
أطفال الأوسكار.. نجاحات مضيئة وانكسارات حياتية صامتة
نفتح هنا دفاترهم، لنقرأ فصول التحول والدهشة والانكسار، ونصغي إلى الإيقاع الإنساني الذي شكّل ملامح مسيرتهم.
لعل تجربة الطفل الأشهر ماكولي كلكين تعد مثالا حيا على تلك التحولات الدرامية في حياة أطفال النجومية، رغم عدم فوزه بالأوسكار. فبعد أن أسعد الملايين بدوره في فيلم "وحدي في المنزل" Home Alone) 1990)، واجه تدهورا نفسيا واجتماعيا نتيجة الشهرة المفاجئة والضغط النفسي، مما أدى إلى توقفه عن التمثيل فترات طويلة وابتعاده عن الأضواء، قبل أن يحاول العودة مرة أخرى في مسار فني مختلف.
وفي المقابل، فإن نموذجا مثل جودي فوستر التي لمعت في التاسعة من عمرها ورشحت للأوسكار، استطاعت أن تستمر في طريق الأضواء، في حين تعثر بعض هؤلاء وبهتت موهبتهم، كأنها ارتبطت فقط ببراءة الطفولة.
أوسكار في العاشرة
تعد تاتوم أونيل ممثلة ومؤلفة أميركية من أصغر الفائزين بجائزة أوسكار، فقد نالت جائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة في سن العاشرة عن دور آدي لوغينز في فيلم "قمر ورقي" (Paper Moon) عام 1973. الفيلم، الذي شارك في بطولته والدها رايان أونيل، أطلقها نحو النجومية فورا، وجعلها من أبرز ممثلات الأطفال في عصرها.
بعد نجاحها المبكر، واصلت أونيل التمثيل في أفلام مثل "دببة الأخبار السيئة" 1976(Bad News Bears) و"المخمل الدولي"1978 (International Velvet)، إلا أن حياتها المهنية والشخصية غالبا ما طغت عليها طفولة مضطربة، وحياة عائلية اتسمت بالشهرة، ومعاناتها مع الإدمان، وسلطت وسائل الإعلام الضوء على علاقاتها بوالدها وزوجها السابق نجم التنس جون ماكنرو.
في العقد الأول من القرن 21، بدأت أونيل الكتابة بصراحة عن حياتها. فمذكراتها "حياة من ورق" (A Life of Paper)، المنشورة عام 2004، تناولت بالتفصيل طفولتها وعلاقتها المتوترة مع والدها، وأثارت جدلا واسعا. ومنذ ذلك الحين، ظهرت في أدوار تلفزيونية متنوعة، وكانت مدافعة عن التعافي من الإدمان، وشاركت رحلتها مع الجمهور. ولا يزال إرثها قصة معقدة لنجمة طفلة حققت نجاحا باهرا في بداياتها، لكنها واجهت تحديات شخصية عميقة في نظر الجمهور.
واشتهرت آنا باكين، الممثلة النيوزيلندية من أصل كندي، عالميا في 11 من عمرها فقط، إذ فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة عن أدائها المؤثر لشخصية فلورا ماكغراث في فيلم "البيانو" (The Piano) عام 1993. مما جعلها هذا الفوز ثاني أصغر فائزة بجائزة الأوسكار في التاريخ، لتنطلق في مسيرة فنية امتدت عقودا في السينما والتلفزيون والمسرح.
قدمت باكين مجموعة متنوعة من الأدوار الناجحة في أفلام مثل "الطيران بعيدا عن المنزل" 1996 (Fly Away Home) و"مشهورة تقريبا" 2000 (Almost Famous)، حيث أظهرت براعة ميزتها عن أقرانها من نجوم الأطفال. ولعل الأشهر لدى الجمهور المعاصر دورها الرئيسي في دور النادلة سوكي ستاكهاوس في مسلسل "دماء حقيقية" (True Blood)، ونالت عنه جائزة غولدن غلوب لأفضل ممثلة في مسلسل درامي عام 2009، ولا تزال آنا باكين تجمع بين التمثيل والإنتاج حتى الآن.
كانت أبريل كينيدي زميلة آنا باكين في مسلسل "الدم الحقيقي" هي أيضا ممثلة، لكن مسارها المهني كان مختلفا تماما. وتشتهر كينيدي في المقام الأول بأعمالها على المسرح وفي الأفلام المستقلة، مع تركيز خاص على أدوار الشخصيات التي تتعمق في حالات نفسية معقدة.
واكتسبت شهرة واسعة لأدائها في مسرحية "الغرفة الهادئة" (The Quiet Room)، فقد نالت إشادة النقاد لتجسيدها المكثف والدقيق لامرأة تعاني من فقدان الذاكرة. ورغم أنها لا تحظى بشهرة عالمية واسعة كنظيرتها في "الدم الحقيقي"، فإن كينيدي بنت سمعة طيبة كممثلة تحظى باحترام كبير في المشهد المسرحي في نيويورك. غالبا ما تستكشف أعمالها السينمائية مواضيع الهوية والذاكرة، وهي معروفة بروحها التعاونية، حيث تعمل باستمرار مع مخرجين وكتاب ناشئين.
شيرلي تيمبل.. اكتشاف متأخر
اكتشفت الممثلة والمغنية والراقصة الأميركية شيرلي تيمبل شغفها بعد نجاحها في عالم مختلف عنه تماما. كانت قد أصبحت أشهر نجمة طفلة في تاريخ السينما. وبرزت خلال فترة الكساد الكبير، وكانت ابتسامتها ذات الغمازات، وشعرها المجعد، وتفاؤلها المعدي مصدر أمل وتسلية للملايين.
ولعبت دور البطولة في أكثر من 40 فيلما بين عامي 1934 و1940، منها أفلام شهيرة مثل "عيون مشرقة" و"العقيد الصغير" و"القمة المجعدة". ولا تزال أغنيتها المميزة "على متن السفينة الصالحة" جزءا لا يتجزأ من ثقافة البوب. وبعد أن حصلت على جائزة الأوسكار الخاصة بالأطفال عام 1935 لإسهامها المتميز كممثلة شابة تراجعت.
اعتزلت شيرلي تيمبل التمثيل السينمائي في سن 22. وفي فصل ثان مميز، انطلقت في مسيرة مهنية في الخدمة العامة والدبلوماسية. وتحت اسم شيرلي تمبل بلاك أصبحت شخصية سياسية جمهورية بارزة، وشغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى غانا وتشيكوسلوفاكيا، ورئيسة المراسم في الولايات المتحدة. قصة حياتها قصة فريدة لطفلة نابغة نجحت في تحويل شهرتها إلى إرث من العمل السياسي والإنساني.
بدأت تاتيانا ماسلاني التمثيل في المسرح المحلي والإنتاج التلفزيوني خلال طفولتها، وقد وفّر لها عملها المبكر في المسلسلات التلفزيونية والأفلام الكندية تجربة أساسية، ودفعتها مسيرتها التمثيلية بعد الطفولة إلى دائرة الضوء العالمية.
وجاءت انطلاقة ماسلاني مع مسلسل الخيال العلمي "أورفان بلاك" 2013-2017 (Orphan Black) الذي نال استحسان النقاد. وفي عرض رائع لتنوعها جسّدت شخصيات متعددة ومتميزة، لكل منها سلوك ولهجات فريدة ومشاهد عاطفية مميزة. بهذا الأداء المتميز نالت جائزة إيمي برايم تايم لأفضل ممثلة رئيسية في مسلسل درامي عام 2016، معززا سمعتها كواحدة من أكثر الممثلات موهبة في جيلها. وانضمت ماسلاني لاحقا إلى عالم مارفل السينمائي بدور البطولة في فيلم "شي-هالك: حامية" (She-Hulk: Attorney).
مواجهة الوحوش
رشحت جودي فوستر لجائزة الأوسكار في سن 14 عن دورها في "سائق التاكسي" (Taxi Driver)، لكنها لم تفز بجائزة الأوسكار، واستمرت في مسيرتها ممثلة ومخرجة، وحققت نجاحا كبيرا.
أما هايدي جيه غولدفينغ فقد رشحت لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم "الشجاعة الحقيقية" 2010 (True Grit) في عمر 13 سنة، ولم تفز بالجائزة لكنها استمرت في مسيرة فنية متكاملة تجمع بين التمثيل والغناء.
وتركت الممثلة الأميركية كوفينزاني واليس بصمة لا تُمحى في تاريخ السينما بأدائها المذهل في أول ظهور لها. ففي السادسة من عمرها فقط اختيرت لدور البطولة في فيلم "وحوش البرية الجنوبية" (Beasts of the Southern Wild) عام 2012، وهو لفتاة صغيرة تخوض غمار عالم خيالي زاخر بالتحديات، لما اتسمت به من مشاعر عفوية ونضج عميق.
أدى هذا الأداء المتميز إلى إنجاز تاريخي، حيث أصبحت واليس في التاسعة من عمرها أصغر ممثلة تُرشح لجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة على الإطلاق، ورسّخت هذه اللحظة الرائدة مكانتها كموهبة فنية بارزة، وواحدة من أشهر الممثلات الشابات في جيلها.
واصلت واليس مسيرتها الفنية في فيلم "آني" المقتبس عن المسرحية الموسيقية الكلاسيكية عام 2014، حيث أظهرت مهاراتها في الغناء والرقص في الدور الرئيسي. واصلت منذ ذلك الحين مسيرتها المهنية في السينما والتلفزيون، بما في ذلك أداء الأصوات والظهور في أعمال مثل المسلسل الدرامي "سكر" (Sugar).
وإلى جانب التمثيل، أصبحت أيضا مؤلفة لكتب الأطفال، وتشهد مسيرتها المهنية على موهبتها الفذة التي أسرت قلوب الجماهير والنقاد منذ ظهورها الأول على الشاشة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
"القاضي الرحيم" من سرير المرض: أطلب منكم الدعاء مجددا
عاد القاضي الأميركي الشهير فرانك كابريو -الذي اشتهر بلقب "القاضي الرحيم"- ليطلّ هذه المرة من سرير المستشفى في مقطع فيديو مؤثر، أثار قلق جمهوره في العالم بعد أن كشف عن تعرضه لانتكاسة صحية جديدة. وبدا القاضي البالغ من العمر 87 عاما متأثرا في المقطع الذي انتشر على منصات التواصل الاجتماعي حيث وجّه رسالة إلى متابعيه. وفي وقت متأخر من مساء الاثنين 19 أغسطس/آب الجاري، نشر عبر حسابه على إنستغرام منشورا كشف فيه عودته إلى المستشفى، قائلا، "طلبت منكم الصلاة العام الماضي، ويبدو أنكم فعلتم، لأنني تجاوزت فترة صعبة جدا. للأسف، واجهت نكسة صحية وعدت من جديد إلى المستشفى… أطلب منكم مرة أخرى أن تتذكروني في صلواتكم، إذا أمكن ذلك". View this post on Instagram A post shared by Judge Frank Caprio (@therealfrankcaprio) رحلة شاقة مع المرض وكان كابريو قد شُخّص بسرطان البنكرياس في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تزامنا مع احتفاله بعيد ميلاده السابع والثمانين. وخضع حينها لستة أشهر من العلاج الكيميائي، إلى جانب خمس جلسات علاج إشعاعي، وأقر بأن هذه العلاجات كانت "مُنهكة" وأثرت عليه فترة طويلة. وفي يوليو/تموز 2024، شارك "القاضي الرحيم" جمهوره مقطع فيديو وهو يؤدي تمارين الضغط، مرفقا بعبارة: "لقد عدت"، في إشارة رمزية إلى القوة والتعافي والتفاؤل الذي ظل يحمله معه حتى عادت الأزمة الصحية الأخيرة. View this post on Instagram A post shared by Judge Frank Caprio (@therealfrankcaprio) مسيرة إنسانية وقضائية ولد فرانك كابريو في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1936 بمدينة بروفيدنس في ولاية رود آيلاند الأميركية، وهو الابن الثاني بين ثلاثة أبناء لمهاجرين إيطاليين. شغل كابريو منصب قاضٍ في محكمة بروفيدنس البلدية على مدى 38 عاما، وذاع صيته عالميا بفضل برنامجه التلفزيوني الشهير "محاصر في بروفيدنس" (Caught in Providence)، حيث تعرّف المشاهدون إليه وهو يصغي بتعاطف لتفسيرات السائقين المخالفين ويتعامل معهم برحابة صدر وإنسانية. كثيرا ما كان كابريو يدخل في أحاديث ودية مع المخالفين داخل قاعة المحكمة، ويخفف عنهم العقوبات أو يتنازل عن الغرامات مراعاة لظروفهم الاجتماعية، وهو ما أكسبه شعبية واسعة تخطت حدود مدينته. الكتاب والبرنامج التلفزيوني في وقت سابق من هذا العام، أصدر كابريو كتابا بعنوان "الرحمة في المحكمة"، روى فيه سيرته الذاتية وتأثير والديه المهاجرين وذكريات حيّه (فيدرال هيل)، وتجربة الجيل الأول من الأميركيين من أصول إيطالية. وقد حقق برنامجه التلفزيوني "اعتقال في بروفيدنس"، الذي ينتجه شقيقه جو كابريو، انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حتى رُشح عام 2021 لجائزة "داي تايم إيمي". وتحصد مقاطع جلساته ملايين المشاهدات عالميا، لما تحمله من مواقف إنسانية وعفوية. يرى "القاضي الرحيم" أن جذور إنسانيته تعود إلى والده بائع الحليب، "كان يفترض ألا يوصل الحليب للزبائن العاجزين عن الدفع، لكنه كان يفعل ذلك دائما".


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
مدن على الشاشة.. كيف غيّرت السينما صورة أماكن لم نزرها؟
ساهمت السينما في الترويج لكثير من المدن، فعشق متفرجون باريس ورومانسيتها رغم أنهم لم يزوروها من قبل، وافتتن البعض بحيوية نيويورك وعصريتها من دون أن يطؤوا قارة أميركا الشمالية بأقدامهم، بل انتقلوا عبر الشاشة الفضية العملاقة بين القارات ووقعوا في حب تلك المدن السينمائية. وهنا نتحدث عن مدن أخرى، وقصص شديدة المحلية والواقعية في آن واحد، ومخرجين نقلوا مدنهم على الشاشة الكبيرة كما عاشوا فيها، بعيوبها ومزاياها، بقسوتها ورقتها، ونتعرف على مكسيكو سيتي وبلفاست وأوسلو والدار البيضاء كما لم نرها من قبل. روما ظهر اسم العاصمة الإيطالية الشهيرة في العديد من الأفلام السينمائية، غير أن روما المخرج ألفونسو كوارون مختلفة. فهي منطقة روما التي تقع في مدينة مكسيكو سيتي، الحي البرجوازي شهد طفولة المخرج المكسيكي الحائز على الجوائز، ويؤرخ له في هذا الفيلم الذي عُرض عام 2018، وفاز بجائزة الأسد الذهبي وأوسكار أفضل مخرج وأفضل تصوير وأفضل فيلم دولي. وينقل الفيلم حياة حي روما في مكسيكو سيتي في سبعينيات القرن العشرين، وفيه نتعرف على كليو (ياليتزا أباريسيو) الخادمة التي تحمل في عروقها دماء السكان الأصليين، وتعمل وتقيم في منزل عائلة برجوازية، وتُربي أطفالهم وتعتني بكل تفاصيل الحياة، وتعين الأم على رعاية هذه العائلة الكبيرة. قد تبدو كليو الشخصية الرئيسية، غير أن تلك خدعة المخرج، الذي وضعها في الصدارة لتبرز هدفه الحقيقي وهو حي روما بهذه المدينة التي تشتعل ثورةً لأسباب سياسية وعرقية وطبقية. ويبرز ذلك في أحد المشاهد التي تصطحب فيه ربةُ المنزل خادمتها للتسوق، وبشكل مفاجئ يتحول احتجاج طلابي أمام المتجر إلى مجزرة كوربوس كريستي في 10 يونيو/حزيران 1971، حين هاجمت مجموعة شبه عسكرية تُعرف باسم "لوس هالكونيس" (الصقور) المتظاهرين، وطارد المسلحون أحد الطلاب إلى داخل المتجر وقتلوه. وتعتبر هذه المجزرة حدثا حقيقيا يؤرخ له كوارون في فيلمه بشكل حي للغاية على الرغم من طبيعة الفيلم الروائية، فيبدو في هذه اللقطات كأنه دوكيودراما تُعيد إحياء الماضي. View this post on Instagram A post shared by ROMA (@romacuaron) "أسوأ شخص في العالم" نسافر مع "أسوأ شخص في العالم" (The Worst Person in the World) إلى مدينة أوسلو النرويجية، وذلك في الفيلم من إخراج يواكيم ترير، والذي عُرض خلال مهرجان كان السينمائي، وحصلت بطلته ريناتي رينسف على جائزة أفضل ممثلة، كما ترشّح لجائزة أوسكار أفضل فيلم دولي. وفيه تبحث البطلة جولي المتقلبة المزاج (ريناتي رينسف) عن ذاتها في عالم مليء بالخيارات المختلفة إلى حد الإرباك، فتنتقل باستمرار بين هواية وأخرى، ومهنة وأخرى، ويختل توازنها عندما تقابل شابًا يجعلها تعيد حساباتها، فتترك خلفها علاقة عاطفية مستقرة. وينقل الفيلم تأثير دوامة الخيارات المفتوحة أمام شباب اليوم، وكيف تصبح نوعًا من الضغط في حد ذاتها، وذلك على خلفية من مدينة أوسلو التي يتجاوز دورها مجرد المكان الذي تعيش فيه البطلة، فهي ذات حضور بصري ووجداني يعكس ملامح جولي وتقلباتها العاطفية والفكرية. وتعد أوسلو "أسوأ شخص في العالم" مدينة نابضة بالحياة رغم هدوئها الشديد، وتشكل إطارًا واقعيًا لصراعات البطلة الداخلية حول الهوية والحب واختيار مسارها في الحياة. وتبدو هنا صامتة تشارك في تشكيل الحبكة ما بين شوارعها ومقاهيها والجمال الطبيعي، وتعكس في الوقت ذاته شعور التردد والبحث عن الذات، حيث تجسد التناقض بين الاستقرار والحرية والتوتر الذي يحكم رحلة جولي طوال الفيلم. View this post on Instagram A post shared by The Worst Person In The World (@ بلفاست وصف المخرج كينيث براناه فيلمه "بلفاست" (Belfast) بأنه أكثر أفلامه شخصية وصدقًا، فهو شبه سيرة ذاتية تتناول حياته طفلًا في مدينة بلفاست (شمال أيرلندا) إبان فترة اضطراباتها عام 1969. وقد عُرض الفيلم لأول مرة خلال مهرجان تيلورايد السينمائي، ثم فاز بجائزة الجمهور من مهرجان تورنتو، وترشح لـ7 جوائز أوسكار فاز منها بجائزة أفضل سيناريو. ويتتبع هذا العمل الفني حياة عائلة بروتستانتية من الطبقة العاملة من وجهة نظر ابنهم ذي الـ9 سنوات خلال اضطرابات بلفاست. فبينما يعيش ويعمل الأب في إنجلترا، تحيا بقية العائلة في بلفاست في حي يبدو مثاليًا، غير أن تحت هذا المظهر الهادئ نارًا مشتعلةً من الفتنة الطائفية. فخلال أحداث شغب أغسطس/آب 1969 شنّت مجموعة من البروتستانت هجمات على منازل ومتاجر الكاثوليك، فأقام السكان حاجزًا يحول دون تصاعد العنف. ومن منظوره الضيق يشعر الطفل بالحيرة تجاه هذه التغيّرات العنيفة التي تعتري الحياة من حوله، وتَجعل صداقته بزميلته الكاثوليكية في عداد المستحيل. وبينما يبدأ الفيلم بإظهار حالة الاطمئنان التي تعيشها العائلات في الحي ولعب الأطفال أمام المنازل بأمان، ينتهي بأصوات العنف والاضطرابات التي تزداد اشتعالًا، ويتحول الشارع إلى ساحة قتال فيضطر الطفل وعائلته لمغادرة أيرلندا بالكامل بحثًا عن حياة أكثر أمانًا، ويبتعدون قسريًا عن رحم عائلتهم الممتدة والأجداد الذين تركوهم في بلفاست كجزء من ماضٍ كُتب عليه الموت قبل الأوان. View this post on Instagram A post shared by Belfast (@belfastmovie) علِّي صوتك يمزج فيلم "علِّي صوتك" (Casablanca Beats) بين الطابع الوثائقي والروائي، إذ تدور أحداثه داخل مركز ثقافي أسسه المخرج نبيل عيوش بالفعل في حي سيدي مؤمن بالدار البيضاء. ويتخلّل السرد مقاطع فنية من إبداعات الشباب المشاركين، تنسج بخفة مع القصة العامة للعمل، لكنها في جوهرها انعكاس حقيقي لحياة هؤلاء المراهقين وبيئتهم. إعلان وفي "علِّي صوتك" تنطلق الحكاية مع أنس مغني الراب السابق، الذي يصل إلى حي سيدي مؤمن بحثًا عن المركز الثقافي حيث سيباشر عمله الجديد معلم موسيقى الهيب هوب. وهناك تبدأ لقاءاته مع فتيات وفتيان الحي من عشّاق الراب، لتتشابك قصصهم وتجاربهم على الشاشة في نسيج واحد. View this post on Instagram A post shared by Movie Montage (@moviemontage1) ولا يعد حي سيدي مؤمن مركزيًّا في قصة فيلم "علِّي صوتك" فقط لأن فيه تدور أغلب أحداث الفيلم، إنما يمثّل كذلك مع الموسيقى الرابط الأساسي الذي يجمع أبطاله: فهؤلاء الشباب يعانون من الفقر والتمييز على أساس اللون والجنس والقمع السياسي لأنهم من أبناء سيدي مؤمن الحي البسيط الذي قُمِع شبابه وفتياته كما قُمِع آباؤهم من قبل، ويُجبرون على العيش على هامش المجتمع.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
كيف تخدعنا الحسابات السياسية المزيفة المولّدة بالذكاء الاصطناعي؟
لم تعد "الشخصيات" المولّدة بالذكاء الاصطناعي مجرد خيال قادم من المستقبل، بل أصبحت واقعا ملموسا يخاطب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مباشر ويتسلل إلى حساباتهم، وفي بعض الأحيان يحصد أعدادا ضخمة من المتابعين قبل أن يُكتشف زيفه. ومع تزايد قدرة هذه الشخصيات المزيفة على الإقناع، لم يعد السؤال الأهم كيف تنشأ هذه الشخصيات، بل لماذا يصدّقها الناس؟ وفي مقال نشرته مجلة "سايكولوجي توداي"، سلط الكاتب ماثيو فاتشياني الضوء على الشخصيات السياسية المزيّفة التي ينشئها الذكاء الاصطناعي على مواقع التواصل، متسائلا عن سر نجاحها في خداع شرائح واسعة من الجمهور. وأوضح فاتشياني -عالم الاجتماع والباحث بقسم علوم وهندسة الحاسوب بجامعة نوتردام في الولايات المتحدة- أن هذه الحسابات الوهمية تنتشر من خلال تقمّص الهوية والتحايل على الخوارزميات، معتبرا أن مواجهتها تستدعي المزيد من الوعي، ودراسة أعمق للتحيّزات الذاتية، إضافة إلى إجراءات صارمة من المنصات الرقمية. واقع ملموس ويتابع أن حساب "ميغا ميغان" على منصة "تيك توك" يعد مثالا حيا على تداخل التضليل القائم على الذكاء الاصطناعي مع علم النفس البشري وآليات منصات التواصل، فقد حقق الحساب مئات الآلاف من المشاهدات، لكنه بدا بوضوح -كما أشار عدد من المدوّنين- مزيفا ومنشأ بالذكاء الاصطناعي. ويعرض الحساب امرأة تتحدث على خلفية موسيقية، مستخدمة عبارات مألوفة عن "الحروب الثقافية"، ومقدّمة ما يرغب قطاع معين من الجمهور في سماعه، على حد تعبير الكاتب. غير أن التدقيق كشف خللا في أنماط الكلام، مع غياب أي علامات على حضور بشري حقيقي، على غرار الفوضى العفوية في الخلفية، أو التلعثم الطبيعي أثناء الحديث، أو لحظات الارتجال. وبعد الإبلاغ عنه باعتباره حسابا مزيّفا، جرى حظره نهائيا. وقبل الحظر، لفت أحد صانعي المحتوى الانتباه إلى أن الحساب كان يحاول دفع المستخدمين إلى تنزيل تطبيق معيّن، ما يعني أن الأمر برمّته كان تضليلا اصطناعيا صُمّم ليصبح فيروسيا ويجذب النقرات نحو ما يُسوّق عبر أحد المواقع الإلكترونية. ويرى الكاتب أن هناك 3 أسباب رئيسية تفسر اقتناع الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الحسابات: 1- الهوية أهم من المصداقية يميل الناس إلى تصديق ما يتوافق مع هوياتهم، وليس بالضرورة مع يتوافق مع الحقائق، فإذا عزّز الفيديو قيم الفرد أو رؤيته للعالم، فمن المرجّح أن يتقبله كما هو، ولا يهم كثيرا إذا كان مصدره شخصا حقيقيا أو حسابا مزيفا. وأصبح المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي أكثر قدرة على محاكاة مشاعر الناس واستغلال تحيزاتهم المعرفية، وعندما يتوافق المحتوى مع رؤيتهم للعالم، تقل احتمالات التفكير النقدي أو التحقق من المصدر، وقد تجلى ذلك بوضوح في التزييف العميق المرتبط بالحروب والصراعات. عندما يشارك أشخاص تثق بهم حسابات مزيّفة، أو تنتشر داخل مجتمعك، فإنها تكتسب مصداقية من خلال التكرار والألفة. فخوارزمية "تيك توك" لا تهتم بمدى واقعية الحساب، بل تروّج لأي محتوى يزيد تفاعل الجمهور، والنتيجة أن هوية اصطناعية يمكن أن تتغلغل في شبكات بشرية حقيقية وتنتشر على نطاق واسع. ويخلص فاتشياني إلى أن هذا يمثل مثالا نموذجيا على ما تناوله في أبحاثه، حيث يمكن للمعلومات المضللة أن تنتشر عبر دوائر متشابكة تعزز نفسها بنفسها داخل شبكات التواصل. فلا تحتاج الحسابات المزيّفة إلى أن تكون مقنعة بحد ذاتها، بل يكفي أن تجد طريقها إلى "غرفة صدى" مناسبة، حيث يجري تكرارها وتعزيزها لتُقدّم كدليل اجتماعي على أنها واقعية بما يكفي للتفاعل معها. والسبب الرئيس الذي يجعل الناس يصدقون الحسابات المزيفة، هو ذاته ما يجعلهم يقعون في مختلف أشكال التضليل، فالمسألة لا تتعلق بالمعلومة وحدها، بل بالانتماء. 3- دوافع المنصات لم تُصمم منصات التواصل مثل "تيك توك" من أجل تقديم الحقيقة، بل تبحث عن تحقيق أقصى درجات التفاعل، فكلما كان الفيديو أكثر إثارة، زادت فرص انتشاره. ويوفر ذلك أرضية خصبة لظهور شخصيات اصطناعية تهدف إلى استفزاز الجمهور وتعزيز الانقسامات، كما أن الحسابات المزيّفة يمكن أن تدعم بعضها البعض، مما يضاعف التفاعل ويدفع بها إلى الواجهة. مواجهة التضليل ويتطلب مواجهة هذا النوع من التضليل ما هو أبعد من مجرد التحقق من الأخبار والمعلومات، إذ تحتاج إلى تعزيز الوعي الإعلامي وفهم التحيّزات الذاتية بشكل أفضل. ولتحقيق مناعة حقيقية، علينا توسيع شبكاتنا الاجتماعية وتنويع علاقاتنا، حتى لا يدفعنا الانتماء السياسي الأعمى إلى تصديق محتوى مزيف لمجرد أنه يتوافق مع مواقفنا وآرائنا السياسية. وينبغي أن تتعامل المنصات بجدية أكبر مع هذه الحسابات والشخصيات الوهمية المولدة بالذكاء الاصطناعي، وأن توقف تحقيق الأرباح من أسوأ أشكال المحتوى المزيف.