logo
'أرزة'.. دراجة مسروقة تختزل واقع الشتات الطائفي

'أرزة'.. دراجة مسروقة تختزل واقع الشتات الطائفي

الجزيرة٣٠-٠١-٢٠٢٥

تخبرنا حكايات التاريخ المتوارثة أقاويلها، أن البداية الحقيقية لصعود شبح الطائفية في لبنان، قد انطلق مع تفشي أدخنة الحرب الأهلية في السبعينيات، لكن ما أُغفل سهوا هو أن ضعف السطوة المركزية للدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، ساهم فيما بعد بانفراط عقد هذا الوثاق الديمغرافي، وبالعودة للماضي نستطيع قراءة مشهدية الحاضر.
هذا الحاضر المغلف بالصراعات الخفية بين حدود هذه الطائفة وتلك، يقدمه الفيلم اللبناني 'أرزة' (2024)، وقد كتب له السيناريو لؤي خريش وفيصل سام شعيب، وأخرجته اللبنانية ميرا شعيب، وهو أول تجاربها الروائية الطويلة، بعد سنوات من صناعة الأفلام الروائية والوثائقية القصيرة، أغلبها مشغول برصد تداعيات الواقع اللبناني المأزوم أمره على الدوام.
نحن أمام مخرجة تدرك تمام اليقين ما تريد قوله، وقد استطاع الفيلم جذب ردود أفعال واسعة الصدى، بعد عرضه في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية والعربية، استحق الفيلم بسببها جائزة أفضل موسيقى تصويرية، من مهرجان أيام قرطاج السينمائية.
طموح تجاري يصطدم بجدران الطائفية
تقتنص أحداث الفيلم مقطعا من حياة بطلته أرزة' (الممثلة اللبنانية دياموند أبو عبود)، وهي تعمل في إعداد الفطائر المخبوزة منزليا وبيعها، ثم يدفعها طموحها التجاري لشراء دراجة نارية بالأقساط المؤجلة، لتوصيل عدد أكبر من الطلبات المتراكمة، لكن القدر يباغت تطلعاتها بسرقة الدراجة، وعندئذ يصبح لزاما عليها الوفاء بالتزامات الدين، بمحاذاة متطلباتها المالية الأخرى.
هكذا ينسج الفيلم سرديته، مقدما الواقع اللبناني كما هو، خاليا من الرتوش التجميلية المشروعة فنيا في بعض الأحيان، مدثرا هذا الغشاء السردي بجرأة وقدرة استثنائية على البوح والتعري المجتمعي.
فالمضمون العام للفيلم يبدو معنيا في المقام الأول بإثارة تساؤلات الانتماء وإشكالات الهوية، فهو يستعرض أزمة الطائفية بأريحية مخلوطة بتوابل السياسة، وتلك أزمة مؤثرة ضمنيا على وحدة النسيج الداخلي للشعب اللبناني.
ومن هذه الاستفاضات الفكرية الشائكة أحيانا، والمثيرة للتأمل حينا آخر، ثمة قماشة سردية أخرى تغزل خيوطها على مهل، قوامها الواضح بلا مواربة أن مسارات الحياة لا تتدفق أمواجها، إلا بقوة الأمل وحده، ولا شيء سواه.
في ظلال هذه الأوضاع المحكومة بالضيق والخناق الاقتصادي، كيف ستدير بطلتنا ما تيسر من حياتها؟
مفتتح سردي.. نظرة على واقع الشارع اللبناني
يشيد السيناريو عالمه السردي، استنادا على المبدأ الدرامي التقليدي، القائم على النسيج الخطي، الخالي من الالتواءات الدرامية أو الزمنية، وبهذا التدافع الحكائي تطالعنا تدريجيا الإجابة المنتظرة.
تبدأ الأحداث بتتابع مشهدي، نرى فيه 'أرزة' وهي تقتحم المجال البصري للشاشة، من ناحية اليسار تقديرا لأهميتها الشخصية والدرامية، ثم تستكمل سيرها في الشوارع المكتظة بالتنوعات البشرية، متجاهلة بابتسامة عابرة دعوات التظاهر والاحتجاج على النظام السياسي، حتى تعود من حيث بدأت إلى منزلها، وهذه المرة تعبر الإطار من الناحية اليمنى، بعد أن انتهت من شراء أغراضها المنزلية.
ومن ثم اختار الفيلم أن يبدأ حكايته بهذا القوس الافتتاحي، فهو لا يكتفي بتقديم الشخصية الرئيسية محل التناول فحسب، بل يقدم كذلك لمحة يسيرة من عالم سردي تدور في إنائه الشخصيات، وهي تناضل وتصارع لبلوغ تطلعاتها.
ولذلك فإن البناء العام يقوم على توليفة من العلاقات الثنائية والثلاثية، وبالاحتكاك المتوقع بين بعضهم تتدافع الأحداث للأمام، نحو الذروة المنتظرة.
ومن هنا يمكن القول إن نسيج الفيلم الدرامي، لا يتكئ على البطولة الفردية أو الجماعية للشخصيات، مع ما نرى من بطولة فردية مستحقة لشخصية 'أرزة'، ذلك أن المكان يحظى بنصيب من تلك الكعكة، لرغبة أصيلة في تسليط نيران النقد اللاذع نحو جوهر المكان، المكتظ حتى الحافة بالتناقضات، وهي لا تنكشف على جرعة واحدة، بل يعمد السرد إلى إزاحة غموضها وتفكيك شفراتها شيئا فشيئا.
فالبداية مع الفصل التمهيدي الأول، الذي يكشف عن أبطال الساحة السردية، ومعضلتهم الإشكالية مع معوقات المكان، وهي تتضح تدريجيا مع دخول الفصل الثاني، فيدخلوا في خصومة واضحة المعالم ضد حيثيات هذا العالم المحيط والمحِبط في نفس الآن، إلى أن تتم إجراءات المصالحة مع أجواء المكان في الفصل الثالث.
أوضاع البلد.. بيئة تدفع أبناءها إلى الهجرة
لا يتأخر السرد في تقديم رؤيته الوصفية للمكان، فالمشاهد الأولى الكاشفة عن الشخصيات ودوافعها كفيلة بتحقيق هذا الغرض، فنرى كنان (الممثل بلال الحموي) وهو ابن أرزة في لقطات عدة يطلق قذائف انتقاداته للوضع العام.
فالاحتجاجات الثورية الدؤوبة لا تحقق التغيير المطلوب، ناهيك عن التدهور الملحوظ في الأداء الاقتصادي، ويقدمه السيناريو عبر مشاهد عدة، يظهر فيها قوة الدولار الشرائية مقابل الليرة.
هذا على نطاق الوضع العام، الذي يلقي بتأثيراته على الشخصيات، فلا ترى مخرجا سوى الهروب إلى الخارج في قوارب الهجرة غير الشرعية، ثم يبدو المكان مكبلا محصورا بالضيق، أو بمعنى أكثر دقة طاردا لأهله ورفاقه، ولذلك يلجأ الأسلوب الفيلمي إلى المباشرة في تقديم عالمه السردي، فالتعبير الشجاع عن الواقع لا يحتاج إلى الاختباء والمواربة.
ولأن الواقع يضغط بأحماله الثقيلة على الجميع، حتى يعلي شأن الفردية في مقابل انحسار التضامن الإنساني، تلجأ أرزة لسرقة سوار أختها الذهبي، لسداد دفعة مقدمة من ثمن شراء دراجة نارية، حتى يقودها ابنها للمساعدة في توصيل طلبات الفطائر التي تعدها للبيع.
بحث عن الدراجة في جغرافيا ممزقة
مع بهجة الأيام الأولى، وفي غفلة من الابن تسرق الدراجة، ومنذ ذلك الحين يورط السيناريو المتفرج معه، في دوامة البحث عن ذرات الدراجة التائهة في شوارع بيروت.
يتوالى كشف السرد على نحو أكثر تفصيلا، عن ماهية المكان الذي يغلفه الشتات من كل حدب وصوب، فالقوس الافتتاحي لملحمة الانقسام الداخلي تلك، تبدأ مع بيع السوار الذهبي لتاجر أرمني، ثم شراء الدراجة من تاجر درزي، وكل منهم لا يأمن الآخر.
ومع اختطاف الدراجة، تدخل الأم وابنها رحلة بحث في كل بقاع بيروت، فكل بقعة تسيطر عليها طائفة ما، وكل فصيلة طائفية لا تساعد من هم خارج حيزها الآمن.
ويستثنى من هذه السيمفونية السكانية المبعثرة متجر الهدايا والحلي، فهو يجمع كافة الشعارات الدينية والسياسية، وتتردد أرزة عليه في ديمومة مكررة تبعا لحالات التنكر، وهكذا في دوامة متصاعدة المتاعب، لا تقترب من المراد، ولا تبتعد كذلك.
متاهات البحث.. صراع متعدد الأوجه بين الشخوص والمكان
مع الفصل الثاني تنطلق أرزة وابنها كنان في رحلة بحث عن أي أثر للدراجة المفقودة، بأسلوب يقترب إلى حد كبير من الفيلم الإيطالي الأيقوني 'سارقوا الدراجات' (Ladri di biciclette) للمخرج الإيطالي 'فيتوريو دي سيكا'، وهو من إنتاج عام 1948.
فلئن كان الفيلم القديم يقدم الواقع الإيطالي وقد تهاوى اقتصاديا وسياسيا بفعل الحرب العالمية الثانية، فإن البيئة العامة للأحداث في فيلمنا لا تختلف كثيرا، فالإطار العام مغلف بالتراخي الاقتصادي، الذي ينعكس على الفرد، وبين هذا الضعف وذاك يقبع وطن ممزق الأوصال.
وللتعبير عن هذا السياق، يمزج الفيلم في تناوله بين التراجيديا والكوميديا، فالضحك يتوالد تلقائيا من مشاهد أرزة المكررة، أثناء تنكرها الشكلي، بما يناسب كل طائفة، بحثا عن الدراجة المسروقة، لكنه ضحك مبتور تصحبه مرارة الواقع، فتبدو الكوميديا -التي تبزغ من تلقاء الموقف- سوداء ساخرة وناقمة على هذا الوضع المثير للتأمل والحيرة.
وعندئذ يمكن الوصول إلى صيغة تفاهمية بشأن الصراع الدرامي، الذي يبدو مهموما بالتعبير عن النزاع من أجل البقاء على الحد الأدنى من الحياة، ولذلك تخرج الدراجة النارية المسروقة، من حدود كونها وسيلة لتحسين المستوى المعيشي، إلى دلالة الرمز، وكأنها تمثل طوق نجاة.
ولا تتوقف أركان الصراع عند هذه النقطة، بل يصاغ بصورة أكثر اتساعا مع توغلنا في السرد، حين يكشف عن تباين الرؤى بين الأجيال، أما أرزة فترغب بالتشبث بجذورها، وأما كيان فيسعى بدأب للفرار من محدودية هذا المكان المحصور بالكبت.
وهكذا يقدم الفيلم توليفته السردية، ويتضمن نسيجها المتشعب صراعا متعدد الأوجه، يحيل تطلعات الشخوص الفردية إلى إطار أوسع وأشمل، فتصبح الصراعات الشخصية تأويلا وانعكاسا للصراع العام، الذي يحيط بالحيز الجغرافي المنقسم على ذاته، والذي يلقي صدى تفاعلاته على الأبطال، فالواقع أن كلا منهما يتفاعل مع الآخر وضده.
ثنائيات متشابكة وبشائر منتظرة
مع أن الحكاية تتميز ببساطة مقنعة، فإنها لا تخلو من بعض التعقيد على مستوى العلاقات بين الشخصيات، فالبناء العام يقوم أساسه المعماري على الدوائر الثنائية، البداية مع العلاقة التقليدية بين أرزة وكنان، وبين أرزة وأختها ليلى، وكذلك بين ليلى وكنان، ثم نصل إلى الدرجة الأكثر تفصيلا، بالعلاقة بين كنان وصديقته ياسمين.
وبنظرة واسعة المدى، يمكن أن نلاحظ أن هيكل الأحداث لا يسير على خط درامي وحيد، لكن هذا السياق يحتوي في داخله خطوطا سردية أخرى، تتفرع من رحم الخيط الأصلي، وكل منها يسهم بقدره المتوازن في إثراء النسيج السردي بألوان متباينة من الحكي.
لكن الملفت حقا للنظر، هو المساواة بين جميع الشخصيات في معيار البؤس والتعاسة المستحق لكل منهم، فأرزة قد تركها زوجها في بداية زواجهما، وفر هاربا من دون أن يترك أدنى وسيلة للتواصل، وأما ليلى فما تزال تنتظر عودة زوجها، ولا تعلم أنه قد لقي حتفه في سجون النظام السوري، وعلى الرقعة الأحدث نرى كنان وقد باغتته ياسمين برحيلها المفاجئ إلى أوروبا مع أسرتها.
وهكذا يبدو الإطار العام مدثرا بغلالة رقيقة من الفقد والحنين، مما يدعم النسيج السردي بمسحة شفيفة من العذوبة والشاعرية.
وعندئذ يمكن بمنتهى السهولة واليسر الوصول إلى مفتاح قراءة الفيلم، وهو يكمن ببراءة بين الإيمان غير المحدود بقوة الأمل، والرجاء في المستقبل الأفضل، الذي سيأتي بالتأكيد في الوقت المعلوم.
فالجميع ينتظر وصول بشارة مجهولة حسنة الطالع؛ أرزة الباحثة بدأب واجتهاد عن دراجتها، وليلى المنتظرة عودة زوجها، وبينهما كنان الذي ينبش عن فرصة ملائمة، للفرار من جحيم هذا الواقع المشلول بندرة الفرص.
عودة الدراجة.. مصالحة بين مجتمع متشابك
لا يتوقف التعبير عن الحصار الذي تعاني منه الشخصيات على السياق الدرامي فحسب، فعناصر التكوين والصورة تقول كلمتها أيضا، فتطالعنا أرزة في مشاهد عدة، وهي في إطار محصور ضيق المساحة، تعبيرا عن الحصار النفسي والذاتي الذي يغلف حياتها.
ولاكتمال الصيغة التعبيرية، يلجأ الإخراج إلى زوايا التصوير المتوسطة الحجم، التي تسهب في التعبير الوصفي عن محتويات تلك الحياة التي يعيشها أبطالها.
لقد اختير أبطال الفيلم بعناية فائقة، فانتماءاتهم الطائفية والدينية حقيقية تماما، فكل منهم يعبر عن عقيدته المذهبية، فالتاجر الدرزي ومن يماثله من الموارنة ينتمون إلى تلك الطوائف.
لذلك تتباين اللكنات باختلاف الشخصيات والمكان كذلك، فلكل ضاحية لكنتها المغايرة عن الأخرى، أما ما يثير الإعجاب حقا، فهو الالتزام كذلك بأماكن التصوير الواقعية، التي تسيطر عليها كل طائفة بحسب تعدادها السكاني.
يتوالى السرد باندفاع محموم نحو الذروة، وحين نصل إلى الفصل الثالث تلتئم الخيوط السردية معا، وتجري وقائع المصالحة مع المكان، بعد أن يستعيد الثنائي أرزة وكنان الدراجة المسروقة، وتقتنصهما الكاميرا في لقطات متعاقبة أثناء تنقلهما السعيد في شوارع بيروت.
وفي طرح موازٍ يقول الشاعر اليوناني 'قسطنطين كفافيس' عن التشبث بالهوية المكانية: 'لن تجد بلادا ولا بحورا أخرى، فسوف تلاحقك المدينة، ستهيم في نفس الشوارع وستدركك الشيخوخة، في هذه الأحياء نفسها وفي البيوت ذاتها'.
وكأن شاعر لبنان جبران خليل جبران اختزل ذلك السيل الجارف من التعلق بالمكان حين قال:
بِلادي لا يزالُ هواكِ مِنِّي
كما كانَ الهوى قبلَ الفِطامِ
ومن ثم يمكن القول إن السياق السردي نجح في خلق فيلم جذاب المحتوى الشكلي والفكري، يحرض على التأمل والتدبر، ويبعث على التساؤلات المشروعة، الباحثة عن إجابة مؤكدة راسخة اليقين، عن السبب الحقيقي في تجانس هذا المجتمع شكلا، وتباعده مضمونا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المنتجعات السياحية جنوب لبنان في انتظار تدخل الدولة
المنتجعات السياحية جنوب لبنان في انتظار تدخل الدولة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

المنتجعات السياحية جنوب لبنان في انتظار تدخل الدولة

بيروت- بهمّة عالية وعمل دؤوب يضع فضل نجم لمساته الأخيرة على مؤسّسته السياحيّة في بلدة باتوليه قضاء صور جنوب لبنان ، والذي كان قد تضرر بشكل كبير من جراء القصف الإسرائيلي، حيث أعاد ترميم الجدران المدمرة وأعمال الديكور داخل صالة ليلة عمر للأفراح. ومنذ إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عاد نجم وأسرته وعمّاله إلى مؤسّسته ليرفع عنها غبار الحرب وآثارها الكارثية، وهو اليوم يتهيّأ لموسم الصيف القادم، والذي يعوّل عليه مثل العديد من أصحاب المنتجعات السياحية في الجنوب اللبناني، لتعويض جزء من خسائرهم التي تكبّدوها جراء الحرب الأخيرة. إصرار على العودة يتحدث نجم للجزيرة نت عن إصراره الكبير لإعادة الصالة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لافتًا إلى وجود حجوزات كبيرة لهذا الصيف، ويقول: "الحرب الإسرائيلية كانت قاسية جدًّا علينا، وقد تضرّرنا بشكل كبير، حيث سقط السقف والديكور، وجزء من الحائط سقط بعد وقوع عدّة غارات بجانب المنتجع، لكننا عدنا فور وقف إطلاق النار ونحاول جاهدين إعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وسنستأنف العمل رغم كل شيء، ونحن نستعد حاليًا لموسم صيف واعد جدًا". ويلفت نجم إلى وجود حالة من التردّد لدى الكثير من أصحاب المؤسسات السياحيّة، نظرًا لاستمرار الخروقات الإسرائيلية ضد لبنان، وهذا ما يخيف الروّاد بشكل أساسي من القدوم إلى الجنوب، إلا أنه يطمئن الناس إلى أن الوضع في الجنوب، وخاصة في منطقة صور مستقر وآمن، ويدعو المغتربين للعودة إلى بلدهم وزيارة الجنوب لدعم الأهالي الصامدين في قراهم. دولة غائبة تستعيد مدينة صور عافيتها بشكل أسرع من قرى القضاء، خاصة تلك القريبة من الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة، إذ تتراجع الحركة في المدن كلما اقتربت نحو القرى الحدوديّة، كا هو الحال في بلدة شمع، التي صُنّفت سياحيّة نظرًا لموقعها الجغرافي المميّز، والممتد من أعلى الجبل وصولا إلى شاطئ البحر في نقطة البيّاضة، حيث دمّر الاحتلال أكثر من 70% من منازلها، أما منتجعاتها السياحيّة فتضرّرت بشكل كبير. ويشير رئيس بلدية شمع وصاحب منتجع (هيل سايد ريزورت)، عبد القادر صفي الدين للجزيرة نت إلى الأضرار البسيطة التي لحقت بمنتجعه وقد عمد إلى استبدال الزجاج المحطّم وكذلك بعض الإصلاحات الضرورية، ويشدّد على أنه يدرس قرار إعادة فتح المنتجع في هذا الصيف، في ضوء وجود تكاليف تشغيلية كبيرة، من غياب للكهرباء التي يستعاض عنها بالمولدات، وغياب البنية التحتيّة الضروريّة. ورغم كل الصعوبات والتحديات التي تأتي مع التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، يشدّد صفي الدين على ضرورة أخذ المبادرة من قبل أصحاب المؤسّسات السياحيّة، والبدء بأعمال الإصلاحات دون انتظار الدولة الغائبة تمامًا حسب تعبيره. ويقول: "في بلدة شمع كان يعمل ما يقارب 250 موظّفًا في المؤسّسات السياحيّة في البلدة، يعني 250 عائلة كانت تعتاش من هذا القطاع، وهذه المنطقة كان يقصدها المواطنون من كل لبنان إضافة إلى السيّاح والمغتربين، نظرا لجماليتها وللخدمات المميزة التي تقدمها هذه المنتجعات، ولهذا يجب أن تعود إلى سابق عهدها ومهما كانت الظروف، وعدم انتظار الدولة التي لم تسأل عنا أبدًا". حتّى إشعار آخر ومن خلال جولة الجزيرة نت على المنتجعات في شمع بدت البلدة خالية تمامًا من أي مظهر للحياة، حتى مطعم (أمواج البياضة) الذي كان يضج بالحياة لسنوات طويلة، هو اليوم مغلق تمامًا، وآثار الدمار واضحة للعيان، فالطاولات محطّمة كذا الكراسي وألواح الزجاج، نتيجة القصف الإسرائيلي الذي طال المنطقة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومنذ ذلك التاريخ أغلق المطعم أبوابه أمام زوّراه، وغادر 60 عاملا إلى منازلهم إلى غير رجعة، أما صاحبه فغادر إلى أفريقيا ، وليس لديه نيّة للعودة في الوقت الحالي، نظرًا للخسائر الاقتصاديّة الكبيرة التي مُني بها نتيجة الإغلاق الذي تخطّى العام ونصف العام، ونتيجة الدمار الكبير الذي لحق بالمطعم. ويتحدث صاحب المطعم علي وهبة لـ(الجزيرة نت) عن هذه الخسائر، مؤكّدًا أنه خسر أول الحرب في مطعمه 22 ثلاجة ممتلئة بأنواع مختلفة من اللحوم والأسماك والأطعمة المتنوعة، وكلفة هذه الخسارة قرابة 50 ألف دولار، فضلا عن كلفة الإغلاق المتواصلة والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمطعم. ويستبعد وهبة إمكانية العودة إلى لبنان وإعادة الافتتاح من جديد هذا الصيف، وهو مُصرٌّ على الإغلاق، ويقول: "لا يمكنني أن أغامر وأدفع أموالا طائلة من جديد، فأنا بحاجة إلى ما يزيد عن 100 ألف دولار للعودة من جديد، في ظل عدم وضوح الرؤية حول مستقبل الوضع في لبنان، وكذلك لا يمكنني أن أضمن سلامة الزبائن أو الموظفين، فالخطر حقيقي والقذائف كانت تسقط قربنا في أول أيّام الحرب. وينوّه وهبة إلى أن هذه المنتجعات السياحية التي كانت تميّز منطقة الجنوب كانت عنصرًا أساسيًّا في صمود الأهالي في قراهم، فقد كانت تحرّك العجلة الاقتصادية للمنطقة، فعلى سبيل المثال كان يعمل في المطعم 60 موظفًا يعني 60 أسرة. ويقول وهبة: "حركة المنتجعات ليست مهمة فقط للموظفين وأصحابها، بل لكل المنطقة، حيث تعتمد العديد من المؤسسات التجارية عليها، فنحن نشتري الخضار واللحوم والحاجيّات اليوميّة من مؤسّسات أخرى، مما يخلق دورة اقتصاديّة مهمّة في القرى والبلدات الجنوبية". ويشير وهبة إلى حرصه على العودة عند استتباب الأمن في الجنوب اللبناني، ويتمنى أن يعيد الحياة والموظفين إلى مؤسّسته وأن تلتفت الدولة والمعنيون إلى هذه المؤسسات الاقتصادية المهمّة، وأن تسأل عن حالهم وتعوّضهم لتشجعهم على العودة.

الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب
الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

الشاعر حسين جلعاد يوقّع كتابه الجديد "شرفة آدم" في معرض الدوحة للكتاب

الدوحة – وقّع الشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد كتابه الجديد "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب"، مساء الجمعة، وذلك في جناح المؤسسة العربية للدراسات والنشر. الكتاب، الذي صدر حديثا في بيروت، يشكّل امتدادا لتجربة جلعاد الطويلة في الصحافة الثقافية والكتابة الأدبية، ويجمع بين التأملات الفلسفية والرؤى الأدبية والنقدية، من خلال مقالات وقراءات معمقة، وحوارات مع رموز أدبية عربية وعالمية، جُمعت على امتداد أكثر من عقدين من العمل الصحفي والثقافي. أكد الشاعر والقاص الأردني، في جلسة حوارية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، أن الأدب هو أوسع فضاء يمكن للإنسان أن يعبّر فيه عن نزقه وإنسانيته بكافة أشكال التعبير الفني من شعر وقصة ورواية. وقال إن شرفة آدم هي دعوة للتأمل من موقع مرتفع، حيث لا يكتفي الإنسان بالتفكير في يومه الراهن، بل يتأمل في أصل أفكاره ومآلاتها. وأضاف "هي شرفة لا تحكمها محددات السياسة أو الأيديولوجيا، بل تتسع لكل ما يود الإنسان قوله بصدق". وأشار إلى أن هذا التأمل يقود إلى التسامي عن الأفكار التي قد لا تخدم الإنسان أو المجتمع، وأن الأدب، في جوهره، هو وسيلة لتحسين شروطنا الإنسانية والتفكير في صورة مثالية عن المجتمع والذات. وعبّر الكاتب عن سعادته الكبيرة بالمشاركة في أمسية ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، ووجّه شكره للحضور ولإدارة المعرض على تنظيم هذا الحدث الثقافي البارز. الأدب وفنون التعبير وحول فلسفة عنوان الكتاب، أوضح الكاتب أن "شرفة آدم" تحمل دلالة فلسفية وثقافية، تنطلق من فكرة التأمل في أفكار الإنسان، مشيرا إلى أن الأدب هو أرحب مجال يمكن للإنسان من خلاله التعبير عن أفكاره، بعيدا عن تعقيدات السياسة أو القيود الأخرى. وأكد أن الأدب هو "صوت الإنسان من الداخل" وتفاعله مع مجتمعه، وهو الوسيلة التي يستطيع من خلالها أن يعبّر عن نفسه بصدق وشفافية، بكل ما فيها من تناقضات ونزق وإنسانية. وتابع قائلا "كل ما يريده الإنسان من قول يمكن أن يجده في الأدب، سواء من خلال الشعر، أو الرواية، أو القصة، أو سائر الفنون الكتابية الأخرى". وفيما يتعلّق بمحتوى الكتاب، أوضح أن العمل يحتوي على حوارات فكرية وأدبية أُنجزت على امتداد سنوات طويلة من العمل في الصحافة الثقافية. وتنقسم هذه الحوارات إلى أقسام، أولها مع أدباء أردنيين بحكم عمله الطويل في الأردن، ثم حوارات أخرى مع كتاب عرب التقاهم خلال عمله في قطر، أو أثناء عمله السابق في عمّان وفي صحف عربية مثل "النهار" و"القدس العربي". كما أشار إلى لقاءات جمعته بأدباء من عواصم غربية، مثل الشاعر الإيطالي الشهير إدواردو سانجونيتي، الذي كان يُعد من أبرز شعراء إيطاليا حين حاوره. وبيّن أن سانجونيتي قدّم في سنواته المتأخرة نمطا جديدا من الكتابة الشعرية، وصفه بأنه "فتح شعري" آنذاك. وأشار إلى أن هذه الحوارات جاءت ضمن مشروع أدبي يهدف إلى استكشاف الذات الإنسانية عبر الأدب، والتفكير في موقع الإنسان من الوجود، عبر "شرفة" تطل على المعرفة والتجربة والحياة. وعن تنوّع إنتاجه الأدبي، قال جلعاد إنه في الأساس شاعر، وله أيضا مجموعة قصصية بعنوان "عيون الغرقى"، كما أن لديه ميولا للكتابة الروائية ويعمل على مخطوطات روائية ستُنشر لاحقا. وبيّن أن "كل الفنون الكتابية تنطلق من أصل واحد، هو التأمل"، مضيفا أن حتى العالِم الفيزيائي آينشتاين كان يؤمن بأن الاكتشافات العظيمة تبدأ بخاطرة متأملة، لا معادلات رياضية. وأكد أنه لا يرى فواصل حقيقية بين أشكال الكتابة الأدبية، لكنه يراها مشروطة بالإتقان. وأضاف "لا يصبح الإنسان شاعرا بين ليلة وضحاها، بل لا بد من الموهبة، والثقافة، والتجربة الطويلة". وحين سُئل عن المرجعية الفكرية والفلسفية التي ترتكز عليها كتاباته، قال جلعاد بثقة "الإنسان هو الفكرة الأساسية. همومه، مشاكله، أفكاره، سواء في الطبيعة أو ما وراء الطبيعة، هي المرجع الذي أنطلق منه. كل شيء بعد ذلك هو تفاصيل". وأضاف أن الكتابة عن الإنسان لا تختلف جوهريا، سواء كانت في شكل قصيدة أو رواية أو مقالة، مشددا على أن النقطة المرجعية الدائمة في مشروعه الأدبي هي تأمل الذات والوجود من شرفة إنسانية. وأعرب حضور للندوة التي عُقدت في منتصف معرض الدوحة للكتاب في يومه قبل الأخير عن تقديرهم لما قدمه الكاتب من إضاءات فكرية عميقة حول كتابه، متمنين له مزيدا من النجاح في مشاريعه الأدبية المقبلة. يُذكر أن المؤلف من مواليد عام 1970، وهو شاعر وقاص وصحفي أردني، ويعمل في موقع الجزيرة نت، وهو عضو رابطة الكُتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية (2004-2005) وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب. واختير جلعاد عام 2006 سفيرا للشعر الأردني لدى حركة شعراء العالم، وهي منظمة أدبية مقرها تشيلي وتضم في عضويتها آلاف الشعراء، كما اختارته مؤسسة "هاي فِسْتِيفَل" (Hay Festival) -بالتعاون مع اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية- ضمن أفضل 39 كاتبا شابا في العالم العربي والمهجر (جائزة بيروت 39) بمناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب عام 2009. وصدر له في الأدب "العالي يُصْلَب دائما" (شعر، دار أزمنة، عمّان، 1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007)، و"عيون الغرقى" (قصص قصيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023). و"شرفة آدم" (نقد أدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2025). كما صدر لجلعاد منشورات فكرية وسياسية هي "الخرافة والبندقية.. أثر العولمة في الفكر السياسي الصهيوني" عام 1999، ومن قبله "المسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني" عام 1997.

مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان الجنوبية
مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان الجنوبية

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

مهرجان عامل.. محاولة لاستعادة الحياة في كفررمان الجنوبية

لمهرجان "عامل" في بلدة كفررمان قضاء النبطية طعم مختلف هذا العام، فهو يأتي بعد حرب إسرائيلية قاسية على لبنان، إذ نالت البلدة حصة كبيرة من الاعتداءات الإسرائيلية، وقد دمرت الغارات عدة مبان سكنية، وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى. وقد اختارت كشافة التربية الوطنية -الجهة المنظمة لهذا المهرجان- اسم "عامل" لأمرين، الأول تحية للعمال في عيدهم، وأما الثاني فتيمّنًا بجبل عامل، وهو المنطقة الجنوبية من لبنان. سوق بأكشاك متنوعة المهرجان عبارة عن سوق شعبي وتراثي أقيم في ملعب مدرسة كفررمان الرسمية، حيث ضم أكشاكا متنوعة، قدمت الأكل التراثي، وكذلك المنتوجات المصنوعة محليا وكل ما له علاقة بثقافة وتاريخ لبنان والجنوب اللبناني. إليان العزة وقفت داخل كشكها المخصص لبيع الأواني الفخارية، فقد اشتهر لبنان بصناعة الفخار منذ زمن بعيد، إلا أنه تراجع بفعل الصناعات المعدنية، ومن خلال هذا الكشك تبيع إليان أواني فخارية متنوعة، وتشير -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن الطهي بالفخار صحي أكثر من الطهي بالأواني المعدنية، موضحة أن عرض المصنوعات الفخارية يهدف لتشجيع الناس على العودة إلى استعمالها حفاظا على صحتهم. وعن المهرجان تقول إليان العزة: "أحببنا أن نغير النشاط التقليدي المعتاد الذي يدعم العمال في كل عام، وقررنا أن ننظم فعالية جميلة نرسم فيها البسمة على وجوه الجميع ومنهم الأطفال، وأن نحسن من مزاجية الناس بعد الحرب، ولهذا اخترنا السوق الشعبي والتراثي الذي لاقى استحسانا كبيرا من الناس". نور غزال المختصة بصناعة الشوكولاتة منزليا، حضرت مع منتجاتها إلى السوق، وتتحدث للجزيرة نت عن عملها قائلة "أقوم بكل شيء في المنزل، من صناعة الشوكولاتة البلجيكية الخالية من السكر، إلى تحضير التيراميسو والتشيز كيك والليزي كيك، وكل أنواع الحلويات للمناسبات والأعراس". ومشاركة غزال في هذا المهرجان ليست للربح المادي المباشر فقط، وإنما للترويج لمنتجاتها وتعريف الناس بطبيعة هذه المنتجات من خلال التواصل مع شرائح جديدة من المجتمع تحضر إلى السوق، حسب تعبيرها. بدورها، تعمل فرح حسونة في مجال الأشغال اليديوية من أساور وزينة، تنوه بهذا المهرجان وبمشاركة الناس الكبيرة فيه، وتؤكد للجزيرة نت أن الناس بحاجة إلى هذه المساحة من الفرح بعد كل الضغوط التي مروا بها خلال العامين الماضيين. أفراح أبو زيد تملك متجرا لبيع مستلزمات الصناعات اليدوية وقد حضرت إلى السوق لتعرض هذه المستلزمات وتعرف الناس على تجارتها، وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن المهرجان مميز، خاصة أنه يحمل كل التحايا للعمال الذين يكدّون ويتعبون للاستمرار في هذه الحياة الصعبة، وتلفت أفراح إلى أن أهمية هذا النشاط هو إعادة الحياة إلى المنطقة بعد الحرب القاسية، وبعد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي سبقتها، وتقول "حبنا لكفررمان وللجنوب وصمودنا هو ما دفعنا للاستمرار، واليوم نعيد الحياة إليها من جديد رغم كل ما حصل". وتقف فاطمة صمادي إلى جانب ابنتها التي تخبز "المناقيش" على فرن الصاج، وتتحدث للجزيرة نت عن الصاج الذي ارتبط بتاريخ المنطقة، حيث كان موجودا في كل بيت، وكانت ربة المنزل تخبز عليه الخبز اليومي والمناقيش، إلا أن استخدامه بدأ ينحسر مع التطور الذي طرأ على الحياة، وتؤكد على ضرورة العودة للجذور والتمسك بالأرض والبيوت والحياة التقليدية. زوار من داخل وخارج البلدة حشود كبيرة من البلدة وخارجها حضرت منذ اللحظات الأولى لافتتاح السوق ومن جميع الفئات العمرية، ومن ضمن فعاليات السوق الشعبي والتراثي جناح خاص بالأطفال، حيث رسموا ولعبوا وغنوا بإشراف المنظمين. إعلان علي شعشوع من بلدة كفررمان حضر مع أسرته ليشاهد الفعاليات، ويؤكد على ضرورتها في التخفيف عن جميع أفراد المجتمع الذين عانوا ما عانوه خلال الحرب. وخلال حديثه للجزيرة نت، يشدد شعشوع على ضرورة أن كل النشاطات التي تقام للأطفال، لأنهم عاشوا ذكريات سيئة خلال الحرب، ويجب أن ينسوها بمثل هذه النشاطات المتنوعة، معربا عن أمنيته بأن يعود الجنوب أفضل مما كان عليه قبل الحرب. أما كمال حمزة فيصف الجو بالرائع، ويقول في حديثه للجزيرة نت: "عادت الحياة إلى قريتنا كفررمان وعاد النبض إلى الجنوب بعد كل ما مررنا به من قصف ودمار وتهجير، ولا شك في أن الخراب كبير، لكن الناس لم تمت، بل بقيت على قيد الحياة، وهذا دليل على تمسكهم بأرضهم، والذين ينظمون هذا النشاط هم أولادنا، وهم الذين سيواصلون الحياة بكل أشكالها". من مدينة بعلبك شمالي شرقي لبنان، حضر شوقي فارس مع أسرته إلى بلدة كفررمان، الذي أكد أن قدومهم رسالة تشجيع للقيمين على المهرجان وإحياء لبلدة كفررمان بعد كل ما تعرضت له من تدمير خلال الحرب، ويقول للجزيرة نت "الكل مسرور هنا، الأطفال والكبار، وأهم ما في الأمر أن الناس متمسكة بأرضها كما أشجار الزيتون، وهذا يدل على أن هذه الأرض فيها شعب حي يعود للنهوض من جديد، فحين تنظر من حولك ترى الفرحة تكبر أكثر فأكثر، وإن شاء الله ستعود هذه المنطقة للحياة ويصبح كل شيء أفضل". سالي حرب أتت من عكار شمالي لبنان، المحافظة التي استقبلت مئات العائلات الجنوبية النازحة بسبب الحرب الإسرائيلية، وكانت سالي على تماس معهم وبنت معهم أفضل العلاقات، واليوم أتت لتقف على حالهم في هذا النشاط المميز حسب تعبيرها. "عكار بطبيعتها منطقة مضيافة وكريمة، وقد احتضنت أهل الجنوب خلال الأزمة، رغم أن لا شيء يعوضهم عما مروا به من ضغوط وفقد، لكننا حاولنا أن نقف إلى جانبهم، وأقول لأهل الجنوب شكرا لأنكم رغم المسافة جعلتم منّا شعبا واحدا، وكما جئتم إلينا في وقتكم الصعب، اليوم نأتي إليكم في وقتكم الجميل، وبصراحة الإيجابية كبيرة، لأن الناس رغم كل ما عانوه، ما زالوا يحبون الحياة ومتمسكين بأرضهم". الجهة المنظمة يشير حسين شكرون، وهو أمين السر العام لكشافة التربية الوطنية، إلى أن هذا النشاط يأتي لتكريم العمال بعيدهم، حيث تقدم النساء والرجال منتجاتهم المصنوعة يدويا في السوق الشعبي والتراثي، والهدف من ذلك ليس فقط الوقوف إلى جانب العمال فحسب، بل إعادة الحياة إلى البلدة وإلى كل الجنوب، ونوّه بصمود الأهالي وتضحياتهم الكبيرة في سبيل الأرض والحفاظ عليها. إعلان وفي حديثه للجزيرة نت، أشاد شكرون بالمشاركة الكبيرة لأهالي البلدة وأهالي قرى قضاء النبطية وكل المناطق اللبنانية الذين حضروا لإنجاح هذا النشاط الذي سيستمر ليومين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store