
"رمضان" المصري... أو مختبر التشدد
يأتي رمضان كل عام في مصر حاملاً روحانياته وفضائله وسماته المعتادة، لكن قدومه بات يكشف أيضاً جانباً مهماً من علاقة الدين بالدولة بالشعب بجماعات الإسلام السياسي بهوامش التشدد والتسامح، تارة حاملاً نكهات مجاملة للمتشددين، أو محسنات روحانية مهدئة للمزاج العام أو مؤججة له، بحسب الحاجة والظروف والمتطلبات.
نهر فياض من أخبار روحانيات رمضان الرسمية والشعبية، وأيضاً الغذائية، وزارة الأوقاف تفيض وتستفيض في خطة صلاة التراويح، "20 ركعة في المساجد الكبرى"، "صلاة التراويح غير مقيدة وبالاتفاق بين الإمام والمصلين"، "التراويح بحسب قدرة استيعاب المساجد ورغبات المصلين"، و"السماح بإقامة موائد الرحمن من دون قيود وبلا رسوم" وغيرها.
أما استعدادات المؤسسات الدينية الرسمية لرمضان، فالكم الخبري يتصاعد مع اقترب الشهر الفضيل تصاعداً يصعب حصره، بين "ملتقيات فكرية" في المساجد هي عبارة عن دروس دينية بعد صلاة العصر، و"ندوات ثقافية" بعد العشاء والتراويح هي شرح وتفسير لآيات الذكر الحكيم.
قوافل الوعاظ والواعظات ستنطلق في المساجد وقصور الثقافة بالتعاون مع وزارة الثقافة التي ينتقد كثر غياب دورها في التثقيف الشعبي غير الديني.
ومن الأنشطة الرمضانية ما هو موجه للرجال على أيدي الوعاظ الذكور، وكذلك النساء حيث محاضرات الصحة الإنجابية، على رغم أن الصحة الإنجابية ليست حكراً على النساء، وحتى الأطفال لهم نصيب بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عبر فعاليات مثل "الحدوتة الرمضانية".
تقول وزارة الأوقاف إن الفعاليات الرمضانية ستقدم "محتوى دعوياً ثرياً يعزز الفهم الصحيح للدين، ويسهم في نشر القيم الإسلامية السمحة".
ندوات وحكايات وتفسيرات
الاستعدادات على قدم وساق، الأزهر الشريف يستعد أيضاً بفعاليات "ثقافية" تغطي سائر البلاد، ندوات وجولات ولقاءات وتفسيرات للقرآن وشرح للآيات وتفسير للأحاديث وحكايات من التراث، وبالطبع من يصوم ومن لا يصوم، وفقه المرأة وغيرها من الأبواب الرمضانية الثابتة.
حتى مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية يستعد بباقة متنوعة من البرامج والفعاليات الفقهية والدعوية والمشاركات الإعلامية والميدانية، لا سيما تلك التي تحظى بالشعبية بين عموم الناس: فقه المرأة، وأحكام المرأة، ومكانة المرأة، وأحكام الصيام، والدعاء المستحب، ويفطر ولا يفطر، وغيرها من أوجه الحراك الإفتائي الذي لا ينضب، على رغم تكراره كل عام.
وإذا كان رمضان هو شهر الروحانيات، وأجواؤه تستدعي السؤال مرة واثنتين وثلاث عن شؤون الدين والدنيا أملاً في غسل الذنوب وتصفير عداد الخطايا، وطقوسه أقرب ما تكون إلى القواعد الثابتة التي لا يغيرها عصر رقمي أو يبدلها احتقان إقليمي أو تنال منها أزمة اقتصادية، فإن المتغير بات في الاستعدادات الحكومية والتعاملات الرسمية مع تفاصيل الشهر الكريم.
على مدى أعوام ما بعد أحداث الـ30 من يونيو (حزيران) 2013 التي أدت إلى إنهاء حكم جماعة "الإخوان المسلمين"، دأبت الدولة على التعامل مع الشهر الفضيل وأجوائه وعاداته الدينية والثقافية والاجتماعية الشعبية المرتبطة به بحرص بالغ.
أعوام طويلة والمساجد وصلوات التراويح والتهجد وقيام الليل وحلقات الدرس بعد العشاء وقبل العصر في رمضان ظلت أرضاً خصبة لنشر فكر "الإخوان" وتوسيع قاعدتهم الشعبية وجذب من يمكن جذبه من المصلين، ناهيك عن "بزنيس" صناديق النذور والتبرعات التي ظلت مصدر تمويل مهماً للجماعة وعدد من الجماعات الإسلامية التي تُركت ترتع في مصر على مدى عقود.
تسلل الجماعات من باب الروحانيات، لا سيما في رمضان، والدق على أوتار الحلال والحرام، والإمعان "اللذيذ" في الحديث عن المرأة وفقهها وشرعها وملابسها ونومها وعملها وحملها وجسدها، ولكن من بوابة الدين وغيرها من أساليب دغدغة مشاعر البسطاء والسيطرة على قلوبهم والهيمنة على عقولهم، لذلك بذلت الدولة جهوداً عدة، واتخذت إجراءات مختلفة على مدى أشهر رمضان في الأعوام الماضية، وتحديداً منذ عام 2014، لتضييق الخناق على الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي لمنع إعادة توغلهم، وإجهاض جهود تسللهم.
دأبت الدولة في رمضان على اتخاذ إجراءات وقائية لسد الفجوات الروحانية، وتأمين مداخل الحلال ومخارج الحرام.
تواترت القرارات على مر هذه الأعوام، بين وقف تلقي أموال عبر صناديق المساجد، بل ورفعها كلية، وإغلاق عدد من زوايا الصلاة التي كانت مرتعاً ومنبعاً لنشر الفكر الإخواني، وكذلك السلفي المتشدد، والتضييق على ساحات تُرِك فيها الحبل على الغارب لأدعياء الدين ومفسريه على أهوائهم، وضم بعضهم الآخر لوزارة الأوقاف، وتشديد التدقيق في من يعتلي المنابر ومن يؤم المصلين، وتأكيدات مستمرة وإجراءات فعلية على الأرض من وزير الأوقاف السابق مختار جمعة لمنع عودة أصحاب الفكر المتطرف إلى المساجد، ووضع ضوابط وشروط للراغبين في الاعتكاف بالمساجد، الذي كان نافذة أخرى لإطلالات الفكر المتشدد على مدى عقود، وكذلك صلاة التراويح وغيرها.
مثل هذه الخطوات دفعت بعضهم وبينهم منتسبو جماعات الإسلام السياسي والمتعاطفون معهم، إلى توجيه اتهامات للدولة ومسؤوليها بمعاداة الدين والتضييق على المتدينين، وهي الاتهامات التي كانت منصات ومحطات إعلامية إقليمية معروفة بدعمها الكامل لحكم جماعة "الإخوان" في مصر تتبناها وتفرد لها التقارير والأثير على اعتبار أن "مصر الإسلامية تحارب الإسلام في الشهر الفضيل".
أصداء دينية لحملات مسيسة
وجدت هذه الحملات المسيسة، ولكن في إطار ديني، صدى لدى بعض المصريين، لا سيما من البسطاء الذين يختزلون الدين في مكبرات الصوت الكثيرة والصاخبة على المساجد، وتحويل المساحات العامة بما فيها حرم المحطات والحدائق العامة ومداخل العمارات لزوايا صلاة كدليل على التدين الشديد والإيمان العميق، إضافة إلى فكرة شعبوية ترى علاقة طردية بين درجة التشدد ومنزلة الإيمان. بمعنى آخر، صار جزء أصيل من التدين الشعبي في مصر يقوم على أساس أنه كلما ضيق المسلمون الحياة على أنفسهم وتشددوا وانغلقوا، علا إيمانهم وسما تدينهم وارتقت مكانتهم لدى الخالق.
في شهر الروحانيات، شهر إشهار العبادات بصورة مكثفة والتعبير الثقافي عن الإيمان بطرق شتى كثيراً ما تسللت عبرها جماعات الإسلام السياسي، يشعر بعض المتابعين أن الدولة بصدد "بحبحة" هامش التعبير الشعبوي عن التدين، وحلحلة القيد الذي أدمى معصم المتشددين والمنغلقين، والإمعان في تقديم خلطة تدين شعبي من صنع مؤسساتها الرسمية، عله يسد فراغ "الإخوان" ويرضي الهوى الشعبي "السلفي"، وفي أقوال أخرى المتشدد، الذي شاع على مدى نحو نصف قرن، وآخذ في التجذر في الأعوام القليلة الماضية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علت أصوات كتاب ومثقفين ومفكرين في الأعوام القليلة الماضية، وتحديداً عقب إسقاط حكم جماعة "الإخوان" عام 2013، محذرة من التسلل الناعم والساكن للفكر السلفي المتشدد في ربوع مصر.
كان الأثير عامراً بأحاديث تلفزيونية وحوارات صحافية ومقالات رأي وتحليل تحذر من التسلل الهادئ للفكر السلفي المتشدد في مصر، وذلك لملء الفراغ الثقافي الشعبوي والتدين المظهري وإلى حد ما العمل الخيري، وهو أحد أذرع شراء الولاء وتربية الانتماء لاستخدامهما وقت الحاجة "السياسية".
أحد أبرز صناع السينما والفن والسيناريو في مصر الراحل وحيد حامد دأب على تحذير الجميع عبر أعماله وكتاباته من جماعات الإسلام السياسي التي وقعت مصر في شباكها غير مرة.
كتب عام 2018 تحت عنوان "هواها سلفي" أن "مصر لم تعد دولة مدنية بالمعنى الواضح والمحدد للدولة المدنية التي يحكمها دستور عفي مشدود وملزم، وقانون صارم يطبق بحزم وعزم"، مشيراً إلى أنه "منذ دفع السادات أو الرئيس المؤمن (وهو اللقب الذي اختاره الراحل لنفسه لأسباب سياسة واجتماعية) بالتيار الإسلامي المتشدد الجامح إلى عمق المجتمع، ومكنه من الجامعات والمعاهد المصرية مسلحاً بالجنازير والمطاوي، إضافة إلى إطلاق سراح جماعة (الإخوان المسلمين) في أنحاء الوطن لتنشر فكرها الديني المشوه، ومن يومها والمجتمع المصري في حال تحول فكري وإنساني وثقافي".
ومضى شارحاً رؤيته لأثر انتشار الإخوان وأبناء عمومهم من الجماعات الدينية قائلاً، "كل طاقات النور تحولت إلى حفر مظلمة، اختفى الحلال وساد الحرام، تراجع الإسلام الحقيقي وانتشر التأسلم القائم على البدعة، وفشل الأزهر في أن يحافظ على الإسلام الوسطي الذي يفرض العدل والمساواة، بل تم اختراقه بجحافل من الإخوان والسلفيين حتى صار عوناً وسنداً لكل متشدد متطرف، وأصبحت مهمة شيخه الجليل تقديم واجب العزاء في الضحايا الذين يسقطون تباعاً"، مشيراً إلى أن المجتمع المصري صار يعج بـ"طيور الظلام"، وهو عنوان الفيلم الذي كتبه وأنتجه، ويكشف فيه فكر وأغراض الإسلام السياسي، يشرح ويُشرّح ما جرى بعد إسقاط حكم الجماعة.
راية السلف وروعة التشدد
يقول وحيد حامد، "ذهبت جماعة الإخوان، أو توارت بعض الشيء، لتسلم الراية إلى التيار السلفي بكل تنويعاته، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت، وسبق أن حذرنا من التيار السلفي الذي يتمدد وينتشر، ومعه التخلف والدعوة إلى القتل والحرق والتدمير، وأكثر من ذلك إلغاء العقل، والعجب العجاب أن هؤلاء القوم المارقين هم المدللون من قبل مؤسسات في الدولة، وهي الراعي الرسمي لهم، وهي التي تدفع بهم إلى القنوات الفضائية والصحف الخاصة والقومية"، متسائلاً عن الهوى الذي بات سائداً.
صور وفيديوهات ومقاطع مصورة يزخر بها الأثير الرقمي والـ"سوشيال ميديا"، ظاهرها أناقة المحجبات وروعة ملابس المنقبات وسمو أخلاق الملتحين، ومواكبة الأزواج والزوجات من ذوي المظهر الشديد الالتزام وبناتهم المحجبات وبعضهن لا يتجاوز ست وسبع سنوات لروح العصر عبر الحديث بإنجليزية بلكنة أميركية، والتسوق في باريس، والنزهة في نيس، ورأس السنة الهجرية في ماليزيا أو جنوب أفريقيا أو جزر المالديف.
ولأن هذا الجمهور المنبهر بحداثة الالتزام وأناقة البحث في كتب التراث وروعة التنقيب عما فات من قصص الأولين يختلف عن قاعدة عريضة من المصريين الذين تتباين مسببات انبهارهم وبواعث إعجابهم وعوامل تأثرهم بروعة تاريخ الأولين، فإن الساحة مفتوحة لهم أيضاً على مصاريعها.
إعلانات في قنوات تلفزيونية غريبة تجمع تبرعات لمصلحة فئة بعينها، قوامها نساء منقبات يبكين وينهنهن أمام الكاميرات ساردات قصة الزوج القعيد، وحفنة الأبناء والبنات البائسين والبائسات، والمطلوب تبرعات للطعام والكساء وبناء سقف مسجد القرية وتزويده بالسجاد.
زوايا صلاة عادت تطل برأسها في ساحات المراكز التجارية الواقعة على مرمى حجر من مسجد على اليمين وآخر جهة اليسار، مع تنامي دور الإمام من بائع الخضراوات الأكبر سناً إلى عامل الفرن الحافظ كتاب الله، وأخيراً مسؤول الحسابات في محل العطارة الذي يبدع في الدعاء الجهوري مرة على قوى الاحتلال الغاشم وأخرى على الظالم والطاغي، والمصلون من عمال المحال والمارة يرددون "آمين" من دون معرفة لخلفية الإمام أو توثيق لصحة ما يقول.
حتى أشهر قليلة مضت كانت وزارة الأوقاف تضبط أداء أئمة المساجد وتراقب ما يقال ويثار تحسباً لتسلل فكر جماعة هنا أو هيمنة تيار ديني متشدد هناك، هذه الرقابة يسميها بعض المتابعين تضييقاً، ويراها آخرون معاداة للدين ومحاربة للمتدينين، ويصر فريق ثالث على أنها إجراءات ضرورية لمنع انجراف المصريين إلى مزيد من التشدد وحبذا إغلاق ينابيع التطرف والبحث في أسباب انجذاب الناس لهذا الهوى، وهذه العودة يراها بعضهم "حميدة" ويؤكد آخرون أنها "خبيثة".
هذا الهوى ربما دفع بمسؤولين في مؤسسات رسمية إلى اتخاذ قرارات وسن سياسات تعجب لها فريق من المصريين معبرين عن غضبهم وقلقهم من هيمنة دينية على ما يفترض أنها دولة مدنية، وطرب لها فريق آخر مبدين تفاؤلهم وفرحهم لهيمنة الهوى الديني وسيطرة الفكر الإسلامي (يسميه بعضهم سلفياً، ويطلق عليه آخرون متطرفاً أو متشدداً) على الملايين.
جدلية الكتاتيب ورفض التجديد
قبل رمضان بأسابيع قليلة تفجرت جدلية عودة الكتاتيب، القلة القليلة من المتعجبين والمندهشين حذرت من باب إضافي تتسلل منه الرجعية، ونافذة رسمية تطل على عصور الظلام وتمعن في التعتيم على عقول المصريين. هذا الفريق يتعجب من تبني الدولة فكرة هي أشبه بالعودة إلى العصور الوسطى، وبدلاً من توجيه الإنفاق إلى العلم والعلماء والتعليم المدني ومراكز البحوث العلمية، إذ بجهات رسمية ومنظمات خيرية وجمعيات أهلية توحد جهودها وتشحذ طاقاتها من أجل عودة الكتاتيب.
في المقابل، فرح وابتهج الفريق المضاد، معتبراً عودة الكتاتيب خطوة إضافية تصالح بها الدولة قاعدة من المصريين ممن غضبوا لدعوات الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تنقيح وتطهير وتحديث الخطاب الديني، وتنقية التراث مما علق به من إضافات مدمرة للعقل والعلم والثقافة والمنطق، هذا الفريق يعشق التراث عشقاً يفوق أحياناً عشقه الدين نفسه، وهو ربما ما أجهض مطالبات الرئيس السيسي المتكررة بتنقيح الخطاب الديني وتطهيره.
الباقون على قيد الحياة ممن عاصروا الكتاتيب قبل عشرات الأعوام يقولون إن الكتاتيب كانت وسيلة تعليمية وتثقيفية ودينية في زمن ما قبل انتشار المدارس، وإنها لم تكن منصة إخوانية أو سلفية في الغالب، لأن إسلام مصر حتى سبعينيات القرن الماضي كان إسلاماً وسطياً فاصلاً بين الدين من جهة، والدولة والسياسة من جهة أخرى، لذلك كان معلمو الكتاتيب وأولياء أمور الصغار والصغار جزءاً من هذا البنيان الثقافي والديني.
في الوقت الحالي، وبعد عقود من نجاح جماعات الإسلام السياسي بأطيافها المختلفة في الوصول إلى مؤسسات رسمية، دينية وغير دينية، وغير رسمية أيضاً، واختلاط الجيلين الثاني والثالث ممن تربوا في كنف هذه الجماعات، سواء في البيت أو المدرسة أو الجامعة، لم يعد في الإمكان وضع خطوط فاصلة بين معتنقي الفكر المتشدد جداً، والمتشدد، ونصف المتشدد، والوسطي.
ويلوح كتاب ومثقفون - على استحياء - بأن جميع المؤسسات الدينية الرسمية تشبعت على مدى العقود بالمتشددين، وأن حملات أو محاولات تنقية المصلحة من الطالح في أعقاب إسقاط حكم "الإخوان" لم تؤتِ ثماراً حقيقية.
من جهة أخرى، يرى منتسبو هذا التوجه أن عودة الكتاتيب عام 2025 لا تعني أبداً عودتها بما كانت عليه في مطلع ومنتصف القرن الماضي، إذ لا المعلمون سلموا من رياح التطرف، ولا الصغار ولدوا في بيوت تنتهج الفكر الوسطي، تغير الزمن وانقلب الفكر واصطبغت الثقافة المصرية، بما فيها الدين الوسطي، بألوان التزمت والتشدد الناجمين عن الهوى السائد.
هواها ليس سلفياً
التساؤل عن الهوى السائد، والاندهاش لما يجري من تمدد أو توسع أو سماح أو مباركة أو إطلاق يد أو غض طرف أو تعامٍ عن الانتشار "الناعم" للفكر المتشدد، دفع الناقد الفني طارق الشناوي إلى عنونة مقال له بـ"مصر هواها ليس سلفياً"، يقول إن محادثاته مع أصدقائه غالباً يتخللها تعبير "مصر هواها سلفي"، استناداً إلى ما يتناثر عبر الـ"سوشيال ميديا" من تزمت مفرط وتعلق بقشور الدين، لا جوهره.
وتطرق الشناوي إلى حادثة مقتل الشابة المصرية نيرة أشرف قبل نحو عامين على يد زميل لها على باب جامعة المنصورة، وتفجر أصوات وجهود الـ"سوشيال ميديا" بين متبرع برسم حجاب على رأس صورة القتيلة "لأنه لا يجوز نشر صورها من دون تغطية شعرها، متسائلاً إن كانت الرحمة تجوز على غير المحجبة، مما دفع شيخ الأزهر إلى إعلان أن عدم ارتداء الحجاب معصية وليس من الكبائر".
وقال الشناوي إنه كان ينتظر أيضاً من مشيخة الأزهر أن توضح للجميع أن الفروض في الإسلام خمسة، ليس بينها ارتداء الحجاب، ويُغلق هذا الباب تماماً، وأضاف "مع الأسف، لم يعد مسموحاً مناقشة قضية فرض الحجاب على المستويين الإعلامي والدرامي".
وأشار الشناوي إلى أن "انتشار الحجاب منذ السبعينيات لم يكن مجرد قرار، ولكن خطة محكمة للوصول إلى كل فئات المجتمع، مع انتشار ظاهرة احتلال السلالم والطرقات والمداخل، أثناء الصلاة، في كثير من الهيئات الرسمية، وعلى رأسها ماسبيرو (مبنى الإذاعة والتلفزيون)، وذلك لما يحمله من دلالة سياسية، على رغم وجود مسجد فى المبنى"، مشيراً إلى أن الدين صار هو الهوية.
وتابع الشناوي أن "احتلال أصحاب الحناجر العالية الـ'سوشيال ميديا' يؤكد أن الأمر ليس أبداً عشوائياً، بل يُخطط له لاحتلال العقول من خلال السيطرة على هذا العالم الجديد، يخلقون من عالمهم الافتراضي حقيقة جديدة ويفرضون على الجميع حقيقة متخيلة".
وأضاف أن "أغلب الكتابات باتت سباً وقذفاً وإرهاباً ضد كل من لا ترتدى الحجاب، والهدف فرض السطوة الدينية على الجميع"، مؤكداً انتظاره قيام المؤسسات الدينية الرسمية بمواجهة هذا التراجع في فهم الدين، ومظاهر استعراض القوة (غير الحقيقية) التي تريدها (مصر) سلفية.
قبل أيام، أفردت إذاعة القرآن الكريم (التي تملكها الدولة) نحو 10 دقائق للرد على سؤال: هل صوم غير المحجبة يقبله الله؟ صال المجيب وجالت الإجابة في دوائر مفادها أن الحجاب فرض، وأن تاركة الحجاب ترتكب معصية، وأن عدم تغطية الشعر جحود، وأن على الزوج والأب أن يأمر زوجته وابنته بالحجاب، ولكن باللين، وأمام إصرار المذيع على استخراج إجابة سريعة صريحة من رجل الدين قوامها إما "نعم أو لا" للسؤال: هل صوم غير المحجبة مقبول؟ اضطر في النهاية إلى التفوه بكلمة "نعم"، وانتهى وقت الحلقة قبل أن يستطرد بـ"لكن".
الأثير التلفزيوني وصفحات الصحف والمواقع التي كانت تتسع حتى أشهر قليلة مضت لآراء ومحادثات حول: لماذا لم تظهر في مصر فتوى بوجوب الحجاب حتى سبعينيات القرن الماضي؟ وهل كان ذلك قراراً سياسياً يمهد لإدراج الشريعة الإسلامية باباً للتشريع في الدستور المصري عام 1971؟ ولماذا لم تكن زوجات وبنات علماء الأزهر محجبات حتى الستينيات؟ وغيرها، ضاقت بها، ولم تعد تظهر إلا في أضيق الحدود.
أحاديث تجري خلف الأبواب ومجموعات الـ"سوشيال ميديا" المغلقة ترجح أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والأحوال الإقليمية المشتعلة، وخطر التهجير، وشكوى المصريين من أولويات التنمية، والجدل الشعبي السياسي الرابط بين مدى دعم الدولة أهل غزة المسلمين وتسامحها مع حركة "حماس" الإسلامية من جهة، وبين تدين الدولة وحمايتها الدين والمتدينين من جهة أخرى، ربما تدفع جهات رسمية إلى "بحبحة" المجال للتدين الشعبوي ومجاراة مظاهر الإيمان المائل إلى التشدد، كسباً للرأي العام وحقناً لصداع الشكوى ومرارة الاعتراض، ولو إلى حين.
الداء والدواء والباب والرياح
هؤلاء يتخوفون من أن اعتماد مبدأ "داوها بالتي كانت هي الداء"، والاعتقاد بأن درء اتهامات العلمانية والتصدي لحملات التهييج التي تتبناها منصات إعلامية هنا وهناك، وكذلك عبر أثير الـ"سوشيال ميديا" وتدق على أوتار ابتعاد الدولة عن الدين والتشبه بغير المتدينين، واعتبار "تدين الدولة" وربما "تشددها في الإيمان" وسيلة لكسب الرأي العام، أشبه بالقنبلة التي تنفجر في وجه حاملها.
حتى وقت قريب كان كثر يتحدثون عن احتقان مكتوم بين الأزهر الشريف من جهة ووزارة الأوقاف من جهة أخرى، إذ الأول يمسك بتلابيب مقاومة تطهير الخطاب وتنقيح التراث، والثاني يمضي قدماً في تطويق التطرف ومطاردة مظاهر التدين الشعبوي العشوائي الزاعق غير المنضبط، توقف هذا الاحتقان عقب تقلد مستشار الرئيس للشؤون الدينية أسامة الأزهري منصب وزير الأوقاف في يوليو (تموز) 2024.
استعدادات الوزارة بالتعاون مع الأزهر الشريف لشهر رمضان تمضي قدماً هذه الأيام، بين افتتاح 115 مسجداً جديداً لمناسبة الشهر الفضيل، وخطة دعوية هي الأكبر في سائر أنحاء مصر، وثالثة تحمل الدعاة إلى الخارج، وفعاليات دينية للصم والبكم، وأخرى لذوي الهمم، ودروس للأطفال. الظاهرة الأبرز أنه خُففت القيود التي كانت مفروضة لتطويق التطرف والمتطرفين، بعض المتابعين يقول لأن التطرف والمتطرفين لا وجود لهم، لذا لا داعي لبذل الجهود، فالموجود هو الدين والمتدينين، والفريق المضاد يقول إنه خُففت القيود إعمالاً بأحد مبدأين، إما "داوها بالتي كانت هي الداء" أو "الباب الذي يأتي منه الريح (في هذه الحالة مناهضة التطرف الديني) سده واستريح (أي غض الطرف عن التشدد)".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

حضرموت نت
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- حضرموت نت
اخبار السعودية : جولات دعوية مكثّفة في صامطة والطوال لتعزيز الوعي بأركان الإسلام
نظَّمَ فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمنطقة جازان؛ ممثلاً بإدارة المساجد بمحافظة صامطة، بالتعاون مع جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالمحافظة، برنامج الجولات الدعوية 'أركان الإسلام' في محافظتَي صامطة والطوال، بهدف تعزيز الوعي الديني وترسيخ القيم الإسلامية. شمل البرنامج 174 محاضرة أُقيمت في 168 جامعاً ومسجداً، و6 دور نسائية، في محافظتَي صامطة والطوال ومراكز السهي والقفل والموسم والقرى التابعة، بمشاركة 88 داعية من الرجال والنساء. كما تضمن البرنامج فرصتين تطوعيتين شارك فيهما 135 متطوعاً بمجموع ساعات بلغ 1350 ساعة تطوعية. وركّز البرنامج على شرح أركان الإسلام الخمسة بأسلوبٍ مبسطٍ وعميقٍ لتعريف الناس بأصول دينهم. وألقى فضيلة مدير عام الفرع، الشيخ الدكتور خالد بن أحمد النجمي؛ كلمتين في جامع فاطمة الزهراء بعد صلاة المغرب، وجامع الشيخ حافظ بعد صلاة العشاء بصامطة، تناول فيهما الشهادتين كأساس الإيمان، والصلاة كصلة بين العبد وربه، محذراً من التهاون بها، وأهمية الزكاة في تطهير المال، وصوم رمضان لتعزيز التقوى، والحج كتجسيدٍ لوحدة الأمة. وأكد الدكتور خالد النجمي؛ أن هذه الجولات تأتي ضمن جهود الوزارة، بدعم ومتابعة معالي الوزير الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ، لنشر الوسطية والاعتدال، مشيراً إلى أن اختيار الجوامع ذات الإقبال الكبير والتخطيط الدقيق أسهما في إيصال الرسالة الدعوية إلى شرائح واسعة، بما في ذلك الجاليات غير الناطقة بالعربية. كما قدَّمت الداعيات كلمات مماثلة في الدور النسائية، لاقت تفاعلاً كبيراً من الحاضرات. من جانبه، أعرب نائب رئيس جمعية الدعوة بصامطة، فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد النجمي؛ عن فخر الجمعية بالتنظيم المتميز، مشيداً بالتنسيق مع فرع الوزارة بالمنطقة، وممتناً لجهود الدعاة وأئمة المساجد والمتطوعين. ووجَّه شكره لفرع الوزارة وإدارة المساجد بصامطة على الدعم المستمر والتعاون المثمر، داعياً الله أن يحفظ المملكة وقيادتها، وأن يجعل هذه الجهود في ميزان حسنات الجميع. ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق , ولا يعبر عن وجهة نظر حضرموت نت وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة على المصدر السابق ذكرة.


صحيفة عاجل
٣٠-٠٣-٢٠٢٥
- صحيفة عاجل
رئاسة الشؤون الدينية تعلن نجاح خطتها التشغيلية لشهر رمضان
المصلون يشهدون ختم القرآن الكريم بالمسجد النبوي أعلن رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس عن نجاح خطة موسم شهر رمضان لعام ١٤٤٦ه، التي تمحورت في تهيئة الأجواء التعبّدية الخاشعة للمصلين والمعتمرين، وإثراء تجربة الأعداد المليونية من القاصدين والزائرين للحرمين الشريفين، وتعضيد الأدوار التكاملية، والتناغم مع جميع الجهات الحكومية وشركاء النجاح؛ لصناعة أكبر قصة نجاح إثرائية عالمية في شهر رمضان. وأكد معالي رئيس الشؤون الدينية أن خطة الرئاسة تكلّلت بالنجاح بفضل -الله تعالى- ثم بالدعم الكبير والعناية الفائقة من القيادة الرشيدة -أعزها الله-، حيث تضافرت الجهود في سبيل إنشاء منظومة إثرائية خدمية متكاملة، تراعي معايير الجودة العالمية، مما أسهم في مواصلة سلسلة نجاحات المملكة في إيصال رسالة الحرمين الوسطية للعالم، مشيرًا إلى أن القيادة الرشيدة -حفظها الله- سخّرت كل الجهود لتعزيز مسارات إثراء تجربة القاصدين والزائرين، وتهيئة خدمات دينية متكاملة في الحرمين الشريفين تلبي إحتياجاتهم الإيمانية، وتمكّنهم من أداء نسكهم وعباداتهم في أجواء تعبّدية خاشعة. وأوضح معالي رئيس الشؤون الدينية أن نجاح الرئاسة في موسم رمضان ارتكز على البرامج الإثرائية النوعية، والخطط التي أعدتها الرئاسة بعد دراسة مستفيضة لاحتياجات القاصدين والزائرين للحرمين الشريفين، التوعوية، والتوجيهية، والإرشادية، والعلمية، والاستفسارات الشرعية، وتهيئة كل الخدمات الدينية بأسلوب مرن، وتميّز ورقمنة بجودة معيارية عالمية، وجعل الحرمين مُنبثَق تصحيح صورة الإسلام، وإيضاح أصالته وسماحته، ووسطيته منهجه واعتداله، وتعزيز سلامة الفكر الوسطي، ومواجهة الانحرافات، وتنمية الوعي الديني. ووزعت الرئاسة خلال موسم رمضان أكثر من مليون مصحف في الحرمين.


صحيفة سبق
٢٩-٠٣-٢٠٢٥
- صحيفة سبق
"بفضل دعم ومتابعة القيادة".. السديس يعلن نجاح خطة موسم رمضان
أعلن رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس عن نجاح خطة موسم شهر رمضان المبارك لعام 1446؛ والتي تمحورت في تهيئة الأجواء التعبّدية الخاشعة للمصلين والمعتمرين، وإثراء تجربة الأعداد المليونية من القاصدين والزائرين للحرمين الشريفين، وتعضيد الأدوار التكاملية، والتناغم مع كافة الجهات الحكومية وشركاء النجاح؛ لصناعة أكبر قصة نجاح إثرائية عالمية في شهر رمضان المبارك. وأكد رئيس الشؤون الدينية أن خطة الرئاسة لموسم رمضان تكلّلت بالنجاح بفضل الله تعالى ثم بالدعم الكبير والعناية الفائقة من القيادة الرشيدة أعزها الله، في أول موسم رمضاني بعد موافقة مجلس الوزراء الموقر على الترتيبات التنظيمية لرئاسة الشؤون الدينية؛ حيث تضافرت الجهود في سبيل خلق منظومة إثرائية خدمية متكاملة، تراعي معايير الجودة العالمية، مما أسهم في مواصلة سلسلة نجاحات المملكة العربية السعودية في إيصال رسالة الحرمين الوسطية للعالم. وأشار معاليه إلى أن القيادة الرشيدة حفظها الله- سخّرت كل الجهود لتعزيز مسارات إثراء تجربة القاصدين والزائرين، وتهيئة خدمات دينية متكاملة بـ#الحرمين_الشريفين؛ تلبي احتياجاتهم الإيمانية، وتمكّنهم من أداء نسكهم وعباداتهم في أجواء تعبّدية خاشعة. وأوضح رئيس الشؤون الدينية أن نجاح الرئاسة في موسم رمضان المبارك ارتكز على البرامج الإثرائية النوعية، والخطط التي أعدتها الرئاسة بعد دراسة مستفيضة لاحتياجات القاصدين والزائرين لـ الحرمين الشريفين؛ التوعوية، والتوجيهية، والإرشادية، والعلمية، والاستفسارات الشرعية، وتهيئة كافة الخدمات الدينية بأسلوب مرن، وتميّز ورقمنة بجودة معيارية عالمية. وجعل الحرمين مُنبثَق تصحيح صورة الإسلام، وإيضاح أصالته وسماحته، ووسطيته منهجه واعتداله، وتعزيز سلامة الفكر الوسطي، ومواجهة الانحرافات، وتنمية الوعي الديني.