logo
"السوريون الأكراد": ماضياً وحاضراً ومستقبلاً

"السوريون الأكراد": ماضياً وحاضراً ومستقبلاً

شفق نيوزمنذ 2 أيام

منذُ أنْ خطتْ أقدامُ الكردِ أرضَ الجزيرةِ السوريةِ منذُ ما قبلَ السومريينَ، وهمْ قدْ أسموا "الهوريينَ" الذي يتأتى منه الأكرادُ.. "KURTI"، حيثُ تعني "KUR" الجبلَ و "TI" هو الانتماءُ، أيْ شعبَ الجبلِ أو "الجبليونَ". وحتى يومِنا، ظلَّ هذا المكونُ الأصيلُ جزءاً لا يتجزأُ من فسيفساءِ المجتمعِ السوريِ، رغمَ كلِ المحاولاتِ الراميةِ إلى تهميشِه وتشويهِ تاريخهِ ووجودهِ.
الكردُ، الذينَ يشكلونَ اليومَ بينَ 12% و 15% من سكانِ سوريا، لم يكونوا يوماً ضيوفاً عابرينَ، بلْ أصحابَ جذورٍ ضاربةٍ في أعماقِ التاريخِ، امتدتْ منذُ عهدِ الحمدانيينَ حينَ كانَ سيفَ الدولةِ، الذي أسسَ حكمهُ في حلبَ عامَ 944 م، متزوجاً من ابنةِ أحمدَ بنِ عليٍ الكرديِ، وهو ما يعكسُ تداخلاً ثقافياً واجتماعياً قديماً لا يمكنُ إنكارهُ، كما أنه لا يجبُ أنْ ننسى أنَّ أربعةَ رؤساءَ حكموا سوريةَ هم من أصولٍ كرديةٍ: محمدَ عليٍ العابدِ، حسني الزعيمِ، فوزي سلو، أديبَ الشيشكلي.
لكنْ على الرغمِ من هذا العمقِ التاريخيِ، فقدْ تعرّضَ الكردُ في سوريا لسلسلةٍ طويلةٍ من التمييزِ والإقصاءِ، بلغتْ ذروتها في مشروعِ "الحزامِ العربيِ" الذي انطلقَ عامَ 1962، والذي سعى إلى تغييرِ التركيبةِ الديمغرافيةِ في الجزيرةِ السوريةِ عبرَ سحبِ الجنسيةِ من مئاتِ الآلافِ من الكردِ وحرمانِهم من حقوقِهم الأساسيةِ.
هذه السياساتِ لم تكنْ وليدةً لحظتِها، بلْ جاءتْ امتداداً لعقليةِ الدولةِ التي رأتْ في الأكرادِ تهديداً ينبغي تحجيمُه، تجلى ذلك حتى في ممارساتِ رؤساءِ الجمهوريةِ، كما في حادثةِ عامودا عامَ 1961، حينَ استُقبلَ وفدٌ كرديٌ يطالبُ بإنصافِ المعتقلينَ، ليكتشفَ أنَّ الرئيسَ السوري "ناظم القدسي" كانَ أكثرَ حماساً لإلحاقِ الأذى بالكردِ من غيرِه.
إنَّ معاناةَ الكردِ لم تتوقفْ عندَ التمييزِ السياسيِ، بلْ امتدتْ لتشملَ التدخلاتِ الإقليميةَ والدوليةَ في قضيتِهم. فقدْ شاركَ الجيشُ السوريُ في قمعِ الثورةِ الكرديةِ في العراقَ عامَ 1963، ووقفَ إلى جانبِ تركيا في تهديدِها لسوريا في 1998 لتسليمِ عبدِ اللهِ أوجلان، ما اضطرَّ الرئيسَ السوريَ آنذاك حافظَ الأسدَ إلى الرضوخِ والطلبِ من الزعيمِ الكرديِ الخروجِ من سورية، في مشهدٍ يجسدُ حجمَ الضغطِ التركيِ المستمرِ على الملفِ الكرديِ في سوريا والمنطقةِ.
وإذا كانَ الكردُ قدْ وجدوا أنفسَهم دوماً بينَ مطرقةِ الأنظمةِ وسندانِ الجغرافيا السياسيةِ، فإنَّ واقعَهم المعاصرَ أكثرُ تعقيداً. ففي 2014، أعلنَ حزبُ الاتحادِ الديمقراطيِ الكرديِ PYD تأسيسَ الإدارةِ الذاتيةِ وتقسيمَ المناطقِ الكرديةِ إلى ثلاثِ كانتوناتٍ، في محاولةٍ لبناءِ نموذجِ حكمٍ ذاتيٍ، لكنهُ ظلَّ خاضعاً للضغوطِ الخارجيةِ، سواءً من تركيا التي ترى في الكردِ تهديداً لأمنِها القوميِ وتنفذُ عملياتٍ عسكريةً مثلَ "درعِ الفراتِ" و"غصنِ الزيتونِ" لضربِ الوجودِ الكرديِ، أو من الولاياتِ المتحدةِ التي دعمتْ قواتِ سوريا الديمقراطيةِ "قسد" في حربِها ضدَّ داعشَ، لكنها تركتْ الملفَّ الكرديَّ معلقاً في لعبةِ المصالحِ الإقليميةِ والدوليةِ، كما فعلتْ في عفرينَ عندما منعتْ روسيا النظامَ السوريَ من دعمِ الكردِ هناك ضدَّ الهجومِ التركيِ، مما أدى إلى كارثةٍ إنسانيةٍ وسيطرةٍ تركيةٍ.
وعلى الرغمِ من هذه التحدياتِ، يظلُّ الكردُ في سوريا مكوناً أصيلاً، يحملُ ثقافةً غنيةً، ولغةً عريقةً، وتراثاً موسيقياً وأدبياً وشعرياً أغنى به المشرقَ، وهمْ كغيرِهم من مكوناتِ المجتمعِ السوريِ، تربطُهم علاقاتٌ تاريخيةٌ مع العربِ والسريانِ والآشوريينَ والأرمنِ والدروزِ والإيزيديينَ وغيرِهم.
وكما كتبَ بعضُ المفكرينَ العربِ، فإنَّ الكردَ ليسوا وافدينَ أو غرباءَ، بلْ هم سكانٌ أصيلون في هذه الأرضِ، يشهدُ على ذلك تداخلُهم مع العربِ منذ عصورٍ طويلةٍ، وتاريخُهم المشتركُ في مواجهةِ الغزواتِ والصراعاتِ.
غيرَ أنَّ الخطابَ السياسيَّ الكرديَّ نفسهُ لم يكنْ دوماً بعيداً عن الإشكالياتِ، إذْ شهدَ انقساماتٍ حادةً بين التياراتِ والقياداتِ، وأحياناً ممارساتٍ سلطويةً تجاه المختلفينَ في الرأي داخلَ المناطقِ التي يديرونها، أو طفوليةَ المكاتبِ السياسيةِ لمجلسهم ولبعضِ الأحزابِ في مدنٍ مثلَ حلبَ وغيرها، التي لم تَرتقِ إلى مستوى معاناةِ الأكرادِ عبر التاريخِ الحديثِ أو هي أقلُ من مستوى الأحداثِ، كلُّ هذا ساهمَ في إضعافِ الصفِّ الكرديِّ أمامَ التحدياتِ الكبرى.
إنَّ الحديثَ عن الكردِ في سوريا لا يكتملْ من دونِ الإشارةِ إلى التراجيديا التي تجسدتْ في صورةِ الطفلِ "إيلان" الكرديِّ، ذو الثلاث سنوات، والذي وجدهُ العالمُ في 2 أيلول 2015، جثةً على شاطئِ بودرومَ التركية، لتكونَ رمزاً لمأساةِ شعبٍ يبحثُ عن مكانٍ آمنٍ وكرامةٍ مهدورةٍ.
ورغم كلِّ ذلك، فإنَّ الأملَ يبقى قائماً في أن تعودَ سوريا وطناً جامعاً لكلِّ مكوناتها، بما فيها الكردُ، على قاعدةِ المواطنةِ الكاملةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، بعيداً عن الإقصاءِ والعنصريةِ، ومبنيةً على الاعترافِ المتبادلِ بالتنوعِ الذي شكلَ روحَ هذه الأرضِ عبر العصورِ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأهالي يتجمهرون لاستقبال الدفعة الثانية من تبادل الأسرى استكمالاً لبنود الاتفاقية بين المجلس العام وسلطة دمشق
الأهالي يتجمهرون لاستقبال الدفعة الثانية من تبادل الأسرى استكمالاً لبنود الاتفاقية بين المجلس العام وسلطة دمشق

حزب الإتحاد الديمقراطي

timeمنذ 5 ساعات

  • حزب الإتحاد الديمقراطي

الأهالي يتجمهرون لاستقبال الدفعة الثانية من تبادل الأسرى استكمالاً لبنود الاتفاقية بين المجلس العام وسلطة دمشق

استكمالاً لبنود الاتفاقية المبرمة بين المجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية وسلطة دمشق والذي تضمن تبييض السجون،سيتم اليوم الأربعاء 28 مايو، ، استقبال الدفعة الثانية من الأسرى. وتم رصد عملية تجهز الأهالي لاستقبال أبنائهم من قبل مراسلات موقع حزب الاتحاد الديمقراطيPYD في مدينة حلب. وأفادت المصادر أن إطلاق سراح الدفعة الثانية من الأسرى جاء بعد جهود حثيثة من قبل المجلس العام لأحياء الشيخ مقصود والأشرفية وسلطة دمشق لتطبيق بنود الإتفاقية على أرض الواقع. يتبع..

دير الزور… شبيبة حزبنا تعقد ندوة حوارية لمناقشة التحديات السياسية التي تواجه الشبيبة
دير الزور… شبيبة حزبنا تعقد ندوة حوارية لمناقشة التحديات السياسية التي تواجه الشبيبة

حزب الإتحاد الديمقراطي

timeمنذ 9 ساعات

  • حزب الإتحاد الديمقراطي

دير الزور… شبيبة حزبنا تعقد ندوة حوارية لمناقشة التحديات السياسية التي تواجه الشبيبة

تحت شعار 'الشباب هم القوة الديناميكية للمجتمع' نظم مجلس الشبيبة في حزب الاتحاد الديمقراطيPYD في مقاطعة دير الزور ندوة حوارية، لمناقشة التحديات السياسية التي تواجهها الشبيبة وتعزيز الوعي لدى الفئة الشابة بما يضمن مشاركتهم الفعّالة في بناء المجتمع. نُظمت الندوة في مكتب حزب الاتحاد الديمقراطيPYD بدير الزور، وشهدت حضوراً لافتاً للفئة الشابة ضمن المدينة بالإضافة لممثلين وممثلات عن حزب الاتحاد الديمقراطيPYD ومؤسسات الإدارة الذاتية. واستهلت بالوقوف دقيقة صمت إجلالاً لأرواح الشهداء، من ثم تم تسليط الضوء على الأوضاع السياسية الراهنة التي تشهدها الساحة السورية والتحديات السياسية التي تعاني منها المنطقة، بالإضافة لمناقشة قضايا عدة تخص الفئة الشابة والتحديات والفرص التي تواجههم في المنطقة. وتناولت الندوة التحديات السياسية التي تواجه الفئة الشابة وتأثيرها على الشباب، ودور الشباب في التغيير والتفاعل مع المؤسسات لضمان تحقيق الأهداف المشتركة، مشددة إلى أهمية تمكين الشباب للمشاركة الفعالة في صنع القرار وتعزيز دورهم في تشكيل السياسات التي تؤثر على حياتهم. وشهدت الندوة مساحة حوار مفتوحة أمام الحضور للإدلاء بالآراء وتقديم المقترحات بما يضمن حقوقهم، وأن يكن لهم بصمة خاصة في بناء سوريا ديمقراطية لا مركزية. وانتهت الندوة بجملة من القرارات والتوصيات لتمكين الشبيبة في جميع مناحي الحياة وتضمنت إنشاء منصات تفاعلية تتيح للشباب التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم، ودعم مبادراتهم لتعزيز الوعي السياسي والاجتماعي. تعتبر هذه الندوة خطوة هامة نحو تعزيز الوعي السياسي لدى الشباب، وفتح آفاق جديدة لمشاركتهم الفعالة في بناء المجتمع، إذ يظل الشباب القوة الديناميكية القادرة على إحداث الفارق، ومن المهم أن تتكاتف الجهود لدعمهم وتمكينهم من تحقيق تطلعاتهم في بناء مستقبل أفضل.

الرباط… انطلاق أعمال مؤتمر اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية بمشاركة ممثلين عن حزبنا
الرباط… انطلاق أعمال مؤتمر اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية بمشاركة ممثلين عن حزبنا

حزب الإتحاد الديمقراطي

timeمنذ يوم واحد

  • حزب الإتحاد الديمقراطي

الرباط… انطلاق أعمال مؤتمر اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية بمشاركة ممثلين عن حزبنا

شارك وفد عن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في مؤتمر اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية في العالم العربي المنعقد في العاصمة المغربية الرباط، لتبادل التجارب وتعزيز التضامن في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة، بمشاركة ممثلين عن 16 دولة. انطلقت اليوم أعمال مؤتمر اتحاد الشبيبة الاشتراكية الديمقراطية في العالم العربي تحت شعار' دورة فلسطين'، بمشاركة وفد رسمي عن حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، إلى جانب وفود رسمية كل من 'حزب الاتحاد الوطني الكردستاني و حزب الاشتراكي الوطني الكردستاني، وفود شبابية من مختلف الحركات والأحزاب و القوميات والدول العربية'. وضم وفد حزبنا 'سليمان عرب' الرئاسة المشتركة لمكتب العلاقات العامة، شيار خلو و دليفان رشيد الرئاسة المشتركة لمجلس شبيبة حزبنا. ويُعتبر وفد حزب الاتحاد الديمقراطي PYD المشارك الوحيد من سوريا في المؤتمر، إلى جانب الأحزاب الكردية المشاركة من إقليم كردستان' حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب الاشتراكي الوطني الكردستاني' مما يعكس حضوراً كردياً مميزاً خلال المؤتمر. بدأت أعمال المؤتمر بإلقاء العديد من الكلمات من قبل الوفود المشاركة والتي أكدت على أن المؤتمر يُشكل محطة شبابية هامة من مختلف الدول لمناقشة قضايا وملفات تخص الواقع الراهن والتحديات التي تواجهها الشبيبة. وخلال المؤتمر سيُلقي 'سليمان عرب' الرئاسة المشتركة لمكتب العلاقات في حزب الاتحاد الديمقراطي كلمة في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر، تتناول رؤية الحزب حول دور الشباب في بناء المجتمعات الديمقراطية وتعزيز التضامن الأممي بين شعوب المنطقة. وسيُختتم المؤتمر بإصدار بيان ختامي يتضمن أبرز ما توصلت إليه الوفود المشاركة من توصيات وقرارات، كما من المقرر أن تستمر أعمال المؤتمر لغاية الــ30 من الشهر الجاري.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store