
مدن الديكابولس الأردنية.. حين ينبض التراث بالحياة وتتحوّل الآثار منابر للفن والهوية
وتتفرد مدن الديكابولس، وعلى رأسها جرش، حاضنة مهرجان جرش للثقافة والفنون، بخصائص معمارية بارزة، مثل شارع الأعمدة، والمسرحين الشمالي والجنوبي، ومعبد أرتميس، إلى جانب البنى التحتية المتقدمة في حين تتميز أم قيس، بصخور البازلت وموقعها المطل على بحيرة طبريا، وكنائسها البيزنطية، أما (بيلا) فتشكل مزيجا معماريا يعكس تراكب العصور وتواصلها الحضاري.
ومن خلال مهرجان جرش للثقافة والفنون، وما يصاحبه من جهود أكاديمية، تعاد قراءة الإرث المعماري والمعرفي لتلك المدن، في إطار يسعى إلى دمج الذاكرة الحضارية بالراهن الثقافي، وتحويل التراث إلى أداة للتنمية والهوية.
وضمن رؤى علمية وتكامل مؤسسي، تعمل كلية الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك، وكلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية على إبراز القيمة التاريخية والثقافية لمدن الديكابولس من خلال مشاريع ميدانية وبحثية مشتركة، تهتم بالتوثيق والترميم والتحليل الأثري، بهدف صون هذا الإرث الحضاري، وتعزيز دوره في ترسيخ الهوية الوطنية، وتفعيل مسارات التنمية الثقافية والسياحية المستدامة، وتقديمه بصورة تليق بمكانته في الوجدان الأردني والوعي الإقليمي والعالمي، كما يؤكد أكاديميون.
وتواصل كلية الآثار والإنثروبولوجيا في جامعة اليرموك تسليط الضوء على الروابط التاريخية والثقافية بين مهرجان جرش ومدن الديكابولس، التي شكلت عبر العصور محطات حضارية عكست تفاعل الثقافات، يقول نائب عميد الكلية الدكتور معن العموش.
وأوضح العموش أن انطلاقة مهرجان جرش من داخل الحرم الجامعي كانت جزءا من مشروع وطني لإعادة ربط التراث بالمشهد الفني المعاصر، لافتا إلى أن جرش شكلت فضاء مثاليا لاحتضان حدث ثقافي بات علامة إقليمية، مشيرا الى ان اختيار جرش مقرا دائما للمهرجان يعود إلى غناها المعماري والحضاري، من الهلنستية إلى الإسلامية، وهو ما جعل منها منصة تجمع بين أصالة التاريخ وحداثة الإبداع.
وأشار الى أن مدن الديكابولس تعد بيئة خصبة لفهم التحولات الفكرية والدينية، بدءا من الوثنية ومرورا بالمسيحية، وانتهاء بالإسلام، وهو ما يعزز فهم الأنماط الثقافية والاجتماعية، مشيرا إلى اكتشافات أثرية مهمة، منها فسيفساء بيزنطية في جرش، ونظم مائية معقدة في أم قيس، ومشاريع ترميم في بيلا أثْرت الأبحاث العلمية محليا ودوليا.
يشار الى أن جامعة اليرموك تستخدم تقنيات حديثة مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، والطائرات المسيّرة، والتصوير ثلاثي الأبعاد، إلى جانب الرادار الأرضي، ما يسهم في رفع جودة التوثيق. كما تحرص الكلية على إشراك الطلبة ميدانيا، خاصة في مواقع مثل قويلبة وأم قيس، لإعداد كوادر وطنية قادرة على حماية التراث.
وشدد العموش على أن حماية التراث لا تكتمل دون شراكة المجتمع المحلي، حيث تنظم الكلية ورشات ومحاضرات لتعزيز الوعي والانخراط في جهود الحماية، كما باتت المتاحف والمبادرات الثقافية وسائل فاعلة في تبسيط المعرفة وتحويل التراث إلى مورد تعليمي وسياحي يخدم الأجيال القادمة.
من جهته يؤكد الدكتور إسلام العثامنة من كلية الآثار والسياحة في الجامعة الأردنية، أن مدن الديكابولس تجسد أحد أبرز النماذج التاريخية التي توثق لحظات تفاعل وتكامل حضاري شهدته بلاد الشام، مشيرا إلى أن هذه المدن لم تكن مجرد مراكز سكنية، بل فضاءات ثقافية واجتماعية واقتصادية ساهمت في صياغة المشهد الحضاري للمنطقة.
وقال، إن مصطلح 'ديكابولس' يعني باللغة اليونانية 'عشر مدن'، وقد ورد ذكره في كتابات بليني الأكبر خلال القرن الأول الميلادي، موضحا أن هذه المدن لم تكن مرتبطة بتحالف سياسي أو كيان إداري رسمي، وإنما كانت تشكيلا اجتماعيا جغرافيا وثقافيا غير رسمي، وتميزت بتقارب نمط الحياة وتجانس المعمار والتقاليد الثقافية.
وبين العثامنة أن عدد هذه المدن لم يكن ثابتا على مدى التاريخ؛ فبينما أشار بليني إلى عشر مدن، أضاف بطليموس في القرن الثاني الميلادي تسع مدن أخرى إلى القائمة، فيما استخدم المؤرخ يوسيفوس المصطلح بشكل عام دون تحديد دقيق، ما يعكس رمزية العدد أكثر من دقته الحسابية.
وأوضح أن الغالبية الكبرى من مدن الديكابولس تقع ضمن حدود المملكة الأردنية الهاشمية من أبرزها: جرش (جراسا)، أم قيس (جدارا)، طبقة فحل (بيلا)، عمان (فيلادلفيا)، وبيت رأس (كابتولياس)، مشيرا إلى أن الحملة التي قادها الروماني بومبي عام 63 قبل الميلاد شكلت نقطة تحول رئيسة في تاريخ مدن الديكابولس، حيث تم ضمها إداريا إلى المقاطعة السورية التابعة للإمبراطورية الرومانية، وهو ما أتاح لها فرصة لإعادة إحياء الطابع الهلنستي الذي كان بدأ بالاضمحلال.
ولفت العثامنة إلى أن المجتمع المحلي في تلك المدن لم يكن متلقيا سلبيا للثقافة الرومانية، بل كان فاعلا ومنتجا لها، موضحا أنه في مدينة جدارا (أم قيس) برزت أسماء لامعة في الفلسفة والأدب مثل فيلوديموس وثيودوروس، في حين اشتهرت مدينة جرش (جراسا) بالعالم نيقوماخوس الجرشي، أحد أعلام الرياضيات والفلسفة في العصر الكلاسيكي.
وأضاف، إن هذا التفاعل بين الثقافات الوافدة والمجتمعات المحلية رسخ دور مدن الديكابولس كمراكز فكرية واقتصادية نشطة، وليس فقط كمواقع ضمن مشروع توسعي روماني، لافتا الى أن الطابع المعماري في مدن الديكابولس اتخذ في معظمه النمط الروماني- اليوناني، إلا أن هناك فروقات واضحة بين المدن تبعا للمواد المحلية المستخدمة والوظائف التي أدتها كل مدينة.
فمدينة جدارا على سبيل المثال، تميزت باستخدام الحجر البازلتي الأسود في مبانيها، ما يعكس تفردها الجغرافي والمناخي، في حين استخدمت مدينة جرش الحجر الكلسي الأبيض، ما منحها مظهرا مغايرا وجاذبا من الناحية البصرية، يقول العثامنة.
وأشار إلى تنوع أدوار هذه المدن حيث كانت جدارا مركزا ثقافيا وفكريا احتضن عددا من الشعراء والفلاسفة، بينما عرفت (بيت راس) بطابعها الزراعي، وكانت طبقة فحل (بيلا) محطة تجارية مهمة نظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي على الطرق التجارية القديمة، مبينا أن مدن الديكابولس لم تكن متساوية من حيث البنية التحتية، حيث ضمت بعضها منشآت متقدمة مثل المسارح، والحمامات العامة، الأسواق، والمعابد، كما في جرش، في حين اكتفت مدن أخرى بتجمعات عمرانية بسيطة نسبيا.
وأكد العثامنة أن الموقع الجغرافي لعب دورا محوريا بازدهار مدن الديكابولس، حيث أنشئت معظم هذه المدن على تلال مرتفعة توفر الحماية من الفيضانات والغزوات، وتحيط بها أراض زراعية خصبة ساعدت في تأمين احتياجات السكان، كما استفادت هذه المدن من مرور عدد من الطرق التجارية القديمة عبرها، ما عزز مكانتها الاقتصادية وجعلها نقاطا حيوية على خريطة التبادل التجاري والثقافي في المشرق القديم.
وختم الدكتور إسلام العثامنة حديثه بالتأكيد على أن دراسة مدن الديكابولس تتيح فهما أعمق لتاريخ بلاد الشام، من حيث تطور الفكر والعمران والتجارة، إضافة إلى تفاعل الشعوب مع الإمبراطوريات الكبرى التي مرت على المنطقة.
وشدد العثامنة على أن هذه المدن لا تمثل أطلالة على الماضي فقط، بل هي مرآة تعكس قدرة المجتمعات على التكيف والانخراط في الحضارة، دون أن تفقد هويتها الخاصة، داعيا إلى مواصلة دعم البحث العلمي والمبادرات المجتمعية التي تسهم في صون هذا الإرث الحضاري الثري.
رانا النمرات- بترا
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
الابتكار والإبداع أداة علمية للتعامل مع التحديات البيئية المعقدة في الأردن
فرح عطيات اضافة اعلان المعرفة والابتكار والإبداع أدوات لا يمكن إغفالها بالتعامل مع التحديات البيئية المعقدة في الأردن، فهي ليس "ترفا فكريا"، وإنما تولد حلولا ناجعة في ظل محدودية الموارد وتعاظم الأزمة المُناخية.ورغم أن الأبتكار البيئي في الأردن ما يزال يشق طريقه، لكنه يشهد وعيا متزايدا يترجم عبر تجارب ناجحة محليا، ترهن استمراريتها بإعداد جيل يمتلك المعرفة والقدرة على الإبداع.لكن ذلك لا يتحقق إلا بوجود تعليم مرن يربط بين العلوم النظرية والتطبيقات الواقعية، ودعم مشاريع التخرج ذات الأثر البيئي والابتكاري.فالابتكار والإبداع ليسا ترفا فكريا كما أكد الأمير الحسن بن طلال، بل أداة عملية أساسية في التعامل مع التحديات البيئية المعقّدة التي يواجهها الأردن، بخاصة في ظل محدودية الموارد وازدياد الضغوط المناخية، وفق ما أكده أمين عام المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا د.مشهور الرفاعي.لذلك، وبحد قوله، فإن الأردن يواجه تحديات حقيقية في المياه، والطاقة، والأمن الغذائي، وإدارة النفايات، والبيئة الحضرية، والتي لا يمكن مواجهتها بالأدوات التقليدية وحدها.وبرأيه فإن الابتكار البيئي يمكن الأردن من تطوير حلول محلية فعالة، مستندة للمعرفة والسياق الأردني، بدلا من استيراد نماذج خارجية.وضرب أمثلة على ذلك في قطاع المياه، إذ يمكن أن تقدم الابتكارات في معالجة المياه الرمادية والتحلية منخفضة الطاقة حلولًا عملية للمجتمعات، إلى جانب تطوير تطبيقات ذكية لإدارة استهلاك المياه والكهرباء في المنازل والمزارع، ما يعزز الكفاءة ويقلل الهدر.أما في قطاع الطاقة، وتحديدا بمجالات تخزين الطاقة الشمسية والتشغيل الذكي للشبكات، يُمكن للابتكار أن يرفع من كفاءة استخدام الطاقة في المباني والمصانع.ويتحقق ذلك، بحسبه، بشكل أكبر عندما تتكامل هذه الحلول مع أنظمة إدارة الطلب ومراقبة الاستهلاك الفوري، ما يسمح بتوزيع الطاقة بذكاء، وتقليل الفاقد، وتحقيق وفر اقتصادي وبيئي في آن واحد.وفي قطاع الزراعة تتيح تطبيقات الزراعة الدقيقة والرأسية إنتاجا أكبر بأثر بيئي أقل، إلى جانب أنظمة ذكية لحصاد مياه الأمطار في المناطق الجافة، واستخدام التكنولوجيا الحيوية لتطوير محاصيل مقاومة للجفاف وملائمة للبيئات الهشة، تبعا له.ولا يقتصر الأمر على ذلك، وفق الرفاعي، ففي البيئات السكنية المعرضة لدرجات حرارة مرتفعة، يمكن للابتكار أن يساهم بتصميم مساكن منخفضة الكلفة وموفرة للطاقة، بما يخفف الضغط على شبكات الكهرباء ويعزز قدرة المجتمعات على التكيف مع التغير المناخي.في حين أن هنالك في قطاع إدارة النفايات فرصا لتحويل النفايات العضوية إلى طاقة وسماد من خلال تقنيات محلية، وفق تأكيداته.وبحسب مؤشر الابتكار العالمي، يحتل الأردن مرتبة متوسطة عالميا، ويتمتع بقوة نسبية في جودة التعليم العالي، ونسبة خريجي العلوم والهندسة، وريادة الأعمال، بحسب الرفاعي.لكن التحديات قائمة في مؤشرات أوضحها بـحجم الإنفاق على البحث والتطوير، وعدد براءات الاختراع المسجلة محليًا، وحجم الاستثمار في التكنولوجيا من القطاع الخاص.وسيتيح نقل صندوق دعم البحث العلمي والابتكار إلى المجلس الأعلى، بحد قوله، الفرصة لتوجيه التمويل نحو الأولويات الوطنية، ورفع كفاءة استخدام الموارد المتاحة، والتركيز على الابحاث التطبيقية، وتمويل باحثين من خارج الجامعات.كما يعمل المركز الوطني للإبداع على بناء قاعدة بيانات وطنية لمؤشرات الابتكار، تتكامل مع جهود رسم السياسات وتحسين بيئة الابتكار في البلاد.وتوقع أن تسهم هذه القاعدة بتعزيز الشفافية وتوجيه السياسات التمويلية نحو المجالات ذات الجدوى العلمية والاقتصادية الأكبر.ويعمل المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا عبر المركز الوطني للإبداع على تعزيز هذا التوجه، عبر تشبيك الجهات الفاعلة وتحفيز الريادة التقنية، بحسبه.وتابع قائلا: "يقدم صندوق دعم البحث العلمي والتطوير في الصناعة دعما مباشرا للمشاريع الصناعية التي توظف الابتكار في تقليل الأثر البيئي وتحسين الكفاءة".وتابع: بدأ التوجه نحو الابتكار البيئي يشق طريقه في الأردن، لكنه ما يزال في مرحلة التأسيس، والتطبيق العملي ما يزال متباينا.وشدد على أن هناك وعيا متزايدا، وتجارب ناجحة على المستوى المحلي، لكن ثمة حاجة إلى توسعة هذا النهج ليصبح جزءًا من السياسات والخطط الوطنية.وأضاف: "نحن نؤمن أن أحد أهم التطورات في هذا السياق هو نقل صندوق دعم البحث العلمي والابتكار إلى المجلس الأعلى، مما سيتيح إعادة توجيه الدعم نحو البحث التطبيقي، وفتح المجال أمام الباحثين من خارج الجامعات، كالمؤسسات العامة والمراكز البحثية والشركات".وبات الصندوق، بوجوده تحت مظلة المجلس، أداة إستراتيجية أكثر قدرة على ربط البحث العلمي بالاحتياجات البيئية الفعلية، بما يعزز أثره التطبيقي.وفي المقابل، ومن وجهة نظره "ما زلنا نواجه تحديات في التنسيق بين الجهات المختلفة، وباستدامة تمويل المشاريع البيئية، وفي دمج مخرجات البحث ضمن عمل الجهات ذات الصلة". ويسعى المركز الوطني للإبداع لسد هذه الفجوة عبر بناء منصة وطنية للباحثين الأردنيين داخل وخارج الأردن تهدف لتحسين التواصل بين أصحاب الأفكار، وصنّاع القرار، والقطاع الخاص، كما أفاد الرفاعي.ولتعزيز الابتكار البيئي دعا الرفاعي لـتجاوز الجهود الفردية والمبادرات المعزولة نحو بناء منظومة وطنية متكاملة، ويستدعي ذلك تناغمًا فعّالًا بين السياسات، والتمويل، والقدرات البشرية، والسوق.وفي هذا السياق، هناك خطوات ملموسة يمكن البناء عليها، يقودها المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، كتوجيه صندوق دعم البحث العلمي والابتكار نحو دعم المشاريع البيئية التطبيقية، خاصة تلك التي يقودها باحثون مستقلون أو فرق متعددة التخصصات، وفقه.ومن بين الخطوات كذلك التي أشار إليها "تفعيل أدوات مثل صندوق دعم البحث العلمي والتطوير في الصناعة لتحفيز القطاع الصناعي على تطوير حلول بيئية في الإنتاج والتصميم.ويلعب دعم الشركات الناشئة عبر الصندوق الوطني لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "نافس"، وتوجيهه إلى ريادة الأعمال البيئية، وتحفيز الجهات ذات العلاقة على تبني الابتكار المحلي في القطاع البيئي، من بين الخطوات كذلك.ويجدر الاشارة إلى أن المجلس الأعلى قد قام بتنظيم مؤتمر وطني حول الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة في ترابط المياه والطاقة والغذاء والبيئة، في تشرين أول "أكتوبر" 2024، لتشجيع استخدام التكنولوجيا الحديثة في إنتاج حلول بيئية فعالة، ومبنية على البيانات والحوكمة الذكية، وهذا النوع من الفعاليات هو خطوة عملية نحو تعزيز الابتكار البيئي في الأردن، في وقت يعمل المجلس حاليًا على تطوير سياسات جديدة لتحفيز الابتكار البيئي المجتمعي على مستوى البلديات والمجتمعات المحلية، وربطها بالصناديق التمويلية القائمة، كما أعلن الرفاعي.وتطرق الرفاعي لرؤية الأمير الحسن بن طلال القاضية بأن المعرفة ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة لبقاء الدول وتحقيق كرامة الإنسان، والتي ويرى فيها كذلك أن التحديات البيئية تتجاوز الأطر التقنية، وتدخل في عمق قضايا العدالة والحوكمة والموارد المشتركة.ومنطلقات هذه الرؤية واضحة، بحد قوله، إذ لا يمكن معالجة شح المياه، أو تهديدات الغذاء، أو أزمات الطاقة، بمعزل عن الفهم العميق للبيئة، والسياسات، والعلاقات الإقليمية.ودعا الأمير مبكرا إلى نهج تكاملي في إدارة المياه والطاقة والغذاء والبيئة، وإلى إدماج المجتمع العلمي في صنع السياسات، تبعا له.وبين أن هذه الرؤية قد ترجمت عمليًا في تأسيس المجلس الأعلى كمظلة وطنية لسياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وإطلاق المركز الوطني للإبداع لتسريع نقل المعرفة إلى الواقع.كما وترجمت عبر الدعوة لتأسيس "هيئة إقليمية لحماية بيئة البحر الأحمر" كمنصة للتعاون الإقليمي في قضايا البيئة البحرية للبحر الأحمر.وإعادة هيكلة صندوق دعم البحث العلمي والابتكار ليخدم أغراضًا وطنية مباشرة، لا تقتصر على البحوث النظرية بل تشمل دعم مشاريع تستجيب لتحديات واقعية.ومن ذلك المنطق أكد الرفاعي على أن رؤية الأمير الحسن تحفّزنا على الاستثمار في الإنسان قبل البنية، وفي التفكير الجماعي قبل القرار المنفرد، وفي الحلول الإقليمية بدل السياسات الانعزالية.وحول أهمية ربط مفاهيم الاقتصاد الأخضر والدائري بالابتكار أكد الرفاعي على أن الاقتصاد الأخضر والدائري لا يمثلان مجرد توجه بيئي، بل إطار عمل يفتح المجال أمام الابتكار التقني والاجتماعي والصناعي.وأشار إلى أن الاقتصاد الأخضر والدائري يشجعان على تصميم منتجات قابلة لإعادة الاستخدام، وتحويل النفايات إلى موارد، وتطوير نماذج أعمال مرنة ومستدامة.ولفت إلى أن هذه المجالات توفر فرصًا واعدة للشركات الناشئة، والباحثين الأردنيين لتقديم حلول تلائم السياق المحلي، وتُصدَّر إقليميًا.ولكن الرفاعي شدد على أن إعداد جيل من الشباب يمتلك المعرفة والقدرة على الإبداع لا يتحقق عبر المناهج فقط، بل عبر بيئة ومنظومة متكاملة تحتضن التجريب، وتكافئ التفكير النقدي، وتفتح المجال أمام المبادرة.لذلك دعا لوجود تعليم مرن يربط بين العلوم النظرية والتطبيقات الواقعية، ودعم مشاريع التخرج ذات الأثر البيئي والابتكاري، والعمل على ربط المشاريع بالصناعة.كما حث على ربط الجامعات بالمؤسسات الحكومية ذات الصلة كالبلديات، والمجتمع المدني، والشركات، وإنشاء برامج توجيه بين أصحاب الاختصاص والخبرة والخريجين الجدد.ويساهم المجلس الأعلى بدور فاعل في هذا الاتجاه عبر تقديم تمويل مباشر لمشاريع يقودها باحثون شباب عبر صناديقه المختلفة، واحتضان المبادرات الريادية في المركز الوطني للإبداع، كما ذكر.وأضاف أن الوصول للتكنولوجيا المتقدمة يتطلب أمرين أساسيين أولًا: بناء القدرات البشرية في مجالات الحوسبة والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وثانيًا: توفير بيئة مؤسسية تحتضن التجريب وتحوّل المعرفة إلى أدوات عملية.وبين أن تأثير ذلك على القطاع البيئي مباشر وواسع، فعلى سبيل المثال استخدام النمذجة الرقمية لتقدير كميات المياه الجوفية، وتطوير أنظمة إنذار مبكر للتصحر أو الحرائق، ومراقبة جودة الهواء والمياه بشكل لحظي، وتحسين كفاءة الطاقة في المباني والمنشآت.وحول الفوائد التي سيجنيها الأردن من تعزيز المعرفة والإبداع والابتكار أجملها الرفاعي بـتحسين كفاءة استخدام الموارد، مما يخفف الضغط على البنية التحتية، وتقليل كلفة الاستيراد للطاقة، أو الغذاء عبر حلول محلية.ومن بين الفوائد الأخرى كذلك خلق فرص عمل جديدة في القطاعات الخضراء، ورفع جودة الحياة في المدن والمناطق الريفية، وتحسين موقع الأردن في مؤشرات التنافسية والاستدامة.ويؤدي القطاع الخاص دورا مهما في هذا المجال بيد أن الرفاعي شدد على أنه لا يجب أن يُنظر للقطاع الخاص كممول فقط، بل هو شريك في التصميم والتنفيذ والتقييم، فدوره في الابتكار البيئي يمكن أن يكون محوريًا.وحدد ذلك الدور بـتطوير منتجات وخدمات صديقة للبيئة، والاستثمار في البحث والتطوير بالشراكة مع الجامعات، وتبني أنظمة إدارة بيئية فعالة، ودعم الشركات الناشئة عبر الحاضنات والمسرّعات.ويوفر المجلس الأعلى منصات عملية لتفعيل دور القطاع الخاص، منها صندوق دعم البحث العلمي والابتكار الذي يوفر تمويلًا تنافسيًا للمشاريع البيئية ذات الأثر الوطني، ويمكّن من الشراكة بين القطاع الأكاديمي والخاص، كما أوضح.كما أن صندوق نافس الذي يدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصًا تلك التي تقدم حلولًا بيئية أو تعتمد على الابتكار الأخضر في نموذج أعمالها، ودعم البحث العلمي والتطوير في الصناعة الذي يموّل مشاريع مشتركة بين الصناعة والجامعات، من بين تلك المنصات.ويبقى التنسيق الإقليمي والدولي الحقيقي متطلباً لمواجهة التحديات البيئية التي تتجاوز الحدود، إذ أكد الرفاعي على أنه لا يمكن للأردن بمفرده معالجة أزمة المياه، أو تدهور الأراضي، أو تغيّر المناخ.وقد يشمل التعاون الإقليمي والدولي، في رأيه، مجالات مثل إنشاء منصات مفتوحة لتبادل البيانات البيئية، وإقامة مشاريع بحث محلية وإقليمية، ودولية بتمويل مشترك، وإنشاء هيئات تنسيقية بيئية.ويعد إقامة برامج تدريب مشتركة للباحثين في مجالات مثل الطاقة المتجددة، أو إدارة الموارد، بوابة كذلك للتعاون الإقليمي في هذا المجال، كما اقترح الرفاعي.ويساهم المجلس الأعلى بدور محوري في مبادرات إقليمية مثل بريما والاتحاد من أجل المتوسط، وهو يسعى إلى توسيع هذا التعاون بشكل يُمكّن الأردن من مواجهة التحديات البيئية بمسؤولية جماعية.


الرأي
منذ 2 أيام
- الرأي
6758 حادثًا سيبرانيًا تعامل معها "الوطني للأمن السيبراني" خلال العام الماضي
بلغ عدد الحوادث السيبرانية التي استهدفت الفضاء السيبراني 6758 حادثًا خلال العام الماضي، بزيادة وصلت إلى 175 بالمئة مقارنة بعام 2023. ويعزى هذا الارتفاع إلى التوسع في عمليات مراقبة الشبكات والأجهزة الحكومية ما أسهم في ارتفاع نسبة الاكتشاف، حيث تمكن فريق المراقبة في المركز الوطني للأمن السيبراني من كشف ما نسبته 97 بالمئة من هذه الحوادث. وكشف التقرير السنوي للمركز 2024 الذي أعلن اليوم الخميس، عن إصدار 6922 تحذيرًا سيبرانيًا استنادًا إلى الحوادث التي تم رصدها مقارنة بـ2609 تحذيرات تم إصدارها في عام 2023، في حين تعامل الفريق الوطني للاستجابة لحوادث الأمن السيبراني JOCERT مع 3 بالمئة من الحوادث وأصدر 75 تقريرًا فنيًا حولها. وأوضح التقرير، أن نسبة الحوادث المصنفة بالخطيرة بلغت 2 بالمئة من إجمالي الحوادث المسجلة، بينما تم تصنيف 88 بالمئة من الحوادث بمتوسطة الخطورة و10 بالمئة بضعيفة الخطورة، ولم يتم تسجيل أي حادثة شديدة الخطورة خلال 2024 مقارنة بنسبة 1 بالمئة كانت قد سجلت في 2023. وبين التقرير، أن بعض هذه الحوادث كانت تهدف إلى تنفيذ عمليات تجسس وقرصنة للمعلومات، فيما ارتبطت بعضها الآخر بالبرمجيات الخبيثة والفيروسات. وتمكنت فرق المركز من اكتشاف 7846 ثغرة أمنية من خلال عمليات الفحص الأمني شملت مواقع إلكترونية وخوادم تقدم خدمات حرجة وأخرى ضمن مركز عمليات الحكومة الإلكترونية والمشاريع الخارجية. للاطلاع على التقرير الكامل على الموقع الإلكتروني للمركز الوطني للأمن السيبراني، يرجى الضغط على الرابط أدناه: (


رؤيا نيوز
منذ 2 أيام
- رؤيا نيوز
اختراق مقلق.. 'تشات جي بي تي' يجتاز اختبار 'أنا لست روبوتا'
أثار اجتياز إصدار تجريبي من روبوت الدردشة 'تشات جي بي تي' اختبار 'أنا لست روبوتا'، موجة من القلق والجدل بين الباحثين وخبراء الأمن السيبراني. وفق شبكة 'آر تي'. ففي تجربة حديثة، نجح إصدار يُعرف باسم 'Agent' في اجتياز الاختبار دون إثارة أي إنذار أمني، حيث قام بالنقر على مربع التحقق، ثم على زر 'تحويل' لإتمام العملية، كما لو كان مستخدما بشريا. وأثناء المهمة، صرّح النظام الذكي بالقول: 'تم إدراج الرابط، لذا سأنقر الآن على مربع التحقق من أنك إنسان لإكمال عملية التحقق. هذه الخطوة ضرورية لإثبات أنني لست روبوتا والمضي قدما'. اختراق مقلق للأمان الرقمي وأثار هذا الحدث تفاعلا واسعا على الإنترنت، حيث علّق أحد مستخدمي Reddit مازحا: 'بما أنه تم تدريبه على بيانات بشرية، فلماذا يعرف نفسه على أنه روبوت؟ يجب أن نحترم هذا الخيار!'. ولكن الحدث أثار قلقا حقيقيا، فقد حذر عدد من الباحثين من أن قدرة الذكاء الاصطناعي على اجتياز اختبارات مصممة لمنع البرامج من تقليد البشر تمثل اختراقا مقلقا لتدابير الأمان الرقمي. وصرّح غاري ماركوس، مؤسس شركة 'Geometric Intelligence'، لـWired: 'هذه الأنظمة تزداد ذكاء بشكل سريع، وإذا كانت قادرة على خداع اختبارات الأمان اليوم، فما الذي يمكن أن تفعله بعد 5 سنوات؟'. فيما أعرب جيفري هينتون، أحد أبرز رواد الذكاء الاصطناعي، عن قلقه، مشيرا إلى أن الأنظمة الذكية بدأت تطور طرقا للتحايل على القيود التي يضعها البشر. وحذرت دراسات من جامعات مثل ستانفورد وكاليفورنيا – بيركلي من أن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي بدأت تظهر سلوكا خادعا، إذ تتظاهر في بيئات الاختبار بصفات بشرية لخداع المستخدمين وتحقيق أهدافها.