر المعاصر، ونال عدة جوائز من بينها وسام الجمهورية عام 1988 وجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عام 1997 كـ"شخصية العام".
aXA6IDIwNy4yNDQuMjE2LjExMiA=
جزيرة ام اند امز
HR
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 8 ساعات
- البوابة
البطريركية القبطية في جنوب أفريقيا تقود صلاة الغروب الأرثوذكسية: "سلامي أتركه لكم"
قادت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جنوب أفريقيا صلاة الغروب الأرثوذكسية، في مشهد روحي مؤثر جمع ممثلين عن كنائس ومؤمنين من مختلف الجنسيات والثقافات، حيث ألقى الأنبا يوسف، أسقف إيبارشية جنوب أفريقيا، كلمة تحت عنوان: "سلامي أتركه لكم"، مستلهمًا كلمات السيد المسيح في إنجيل يوحنا (14:27). سلام المسيح... هدية في زمن الخوف في كلمته، استهل الأنبا يوسف حديثه بتحية الإخوة في المسيح، مؤكدًا أن "ما يجمعنا ليس فقط الإيمان، بل روح واحدة وكلمة واحدة هي كلمة السيد المسيح: «سلامي أتركه لكم، سلامي أعطيكم»". وأوضح أسقف إيبارشية جنوب أفريقيا، أن هذه الكلمات قالها السيد المسيح لتلاميذه عشية صلبه، في لحظة امتلأت بالخوف والقلق، حيث قدم لهم ليس مجرد عزاء، بل عطية إلهية: سلامه الخاص، الذي لا يشبه سلام العالم القائم على الاستقرار المؤقت، بل هو سلام ثابت لا يتزعزع، ينبع من حضوره في حياة المؤمنين. دعوة للسلام في زمن النزاعات والانقسامات وأشار الأنبا يوسف إلى التحديات التي تواجه العالم اليوم، من حروب ونزاعات وانقسامات داخل المجتمعات، مؤكدًا أن الحاجة إلى سلام المسيح أصبحت أشد إلحاحًا، وقال:"السلام الذي يعطيه العالم هشّ، يعتمد على الظروف. أما سلام المسيح، فهو فوق كل عقل، كما ورد في رسالة فيلبي (4:7)، لأنه يستند إلى حضوره الدائم، وليس إلى ما يحيط بنا من أحداث." الكنيسة القبطية تدعو لزرع السلام في المجتمعات وتابع الأنبا يوسف، مشددًا على رسالة الكنيسة القبطية في جنوب أفريقيا بأن تكون سفيرة سلام ومصالحة في مجتمعاتها، داعيًا المؤمنين لأن يكونوا صانعي سلام، وطرح تساؤلات روحية عميقة:هل نبني الجسور في أماكن الجدران؟هل نزرع المحبة حيث توجد الكراهية؟ هل نثبت في سلام المسيح رغم اضطراب العالم من حولنا؟ إيمان يتحول إلى فعل وفي ختام كلمته، دعا الأنبا يوسف الحاضرين إلى تجديد الالتزام بالسير على درب السلام، ليس بالكلام فقط، بل بالفعل، والرحمة، والإيمان الثابت، مستشهدًا بقول السيد المسيح: "طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعون" (متى 5:9) واختتم بقوله: "فليملأ سلام المسيح قلوبنا، وكنائسنا، وأوطاننا. وليكن معنا جميعًا في طريقنا، ليقودنا نحو عالم أكثر عدلًا ورحمة."


صدى مصر
منذ 20 ساعات
- صدى مصر
مبروووك النجاح بالتفوق بالمركز السابع
ألف مبروك لنجاح ابنتنا! بالمركز السابع بمدرسة منارة طاهر ابو زيد نتمنى لكى دوام التوفيق والنجاح في مستقبلك . . أسأل الله أن يرزقك المزيد من التقدم والنجاح في حياتك.' 'ابنتي الحبيبة، فرحتنا بنجاحك لا توصف. أنت مثال للإصرار والعزيمة، ونتمنى لك مستقبلاً مشرقاً.' 'تهانينا يا نور عيني على هذا الإنجاز، لقد أثلجت صدورنا بنجاحك. أنت فخر لنا.' 'الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، رئيس مجلس الإدارة د. بكرى دردير


صدى مصر
منذ يوم واحد
- صدى مصر
قصة قصيرة 'شبح' بقلم نشوة أبوالوفا
بقلم نشوة أبوالوفا قصة قصيرة 'شبح' بعد فترة طويلة نال فيها منى الإرهاق والتعب مراده في تحويلي لثور أعمى يدور في طاحونة لا تتوقف لكي أجابه متطلبات ومقتضيات تأسيس عملي الخاص؛ لكيلا أكون تحت رحمة هذا أو سطوة ذاك. الحق يقال كان يجب أن أفعل ذلك منذ فترة طويلة، لكن كنت بحاجة لتنمية مهاراتي واكتساب الخبرة، لذلك عملت لفترة طويلة في إحدى الشركات المتخصصة في مجالي وتحملت الكثير، من بين مناوشات هنا ومضايقات هناك، وحين أيقنت أني قد أصبحت لدي الخبرة اللازمة بدأت في تأسيس شركتي الخاصة بالمقاولات، كنت أشرف على كل كبيرة وصغيرة فيها، لم أدع مجالًا على الإطلاق للحظ أو الظروف بأن أحمل غيري مسؤولية الإشراف على المعدات أو متطلبات البناء، كنت أحضرها بنفسي، مشرفًا على العمال؛ خشية أن يسرق أحد من المؤن فيؤدي ذلك لكارثة حين يسقط البناء مثلًا بسبب النقص في المؤن، فأنا أقدر قيمة الأرواح جدًا ولا أستطيع تحمل أن تزهق روح بسببي إن تهدم البناء مثلًا نتيجة للغش. ربما للبعض قد يكون الموت أو فقد شخص عزيز أمرًا عابرًا قد يمضي بعد معاناة الصدمة الأولى بسلاسة وتستمر الحياة. لكن معي أنا كان للفقد قصة خاصة لم أتجاوزها للآن لقد فقدت أمي، لم تمت كما تعتقدون، لقد اختفت! نعم، لا تتعجبوا اختفت منذ ما يقارب الثلاثين عامًا الآن، فلقد فقدتها حين بلغت الخامسة بالتحديد يوم ميلادي ولذلك لا أحتفل به أبدًا وكل من يعرفونني يعلمون أني أمقت ذلك اليوم مقتًا شديدًا، كنت صغيرًا لكني أذكر تفاصيل ذلك اليوم كأنها حدثت الآن وليس البارحة بدأ اليوم جميًلا مبهجًا حين استيقظت وهرعت إلى خارج غرفتي، لأجد والدتي تحتضنني قائلة: -عيد ميلاد سعيد يا صغيري، اليوم أيها الشاب الصغير ستبلغ الخامسة، ليهبني الله طول العمر حتى أراك شابًا كبيرًا تكون عوني وسندي في الحياة يا أسدي. ضحكت وقلت: بالطبع أسدك يا أمي أنا قوي وسأحميكِ بجوار أبي. تجهم وجهها وقالت: هيا لتتناول طعام إفطارك لكي أتفقد ما يجب عمله. بعد أن تناولنا الإفطار بالحديقة ذهبت أنا كي ألعب، وانشغلت أمي بالإشراف على الحفل. نادت عليّ وأخذتني لحمام غرفتي وجهزت ملابسي واستحممت بينما تنتظرني هي خارج الحمام، وساعدتني في ارتداء الملابس التي سأرتديها كنت قد اخترت حُلة رسمية للشرطة بلون أبيض، وارتديت القبعة الخاصة بها ووقفت أمامها أؤدي التحية الخاصة بالشرطة بينما هي تضحك وتحتضنني، كنت أرفع راسي أنظر لوجهها البشوش الضاحك، الذي وجدته فجأة قد تغيرت ملامحه ليغمره حزن وضيق حين نظرت للخارج من نافذة غرفتي المطلة على إسطبل الخيل، وقالت لي: – هيا يا طارق، انزل للحديقة إلى أن يصل باقي أصدقائك لنطفئ الشموع الخمسة الخاصة بك. وتركتني في الغرفة ونزلت مسرعة الخطى، نظرت من النافذة لأرى ما الذي جعل وجهها يتبدل من الفرح والسعادة للحزن فلم أجد ما يدل على حدوث أمر سيء كان المشهد خاليًا كالعادة لا جديد به، إنه المشهد العادي الذي دومًا أراه من نافذة غرفتي أمام بوابة الاسطبل الكبيرة، لم ألق بالًا للأمر وركضت لأنزل لكي ألعب مع أقراني، وكانت تلك آخر مرة شاهدت فيها والدتي، بعد لعبي في الحديقة وحضور الجميع الذين كنت أسمعهم يسألون المضيفين لهم عن والدتي، وكانت الإجابة الدبلوماسية: ستأتي حالًا. سألتني المشرفة على التقديم: صغيري طارق ألم تشاهد والدتك؟ – لا. أخذت تجول ببصرها يمينًا ويسارًا وزفرت وتركتني. بعد قليل بدأت أشعر بارتباك غير طبيعي في محيط من حولي من الكبار، ثم نادى أبي بصوت مرتفع: يا أصدقاء هل شاهد أحد منكم إيمان؟ أو يعرف أين هي. كانت الإجابات كلها بالنفي. تحولت الفيلا لخلية نحل للبحث عن أمي، في كامل أنحاء الفيلا والحديقة والإسطبل، لم نجد لها أثرًا. بدأت في البكاء ثم النحيب المتواصل لقد كنت ابنهما الوحيد والمدلل بالطبع، وأمي لم تكن تفارقني على الإطلاق، شعرت بالخواء وكأنني حلقة مفرغة، ظللت أبكي وأبي يحاول تهدئتي وكذلك المحيطون بي، إلى أن سقطت في النوم بفعل إرهاقي من كثرة بكائي. استيقظت في الصباح، نظرت بجواري لم أجد أمي؛ فهي تنام بجواري كل يوم. ناديت بصوتي المبحوح الذي تضرر من بكاء البارحة: – أمي أين أنتِ؟ جاءني صوت صباح المربية متهدجًا: لا تخف صغيري سنجدها. نظرت لها مرتعبًا: ألم تعثروا عليها بعد؟! بكت، احتضنتني وقالت: إنهم يبحثون. ومنذ ذلك اليوم وانتهى وجود أمي في حياتي، لم يمر عليَّ الأمر مرور الكرام أبدًا، لقد بدأت معاناتي بالصراخ والانهيار وصراخ أبي في وجهي بماذا سيفعل؟ وأنه بذل كل ما يستطيع لكي يجدها، كان اختفاؤها مريبًا، لم تأخذ أي شيء من متعلقاتها، ملابسها بأكملها ما زالت موجودة، ذهبها ومجوهراتها، لم ينقص أي شيء منها، وكأنما الأرض قد انشقت وابتلعتها كما قال عم جابر عامل الاعتناء بالحديقة قال لي: يا طارق أمك جميلة، الجني خطفها من أجل جمالها. عشت عمري كله ناقمًا على ذاك الجني الذي طمع بجمال أمي وخطفها، وصارت تلك حكاية إيمان الجميلة التي خطفها الجني وتناقلتها ألسنة أهل القرية. لم تكن تلك الشائعات هي فقط ما أصابني، لقد ابتليت بالكوابيس، كل ليلة استيقظ فزعًا، صارخًا، غارقًا في عرقي، لاهث الأنفاس؛ بسبب تلك السيدة التي تظهر في أحلامي وتنادي عليّ طارق، طارق وتحاول أن تمسك بيدي. منذ اختفاء أمي لم تخطو قدماي ناحية غرفتها، ولم يفعل أبي ذلك أيضًا، لقد هجر الغرفة وأصبح ينام بغرفة أخرى أما أنا فقرر أبي أن يعهد بمهمة العناية بي لعمتي في القاهرة، بعد ذلك الكم الهائل من الكوابيس الذي لم يدع لي مجالًا للنوم إلى أن وصل بي الأمر بأن أخذوني لطبيب نفسي وأوصى بعلاج خاص لمن في مثل سني وبعد فترة تناقصت وتيرة الكوابيس حتى اختفت بعد أن غادرت القرية ولم تطأها قدمي مرة أخري، كان أبي يزورني بين الفنية والأخرى عند عمتي وأصبحت علاقتي به كالغرباء. حاول المحطين بأبي حثه على الزواج مرة أخرى بما أنني لا أقيم معه ولا يحمل همي، لكنه رفض، وظل كما هو بالفيلا يعتني بخيله. شاءت الظروف أن يعهد إليّ بإقامة بناء ضخم لمول تجاري سوف يتم افتتاحه في القرية، لم يكن بإمكاني الرفض، إقامة منشأة كتلك بالتصميم الموجود في تصوري سيكون إضافة لشركتي الوليدة، لكن للأسف لا يوجد فنادق بالقرية وكان الحل الأوفر ماليًا بالطبع أن أقيم بفيلتنا ويقيم العمال المرافقون لي بملحق الفيلا، هاتفت والدي وشرحت له الموقف ولم يبد اعتراضًا. وصلنا القرية ليلًا، ما أن مرت عجلات السيارة من الطريق المؤدي للقرية إلا وأصابت قلبي انقباضة قوية، لكني عزيت ذلك للإرهاق الذي أنا أغوص فيه منذ مدة، وصلنا الفيلا والانقباض يزداد، وكأن ثقلًا جثم على قلبي واحتل روحي. دللت العمال على مكان إقامتهم ودخلت للفيلا سلمت على والدي الذي فاجئني بقوله: -للأسف طارق، حمام غرفتك وحمامات القسم المجاور لها كلها أصابها عطل غريب اليوم وستضطر للإقامة في غرفة والدتك. نظرت له معترضًا فقال: لن أقيم أنا فيها، أنا لي غرفتي وروتيني ولن أبدله، إلا إذا فضلت أن تنزل لتقيم مع عمالك في الملحق. كان الخيار الأخير غير متاح بالنسبة لي؛ أنا أفضل النوم في هدوء تام بلا أي صوت بجواري، والعمال مهما بلغت درجة هدوءهم لن يخلو الأمر من صوت تحركهم هنا وهناك، وأنا أريد لهم الراحة أيضًا فربما شعروا بحرج من وجودي ونومي عندهم. استسلمت لذلك الأمر الواقع الذي فرض عليّ، كنت مرهقًا جدًا وغططت في النوم لأستيقظ فزعًا على ذلك الكابوس الذي عاودني فجأة، امرأة أحس بألفة بيني وبينها أشعر أنني أعرفها لكني خائف من شكلها المرعب، تحاول أن تمسك بقدمي. قمت بتشغيل سورة البقرة فهكذا أفعل دائمًا عند اضطراب نومي، وأكملت نومي حتى الصباح في هدوء. بدأت مع العمال التجهيز لما سنقوم به ومر اليوم خاليًا من أي أحداث أو مشاكل، انتهى اليوم وإرهاقي قد بلغ مداه، تمددت في السرير ورحت في سبات عميق إلى أن استيقظت فزعًا، لكني هذه المرة لم أصرخ، جلست على سريري لأتذكر ما رأيته لقد كانت نفس المرأة، تناديني بصوت مفعم بالحب هذه المرة، وأشارت لي نحو المرآة الموجودة بالغرفة، اعتدلت في جلستي وأخذت أنظر للمرآة، ثم قمت مقتربًا منها، أخذت أتأملها وتأمل تلك الزخارف المحفورة بإطارها، لم أجد شيئًا غريبًا أو يثير الانتباه، يبدو أن أحلامي تلك ستؤثر على عقلي، هممت بالدخول لدورة المياه الخاصة بالغرفة، الواقعة بجوار المرآة، لكن لفت انتباهي ضوء لامع يأتي من المسافة ما بين المرآة والجدار من خلفها، ومضة فضية، نظرت بتمعن هناك شيء ما، مددت يدي لأمسك بذلك الشيء، إنها قلادة كانت معلقة على مسمار خلف إطار المرآة، تأملتها، إنها قلادة نسائية فضية، قلب القلادة مزخرف باسم إيمان، يبدو أنها من النوع الذي يحوي صورة ما بداخله، حاولت ان أفتحها لكنها استعصت عليّ في البداية ثم استطعت فتحها لكن جرح إصبعي أثناء ذلك، لم أهتم ما جذب انتباهي هو تلك الصورة لأمي ورجل بجوارها، ذلك الرجل ليس أبي، إنه رجل لم أره قبل الآن أبدًا، لكن ذلك الرجل يشبهني إلى حد كبير، أو بالأحرى بما أن الصورة قديمة، فأنا أشبه ذلك الرجل، كانت وقفة الرجل بجوار أمي وقفة حميمية، أي أنه ليس برجل غريب عنها، وكان معلق بسلسلة القلادة مفتاح صغير، لا أدري ماذا يفتح، لكن بالنظر لحجم المفتاح أخمن أنه صندوق صغير مثلًا. احتلني الفضول تجاه ذلك الرجل الواقف بجوار أمي، وذلك المفتاح، خبأت المفتاح ووضعت القلادة بجواري، وأكملت نومي، لتظهر لي المرأة هذه المرة في الإسطبل ثم تأخذني لسرداب أسفل الإسطبل. في الصباح توجهت لغرفة أبي طرقت الباب، لم أجد ردًا، فتوقعت وجوده بالإسطبل، ذهبت له كان يداعب مهرة حالكة السواد، فألقيت عليه التحية وبلا أي مقدمات سألته وأنا أمد له يدي بالقلادة: هل تعرف هذا الرجل؟ نظر أبي جيدًا للصورة وتغيرت ملامح وجهه، واحتلها الغضب وسألني بحدة: – أين وجدت هذه القلادة؟ أجبته بلامبالاة: في غرفة أمي. فرد وهو يحاول كبح جماح ذلك الغضب الذي يسيطر عليه ويبدو جليًا: لا أعرفه. ثم تندر ساخرًا: بإمكانك أن تسأل أمك. وتركني وغادر الإسطبل. شعور غريب يكتنفني أن هناك علاقة بين اختفاء أمي وبين الرجل بالصورة. أخرجني من تفكيري صوت عامل الإسطبل وهو يقول لي: هناك فتاة تريدك بالخارج مهندس طارق. رافقته حتى الفتاة لأجد صبية جميلة ما أن رأتني حتى قالت: – أنرت القرية مهندس طارق، انتظرناك طويلًا. نظرت لها بغير فهم لتقول: أقصد أمي انتظرتك طويًلا. – أمك انتظرتني! من تكون؟ ابتسمت وقالت: أمي صباح مربيتك في صغرك. انفرجت أساريري وابتسمت وغمرني السرور وقلت: أما زالت على قيد الحياة؟! نظرت لي الفتاة مستنكرة سؤالي وأجابت: أطال الله في عمرها، هل لديك وقت لترافقني فهي تريد رؤيتك بشدة. – بالطبع. رافقت الفتاة وفي الطريق علمت منها أن اسمها إيمان على اسم أمي، وأن والدتها دائمًا ما كانت تبحث عني وتستقصي أخباري وتعلم أن هذه أول مرة أنزل بها للقرية ولولا أنها لا تستطيع السفر لكانت سافرت لي لتقابلني. تعجبت بشدة، فما الذي يجعل صباح مستميتة هكذا لمقابلتي. دخلنا المنزل وطالبتني الفتاة بالجلوس في غرفة الضيوف، ثم اختفت لتخرج بعد قليل وهي تدفع سيدة أمامها على كرسي متحرك، تضايقت لمرآها هكذا ربما لا أتذكر حقًا شكلها لكني أتذكر أنها كانت حنونة عليّ كثيرًا وكانت تحبني جدًا، هللت ورحبت بي وقمت واقتربت منها لأسلم عليها فأخذت تربت على كتفي وتقول: ما شاء الله، لقد أصبحت رجلًا يا صغيري. جلست لتعطيني صندوقًا وتقول: هذا الصندوق أمانة عندي من والدتك، أمنتني أن اسلمه لك حين تصير رجلًا، وألا يطلع أحد على ما فيه سواك، وقالت لي أنك ستجد مفتاح الصندوق في قلادة معلقة خلف المرآة في غرفتها. نظرت لها متعجبًا مما تقول وقلت لها: فعلًا لقد وجدت المفتاح وها هو معي. وأخرجت المفتاح من جيبي، وفتحت الصندوق لأجد به بعض مجوهرات ثمينة، وظرفا مغلقًا بالشمع الأحمر مكتوب عليه (افتحه وأنت وحدك) وظرفًا آخر مفتوح أخرجت ما فيه لأجد مكتوب (صغيري طارق، لا بد من أنك اصبحت شابًا كبيرًا الآن، المجوهرات بهذا الصندوق سلم نصفها يا صغيري لصباح فهي رفيقتي وتستحق كل الخير، والباقي لك يا صغيري، لا تخبر ربيع بما تركته لك، فهذه المجوهرات هي إرثي من والدي، بم أنك تقرأ هذا الخطاب فلا بد من أنني قد توفيت، اقرأ ما يحتويه الظرف المختوم بالشمع الأحمر بعناية، وحدك يا صغيري، ستكتشف كل الحقيقة) نفذت ما طلبته أمي وسط رفض من صباح وابنتها إيمان فقد كانتا تريان أن كل ما في الصندوق من حقي أنا، ولكن أصررت عليهما وانتهى الأمر أن قررنا أني سأتصرف في المجوهرات بمعرفتي، وأعطي المال لهما، فهما لن تستطيعا التصرف فيها أو الاحتفاظ بها. طلبت منهما أن يظل الصندوق معهما إلى أن أفكر لمن سنبيع تلك المقتنيات الثمينة. عدت للفيلا لأجد والدي يسألني ماذا كنت أفعل عند صباح وابنتها، فأجبته كانت تريد رؤيتي فهي مشتاقة لي. نظر لي بشك ولم يعقب. كنت في غاية اللهفة لمعرفة ما يحتويه الظرف المغلق دخلت غرفتي وأغلقت الباب من الداخل، وجلست على السرير وفضضت الشمع وأخرجت الأوراق كانت تلك الأوراق عبارة عن تقارير طبية تثبت أن والدي ربيع رجل عقيم. نظرت للأوراق في غير تصديق لعلي أستوعب، لكن لم أصدق، أيعقل هذا! إذا كان والدي لا ينجب فابن من أنا؟ هل أنا لقيط لا أهل لي؟ أم أنني ابن سِفاح ناتج عن علاقة غير شرعية ارتكبتها أمي وتستر عليها والدي. أكملت تفقدي للأوراق لأجد صورة من قسيمة زواج باسم أمي من شخص يدعى نادر محسن السيد. ازدادت حيرتي، قررت قطع الشك باليقين، ذهبت لغرفة أبي لكنه لم يجب، فخمنت مكانه، بالتأكيد هو في الإسطبل، ذهبت له سألته بلا أي مقدمات: هل حقًا أنت عقيم؟ نظر لي ببرود: هذا القول سبة في حق أمك. – صارحني ابن من أنا؟ – لا أعلم. – من هو نادر محسن؟ – لا أعلم. – ألا تعلم بمن كانت أمي متزوجة؟ – لقد مات قبل زواجي منها. – وابن من أنا؟ – قلت لا أعلم. – حسنا سأنشر هذه الأوراق للعلن، قسيمة زواج أمي والأوراق التي تثبت أنك عقيم. هز رأسه يمينًا ويسارًا: حقًا إنك متهور مثلها، وهل ستفضح نفسك، وتعرض سيرتك وسيرتها لتلوكها الألسن؟ – لا يهم أريد أن أعرف ابن من أنا؟ – إذا كانت لا تهمك سيرتك وسيرتها أتريد أن يعرف الناس أني عقيم وأنت تعرف أن هذه ستكون سبة في جبيني وفضيحة لي أمام الكل، ألا ترد لي الجميل بأني نسبتك لنفسي، وتكفلت بمصاريفك. – اليوم زلزل كياني وكل ما كنت أؤمن بقدسيته قد تحطم. ما أن نطقت بتلك الكلمة حتى رأيت شبح المرأة التي رأيتها في منامي، يقف خلف ربيع. قال ربيع: حسنًا طارق، سأخبرك بكل شيء، ولكن هل ستحتمل الحقيقة؟ – ماذا تقصد أكانت أمي خاطئة وأنا ابن حرام؟ ابتسم ربيع: لا لم تكن إيمان هكذا أبدًا، لكن ما سأخبرك به يجب ألا يخرج من هذا الإسطبل، وإن خرج صدقني فلن تعجبك النهاية، أنت أيها الشاب لا تعرفني جيدًا، ولا تعرف ما أستطيع فعله، مسألة أني لا أنجب تلك مسالة وجودية، أنا أنحدر من عائلة صعيدية الجذور، معنى أني لا أنجب أني لست برجل، وأنا رجل بل وسيد الرجال، لو اضطرني الأمر سأقتل ثانية في سبيل ألا تكشف علتي. نظرت له غير مصدق لما أسمعه منه: ما الذي تهذي به؟ صرخ في وجهي: أنا لا أهذي، نعم أنت لست ولدي لكنك لست ابن حرام، انت ابن نادر محسن. وشرد في الفراغ كانت إيمان زوجة لنادر وكانا في غاية السعادة، رأيتها وسرقت لبي، سحرتني بجمالها ورقتها، واشتعلت نيران الغيرة في قلبي بسبب حبها لنادر، حاولت أن أجعلها تميل لي، لكني لم أفلح، دبرت مكيدة لوالدك وجعلتها تمسك به مع من ظنت أنها عشيقته، غضبت والدتك غضبًا شديدًا ولم تعطه فرصة للشرح، وكان الفخ المنصوب له محكمًا بحق، وتركته وغادرت مسكنهما، واختفى والدك، لتعرف والدتك بحملها بك، عرضت عليها أن تكون لي، لكنها رفضت فكيف تكون لي وهي زوجة لرجل آخر، لتظهر جثة والدك، لم تكن أمك أخبرت أحدًا بحملها، سوى صباح، مرت شهور العدة، وجعلت الأخبار تصل إليها بأن أهل نادر يبحثون عن زوجته ليحملوها وزر مقتله فلقد مات مقتولًا، وأخبرتها أنهم لو علموا بحملها فسيأخذون الوليد منها، هربت معي وتزوجتني، ونسبتك لي، كانت تعشقك، وتتعامل معي بجمود، حتى حقي الشرعي لم أكن أناله منها إلا نادرًا، لكني كنت أريدها بجواري، أشعر معها بالأمان فهي تذكرني بأمي فملامحها بها شبه كبير منها، كل ما كنت أريده أن تصبح لي وملكي، إلى أن جاء يوم ذكرى ميلادك وشاهدت معي تلك الفتاة التي كانت أمسكتها مع والدك، كانت قد أتت لي تريد نقودًا، وسمعت أمك ما دار بيننا وعلمت أني قتلت والدك، وصممت على فضحي، كما تريد أنت الآن. نظرت له في غير تصديق ورأيت الشبح الذي كان يظهر لي في أحلامي وقد وضحت ملامحه ليظهر لي أنه شبح أمي وهي تدور في الإسطبل بغضب. وربيع يكمل قائلًا: نعم أعشقها لكن ما كنت لأدعها تحطم سمعتي ورجولتي أو أسمح لها أن تبتعد عني لتكون في المستقبل مع رجل آخر مثلًا، لذا كان الأسلم هو قتلها، ودفنتها هنا في الإسطبل في تلك البقعة. وأشار لبقعة بعيدة وقال: تحت تلك البقعة يقع سرداب صغير دفنتها به، وسأدفنك بجوارها. في تلك اللحظة رأيت شبح أمي وكأنه يقتحم جسد المهرة لتصهل تلك صهيلًا عجيبًا لم أسمعه من مهرة من قبل وتخرج من مكانها تقف على قائمتيها الخلفيتين وتضرب ربيع ضربة قاتلة في صدره. حدث هذا في ثوان معدودة لأجد ربيع ممدًا على الأرض وما زالت المهرة تضربه، ثم استكانت بفقده للروح، وخرج منها الشبح واقترب مني مبتسمًا ثم اختفى. لقد أنقذتني أمي. قمت بإبلاغ الشرطة والبوح لهم بكل ما اعترف به ربيع، ودللتهم على مكان جثة أمي، لم أخبرهم بالطبع عن الشبح، وقدمت لهم ما لدي من أوراق، وبتفتيش الفيلا وغرفة ربيع عثر على مذكرات بخطه يعترف فيها بم فعله، ووجدت أهل والدي وصححت نسبي لهم، وتزوجت من إيمان ابنة صباح. تمت بحمد الله