
فاضل الربيعي أمضى أعواما من السجال حول جغرافية الأديان
اقترب الكاتب والباحث العراقي فاضل الربيعي من تاريخ التوراة، الكتاب المقدس عند اليهود، وراح يبحث عن "الحقائق التوراتية" من النص نفسه، بعدما أتقن العبرية، ومضى يسائل "اليقينيات"، متناولاً "جغرافية التوراة" وتاريخ فلسطين واليمن.
قارئ كتب فاضل الربيعي، الذي رحل في هولندا، حيث كان يقيم بعد معاناة مع المرض، وشاءت عائلته أن يدفن في وادي السلام في النجف الأشرف في العراق، يلاحظ أن الباحث يتمترس خلف ترسانة من "الأدلة والشهود واللقى والأثريات" التي تؤكد أن التوراة نشأت في اليمن، مخالفاً ما توصل إليه المؤرخ اللبناني كمال الصليبي الذي كشفت أبحاثه في تاريخ التوراة وجغرافيتها أن التوراة جاءت من جزيرة العرب، وتحديداً من منطقة عسير، وتوفرت له هذه "الحقائق" من خلال الشواهد النقشية والجغرافية اللغوية والمطابقات المعتمدة على أسماء المناطق الواردة في التوراة، وتلك الموجودة في الواقع، مما أوصل الصليبي إلى خلاصات أحدثت دوياً هائلاً في العالم، ونُظر إليها على أنها "تشكك في شرعية إسرائيل".
كتاب لفاضل الربيعي (دار الرافدين)
ومن ثوب الصليبي خرج الربيعي، ومعه عدد من الباحثين العرب، من بينهم فرج الله صالح ديب، صاحب كتاب "اليمن وأنبياء التوراة"، وزياد يوسف منى وكتابه "جغرافية التوراة: مصر وبنو إسرائيل في عسير"، وأحمد عيد وكتابه "جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة".
يحرص فاضل الربيعي في كتاباته ولقاءاته التلفزيونية العديدة، التي جعلته نجماً في الفضائيات العربية والمنتديات، على الجهود التأسيسية العميقة للصليبي، لكنه يتبرأ من نتائجه التي قادت إلى أن التوراة جاءت من جزيرة العرب، ويصر على أن مصدر التوراة ومسرحها أرض اليمن، داعماً ذلك بالتشابهات في اللغة، وعازياً أي تعارضات إلى أخطاء في الترجمة وإلى ليّ أعناق الحقائق.
ما يُقلق في جهود الربيعي أنه قاطعٌ في أحكامه، يستخدم لغة غير حجاجية قائمة على الإفحام، فضلاً عن تكراره في كتاباته ولقاءاته بأنه "متخصص" في اللغة العبرية، وبأنه أقام في عدن، وزار اليمن أكثر من 10 مرات، وأن لديه "آلاف" الأدلة التي تدعم أطروحته. ولا ريب في أن مثل هذه اليقينية تشعر المتلقي بالخشية، لأننا نحفر في قضية تنتسب إلى العلوم الاجتماعية والإنسانية، مما يعني أن النتائج تتوخى أن تكون نسبية وذات صدقية راهنية، على خلاف الحقول العلمية كالرياضيات والفيزياء والكيمياء، والتي لم تسلم هي أيضاً من الطعن فيها، اللغة القطعية تتحول مع الوقت إلى أيديولوجيا.
كتاب آخر (دار جداول)
إعادة قراءة الأديان الإبراهيمية والبحث عن التاريخي في الأسطوري حقل مفتوح أمام الباحثين، شريطة الامتثال لقواعد المنهج التحليلي، والاستفادة من المناهج اللغوية والنقدية ومنهج التأويلي. وإذا كان العمل متصلاً بأحفوريات تاريخية تمتد آلاف الأعوام، فإن المهمة تصبح صعبة، ولا يمكن لباحث مفرد، من الذين ذكرناهم، ومن بينهم الصليبي نفسه، أن يعمل بلا جهد مؤسسي، ينخرط فيه باحثون مختصون، وتشرف عليه جهة علمية، وتنفق في سبيله الأموال الطائلة.
على كل حال، لم يكن انشغال الربيعي بالأساطير، وبحثه عن جغرافية التوراة والأديان، بمعزل عن طبيعته الشخصية التواقة إلى الاقتحام، فهو دائم العمل ودائم البناء ودائم الهدم. وكان نصيب أكثر محاولاته في هذا الخصوص النجاح، ومرد ذلك ربما إلى النشأة التأسيسية الصارمة للربيعي في الحزب الشيوعي العراقي، وعمله اللصيق مع الثورة الفلسطينية، إذ كان عضواً في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وعمل في مجلة "الحرية" وكتب دراسات عن الأدب الفلسطيني، وبخاصة أعمال غسان كنفاني.
وبفضل نزعته النقدية انفصل الربيعي عن الحزب الشيوعي العراقي، بل إنه أرخ ذلك الانفصال برواية "عشاء المأتم/ ليلة الشاطئ الجميل اللعينة" التي تركت أثراً طيباً في الأوساط الأدبية العربية.
قراءة للتاريخ القديم (دار رياض الريس)
وتفاقمت النزعة النقدية الانفصالية لدى الربيعي، ورأت في تاريخ الأديان حقل انفجارها الكبير الذي تجسد في الكتب والدراسات التي ضمتها كتب عن "فلسطين المتخيلة" و"إسرائيل المتخيلة"، ومؤلفات عدة أخرى، جهر فيها بما ظنه حقائق "قاطعة"، بل إنه استعاد "نظرية المؤامرة" وقال إن التاريخ المروي (المتداول) حول التوراة والموطن الأول لليهودية مفبرك، إذ اعتمد المستشرقون على نسخة من التوراة زورتها بريطانيا والولايات المتحدة لأسباب استعمارية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توصل الربيعي في ما توصل إليه إلى أن اليهود لم يعيشوا في فلسطين، بل جاءوا فلسطين بعد السبي البابلي في نجران، وأن التوراة نزلت في اليمن، وأن هيكل سليمان كان موجوداً على جبل الهيكل بين تعز وعدن وخرّبه الرومان، وأن اليهود لم يعيشوا في مصر، وأن لا وجود لملك اسمه فرعون، وأن التيه اليهودي حدث في تعز باليمن، وليس في سيناء المصرية.
ومن خلاصاته أن النبي إبراهيم (أبا الأنبياء) لم يغادر اليمن مطلقاً، كما أن أسماء الأماكن في اليمن حُرّفت لتقع في فلسطين، مما يبدد الاعتقاد بأن فلسطين أرض الميعاد.
أمضى فاضل الربيعي حياته مقاتلاً من أجل الأفكار، وجذبه "سحر الانحياز" إلى الولاء لما يظنه دائماً حقيقة (بما في ذلك تأييد النظام السوري السابق)، ولما كان هذا السحر صنو العمل السياسي والأدبي المبكر، ولما كان الإبداع الثقافي فقيراً من دون الزخرفات السحرية التي تنهل من نهر الخيال الجاري، فإن الأمر ذاته لا يصلح للدراسات الأركيولوجية، فما بين الأدب والصحافة والدراسات النقدية التي تعتمد على الذائقة وعافيتها، وبين الدراسات التاريخية التي تعتمد على المنهجية العلمية المنقّاة من الهوى بونٌ شاسع.
وحتى لا يُترك للتاريخ اليد الطولى للحكم على ما أنجزه الربيعي في حقل جغرافيا الأديان، لأن التاريخ دائماً ما يتأخر ويرضخ لاشتراطات السياسة وحساباتها وتلوناتها، فلا بد من أن تواصل ميراث الربيعي مؤسسة بحثية رصينة هدفها إنصاف الحقائق العلمية، وليس المغالبة الأيديولوجية، فقد أفنت البشرية أعمارها وما انفكت في الصراع على التاريخ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 13 ساعات
- الرياض
الحجاج اليمنيون يشيدون بخدمات منفذ الوديعة
أشاد الحجاج اليمنيون بالخدمات المقدمة لهم من الجهات العاملة بمنفذ الوديعة، مؤكدين أن ذلك غير مستغرب على أبناء المملكة، الذين يجعلون خدمة الحجيج اهتمامهم ونصب أعينهم، وهم يؤدون عملهم بكل احترافية، لإنهاء إجراءات الدخول بكل يسر وسهولة. وعبّر الحاج محمد عبدالله الثمري عن شكره وتقديره لحكومة المملكة على اهتمامها وحرصها على راحة الحجيج من أنحاء العالم كافة، ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وطمأنينة. من جهته أشار الحاج زياد أحمد علي إلى حجم السعادة التي يشعر بها وهو يتجه صوب مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء مناسك الحج، وهو على ثقة تامة بأنه والحجاج الآخرين لن يواجهوا تعبًا أو صعوبة؛ نظرًا لما لمسوه من عمل متقن واحترافي من جميع الجهات العاملة بمنفذ الوديعة، إلى جانب السرعة في إنهاء الإجراءات، والترحيب الحار وتوزيع الورود من العاملين كافة، مؤكدًا التطور الهائل في الخدمات المقدمة لهم، من خلال الإجراءات الحديثة والمتطورة التي تسهم في خدمة الحجاج وراحتهم. بدوره قدّم الحاج إبراهيم عبدالله جباري شكره لكل العاملين بالمنفذ على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، والخدمات المقدمة والتنظيم المميز والعمل الاحترافي التي أسهمت في إنهاء إجراءات دخولهم بسرعة وراحة تامة، سائلًا الله العلي القدير أن يديم على المملكة أمنها واستقرارها. وتحدثت الحاجة صديقة محمد علي عن فرحتها الغامرة وهي تهم بمغادرة المنفذ بعد إنهاء إجراءات دخولها، مشيدة بالدور الكبير الذي تقوم به المملكة في خدمة الحجيج. وتعمل الجهات الحكومية والخاصة والتطوعية العاملة بمنفذ الوديعة ومدينة الحجاج بشكل متواصل، وعلى مدار الساعة، لاستقبال الحجاج القادمين من الجمهورية اليمنية، وتسهيل وإنهاء إجراءات دخولهم إلى المملكة لأداء فريضة الحج لهذا العام، ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة.


صحيفة سبق
منذ 2 أيام
- صحيفة سبق
الحجاج اليمنيون يشيدون بالخدمات عبر منفذ الوديعة: "غير مستغرب على أبناء المملكة"
أشاد الحجاج اليمنيون بالخدمات المقدمة لهم من الجهات العاملة بمنفذ الوديعة، مؤكدين أن ذلك غير مستغرب على أبناء المملكة، الذين يجعلون خدمة الحجيج اهتمامهم ونصب أعينهم، وهم يؤدون عملهم بكل احترافية، لإنهاء إجراءات الدخول بكل يسر وسهولة. وعبّر الحاج محمد عبدالله الثمري عن شكره وتقديره لحكومة المملكة على اهتمامها وحرصها على راحة الحجيج من أنحاء العالم كافة، ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وطمأنينة. من جهته أشار الحاج زياد أحمد علي إلى حجم السعادة التي يشعر بها وهو يتجه صوب مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء مناسك الحج، وهو على ثقة تامة بأنه والحجاج الآخرين لن يواجهوا تعبًا أو صعوبة؛ نظرًا لما لمسوه من عمل متقن واحترافي من جميع الجهات العاملة بمنفذ الوديعة، إلى جانب السرعة في إنهاء الإجراءات، والترحيب الحار وتوزيع الورود من العاملين كافة، مؤكدًا التطور الهائل في الخدمات المقدمة لهم، من خلال الإجراءات الحديثة والمتطورة التي تسهم في خدمة الحجاج وراحتهم. بدوره قدّم الحاج إبراهيم عبدالله جباري شكره لكل العاملين بالمنفذ على كرم الضيافة وحسن الاستقبال، والخدمات المقدمة والتنظيم المميز والعمل الاحترافي التي أسهمت في إنهاء إجراءات دخولهم بسرعة وراحة تامة، سائلًا الله العلي القدير أن يديم على المملكة أمنها واستقرارها. وتحدثت الحاجة صديقة محمد علي عن فرحتها الغامرة وهي تهم بمغادرة المنفذ بعد إنهاء إجراءات دخولها، مشيدة بالدور الكبير الذي تقوم به المملكة في خدمة الحجيج. وتعمل الجهات الحكومية والخاصة والتطوعية العاملة بمنفذ الوديعة ومدينة الحجاج بشكل متواصل، وعلى مدار الساعة، لاستقبال الحجاج القادمين من الجمهورية اليمنية، وتسهيل وإنهاء إجراءات دخولهم إلى المملكة لأداء فريضة الحج لهذا العام، ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة وطمأنينة.


الرياض
منذ 4 أيام
- الرياض
"جوازات الوديعة" تستقبل أولى رحلات حجاج اليمن
استقبلت جوازات منفذ الوديعة بمنطقة نجران أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من جمهورية اليمن لأداء فريضة الحج لهذا العام 1446هـ، وأنهت إجراءات دخولهم بيسر وسهولة. وأكدت المديرية تسخير إمكاناتها كافة، لتسهيل إجراءات دخول الحجاج، من خلال دعم منصاتها في المنافذ بأحدث الأجهزة التقنية التي يعمل عليها كوادر بشرية مؤهلة بلغات ضيوف الرحمن. وأعلنت الجوازات جاهزيتها لإنهاء إجراءات ضيوف الرحمن لموسم حج هذا العام، عبر المنافذ الدولية الجوية والبرية والبحرية.