logo
الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض

الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض

جهينة نيوزمنذ 3 أيام

تاريخ النشر : 2025-05-17 - 11:30 pm
حسام الحوراني
في سباق الزمن بين المرض والعلاج، لطالما كان الإنسان يسعى لاكتشاف دواء يسبق الألم، ويعالج دون تأخير. لكن الأبحاث الدوائية – رغم كل تطورها – ما زالت تواجه تحديًا هائلًا: التعقيد الخارق للتفاعلات الكيميائية داخل الجسم البشري. عشرات السنوات ومليارات الدولارات تُنفق لاكتشاف عقار جديد، ومع ذلك قد ينتهي المطاف به في رفوف المختبرات دون فاعلية كافية.
لكن اليوم، تقف البشرية على أعتاب ثورة علمية قد تُعيد صياغة قواعد اللعبة بالكامل. هذه الثورة اسمها: الحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وهي تكنولوجيا لا تَعِد فقط بتسريع الحسابات، بل بتغيير جوهري في فهمنا للتركيب الجزيئي والتفاعلات الكيميائية – الأمر الذي سيجعل اكتشاف الأدوية أسرع، أدق، وأرخص.
فما الذي يجعل الحوسبة الكمومية مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا يتوقع العلماء أن تُحدث انقلابًا في عالم الطب كما فعلت الكهرباء في القرن الماضي؟
لفهم ذلك، علينا أن نعرف أن الذرات والجزيئات لا تتبع قواعد الفيزياء الكلاسيكية، بل قوانين ميكانيكا الكم، حيث يمكن لجسيم واحد أن يوجد في أكثر من حالة في آن واحد، وأن يكون "متشابكًا" مع جسيم آخر على مسافة آلاف او ملايين الكيلومترات. تقليديًا، تحتاج محاكاة الجزيئات الدوائية وتحليل تفاعلاتها في الجسم إلى حسابات معقدة لا يمكن حتى لأقوى الحواسيب الفائقة إنجازها في وقت مقبول. وهنا بالضبط تأتي قوة الحوسبة الكمومية.
فبدلاً من تمثيل البيانات باستخدام "بتات" ثنائية (0 و1) كما في الحوسبة التقليدية، تستخدم الحوسبة الكمومية "كيوبتات" (Qubits) قادرة على تمثيل حالات متعددة في نفس اللحظة. هذا يعني أن حاسوبًا كموميًا يمكنه فحص مليارات التركيبات الكيميائية المحتملة في وقت متزامن، بدلاً من إجراء محاكاة واحدة تلو الأخرى.
وقد بدأت شركات رائدة كبرى في العالم في استثمار مليارات الدولارات لتطوير خوارزميات كمومية مخصصة لمحاكاة الجزيئات الحيوية، والتنبؤ بتفاعلها مع بروتينات الجسم. شركة Qubit Pharmaceuticals الفرنسية أعلنت مؤخرًا عن اختراق في محاكاة دواء مضاد للسرطان باستخدام 200 كيوبت فقط، بينما تشير التوقعات إلى أنه مع الوصول إلى 1000 كيوبت موثوق، سيكون بالإمكان اكتشاف أدوية لأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد خلال أسابيع بدلاً من سنوات.
وهنا يتجاوز التأثير حدود السرعة، ليشمل الدقة وتقليل الأخطاء. فالحوسبة الكمومية قادرة على الكشف عن التفاعلات الجانبية المحتملة في مرحلة المحاكاة، مما يُقلل من حالات فشل الأدوية في المراحل الإكلينيكية، ويوفر مليارات الدولارات التي تُهدر سنويًا في التجارب البشرية غير المجدية.
ولأن الدواء ليس فقط علمًا بل تجارة، فإن الحوسبة الكمومية تُتيح لشركات الأدوية تصميم علاجات مخصصة للفرد (Personalized Medicine)، بناءً على الجينات والبنية البيولوجية لكل مريض. تخيل أن حاسوبًا كموميًا يُحلل حمضك النووي، ويُحدد أي دواء سيكون أكثر فعالية لجسمك، بل ويُقترح تركيبة فريدة مخصصة لك وحدك. هذه ليست خيالًا علميًا، بل أبحاث نشطة في مختبرات عالمية، تقترب يومًا بعد يوم من التطبيق السريري.
وتكمن المفارقة أن أكثر من سيستفيد من هذه الثورة هي الدول النامية التي تعاني من نقص في الموارد الطبية. فمع تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتخفيض تكلفتها، يمكن توفير علاجات فعّالة بأسعار معقولة للشرائح الأوسع من السكان، بما في ذلك أمراض نادرة أو مهملة لا تُخصص لها ميزانيات أبحاث كافية اليوم.
ومع ذلك، لا يخلو الطريق من تحديات. فالحواسيب الكمومية لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه تحديات تتعلق بالاستقرار، وتصحيح الأخطاء، وتوسيع البنية التحتية. لكن التسارع الهائل في هذا المجال يوحي أن هذه العقبات مؤقتة، وأننا في غضون اشهر او ربما سنوات قليلة سنرى تطبيقات حقيقية للحوسبة الكمومية في المستشفيات، وشركات الأدوية، ومراكز البحث.
في الوطن العربي، يُمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية لا يجب تجاهلها. فبناء شراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، والاستثمار في تعليم الكفاءات المحلية، يمكن أن يضع دولًا عربية في موقع ريادي في مجال الحوسبة الحيوية والطب الكمومي. تخيّل أن تكون أول دولة عربية تطور دواءً كموميًا مضادًا للسرطان أو السكري، وتصدره للعالم!
اخيرا، الحوسبة الكمومية لا تَعِد فقط بتسريع اكتشاف الأدوية، بل بتغيير فلسفة العلاج من "تجربة وخطأ" إلى "علم وتحديد". نحن ندخل عصرًا يُصبح فيه الزمن هو العامل الحاسم، والكمّ هو السلاح الجديد. فهل سنكون من صُنّاع هذا المستقبل، أم من مستخدميه فقط؟
تابعو جهينة نيوز على

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض
الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض

جهينة نيوز

timeمنذ 3 أيام

  • جهينة نيوز

الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض

تاريخ النشر : 2025-05-17 - 11:30 pm حسام الحوراني في سباق الزمن بين المرض والعلاج، لطالما كان الإنسان يسعى لاكتشاف دواء يسبق الألم، ويعالج دون تأخير. لكن الأبحاث الدوائية – رغم كل تطورها – ما زالت تواجه تحديًا هائلًا: التعقيد الخارق للتفاعلات الكيميائية داخل الجسم البشري. عشرات السنوات ومليارات الدولارات تُنفق لاكتشاف عقار جديد، ومع ذلك قد ينتهي المطاف به في رفوف المختبرات دون فاعلية كافية. لكن اليوم، تقف البشرية على أعتاب ثورة علمية قد تُعيد صياغة قواعد اللعبة بالكامل. هذه الثورة اسمها: الحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وهي تكنولوجيا لا تَعِد فقط بتسريع الحسابات، بل بتغيير جوهري في فهمنا للتركيب الجزيئي والتفاعلات الكيميائية – الأمر الذي سيجعل اكتشاف الأدوية أسرع، أدق، وأرخص. فما الذي يجعل الحوسبة الكمومية مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا يتوقع العلماء أن تُحدث انقلابًا في عالم الطب كما فعلت الكهرباء في القرن الماضي؟ لفهم ذلك، علينا أن نعرف أن الذرات والجزيئات لا تتبع قواعد الفيزياء الكلاسيكية، بل قوانين ميكانيكا الكم، حيث يمكن لجسيم واحد أن يوجد في أكثر من حالة في آن واحد، وأن يكون "متشابكًا" مع جسيم آخر على مسافة آلاف او ملايين الكيلومترات. تقليديًا، تحتاج محاكاة الجزيئات الدوائية وتحليل تفاعلاتها في الجسم إلى حسابات معقدة لا يمكن حتى لأقوى الحواسيب الفائقة إنجازها في وقت مقبول. وهنا بالضبط تأتي قوة الحوسبة الكمومية. فبدلاً من تمثيل البيانات باستخدام "بتات" ثنائية (0 و1) كما في الحوسبة التقليدية، تستخدم الحوسبة الكمومية "كيوبتات" (Qubits) قادرة على تمثيل حالات متعددة في نفس اللحظة. هذا يعني أن حاسوبًا كموميًا يمكنه فحص مليارات التركيبات الكيميائية المحتملة في وقت متزامن، بدلاً من إجراء محاكاة واحدة تلو الأخرى. وقد بدأت شركات رائدة كبرى في العالم في استثمار مليارات الدولارات لتطوير خوارزميات كمومية مخصصة لمحاكاة الجزيئات الحيوية، والتنبؤ بتفاعلها مع بروتينات الجسم. شركة Qubit Pharmaceuticals الفرنسية أعلنت مؤخرًا عن اختراق في محاكاة دواء مضاد للسرطان باستخدام 200 كيوبت فقط، بينما تشير التوقعات إلى أنه مع الوصول إلى 1000 كيوبت موثوق، سيكون بالإمكان اكتشاف أدوية لأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد خلال أسابيع بدلاً من سنوات. وهنا يتجاوز التأثير حدود السرعة، ليشمل الدقة وتقليل الأخطاء. فالحوسبة الكمومية قادرة على الكشف عن التفاعلات الجانبية المحتملة في مرحلة المحاكاة، مما يُقلل من حالات فشل الأدوية في المراحل الإكلينيكية، ويوفر مليارات الدولارات التي تُهدر سنويًا في التجارب البشرية غير المجدية. ولأن الدواء ليس فقط علمًا بل تجارة، فإن الحوسبة الكمومية تُتيح لشركات الأدوية تصميم علاجات مخصصة للفرد (Personalized Medicine)، بناءً على الجينات والبنية البيولوجية لكل مريض. تخيل أن حاسوبًا كموميًا يُحلل حمضك النووي، ويُحدد أي دواء سيكون أكثر فعالية لجسمك، بل ويُقترح تركيبة فريدة مخصصة لك وحدك. هذه ليست خيالًا علميًا، بل أبحاث نشطة في مختبرات عالمية، تقترب يومًا بعد يوم من التطبيق السريري. وتكمن المفارقة أن أكثر من سيستفيد من هذه الثورة هي الدول النامية التي تعاني من نقص في الموارد الطبية. فمع تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتخفيض تكلفتها، يمكن توفير علاجات فعّالة بأسعار معقولة للشرائح الأوسع من السكان، بما في ذلك أمراض نادرة أو مهملة لا تُخصص لها ميزانيات أبحاث كافية اليوم. ومع ذلك، لا يخلو الطريق من تحديات. فالحواسيب الكمومية لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه تحديات تتعلق بالاستقرار، وتصحيح الأخطاء، وتوسيع البنية التحتية. لكن التسارع الهائل في هذا المجال يوحي أن هذه العقبات مؤقتة، وأننا في غضون اشهر او ربما سنوات قليلة سنرى تطبيقات حقيقية للحوسبة الكمومية في المستشفيات، وشركات الأدوية، ومراكز البحث. في الوطن العربي، يُمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية لا يجب تجاهلها. فبناء شراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، والاستثمار في تعليم الكفاءات المحلية، يمكن أن يضع دولًا عربية في موقع ريادي في مجال الحوسبة الحيوية والطب الكمومي. تخيّل أن تكون أول دولة عربية تطور دواءً كموميًا مضادًا للسرطان أو السكري، وتصدره للعالم! اخيرا، الحوسبة الكمومية لا تَعِد فقط بتسريع اكتشاف الأدوية، بل بتغيير فلسفة العلاج من "تجربة وخطأ" إلى "علم وتحديد". نحن ندخل عصرًا يُصبح فيه الزمن هو العامل الحاسم، والكمّ هو السلاح الجديد. فهل سنكون من صُنّاع هذا المستقبل، أم من مستخدميه فقط؟ تابعو جهينة نيوز على

الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض
الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض

الانباط اليومية

timeمنذ 3 أيام

  • الانباط اليومية

الحوسبة الكمومية في اكتشاف الأدوية: حين تسبق المعادلات الكيميائية نبض المرض

الأنباط - في سباق الزمن بين المرض والعلاج، لطالما كان الإنسان يسعى لاكتشاف دواء يسبق الألم، ويعالج دون تأخير. لكن الأبحاث الدوائية – رغم كل تطورها – ما زالت تواجه تحديًا هائلًا: التعقيد الخارق للتفاعلات الكيميائية داخل الجسم البشري. عشرات السنوات ومليارات الدولارات تُنفق لاكتشاف عقار جديد، ومع ذلك قد ينتهي المطاف به في رفوف المختبرات دون فاعلية كافية. لكن اليوم، تقف البشرية على أعتاب ثورة علمية قد تُعيد صياغة قواعد اللعبة بالكامل. هذه الثورة اسمها: الحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وهي تكنولوجيا لا تَعِد فقط بتسريع الحسابات، بل بتغيير جوهري في فهمنا للتركيب الجزيئي والتفاعلات الكيميائية – الأمر الذي سيجعل اكتشاف الأدوية أسرع، أدق، وأرخص. فما الذي يجعل الحوسبة الكمومية مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا يتوقع العلماء أن تُحدث انقلابًا في عالم الطب كما فعلت الكهرباء في القرن الماضي؟ لفهم ذلك، علينا أن نعرف أن الذرات والجزيئات لا تتبع قواعد الفيزياء الكلاسيكية، بل قوانين ميكانيكا الكم، حيث يمكن لجسيم واحد أن يوجد في أكثر من حالة في آن واحد، وأن يكون "متشابكًا" مع جسيم آخر على مسافة آلاف او ملايين الكيلومترات. تقليديًا، تحتاج محاكاة الجزيئات الدوائية وتحليل تفاعلاتها في الجسم إلى حسابات معقدة لا يمكن حتى لأقوى الحواسيب الفائقة إنجازها في وقت مقبول. وهنا بالضبط تأتي قوة الحوسبة الكمومية. فبدلاً من تمثيل البيانات باستخدام "بتات" ثنائية (0 و1) كما في الحوسبة التقليدية، تستخدم الحوسبة الكمومية "كيوبتات" (Qubits) قادرة على تمثيل حالات متعددة في نفس اللحظة. هذا يعني أن حاسوبًا كموميًا يمكنه فحص مليارات التركيبات الكيميائية المحتملة في وقت متزامن، بدلاً من إجراء محاكاة واحدة تلو الأخرى. وقد بدأت شركات رائدة كبرى في العالم في استثمار مليارات الدولارات لتطوير خوارزميات كمومية مخصصة لمحاكاة الجزيئات الحيوية، والتنبؤ بتفاعلها مع بروتينات الجسم. شركة Qubit Pharmaceuticals الفرنسية أعلنت مؤخرًا عن اختراق في محاكاة دواء مضاد للسرطان باستخدام 200 كيوبت فقط، بينما تشير التوقعات إلى أنه مع الوصول إلى 1000 كيوبت موثوق، سيكون بالإمكان اكتشاف أدوية لأمراض مثل الزهايمر والتصلب المتعدد خلال أسابيع بدلاً من سنوات. وهنا يتجاوز التأثير حدود السرعة، ليشمل الدقة وتقليل الأخطاء. فالحوسبة الكمومية قادرة على الكشف عن التفاعلات الجانبية المحتملة في مرحلة المحاكاة، مما يُقلل من حالات فشل الأدوية في المراحل الإكلينيكية، ويوفر مليارات الدولارات التي تُهدر سنويًا في التجارب البشرية غير المجدية. ولأن الدواء ليس فقط علمًا بل تجارة، فإن الحوسبة الكمومية تُتيح لشركات الأدوية تصميم علاجات مخصصة للفرد (Personalized Medicine)، بناءً على الجينات والبنية البيولوجية لكل مريض. تخيل أن حاسوبًا كموميًا يُحلل حمضك النووي، ويُحدد أي دواء سيكون أكثر فعالية لجسمك، بل ويُقترح تركيبة فريدة مخصصة لك وحدك. هذه ليست خيالًا علميًا، بل أبحاث نشطة في مختبرات عالمية، تقترب يومًا بعد يوم من التطبيق السريري. وتكمن المفارقة أن أكثر من سيستفيد من هذه الثورة هي الدول النامية التي تعاني من نقص في الموارد الطبية. فمع تسريع عملية اكتشاف الأدوية، وتخفيض تكلفتها، يمكن توفير علاجات فعّالة بأسعار معقولة للشرائح الأوسع من السكان، بما في ذلك أمراض نادرة أو مهملة لا تُخصص لها ميزانيات أبحاث كافية اليوم. ومع ذلك، لا يخلو الطريق من تحديات. فالحواسيب الكمومية لا تزال في مراحلها الأولى، وتواجه تحديات تتعلق بالاستقرار، وتصحيح الأخطاء، وتوسيع البنية التحتية. لكن التسارع الهائل في هذا المجال يوحي أن هذه العقبات مؤقتة، وأننا في غضون اشهر او ربما سنوات قليلة سنرى تطبيقات حقيقية للحوسبة الكمومية في المستشفيات، وشركات الأدوية، ومراكز البحث. في الوطن العربي، يُمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية لا يجب تجاهلها. فبناء شراكات مع مؤسسات بحثية عالمية، والاستثمار في تعليم الكفاءات المحلية، يمكن أن يضع دولًا عربية في موقع ريادي في مجال الحوسبة الحيوية والطب الكمومي. تخيّل أن تكون أول دولة عربية تطور دواءً كموميًا مضادًا للسرطان أو السكري، وتصدره للعالم! اخيرا، الحوسبة الكمومية لا تَعِد فقط بتسريع اكتشاف الأدوية، بل بتغيير فلسفة العلاج من "تجربة وخطأ" إلى "علم وتحديد". نحن ندخل عصرًا يُصبح فيه الزمن هو العامل الحاسم، والكمّ هو السلاح الجديد. فهل سنكون من صُنّاع هذا المستقبل، أم من مستخدميه فقط؟

حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية
حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية

جهينة نيوز

timeمنذ 7 أيام

  • جهينة نيوز

حين تقترب المعجزة من الحياة اليومية : التقدم في الحوسبة الكمومية

تاريخ النشر : 2025-05-14 - 11:49 am حسام الحوراني في زاوية صغيرة من مختبرات المستقبل، حيث لا تُسمع أصوات ولا تُرى حركة، هناك جسيمات دون ذرية تتراقص داخل دوائر فائقة البرودة، في صمت يشبه السحر. ما يحدث هناك ليس مشهدًا من رواية خيال علمي، بل هو قلب ثورة علمية تحمل اسم الحوسبة الكمومية، ويقودها نوع فريد من التكنولوجيا يُعرف بـالكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل. لكن قبل أن نغوص في التقنية، دعونا نطرح السؤال الأهم: لماذا يجب أن نهتم؟ وما علاقة هذا التقدم الغامض في الفيزياء بحياتنا اليومية كمواطنين، وطلاب، وأطباء، ورجال أعمال؟ الجواب باختصار: هذا التقدم قد يُغيّر كل شيء. ما هي الدوائر الفائقة التوصيل؟ هي دوائر كهربائية مصنوعة من مواد فائقة التوصيل، قادرة على تمرير الكهرباء دون أي مقاومة عندما تُبرد لدرجات قريبة من الصفر المطلق. عندما تُستخدم هذه الدوائر في بناء الكيوبتات – وهي الوحدة الأساسية في الحوسبة الكمومية – فإنها تصبح منصة قوية لخلق حالات كمومية مستقرة تُستخدم في إجراء حسابات لا يمكن لأي حاسوب تقليدي تنفيذها، حتى لو استهلكت عمر الكون كله. في السابق، كانت الحوسبة الكمومية مجرد نظرية معقدة لا تغادر جدران الجامعات. لكن اليوم، ومع التقدم السريع في تصنيع الكيوبتات الفائقة التوصيل، أصبحت الشركات مثل IBM، Google، Rigetti، تبني حواسيب كمومية حقيقية تعتمد على هذه التكنولوجيا، وتُحقق فيها إنجازات مذهلة. تخيل حاسوبًا يستطيع محاكاة سلوك الدواء داخل جسم الإنسان في دقائق، أو التنبؤ بدقة بسلوك السوق المالي قبل أسابيع، أو ابتكار مواد جديدة للطاقة الشمسية، أو حتى فك شفرات الأمراض الوراثية. كل هذا لم يكن ممكنًا – ولا يزال مستحيلاً – باستخدام الحوسبة الكلاسيكية. لكن مع الكيوبتات فائقة التوصيل، بدأت هذه السيناريوهات تدخل حيز التجربة والتطبيق. كيف سيؤثر ذلك على حياتنا؟ الطب والعلاجات الخارقة : خلال سنوات قليلة، قد نصل إلى مرحلة يُصبح فيها تشخيص الأمراض وعلاجها يعتمد على حواسيب كمومية تحلل الجينات وتُصمم علاجات مخصصة بدقة لا تُصدق. قد تظهر أدوية للسرطان تُكتشف في أيام، وعلاجات نادرة لأمراض مستعصية تُصنع خصيصًا لجيناتك أنت. أمن رقمي غير قابل للاختراق : مع التقدم في هذه الكيوبتات، سنتمكن من الوصول إلى تشفير كمومي يجعل البيانات الرقمية غير قابلة للاختراق. في عالم يهدده القراصنة الرقميون، سيكون لديك بريد إلكتروني لا يمكن لأحد فتحه، واتصالات حكومية لا يمكن التجسس عليها، وبطاقات مصرفية تحمي نفسها ذاتيًا. تجارب يومية أسرع وأكثر ذكاءً : هل واجهت تأخيرًا في تحميل صفحة؟ أو تعطل تطبيق ذكي؟ بفضل الحساب الكمومي، ستحصل على سرعة استجابة فورية. تطبيقاتك ستتنبأ بما تحتاجه قبل أن تطلبه، والروبوتات المنزلية ستتفاعل معك كما يتفاعل الإنسان. نقلة نوعية في الاقتصاد : البنوك، والطيران، وسلاسل الإمداد، وحتى تسعير المواد الخام... ستُدار كلها بخوارزميات كمومية فائقة القدرة على التنبؤ، مما يُقلل الخسائر ويزيد من الكفاءة. هذا قد ينعكس على حياتك في شكل خدمات أرخص، أسرع، وأكثر دقة. الكيوبتات الفائقة التوصيل هي الأمل الأكبر لأنها ببساطة الأكثر استقرارًا وقابلية للتوسع حتى الآن. فبينما تعاني أنواع أخرى من الكيوبتات من مشاكل عدم الثبات أو صعوبة التصنيع، استطاعت الدوائر فائقة التوصيل أن تقدم أداءً عاليًا ومستقرًا في تجارب متعددة، مما يجعلها المرشح الأول لبناء أول حاسوب كمومي تجاري واسع الاستخدام. بل إن شركة Google أعلنت بالفعل في تجاربها منذ 2019 تحقيق ما يُعرف بـ"التفوق الكمومي"، عندما نجح معالجها الكمومي "Sycamore" – المبني على هذه الدوائر – في تنفيذ عملية استغرقت 200 ثانية، بينما تحتاج أقوى الحواسيب التقليدية إلى الاف السنوات لحلها. أنظمة الكيوبتات الفائقة التوصيل تحتاج إلى بيئة شديدة البرودة (قريبة من الصفر المطلق)، وهذا يجعل تشغيلها معقدًا ومكلفًا. لكن الشركات تعمل حاليًا على تصغير أنظمة التبريد وتطوير رقائق كمومية يمكن تشغيلها في بيئات أكثر واقعية. اما بالنسبة للعالم العربي، فان الفرصة أمامنا. الاستثمار في البحث الكمومي، دعم الجامعات، إرسال بعثات علمية، وإنشاء شراكات مع شركات عالمية، يمكن أن يجعل دولًا عربية في طليعة هذا السباق. لا نحتاج إلى أن نبدأ من الصفر، بل أن نستثمر في العقول والاتصال بالعالم. اخيرا، التقدم في الحوسبة الكمومية باستخدام الكيوبتات القائمة على الدوائر الفائقة التوصيل ليس مجرد إنجاز فيزيائي، بل هو بداية فصل جديد في قصة الإنسان مع التقنية. فصلٌ نعيد فيه تعريف الممكن، ونعبر فيه من المعرفة إلى المعجزة. تابعو جهينة نيوز على

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store