
رفض الجوائز الأدبية
رَفْضُ الجَوائزِ الأدبية مِنْ قِبَلِ بَعْضِ الكُتَّابِ لَيْسَ حالةً مِزاجيَّةً أوْ حَرَكَةً عَفْوِيَّة، بَلْ هُوَ سِيَاسة مَنهجية قائمة عَلى مَوْقَفٍ وُجوديٍّ مُسْبَقٍ، وَفَلسفةٍ مَعرفية، وقَنَاعَةٍ ذاتيَّة. وفي بَعْضِ الأحيان، قَدْ يُجْبَرُ الكاتبُ عَلى رَفْضِ الجائزة مِنْ قِبَلِ السُّلطة الحاكمة لاعتبارات سِيَاسية بعيدة كُلَّ البُعْدِ عَن الأدبِ والثقافة.
مِنْ أبرزِ الكُتَّابِ المعروفين برفضِ الجوائز، الكاتبُ المَسرحي الأيرلندي جورج بِرْنارد شو (1856-1950). يُعْتَبَر أحَدَ أشهر الكُتَّاب المَسْرحيين في العَالَم، وهو الكاتب الوحيد في التاريخ الذي حازَ على جائزة نوبل للآداب (1925)، وجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو (فيلم بيجماليون في عام 1938).
فَجَّرَ بِرْنارد شو مُفاجأةً مِنَ العِيَار الثقيل، حَيْثُ رَفَضَ جائزةَ نوبل حِينَ أُعْلِنَ فَوْزه به، مُقَلِّلًا مِنْ قِيمتها، وَمُتَهَكِّمًا مِنْ صَانِعِهَا: ((قَدْ أغْفِرُ لنوبل اختراعَه للدِّيناميت، لَكِنَّني لا أغْفِرُ لَهُ اختراعَ جائزة نوبل)).
ولكنَّه قَبِلَهَا عام 1926 بعد ضُغوطات كثيرة، وقال: ((إنَّ وطني أيرلندا سَيَقْبَل هذه الجائزة بسرور، ولكنَّني لا أستطيعُ قَبول قِيمتها المادية. إنَّ هَذا طَوْقُ نَجَاةٍ يُلْقَى بِه إلى رَجُلٍ وَصَلَ فِعْلًا إلى بَرِّ الأمان، ولَمْ يَعُدْ عليه مِن خطر)).
وَقَدْ تَبَرَّعَ بقيمة الجائزة لإنشاء مؤسسة تُشَجِّع نَشْرَ أعمال كِبار مُؤلِّفي بِلاد الشَّمَالِ باللغة الإنجليزية.
وَالفَيلسوف والأديب الفرنسي جان بول سارتر (1905-1980) رَفَضَ جائزة نوبل للآداب (1964)، فَهُوَ يَعْتبر أنَّه لا يَسْتحق أيُّ شخص أن يُكَرَّم وَهُوَ عَلى قَيْدِ الحَيَاة، كما رَفَضَ أيضًا وِسَامَ جَوْقَةِ الشَّرف في 1945. كانتْ هَذه التَّكريمات بالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَقْييدًا لِحُرِّيته، لأنَّها تَجْعَل مِنَ الكَاتِبِ مُؤسَّسَةً. وظلَّ هذا المَوْقِفُ شهيرًا، لأنَّه يُوضِّح مِزَاجَ المُثَقَّف الذي يُريد أنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا عَن السُّلطةِ السِّياسية.
وفي عام 1976، قَبِلَ سارتر تكريمًا وحيدًا في حَيَاته، وهو الدُّكتوراة الفَخْرية مِنْ جامعة أُورُشَلِيم العِبْرِيَّة، وَقَدْ تَلَقَّاها مِنْ سِفَارَةِ إسرائيل بباريس. لَقَدْ قَبِلَ هذه الجائزة فقط لأسباب سياسية، " لِخَلْقِ رابط بَيْنَ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينيِّ الذي أتَبَنَّاهُ وإسرائيل صَدِيقتي".
وَالرِّوائيُّ الأُستراليُّ باتريك وايت (1912-1990)، أحد أعظم أُدباء أُستراليا في القَرْنِ العِشرين، كانَ رافضًا للجَوائز، وَبَرَّرَ ذلك قائلًا إنَّ قِيمة الإنسانِ لَدَيْه أعلى مِنَ المَظَاهِرِ أو التَّكريم. رَفَضَ جائزة البوكر. وتَمَّ ترشيحُه لِنَفْسِ الجائزة بَعْدَ وَفَاتِه، لأنَّه لا يَسْتطيع رَفْضَها وَهُوَ مَيت. وَعِنْدَ فَوْزِه بجائزة نوبل للآداب (1973) خَشِيَت اللجنة أن يَرفض الجائزةَ، فأبلغتْ صَدِيقَتَهُ الرَّسَّامَة (سيدني نولان سيدي) الأُسترالية، لِتُخبره بفوزه بالجائزة مِنْ أجْلِ قَبولها على شرط أن تذهب صديقته لاستلام الجائزة. وَلَمْ يَتِم عَمَل مُحَاضَرَة كما هُوَ المُعتاد بالأكاديميَّة السويدية لغياب الفائز بالجائزة. وَهُوَ أوَّلُ أُسترالي يَفُوز بجائزة نوبل للآداب.
جاءَ في تقرير الأكاديمية السويدية عن سبب منحه جائزة نوبل للآداب: ((لطريقته الرائعة والمُؤثِّرة نَفْسِيًّا في فَنِّ السَّرْد، والتي قامت بتقديم مُحتوى جديد للأدب)).
أمَّا الأديبُ الروسيُّ بوريس باسترناك (1890-1960) فَقَدْ مُنِحَ جائزة نوبل للآداب (1958)، لكنَّ السُّلطة السِّياسية في بلاده أجْبَرَتْهُ عَلى رَفْضِها، إذْ عَدَّتْ رِوَايَتَهُ "الدكتور جيفاكو" نَصًّا مُضَادًّا للثَّورةِ البُلْشُفِيَّة. ولَمْ يَتِم الاكتفاء بهذا، فقد فُصِلَ مِن اتِّحَاد الكُتَّاب، وأُوقِفَ إصدارُ تَرْجماته، وفُرِضَ حَظْرٌ عَلَيْه، وتُرِكَ بِلا رَاتب.
والجَدِيرُ بالذِّكْرِ أنَّ السُّلطة السُّوفييتية كانتْ قَدْ وَضَعَتْ باسترناك تحت المُرَاقَبَة مُنذ مَطْلَعِ الثلاثينيات، وصَوَّرَتْهُ إنسانًا مَعزولًا عَن العَالَمِ، وغارقًا في الذاتية والانطوائية والعدمية، ثُمَّ أطلقتْ عَلَيْهِ لَقَب " المُرْتَد " و"عَدُو الشَّعْب".
والفَيلسوفُ الرُّوماني إميل سيوران (1911-1995) المَعروفُ باليأسِ والتَّشَاؤُمِ والعَدَمِيَّة، ظَلَّ طِيلةَ حياته يَمتنع عَن الجُمهور، ويَرفض الجوائزَ، ويَبتعد عَن وسائل الإعلام مُكْتَفِيًا بالكتابة. وكانَ يَعيش عُزلةً في غُرفةٍ صغيرة في وسط باريس، حيث حافظَ على مسافة بَينه وبَين العَالَمِ الخارجيِّ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ نِهائيًّا.
والرِّوائيُّ الألماني باتريك زوسكيند (1949-...) مَعروفٌ برفضه الجوائز الأدبية، وَيُفَضِّل العُزلةَ والابتعادَ عَن الأضواء، ولا يَحْضُر أيَّةَ مُناسبة لتكريمه، حَتَّى إنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ العَرْضَ الأوَّلَ للفيلم المُقْتَبَس عَنْ رِوايته الشَّهيرة "العِطْر"، التي تُعَدُّ مِنْ أكثر الرِّوايات مَبيعًا في ألمانيا في القَرْنِ العِشرين، حَيْثُ تُرجمت إلى 48 لُغة، وَبِيعَ مِنها 20 مليون نُسخة عَبْرَ العَالَمِ. كما يَرفض إجراءَ المُقابَلات الصَّحفية، والظُّهورَ الإعلاميَّ، مِمَّا يُعَزِّز صُورته كشخصية انطوائية انعزالية لا تُحِبُّ الشُّهرةَ والأضواءَ الإعلامية والظُّهورَ العَلَنِيَّ.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ 3 أيام
- صدى البلد
مريم توزاني تسجل حضورا في مهرجان فينيسيا بفيلمها Calle Malaga
تشارك المخرجة المغربية مريم توزاني هذا العام في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بفيلمها الجديد Calle Malaga، وهو الروائي الطويل الثالث في مسيرتها بعد «القفطان الأزرق» و«آدم»، اللذين عُرضا في قسم «نظرة ما»، بمهرجان كان، وكانا مرشحين مغربيين لجوائز الأوسكار عامي 2020 و2023 على التوالي. مريم توزاني سبق وانضمت للجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته السادسة والسبعين لتصبح أول مغربية تنضم إلى لجنة تحكيم هذا المهرجان الكبير. وتمنح إدارة المهرجان الأسد الذهبي لإنجاز العمر لكل من المخرج الألماني الكبير فيرنر هيرتزوغ والنجمة الأسطورية كيم نوفاك، تقديراً لمسيرتهما الفنية الفريدة. ويرأس لجنة التحكيم الرسمية هذا العام المخرج الأمريكي ألكسندر باين، وتضم في عضويتها أيضًا المخرج الإيراني محمد رسولوف، ما يمنح اللجنة طابعًا ثقافيًا متنوعًا ومثيرًا. وأعلنت إدارة مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي عن قائمة أفلام المسابقة الرسمية المشاركة في النسخة 82 التي ستقام في الفترة من 27 أغسطس وحتى 9 سبتمبر المقبل. أفلام المسابقة الرسمية تضم المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي هذا العام مجموعة متنوعة من الأعمال وهي: The Wizard of the Kremlin Jay Kelly The Voice of Hind Rajab A House of Dynamite Sun Rises on Us All Frankenstein Elisa À pied d'œuvre Silent Friend The Testament of Ann Lee Father Mother Sister Brother Bugonia Duse Un film fatto per Bene Orphan The Stranger No Other Choice Sotto le nuvole The Smashing Machine Girl La Grazia مسابقة آفاق Divine Comedy Hiedra Il rapimento di Arabella Strange River Lost Land Grand Ciel Rose of Nevada Milk Teeth Pin de Fartie Father En el camino Songs of Forgotten Trees Un anno di scuola The Souffleur Barrio triste Mother Human Resource Funeral Casino Blues


صدى البلد
منذ 4 أيام
- صدى البلد
موعد طرح فيلم ليوناردو ديكابريو One Battle After Another
أُعلن عن موعد عرض فيلم One Battle After Another الذي يقوم ببطولته النجم الحائز على الأوسكار ليوناردو ديكابريو، ويُخرجه المخرج الأمريكي الشهير بول توماس أندرسون. الفيلم سيُعرض رسميًا في دور السينما حول العالم بتاريخ 26 سبتمبر 2025، ليلحق بموسم الجوائز المنتظر. تدور أحداث الفيلم في أجواء مشحونة سياسيًا واجتماعيًا، حيث يجتمع أعضاء سابقون في خلية يسارية مناهضة للحكومة بعد 16 عامًا من تفككهم، في محاولة لإنقاذ ابنة أحدهم التي اختُطفت من قبل عدوهم القديم. يجمع الفيلم بين الإثارة السياسية والكوميديا السوداء، ويُقدَّم بأسلوب بول توماس أندرسون المعروف بجمعه بين العمق السردي والتشويق البصري. يؤدي ليوناردو ديكابريو دور 'بوب فيرجسون'، أحد قادة المجموعة السابقين، بينما يجسد شون بن شخصية شرطي فاسد يُلاحق المجموعة في رحلتها المعقدة. وتشارك في الفيلم أيضًا النجمة تينيا تايلور بدور الأم، والنجمة الصاعدة تشايس إنفينيتي بدور الابنة، إلى جانب أسماء بارزة مثل ريجينا هول وبينيسيو ديل تورو وألانّا هايم. الفيلم صُوّر في مواقع طبيعية متنوعة بين كاليفورنيا وتكساس، ويُعد من أكبر إنتاجات أندرسون حتى الآن بميزانية تتجاوز 140 مليون دولار. فيلم ONE BATTLE AFTER ANOTHER مرشّح بقوة للعرض الأول في مهرجانات سينمائية مرموقة مثل فينيسيا أو تورنتو، كما تترقبه شركات التوزيع العالمية كأحد أبرز الأفلام المنافسة على جوائز الأوسكار في 2026، بفضل طاقم العمل الثقيل والطابع السياسي الفني الذي يحمله. فيلم One Battle After Another يمثل أول تعاون بين ديكابريو وأندرسون، ويعدّ من أكثر الأعمال المرتقبة خلال العام المقبل.


سيدر نيوز
منذ 6 أيام
- سيدر نيوز
السينما تضيء ليالي القرى اللبنانية.. عروض مجانية تحت السماء في آب
اعلن المركز الفرنسي في لبنان، في بيان انه 'ينظم فعالية Ciné Caravane في شهر آب من كل عام، وتتضمن عروض أفلام مجانية في الهواء الطلق في القرى اللبنانية، بدعم من فروع المركز الفرنسي في المناطق، وبالشراكة مع البلديات والجمعيات المحلية، وهي دعوة مفتوحة للكبار والصغار للاستمتاع بلحظات من الثقافة، والمشاركة، واللقاءات الودية'. وقال:'منذ انطلاقتها عام 2000، بقيت Ciné Caravane وفية لرسالتها: جعل الفن السابع في متناول الجميع، ونقل السينما إلى أماكن لا تصلها عادة. بالأرقام، يشمل هذا الحدث نحو 100 فيلم عُرض، وأكثر من 400 عرض في أكثر من 170 قرية، وعشرات الآلاف من المتفرجين في مختلف أنحاء لبنان. في عام 2025، ستنطلق Ciné Caravane في 1 آب من بلدة بربارة (بين جبيل والبترون)، لتجوب 18 محطة في المناطق اللبنانية، وتُختتم في 30 آب في بلدة سبعل في الشمال. أفلام هذا الصيف: 'حارسات الكوكب'، فيلم وثائقي من إخراج جان-ألبرت ليفر، يُعرض لأول مرة في لبنان؛ ' موهوبات'، فيلم روائي من إخراج فريديريك وفالنتان بوتييه، مستوحى من قصة حقيقيّة لشقيقتين عازفتين على البيانو؛ 'فلو'، فيلم تحريك حاصل على الأوسكار والعديد من الجوائز، من إخراج جينتس زيلبالوديس'. وختم لافتا الى ان 'الأفلام الناطقة بالفرنسية مترجمة إلى العربية، أما فيلم (فلو) فهو من دون حوار، على ان تكون العروض مجانية وتبدأ عند الثامنة مساءً، ومفتوحة أمام الجميع من مختلف الأعمار'.