logo
هل تفكر إسرائيل في إيذاء الأقصى وتتهم إيران؟

هل تفكر إسرائيل في إيذاء الأقصى وتتهم إيران؟

الجزيرةمنذ 5 ساعات

هناك نقطة ينبغي الاعتراف بها لدولة الاحتلال، وهي حرصها على التخصصية في الملفات التي تتناولها الأجهزة الإسرائيلية المختلفة، بحيث لا يطغى ملف على آخر، ولا يحول الانشغال العام بملفٍّ ما دون استمرار العمل في غيره.
وهو ما نراه اليوم بوضوح في ظل الحرب القائمة بين إيران وإسرائيل، وحرب الإبادة المستمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
ولعل أبرز ما يشير إلى هذه الحقيقة في الفترة الأخيرة هو قرار الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة في وجه المصلين مع انطلاق العمليات العسكرية ضد إيران، وذلك بحجة "منع التجمعات".
هذا الحدث لم يأخذ حقه في التحليل والمتابعة بعد، ربما بسبب الانشغال العالمي بالأحداث الأبرز في المنطقة، وعلى رأسها الحرب على إيران وغزة. لكنه قرار في غاية الحساسية والأهمية، ويحمل دلالاتٍ بعيدة المدى على القدس والمنطقة عمومًا.
وأول ما يشار إليه في هذا الموضوع أن قرار إغلاق المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة في وجوه المصلين إلى أجلٍ غيرِ مسمى ليس له أهداف أمنية كما تدعي حكومة نتنياهو، وإنما هو قرار سياسي بامتياز. حيث إن القرار ينبع من واقع أن إسرائيل تتعامل مع مدينة القدس بكافة مكوناتها اليوم كما تتعامل مع تل أبيب، بمعنى أن نتنياهو يرى أن المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة يخضعان للسيادة الإسرائيلية الكاملة، كما هو الحال في تل أبيب تمامًا.
ولذلك فإنه على سبيل المثال لم يتخذ نفس القرار في المناطق التي تقع خارج حدود السيادة السياسية لإسرائيل مثل مساجد رام الله ونابلس والخليل في الضفة الغربية، سواء كانت مناطق: " أ أو ب أو ج" حسب تقسيمات اتفاقية أوسلو.
وإنما حرص على تطبيق هذا القرار في المسجد الأقصى المبارك وفي كنيسة القيامة اللذين يقعان داخل البلدة القديمة بالقدس، وهي منطقة يفترض أنها تحت الاحتلال العسكري حسب القانون الدولي، ولكن دولة الاحتلال تتعامل معها باعتبارها عاصمتَها التي لا تختلف بحالٍ عن تل أبيب وحيفا.
وإذا ركزنا في هذا الجانب على المسجد الأقصى المبارك باعتباره يقع في قلب الصراع، فإن ما يجري، يندرج تحت محاولة إسرائيل تثبيت سيادتها عليه بشكل كاملٍ دون أي اعتبارٍ لوجود دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن.
وإسرائيل الآن في ظل حكومة الصهيونية الدينية تتعامل مع المسجد باعتباره كنيسًا قائمًا، ولم يبقَ إلا أن تعلن هذا الاعتراف بشكل رسمي كما فعلت عام 2009 في المسجد الإبراهيمي بالخليل حين أعلنت أنه جزء من التراث اليهودي.
وما إقامة كافة الطقوس الدينية فيه علنًا إلا خطواتٌ تمهيدية لإقامة أول مركزٍ يهودي دائمٍ داخل المسجد الأقصى، سواء كان بإنشاء كنيس، أو تخصيص ساحة مغلقة، أو اقتطاع جزءٍ منه، كما أعلن إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف أكثر من مرة.
ونتنياهو ليس بعيدًا عن هذا التوجه، فقد سبق أن خاطب أتباع تيار الصهيونية الدينية قبل أسبوعين من بدء العملية العسكرية ضد إيران، وأعلن لهم في خطابه- الذي كان يشبه الوعد- أن خطوات بناء "المعبد" المزعوم بدأت بالفعل، وأنهم سيرون هذه العملية بأنفسهم، فاستحق نتنياهو بذلك دعمًا غير محدود من أتباع هذا التيار.
ولذلك رأينا الصمت التام الذي التزم به أتباع هذا التيار إزاء عملية إغلاق المسجد الأقصى المبارك في وجه اقتحامات المستوطنين في نفس التاريخ الذي أعلن فيه إغلاق المسجد في وجه المسلمين، بالرغم من أنهم في العادة كانوا يثورون ويغضبون عند أي وقفٍ أو منعٍ للاقتحامات.
فما يهمُّ هذه الجماعات في هذا الوقت هو المساواة بينهم وبين المسلمين في حقوق الصلاة، في مسعى أوليٍّ لطلب التفوق على المسلمين في الحقوق، كما يحدث في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وفي حائط البراق في القدس على حد سواء.
وبمناسبة ذكر حائط البراق، فإن مسألةً مهمةً لم يركز عليها الإعلام كثيرًا تلفت نظرنا في هذه المعادلة، وهي التعامل غير المتوازن في موضوع إغلاق الأماكن المقدسة عندما يتعلق الأمر بحائط البراق (الذي يطلق عليه الإسرائيليون "الحائط الغربي" أو "حائط المبكى").
فبينما سارعت حكومة نتنياهو لإفراغ المسجد الأقصى المبارك من المصلين في يوم الجمعة، وهو أهم أيام الأسبوع في المسجد، رأيناها تغض الطرف عن عشرات آلاف المصلين اليهود الذين ما زالوا يتوافدون بكثرةٍ إلى حائط البراق دون رادعٍ أو ضوابط.
فساحة حائط البراق مفتوحة على مصراعيها للمصلين اليهود طوال أربعٍ وعشرين ساعةً على مدار الأسبوع. وهذا الأمر استغلته القيادة الدينية لمجموعات المستوطنين حيث كانت قد دعت جمهورها لصلواتٍ جماعية حاشدة يوم الاثنين 16 من الشهر الجاري للتجمع بكثافةٍ في الموقع تحت حجة الصلاة لأجل انتصار الجيش في معركته في غزة وفي إيران.
وفي جميع الحالات، لم نرَ لوزارة الداخلية لدى الاحتلال أي تعليماتٍ تتعامل مع هذه النقطة أو تحاول منع مثل هذه التجمعات. وهذا الأمر يمكن فهمه في سياقين اثنين:
الأول: أنه يأتي في سياق مغازلة نتنياهو تيار الحريديم الذي كاد يسقط حكومته قبل اندلاع المواجهة الأخيرة مع إيران بأيامٍ قليلةٍ فقط. حيث إنه من المعروف أن هذا التيار يرى ضرورة استمرارية العبادات الدينية في مواعيدها وبشكلها المتعارف عليه مهما كانت الظروف، ويعتبر أن هذه مهمته الإلهية المقدسة، وأنه دون الاستمرارية في أداء الطقوس الدينية فإن العالَم كله، لا دولة الاحتلال فقط، سيكون في خطر.
ومن المعلوم أن أتباع هذا التيار كانوا خلال فترة جائحة كورونا على سبيل المثال من أشد المعارضين لإجراءات الإغلاقات والمنع، وكانوا يرون ضرورة إقامة الطقوس الدينية بشكلها الطبيعي دون أي اعتباراتٍ صحية أو غيرها، ولهذا كانت نسبة انتشار ذلك المرض عاليةً بين أتباع التيارات الحريدية في ذلك الوقت.
وهم لا يرون فرقًا بين جائحةٍ صحيةٍ وحربٍ أو غيرها، ونتنياهو لا يرغب في استفزازهم بعد أن كادت حكومته تسقط في تصويت الكنيست الأخير لولا نجاحه في إقناعهم في اللحظة الأخيرة بوقف التصويت لصالح قانون حل الكنيست الذي قدمته المعارضة.
أما السياق الثاني: فإن فتح منطقة حائط البراق على مصراعيها للمستوطنين في مقابل إغلاق المسجد الأقصى المبارك يضيف لما ذكرناه سابقًا من أن القرار سياسي، وليس له أي اعتباراتٍ أمنيةٍ كما ادعى نتنياهو وأركان حكومته.
ومن الواضح أن أحد أهم أهداف هذا القرار منع التجمعات الشعبية في المسجد الأقصى، والتي يمكن أن تتطور إلى مواجهةٍ شعبيةٍ خاصةً أيام الجمعة. فما الذي يجعل منطقة حائط البراق آمنةً من الصواريخ فيما المسجد الأقصى الملاصق للحائط غير آمن؟ وكذلك الأمر ينطبق على كنيسة القيامة التي لا تبعد أكثر من 350 مترًا فقط عن أسوار المسجد الغربية وحائط البراق.
هذا الأمر بحد ذاته يعد الدليل الأوضح على أن الهدف من كل هذه الإجراءات ليس أكثر من تثبيت السيادة الإسرائيلية على المكان، بل إني أتوقع أن إغلاق كنيسة القيامة جاء لمحاولة تضليل الرأي العام الإسلامي في موضوع إغلاق المسجد الأقصى نفسه، فإغلاق المسجد الأقصى يأتي ضمن إجراءاتٍ إضافية خطيرةٍ لم يطبقها الاحتلال إلا في الأقصى.
ومن ذلك على سبيل المثال قصرُ السماح بدخول المسجد الأقصى على حراس المسجد فقط، بالرغم من أن الحراس يعانون من نقصٍ شديدٍ في عدد الكوادر العاملة، أما بقية موظفي دائرة الأوقاف الإسلامية فلا يسمح لهم الاحتلال بدخول المسجد أو أداء الصلاة فيه، وهذا يختلف حتى عن أيام جائحة كورونا، حيث كان الاحتلال يسمح في ذلك الوقت لموظفي دائرة الأوقاف كافةً بدخول المسجد خلال الإغلاق.
واليوم، رأينا الاحتلال يمنع حتى موظفي الأوقاف الذين يعملون في المباني الملاصقة لأسوار المسجد الأقصى الغربية من المرور من البوابات الملاصقة لمكاتبهم لدخول المسجد، فتحول هذا الإجراء إلى قطعٍ كاملٍ للحياة عن المسجد الأقصى وحصارٍ مطبقٍ عليه يذكّرنا بأول أيام هبّة باب الأسباط عام 2017، عندما أغلق الاحتلال المسجد الأقصى نهائيًا ومنع الصلاة فيه؛ تمهيدًا لمحاولة إجراء تغيير جذري في إجراءات الدخول إليه من خلال البوابات الإلكترونية التي زرعها في ذلك الوقت.
وما يحصل الآن يجعلنا نتساءل: ما هو الواقع الجديد الذي يخطط الاحتلال أن نصحو عليه في المسجد الأقصى مع انتهاء هذه الجولة من القتال ورفع الحصار عن بوابات المسجد؟
إنني لا أخفي في هذا المقام تخوفي الشديد على المسجد الأقصى المبارك من أن يرتكب الاحتلال فيه أي حماقة استغلالًا لهذه الأوضاع، فقد نُشر فيديو خطير قبل أيامٍ للحاخام الحريدي يوسيف مزراحي الذي يعيش في نيويورك، دعا فيه صراحةً لاستغلال هذه الأوضاع لإيذاء المسجد الأقصى، وادعى في الفيديو أنه لو كان الأمر بيده لأرسل على المسجد الأقصى صاروخًا، ثم ادّعى أنه صاروخٌ إيرانيٌّ سقط بالخطأ على المسجد الأقصى.
مثل هذه الأفكار الشيطانية، وإن كانت تبدو مثيرةً للسخرية، إلا أنها تنبئ عن نوايا خطيرة مبيتة تجاه المسجد الأقصى ينبغي أن ينتبه إليها الشعب الفلسطيني في القدس بالذات.
ولا بديل في هذه الأوضاع عن التحرك الشعبي لحماية المسجد وتحقيق الكابوس الذي يخشاه الاحتلال، وهو التصعيد الشعبي العارم وتأزيم الأوضاع الداخلية في وجه نتنياهو وحكومته، وإلا فسيكون ثمن الصمت والانتظار مرتفعًا جدًا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أردوغان: نتنياهو وحكومته كتبوا أسماءهم بجانب طغاة مثل هتلر
أردوغان: نتنياهو وحكومته كتبوا أسماءهم بجانب طغاة مثل هتلر

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

أردوغان: نتنياهو وحكومته كتبوا أسماءهم بجانب طغاة مثل هتلر

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته كتبوا أسماءهم إلى جانب طغاة مثل هتلر، منتقدا الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والهجوم الإسرائيلي على إيران، الذي حذر من أنه يقترب من "نقطة اللاعودة". وأكد أردوغان في كلمة له، بمنتدى شباب منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، أن العالم الإسلامي يمر حاليا بمرحلة صعبة، وقال إن "الحرب والصراعات والفوضى وسُحب عدم الاستقرار غطت جغرافيا حضارتنا. منذ عامين، أينما نوجه أنظارنا نُصدم بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية". وأضاف أن نتنياهو وحكومته "من خلال ما ارتكبوه من جرائم بوقاحة، ومن دون أي احترام للقوانين طوال الشهور الماضية، كتبوا أسماءهم إلى جانب الطغاة مثل هتلر وبول بوت". وقال إن إسرائيل التي تشتكي اليوم من تضرر مستشفياتها نفذت أكثر من 700 هجوم على وحدات صحية في غزة فقط، بينما يتم بوحشية استهداف من يقفون في طوابير الطعام بغزة لنيل كسرة خبز أو قليل من الحساء. واعتبر الرئيس التركي أن "من حوّل غزة إلى أكبر معسكر اعتقال في العالم لا يحق له الحديث عن جرائم حرب، فذلك ليس مجرد تناقض، بل وقاحة وانعدام للخجل". وتابع أن غزة تشهد منذ 21 شهرا إحدى أكثر الفظائع خزيا في العصر الحديث، معتبرا أن حكومة نتنياهو المسؤولة الأولى عن الإبادة الجماعية في غزة "والصامتين حيال المجازر شركاء في الجريمة". مكيدة نتنياهو وحذر أردوغان القوى المؤثرة على إسرائيل من الوقوع في "مكيدة نتنياهو"، وطالبها بأن تستخدم نفوذها لإرساء وقف النار والهدوء في المنطقة، داعيا إلى "رفع الأيدي عن الزناد" في الصراع بين إيران وإسرائيل قبل مزيد من الدمار والدماء. وأكد الرئيس التركي أن بلاده "لم تتردد أبدًا في الوقوف إلى جانب المظلومين رغم استهدافه وحكومته من قبل اللوبي الصهيوني". ووجه التحية "لشباب فلسطين الأبطال، وشباب غزة الشجعان، الذين يدافعون ببسالة عن أرضهم التي وُلدوا عليها منذ 622 يوما في وجه الهجمات الوحشية التي تشنها حكومة إسرائيل". في السياق نفسه، وخلال اتصال هاتفي مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس اليوم الجمعة، أكد أردوغان أن مرحلة الصراع التي بدأت مع الهجوم الإسرائيلي على إيران زادت التهديدات لأمن المنطقة إلى أعلى مستوى. وقال بيان نشرته دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عبر حسابها على منصة "إكس"، إن الجانبين تناولا خلال الاتصال العدوان الإسرائيلي على إيران والعلاقات الثنائية بين البلدين وقضايا إقليمية. وحذر أردوغان خلال الاتصال من أن هجمات إسرائيل على إيران قد تضر بالمنطقة وأوروبا من حيث الهجرة واحتمال حدوث تسربات نووية، مؤكدا أن السبيل لحل الخلافات النووية مع إيران هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ومنذ 13 يونيو/حزيران تشن إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران استهدف منشآت نووية وقواعد صاروخية وقادة عسكريين وعلماء نوويين، وردت طهران بإطلاق وطائرات مسيرة

تحقيق بريطاني بعد إلحاق ناشطين مناصرين لفلسطين أضرارا بطائرتين عسكريتين
تحقيق بريطاني بعد إلحاق ناشطين مناصرين لفلسطين أضرارا بطائرتين عسكريتين

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

تحقيق بريطاني بعد إلحاق ناشطين مناصرين لفلسطين أضرارا بطائرتين عسكريتين

أمر وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، اليوم الجمعة، بفتح تحقيق شامل ومراجعة للإجراءات الأمنية في القواعد العسكرية، عقب اقتحام اثنين من نشطاء حركة " فلسطين أكشن" المؤيدة لفلسطين قاعدة "برايز نورتن" التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في أكسفوردشير، وسط إنجلترا، وتخريبهما طائرتين عسكريتين. وقال هيلي في منشور على منصة "إكس" إن "تخريب طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني أمر غير مقبول على الإطلاق"، مضيفا أنه "منزعج للغاية من ذلك وأمرتُ بإجراء تحقيق ومراجعة الأمن بشكل عام في قواعدنا". وأظهرت مقاطع مصورة نشرتها الحركة على المنصة نفسها، ناشطين يتجولون داخل القاعدة على دراجات "سكوتر" ويرشون طلاء أحمر على محركات طائرتين من طراز "فوياجر"، كما استخدموا عتلات لإحداث أضرار إضافية، وتركوا علما فلسطينيا على المدرج. وقالت الحركة في بيان إن الهجوم يأتي احتجاجا على استمرار الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل، رغم التنديد العلني بالحرب على غزة، مشيرة إلى أن بريطانيا "تواصل إرسال شحنات عسكرية، وتطلق طائرات استطلاع فوق غزة، وتزود الطائرات المقاتلة الأميركية والإسرائيلية بالوقود". وأضافت أن " بريطانيا ليست متواطئة فحسب، بل هي شريك فعال في الإبادة الجماعية في غزة وجرائم الحرب في أنحاء الشرق الأوسط". كما ندد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالحادثة واصفا إياها بأنها "عمل تخريبي شائن"، فيما أكدت وزارة الدفاع أنها تدين بشدة ما وصفته بـ"تخريب أصول سلاح الجو الملكي"، مشيرة إلى تعاونها مع الشرطة التي فتحت تحقيقا في "تخريب جنائي واقتحام". وقال متحدث باسم الحكومة إن الحادث لم يؤثر على خطط أو عمليات الطيران، وإن مراجعة أمنية شاملة تُجرى حاليا في جميع المواقع الدفاعية البريطانية. وتعد قاعدة برايز نورتن أكبر قاعدة جوية في المملكة المتحدة، وتستخدم في عمليات التزود بالوقود والنقل الجوي، وتدعم رحلات إلى قاعدة أكروتيري في قبرص، وهي أكبر قاعدة بريطانية في الشرق الأوسط. وتأتي هذه الحادثة في سياق تصاعد الاحتجاجات ضد الدعم الغربي لإسرائيل، في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة والتي أسفرت عن أكثر من 186 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة كبيرة.

"بردة النبي" لروي متحدة رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
"بردة النبي" لروي متحدة رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

"بردة النبي" لروي متحدة رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة

في بانوراما الأدبيات والكتابات المعاصرة التي حاولت تفكيك ألغاز الثورة الإيرانية، يحضر كتاب "عباءة النبي: الدين والسياسة في إيران" للمؤرخ روي متحدة (صدر للمرة الأولى عام 1985) كعمل استثنائي يغوص في أعماق الروح الإيرانية ولا يكتفي بالتحليل السياسي كما تفعل أغلب الكتابات والأعمال البحثية التي تدرس إيران المعاصرة. وبأسلوب روائي فريد، يقدم متحدة سيرة متخيلة لطالب علم شيعي يدعى "علي هاشمي". ومن خلال رحلته الشخصية، يرسم لوحة تاريخية وفكرية غنية لإيران، كاشفا عن الجذور الثقافية والدينية التي غذت ثورة عام 1979. وحظي الكتاب بإعجاب نقدي واسع، ووصف بأنه علامة فارقة نجحت في تقديم صورة إنسانية عميقة، بعيدا عن القوالب النمطية التي حصرت المشهد الإيراني في دائرة العنف والتعصب. روي برفيز متحدة (1940-2024) مؤرخ أميركي مرموق من أصل إيراني، وأحد أبرز المتخصصين في التاريخ الإسلامي والثقافة الإيرانية. تخرج في جامعة هارفارد وعمل أستاذا في جامعتي برنستون وهارفارد، حيث شغل منصب مدير مركز دراسات الشرق الأوسط. وتميز بقدرته على السرد التاريخي بأسلوب أدبي شائق دون التخلي عن الدقة الأكاديمية. السرد والحوزة والشعر الفارسي ينسج متحدة كتابه عبر مستويات مترابطة تمزج ببراعة بين الشخصي والاجتماعي والوطني، ليقدم للقارئ فهما شاملا للمجتمع الإيراني، ويتميز عن الدراسات السياسية البحتة بكونه سردا حضاريا شاملا يربط الفكر بالتاريخ بالمجتمع، ويقدم إيران كلوحة فسيفسائية متعددة الأبعاد. وتتمحور القصة حول "علي هاشمي" وهو شاب من مدينة قم ينتمي إلى سلالة النبي ﷺ (سيد) ينشأ في كنف عائلة متدينة ويتلقى تعليمه في الحوزة العلمية ليصبح "ملا". ويتابع القارئ مسار تكوينه الفكري والروحي، ويشاركه مشاعره المتضاربة بين الغضب والابتهاج، والشك والإيمان. وتهتز قناعاته حين يقرأ عن فظائع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ثم يخوض تجربة "عرفانية" عميقة تقوده إلى رؤيا صوفية تتجلى فيها "الأنوار" في كل ما حوله، في إشارة إلى مكانة التصوف الخاصة في الثقافة الإيرانية رغم تحفظ المؤسسة الدينية الرسمية. وتتقاطع رحلة هاشمي مع الاضطرابات السياسية، فيسجن لفترة وجيزة، حيث يلامس اليأس قبل أن يجدد إيمانه. ومع انتصار الثورة، يمتزج فخره برؤية راية الإسلام الخضراء بقلق وجودي حول مستقبل بلاده. وشخصية علي المركبة، التي تعيش التوتر بين التقوى والشك، والتقليد والحداثة، تصبح مرآة صافية تعكس تحولات المجتمع الإيراني في القرن العشرين. ويفتح الكتاب نافذة واسعة على عالم الحوزات العلمية وطرق التعليم التقليدية في إيران. ويرسم المؤلف صورة حية لمدينة قم كمركز مقدس للتعليم الشيعي، حيث يتعلم هاشمي النحو والبلاغة والمنطق على أيدي الملالي التقليديين، في نظام تعليمي يشبه في جوهره مناهج أوروبا في القرون الوسطى. ويقدم الكتاب أمثلة على التقوى الشخصية لرجال الدين، مثل الشيخ مرعشي (أستاذ هاشمي) الذي كان يستيقظ قبل الفجر بساعتين ليكرر دعاء "استغفر الله" 300 مرة، مما يمنح القارئ لمحة عن الورع والانضباط في حياة الحوزة. كما يكشف الكتاب عن "منطقة رمادية" من التسامح، حيث تعايش الشك الفكري سرا مع الإيمان، وبقيت تيارات كالتصوف والتشيع الباطني بهدوء داخل مجتمع شديد المحافظة. ويستكشف الكتاب دور التراث الفارسي، وخصوصا الشعر، باعتباره الموئل الوجداني للإيرانيين، ومجالهم للتعبير عن عشقهم للغموض والمجاز بعيدا عن رقابة السلطات. ويستشهد المؤلف بأبيات لكبار شعراء فارس مثل حافظ وسعدي وفردوسي، مما يضفي على السرد عمقا أدبيا. ويرى متحدة أن "حب الغموض" جوهر الثقافة الإيرانية، وهو ما يتجلى في قدرتهم على التعايش مع التناقضات، مثل الجمع بين الفخر بالتاريخ الفارسي القديم (كالبطل الأسطوري رستم) والهوية الإسلامية الشيعية. الطريق إلى الثورة يستعرض الكتاب تاريخ إيران الحديث، وكيف أدى دخول التعليم الغربي في عهد الشاه إلى إيجاد ازدواجية ثقافية لدى الشباب الإيراني. ووجد هاشمي نفسه ممزقا بين عالمي الحوزة والجامعة العلمانية. ثم ينتقل السرد لتحليل المسار التاريخي لنشاط المؤسسة الدينية سياسيا. فبعد أن ظل العلماء على هامش السلطة، برز دورهم في محطات مفصلية كانتفاضة التبغ (عام 1891) والثورة الدستورية (عام 1906). غير أن التحول الأكبر جاء مع سياسات التحديث القسرية لرضا شاه بهلوي وابنه، والتي استهدفت تقليص نفوذ المؤسسة الدينية وتفكيك "منطقة الغموض" التقليدية. وهذه السياسات، التي شملت إلغاء المحاكم الشرعية وفرض القوانين المدنية، أجبرت الكثيرين على اتخاذ موقف واضح. ونتيجة لتآكل شرعية نظام الشاه بسبب الاستبداد والتبعية للأجنبي، استعاد رجال الدين دورهم في قيادة المعارضة، ليصبحوا أقرب إلى هموم الناس من النخبة الحاكمة. ويبرز الكتاب كيف استثمر الإمام الخميني هذا الغضب الشعبي، خاصة بعد قمع طلاب الحوزة في قم (عام 1963) ومنح الحصانة القضائية للأميركيين (عام 1964) ليطرح نظرية "ولاية الفقيه" كبديل سياسي إسلامي. ومع سقوط الشاه، اضطر الإيرانيون إلى الخروج من منطقة الالتباس الثقافي واتخاذ قرار حاسم، لتتحول العمائم من رمز للإرشاد الروحي إلى أداة للحكم السياسي. ورغم أن الثورة حققت شعارها بطرد الشاه، يختم متحدة كتابه بنبرة قلقة، مشيرا إلى أن التشدد الأيديولوجي الذي أعقب الثورة بات يهدد بتقويض إرث التسامح والتنوع الذي ميز الثقافة الإيرانية لقرون. الفكر والاجتماع الإيراني ورغم أن القصة المحورية للكتاب تدور منتصف القرن العشرين، فإن المؤلف يربط أحداثها ومفاهيمها بجذور بعيدة في الماضي. فهو يستحضر مثلا شخصيات فكرية إسلامية كالفيلسوف ابن سينا (القرن الـ11) وصولا إلى شخصيات سياسية حديثة كالدكتور مصدق والمفكر علي شريعتي بالقرن العشرين، وذلك ليظهر امتداد خيط الفكر الإصلاحي والديني عبر العصور، معتبرا أن الثورة الإيرانية لم تكن حدثا منعزلا، بل جاءت تتويجا لتطور تاريخي طويل شمل اجتهادات فقهية وصراعات اجتماعية وتأثيرات استعمارية. ويناقش الكتاب مثلا الإرث الذي تركه جمال الدين الأفغاني أواخر القرن الـ19 في الدعوة إلى نهضة إسلامية ضد الاستعمار، وتأثير حركة التنباك (احتجاج عام 1891) التي قادها المراجع ضد هيمنة الأجانب اقتصاديا. كما يعرج على الثورة الدستورية عام 1906 بوصفها أول محاولة لإقامة حكم حديث مع الحفاظ على دور للدين، والتي شهدت أيضا انقساما بين تيار علماء الدين المحافظين والتيار الحداثي. وتعطي هذه المحطات التاريخية وغيرها القارئَ الخلفية اللازمة لفهم شعارات الثورة عام 1979 ومطالبها. كذلك يبرز متحدة الخلفية الاجتماعية لإيران قبل الثورة، فيصف التغيرات السكانية مثل الهجرة الواسعة من الأرياف إلى المدن خلال الستينيات والسبعينيات وما نجم عنها من تصاعد في التدين بين الطبقات الفقيرة كوسيلة للتكيف مع بيئة المدينة غير المألوفة. ويرى أن هذه الظروف الاجتماعية المتفجرة (من قبيل ملايين الشباب الريفي العاطل والمهمش بالمدن الكبرى كطهران) شكلت أرضا خصبة لرسالة الثورة الإسلامية التي وعدت بالعدالة الاجتماعية ورد الاعتبار للهوية الدينية. كما يتناول الكتاب تأثير السياسات الدولية، مثل دعم الولايات المتحدة لحكم الشاه والصراع الإقليمي مع العراق، في إذكاء المشاعر الثورية داخل إيران. وعلى الصعيد الفكري، يظهر الكتاب تأثر متحدة بحقول معرفية متعددة، فهو مؤرخ ومتخصص في الفكر الإسلامي مما مكنه من قراءة الأحداث بمنظار يجمع بين التحليل الاجتماعي والتعمق الفكري. ويتضح للقارئ إلمام المؤلف بالفلسفة الإسلامية والتصوف والفقه الشيعي، إذ نجد شروحات مبسطة لأفكار مثل الاجتهاد (جهود الفقهاء في استنباط الأحكام) ودور المرجعية الدينية في حياة الشيعة. ويشرح مثلا تطور نظام التقليد حيث يقلد عامة الناس مرجعيات عليا في الأحكام الشرعية، وكيف ساهم هذا النظام في تماسك المجتمع الشيعي لكنه أيضا جعل منه قوة قادرة على التحشيد السياسي حين يلجأ المراجع إلى إصدار الفتاوى السياسية. كما يناقش الكتاب مسألة الثقافة المزدوجة في إيران: مزيج من عناصر إسلامية فارسية وأخرى حديثة غربية. ويحضر هنا مصطلح "المونتاج" الذي استخدمه بعض المثقفين لوصف هوية أهل طهران بوصفها مركبة من قطع مستوردة مختلفة، في إشارة إلى التأثيرات الغربية المتنوعة التي مزجها الإيرانيون بهويتهم. ولاقى الكتاب استحسانا كبيرا من النقاد والقراء، واعتبر مساهمة فريدة في فهم إيران الحديثة. وأشادت به مجلة "فورين أفيرز" لقدرته على تقديم فهم عميق للثورة يفوق ما قدمته الدراسات السياسية التقليدية. كما وصفته مجلة "الدراسات الإيرانية" بأنه "دراسة رائدة في أدبيات الثورة" لما قدمه من تناول شامل للثقافة والتاريخ في قالب قصصي جذاب. وفي المقابل، وجهت للكتاب بعض الانتقادات، أبرزها من الباحث فريد هاليداي الذي رأى أن متحدة قدم صورة رومانسية عن إيران، متجنبا الخوض مثلا في تفاصيل القمع الذي تلا الثورة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store