
الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: بين تعزيز الكرامة... وانتهاك الخصوصية
تاريخ النشر : 2025-05-07 - 10:56 pm
حسام الحوراني
في عالم يتجه بخطى متسارعة نحو الرقمنة، يطلّ الذكاء الاصطناعي كقوة خارقة قادرة على إحداث تغييرات جذرية في شتى مناحي الحياة. فمن تشخيص الأمراض إلى تسهيل الوصول إلى المعرفة، ومن تحسين التعليم إلى تعزيز الكفاءة في أنظمة العدالة، يبدو الذكاء الاصطناعي كأداة للتحرير الإنساني. لكن، وفي الزاوية المقابلة، يطرح صعود هذه التكنولوجيا تساؤلات جوهرية تهزّ أركان القيم الحقوقية: هل يحمي الذكاء الاصطناعي حقوق الإنسان أم يُهددها؟
الذكاء الاصطناعي، كأي أداة، ليس خيرًا ولا شرًا بطبيعته، بل تعتمد نتائجه على كيفية تصميمه واستخدامه. من جهة، يمكن أن يكون هذا الذكاء حليفًا قويًا في حماية الحقوق، ومن جهة أخرى، قد يتحول إلى أداة مراقبة وسيطرة وتمييز غير مرئي، إذا لم يُحكم ضبطه بإطار أخلاقي وقانوني صارم.
لنبدأ من الجانب المضيء. الذكاء الاصطناعي يُستخدم اليوم في تعزيز الوصول إلى العدالة، عبر تحليل ملايين الوثائق القانونية بسرعة فائقة، ومساعدة المحامين في بناء قضايا عادلة، بل وحتى دعم القضاة في إصدار أحكام أكثر اتساقًا. كما تُستخدم تقنيات التعلم الآلي في رصد خطاب الكراهية، والتنمر، والتحريض على العنف عبر الإنترنت، مما يتيح التدخل المبكر وحماية الأفراد، خاصة الفئات المستضعفة كالأطفال والنساء والأقليات.
في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وفّر الذكاء الاصطناعي أدوات مبتكرة تُعزز من الاستقلالية والدمج المجتمعي. تطبيقات التعرّف على الصوت، والنصوص التلقائية، والرؤية الحاسوبية، جعلت العالم أكثر قابلية للوصول لذوي الاحتياجات الخاصة، في خطوة عملاقة نحو المساواة والعدالة.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار الجانب المظلم. فالذكاء الاصطناعي، بقدر ما يُمكّن، يمكنه أن ينتهك الخصوصية، ويُرسّخ التمييز، ويُقوّض الحريات. أبرز مثال على ذلك هو أنظمة التعرف على الوجه، التي تُستخدم في بعض الدول لمراقبة المواطنين في الأماكن العامة، دون علمهم أو موافقتهم، في مشهد أشبه بروايات الديستوبيا التي طالما حذّر منها الأدب السياسي.
هذه الأنظمة قد تُستخدم لأغراض مشروعة، مثل تعزيز الأمن، لكنها في غياب الرقابة، قد تُصبح أداة للرقابة السياسية، أو لاستهداف فئات بعينها، أو للتضييق على الحريات العامة، مثل التظاهر والتعبير والتنقل. وبهذا، يتحول الذكاء الاصطناعي إلى عين رقمية تراقب الجميع... ولا تُراقب من أحد.
أكثر ما يُقلق في هذا السياق هو ما يُعرف بـ"التحيز الخوارزمي"، حيث يتعلم الذكاء الاصطناعي من بيانات بشرية قد تكون مليئة بالتمييز العنصري، أو الجندري، أو الطبقي. فإذا كانت البيانات المستخدمة في تدريب الخوارزميات غير منصفة، فإن القرارات التي تُنتجها — سواء في التوظيف، أو القروض، أو الحكم القضائي — ستكون منحازة، وقد تُعمّق الظلم بدلًا من معالجته.
وفي هذا المشهد المعقد، تظهر الحاجة المُلحّة إلى إطار حقوقي عالمي يُنظّم العلاقة بين الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان. فكما وُضعت اتفاقيات لحماية حقوق الإنسان في أوقات الحرب والسلام، بات من الضروري اليوم وضع "اتفاقية رقمية لحقوق الإنسان"، تُحدد ما يمكن وما لا يمكن للخوارزميات فعله، وتُرسي مبادئ الشفافية، والمساءلة، والعدالة، والخصوصية، في كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي.
كما أن مسؤولية حماية حقوق الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي لا تقع على عاتق الحكومات فقط، بل تشمل الشركات التقنية، والمطوّرين، والمجتمع المدني، والأكاديميين. يجب أن يكون هناك وعي جماعي بأن الخوارزميات ليست محايدة، وأنها قد تُعيد إنتاج الواقع بقسوته، إذا لم نتدخل لتوجيهها نحو العدالة والمساواة.
وفي العالم العربي، تُمثّل هذه المرحلة فرصة نادرة لتبنّي الذكاء الاصطناعي ضمن رؤية تنموية وحقوقية شاملة، تحفظ الكرامة الإنسانية وتعززها، لا أن تُحوّل المواطن إلى "بيانات قابلة للتتبع" فقط. يجب أن تُوضع استراتيجيات رقمية وطنية تدمج مبادئ حقوق الإنسان في تصميم وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع سنّ تشريعات واضحة، وتطوير مؤسسات رقابية مستقلة.
اخيرا، الذكاء الاصطناعي لن يقرر مستقبلنا وحده، بل نحن من سنقرر شكل الذكاء الذي نريده. يمكننا أن نصنع ذكاءً يدافع عن الحقوق، يُنصف الضعفاء، ويُعزز من العدالة. كما يمكننا، إن تجاهلنا مسؤوليّتنا، أن نُطلق العنان لتقنيات قد تنسف ما حققناه من مكتسبات إنسانية عبر عقود من النضال.إن التحدي الأخلاقي اليوم لا يقل أهمية عن التحدي التكنولوجي. والسؤال الأكبر ليس: إلى أين يمكن أن يأخذنا الذكاء الاصطناعي؟ بل: إلى أي مستقبل نريد أن نأخذه نحن؟
تابعو جهينة نيوز على
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
منذ 4 أيام
- جهينة نيوز
الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض
تاريخ النشر : 2025-05-17 - 11:30 pm حسام الحوراني في سباق الزمن بين المرض والعلاج، لطالما كان الإنسان يسعى لاكتشاف دواء يسبق الألم، ويعالج دون تأخير. لكن الأبحاث الدوائية – رغم كل تطورها – ما زالت تواجه تحديًا هائلًا: التعقيد الخارق للتفاعلات الكيميائية داخل الجسم البشري. عشرات السنوات ومليارات الدولارات تُنفق لاكتشاف عقار جديد، ومع ذلك قد ينتهي المطاف به في رفوف المختبرات دون فاعلية كافية. لكن اليوم، تقف البشرية على أعتاب ثورة علمية قد تُعيد صياغة قواعد اللعبة بالكامل. هذه الثورة اسمها: الحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وهي تكنولوجيا لا تَعِد فقط بتسريع الحسابات، بل بتغيير جوهري في فهمنا للتركيب الجزيئي والتفاعلات الكيميائية – الأمر الذي سيجعل اكتشاف الأدوية أسرع، أدق، وأرخص. فما الذي يجعل الحوسبة الكمومية مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا يتوقع العلماء أن تُحدث انقلابًا في عالم الطب كما فعلت الكهرباء في القرن الماضي؟ لفهم ذلك، علينا أن نعرف أن الذرات والجزيئات لا تتبع قواعد الفيزياء الكلاسيكية، بل قوانين ميكانيكا الكم، حيث يمكن لجسيم واحد أن يوجد في أكثر من حالة في آن واحد، وأن يكون "متشابكًا" مع جسيم آخر على مسافة آلاف او ملايين الكيلومترات. تقليديًا، تحتاج محاكاة الجزيئات الدوائية وتحليل تفاعلاتها في الجسم إلى حسابات معقدة لا يمكن حتى لأقوى الحواسيب الفائقة إنجازها في وقت مقبول. وهنا بالضبط تأتي قوة الحوسبة الكمومية. فبدلاً من تمثيل البيانات باستخدام "بتات" ثنائية (0 و1) كما في الحوسبة التقليدية، تستخدم الحوسبة الكمومية "كيوبتات" (Qubits) قادرة على تمثيل حالات متعددة في نفس اللحظة. هذا يعني أن حاسوبًا كموميًا يمكنه فحص مليارات التركيبات الكيميائية المحتملة في وقت متزامن، بدلاً من إجراء محاكاة واحدة تلو الأخرى. وقد بدأت شركات رائدة كبرى في العالم في استثمار مليارات الدولارات لتطوير خوارزميات كمومية مخصصة لمحاكاة الجزيئات الحيوية، والتنبؤ بتفاعلها مع بروتينات الجسم. شركة Qubit Pharmaceuticals الفرنسية أعلنت مؤخرًا عن اختراق في محاكاة دواء مضاد للسرطان باستخدام 200 كيوبت فقط، بينما تشير التوقعات إلى أنه مع الوصول إلى 1000 كيوبت موثوق، سيكون بالإمكان اكتشاف أدوية لأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد خلال أسابيع بدلاً من سنوات. وهنا يتجاوز التأثير حدود السرعة، ليشمل الدقة وتقليل الأخطاء. فالحوسبة الكمومية قادرة على الكشف عن التفاعلات الجانبية المحتملة في مرحلة المحاكاة، مما يُقلل من حالات فشل الأدوية في المراحل الإكلينيكية، ويوفر مليارات الدولارات التي تُهدر سنويًا في التجارب البشرية غير المجدية. ولأن الدواء ليس فقط علمًا بل تجارة، فإن الحوسبة الكمومية تُتيح لشركات الأدوية تصميم علاجات مخصصة للفرد (Personalized Medicine)، بناءً على الجينات والبنية البيولوجية لكل مريض. تخيل أن حاسوبًا كموميًا يُحلل حمضك النووي، ويُحدد أي دواء سيكون أكثر فعالية لجسمك، بل ويُقترح تركيبة فريدة مخصصة لك وحدك. هذه ليست خيالًا علميًا، بل أبحاث نشطة في مختبرات عالمية، تقترب يومًا بعد يوم من التطبيق السريري. وتكمن المفارقة أن أكثر من سيستفيد من هذه الثورة هي الدول النامية التي تعاني من نقص في الموارد الطبية. فمع تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتخفيض تكلفتها، يمكن توفير علاجات فعّالة بأسعار معقولة للشرائح الأوسع من السكان، بما في ذلك أمراض نادرة أو مهملة لا تُخصص لها ميزانيات أبحاث كافية اليوم. ومع ذلك، لا يخلو الطريق من تحديات. فالحواسيب الكمومية لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه تحديات تتعلق بالاستقرار، وتصحيح الأخطاء، وتوسيع البنية التحتية. لكن التسارع الهائل في هذا المجال يوحي أن هذه العقبات مؤقتة، وأننا في غضون اشهر او ربما سنوات قليلة سنرى تطبيقات حقيقية للحوسبة الكمومية في المستشفيات، وشركات الأدوية، ومراكز البحث. في الوطن العربي، يُمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية لا يجب تجاهلها. فبناء شراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، والاستثمار في تعليم الكفاءات المحلية، يمكن أن يضع دولًا عربية في موقع ريادي في مجال الحوسبة الحيوية والطب الكمومي. تخيّل أن تكون أول دولة عربية تطور دواءً كموميًا مضادًا للسرطان أو السكري، وتصدره للعالم! اخيرا، الحوسبة الكمومية لا تَعِد فقط بتسريع اكتشاف الأدوية، بل بتغيير فلسفة العلاج من "تجربة وخطأ" إلى "علم وتحديد". نحن ندخل عصرًا يُصبح فيه الزمن هو العامل الحاسم، والكمّ هو السلاح الجديد. فهل سنكون من صُنّاع هذا المستقبل، أم من مستخدميه فقط؟ تابعو جهينة نيوز على


جهينة نيوز
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- جهينة نيوز
حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية
تاريخ النشر : 2025-05-14 - 11:49 am حسام الحوراني في زاوية صغيرة من مختبرات المستقبل، حيث لا تُسمع أصوات ولا تُرى حركة، هناك جسيمات دون ذرية تتراقص داخل دوائر فائقة البرودة، في صمت يشبه السحر. ما يحدث هناك ليس مشهدًا من رواية خيال علمي، بل هو قلب ثورة علمية تحمل اسم الحوسبة الكمومية، ويقودها نوع فريد من التكنولوجيا يُعرف بـالكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل. لكن قبل أن نغوص في التقنية، دعونا نطرح السؤال الأهم: لماذا يجب أن نهتم؟ وما علاقة هذا التقدم الغامض في الفيزياء بحياتنا اليومية كمواطنين، وطلاب، وأطباء، ورجال أعمال؟ الجواب باختصار: هذا التقدم قد يُغيّر كل شيء. ما هي الدوائر الفائقة التوصيل؟ هي دوائر كهربائية مصنوعة من مواد فائقة التوصيل، قادرة على تمرير الكهرباء دون أي مقاومة عندما تُبرد لدرجات قريبة من الصفر المطلق. عندما تُستخدم هذه الدوائر في بناء الكيوبتات – وهي الوحدة الأساسية في الحوسبة الكمومية – فإنها تصبح منصة قوية لخلق حالات كمومية مستقرة تُستخدم في إجراء حسابات لا يمكن لأي حاسوب تقليدي تنفيذها، حتى لو استهلكت عمر الكون كله. في السابق، كانت الحوسبة الكمومية مجرد نظرية معقدة لا تغادر جدران الجامعات. لكن اليوم، ومع التقدم السريع في تصنيع الكيوبتات الفائقة التوصيل، أصبحت الشركات مثل IBM، Google، Rigetti، تبني حواسيب كمومية حقيقية تعتمد على هذه التكنولوجيا، وتُحقق فيها إنجازات مذهلة. تخيل حاسوبًا يستطيع محاكاة سلوك الدواء داخل جسم الإنسان في دقائق، أو التنبؤ بدقة بسلوك السوق المالي قبل أسابيع، أو ابتكار مواد جديدة للطاقة الشمسية، أو حتى فك شفرات الأمراض الوراثية. كل هذا لم يكن ممكنًا – ولا يزال مستحيلاً – باستخدام الحوسبة الكلاسيكية. لكن مع الكيوبتات فائقة التوصيل، بدأت هذه السيناريوهات تدخل حيز التجربة والتطبيق. كيف سيؤثر ذلك على حياتنا؟ الطب والعلاجات الخارقة : خلال سنوات قليلة، قد نصل إلى مرحلة يُصبح فيها تشخيص الأمراض وعلاجها يعتمد على حواسيب كمومية تحلل الجينات وتُصمم علاجات مخصصة بدقة لا تُصدق. قد تظهر أدوية للسرطان تُكتشف في أيام، وعلاجات نادرة لأمراض مستعصية تُصنع خصيصًا لجيناتك أنت. أمن رقمي غير قابل للاختراق : مع التقدم في هذه الكيوبتات، سنتمكن من الوصول إلى تشفير كمومي يجعل البيانات الرقمية غير قابلة للاختراق. في عالم يهدده القراصنة الرقميون، سيكون لديك بريد إلكتروني لا يمكن لأحد فتحه، واتصالات حكومية لا يمكن التجسس عليها، وبطاقات مصرفية تحمي نفسها ذاتيًا. تجارب يومية أسرع وأكثر ذكاءً : هل واجهت تأخيرًا في تحميل صفحة؟ أو تعطل تطبيق ذكي؟ بفضل الحساب الكمومي، ستحصل على سرعة استجابة فورية. تطبيقاتك ستتنبأ بما تحتاجه قبل أن تطلبه، والروبوتات المنزلية ستتفاعل معك كما يتفاعل الإنسان. نقلة نوعية في الاقتصاد : البنوك، والطيران، وسلاسل الإمداد، وحتى تسعير المواد الخام... ستُدار كلها بخوارزميات كمومية فائقة القدرة على التنبؤ، مما يُقلل الخسائر ويزيد من الكفاءة. هذا قد ينعكس على حياتك في شكل خدمات أرخص، أسرع، وأكثر دقة. الكيوبتات الفائقة التوصيل هي الأمل الأكبر لأنها ببساطة الأكثر استقرارًا وقابلية للتوسع حتى الآن. فبينما تعاني أنواع أخرى من الكيوبتات من مشاكل عدم الثبات أو صعوبة التصنيع، استطاعت الدوائر فائقة التوصيل أن تقدم أداءً عاليًا ومستقرًا في تجارب متعددة، مما يجعلها المرشح الأول لبناء أول حاسوب كمومي تجاري واسع الاستخدام. بل إن شركة Google أعلنت بالفعل في تجاربها منذ 2019 تحقيق ما يُعرف بـ"التفوق الكمومي"، عندما نجح معالجها الكمومي "Sycamore" – المبني على هذه الدوائر – في تنفيذ عملية استغرقت 200 ثانية، بينما تحتاج أقوى الحواسيب التقليدية إلى الاف السنوات لحلها. أنظمة الكيوبتات الفائقة التوصيل تحتاج إلى بيئة شديدة البرودة (قريبة من الصفر المطلق)، وهذا يجعل تشغيلها معقدًا ومكلفًا. لكن الشركات تعمل حاليًا على تصغير أنظمة التبريد وتطوير رقائق كمومية يمكن تشغيلها في بيئات أكثر واقعية. اما بالنسبة للعالم العربي، فان الفرصة أمامنا. الاستثمار في البحث الكمومي، دعم الجامعات، إرسال بعثات علمية، وإنشاء شراكات مع شركات عالمية، يمكن أن يجعل دولًا عربية في طليعة هذا السباق. لا نحتاج إلى أن نبدأ من الصفر، بل أن نستثمر في العقول والاتصال بالعالم. اخيرا، التقدم في الحوسبة الكمومية باستخدام الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل ليس مجرد إنجاز فيزيائي، بل هو بداية فصل جديد في قصة الإنسان مع التقنية. فصلٌ نعيد فيه تعريف الممكن، ونعبر فيه من المعرفة إلى المعجزة. تابعو جهينة نيوز على


جهينة نيوز
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- جهينة نيوز
الشرق يستيقظ: الصين تحيك خيوط النظام العالمي الجديد
تاريخ النشر : 2025-05-10 - 01:05 pm حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في ظل التحولات العميقة التي يشهدها العالم اليوم، بات من الواضح أن مشهد القيادة العالمية آخذ في التغير. لعقود طويلة، احتكرت الولايات المتحدة الأمريكية مركز الزعامة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، لكن مع كل يوم يمر، تتصاعد قوة الصين بطريقة مدروسة ومذهلة تجعل المراقبين يجمعون على حقيقة واحدة: الصين ستقود العالم قريبًا جدًا. الصعود الصيني ليس وليد لحظة عابرة أو طفرة اقتصادية مؤقتة، بل هو نتيجة استراتيجية طويلة الأمد، بدأت منذ عقود بالتخطيط الدقيق والتنفيذ الصارم. منذ إعلان سياسة "الإصلاح والانفتاح" في أواخر السبعينيات، وضعت الصين نصب أعينها هدفًا واضحًا: اللحاق بالغرب، ثم تجاوزه. وقد استطاعت أن تبني اقتصادًا مرنًا، وتطوّر قدراتها التكنولوجية والعسكرية، وتفرض نفسها كقوة ناعمة عالمية. اليوم، الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وربما تتجاوز الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي في غضون سنوات او حتى اشهر قليلة. بفضل "مبادرة الحزام والطريق"، توسعت نفوذها الاقتصادي والسياسي إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر استثمارات ضخمة في البنية التحتية، وشبكات الطاقة، والموانئ، والطرق، مما يجعلها تمسك بخيوط التجارة العالمية بطريقة ذكية وطويلة الأمد. في مجال التكنولوجيا، تُعتبر الصين الآن رائدة عالمية في مجالات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، والجيل الخامس للاتصالات (5G)، وصناعة الرقائق الإلكترونية. شركات مثل هواوي وعلي بابا وتينسنت، التي كانت قبل سنوات مجرد نسخ محلية عن مثيلاتها الأمريكية، أصبحت اليوم تنافس وتبتكر، بل وتقود الابتكار في بعض المجالات. ولم تتوقف الصين عند الاقتصاد والتكنولوجيا فقط، بل عززت حضورها في الفضاء، من خلال برنامج فضائي طموح جعلها تبني محطة فضاء خاصة بها، وتخطط لإرسال بعثات مأهولة إلى القمر. وعلى صعيد الابتكار العلمي، أصبحت الأبحاث الصينية تتصدر قوائم النشر العلمي العالمي، في دليل على تحوّل القوة الفكرية شرقًا. إلا أن ما يجعل صعود الصين فريدًا هو النهج الجمعي الذي تتبناه، مقابل الفردية الغربية. الصين تتحرك كدولة-أمة موحدة، بتخطيط مركزي ورؤية طويلة الأجل، مما يمنحها قدرة على المناورة والصبر والتنفيذ لا تضاهى. في حين تنشغل الديمقراطيات الغربية بالخلافات الداخلية ودورات الانتخابات، تواصل الصين تنفيذ خططها بعقود من الاستمرارية والانضباط. لكن السؤال الأهم: ماذا يعني هذا الصعود للعالم؟ من ناحية، قد يعني تحوّلًا نحو نظام عالمي أكثر تعددية، حيث لا تهيمن قوة واحدة، بل تتشارك عدة قوى في التأثير. هذا قد يخفف من الهيمنة الثقافية الغربية ويفتح الباب أمام نماذج تنموية مختلفة تُناسب خصوصيات الشعوب. ومن ناحية أخرى، يُثير الصعود الصيني مخاوف تتعلق بالحقوق والحريات. فالنموذج الصيني، الذي يقدّم الدولة فوق الفرد، يطرح تحديًا للمفاهيم الليبرالية التقليدية، وقد يُعيد صياغة معايير الحكم العالمي بناءً على معايير جديدة، حيث الاستقرار والتنمية يُقدمان أحيانًا على الحرية السياسية. كما أن المنافسة التكنولوجية، خصوصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية، قد تُسرّع سباقًا عالميًا نحو التفوق الرقمي، مما يجعل السيطرة على البيانات والمعلومات ميدان الصراع الحقيقي القادم. وفي الشرق الأوسط، تزداد أهمية فهم هذه التحولات الكبرى. فالصين تُعتبر شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا للعديد من دول المنطقة، عبر مشاريع البنية التحتية، والطاقة، والتكنولوجيا. ومع تراجع الالتزام الأمريكي تدريجيًا، تبرز بكين كبديل استراتيجي واعد، وإن كان يتطلب إدارة ذكية للمصالح لضمان الاستفادة القصوى من الفرص دون الوقوع في فخ التبعية. في النهاية، الصين لا تتقدم فقط لأنها قوية، بل لأنها تفكر لعقود قادمة، بينما ينشغل الآخرون باليوم والغد. ومع أن الطريق إلى القمة ليس خاليًا من التحديات — سواء الاقتصادية أو الديموغرافية أو الجيوسياسية — فإن زخم الصعود الصيني بات من القوة بحيث يصعب تجاهله. العالم يتغير أمام أعيننا، ومعه تتغير موازين القوى والنماذج الحضارية. نحن على أعتاب عصر جديد، قد لا يُدار من واشنطن أو بروكسل، بل من بكين. والسؤال الأهم: هل نحن مستعدون للتعامل مع عالم تتحدث قيادته بلغة مختلفة... ورؤية مختلفة للمستقبل؟ تابعو جهينة نيوز على