logo
أحمد المسري… حين تتحوّل الإعاقة إلى رسالة حياة

أحمد المسري… حين تتحوّل الإعاقة إلى رسالة حياة

هبة بريس١٢-٠٥-٢٠٢٥

طارق عبلا من هولندا
في قلب العاصمة الهولندية أمستردام، وبعيدا عن صخب المراكز السياسية والاقتصادية، يتحرك رجل على كرسي كهربائي متحرك، لكن حضوره يتجاوز الحواجز المادية، ليرسم ملامح نموذج استثنائي لمغربي هولندي اختار أن يجعل من المحنة منطلقا للمعنى.
أحمد المسري، اسم قد لا يتردد كثيرا في وسائل الإعلام المغربية، لكن أثره حاضر في تفاصيل الحياة اليومية لعشرات الأشخاص الذين وجدوا في الغربة 'جمعية الصداقة' التي أسسها منذ عقود، ملاذا إنسانيا، ومنصة للتلاقي، والتعلم، والتضامن.
ولد أحمد في المغرب، وهاجر شابا إلى أوروبا في سبعينيات القرن الماضي، يحمل في جيبه القليل، وفي قلبه الكثير من الأسئلة حول العالم، والحرية، والانتماء. كانت رحلته الأولى نحو الشمال مغامرة شخصية، شبيهة بما يخوضه الشباب حين تضيق بهم الأوطان. غير أن المنعطف الحاسم في مسيرته لم يكن الهجرة، بل الحادث الأليم الذي تعرض له في هولندا، والذي تسبب له في إعاقة دائمة.
غير أن أحمد لم يسمح للظروف أن تملي عليه مصيره، فقد أعاد بناء نفسه من نقطة الصفر، لا كضحية، بل كفاعل.
جمعية 'Assadaaka Community' التي أسسها في أمستردام الشرقية، أكثر من مجرد إطار للعمل الاجتماعي، فهي امتداد لرؤية أحمد في الاندماج الحقيقي، القائم على الكرامة لا على الشفقة، وعلى المشاركة لا على الإقصاء، ومنذ 1990، تحوّلت الجمعية إلى نقطة التقاء لمهاجرين من خلفيات متعددة، حيث يجدون دعما لغويا، ومرافقة اجتماعية، وأنشطة ثقافية، دون تمييز أو حواجز.
في مكاتبه المتواضعة، يستقبل أحمد يوميا الشيوخ، الشباب، والمهاجرين الجدد، يجلس معهم، يصغي، ويقترح، ويوجه، ثم يتكلم من واقع معاش، ومن تجربة شخصية يعرف فيها ما معنى الوحدة، والعجز، والغربة، لذلك، فإن كل لقاء مع أحمد يحمل ما هو أبعد حتى من النصيحة.
ورغم تقدمه في السن، وتقاعده رسميا، إلا أنه لا يغادر مقر الجمعية إلا نادرا، فهو يجد في العمل التطوعي دواءه الخاص، ويصر على أن يكون حاضرا في جميع تفاصيل الأنشطة التي ينظمها، من وجبات الطعام التضامنية التي توزع على من لا يجدون مدخلا للرزق أو حجرة تحميهم من طقس هولندا، إلى دورات اللغة التي تفتح أبوابا جديدة للاندماج.
ولأن الرجل يدرك أهمية التعليم، نسج علاقات واسعة مع مؤسسات تعليمية في هولندا، ليحول جمعيته إلى فضاء تدريب للطلبة والمتطوعين، ويجعل من 'الصداقة' مدرسة في العمل المجتمعي.
كثير من الشباب الذين تدربوا في الجمعية، يشغلون اليوم مناصب في منظمات الرفاه الاجتماعي، حريصين على نقل فلسفة أحمد في العمل.. أن تكون قريبا من الناس، لا وصيا عليهم.
ورغم العروض المتكررة لتوسيع تجربته إلى مدن هولندية أخرى، فضل أحمد البقاء في أمستردام، في الحي الذي احتضنه واحتضنه بدوره. بالنسبة له، ليس الحجم هو المعيار، بل العمق. المهم أن يكون مؤثرا حيث هو، وأن بصنع فرقا في حياة الناس مهما كانت الوسائل بسيطة.
هذا في زمن كثر فيه الحديث عن الهجرة والاندماج من زاوية الخوف أو الفشل، حيث يمثل أحمد المسري الوجه الآخر لهذه المعادلة، مهاجر صنع لنفسه ولغيره طريقا وسط العوائق، وأسس تجربة مجتمعية باتت نموذجا يحتذى، ليس فقط في هولندا، بل في كل بلد يؤمن بأن الكرامة والإنسانية لا تقاس بجواز السفر، بل بما يقدمه الإنسان من أثر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أحمد المسري… حين تتحوّل الإعاقة إلى رسالة حياة
أحمد المسري… حين تتحوّل الإعاقة إلى رسالة حياة

هبة بريس

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • هبة بريس

أحمد المسري… حين تتحوّل الإعاقة إلى رسالة حياة

طارق عبلا من هولندا في قلب العاصمة الهولندية أمستردام، وبعيدا عن صخب المراكز السياسية والاقتصادية، يتحرك رجل على كرسي كهربائي متحرك، لكن حضوره يتجاوز الحواجز المادية، ليرسم ملامح نموذج استثنائي لمغربي هولندي اختار أن يجعل من المحنة منطلقا للمعنى. أحمد المسري، اسم قد لا يتردد كثيرا في وسائل الإعلام المغربية، لكن أثره حاضر في تفاصيل الحياة اليومية لعشرات الأشخاص الذين وجدوا في الغربة 'جمعية الصداقة' التي أسسها منذ عقود، ملاذا إنسانيا، ومنصة للتلاقي، والتعلم، والتضامن. ولد أحمد في المغرب، وهاجر شابا إلى أوروبا في سبعينيات القرن الماضي، يحمل في جيبه القليل، وفي قلبه الكثير من الأسئلة حول العالم، والحرية، والانتماء. كانت رحلته الأولى نحو الشمال مغامرة شخصية، شبيهة بما يخوضه الشباب حين تضيق بهم الأوطان. غير أن المنعطف الحاسم في مسيرته لم يكن الهجرة، بل الحادث الأليم الذي تعرض له في هولندا، والذي تسبب له في إعاقة دائمة. غير أن أحمد لم يسمح للظروف أن تملي عليه مصيره، فقد أعاد بناء نفسه من نقطة الصفر، لا كضحية، بل كفاعل. جمعية 'Assadaaka Community' التي أسسها في أمستردام الشرقية، أكثر من مجرد إطار للعمل الاجتماعي، فهي امتداد لرؤية أحمد في الاندماج الحقيقي، القائم على الكرامة لا على الشفقة، وعلى المشاركة لا على الإقصاء، ومنذ 1990، تحوّلت الجمعية إلى نقطة التقاء لمهاجرين من خلفيات متعددة، حيث يجدون دعما لغويا، ومرافقة اجتماعية، وأنشطة ثقافية، دون تمييز أو حواجز. في مكاتبه المتواضعة، يستقبل أحمد يوميا الشيوخ، الشباب، والمهاجرين الجدد، يجلس معهم، يصغي، ويقترح، ويوجه، ثم يتكلم من واقع معاش، ومن تجربة شخصية يعرف فيها ما معنى الوحدة، والعجز، والغربة، لذلك، فإن كل لقاء مع أحمد يحمل ما هو أبعد حتى من النصيحة. ورغم تقدمه في السن، وتقاعده رسميا، إلا أنه لا يغادر مقر الجمعية إلا نادرا، فهو يجد في العمل التطوعي دواءه الخاص، ويصر على أن يكون حاضرا في جميع تفاصيل الأنشطة التي ينظمها، من وجبات الطعام التضامنية التي توزع على من لا يجدون مدخلا للرزق أو حجرة تحميهم من طقس هولندا، إلى دورات اللغة التي تفتح أبوابا جديدة للاندماج. ولأن الرجل يدرك أهمية التعليم، نسج علاقات واسعة مع مؤسسات تعليمية في هولندا، ليحول جمعيته إلى فضاء تدريب للطلبة والمتطوعين، ويجعل من 'الصداقة' مدرسة في العمل المجتمعي. كثير من الشباب الذين تدربوا في الجمعية، يشغلون اليوم مناصب في منظمات الرفاه الاجتماعي، حريصين على نقل فلسفة أحمد في العمل.. أن تكون قريبا من الناس، لا وصيا عليهم. ورغم العروض المتكررة لتوسيع تجربته إلى مدن هولندية أخرى، فضل أحمد البقاء في أمستردام، في الحي الذي احتضنه واحتضنه بدوره. بالنسبة له، ليس الحجم هو المعيار، بل العمق. المهم أن يكون مؤثرا حيث هو، وأن بصنع فرقا في حياة الناس مهما كانت الوسائل بسيطة. هذا في زمن كثر فيه الحديث عن الهجرة والاندماج من زاوية الخوف أو الفشل، حيث يمثل أحمد المسري الوجه الآخر لهذه المعادلة، مهاجر صنع لنفسه ولغيره طريقا وسط العوائق، وأسس تجربة مجتمعية باتت نموذجا يحتذى، ليس فقط في هولندا، بل في كل بلد يؤمن بأن الكرامة والإنسانية لا تقاس بجواز السفر، بل بما يقدمه الإنسان من أثر.

تيزنيت.. الأمطار تقطع الطريق في أربعاء أيت أحمد إثر انهيار أحجار
تيزنيت.. الأمطار تقطع الطريق في أربعاء أيت أحمد إثر انهيار أحجار

هبة بريس

time١٥-٠٣-٢٠٢٥

  • هبة بريس

تيزنيت.. الأمطار تقطع الطريق في أربعاء أيت أحمد إثر انهيار أحجار

تيزنيت.. الأمطار تقطع الطريق في أربعاء أيت أحمد إثر انهيار أحجار هبة بريس- تيزنيت تسبب انهيار الأحجار بفعل التساقطات المطرية اليوم الجمعة، بجماعة أربعاء أيت أحمد في إقليم تيزنيت، في قطع الطريق الرئيسية بمنطقة 'أكادير أونموليل'، مما عزل الساكنة المحلية وأدى إلى صعوبة التنقل. وفي هذا السياق، ناشدت الساكنة المحلية تدخل السلطات والجهات المختصةلإصلاح الطريق وفك العزلة عن المنطقة. وتعد الطريق المقطوعة شريان الحياة بالنسبة لسكان سبع دواوير في المنطقة، ما يفرض الحاجة الملحة والطارئة لإعادة فتح هذا المسلك الحيوي الذي يربطهم ببقية مناطق الإقليم.

إفطار رمضاني استثنائي يجمع المغاربة والهولنديين في مدينة فيرت (فيديو)
إفطار رمضاني استثنائي يجمع المغاربة والهولنديين في مدينة فيرت (فيديو)

هبة بريس

time١٠-٠٣-٢٠٢٥

  • هبة بريس

إفطار رمضاني استثنائي يجمع المغاربة والهولنديين في مدينة فيرت (فيديو)

طارق عبلا من هولندا في أجواء يملؤها الحب والتآخي، نظمت الجمعوية المغربية النشيطة مليكة زعبول إفطارا رمضانيا فريدا من نوعه في مدينة فيرت الهولندية، حيث جمعت حول مائدة واحدة مغاربة وهولنديين، مسلمين وغير مسلمين، في رسالة قوية تعكس قيم التعايش والانفتاح. مليكة زعبول من الشخصيات المغربية البارزة في مدينة فيرت الهولندية، حيث كرّست حياتها للعمل الاجتماعي والتطوعي، سواء من خلال عملها كممرضة أطفال في مستشفى St. Jans Gasthuis أو عبر أنشطتها الجمعوية التي تهدف إلى تعزيز التعايش بين مختلف مكونات المجتمع يأتي هذا الحدث في وقت تشهد فيه هولندا تحديات متعلقة بالتنوع والاندماج، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة في أمستردام وما تبعها من تداعيات سياسية واستقالات بارزة. وفي ظل تصاعد خطاب التفرقة والعنصرية، جاء هذا الإفطار ليؤكد أن المجتمع الهولندي، بمختلف مكوناته، قادر على تجاوز الخلافات وبناء جسور التواصل. شهدت الأمسية حضورا رسميا بارزا، حيث كانت القنصلية المغربية في دن بوش ممثلة في شخص القنصل المساعد، الحاجة سميرة مفيق، مرفوقة برؤساء الأقسام ومسؤولين آخرين من القنصلية العامة. كما حضر الحدث شخصيات هولندية رفيعة المستوى، من بينها والي الجهة وعمدة المدينة، إضافة إلى عدد من الوجوه البارزة في المجتمع الهولندي. تزامن الحدث مع اليوم العالمي للمرأة، مما أضفى عليه بعدًا إضافيا، حيث تم تكريم مجموعة من النساء المغربيات الناشطات في العمل الخيري والتضامني. وكانت اللحظة الأكثر تأثيرا عندما تم الاحتفاء بإحدى سيدات الجالية المغربية من الجيل الأول، التي كرست حياتها للعمل الاجتماعي ومساعدة المسنين والأطفال. غالبتها الدموع وهي تستمع إلى كلمات التقدير التي قيلت في حقها، ما يعكس المكانة التي تحظى بها بين أبناء الجالية والمجتمع الهولندي على حد سواء. هذا اللقاء لم يكن مجرد إفطار رمضاني، بل كان نموذجا يحتذى به في تعزيز الحوار والتعايش المشترك، وهو ما يجعل مثل هذه المبادرات ضرورية في ظل التحديات التي تواجهها الجاليات المسلمة في أوروبا. والرسالة الأبرز التي خرج بها الحاضرون هي أن التضامن والتقارب الإنساني أقوى من أي محاولات تفرقة، وأن روح رمضان يمكن أن تكون جسرا للتواصل بين الثقافات المختلفة. بفضل جهود مليكة الدؤوبة، لم تقتصر مساهمتها على المجال الصحي فحسب، بل امتدت أيضًا إلى دعم الجالية المسلمة في هولندا. ومن بين أبرز إنجازاتها، كان لها دور كبير في إنشاء مسجد داخل المستشفى، مما وفر للمرضى والزائرين المسلمين مكانا للصلاة، وهو ما يعكس التزامها بضمان بيئة شاملة تحترم التنوع الديني والثقافي. إن بصمة مليكة زعبول واضحة في المجتمع المحلي، حيث تسعى دائما لخلق مبادرات تجمع بين الهولنديين والمغاربة، المسلمين وغير المسلمين، لتعزيز روح التضامن والتعايش. ويأتي تنظيمها لهذا الإفطار الرمضاني ليؤكد رؤيتها بأن الحوار والتقارب الإنساني هما المفتاح لبناء مجتمع أكثر انسجامًا وعدالة. هبة بريس كانت حاضرة وتنقل لكم هذه الأجواء الفريدة في الروبوتاج التالي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store