logo
القوة وحدها لا تكفي: لماذا لم تُنهِ واشنطن قدرات الحوثيين رغم الحملة الجوية المكثفة؟

القوة وحدها لا تكفي: لماذا لم تُنهِ واشنطن قدرات الحوثيين رغم الحملة الجوية المكثفة؟

اليمن الآنمنذ 2 أيام

أعلن الحوثيون – الجماعة الشيعية الزيدية المعروفة تاريخيًا باسم 'أنصار الله' والتي تسيطر حاليًا على أجزاء واسعة من اليمن – تضامنهم الكامل ودعمهم لحركة حماس عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس، حيث أطلقوا هجمات صاروخية على إسرائيل في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
غير أنهم سرعان ما أدركوا أن هذه الهجمات، رغم ما تحققه من صدى إعلامي، تفتقر إلى الفاعلية العسكرية، مما جعل هذا الأسلوب عرضة لتراجع سريع في جدواه.
وفي ضوء سجلهم السابق من النجاح النسبي في المجال البحري خلال عملية 'إعادة الأمل' – الحملة العسكرية التي قادتها السعودية والإمارات بين عامي 2015 و2022 ضد القوات المتمردة في اليمن – بدأ الحوثيون في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 استهداف السفن التجارية المملوكة لإسرائيليين أو المرتبطة بهم.
ثم توسّع نطاق الهجمات لاحقًا ليشمل السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى داعمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية.
وبحلول أبريل/نيسان 2025، نُفِّذ أكثر من 325 هجومًا استهدف سفنًا تجارية وعسكرية، باستخدام صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات مُسيّرة. وقد وقعت الغالبية العظمى من هذه الهجمات في جنوب البحر الأحمر، فيما سُجّلت حوادث أقل في خليج عدن ومضيق باب المندب وغرب بحر العرب.
وعلى الرغم من أن معدلات النجاح ظلّت منخفضة، إلا أن هجومين أدّيا إلى غرق سفينتين، كما وردت تقارير عن بعض الحوادث التي شملت قرصنة واختطاف سفن وتحويل وجهتها إلى الموانئ اليمنية.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عادت أعمال القرصنة والسطو المسلح إلى الواجهة في هذه الممرات البحرية، بعد أن كانت قد خضعت للسيطرة إلى حدٍّ كبير على مدى السنوات الثماني إلى العشر الماضية.
وقد شكّلت الهجمات الحوثية عاملًا رئيسيًا في هذا التدهور الأمني، الذي شهد أكثر من 50 حادثة من هذا النوع.
وأدى هذا التهديد المزدوج، المتمثل في استهداف السفن وأعمال القرصنة، إلى اضطرار العديد من شركات الشحن لإعادة توجيه سفنها عبر رأس الرجاء الصالح، مما تسبب في تأثيرات اقتصادية كبيرة واضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية.
عمليات عسكرية دفاعية لدعم حرية الملاحة
أُطلقت مهام عسكرية دفاعية بهدف تأمين حركة الشحن التجاري والحفاظ على حرية الملاحة.
كما تم تكثيف العمليات تحت مظلة قوات التحالف البحري المشترك (CMF)، وهو تحالف يضم 46 دولة ويعمل من خلال خمس مجموعات مهام بحرية.
(وكانت الهند قد انضمت إلى التحالف كعضو منتسب في يوليو/تموز 2022، ثم أصبحت عضوًا كاملًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023).
وقد وسّعت الهند نطاق عملية 'سانكالب' (Operation Sankalp)، التي كانت تركز سابقًا على خليج عمان والمناطق المجاورة، لتشمل مناطق التهديد الجديدة. كما عززت عدة دول أخرى من وجودها البحري في المنطقة، في إطار استجابات دفاعية متزايدة.
وجرى تنسيق هذه الجهود الدفاعية بشكل رئيسي عبر مجموعة الاتصال المعنية بالأنشطة البحرية غير المشروعة (CGIMA)، وهي النسخة المُعاد تسميتها وتوسيع نطاقها من مجموعة الاتصال بشأن القرصنة قبالة سواحل الصومال (CGPCS)، التي أُنشئت عام 2009 بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1851.
عمليات عسكرية هجومية لاستعادة حرية الملاحة
بالتوازي مع الجهود الدفاعية، شرعت بعض الدول في تنفيذ عمليات عسكرية هجومية، من بينها ضربات انتقامية إسرائيلية استهدفت مواقع حوثية داخل اليمن.
غير أن هذه العمليات الهجومية لم تُحدث تراجعًا كبيرًا في القدرات القتالية للحوثيين، كما أن الحملة المشتركة، دفاعيةً كانت أو هجومية، لم تنجح في ردع الهجمات المستمرة.
وفي ظل محدودية الأثر الذي خلّفه النهج الحذر والمتقطع المُتبع في عملية 'بوسيدون آرتشر'، أعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، في 15 مارس/آذار 2025، إطلاق 'عملية عسكرية حاسمة وقوية' ضد الحوثيين، تحت اسم 'عملية رف رايدر' (Operation Rough Rider).
وقد تمثلت الأهداف المُعلنة للعملية في إجبار 'الإرهابيين الحوثيين' على وقف هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن، واستعادة حرية الملاحة في هذه الممرات الاستراتيجية، والضغط على إيران لسحب دعمها للحوثيين.
كما يُعتقد أن من بين الأهداف الضمنية للعملية زيادة عزلة إيران في المنطقة ودفعها نحو طاولة المفاوضات.
وقد تولّت مجموعة حاملة الطائرات الأمريكية 'هاري إس. ترومان' قيادة الضربات من شمال البحر الأحمر، بدعم من أصول عسكرية أمريكية وإقليمية أخرى. كما تم إعادة تموضع مجموعة حاملة الطائرات 'كارل فينسن' من القيادة العسكرية الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في حين تم نشر قاذفات الشبح من طراز B-2 Spirit في قاعدة دييغو غارسيا.
وفي تحديث رسمي بتاريخ 28 أبريل/نيسان بشأن عملية 'رف رايدر'، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) أنه تم استهداف أكثر من 800 موقع، شملت مرافق قيادة وتحكم، ومنظومات دفاع جوي، ومجمعات صناعية، ومستودعات أسلحة. كما أُفيد بمقتل عدد كبير من القادة والمقاتلين الحوثيين، وتدمير قدرة ميناء رأس عيسى على مناولة الوقود.
وأقرّ البيان بأن الحوثيين واصلوا استهداف السفن الأمريكية خلال سير العملية، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى انخفاض بنسبة 69% في إطلاق الصواريخ الباليستية، وتراجع بنسبة 55% في هجمات الطائرات المُسيّرة الانتحارية (ذات الاتجاه الواحد). كما تضمّن البيان تصريحًا جاء فيه: 'سنواصل تصعيد الضغط حتى تحقيق الهدف المنشود.'
وقدّرت مصادر غير رسمية عدد القتلى في صفوف الحوثيين بما بين 500 إلى 600 عنصر، في حين وردت تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين، لكن دون توفر أرقام موثوقة.
ولم تتمكن الولايات المتحدة من فرض سيطرة جوية كاملة، كما تكبّدت خسائر ملحوظة، من بينها سقوط ما لا يقل عن سبع طائرات مُسيّرة من طراز MQ-9 Reaper منذ منتصف مارس/آذار.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 15 و22 طائرة Reaper قد فُقدت منذ يناير/كانون الثاني 2024، نتيجة تصدي الحوثيين لها بمنظومات دفاع جوي بدائية.
وقد أثارت هذه الخسائر المتكررة مخاوف بشأن قدرة تلك المُسيّرات على البقاء في بيئات قتال تحتوي على منظومات دفاع جوي متقدمة، فضلًا عن التساؤلات حول جدواها الاقتصادية، إذ تُقدّر تكلفة الطائرة الواحدة بنحو 30 مليون دولار أمريكي.
كما أفادت تقارير بأن طائرات مقاتلة من طراز F-35 وF-16 تعرّضت لحالات اقتراب خطيرة من الإصابة.
بالإضافة إلى ذلك، فُقدت طائرتان من طراز F/A-18 Super Hornet في البحر؛ إذ سقطت الأولى من على متن حاملة الطائرات خلال تنفيذ مناورة حادة لتفادي هجوم حوثي، فيما تحطمت الثانية عندما أخفقت في التقاط أسلاك التوقيف أثناء محاولة الهبوط على سطح الحاملة.
وقف إطلاق النار والدروس المستخلصة
في المرحلة الأخيرة من المواجهات، أطلق الحوثيون صاروخًا باليستيًا في 4 مايو/أيار 2025 استهدف مطار بن غوريون في تل أبيب، في رسالة واضحة على نيتهم مواصلة استهداف إسرائيل.
وردت إسرائيل بهجوم مضاد، زعمت من خلاله تدمير مطار صنعاء الدولي.
وفي اليوم نفسه، أي 6 مايو/أيار، أعلن الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) النصر، وكشف عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة سلطنة عُمان، وهو ما أكدته السلطات العُمانية، مشيرة إلى اتفاق الطرفين على عدم استهداف بعضهما في البحر الأحمر.
ولم يصدر على الفور بيان رسمي من الحوثيين بشأن الاتفاق، إلا أن حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بهم أعلنت 'الانتصار'.
وخلال الـ52 يومًا من عملية 'رف رايدر' (Rough Rider)، تكبّد الحوثيون خسائر في بنى تحتية حيوية، ومخازن عسكرية، وبعض القيادات المهمة. ومع ذلك، احتفظوا بقدرات كافية تسمح لهم بمواصلة عملياتهم على مستوى أقل. كما أن خطوط التجميع والإمداد الخاصة بهم قادرة على إعادة التشغيل سريعًا، مما يمنحهم القدرة على إعادة التسلّح وإعادة التموضع.
في المقابل، تعرّضت السفن الأمريكية لهجمات في نطاق بحري ضيق لا يسمح بحرية عمليات حاملة الطائرات، وأسهمت الخسائر المتكررة للطائرات والمُسيّرات في الدفع نحو إعادة تقييم جدوى استمرار العملية.
ومن المهم الإشارة إلى أن الهدف الأمريكي كان يتمثل في وقف هجمات الحوثيين على امتداد البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار اقتصر فقط على البحر الأحمر.
وبالتالي، فإن الاستعادة الكاملة لحرية الملاحة تتطلب ضمان عدم وقوع أي هجمات أو تهديدات عبر كامل المسار الملاحي، بما في ذلك البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
وعلى المدى القصير، قد تشهد حركة العبور في قناة السويس والنشاط في موانئ البحر الأحمر تحسنًا نسبيًا، رغم استمرار المخاوف الأمنية الأوسع.
كما أن تصريحات الحوثيين بعزمهم على استهداف السفن الإسرائيلية، حتى تلك الموجودة في البحر الأحمر، تبقى عاملًا يجب أخذه بالحسبان في حسابات الملاحة البحرية.
سياسيًا، لا يزال الحوثيون يحتفظون بسيطرة راسخة على مناطق نفوذهم، فيما تبقى آثار هذه العملية على الحسابات الاستراتيجية لإيران غير واضحة حتى الآن.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ستطالهم لعنة الشعب إلى يوم يُبعثون
ستطالهم لعنة الشعب إلى يوم يُبعثون

اليمن الآن

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليمن الآن

ستطالهم لعنة الشعب إلى يوم يُبعثون

ستطالهم لعنة الشعب إلى يوم يُبعثون قبل 6 دقيقة ستبقى جريمة دار الرئاسة وصمة عار على جبين كل من شارك وخطط لاستهداف الزعيم علي عبدالله صالح وكبار مسؤولي الدولة وهم بين يدي الله يؤدون صلاة الجمعة . مرَّت أربعة عشر عامًا ولا تزال الحادثة عالقة في أذهان الكثير من ابناء الشعب اليمني، الذي رفض إرهاب الإخوان، ومن خلفهم الحوثيين، وطالب -وما يزال- بمحاسبة ومعاقبة مرتكبيها، وفعلهم الغادر بحق الوطن. انهم "عصابة القرن" ممن اتخذوا الشباب مطية لزعزعة النظام وتدمير الدولة، التي أوصلوها الى ما هي عليه اليوم، من حرب وتشرذم وأزمات متلاحقة جاءت على كل منجز ومشروع نهضوي لدولة توسم بالفاشلة. تمُر السنوات ويعتقد الملطخة أيديهم بدماء الوطن الجريح أن الملف قد اغلقه انقلاب عصابة ايران على الدولة، وأن صفحتهم بيّضها الشتات الذي فُرض على اليمن بسبب الحرب والتدخل الاقليمي والدولي . إن عودة ذاكرتنا إلى ذلك اليوم المشؤوم هو بمثابة تأكيد على أن الحق سوف ينتصر والعدالة لن تقتصر على المتآمرين بضرب رمز الدولة وزعيم الأمة، بل سوف تمتد يدها الى كل من أراد تقويض النظام الجمهوري وزعزعة الأمن والسكينة. وإذا كنا نعيش الحرب المدمرة فإن مصير تلك النيران المشتعلة أن تخمد، وحينما ستبدو السماء صافية من دخانها، وسيكون يوم الحساب وسيلاحق الفارون من السجون، وسيقف الجناة أمام القانون، وسيقول القضاء كلمته وستطالهم لعنات الشعب إلى يوم يُبعثون.

الحادث الأمني الأصعب.. "كمين مركب" للمقاومة يفتك بجنود صهاينة في جباليا ونيران كثيفة تفشل إجلاء الجنود
الحادث الأمني الأصعب.. "كمين مركب" للمقاومة يفتك بجنود صهاينة في جباليا ونيران كثيفة تفشل إجلاء الجنود

المشهد اليمني الأول

timeمنذ 4 ساعات

  • المشهد اليمني الأول

الحادث الأمني الأصعب.. "كمين مركب" للمقاومة يفتك بجنود صهاينة في جباليا ونيران كثيفة تفشل إجلاء الجنود

أخبار وتقارير المشهد العسكري قالت وسائل إعلام عبرية، الإثنين، إن 3 جنود قتلوا وأصيب اثنان آخران بجروح خطيرة، وذلك في استهداف عربة عسكرية من طراز 'همر' بصاروخ مضاد للدروع بمنطقة جباليا شمالي قطاع غزة، في حين أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الاشتباكات في المنطقة لا تزال مستمرة. وأضافت أن الحادث الأمني الصعب في غزة لا يزال مستمرا، والقتال لا يزال ضاريا، وأن 3 مروحيات إسرائيلية تحاول إجلاء الجنود. وأوضحت أن العملية في جباليا نجمت عن 'كمين مركب وصعب'، مشيرة إلى أن قتلى الجيش من اللواء التاسع. وتابعت أن مروحيات عسكرية أخرى تطلق نيرانا كثيفة في منطقة العملية، مشيرة إلى أن عملية إجلاء الجنود القتلى والجرحى فشلت بسبب كثافة النيران، وأن مروحية عسكرية تعرضت لإطلاق نار خلال محاولتها إجلاء الجرحى. من جهتها، قالت حركة حماس إن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال من المسافة صفر شرق مخيم جباليا ويوقعونهم بين قتيل وجريح، مؤكدة أن الاشتباكات ما تزال مستمرة. وأشارت الحركة إلى ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي من جرائم في حربه على غزة وقالت إن 'انتهاكات حكومة الاحتلال الوحشية لكل القوانين والمواثيق الدولية تتم بغطاء سياسي وعسكري أميركي'. وأضافت أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهداف كل أشكال الحياة في قطاع غزة بما فيها المستشفيات والمراكز الطبية، مؤكدة أن 'عشرات آلاف المرضى من نساء وأطفال ومسنين لا يجدون أي رعاية طبية أو مراكز للتعامل مع الأمراض المزمنة'.

روسيا الأسد الجريح كيف سترد؟.. الحرب على مفترق العصف!
روسيا الأسد الجريح كيف سترد؟.. الحرب على مفترق العصف!

وكالة الصحافة اليمنية

timeمنذ 4 ساعات

  • وكالة الصحافة اليمنية

روسيا الأسد الجريح كيف سترد؟.. الحرب على مفترق العصف!

تحليل/د.ميخائيل عوض/وكالة الصحافة اليمنية// وجهت أوكرانيا عشية جولة المفاوضات، وبعد تحضير لـ١٨ شهراً ضربةً مهينه لروسيا في أمنها وهيبتها ومكانتها، وهزت الثقة ببوتين وجيشه. الضربة الأوكرانية متقنة محكمة مؤذية، وكاشفة لإعطاب روسيا، وتخلف بنيتها الأمنية والعسكرية، وترهل عقلها العسكري، وتقادم خططها. قالها ماركس منذ ؛١٨٧٠ 'كمونة باريس الدفاعية موت كلِّ هبةٍ شعبية وكل مقاومة'، وقالها من قبل الإمام علي 'ما غزي قوم في ديارهم إلا ذلوا' وجزمت العلوم العسكرية وخبرة الشعوب بحقيقة؛ أن الهجوم أفضل وسائل الدفاع. فالحرب كالثورة كتفاصيل الصراع في الحياة، فأضعف الغزلان يجب أن يكون أسرع من أقوى الأسود والا التهم. كعادة 'كهنة المعبد الانجلو ساكسوني' المتداعي، و'صبيان لوبي العولمة' المتسارع الانهزام، وجدوا فيها ضالتهم ونجمتهم للعودة إلى مسارح وحروب المنصات والإعلام. فانتصاراتهم في حروبهم الافتراضية تعوض عن الهزائم في أرض الواقع، وتسهم بطمس رؤية موازين القوى الكلية والبيئات الاستراتيجية التي تقرر نواتج الحروب. فكيف وحرب أوكرانيا هي 'العملية القيصرية من خاصرة أوروبا لتوليد العالم الجديد'، بعد أن طال المخاض واستعصت الولادة. المهوبرون والمهولون والانتصاريون على الشبكات سارعوا إلى نعي روسيا، وكادوا يسقطون بوتين، ويطوبون المهرجين أسياداً، ويهزمون ترمب وينعون سعيه لأمركة أمريكا. مهلاً أيها المستعجلون لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء! سبق أن هللتم لتراجع الجيش الروسي، وإخلاء ٦ آلاف كيلومتر، بينما تجاهلتهم أنه اقتطع ١٣٠ ألف كم من أوكرانيا. ثم أقمتم الدنيا لنجاح الجيش والمرتزقة وخبراء الأطلسي باحتلال ١٠٠٠كم من الأراضي الروسية. والآن تعجقون الدنيا تنظيراً وأوهاماً. تذكروا أن الاولى كانت جزءاً من خطة دفاعية انسحب بموجبها الجيش الروسي لكلفة وصعوبة الاحتفاظ بها. والثانية كانت عمليةً تكتيكيةً جريئة، ومغامرةً بالعلم العسكري كانت نتائجها وكلفتها مهولةً على الجيش الأوكراني وداعميه. ونهضت روسية وحررتها. وجيشها يستولي يوميا على البلدات والمدن الأوكرانية على طول خط المواجهة البالغ ١٠٠٠ كم، واستفاد منها بوتين بالتحفيز وتحسيس الروس بالخطر على دولتهم وثرواتهم وجغرافيتهم. نعم؛ عملية الأمس متقنة ونوعية، وتهز الثقة بروسيا وجيشها وأمنها، وببوتين وقيادته، لكنها ليست نهاية المطاف، ولا أثر لها في تغيير الاتجاه أو قلب موازين القوى المادية الحاكمة لتقرير نتائج الحرب. مهلاً يا سادة فلا تضحكوا. ففي الحرب 'من يضحك أخيراً يضحك كثيراً'. في الحروب عملية كهذه ممكنة، وقد حصل أكبر وأخطر منها، وأهم بألف مرة. لن نستعرض وقائع من التاريخ البعيد، فإليكم عملية الطوفان العجائبية! فمن غزة، وما أدراكم ما غزة وتصنيفها في موازين القوى التقليدية؟! وبدون علم قيادة حماس التي كانت تفاوض، وبلا إبلاغ محور المقاومة وفصائله، أَعدت عملية اختراق بري في عملية عجائبية، وهاجمت القوة القسامية في وضح النهار أهم خط دفاع محصن ومحمي ومُمَكنَن بأعلى الدرجات، وفي مواجهة دولة إسرائيل المحمية والمدعومة من كل أجهزة الإقليم والعالم المهيمن، واخترقت ودمرت الحصون وأسرَت ضباط قادة. من غزة وفقط كتائب القسام! كيف تفترضون أن أوكرانيا والأطلسي والعالم الانجلو سكسوني متحداً في وجه روسيا ولا يستطيعون؟! سذاجةٌ مفرطة اعتبار روسيا المترامية الأطراف، والحدود البرية الأوسع والأطول، ومحدودة عدد السكان، وتخوض حرباً مع العالم الانجلو ساكسوني عصية على الاختراق الأمني؟! قارنوا بين كتائب القسام من غزة والطوفان العجائبية والعملية الأوكرانية وتعقلوا!! حقاً نفذت أوكرانيا عمليةً نوعية أمنية وعسكرية، واستخدمت الذكاء البشري والصناعي في أرقى التجليات، وأصابت الأسد الروسي بجراحٍ ثخينة لكنها ليست قاتلة. كلفتها وأثرها المعنوي ألف ضعف كلفتها المادية وأثرها العسكري والأمني وتأثيراتها على مسارات الحرب وميزان القوى. خلقت تحدي للأمن والدفاع والعسكرية الروسية، وكشفت الثغرات القاتلة في البنية والعقلية والأمن والحماية، وفي التخطيط الاستراتيجي، وفهم وإدارة خوض الحرب في جيلها الخامس ومع العالم الانجلو ساكسوني. سبق لبوتين بجرأته أن أقرَّ بأخطاء استراتيجية ارتكبها وارتكبتها القيادات الروسية. وأخطأ عندما بدأ الحرب مفترضاً أنها عملية خاصة تكتيكية، ولم يتنبه وقادته إلى أن الأطلسي ولوبي العولمة سيحولها لأول مرة في تاريخ الحروب إلى عالمية وشاملة! وأخطأ عندما وقع اتفاقاً مع زيلينسكي في إسطنبول عام 2022 بموجبه استسلم زيلنسكي وانسحب الجيش الروسي من تخوم كييف، ثم انقلب بدعم وإسناد أمريكي وأطلسي، وكانت فقط المبالغ التي دفعتها أمريكا ٣٥٠ مليار دولار، تذكروا أن ترمب جباها بـ٥٠٠ مليار في اتفاق المعادن الثمينة الذي وقعه زيلنسكي صاغراً بعد طرده من المكتب البيضاوي وتحت فلاشات الكاميرات. الخطأ التكتيكي وفي التقدير الاستراتيجي وفهم الواقع واتجاهات المستقبل ممكن، ووقع فيه حزب الله وإيران ومحور المقاومة، ودفعوا أثماناً رهيبة كاستشهاد السيد حسن نصرالله وانهيار النظام السوري وتدمير وإبادة غزة. ومع ذلك ايضاً هنا لم تنتهي الحرب، وميزان القوى الكلي سيقرر نتائجها بهزيمة إسرائيل والعالم الانجلو ساكسوني. تلقى الأسد الروسي ضربةً مؤلمة وجراحاً عميقة، لكنه لم ينكسر ولا فقد القدرة على الرد بل الردع، وربما أنَّ تغيراً جوهرياً في الاستراتيجيات، وإدخال أنواع جديدة من السلاح وتوسيع الاشتباك وتنويع المسارح والجبهات تنهي الحرب، لا بالتفاوض والمداورة وتدوير الزوايا، بل بهزيمة للأطلسي والعالم الانجلو ساكسوني تستعجل دفنه. في هذه تصح مقولة 'في كل شر خير'. أعلن زيلينسكي أنه أحاط الإدارة الأمريكية بالأمر، وسبق لترمب أنَّ حذَّر بوتين منذ أيام من أنه 'يلعب بالنار'، و لوَّح بأثمان باهظه ستدفعها روسيا وبوتين! وأعلن وزير دفاع بريطانيا أنها مستعدة للحرب مع روسيا، وجاهر بأن بريطانية تستهدف روسيا بحرب سيبرانية، وقررت ألمانيا تزويد أوكرانيا بأسلحة وبمساعدتها على إنتاج صواريخ تطال عمق روسيا! تلك معطيات وافرة على أن العالم الانجلو سكسوني منخرطٌ، ويدفع إلى حرب واسعة وربما نووية، واستهداف الطائرات الاستراتيجية والقاذفات التي تعتبر عصب مثلث النووي الروسي ذات معنى ومغزى، وربما هي تحضيرٌ واستعداد، أو لجمٌ لقدرات روسية النووية التي تهدد بها. دائماً الأعمال ذات الطبيعة الأمنية تكون تحضيرا لأعمال عسكرية نوعية؟ التحديات أمام روسيا باتت أكثر تعقيداً ومنها؛ 1- لا خيار إلا الرد، والرد يعني دفع الحرب إلى صعيد أعلى وأكثر سخونة ومخاطرة، وتستطيع روسيا الرد بتكثيف عمليات تدمير البنى التحتية والاستراتيجية والحشود والمعسكرات، وفي هذه برغم خسارة الطائرات لم تثلم قوتها. 2- شن هجوم ساحق لتدمير الجيش الأوكراني، واحتلال مناطق واسعة، وإنجاز المهمة ووضع العالم الانجلو ساكسوني أمام الوقائع المادية القاطعة. 3- ادخال واستعراض أنواع جديدة من الأسلحة ذات القدرات التدميرية الهائلة، لتسريع حسم الحرب وإرهاب الأطلسي وأوروبا ودفعها لوقف التورط والإسناد. فسبق أن صرح بذلك وفاخر بوتين عن امتلاك روسيا لأسلحة نوعية وجديدة وغير معروفة فأزف زمنها، وإلا فمصيرها كسلاح حزب الله وسورية ومدن الصواريخ تحت الجبال التي تدُمرت ان لم تستخدم. 4- توريط بريطانيا وألمانيا علناً بالحرب من خلال وضع تهديدات بوتين السابقة موضع التنفيذ، كي لا تصير تصريحاته كما هي تصريحات قادة ودول محور المقاومة -باستثناء يمن الإيمان والحكمة وغزة الأسطورية-. 5- تفعيل أدوات الحرب الناعمة والأمنية والسيبرانية، واستعراض قوة روسيا ليس في أوكرانيا فحسب بل بإزاء الدول الداعمة والمنخرطة، والتي تحارب روسيا حقاً. ولا يغير في الأمر سياسة النعامة وتجاهل أن المانيا وبريطانيا وبولندا ورومانيا منخرطون حتى النخاع الشوكي بالحرب ومباشرة باستهداف روسيا، ومن غير المنطقي أن روسيا ليس لديها أدوات حرب ناعمة وأمنية وسيبرانية مدمرة. ٩ نرجح أن بوتين ومن خلال التجربة قائد فذ واستراتيجي ومحارب صلب لا يهاب. نرجح أنه سيرد، وسيكون الرد صاعقاً مفاجئاً ونوعياً مغيراً في أحوال ومسارات الحرب، وتالياً كاسراً للتوازنات العالمية، ويستعجل رحيل الأطلسي والعالم الأنجلو سكسوني المتوحش، وتعطيل القدرة والسلاح والحافزية. فالحرب الجارية الشاملة بلغت حداً تفترض الحزم والحسم ولا بد من خروج مهزوم تغرب شمسه ومنتصر يقود. المؤكد أن بوتين وقادته وخبرائه درسوا تجربة محور المقاومة وإيران، واستخلصوا العبر وأهمها أن التلكؤ والانتظارية والتفريط بالزمن والقدرات سياسة انتحارية تنتج الهزائم ولا تصنع انتصارات. بوتين ومنظريه دأبوا على محاولات تفهيم العالم أن الظروف والبيئات وميزان القوى الكلي ناضج لانتزاع العالم من أنياب التوحش. فهل يفعلها أم يتردد ويتلكأ؟ فتدفع روسيا أثمان مهولة؟! في الواقع الجاري تجربة يستفاد منها فالحرب الوجودية والمصيرية الجارية دروسها ثمينة، وتفويت الفرص والتفريط بالقدرات نتائجها كارثية. نستهول جداً أن تغيب عن بال بوتين وقادته واستراتيجييه الدروس وفهم الواقع واختلالات موازين القوى وتوفر الفرصة الذهبية . اللحظة عصيبة ونوعية، وتضع العالم في أعلى درجات الغليان والخطر. لابد لليل أن ينجلي. و'الرطل بدو رطل ونص' وإلا… وضربة كاسرة للوبي العولمة وادواته في اوكرنيا والاطلسي تطلق عفاريت المستقبل وتمكن ترمب من امريكا وتسوق الترامبية وهذه فرصة بوتين ليسود وتكون روسيا محرك وصانعة في المستقبل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store