logo
تركيا تستعد لإطلاق مركبتين فضائيتين إلى القمر بالتشارك مع الصين

تركيا تستعد لإطلاق مركبتين فضائيتين إلى القمر بالتشارك مع الصين

الجزيرةمنذ 3 أيام
تتحضر تركيا لإرسال مركبتين فضائيتين صغيرتين ذاتيتي القيادة إلى سطح القمر، ضمن مهمة استكشافية صينية من المنتظر إطلاقها عام 2028.
ويأتي هذا المشروع ثمرة تعاون تقوده جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، بالشراكة مع جامعة تشجيانغ الصينية وشركة "ستار فيجن" الصينية المتخصصة في تكنولوجيا الفضاء، وبمشاركة وكالة الفضاء الوطنية الصينية، بهدف الهبوط في منطقة القطب الجنوبي للقمر، وجمع بيانات علمية دقيقة من سطحه.
وستحمل المركبتان التركيتان على متن المسبار الصيني "تشانغ آه-8″، في إطار مهمة علمية طموحة تهدف إلى استكشاف خصائص التربة القمرية وتضاريسها القاسية.
وإذا نجحت المهمة، فستصبح تركيا سادس دولة في العالم تهبط بمركبة على سطح القمر، وأول دولة تدير مركبتين مستقلتين في آن واحد فوق سطحه، في سابقة تاريخية تضاف إلى سجلها العلمي والفضائي المتصاعد.
روبوتات ذكية
تحمل المركبتان التركيتان المخصصتان لمهمة استكشاف القمر اسم "تشيري"، وهو اسم يرمز إلى "روبوتات استكشاف ذكية للبيئات الصعبة". وعلى الرغم من أن وزن كل مركبة لا يتجاوز 5 كيلوغرامات إلا أن تصميمها جاء خصيصا لتحمل أقسى الظروف على سطح القمر، بما في ذلك التفاوت الحاد في درجات الحرارة وارتفاع مستويات الإشعاع.
وقد زودت المركبتان بأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة تمكنهما من الحركة الذاتية من دون الحاجة إلى تدخل مباشر من الأرض، إذ تتمتعان بالقدرة على تحليل التضاريس وتحديد المسار المناسب بشكل مستقل.
وتكمن مهام المركبتين العلمية في رسم خرائط ثلاثية الأبعاد مفصلة لسطح القمر، وقياس درجات الحرارة والإشعاع، بالإضافة إلى جمع بيانات دقيقة حول تركيب التربة في منطقة الهبوط.
وتتميز هذه المهمة بتكامل عمل المركبتين، إذ ستتواصلان فيما بينهما بشكل مستمر لتنسيق التحركات وتوزيع الأدوار، بما يضمن تجاوز العوائق الطبيعية على سطح القمر والعمل بفعالية كفريق واحد. فبينما تتولى إحداهما مراقبة الطريق واستكشاف التضاريس، يمكن للأخرى أن تنفذ المهام العلمية الدقيقة في الموقع المناسب.
ومن بين أبرز جوانب الابتكار في هذه المهمة، أن إنزال المركبتين على سطح القمر سيتم على مرحلتين وليس دفعة واحدة، وفق خطة زمنية مدروسة. إذ يُنتظر أن تُطلَق المركبة الأولى وتنفذ عملية الهبوط، ثم تطلق الثانية في اليوم التالي لتقوم بتوثيق هبوط شريكتها عبر تسجيل مصور عالي الدقة.
من جانبه، قال الباحث في شؤون الفضاء أسعد قيرمان للجزيرة نت إن ما يميز مركبتي تشيري لا يقتصر على صغر حجمهما أو اعتمادهما على الذكاء الاصطناعي، بل في كونهما مصممتين للعمل التفاعلي كفريق واحد يتقاسم المهام على سطح القمر، وهو أسلوب يُعتمد لأول مرة في بيئة قمرية.
ويرى قيرمان أن هذا النموذج يشكل نقلة نوعية مقارنة بالمهمات التقليدية التي تنفذ بمركبة واحدة، مؤكدا أن التعاون بين روبوتين مستقلين قادرين على التنسيق وتوزيع الأدوار يعزز من مرونة المهمة وكفاءتها، ويقلل من مخاطر فشلها في حال حدوث خلل في إحدى المركبتين.
شراكة تركية صينية
ويحمل المشروع القمري طابعا دوليا بارزا، يجسد مرحلة جديدة من التعاون الوثيق بين تركيا والصين في ميدان استكشاف الفضاء.
فقد جاءت مشاركة تركيا في مهمة "تشانغ آه-8" الصينية في أعقاب إعلان بكين عن فتح الباب أمام الشركاء الدوليين للمساهمة في هذه المهمة المستقبلية الطموحة، التي تهدف إلى تعزيز البحوث العلمية والتقنية على سطح القمر.
وعبر جامعة الشرق الأوسط التقنية، تقدمت تركيا رسميا بمقترح لإرسال مركبات فضائية مصغرة ضمن المهمة، وهو ما لقي ترحيبا من وكالة الفضاء الصينية التي وافقت على انضمام الفريق التركي كشريك في المشروع.
وتعد هذه المشاركة سابقة من نوعها على مستوى التعاون التركي-الصيني في الفضاء، وتشكل في الوقت ذاته محطة فارقة في تاريخ الشراكات العلمية بين الجانبين.
وفي إطار هذا التعاون، تلعب شركة "ستار فيجن" الصينية، وهي أول شركة خاصة في البلاد تشارك في مهمة وطنية بهذا الحجم، دورا محوريا من خلال تزويد المركبتين التركيتين بوحدات معالجة ذكية ومكوّنات إلكترونية متطورة تتحمل ظروف الفضاء القاسية.
من جانبها، تتولى جامعة تشجيانغ الصينية مسؤولية تصميم الأنظمة الهندسية والتحكم الآلي، في حين يركز فريق جامعة الشرق الأوسط التقنية على تطوير أنظمة الملاحة الذاتية والوحدات الروبوتية الدقيقة داخل المركبتين.
في السياق، قالت بشرى دينيز، الباحثة في شؤون الاتصالات الفضائية، للجزيرة نت إن انخراط تركيا في مهمة قمرية بقيادة الصين يُعدّ نقلة نوعية تتجاوز الطابع الرمزي، إذ يمكّن أنقرة من دخول دورة إنتاج المعرفة الفضائية والمشاركة الفعلية في تصميم واختبار أنظمة فضائية متقدمة.
وأشارت إلى أن الصين، بخلاف العديد من الوكالات الغربية، تتيح هامشا أوسع لنقل التكنولوجيا والخبرة العملية إلى الدول النامية، وهذا يمنح تركيا فرصة حقيقية لاكتساب تقنيات يمكن توطينها ضمن برامجها الوطنية.
وبرأيها، فإن هذا النوع من الشراكات يعيد رسم ملامح نادي الفضاء العالمي ليشمل دولا صاعدة، مؤكدة أن نجاح التجربة التركية مرهون بتحويلها إلى بنية تحتية مستقلة وقادرة على الإنتاج، لا مجرد المشاركة.
طموحات فضائية تركية
وتأتي مشاركة تركيا في مهمة استكشاف القمر ضمن مشروع "تشانغ آه-8" في إطار رؤية إستراتيجية أوسع تتبناها أنقرة لتعزيز حضورها في ميدان الفضاء، عبر الجمع بين المبادرات الوطنية والانخراط في شراكات دولية متقدمة.
فمنذ تأسيس وكالة الفضاء التركية عام 2018، وضعت الدولة هدفا يتمثل في التحول إلى فاعل إقليمي وعالمي في مجال استكشاف الفضاء والتقنيات المرتبطة به.
وفي عام 2021، أطلقت تركيا "برنامج الفضاء الوطني"، الذي تضمن أهدافا طموحة، في مقدمتها تنفيذ أول مهمة قمرية بحلول عام 2028. وكان من المقرر أن تبدأ هذه المهمة بهبوط قاس لمركبة غير مأهولة على سطح القمر عام 2023، تمهيدا لهبوط أكثر دقة في مرحلة لاحقة. إلا أن الجدول الزمني للمشروع خضع لتعديلات تنظيمية وتقنية، في ظل تطورات شهدها القطاع الفضائي التركي على المستويين الفني والدبلوماسي.
وفي خطوة لافتة العام الماضي، تقدمت تركيا بطلب رسمي للانضمام إلى مشروع محطة أبحاث القمر الدولية، الذي تقوده الصين وروسيا. وبذلك تصبح أول دولة منضوية في حلف شمال الأطلسي تطلب الانضمام إلى هذا المشروع الطموح، ما يعكس تحولا نوعيا في سياسات أنقرة الفضائية نحو تنويع الشراكات وتوسيع نطاق التعاون خارج الدوائر التقليدية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

رحلة إلى ثقب أسود.. الصين تعتقد أن هذا الحلم ممكن
رحلة إلى ثقب أسود.. الصين تعتقد أن هذا الحلم ممكن

الجزيرة

timeمنذ 10 دقائق

  • الجزيرة

رحلة إلى ثقب أسود.. الصين تعتقد أن هذا الحلم ممكن

في لحظة يذوب فيها الفاصل بين الواقع والخيال تقترح دراسة حديثة نُشرت في دورية "آي ساينس" مهمة بين النجوم، لاكتشاف ومعاينة أحد أقرب الثقوب السوداء إلى كوكبنا. قد يبدو الأمر مجرد فرضية من وحي باحث في نطاق الفيزياء الفلكية، لكن بحسب الدراسة -التي قادها علماء من جامعة فودان الصينية- فإن الأمر ممكن. وتهدف هذه المهمة إلى إرسال مسبار فضائي صغير إلى ثقب أسود قريب، ربما يبعد عنا 20 إلى 25 سنة ضوئية فقط، لتحليل طبيعة الجاذبية في أقوى حالاتها، واختبار صحة تنبؤات النظرية النسبية العامة لأينشتاين في بيئة يصعب تكرارها أو فهمها من الأرض. ويقول كوزيمو بامبي أستاذ الفيزياء النظرية بالجامعة في تصريحات حصرية للجزيرة نت "إذا وُجد ثقب أسود على هذا القرب فإن المسألة فقط مسألة وقت قبل أن نرسل مسبارا لدراسته، والمعلومات التي سنحصل عليها ستكون ثمينة للغاية، وقد يستحيل الحصول عليها بوسائل أخرى". أينشتاين وكرة الفراء تخيل الكون نسيجا يجمع بين المكان والزمان كأنه ملاءة سرير مطاطية، إذا وضعت كرة بولينغ ثقيلة جدا على الملاءة فستغوص في المنتصف وتُحدث انحناء عميقا. يرى أينشتاين أن الثقب الأسود هو بمثابة كرة البولينغ في هذه الملاءة، أو بالأحرى نقطة من شدة الثقل والجاذبية لا تستطيع أي كرة توضع على الملاءة الهروب منها وستسقط إليها بسبب انحناء حواف الملاءة للأسفل نحو كرة البولينغ أو نحو الثقب الأسود. بما أننا نتحدث عن الكون فالملاءة إذن كبيرة جدا، وليس كل كوكب أو نجم أو كرة توضع على الملاءة الكونية قريبة بما يكفي من الانحناء الذي تسببه كرة البولينغ أو الثقب الأسود لتسقط. هناك حد يُسمى أفق الحدث، وهو بمثابة "باب بلا عودة" إذا تخطاه أي شيء يسقط في الثقب الأسود ويختفي إلى الأبد ولا يمكن رؤيته أو تتبع أثره، وهذا هو ما يتصوره أينشتاين كتفسير للثقب الأسود. ونظرية أينشتاين ليست النظرية الوحيدة لتفسير الثقوب السوداء، فهناك نظرية "كرة الفراء"، وهي جزء من نظرية الأوتار، وتقترح أن الثقب الأسود ليس "ثقبا" حقيقيا، بل هو جسم معقد جدا، هو نوع ما مثل كرة من الخيوط المتشابكة والمضغوطة بإحكام، وهذه الخيوط تمثل المعلومات والطاقة التي تكونت عندما انهارت النجوم. وبدلا من وجود "أفق حدث" يخفي كل شيء إلى الأبد تقول نظرية "كرة الفراء" إن السطح الخارجي للثقب الأسود نفسه يتكون من هذه الخيوط، وكل ما يسقط عليه لا يختفي، بل يتفاعل مع هذا السطح. نحن أمام نماذج نظرية يصعب الجزم بصحة أحدها، ويشير بامبي إلى أن القياسات عالية الجودة -سواء للموجات الثقالية أو الطيف الكهرومغناطيسي- تعتمد أيضا على نماذج نظرية لفك شفرتها، وهذه النماذج تصبح معقدة للغاية عندما يكون مصدر الإشارة محاطا ببيئة فلكية غير معروفة. ولذلك، فإن إرسال مسبار إلى ثقب أسود معزول سيكون خطوة ثورية، ويقول "يمكننا حينها دراسة نظام أبسط بكثير، وتكون القياسات أقل تأثرا بالعوامل البيئية". نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي إطارنا الحالي (النظرية التي نستخدمها) لوصف التفاعلات التجاذبية وبنية الزمكان، وطُرحت هذه النظرية أواخر عام 1915، وخلال الـ110 سنوات الماضية اجتازت عددا كبيرا من الاختبارات الرصدية والتجريبية دون الحاجة إلى أي تعديل على نسختها الأصلية. يقول بامبي "إن الاكتشاف المحتمل لثقب أسود فلكي ليس الجسم الذي تنبأت به نظرية أينشتاين، بل إنه على سبيل المثال مشابه للجسم الذي تنبأ به نموذج (كرة الفراء)، سيتطلب مراجعة فهمنا الحالي للجاذبية والزمكان، يرتبط هذان الأخيران ارتباطا وثيقا بأسئلة أساسية وفلسفية مثل أصل وطبيعة كوننا". وتعد التلسكوبات الأرضية ومراصد الموجات الثقالية من أكثر أدوات البشرية تقدما في استكشاف الكون، ومع ذلك يوضح بامبي أن هذه الوسائل تواجه حدودا جوهرية، فيقول "النقطة الجوهرية هي أن الأمر لا يتعلق فقط ببناء تلسكوبات قوية أو مراصد موجات ثقالية لمعرفة المزيد عن الثقوب السوداء، فبدون نماذج نظرية متقدمة تصبح البيانات التي نحصل عليها عديمة الجدوى تقريبا". إن أقرب ثقب أسود مكتشف حتى اللحظة هو "جايا بي إتش 1″، ويقع على بعد 1560 سنة ضوئية، ومع ذلك يعتقد الباحث أن احتمال وجود ثقب أسود قريب لا يتجاوز 25 سنة ضوئية هو احتمال حقيقي ويمكن البناء عليه. ويشرح بامبي "النماذج الحالية لتطور النجوم في مجرتنا تتنبأ بوجود ما بين 100 مليون إلى مليار ثقب أسود ناتج عن انهيار النجوم"، مضيفا "وإذا كنا متفائلين يمكننا أن نستنتج أن أقرب ثقب أسود ربما يكون على بعد أقل من 20 سنة ضوئية منا". وعلى الرغم من أن هذه التقديرات ليست يقينية فإن بامبي يقول بتفاؤل "لا يمكنني الجزم بالطبع، لكنها استنتاجات معقولة، وأتوقع في غضون 10 سنوات تقريبا، إما أن نكتشف ثقبا أسود بهذا القرب أو نستنتج عدم وجوده، ونحن نعمل على هذا بالفعل". السفر بين النجوم أحد التحديات الكبرى هو طريقة الوصول إلى هذا الثقب الأسود، إن التكنولوجيا التقليدية مثل الصواريخ الكيميائية أو الدفع النووي وغيرها من التقنيات المستخدمة غير مناسبة لمثل هذه الرحلة. ويشير بامبي إلى تقنية واعدة، ويقول "اليوم، تعد المركبات النانوية المدفوعة بأشعة ليزر قوية من الأرض الخيار الواعد"، مضيفا "وهناك مجتمع كبير يعمل على تطوير هذه التقنية". تتكون هذه "المركبات النانوية" من شريحة بوزن غرام واحد مزودة بكافة المعدات العلمية مثبتة على شراع خفيف يعكس أشعة الليزر لتوفير الدفع، قد تصل سرعة مركبة مشابهة إلى ثلث سرعة الضوء، ثم تصل إلى ثقب أسود قريب في غضون 60-70 سنة. ومن بين أهم أهداف المهمة هو التحقق من وجود "أفق الحدث"، وهو الحد الذي لا يمكن عنده لأي شيء الفكاك من جاذبية الثقب الأسود ولا حتى الضوء، ووفقا للنظرية النسبية فإن أي جسم يقترب من أفق الحدث سيظهر للمراقب الخارجي وكأنه يتباطأ تدريجيا حتى تختفي. التجربة التي يقترحها الباحث مبنية على تلك الفكرة تحديدا، يشرح بامبي "إذا تلاشت إشارة المسبار تدريجيا كما تتنبأ نظرية أينشتاين فهذا يدعم صحة النظرية، أما إذا توقفت فجأة كما تقترح بعض النماذج البديلة كنموذج (كرة الفراء) فسيكون لذلك تأثير هائل على فهمنا للجاذبية والكون". لكنه تصور لا يخلو من التحديات التقنية، ورغم التحديات فإن بامبي يعتقد "لا شيء يبدو مستحيلا من الناحية التقنية، فقط نحتاج إلى أن يحالفنا الحظ بوجود ثقب أسود قريب بما فيه الكفاية". ثمن باهظ قد يكلف بناء مصفوفة الليزر اللازمة لتسريع هذه المركبة النانوية نحو تريليون يورو بالتكنولوجيا الحالية، لكن بامبي يشير إلى أن تكلفة هذه التكنولوجيا تتناقص بسرعة، فخلال 30 عاما قد تصل إلى مليار يورو، وهو ما يعادل تكلفة بعثات فضائية كبيرة اليوم. أما عن مدة المهمة الكاملة من الإطلاق وحتى تلقي البيانات أي بعض الوصول وإرسال البيانات للعودة فقد تمتد إلى 80 أو حتى 100 عام، أي أن معظم العاملين على المشروع لن يكونوا أحياء عند نهايته. ويجيب بامبي "أعلم أن هذا قد يبدو محبطا، لكن هذه ليست المرة الأولى، مشروع (ليزا) لرصد الموجات الثقالية -على سبيل المثال- بدأ اقتراحه في السبعينيات ولن يطلق قبل عام 2035". ويضيف "نحن بحاجة لرؤية طويلة المدى، وعلينا أن نفكر فيما يجب فعله من أجل تقدم البشرية، لا في مصالحنا الشخصية فقط". إذا نجحت هذه المهمة فستكون الأولى التي تمكّن العلماء من إجراء قياسات مباشرة في أقوى حقل جاذبية معروف، مما يمكّنهم من اختبار النظرية النسبية بدقة غير مسبوقة، وربما يقود إلى اكتشاف فيزياء جديدة تتجاوز نظرية أينشتاين للمرة الأولى. يقول بامبي "اكتشاف أن الثقب الأسود لا يتطابق مع تنبؤات أينشتاين وأنه ربما يشبه ما تنبأت به نماذج مثل (كرة الفراء) سيتطلب إعادة نظر شاملة في فهمنا للجاذبية والزمان والمكان". بين التوقعات النظرية والتحديات التقنية والرؤية المستقبلية تقف هذه المهمة كبوابة محتملة لفصل جديد في علم الفلك والفيزياء النظرية، وإذا كان الطريق طويلا فإن الفكرة بحد ذاتها تلهم أجيالا من العلماء لاستكشاف المجهول. هل ستشهد العقود المقبلة انطلاق أول مركبة نحو أفق الحدث؟ هذا ما سيجيب عنه المستقبل، لكن الأكيد أن العلماء قد رسموا بالفعل أول خطوة في هذا الطريق المدهش.

"الروبوتات الذئاب".. آلات صينية تحاكي سلوك القطيع في ساحات المعارك
"الروبوتات الذئاب".. آلات صينية تحاكي سلوك القطيع في ساحات المعارك

الجزيرة

timeمنذ 21 ساعات

  • الجزيرة

"الروبوتات الذئاب".. آلات صينية تحاكي سلوك القطيع في ساحات المعارك

"الروبوتات الذئاب"، أو "الذئاب الآلية"، هي منظومة روبوتات قتالية رباعية الأرجل، كشفت عنها الصين عام 2024، صُممت للعمل بأسلوب "قطيع الذئاب" وتحقيق تنسيق جماعي ذكي في ساحات المعارك. تتميز بقدرات متعددة تشمل الاستطلاع والهجوم ونقل الإمدادات، مع توزيع دقيق للمهام بين وحداتها. ويتألف الفريق من "ذئب قائد" للاستطلاع و"ذئب رام" للهجوم و"ذئب لوجستي" لنقل الذخائر، بما يضمن استمرارية العمليات بكفاءة في الميدان. كشفت "مجموعة جنوب الصين لصناعة الأسلحة والمعدات" أثناء معرض تشوهاي الجوي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عن أحدث ابتكاراتها المتمثلة في "الذئب الآلي"، وأجرت عرضا حركيا له. ووفقا لوسائل إعلام صينية، صُمم هذا الجهاز القتالي البري وفقا لمفهوم القتال بأسلوب "قطيع الذئاب"، ويتميز بوظائف متعددة تشمل الاستطلاع والهجوم ونقل الإمدادات مع توزيع واضح للمهام بين المجموعة. وعبر الاستفادة من مفهوم "القتال السربي"، تستطيع الروبوتات الرباعية الأرجل التنسيق والعمل معا مثل قطيع ذئاب حقيقي. وفي ساحات القتال الخطرة، يمكن للذئاب الروبوتية أن تحل محل الجنود والكلاب العسكرية، مما يقلل من الخسائر ويضمن توزيعا واضحا للعمل. المواصفات والقدرات صُمم روبوت "الذئب الآلي" بـ4 أرجل، ويبلغ وزنه نحو 70 كيلوغراما، وله قدرة عالية على الحركة المرنة في المناطق الجبلية والأنقاض، ويصل زمن تشغيله من دون انقطاع إلى 3 ساعات. كما يمكن لأكثر من 30 وحدة منه أن تتشكل تلقائيا في شبكة اتصال مستقلة، مما يُبرز خصائص العمل التعاوني بأسلوب "قطيع الذئاب". وبالمقارنة مع "الكلب الآلي" المستخدم لدى بعض القوات العسكرية في العالم، شهد "الذئب الآلي" تطورات كبيرة في مجالات متعددة، تشمل: قدرات الاستطلاع: زود برادارات ليزر متعددة وكاميرات جانبية، تمكنه من تغطية محيطه بزاوية 360 درجة والتعامل مع تضاريس متنوعة. دقة الضربات: طور الروبوت ليكون قادرا على تنفيذ ضربات دقيقة لمسافات تصل إلى مئات الأمتار، مما يجعله أداة فعالة في ساحة المعركة. كفاءة الاتصال: بفضل نظام القتال الجماعي الذكي، يتمكن "الذئب الآلي" من العمل بكفاءة حتى في المدن والمناطق الجبلية والبيئات التي تضعف فيها شبكات الاتصال. أذرع آلية متعددة المهام: النسخ المزودة بأذرع روبوتية قادرة على تحديد الأهداف والتقاطها تلقائيا، مما يجعلها مناسبة ليس فقط للأغراض العسكرية، بل أيضا لمهام الإنقاذ والإطفاء. توزيع المهام يتكون فريق القتال في نظام "قطيع الذئاب الآلي" من وحدات تؤدي مهام متخصصة وفقا لتوزيع دقيق للوظائف، وتنقسم إلى: إعلان الذئب القائد: وهو روبوت الاستطلاع والكشف، ويُكلف بمهام الاستطلاع في الخطوط الأمامية، إذ يجمع معلومات الأهداف ويرسل صور الاستطلاع إلى مركز القيادة. الذئب الرامي: وهو روبوت يمكن تزويده ببندقية أو غيرها من الأسلحة، لتنفيذ ضربات دقيقة ضد الأهداف المحددة. ذئب الدعم اللوجستي: ويؤدي دور "المساعد" ويتميز بقدرة التتبع التلقائي، وهو قادر على نقل نحو 20 كيلوغراما من الإمدادات والذخيرة في كل مرة، مما يضمن توفير الموارد بسرعة للوحدات، والحفاظ على جاهزيتها القتالية المستمرة. ويُظهر القطيع قدرة عالية على العمل في التضاريس المعقدة جنبا إلى جنب مع القوات البشرية. وتعكس هذه القدرات مسعى الصين إلى تطوير آلات قتالية ذكية تُحاكي السلوك الحيواني الجماعي، وتوفر حلولا ميدانية فعالة في أصعب ظروف القتال.

حرب على "آلة التفكير" بين الصين وأميركا.. من يبتلع من؟
حرب على "آلة التفكير" بين الصين وأميركا.. من يبتلع من؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

حرب على "آلة التفكير" بين الصين وأميركا.. من يبتلع من؟

هذا قرنٌ مفعمٌ بالصراع، بيد أن هذا الصراع فيه بين القوى العظمى لم يعد تقليديًا؛ فلم تعد معادلة القوة الكبرى تُحسب بعدد الدبابات، ولا تُقاس بمَدَيات الصواريخ العابرة للقارات. ما بات يحدّد التوازن اليوم هو حجم السحابة الرقمية، وسرعة المعالج، ومدى دقة الخوارزمية. في عالمٍ انقلبت فيه خرائط الهيمنة من الجغرافيا إلى البيانات، تدور واحدة من أخطر وأعمق المواجهات في التاريخ المعاصر: السباق بين الولايات المتحدة والصين على الزعامة في الذكاء الاصطناعي. هذه ليست منافسة بين شركتين أو مختبرين، بل تنافس حضاري يمتد من أقبية مراكز الأبحاث السرية إلى طوابق البنتاغون ، ومن أبراج بكين إلى جامعاتها التي تفور بعقول جيل جديد. لقد بات الذكاء الاصطناعي، بما فيه من نماذج لغوية، ومسيّرات حربية، وأنظمة معقدة، العدسة التي تُقاس من خلالها المسافة الحضارية بين أمّتين. في العام ٢٠٣٠، تعهّدت الصين صراحة بتجاوز الولايات المتحدة وبلوغ الريادة العالمية في الذكاء الاصطناعي. الردّ الأميركي لم يطل: حزم من التمويل، وسباق محموم على المعالِجات، وتحالفات ضخمة مع شركات وادي السيليكون. هذه المقالة تحكي قصة الصراع المركّب، مفكّكة أدواته ومجالاته: من الجبهة السيبرانية إلى ساحة المعركة، ومن أقبية المختبرات العلمية إلى خوارزميات صناعة الرأي العام. سنغوص في عمق التحولات الاستراتيجية، ونتفحّص ساحات الحروب الجديدة. الساحة الأولى: البرمجيات والمعلومات في سباق التسلح التكنولوجي المعاصر، تتجه كل من الصين والولايات المتحدة بقوة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في صميم بنيتها العسكرية، وتحديدًا في أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسيب والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (C4ISR). لكن الرؤية الصينية تتجاوز مجرد تحديث الأنظمة القائمة؛ ففي فكرها الإستراتيجي، يُعتبر الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة حجر الزاوية لدعم اتخاذ القرار، وتحديد الأهداف، بل وحتى شن ما يُعرف بـ"الحرب المعرفية أو حرب الوعي". وفي إطار ذلك، يُطلق الجيش الصيني على المرحلة التالية من العمليات العسكرية اسم "الحرب الذكية" (Intelligentized Warfare)، وهو إطار عمل متكامل يقوم فيه الذكاء الاصطناعي بالربط بين المستشعرات ومنصات الإطلاق، وأتمتة معالجة معلومات ساحة المعركة، وصولًا إلى استهداف عمليات صنع القرار لدى الخصم نفسه. وعلى الصعيد العملي، بدأت شركات الدفاع الصينية تسويق أنظمة تعكس هذه الرؤية، مثل "نظام الضربات الدقيقة الذكي" من شركة "نورينكو". حيث قام هذا النظام أوتوماتيكيًّا بإرسال طائرات مسيّرة خلال مناورات جيش التحرير الشعبي ، مستخدمًا بياناتها الفورية لـ"نمذجة ساحة المعركة، وتتبع الأهداف، ووضع خطط الهجوم، وتوزيع معلومات إطلاق النار، وتنفيذ ضربات المتابعة". تُظهر هذه التجارب طموح بكين لطمس الحدود الفاصلة بين أدوار الإنسان والآلة. ففي مقاطع فيديو من معرض "تشوهاي" العسكري الأخير، اتضح أن سلسلة تتبع الأهداف وتخطيط الضربات بأكملها تقريبًا كانت تتم بشكل أتوماتيكي مستقل، مع اقتصار الدور البشري على إعطاء الموافقة النهائية على الإطلاق. ويؤكد المعلقون الصينيون أن هذه المنظومات المترابطة من الأسلحة والمستشعرات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تشكل ما يسمونه "شبكات قتل ديناميكية" عابرة لمختلف ميادين القتال (البرية والبحرية والجوية). خلاصة القول، إن سعي الصين لتوظيف الذكاء الاصطناعي لا يهدف فقط إلى تسريع المهام الروتينية، بل يتعداه إلى تشكيل عقول الخصوم. ويوضح محللون إستراتيجيون أن الكتابات الصينية حول "الحرب الذكية" تركز صراحةً على "الحرب المعرفية أو حرب الوعي"، أي استخدام الذكاء الاصطناعي "للسيطرة المباشرة على إرادة العدو"، بدءًا من كبار القادة وصولًا إلى السكان المدنيين. بعبارة أخرى، لا ترى بكين في الذكاء الاصطناعي أداة للقوة النارية فقط، بل أيضًا للدعاية وعمليات التأثير، علمًا بأنها اتُّهمت مرارًا برعاية حملات تجسس سيبراني متطورة مثل تلك التي تقوم بها مجموعة "APT41" أو "التنين الثنائي". في المقابل، يستثمر الجيش الأميركي كذلك بكثافة في أدوات الذكاء الاصطناعي لحروب عصر المعلومات، ولكن بمنطلقات إستراتيجية مغايرة. يتحدث البنتاغون اليوم عن تحقيق ما يسميه "التفوق القراري" للقادة الميدانيين، وذلك عبر توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات في كافة أفرع القوات المسلحة. تأتي في صميم هذا التوجه مبادرات أميركية رئيسية مثل "القيادة والسيطرة المشتركة لجميع الميادين" (JADC2)، التي تهدف إلى ربط الأقمار الصناعية والسفن والطائرات والأدوات السيبرانية والوحدات الأرضية في شبكة واحدة متكاملة وسلسة. ويُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه العصب المحوري لهذه المنظومة؛ حيث ستقوم الخوارزميات بدمج المعلومات الاستخبارية من مختلف الميادين (المسيّرات، المستشعرات، الأقمار الصناعية، الاعتراضات السيبرانية، وغيرها) وتقديمها في خلاصة ورؤى فورية للقادة. وكمثال آخر، يوظف "مشروع مايفن" (Project Maven)، وهو ثمرة شراكة سابقة لم تعد قائمة اليوم بين شركة غوغل والبنتاغون، تقنيات "رؤية الآلة" في الطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية في ساحة المعركة للكشف التلقائي عن الأفراد أو المركبات أو الصواريخ ضمن بث الفيديو المباشر. وفي ندوة حول الذكاء الاصطناعي عُقدت مطلع عام ٢٠٢٤ حث كريغ مارتل، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في البنتاغون، الحاضرين على تخيل "عالم يستطيع فيه القادة المقاتلون رؤية كل ما يحتاجون إليه… دون انتظار تقارير أو عروض تقديمية". بعبارة أخرى، سيقوم الذكاء الاصطناعي بصياغة الوعي الموقفي للقائد بشكل مباشر وفوري. كما تختبر القوات الأميركية العمليات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل الفحص الآلي للشبكات بحثًا عن نقاط الضعف أو التحليل التنبؤي للتهديدات. خلاصة القول، أن النهج الأميركي يركز على الذكاء الاصطناعي باعتباره "مُضاعِفًا للقوة" (Force Multiplier)؛ فهو يعمل على أتمتة التحليلات المُرهِقة، ورصد الأنماط وسط بحر هائل من البيانات القادمة من المستشعرات، وتقديم توصيات سريعة ليتمكن القادة البشر من اتخاذ قراراتهم بشكل أسرع وأكثر فاعلية. (على سبيل المثال، قام سلاح الجو الأميركي بتصميم نماذج أولية لـ"حزم أدوات" ذكاء اصطناعي للقيادة والسيطرة السحابية، بحيث يمكن تحليل بيانات مثل الاتصالات اللاسلكية أو كاشفات الأهداف المتحركة بواسطة أدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي). لكن على الرغم من هذا التسابق المحموم، يدرك الطرفان حجم الأخطار الكامنة. ففي حين يخشى المخططون الأميركيون من مغبة الاعتماد المفرط على هذه التقنيات أو تعرضها لهجمات إلكترونية معادية، يحذر المحللون في جيش التحرير الشعبي من أن الثقة المفرطة والوهمية في تحقيق "الهيمنة المعرفية" قد تقود إلى قرارات خاطئة تضلل القيادة. إلا أن المنشورات الرسمية الصينية لا تترك مجالًا للشك في أنها ماضيةٌ بقوة في دمج الذكاء الاصطناعي في صلب عملياتها المعلوماتية والحرب النفسية. تشير دراسة أجرتها مؤسسة "راند" للعقيدة العسكرية لجيش التحرير الشعبي إلى أن الصين أصبحت تعتبر "الحرب النفسية" أحد المكونات الرئيسية للحرب الحديثة، مستفيدةً من أدوات متقدمة كتحليلات البيانات الضخمة وتقنيات مسح الدماغ للتنبؤ بسلوك العدو أو التأثير فيه. وتعكس عقيدة الجيش الصيني تركيزًا متزايدًا على "الحرب المعرفية أو حرب الوعي"، التي تهدف إلى السيطرة على تصورات الخصم وقراراته باعتبارها مفتاحًا لتحقيق النصر. ويُعزّز هذا التوجه بجهود الأفرع الجديدة في الجيش، مثل "قوة الدعم المعلوماتي" و"قوة الدعم الإستراتيجي"، التي توحّد قدراتها في مجالات الفضاء السيبراني والفضاء الخارجي والاستخبارات الإلكترونية، لتوظيف الذكاء الاصطناعي في الدعاية، والرسائل المضادة، والحرب الإلكترونية. وفي هذا الإطار الأوسع لحرب المعلومات، تستخدم الصين والولايات المتحدة الذكاء الاصطناعي لتحليل الرأي العام ونشر الدعاية أو المعلومات المضللة، حيث تُسهم الروبوتات (البوتات) المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تضخيم الروايات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتصميم محتوى "تزييف عميق" (deepfake) لتشويه سمعة القادة، وتنفيذ عمليات نفسية (psyops) موجهة لفئات ديموغرافية محددة. وقد حذر تقرير حديث من مايكروسوفت من عمليات تأثير صينية تعتمد على محتوى من إنتاج الذكاء الاصطناعي للتأثير في الرأي العام في الولايات المتحدة ودول أخرى. في المقابل، تبقى العقائد العسكرية الأميركية الرسمية أكثر تحفظًا في تناولها المعلن للحرب المعلوماتية، إذ تركز "العقيدة المشتركة" الأميركية على "العمليات المعلوماتية" -بما في ذلك العمليات النفسية، والحرب الإلكترونية، والخداع السيبراني- ولكن في إطار دفاعي وإستراتيجي إلى حد كبير، مع تركيز الاستثمارات الأميركية على مواجهة حملات التضليل الأجنبي وكشف تقنيات التزييف العميق والروبوتات الخبيثة باستخدام الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، يركز الجنرالات الأميركيون على التقنيات التي تساعد الجنود على الرؤية والرمي، بدلًا من استهداف العقول بشكل صريح. كما لم تتبنَّ أي وثيقة إستراتيجية أميركية رسمية حتى الآن دعوات صريحة مشابهة للرؤية الصينية بضرورة "السيطرة على إرادة العدو". ومع ذلك، تبقى التقنيات الأساسية التي يستخدمها الطرفان -مثل التنقيب في البيانات، وتحليل المشاعر، والرسائل الموجهة- متشابهة إلى حد كبير. فوكالات الدفاع الأميركية تمول أبحاثًا في الجوانب المعرفية للذكاء الاصطناعي (مثل أبحاث وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة "داربا"، حول الإدراك البشري، وكشف الكذب القائم على الذكاء الاصطناعي) ومكافحة الدعاية المعتمدة عليه. لكن الفارق الجوهري يكمن في أن استخدام الذكاء الاصطناعي في السياق العسكري الأميركي محكومٌ بقيود قانونية وأخلاقية أكثر صرامة، مثل السياسات التي تفرض وجود "سيطرة بشرية فاعلة" على الأسلحة الفتاكة. على النقيض من ذلك، تعمل المنظومات الصينية بتوجيه مباشر من الدولة وفي ظل قيود محدودة جدًّا على الخصوصية، مستخدمةً شبكات المراقبة الداخلية الهائلة في الصين كحقل تجارب لتدريب وتطوير خوارزمياتها. الساحة الثانية: الأسلحة والعتاد تسعى كل من القوتين (الولايات المتحدة والصين) إلى دمج الذكاء الاصطناعي في العتاد العسكري المادي من أجل إنتاج جيل جديد من الأسلحة الآلية المستقلة وشبه المستقلة، من السماء إلى الأرض، بدءًا من أسراب الطائرات المسيّرة جوًّا، وصولًا إلى "الكلاب الآلية" والمركبات الأرضية الموجّهة، وذلك بهدف تقليل الأخطار على الجنود ومضاعفة حجم القوات. يحتدم السباق بشكل خاص في مجال الطائرات المسيّرة المستقلة. يمتلك الجيشان الأميركي والصيني سلالات متعددة من الطائرات المسيّرة المخصصة لمهام المراقبة والهجوم والتمويه. ففي الصين -التي تعد مُصَدِّرًا رئيسيًّا للطائرات المسيّرة- تنتج شركتا "تشنغدو" و"CAIC" طائرات مسلحة مسيّرة مثل سلسلة "وينغ لونغ" و"CH"، التي تم تصديرها وشوهدت بالفعل في مناطق الصراع (مثل أوكرانيا والشرق الأوسط). في المقابل، يستخدم الجيش الأميركي طائرات "إم كيو-٩ ريبر" و"إم كيو-١ بريديتور" لتوجيه ضربات دقيقة، إضافة إلى منصات تجريبية أخرى مثل "إم كيو-٢٥ ستنجراي" (طائرة تزويد وقود مستقلة). ولكن الرؤية تتجاوز مجرد استخدام طائرات فردية، لتصل إلى مفهوم "أسراب المسيّرات". ووفقًا لتقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس في يناير/كانون الثاني ٢٠٢٤ فإن المخططين العسكريين في الولايات المتحدة والصين "يستعدون لنوع جديد من الحروب"، تعمل فيه الطائرات المسيّرة الجوية والقوارب المسيّرة البحرية المدعومة بالذكاء الاصطناعي "معًا مثل أسراب النحل" لسحق العدو. في مثل هذه السيناريوهات، يمكن لمشغل واحد أن يشرف على عشرات المسيّرات في آن واحد، حيث تكون المجموعات مبرمجة مسبقًا للاستطلاع أو الهجوم أو تغيير مسارها دون الحاجة إلى إدارة تفصيلية دقيقة، وقد كان هجوم أسراب المسيّرات الأوكرانية على قاذفات الصواريخ الروسية في منتصف ٢٠٢٥ مثالًا عمليًّا على هذه التكنولوجيا ذات التكلفة المنخفضة نسبيا والكفاءة العالية. لهذه الأسباب يؤكد الإعلام والمحللون في الصين أن أسراب المسيّرات أصبحت "حتمية"، مما يجعل تطويرها ضرورة قصوى. وفي الواقع، تشير تقارير تايوانية حديثة إلى أن الجيش الصيني قد حشد عشرات الآلاف من الطائرات المسيّرة، ويستكشف إضافة قوارب وغواصات مسيّرة إلى ترسانته العسكرية. وردًّا على ذلك، موّل البنتاغون الأميركي صراحةً جهودًا لإنتاج آلاف الطائرات المسيّرة الرخيصة والمعدة للاستخدام مرة واحدة، وذلك كقوة ردع حول تايوان، بحجة أن مواجهة الحشد الصيني الهائل من المسيّرات يتطلب من أميركا أيضًا إغراق ساحات المعارك المحتملة بمركبات آلية منخفضة التكلفة، وهو ما أسماه الأدميرال "سامويل بابارو" قائد القيادة الأميركية في المحيطين الهادي والهندي، خطّة تحويل مضيق تايوان إلى "جحيم بلا طيارين". خلاصة القول، رغم أنه من غير الواضح أي جانب يمتلك التفوق التقني، فإن كليهما ينظر إلى تكتيكات أسراب الطائرات المسيّرة كسباق تسلح جديد أشبه بالحرب الباردة. وكما يصف أحد المحللين الوضع، فإن "احتواء أسراب المسيّرات… سيكون أصعب بكثير من احتواء الأسلحة النووية"، خاصة إذا وقعت في أيدي جهات فاعلة من غير الدول. أما على الأرض، فقد كشفت شركات الروبوتات في كلا البلدين عن مركبات موجهة تتخذ أشكالًا متنوعة، بعضها يحاكي الحيوانات والبعض الآخر يأتي على هيئة صناديق. وكانت "الكلاب الآلية" الرباعية الأرجل هي الأكثر لفتًا للأنظار. ففي الولايات المتحدة، عقدت شركات مثل "جوست روبوتكس" (Ghost Robotics) و"بوسطن ديناميكس" (Boston Dynamics) شراكات مع الجيش لأغراض تأمين القواعد والاستطلاع. وكمثال على ذلك، قامت القوات الجوية والفضائية الأميركية في أوائل عام 2023 بنشر روبوتات رباعية الأرجل في قواعد مثل "تيندال" و"كيب كود" لتسيير دوريات في محيطها. وتحمل هذه الروبوتات الأميركية أجهزة استشعار (مثل الكاميرات الحرارية والرادارات) ووسائل ردع غير فتاكة كرذاذ الفلفل أو صفارات الإنذار، لكن السياسة الأميركية الحالية تمنع تسليحها بأسلحة فتاكة. في المقابل، كانت الشركات الصينية أكثر جرأة. في تدريبات عسكرية بثها التلفزيون عام ٢٠٢٤، ظهر جنود من جيش التحرير الشعبي الصيني وهم يتدربون على اقتحام الغرف بمساعدة كلب آلي صيني -مُصنّع من قبل شركات صينية مثل "ينيتري"- مثبتة عليه بندقية هجومية قياسية، قادر على دخول المباني بشكل مستقل لقمع الأهداف عن بعد. كما أظهرت مقاطع فيديو من شركة "كيستريل ديفينس" الصينية روبوتات رباعية الأرجل يتم إنزالها جوًّا بواسطة طائرات مسيّرة، وهي مسلحة برشاشات أو ذخائر تجسسية انتحارية أو قاذفات قنابل. ولهذا، يلاحظ المحللون أن الجيش الأميركي أصبح "في سباق محموم لتسليح الروبوتات الرباعية الأرجل" لمواكبة التطورات الصينية. لا يقتصر السباق على الروبوتات الكلبية، بل يمتد ليشمل المجال الأوسع للمركبات الأرضية الموجّهة. على سبيل المثال، أجرى الجيش الأميركي تجارب على مركبات "ميول" (Mule)، وهي بمثابة حمّالات آلية لنقل العتاد، إضافة إلى دبابات تعمل بدون طاقم. كما أظهرت تحديات مثل "التحدي تحت الأرضي" الذي أطلقته وكالة "داربا"، ومناورات عسكرية حديثة، قدرة الروبوتات الأميركية ذات العجلات والجنازير (مثل روبوت "أطلس" في نسخته ذات العجلات) على دخول الأنقاض والكهوف. ولدى الصين مشاريع مكافئة؛ إذ تعمل كبرى شركات الدفاع مثل "نورينكو" و"أفيك" على تطوير مركبات أرضية مجنزرة لمرافقة المشاة أو إلقاء قنابل الدخان أو حمل أجهزة الاستشعار إلى المناطق الخطرة تحديدا في البيئات الحضرية. ولديها أيضًا نماذج أولية لروبوتات شبيهة بالبشر. علاوة على ذلك، تتصدر الصين مجال المسيّرات البحرية، حيث تختبر سفنًا سطحية وغواصات مسيّرة. فقد أوردت وسائل الإعلام الصينية تقارير عن تجارب بحرية لقوارب هجومية شبحية مستقلة وغواصات استطلاع، يُزعم أنها موجهة بالكامل بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي. في المقابل، تعمل البحرية الأميركية بدورها على تطوير نماذج أولية لأسراب من المسيّرات فوق سطح الماء وتحته، كما يتجلى في برامج مثل "أوركا" (Orca) و"أسطول الأشباح" (Ghost Fleet Overlord). إجمالًا، يبدو سباق العتاد أشبه بماراثون من النماذج الأولية والبرامج الرائدة. وقد أصبح جيشا البلدين يعرضان بانتظام فرقهما الآلية في المناورات العسكرية. ففي الصين، تتفاخر وسائل الإعلام الرسمية بمناورات "التنين الذهبي" التي يجريها جيش التحرير الشعبي، حيث استُخدمت كلاب آلية مزودة بأسلحة وطائرات كوادكوبتر مجهزة بأنظمة تشويش لاستطلاع البيئات الحضرية. أما في الولايات المتحدة، فتُبرز البيانات الصحفية وطلبات الميزانية الخاصة بأفرع الجيش عشرات الاختبارات التي أُجريت على الكلاب الآلية والطائرات المسيّرة. ففي غضون ثلاث سنوات فقط، وسّع الجيش الأميركي استخدام الكلاب الآلية من مجرد تجارب محدودة إلى "عدد متزايد من التطبيقات" باعتبارها أدوات "لمضاعفة القوة". كما تبرز في هذا السياق الشراكات مع شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون وغيرها من الشركات العالمية. ففي الجانب الأميركي، تتعاون شركات مثل "شيلد إيه آي" (Shield AI) و"ريثيون" (Raytheon) و"جوست روبوتكس" (Ghost Robotics) مع وزارة الدفاع. كما يمتلك عمالقة التكنولوجيا في الصين مثل "هواوي" و"آي فلاي تيك" (iFlyTek) و"دي جيه آي" (DJI) (عبر شركات تابعة لها) وحدات متخصصة تعمل على تطوير الروبوتات العسكرية. باختصار، لقد ضاقت الفجوة التكنولوجية بين الجانبين. صحيح أن الولايات المتحدة لا تزال تطور منصات فريدة (مثل الطائرات المسيّرة المرافقة للمقاتلات من بوينغ أو الروبوتات الثقيلة من بوسطن ديناميكس)، إلا أن قدرة الصين على الإنتاج الضخم للروبوتات المنخفضة التكلفة (سواء المسيّرات أو المركبات الأرضية) وسوقها المحلية الضخمة، تزيد بسرعة من أعدادها المنتشرة في الميدان. وكما يحذر أحد محللي الدفاع، فإن التقدم الذي يحرزه الطرفان في عتاد الأسلحة الذكية "يجعل من هذه القضية مسألة تمس الاستقرار العالمي"؛ فكلما انتشرت الأسلحة المستقلة، زاد خطر التصعيد غير المقصود أو انتشارها خارج السيطرة. الساحة الثالثة: النماذج والتطبيقات غير الحربية في ساحة بعيدة كل البعد عن الدبابات والطائرات الحربية، يتجلى سباق التقدم العلمي في عالم الذكاء الاصطناعي بوضوح، خاصةً في ميدان الذكاء الاصطناعي التوليدي ونماذج اللغة الكبيرة (LLMs). فلقد أصبحت روبوتات المحادثة والخدمات الذكية أيقونات دالة على الريادة والتفوق التقني للدول. ففي المعسكر الأميركي، تبرز أسماء لامعة مثل "تشات جي بي تي" من شركة "أوبن أيه آي" و"جيميني" من غوغل، و"كلود" من أنثروبيك. أما في الصين، فقد أطلقت شركات الذكاء الاصطناعي المحلية عمالقتها المنافسين، ومنهم على سبيل المثال: "ديب سيك" (وهو روبوت محادثة أطلقته شركة ناشئة في مدينة هانغتشو)، و"إرني بوت" من بايدو، و"كوين" من علي بابا، و"سبارك ديسك" من آي فلاي تيك، و"سينس نوفا" من سينس تايم، وغيرها الكثير. وتخضع هذه النماذج للمقارنة ليس فقط بناءً على قدراتها التقنية -كفهم اللغة، والاستنتاج المنطقي، والمهارات المتعددة اللغات- بل أيضًا بناءً على الميزات والخصائص التي تصوغها الاعتبارات السياسية. أما على صعيد الأداء الفعلي، فقد أعلنت النماذج الصينية تحقيق قفزات نوعية. على سبيل المثال، كشفت شركة "ديب سيك"، وهي شركة ناشئة تأسست عام ٢٠٢٤ في مقاطعة جيجيانغ، عن نموذجها "ديب سيك آر ١" الذي يضم مليارات المعلمات، وتزعم أن قدراته في الرياضيات والاستدلال تضاهي أحدث نماذج شركة "أوبن أيه آي". ويؤكد مطورو النموذج أن "ديب سيك" يتفوق على "تشات جي بي تي" و"كلود" في اختبارات الاستدلال المنطقي بنسبة تتراوح بين ٧٪ و١٤٪، وأن تكلفة تدريبه لا تتجاوز جزءًا ضئيلًا من تكلفة منافسيه (حوالي ٦ ملايين دولار مقابل أكثر من ١٠٠ مليون دولار). وكذلك خلال المؤتمر الصيني للذكاء الاصطناعي لعام ٢٠٢٤، أعلنت الشركات المحلية عن تكافؤ نماذجها مع النماذج الغربية أو حتى تفوقها عليها. فقد أعلنت بايدو أن نموذجها "إرني بوت" يعادل أداء "جي بي تي-4" في اللغة الإنجليزية، وصرحت علي بابا بأن نموذجها "كوين-ماكس" حقق نتيجة تعادل "جي بي تي-4 توربو"، وكشفت آي فلاي تيك عن "سبارك ديسك 4.0" الذي يحقق "تقدمًا ملحوظًا" على "جي بي تي-4 توربو" في مجالات توليد النصوص، والاستدلال، والفهم المتعدد اللغات. تجدر الإشارة إلى أن بايدو وعلي بابا تعتمدان غالبًا على مقاييس أداء داخلية، مما يدفع الخبراء الغربيين إلى الدعوة لتوخي الحذر عند تقييم هذه الادعاءات. ومع ذلك، فإن هذه التصريحات تؤكد على الأقل أن نماذج اللغة الصينية الكبيرة تلحق بالركب بخطى متسارعة. ولتبيان الأثر والتهديد الاقتصاديين؛ ذكرت وسائل الإعلام المتخصصة في التكنولوجيا أن تطبيق "ديب سيك" للهواتف الذكية تصدر قوائم متجر التطبيقات الأميركي فور إطلاقه، مما أثر لفترة وجيزة في ثقة المستثمرين في شركة إنفيديا، عملاق صناعة الرقائق الإلكترونية وأدى إلى انهيار ملحوظ وحاد في سوق الأسهم الأميركية بمقدار 2 تريليون دولار. إلا أن التشابه بين المعسكرين تجاوز مجرد القدرات التقنية الخام وتعمق ليشمل المبادئ الأساسية. تخضع نماذج اللغة الصينية لرقابة حكومية صارمة، فجميع روبوتات المحادثة الصينية المتاحة للجمهور مبرمجة لحجب أي محتوى يُعتبر حساسًا من الناحية السياسية. وكما أظهر تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإن روبوت "ديب سيك" يرفض الإجابة حتى عن أسئلة واقعية حول أحداث ميدان تيانانمين عام ١٩٨٩. كما ترفض العديد من النماذج الصينية بشكل صريح مناقشة قضايا الدين أو العرق أو أي نقد موجه للحزب الشيوعي. فبموجب القانون، يجب أن تتماشى مخرجاتها مع "القيم الاشتراكية الأساسية"، وأن تتجنب "الشائعات" والأفكار "التخريبية". بشكل مشابه، تقوم النماذج الأميركية أيضًا بتصفية المحتوى (لحظر خطاب الكراهية، أو تعليمات إيذاء النفس، وما إلى ذلك)، لكنها تسمح بشكل عام بالنقاش السياسي المفتوح بشرط أن يوافق توجهاتها. فمثلا، يدعي المحللون أنه عندما يسأل المستخدم "شات جي بي تي" عن حدث تاريخي، فإنه يحصل على إجابة غنية بالمعلومات، بينما يلجأ نظيراه الصينيان "إرني" أو "ديب سيك" إلى المراوغة أو تقديم إجابة منقحة ومُطهرة. ولكن هذا الادعاء يخالف التجربة الواقعية حيث إن "تشات جي بي تي" يراوغ بالإجابة عندما يتعلق السؤال بالقضية الفلسطينية بل أبعد من ذلك يصل إلى حد التفرقة والتمييز بين حق الفلسطيني في الحرية وحق الإسرائيلي فيها. وهكذا، يشكل التحكم في المحتوى وفرض الرقابة محورًا رئيسيًّا مشتركًا. أما التباين فيكمن في الانتشار في الأسواق. فالنماذج الأميركية مثل "تشات جي بي تي" و"جيميني" و"كلود" ونظائرها تتمتع بانتشار عالمي واسع، حيث تُستخدم في تشغيل مليارات المحادثات الشهرية، وتطوير أدوات للشركات، وتحسين محركات البحث، والمساعدة في الكتابة. أما في الصين، فقد شهد استخدام النماذج المحلية طفرة هائلة خلال العام الماضي. ووفقًا لوسائل الإعلام الرسمية، تضاعف عدد مرات تحميل تطبيق "كوين" من شركة "علي بابا" ليصل إلى ٢٠ مليونًا في غضون شهرين فقط. كما أن الانتشار السريع الذي حققه "ديب سيك" مؤخرًا، على الرغم من التوترات الجيوسياسية، يعد مؤشرًا على الاهتمام العالمي؛ فقد أقبل عليه المستخدمون بكثافة في الصين، بل وفي بعض الدول الأخرى أيضًا، وإن كانت بعض الحكومات، مثل أستراليا وإيطاليا، قد سارعت إلى حظره مؤقتًا لدواعٍ أمنية. واللافت للنظر هنا هو المفارقة الواضحة: فبينما يكاد ينعدم حضور عمالقة الذكاء الاصطناعي الأميركيين في السوق الاستهلاكية الصينية بسبب القيود التنظيمية، نجد أن الشركات الصينية، في المقابل، تسعى بنشاط للترويج لتقنياتها في الأسواق الخارجية. إذ تقوم بدعم مزودي الحلول وعقد الشراكات في الأسواق الناشئة، فعلى سبيل المثال، تقدم شركة هواوي حزمًا متكاملة تضم أدوات الذكاء الاصطناعي مع معداتها لشبكات الاتصالات في أفريقيا. في الواقع، يتجاوز تأثير الذكاء الاصطناعي حدود المجالات العسكرية والخدمات الاستهلاكية، ليُحدث ثورة حقيقية في ميادين العلوم والهندسة في كل من الولايات المتحدة والصين. فمن اكتشاف الأدوية وتصميم المواد إلى المحاكاة الفيزيائية، يستفيد الباحثون في كلا الجانبين من تقنيات تعلم الآلة لمعالجة أعقد المشكلات. فمثلا في مجال اكتشاف الأدوية والطب الحيوي، يُسرّع الذكاء الاصطناعي من وتيرة البحث عن علاجات جديدة. ففي الولايات المتحدة، تستخدم عشرات شركات التكنولوجيا الحيوية تقنيات التعلم العميق لتصميم الجزيئات الدوائية أو التنبؤ بالبنى البروتينية. ويُعد "ألفا فولد" (AlphaFold) الذي طورته شركة "ديب مايند" (DeepMind) التابعة لغوغل، المثال الأشهر على ذلك خصوصًا بعد حصول مؤسسها على جائزة نوبل في الكيمياء بسبب "ألفا فولد"؛ فهو يتنبأ بدقة مذهلة بكيفية طي البروتينات، ويُستخدم على نطاق واسع في أبحاث وتطوير الأدوية عالميًّا. كما تموّل مؤسسات أميركية مرموقة مثل معاهد الصحة الوطنية (NIH) والمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) مشاريع ضخمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجالات علم الجينوم، والطب الشخصي، والتأهب للأوبئة (مثل منصة الوقاية من الجوائح التابعة لوكالة "داربا"). بدورها، تستكشف المختبرات الدفاعية مثل "لوس ألاموس" و"أرغون" استخدامات الذكاء الاصطناعي في الرصد البيولوجي وتصميم اللقاحات. ولم تتخلف الصين عن الركب، بل حققت قفزات نوعية في هذا المجال. إذ تتعاون الشركات الصينية الناشئة (مثل شركة "Insilico Medicine" التي تعود جذورها إلى هونغ كونغ، ومختبرات تينسنت، وغيرها) والشركات الحكومية مع عمالقة صناعة الأدوية لتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، أعلنت شركة "Insilico Medicine" في عام ٢٠٢٤ أن عقارها الذي تم تصميمه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي لعلاج مرض رئوي نادر، قد دخل المرحلة الثانية من التجارب السريرية في كل من الصين والولايات المتحدة في وقت واحد، وهي سابقة عالمية لدواء مطوّر بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي. ويشير الرئيس التنفيذي للشركة إلى أن "المنهجية القائمة على الذكاء الاصطناعي" قد اختصرت الجداول الزمنية للتطوير بشكل هائل، وأنها "تُبشّر بتحول جذري في هذه الصناعة". وتدعم الأبحاث والتطوير في القطاعين الحكومي والخاص في الصين هذه القفزات؛ فوزارة العلوم والتكنولوجيا الصينية لديها مشاريع رئيسية في مجال الطب المعتمد على الذكاء الاصطناعي (مثل المستشفيات الذكية وقواعد بيانات الأهداف الدوائية). كما تُجري الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع، التابعة للجيش الصيني، أبحاثًا في الذكاء الاصطناعي الطبي المخصص لإصابات الميدان والمراقبة الصحية. وبشكل عام، يلاحظ المحللون أن الصين تجري اليوم تجارب سريرية أكثر من الولايات المتحدة، وأن قطاع التكنولوجيا الحيوية فيها قد بدأ "يحدد وتيرة التقدم" على الساحة العالمية. خلاصة القول، يضخ كلا البلدين موارد هائلة في مسارات تطوير الأدوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع إظهار الصين حماسًا خاصًّا في مجالي تصميم اللقاحات ودمج الطب الصيني التقليدي في هذه المنظومة الحديثة. وفي مجال هندسة المواد، تؤدّي نماذج الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًّا في البحث عن مركبات مبتكرة وتحسين عمليات التصنيع. أطلقت الولايات المتحدة في هذا الصدد "مبادرة الجينوم للمواد" (Materials Genome Initiative) عام ٢٠١١ بهدف توظيف الحوسبة والبيانات لتسريع وتيرة اكتشاف المواد الجديدة. واليوم، تشكّل أساليب الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في هذه الإستراتيجية. إذ تستخدم المختبرات الوطنية (كمشروع المواد في مختبر لورانس ليفرمور) تقنيات تعلم الآلة للتنبؤ بخصائص السبائك والبوليمرات ومواد البطاريات الجديدة. وعلى الصعيد الأكاديمي، توظف فرق بحثية في جامعات مرموقة مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفارد الشبكات العصبية لتصميم المحفزات الكيميائية ومحاكاة نمو البلورات. وتحذو الصين حذو هذا النهج، حيث موّلت حكومتها مراكز متخصصة في "جينوم المواد" تجمع بين قدرات الحوسبة الفائقة والذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، تنشر جامعة تسينغهوا والأكاديمية الصينية للعلوم أبحاثًا غزيرة حول تصميم المواد الموجَّه بتعلم الآلة. وقد أشار تحليل أوروبي حديث إلى أن "الصين قد تبوأت الصدارة في مجال الأبحاث القائمة على الذكاء الاصطناعي" بشكل عام، ويشمل ذلك علوم المواد[31]. وينعكس هذا التقدم في القطاع الصناعي الصيني أيضًا، فشركات مثل هواوي وبايدو تمتلك مصانع ذكية، كما تستخدم شركات ناشئة مثل "بروبساي" (ProbSci) في شنغهاي الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بخصائص المواد. والجدير بالذكر أن كلا البلدين يستفيدان من مبادرات البيانات الضخمة (مثل قاعدة بيانات "مشروع المواد" المفتوحة في الولايات المتحدة، وقاعدة البيانات الوطنية للمواد في الصين)، التي تُعتبر بمثابة الوقود الذي يغذي نماذج الذكاء الاصطناعي ويزيد من دقتها وفعاليتها. في ميادين الفيزياء والمحاكاة المناخية، يُسرّع الذكاء الاصطناعي من وتيرة إيجاد حلول للمعادلات الرياضية المعقدة. ففي الولايات المتحدة، توظف المختبرات الكبرى (مثل مختبرات وزارة الطاقة، ووكالة ناسا، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا) الذكاء الاصطناعي في نمذجة المناخ، والفيزياء الفلكية (كتحليل بيانات التلسكوبات الفضائية)، والمحاكاة النووية. كما تموّل وزارة الطاقة الأميركية شراكات بحثية متخصصة (مثل معهد "الذكاء الاصطناعي لتغير المناخ"). وعلى صعيد مماثل، تستخدم الصين الذكاء الاصطناعي في مشاريعها العلمية العملاقة؛ حيث تستعين الأكاديمية الصينية للعلوم بتقنيات تعلم الآلة في أبحاث الاندماج النووي (ضمن تعاونها في مشروع "إيتر" الدولي) وفي تحليل البيانات الهائلة الواردة من منشآت ضخمة مثل تلسكوب "فاست" الراديوي أو مصادم بكين للإلكترون والبوزيترون. وعلى سبيل المثال، تساعد الخوارزميات الذكية في رصد موجات الجاذبية ومحاكاة اندماج الثقوب السوداء ضمن مشاريع مشتركة بين الصين والولايات المتحدة في الفيزياء الفلكية. وفي مجال التنبؤ بالطقس، أصبحت كل من إدارة "نوا" الأميركية وإدارة الأرصاد الجوية الصينية تدمج نماذج الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة تنبؤاتها. وتبقى هناك جبهة أخيرة بالغة الأهمية، وهي توظيف الذكاء الاصطناعي في دعم عمليات البحث والتطوير العسكري نفسها، بما يتجاوز مجرد تصميم الأسلحة بشكل مباشر. فلدى القوات الجوية الأميركية ووكالة "داربا" برامج تهدف إلى "تسريع وتيرة الابتكار بالذكاء الاصطناعي"، مثل استخدام تعلم الآلة لتصميم أنظمة الرادار أو محركات الطائرات النفاثة عبر الخوارزميات التوليدية. كما يستخدم مختبر أبحاث الجيش الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة سلاسل الإمداد وجدولة أعمال الصيانة. وكذلك، تطبق وكالات البحث والتطوير العسكري في الصين الذكاء الاصطناعي في مختبراتها؛ حيث كشفت الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع التابعة لجيش التحرير الشعبي عن رقائق إلكترونية دقيقة ومخططات أولية لسفن حربية تم تصميمها كليًّا بواسطة الذكاء الاصطناعي. كما تنشر مراكز الفكر الدفاعية الصينية أبحاثًا حول ما تسميه "العلوم المعززة بالذكاء الاصطناعي" في سياق التطبيقات العسكرية. تقف وراء جهود تطوير الذكاء الاصطناعي في كل من الصين والولايات المتحدة مبادرات وطنية كبرى واستثمارات ضخمة، إلا أن المشهد المؤسسي في البلدين يختلف جذريًّا. ففي الصين، يُوجَّه البحث العلمي عبر تخطيط إستراتيجي مركزي وتمويل حكومي سخي، وقد أرست "خطة تطوير الذكاء الاصطناعي للجيل الجديد" (٢٠١٧) الأساس لهذا التوجه، من خلال تخصيص مئات المليارات من اليوان على مدى عشر سنوات لتطوير التقنيات الجوهرية للذكاء الاصطناعي، ودمجه في القطاعات التعليمية، ومراكز الحوسبة، والمختبرات الوطنية مثل معهد بكين للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى إستراتيجية "التكامل العسكري-المدني" التي تعزز التعاون بين المؤسسات المدنية والجيش. وقد وُضع الذكاء الاصطناعي أولوية قصوى في "الخطة الخمسية الرابعة عشرة" (٢٠٢١–٢٠٢٥) و"خطة الابتكار العلمي والتكنولوجي لعام ٢٠٣٠"، مع مشاركة فعالة من عمالقة التكنولوجيا والوزارات في بناء نماذج صناعية متخصصة وقواعد تنظيمية صارمة، خاصة في المجالات الحساسة كالطب والقانون. أما في الولايات المتحدة، فيأخذ الدعم الحكومي طابعًا لا مركزيًّا، إذ يُنسَّق عبر "قانون المبادرة الوطنية للذكاء الاصطناعي" (٢٠٢٠)، وتعتمد البلاد على مزيج من ريادة القطاع الخاص في وادي السيليكون والدعم الفدرالي الذي تقدمه وكالات مثل "NSF" و"NIH" و"DOE"، التي أطلقت عشرات المعاهد المتخصصة بميزانيات تفوق مليار دولار. كما خُصصت عشرات المليارات من الدولارات من خلال "قانون الرقائق والعلوم" (٢٠٢٢) وميزانية البنتاغون، وتدرس مقترحات جديدة بقيمة ٣٢ مليار دولار لتعزيز التفوق الأميركي في مواجهة الصين. وفي هذا السياق، يُعد مشروع "ستارجيت" "Stargate" من أكبر المبادرات الاستثمارية في تاريخ الذكاء الاصطناعي، حيث خصص له مبلغ ٥٠٠ مليار دولار لتطوير بنية تحتية متقدمة للحوسبة وبناء نماذج ذكاء اصطناعي ضخمة بقيادة "أوبن أيه آي" وبدعم من "سوفت بنك" و"أوراكل" وبمشاركة فاعلة من عمالقة التكنولوجيا مايكروسوفت، وإنفيديا، وآرم، وذلك بهدف إبقاء الولايات المتحدة في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي. ويستفيد كلا الجانبين من انفتاح المجتمعات العلمية، حيث أظهرت دراسة للمفوضية الأوروبية أن الصين تصدرت من حيث نسبة الأبحاث التي تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي، متفوقة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من حيث الكم، والابتكار، والتأثير النوعي. إلا أن استمرار هذا التفوق مرهون باستمرار التمويل، وتطوير البنية التحتية، ووضع أطر تنظيمية وأخلاقية متينة تضمن الاستدامة. وفي حين ينشغل الخطاب الغربي بأخطار التحيز والخصوصية والتهديدات الوجودية، يركز المنظمون في الصين على ضمان الاستقرار الاجتماعي والامتثال الأيديولوجي، مما يبرز الفجوة الكبيرة بين البلدين في مقاربات تقنين الذكاء الاصطناعي وأمنه. مستقبل غائم إن سباق الذكاء الاصطناعي المحتدم بين الولايات المتحدة والصين يتجاوز في أبعاده وتأثيراته مجرد كونه منافسة في قطاع واحد، بل يمتد ليلامس كافة جوانب القوة والنفوذ في العالم. على الصعيد العسكري، بدأ هذا السباق يمحو الفوارق التقليدية بين مفهومي "الهجوم" و"الدفاع"، فأدوات الذكاء الاصطناعي ستكون هي المحرك الأساسي لعمليات المراقبة والهجمات السيبرانية، بل وحتى لتوجيه عقول الأعداء والتأثير فيهم، بنفس قدر أهمية المدافع والصواريخ. أما على صعيد العتاد، فنحن نتجه نحو ساحات معارك مستقبلية تملؤها القوات الآلية المستقلة أسراب المسيرات والمستشعرات الذكية، مما يثير تساؤلات أخلاقية عميقة ويطرح تحديات جديدة حول الاستقرار العالمي. وفي ميدان التكنولوجيا، تعني هذه المنافسة أن الجيل القادم من الحوسبة -المتمثل في النماذج اللغوية الكبيرة ومنصات الذكاء الاصطناعي- سيكون خاضعًا لهيمنة الشركات الأميركية والصينية، وهو ما سيمنحها نفوذًا هائلًا على المحتوى الذي يراه ويتبادله المليارات من البشر عبر شبكة الإنترنت. وعلميًّا، يبشّر هذا السباق بتحقيق طفرات متسارعة في مجالات حيوية كالطب والطاقة والبحوث الأساسية، ولكنه في الوقت نفسه يشعل سباق تسلح من نوع آخر هو سباق في استقطاب ألمع العقول وامتلاك أقوى الحواسيب الفائقة. قد يؤدي هذا التنافس إلى تسريع عجلة الابتكار، ولكنه ينطوي أيضًا على خطر إحداث شرخ في الأنظمة العالمية. وها نحن نرى بالفعل كيف بدأت الأهمية الإستراتيجية للذكاء الاصطناعي تؤثر في الحروب التجارية، وتفرض قيودًا على الصادرات، وتتحكم في وضع المعايير التقنية. يكمن الخطر في أن تؤدي ضغوط المنافسة إلى نشر متهور لأسلحة ذكاء اصطناعي لم تُختبر بعد، أو إلى الدخول في "سباق تسلح في مجال الذكاء الاصطناعي" شبيه إلى حد كبير بسباق التسلح النووي إبان الحرب الباردة. وهذا ما يدفع بعض الخبراء إلى حث القوى العظمى على وضع ضوابط وقواعد مشتركة (فيما يتعلق بالأسلحة المستقلة، والحد من التسلح، ومشاركة البيانات) حتى في خضم تنافسها على النفوذ. إن نتيجة هذا الصراع على الريادة التكنولوجية العالمية ليست محسومة بعد. فلا تزال الولايات المتحدة تتفوق في تصميم عتاد الذكاء الاصطناعي المتطور، وفي مجال البحوث المفتوحة، وريادة الأعمال التقنية. وفي المقابل، تتمتع الصين بمزايا ضخمة من حيث حجم البيانات المتاحة، والتنسيق الحكومي المركزي، وضخامة سوقها المحلية. ويعلمنا التاريخ أن الطفرات الكبرى قد تأتي من أي من الجانبين (أو حتى من دول أخرى أو مختبرات دولية). ولكن الأمر الواضح والمؤكد هو أن المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين أصبحت اليوم بُعدًا محوريًّا في سياسات الأمن والاقتصاد على الساحة الدولية. ومع احتدام هذا الصراع، فإنه لن يحدد مستقبل واشنطن وبكين فحسب، بل سيرسم أيضًا ملامح القواعد والمعايير التي ستحكم تطوير الذكاء الاصطناعي في العالم بأسره

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store