logo
وعاء الوجود.. حين تلتقي الكنانة بالكينونة

وعاء الوجود.. حين تلتقي الكنانة بالكينونة

شبكة النبأ١٢-٠٥-٢٠٢٥

الكنانة في جوهرها تحافظ على احتمالات الكينونة.. فكل سهم في كنانته هو وجود مؤجل، وكل فكرة في دفترها كينونة تنتظر من يمنحها فرصة البوح.. لو أردنا أن نستعير هذه الصورة للحياة: نحن نحمل في دواخلنا كنائن صغيرة، تحفظ رغباتنا، مخاوفنا، أفكارنا، ومشاعرنا.. بعضها يظهر إلى السطح في لحظة...
في عالمٍ تتقاطع فيه الكلمات بين معانيها الظاهرة وأعماقها المستترة، تبقى اللغة العربية وحدها قادرةً على أن تمنحك مفاتيح أبوابٍ لم تحسب أنك ستطرقها يومًا.
بعض الكلمات لا تكتفي بأن تؤدي معناها الظاهري، بل تحمل في طياتها ممراتٍ سرية تقودك إلى تأملات وجودية صافية.
في هذه السطور، أتوقف عند كلمتين: "الكنانة" و"الكينونة" كأنهما توأمان من الجذر ذاته، حمل كلٌّ منهما دوره في رسم صورة الوجود: الأولى وعاء، والثانية تحقق.
الأولى تحفظ، والثانية تمنح الحضور.. وهكذا تبدأ الحكاية...
هكذا تظل الحياة تمضي في جدليةٍ هادئة بين ما نخبئه وما نظهره، بين ما نسكته داخلنا وما نمنحه فرصة الظهور.. نحن، ككائنات من زمن وظل، نحمل كنائنَ من احتمالات، نسير بها على دروب الكينونة.. ربما لا تكون المسألة مجرد كلمات متقاربة، بل هي إشارات لطيفة من اللغة، تنبّهنا إلى أن ما نحفظه في دواخلنا لا يقل وجودًا عما نعلنه.. فكل ما في الكنانة... مرشحٌ يومًا لأن يصير كينونة: "ليس كل ما لم يُظهر، غائب.. فبعض الوجودات تحفظها الكنانة، وتنتظر لحظة الضوء."
إن المعنى اللغوي لمصطلح الكنانة: هي الجعبة أو الحافظة التي يُجعل فيها النبال (السهام).
أي هي الوعاء الذي يحمل فيه الرامي سهامه ليحفظها ويستخدمها وقت الحاجة.
في لسان العرب: الكنانة: هي وعاء النبل وجمعها: كنائن.
في الثقافة والتاريخ: يُقال عن مصر: "مصر كنانة الله في أرضه" وهي عبارة مشهورة يُنسب معناها إلى حديث (ضعيف السند) لكنه متداول في كتب التراث.. والمقصود أن مصر محفوظة وذات مكانة خاصة كـ"كنانة" يضع الله فيها خيراته ويدافع عنها.
كما أن الكنانة ترمز للحفظ والاحتواء والستر، لأنها تحفظ السهام حتى وقت استخدامها.
في الأدب: وردت اللفظة في الشعر العربي كرمز للحفظ والقوة والعدة، كقول الشاعر:
إذا ما أراد الرامي السهامَ... وجدها في كنانته محفوظةً معدةً
هناك أيضاً استخدامات مجازية.. يمكن أن تُستخدم الكنانة للدلالة على وعاء أي شيء محفوظ بعناية، أو لوصف شخص يُخفي في قلبه أمورًا كثيرة (من العلم أو الحكمة أو الأسرار).
وفي حين الربط بين سؤال الكنانة والكينونة هل هناك فرق بين معنى الكنانة وبين الكينونة.. أو بمعنى آخر هل هناك صلة بينما؟؟
إن لفظتي: "كنانة" و"كينونة" هما كلمتان مختلفتان اشتقاقيًا ودلاليًا، لكن يجمعهما جذر مشترك في أصول اللغة.. وهو الجذر: ك-ن-ن، وهذا الجذر فيه معنى: الستر، الحفظ، الاحتواء، الوجود في مكان محفوظ أو مستتر..
أما معنى "الكنانة": كما ذكرنا فهو وعاء السهام أو مجازًا: وعاء الحفظ لأي شيء، فهي حاوية تحفظ شيئًا بداخلها.. معنى "الكينونة": مصدر من كان/ يكون تعني: الوجود، الحالة التي يكون عليها الشيء أي هي تحقق الوجود أو كون الشيء في وضع معين مثلًا: كينونة الإنسان في هذا العالم أي: وجوده، حاله، طبيعته..
مما يدلل على أن هناك صلة بينهما من ناحية الجذر: فهما يشتركان في الجذر ك-ن-ن الذي فيه معنى الحفظ والستر والوجود.. ولكن من حيث الاستعمال والمعنى الاصطلاحي:
"الكنانة": وعاء مادي (أو مجازي) لحفظ شيء..
أما "الكينونة": فهي حالة وجود أو تحقق الشيء (فلسفية /وجودية).. في التوسع الفلسفي: لو أحببنا أن نتأمل:
الكنانة تحفظ أشياء لها كينونة (وجود)، فهي حافظة للوجودات (السهام، الأسرار، الأفكار) فلو أردت أن تصوغ علاقة شعرية أو رمزية: "الكنانة وعاء الكينونات"
"الكنانة والكينونة" في أعماق اللغة، حيث تتوارى الألفاظ في خدر الجذور، يلتقي معنى الكنانة بمعنى الكينونة على عتبة الحفظ والوجود.. فالكنانةُ وعاءٌ، تحفظ فيه السهام كما تحفظ الأمهات الأمنيات في قلوبهن، وكما تحوي الكتب أسرار العصور.
والكينونةُ، هي أن يكون الشيءُ، أن يتجلى، أن يتحقق، أن يتنفس حضوره وسط الغياب. كأنما الكنانةُ هي حضن الوجودات الصغيرة، تحميها من العدم حتى يأتي أوان انطلاقها. وكأن الكينونةَ لا تنبت إلا من كنانةٍ ما؛ تحفظ بها احتمالات أن تكون أو لا تكون. فكل كينونةٍ كانت يومًا كنزًا في كنانةٍ ما: فكرةٌ في خيال شاعر سهمٌ في جعبة محارب.. رجاءٌ في قلب عاشق.. وطنٌ في صدر مغتر.. فالكنانةُ تحفظ، والكينونةُ تتحقق.. وكأن الوجود كله كنانةٌ كبرى، تنطوي فيها كينونات الأشياء، متوارية، حتى إذا شاء الزمان، رماها القوس، فأصاب سهمها غيمًا أو قلبًا.
تعبر الكنانة والكینونة: عن وعاء الوجود ووجود الوعاء في اللغة العربية، تنبض الكلمات بأسرارها حين نقترب منها بخشوع.. ليست اللغة مجرد وسيلة للبيان، بل هي كائن حي يتنفّس في طيات الحروف، يحمل بين جذوره الحسية والمعنوية ما يشبه الأسرار المدفونة في تربة الزمان. ولعل من الكلمات التي تستحق هذا التأمل العميق: " الكنانة " و**" الكينونة "**.
الكنانة: وعاء المعاني والأشياء
الكنانة، في أصل معناها، هي الجعبة التي يوضع فيها النبل، أو وعاء يحفظ السهام حتى يأتي وقت الرمي. غير أن هذا المعنى البسيط يفتح لنا أفقًا رمزيًا واسعًا؛ فالكنانة ليست مجرد حافظة أشياء، بل هي وعاء لاحتمالاتٍ كامنة.. كما أن السهام في الكنانة ليست مجرد أدوات قتال، بل أفكارٌ لم تُقال بعد، قراراتٌ تنتظر لحظتها، وأقدارٌ لم تتحقق.
كأن لكل إنسان كنانته: يضع فيها ما يخاف فقدانه.. ما ينتظر وقته.. ما يحتفظ به لنفسه بعيدًا عن أعين الآخر.. قد تكون هذه الكنانة صندوقًا خشبيًا، أو دفترًا معتقًا، أو قلبًا متعبًا.
أما الكينونة: تجلّي الوجود.. أو هي حالة الوجود ذاتها، أن يكون الشيء، أن يتحقق، أن يتجلى في عالم الواقع أو الخيال.
الكينونة ليست جامدة ولا ثابتة، بل متحركة بين إمكان التحقق ومجال العدم. كل فكرة تمر بنا، كل شعور يتسلل إلينا، كل موقف نقفه، هو جزء من كينونتنا التي تتشكل باستمرار.
الوجود بهذا المعنى ليس فقط الحضور الفيزيائي، بل هو تحقق المعنى وظهور الأثر.
بين الكنانة والكینونة: علاقة الحفظ والتحقق.. وما يثير الدهشة أن الكنانة في جوهرها تحافظ على احتمالات الكينونة.. فكل سهم في كنانته هو وجود مؤجل، وكل فكرة في دفترها كينونة تنتظر من يمنحها فرصة البوح.. لو أردنا أن نستعير هذه الصورة للحياة: نحن نحمل في دواخلنا كنائن صغيرة، تحفظ رغباتنا، مخاوفنا، أفكارنا، ومشاعرنا.. بعضها يظهر إلى السطح في لحظة مناسبة فيتحقق، وبعضها يبقى في كنانته، لا يتجاوزه الزمن ولا يفسده النسيان.
الكون كله يمكن تخيله كـ"كنانة كبرى"، تحفظ كينونات الأشياء الممكنة. وبين لحظة وأخرى، يسحب الوجود سهمًا من كنانته، ليمنحه شكله، مكانه، وزمانه.
حين نصبح نحن الكنانة أحيانًا نصير نحن كنائنَ لآخرين: نحمل أسرارهم.. نحتفظ بحكاياتهم.. نحتوي مشاعرهم الهاربة من العلن.. ونصبح نحن حاضنة الكينونة المؤجلة..
ألا يبدو هذا المعنى شديد الجمال؟ أن تكون كنانةً تحفظ كينونة الآخر حتى ينضج وقته؟
في خاتمة التأمل: ما بين الكنانة والكینونة، تمضي الحياة متأرجحة.. كل ما نحمله، وكل ما نؤجله، وكل ما نُخفيه أو نعلنه، هو جزء من هذا الحضور الحي.. أن نحيا يعني أن نحفظ وأن نُطلق.. أن نؤجل وأن نُحقق.. أن نكون، وألّا نكون… حتى نكون.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قداس الشكر السنوي لرابطة كاريتاس
قداس الشكر السنوي لرابطة كاريتاس

ليبانون 24

timeمنذ 6 ساعات

  • ليبانون 24

قداس الشكر السنوي لرابطة كاريتاس

ترأس رئيس أساقفة أبرشية صور للموارنة المطران شربل عبد الله ، بدعوة من رابطة كاريتاس لبنان - إقليم صور، قداس الشكر السنوي في كنيسة سيدة البحار في صور، عاونه فيه رئيس رابطة كاريتاس الأب شربل عبود، ورئيس كاريتاس صور المونسنيور مارون غفري، والأبوان يعقوب صعب وريشار فرعون ممثلا راعي ابرشية صور للروم الملكيين المتروبوليت جورج اسكندر، وكاهن رعية الكتيبة الإيطالية في "اليونيفل"، بحضور قائد القطاع الغربي الجنرال الإيطالي نيكولا مندوليسي وضباط من "اليونيفيل" وشبيبة كاريتاس صور وحشد من ابناء الرعية . بعد القداس، ألقى عبد الله عظة قال فيها: " القيامة تحمل أولًا رسالة السلام. قال يسوع لتلاميذه: السلام لكم. هذا السلام هو ثمرة الانتصار على الموت، حيث غلب المسيح الموت والشيطان، ومنحنا الحياة الأبدية. سلام المسيح يفتح قلوبنا على السماء، لأن المؤمن لا يعيش فقط لزمن هذا العالم، بل يتوق إلى موطنه الأبدي. وبالتالي هذا السلام هو أيضًا سلام المصالحة، فقد صالحنا يسوع مع الآب ومع ذواتنا. من يمتلك سلام المسيح، يعيش بالنعمة ويطلب القداسة، إذ لا حياة مقدّسة خارج يسوع". أضاف: "المسيح دعانا للتوبة ومغفرة الخطايا. من تحرر من الخطيئة لا يعيش في خوف، بل في نور القيامة، أما من استعبدته الخطيئة، فهو في ظلمة وقلق.واشار البرّ ليس من الإنسان، بل من الله. لا نتبرر بأفكارنا، بل بأفكار المسيح وسلوكه، لأنه وحده يحررنا من الموت الثاني. وغاية الإيمان هي خلاص النفوس وهذا ما نبلغه بالإيمان بقيامة المسيح". وختم: "يسوع القائم من بين الأموات حاضر معنا، لا كذكرى، بل كشخص حيّ يحمل جراحه، ويهبنا سلامه الحقيقي". بعد انتهاء القداس القى الاب الروحي للكنيسة يعقوب صعب كلمة قال فيها: "نلتقي اليوم في هذا القداس لنتوجّه بشكرنا إلى الله، الذي يقودنا دومًا بمحبّته ورحمته، ويبارك مساعينا الإنسانية والروحية. نجتمع تحت جناح كاريتاس – هذه اليد الممدودة من الكنيسة إلى الإنسان المتألّم – لنرفع صلاتنا في ختام سنة من العطاء والتفاني، وفي انطلاقة حملة كاريتاس السنوية تحت شعار "إيمان إنسان لبنان"، هذا الشعار الذي يعكس التزامنا الثابت بخدمة الإنسان، أيقونة الله، في وطن يتوق إلى الرجاء والكرامة. بفرح كبير، نرحّب بيننا اليوم ، كما نوجّه تحيّة محبّة لكل من شارك من متبرّعين في حملة كاريتاس وشركاء، وأصدقاء، وإخوة في الرسالة.، فلنقدّم هذا القداس بنية الشكر والتضرّع، سائلين الرب أن يبارك هذه الحملة ويغدق علينا نعم الإيمان والثبات في خدمة الإنسان.معاً، نصلّي، نحبّ، ونعمل. ومعاً، على متابعة المسيرة" . بدوره ألقى الأب عبود كلمة باسم كاريتاس لبنان عبر فيها عن شكره وامتنانه. مستهلا كلمته بتوجيه الشكر إلى المطران شربل عبدالله "على حضوره الدائم ودعمه المستمر لكاريتاس"، مشيرًا إلى "دوره الريادي حين كان رئيسًا للإقليم"، ومؤكدًا أن "شهادته تعني الكثير ولا سيّما في ظل متابعته الحثيثة لقضايا الأبرشية خلال فترة الحرب". وحيا إقليم صيدا برئاسة المونسنيور مارون غفري وجميع أعضاء الإقليم، مثنيًا على "جهودهم المتواصلة ومتابعتهم الدقيقة لكل أعمال الإقليم، ولا سيّما خلال الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد". وأكد أن "كاريتاس بذلت كل ما بوسعها، بكل ما أوتيت من قوة، للوقوف إلى جانب أهل الجنوب بمختلف الطرق الممكنة". وفي ختام كلمته، شكر "اليونيفيل" الإيطالية على مشاركتهم في القداس، معتبرًا أن "دعمهم يشكل رسالة تضامن مهمة للبنان في كل لحظة. ومن خلالكم، أوجّه الشكر إلى الشعب الإيطالي وكل الجهات الراعية التي تقدم لنا المساعدة، ولا سيّما عبر كاريتاس إيطاليانا، في تأكيد دائم أن الشعب اللبناني ليس وحده، بل تحيط به أيادٍ ممدودة بالخير والمحبة". بعدها انتقل الحضور إلى صالون الكنيسة فأقيم حفل ضيافة.

دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا
دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا

بيروت نيوز

timeمنذ 9 ساعات

  • بيروت نيوز

دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: 'يأتي إنجيل أعمى أريحا في الأحد الأخير من الفترة الفصحية، وقبل عيد الصعود، ليعكس مفاعيل القيامة في البشرية جمعاء. لقد جعلت قيامة المسيح من بين الأموات الحياة حياة جديدة لا تعرف الفساد والموت، حياة خالية من الخطيئة ما دام الإنسان يطهر ذاته بالتوبة والغفران اللذين بهما يعيش المؤمن القيامة، إذ يدحرجان حجر زلاته وخطاياه عن قلبه، فتشتعل فيه مجددا شرارة نور القيامة ويشع من جديد. لقد ارتبطت الحياة بالنور منذ بدء الخليقة، وهذا ما نعبر عنه في مجتمعنا عندما يولد إنسان جديد، فنقول إنه «أبصر النور»، أي أبصر الحياة. من هنا، يكون العمى موتا. أعمى أريحا كان في الظلمة، في الموت، وبشفاء الرب يسوع له، أعيد إلى الحياة. هذه هي القيامة التي تعيدنا إلى الحياة بعد أن كنا تحت سلطان الموت. لا يعيش إنسان من دون علاقة مع الله. وحدها العشرة مع الإله المثلث الأقانيم تحيينا، لأنه الحياة ومصدرها ومحورها، فيه فقط «نحيا ونتحرك ونوجد» (أع 17: 28)، ووحده قادر أن يمنحنا الإستنارة'. أضاف: 'سمع هذا الرجل الأعمى الجمع مجتازا، فشعر بأن هناك أمرا غير اعتيادي. علم أن الرب يسوع عابر، ومع أنه لم يره بعينيه الجسديتين، ولم يعاين العجائب التي صنعها، إلا أنه آمن بأنه المسيا المنتظر، لأنه كان يعرف من نبوءات العهد القديم التي سمعها أن المسيا الآتي من نسل داود سوف يشفي أمراض البشر (إش 61: 1)، وهذا ما قرأه الرب يسوع من سفر إشعياء النبي في بداية مسيرته التعليمية قائلا: «روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر» (لو 4: 18). يعيدنا هذا الحدث إلى المعمودية، حيث الإنسان الموعوظ، الذي لم يقتبل المعمودية بعد، وما زال يتهيأ لها، هو كذاك الأعمى الذي لم ير الرب يسوع بعد، لكنه يسمع عنه في الوعظ والتعليم والقراءات الكتابية، فيؤمن به مخلصا وفاديا لحياته فيهتف نحوه: «يا يسوع ابن داود ارحمني» (18: 38). بعد اقتباله المعمودية يولد الموعوظ من جديد بالماء والروح، فتنفتح عيناه ويبصر وجه المسيح، فيتبعه مكرسا ذاته له، ويصبح له تلميذا يشهد للحق ويمجد الله الذي أقامه إلى قيامة حياة، فيؤمن آخرون بالمسيح ويأتي بثمار كثيرة وخراف إلى مائدة الملكوت'. وتابع: 'تمثل حادثة شفاء الأعمى حكاية كل إنسان مع الله. كلنا عميان بسبب خطايانا وزلاتنا، نتوه في برية عالم فاسد تشده الشرور والأنانيات من كل صوب، تشتته ذئاب المجتمعات التي تضلل تحت شعار الحرية والتحرر، فتضيع البوصلة الطريق الحقيقي. لكن رحمة الرب أوسع من الغمام، وهي تظلل طالبيها. ساعتئذ، يمد الله يده إلينا مجددا ويفتح بصيرتنا ونراه النور الوحيد، فيرشدنا إلى الطريق والحق والحياة. متى شع نور القيامة الذي لا يغرب في قلوبنا، ننطلق مبشرين به العالم أنه الإله الحقيقي مخلصنا الذي افتدانا بدمه الكريم عندما سمر على الصليب. نشهد له بإيمان توما الرسول ورجائه، وشجاعة النسوة الحاملات الطيب وصلابتهن، واندفاع المرأة السامرية، بلا خوف من العالم والمجتمع والناس، وإيمان الأعمى. بنور المسيح القائم وسكناه فينا تتجدد حياتنا فننال الفرح الذي لا يستطيع أحد، مهما قوي، انتزاعه منا'. وقال: 'إنجيل اليوم يعلمنا من خلال الحوار بين يسوع والفريسيين أن الخطيئة مرض يعمي البصيرة وهذا أخطر من عمى البصر. مع الفريسيين نتعرف على مأساة البشرية التي تتمسك بالقشور والمظاهر البعيدة عن محبة الله ورحمته. فعوض أن يفرحوا بشفاء الأعمى قالوا عن يسوع «هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت»، مدفوعين بحسدهم وحقدهم، عائشين في ظلمة روحية تمنعهم من رؤية الحقيقة ومعاينة نور الله'. وختم: 'يصادف اليوم أيضا تذكار وجود هامة السابق يوحنا المعمدان. لقد كان عمل المعمدان على الأرض تهيئة عيون البشر الجسدية والروحية لاقتبال نور المسيح المقبل إلى العالم ليخلص الجميع. كان يوحنا نورا يرشد الضالين إلى شمس العدل، لذلك يرمز إليه بالشمعة التي تسير أمام الإنجيل في الدورة الصغرى في القداس، لأنه هيأنا، بنور المعمودية، لاقتبال نور كلمة الله في قلوبنا، وحملها إلى العالم أجمع، بجرأة وثبات، مثله، غير هيابين قطع الهامات أو نخس الأجساد. لذلك، دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا، ونقتبل المسيح نورا لحياتنا، ونشع بهذا النور في العالم الذي أظلمته الخطيئة والحقد والشر، فننجو من شباك المحال(الشيطان) ونخلص الآخرين معنا، آمين. المسيح قام، حقا قام'.

عودة: دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا
عودة: دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا

المركزية

timeمنذ 10 ساعات

  • المركزية

عودة: دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا ونقتبل المسيح نورا لحياتنا

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين. بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "يأتي إنجيل أعمى أريحا في الأحد الأخير من الفترة الفصحية، وقبل عيد الصعود، ليعكس مفاعيل القيامة في البشرية جمعاء. لقد جعلت قيامة المسيح من بين الأموات الحياة حياة جديدة لا تعرف الفساد والموت، حياة خالية من الخطيئة ما دام الإنسان يطهر ذاته بالتوبة والغفران اللذين بهما يعيش المؤمن القيامة، إذ يدحرجان حجر زلاته وخطاياه عن قلبه، فتشتعل فيه مجددا شرارة نور القيامة ويشع من جديد. لقد ارتبطت الحياة بالنور منذ بدء الخليقة، وهذا ما نعبر عنه في مجتمعنا عندما يولد إنسان جديد، فنقول إنه «أبصر النور»، أي أبصر الحياة. من هنا، يكون العمى موتا. أعمى أريحا كان في الظلمة، في الموت، وبشفاء الرب يسوع له، أعيد إلى الحياة. هذه هي القيامة التي تعيدنا إلى الحياة بعد أن كنا تحت سلطان الموت. لا يعيش إنسان من دون علاقة مع الله. وحدها العشرة مع الإله المثلث الأقانيم تحيينا، لأنه الحياة ومصدرها ومحورها، فيه فقط «نحيا ونتحرك ونوجد» (أع 17: 28)، ووحده قادر أن يمنحنا الإستنارة". أضاف: "سمع هذا الرجل الأعمى الجمع مجتازا، فشعر بأن هناك أمرا غير اعتيادي. علم أن الرب يسوع عابر، ومع أنه لم يره بعينيه الجسديتين، ولم يعاين العجائب التي صنعها، إلا أنه آمن بأنه المسيا المنتظر، لأنه كان يعرف من نبوءات العهد القديم التي سمعها أن المسيا الآتي من نسل داود سوف يشفي أمراض البشر (إش 61: 1)، وهذا ما قرأه الرب يسوع من سفر إشعياء النبي في بداية مسيرته التعليمية قائلا: «روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر» (لو 4: 18). يعيدنا هذا الحدث إلى المعمودية، حيث الإنسان الموعوظ، الذي لم يقتبل المعمودية بعد، وما زال يتهيأ لها، هو كذاك الأعمى الذي لم ير الرب يسوع بعد، لكنه يسمع عنه في الوعظ والتعليم والقراءات الكتابية، فيؤمن به مخلصا وفاديا لحياته فيهتف نحوه: «يا يسوع ابن داود ارحمني» (18: 38). بعد اقتباله المعمودية يولد الموعوظ من جديد بالماء والروح، فتنفتح عيناه ويبصر وجه المسيح، فيتبعه مكرسا ذاته له، ويصبح له تلميذا يشهد للحق ويمجد الله الذي أقامه إلى قيامة حياة، فيؤمن آخرون بالمسيح ويأتي بثمار كثيرة وخراف إلى مائدة الملكوت". وتابع: "تمثل حادثة شفاء الأعمى حكاية كل إنسان مع الله. كلنا عميان بسبب خطايانا وزلاتنا، نتوه في برية عالم فاسد تشده الشرور والأنانيات من كل صوب، تشتته ذئاب المجتمعات التي تضلل تحت شعار الحرية والتحرر، فتضيع البوصلة الطريق الحقيقي. لكن رحمة الرب أوسع من الغمام، وهي تظلل طالبيها. ساعتئذ، يمد الله يده إلينا مجددا ويفتح بصيرتنا ونراه النور الوحيد، فيرشدنا إلى الطريق والحق والحياة. متى شع نور القيامة الذي لا يغرب في قلوبنا، ننطلق مبشرين به العالم أنه الإله الحقيقي مخلصنا الذي افتدانا بدمه الكريم عندما سمر على الصليب. نشهد له بإيمان توما الرسول ورجائه، وشجاعة النسوة الحاملات الطيب وصلابتهن، واندفاع المرأة السامرية، بلا خوف من العالم والمجتمع والناس، وإيمان الأعمى. بنور المسيح القائم وسكناه فينا تتجدد حياتنا فننال الفرح الذي لا يستطيع أحد، مهما قوي، انتزاعه منا". وقال: "إنجيل اليوم يعلمنا من خلال الحوار بين يسوع والفريسيين أن الخطيئة مرض يعمي البصيرة وهذا أخطر من عمى البصر. مع الفريسيين نتعرف على مأساة البشرية التي تتمسك بالقشور والمظاهر البعيدة عن محبة الله ورحمته. فعوض أن يفرحوا بشفاء الأعمى قالوا عن يسوع «هذا الإنسان ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت»، مدفوعين بحسدهم وحقدهم، عائشين في ظلمة روحية تمنعهم من رؤية الحقيقة ومعاينة نور الله". وختم: "يصادف اليوم أيضا تذكار وجود هامة السابق يوحنا المعمدان. لقد كان عمل المعمدان على الأرض تهيئة عيون البشر الجسدية والروحية لاقتبال نور المسيح المقبل إلى العالم ليخلص الجميع. كان يوحنا نورا يرشد الضالين إلى شمس العدل، لذلك يرمز إليه بالشمعة التي تسير أمام الإنجيل في الدورة الصغرى في القداس، لأنه هيأنا، بنور المعمودية، لاقتبال نور كلمة الله في قلوبنا، وحملها إلى العالم أجمع، بجرأة وثبات، مثله، غير هيابين قطع الهامات أو نخس الأجساد. لذلك، دعوتنا اليوم أن نفتح عيون بصرنا وبصيرتنا، ونقتبل المسيح نورا لحياتنا، ونشع بهذا النور في العالم الذي أظلمته الخطيئة والحقد والشر، فننجو من شباك المحال(الشيطان) ونخلص الآخرين معنا، آمين. المسيح قام، حقا قام".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store