logo
سودانيون في مرمى النيران.. رهائن الحرب منسيو العالم

سودانيون في مرمى النيران.. رهائن الحرب منسيو العالم

التغيير١٢-٠٤-٢٠٢٥

الخرطوم: 12 ابريل 2025 – مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، تتسع الفجوة الإنسانية على نحو غير مسبوق، مدفوعة بتراجع حاد في الدعم الإنساني الدولي، وتآكل قدرات المنظمات العاملة في الميدان أمام الملايين من المدنيين المحاصرين في مناطق النزاع دون غذاء، أو دواء، أو خدمات أساسية، في ظل انهيار شبه تام للبنية التحتية، وغياب أي مؤشرات على تحرك دولي فعال لاحتواء الأزمة، على الصعيدين الإنساني والسياسي. ملامح الانهيار المتسارع للواقع الإنساني في السودان تبدو واضحة على أرض الواقع وبشهادة المتعايشين مع الأوضاع بما يكشف عن الأبعاد والمواقف الإقليمية والدولية للكارثة، وانعكاساتها المباشرة على الفئات الأكثر هشاشة وخطورة العجز الدولي وعدم توحد الجهود الوطنية، ليس فقط كعامل إهمال أو ضعف، بل كعناصر تُسهم في إطالة أمد الحرب، وتضاعف من كلفتها الإنسانية والسياسية.
المدير التنفيذى للمجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات، والمدير التنفيذى لمنظمة مناصرة ضحايا دارفور آدم موسى اوباما في حديثه لـ(مداميك) أكد أن تراجع الدعم الدولى الإنسانى خلق فجوة شاسعة، مبيناً أن هنالك عدد كبير في المنظمات اغلقت وقامت بتسريح العاملين بها بصورة نهائية، ما عمق مشكلات مثل البطالة باعداد كبيرة، وإعتماد أسر على مرتبات اولئك العاملين في ظل أوضاع الحرب وانعاكاساتها على المجتمعات. ملايين من الناس حياتهم اصبحت معرضة للخطر، في المعسكرات بدارفور ومعسكرات اللاجئين بدول الجوار ما يهدد حياة الناس وبقاءهم. فيما انعكس ذلك على التعليم والصحة. وأكثر تلك الشرائح تأثرا هم النساء والاطفال والذين تعرضوا لانتهاكات كبيرة جدا. وقال اوباما: 'تراجع الاهتمام الدولى خلال العام الأخير من الحرب بالسودان لديه انعكاساته السالبة ويشجع اطراف الحرب على الاستمرار في الانتهاكات ضد المدنيين. ويمتد للتأثير على السلم والأمن الدوليين، فموقع السودان الاستراتيجى أثر كثيرا على استقرار دول الجوار، في جنوب السودان الذي اصبح ملتهبا، وليبيا واثيوبيا كذلك افريقيا الوسطى وغيرها. ونلاحظ التأثير إذا انتبهنا لخروج مستشفيات عديدة ومراكز صحية عن الخدمة، والعجز عن توفير التمويل لتطعيم الأطقال، كذلك بالنسبة للتعليم فالاطفال وعلى مدى عامين لم يلتحقوا بالدراسة ، في ظل شبه الإنهيار الكامل لمؤسسات الدولة في السودان وانعدام امكانية اليونيسيف وغيرها من المنظمات لتقديم الدعم وسد الفجوة في مثل هذه الظروف بعد تخفيف ميزانياتها'. وأضاف موضحاً نتائج تلك الأوضاع: 'ذلك العجز يساعد في إتجاه إنتشار الامية واستغلالهم من أطراف الحرب بتجنيدهم ليكونوا وقوداً للحرب.. فنقص الدعم كارثة كبيرة في مقابل ضعف وتراجع التعاطي معه..'.
وتهدف خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للسودان لعام ٢٠٢٥ إلى دعم ما يقرب من (20.9 مليون) شخص من الفئات الأكثر ضعفًا، بمن فيهم النساء والأطفال والنازحون، من خلال توفير المساعدات المنقذة للحياة والحماية وإمكانية الحصول على الخدمات الأساسية. وتسعى الخطة إلى جمع (4.2 مليار) دولار . ويحتاج (30.4 مليون) شخص إلى المساعدة خلال العام. ومن بينهم (16 مليون) طفل .
مدنى عباس مدنى وزير الصناعة والتجارة السابق في حديثه لـ(مداميك) أكد عظم التحدي الذي يواجه الموقف الإنساني في السودان، مشيراً إلى مقارنة موقف التمويل والاحتياجات في السنة الأولى للحرب، مقارنة مع تنامي الحوجة المالية وعدد المحتاجين أمام تراجع الاهتمام الدولي وضعف الاستجابة في العام الثاني للحرب . وقال : ' في العام الماضى كانت هنالك مساعدات غطت نحو 15 مليون سودانى بتمويل قدره (1.8 مليار دولار)، وكانت أقل من المطلوب، الآن نتحدث عن 25 مليون شخص او يزيد .. مع تجميد المعونة الامريكية الذي أصبح مهدداً للتمويل الدولى، فهى الممول الأساسي، حتى لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى التى تعمل في المجال الانسانى. وبدأ بالفعل توقف كامل لبعض المشاريع ذات الطابع الانسانى والمتعلقة بحقوق الانسان. والامم المتحدة تحتاج لتقديم دعم بتكلفة (4.2 مليار دولار) ' .
وطرح مدني تساؤل بعد التسليم بتراجع الإهتمام الدولي بالسودان، مع ما يحدث بالعالم من أحداث وتحولات سياسية وهزات اقتصادية واولية المصالح الدولية، هل تستطيع تلك المنظمات بأن تنجح في توفير التمويل ؟ وقال : ' هنالك مجهودات لا يمكن تجاوزها تقوم بها العديد من المنظمات الدولية والمحلية والمجموعات القاعدية والسودانيين بالخارج الذين يقومون بدعم الأسر والمرافق الصحية والتكايا داخل السودان، لكن تظل الحوجة اكبر' . مؤكداً أهمية أن تقوم المنظمات الدولية والوطنية والمجموعات القاعدية بالعمل في مجال المناصرة، وتوضيح ابعاد الوضع الانسانى بالسودان وضرورة جلب تمويل المناسب لمعالجة الاوضاع السيئة .
مدني عباس في حديثه حذر من إنعكاسات الوضع الكارثي على الأطفال كشريحة أكثر تضرراً من الحرب إلى جانب النساء. منبهاً إلى وجود 5 مليون طفل دون مأوى، و 17 مليون خارج المدرسة، و 3.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد . الأمر الذي ينذر باستغلال الأطفال في الحرب وينبىء بجيل يعيش الضياع في وضع كارثى. وقال : ' من الأهمية أن يكون هنالك اتفاق برعاية الأمم المتحدة لضمان وصول المساعدات الانسانية وتوفير الممرات الآمنة والخدمات وضمان سلامة العاملين الإنسانيين '.
الباحث في قضايا المجتمع المدنى رافت عباس لم يتفق مع فرضية تراجع الإهتمام الدولي بالسودان سياسياً، فالسودان برأيه لم يحظ في الأساس بالإهتمام اللازم مع إنشغال العالم بحرب غزة والحرب الاوكرانية – الروسية، والإنشغال حالياً بمسألة الرسوم الجمركية. وقال في حديثه لـ(مداميك) : ' الدول التى كانت تركز على قضية حرب سودانية مازالت متمسكة بموقفها وهم الفاعلين في الاقليم الاتحاد الافريقي والايقاد وكل الدول المؤثرة مازالوا متمسكين بمواقفهم ضد الحرب وضرورة إيقافها، ومازال الاتحاد الاوروبي على موقفه ،امريكا في ظل ادارة بايدن فرضت عقوبات على شركات سودانية واماراتية وافراد من الدعم السريع وفي إدارة ترامب في الفترة الاخيرة كانت هناك تصريحات من وزير الخارجية والمتحدثة باسم البيت الأبيض أكدوا تمسكهم بالموقف ضد الحرب وضرورة وقفها ودعمهم لوجود حكومة مدنية ديمقراطية في السودان وسيعملون مع الشركاء الدوليين والاقليمين من اجل تحقيق هذا الهدف، وتواصلوا مع جهات فاعله السعودية ودول اخرى .. كذلك الرئيس الفرنسي ماكرون صرح في مصر حول كيفية الدفع بجهود السلام وايقاف الحرب وتأسيس دولة مدنية .. ' .
وأكد رأفت على تراجع الدعم الدولى، وأهمه دعم وكالة المعونة الامريكية، بشكل كبير وانعكاسات تأثيره على الوضع الإنساني للمتأثرين بحرب السودان . وأشار إلى تقارير بتوقع تفاقم الأوضاع حتى مايو 2025 حال استمرار الحرب، وأن حوالى 80% من المطابخ التى كانت توفرها غرف الطوارىء والشباب والرجال المتواجدين في بعض المناطق توقفت بسبب ضعف التمويل، وأن حوالى 75% من المؤسسات الصحية والمراكز الطبية انهارت كلياً، وقياساً على ضعف الوضع الصحي في الظروف العادية يصبح الوضع كارثياً . ويواصل رأفت عباس وفقاً للتقارير بحدوث إنهيار واسع للنظام التعليمي فحوالى 19 مليون طفل حاليا خارج المدارس، 90% من المدارس تم تدميرها أو مغلقة. ويقول: 'لو كان هناك دعم دولى في ظل هذه الظروف كان يمكن ان تكون هناك مدارس بديلة في مناطق النازحين'. ويضيف: 'ما لم تتوقف الحرب لا يمكن الحديث عن أي حلول ولابد من إرادة وطنية قوية ووحدة مدنية تعمل على إيقاف الحرب وتأسيس دولة مدنية..'.
اسبقية توحيد الجبهة المدنية الداخلية وعدم التعويل كلياً على المجتمع الدولي دعوة أكدتها د. أديبة ابراهيم السيد عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان وعضو غرفة ١٥ ابريل، دعت إلى تكاتف الجهود وتكوين جبهة عريضة تنادي بوقف الحرب وتحقيق السلام ، وقالت في حديثها لـ(مداميك) : ' لا أعول على المجتمع الدولي لأن جميع الدول تعمل لمصالحها .. لذلك أرى أن يلتفت المجتمع السوداني لوطنه المهدد بأن يكون أو لا يكون .. الأوضاع الإنسانية تتفاقم نتاج الحرب العبثية، في ظل الحصار الخانق الذي فرضه الدعم السريع من جهه والقوات المسلحة من جهة، والإنعدام الكامل لمواد الإغاثة والادوية المنقذة للحياة وعدم وجود ممرات آمنه وموت وتنكيل واغتصاب وانتهاكات فظيعة في كل انحاء السودان .. وتدمير كامل للبنية التحتية وتأمر عدد من دول الجوار والمحور الاقليمي والتعتيم الإعلامي وتغبيش الوعي.. وكثرة المبادرات والمزايدات السياسية التي عملت لعدم توحيد رؤية الجماهير لايقاف الحرب .. وجود منصة إعلام جماهيري موحدة للشعب السودانى تخاطب العالم اذا وجدت ستجذب اهتمام المنظمات العالمية وتؤدى لتفاعلاها وتقديم المساعدات..'.
SilenceKills #الصمت يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع في السودان لايحتمل التأجيل #StandWithSudan #ساندواالسودان #SudanMediaForum

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع الإنساني في السودان
الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع الإنساني في السودان

التغيير

timeمنذ 3 ساعات

  • التغيير

الأمم المتحدة تحذر من تدهور الوضع الإنساني في السودان

مع استمرار الصراع في السودان، حذرت الأمم المتحدة من تدهور الوضع الإنساني في البلاد. وأوضح ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن تصاعد القتال في مناطق مختلفة عبر السودان يدفع المدنيين إلى الفرار من منازلهم إلى الملاجئ. التغيير ــ وكالات كما أضاف المتحدث، نقلا عن المنظمة الدولية للهجرة، أنه في ولاية غرب كردفان، أجبر تزايد انعدام الأمن ما يقرب من 47 ألف شخص على النزوح من بلدتي الخوي والنهود هذا الشهر. وقال إن العديد من هؤلاء الأشخاص كانوا بالفعل نازحين داخليا، ويجبرون الآن على التنقل للمرة الثانية. نزوح ألف شخص وفي ولاية شمال دارفور، نزح حوالي ألف شخص من مخيم أبو شوك ومدينة الفاشر في الأسبوع الماضي وحده، مما رفع العدد الإجمالي للنازحين من هذين المكانين هذا الشهر إلى 6 آلاف شخص. وذكر المتحدث أن شمال دارفور تستضيف ما يقدر بأكثر من 1.7 مليون نازح إجمالا. ويؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تعميق الأزمة. وقال إن الأمم المتحدة قلقة أيضا من تصاعد حالات الكوليرا في بعض المناطق في ولاية الخرطوم. وقال: 'على الرغم من أن العاملين في المجال الإنساني يبذلون قصارى جهدهم لمساعدة المحتاجين، فإننا نكرر الحاجة الملحة لمزيد من الوصول والتمويل المرن'. كما أشار إلى أنه حتى الآن، لم يتم تلقي سوى 552 مليون دولار أميركي من التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية لهذا العام، والتي تتطلب 4.2 مليار دولار. يذكر أن الحرب المستمرة في السودان منذ 15 أبريل 2023 بين الجيش والدعم السريع أدت إلى كارثة إنسانية هائلة، إذ تسبب النزاع بسقوط عشرات آلاف القتلى، وتهجير أكثر من 13 مليون شخص بين نازح ولاجئ، فيما غرقت أنحاء عدة من البلاد في المجاعة، وفق تقديرات أممية.

رفع العقوبات عن السودان وسوريا: ثمن الانعتاق أم مسرحية الابتزاز؟
رفع العقوبات عن السودان وسوريا: ثمن الانعتاق أم مسرحية الابتزاز؟

التغيير

timeمنذ 4 أيام

  • التغيير

رفع العقوبات عن السودان وسوريا: ثمن الانعتاق أم مسرحية الابتزاز؟

رفع العقوبات عن السودان وسوريا: ثمن الانعتاق أم مسرحية الابتزاز؟ محمد الحسن محمد نور حينما خرج السودانيون في ديسمبر 2018 يهتفون للحرية والسلام والعدالة، ظنّ كثيرون أن الثورة ستفتح أبواب الدعم الدولي لحكومة مدنية تقود البلاد نحو مرحلة جديدة من النماء والازدهار، غير أن ما جرى بعد الإطاحة بعمر البشير في أبريل 2019 لم يكن دعمًا بل اختبارًا قاسيًا، كشفت فيه الولايات المتحدة عن وجهٍ آخر: وجه يُشيد علنًا بالثورة بينما يبتزها في الغرف المغلقة، ويعرقل كل خطوة نحو التحول الديمقراطي. لكن هذا المشهد المليئ بالحيوية والتضحيات الجسام والتنازلات المؤلمة التي قبلها السودان من أجل العبور والوصول للدولة المدنية الديمقراطية، لم تشفع للسودان، فقد قوبل كل ذلك البذل مؤخرًا بمواقف مخيبة للآمال وكان آخرها الوقفة الفجة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذى خرج على الهواء مباشرة ليعلن رفع العقوبات عن سوريا بصورة فورية، دون مفاوضات، دون شروط، دون تعويضات، بل دون الرجوع لمؤسسات الدولة، لا كونجرس لا مجلس شيوخ ولا ولا.. أي اعتبار آخر، وبالطبع لا يمكن أن يكون قد خطر بباله وقتها ما فرصه على السودان من أثمان باهظة من أجل الوصول إلى هذا الهدف. ولكي تتضح الصورة وتسهل المقارنة، نورد بعض ما تعرض له السودان في سبيل رفع العقوبات الأمريكية الجائرة عن كاهله. أولًا: السودان بعد الثورة- طريق شائك مليء بالإملاءات بعد الثورة، تسلّمت حكومة انتقالية بقيادة عبد الله حمدوك مهامها وسط اقتصاد منهار وتطلعات شعبية ضخمة. لجأت إلى تحسين العلاقات مع واشنطن باعتبارها مفتاح الانفتاح الاقتصادي، لكن إدارة ترامب استغلت الوضع لفرض أجندتها: شروط مذلّة مقابل 'رفع العقوبات' الضغط للتطبيع مع إسرائيل: عبر استدراج رئيس مجلس السيادة البرهان لمقابلة نتنياهو في يوغندا، بعيدًا عن أعين وإرادة الشعب. تعويضات بمئات الملايين: 330 مليون دولار دفعت كتعويضات لأسر ضحايا تفجيرات لم تُثبت مسؤولية السودان عنها، بل سبق أن برّأته منها المحكمة الأمريكية. فرض سياسات خارجية: قطع العلاقات مع إيران، الانضمام للتحالف السعودي في اليمن، وتقديم ملفات أمنية حساسة لواشنطن. رفع جزئي ومقيّد للعقوبات في 14 ديسمبر 2020، شُطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ظل شكلياً فقط دون أن يخرج منه السودان بأى فائدة، وفوق هذا وذاك، ظلت هناك عقوبات فردية مفروضة على شخصيات عسكرية. ظلّ السودان محرومًا من التكنولوجيا والخدمات المتقدمة. رُبط أي دعم اقتصادي جديد بـ'التقدم الديمقراطي' وفق تقييم واشنطن. وبالطبع فإن واشنطن كانت تعلم أن التقدم الديمقراطى قد بات مستحيلا فى ظل العراقيل التي زرعتها وكانت السبب الأول في حالة الانشقاق والاستقطاب الحاد في الشارع السوداني. ثانيًا: أمريكا والنفاق السياسي- تشجيع الثورة وعرقلة نجاحها رغم التصريحات المنمّقة عن دعم التحول الديمقراطي، فإن السياسات الأمريكية تجاه السودان عكست تناقضًا صارخًا: دعم شكلي للثوار، مقابل ضغوط خانقة على الحكومة الانتقالية. منع استثمارات حقيقية، وعرقلة الوصول إلى الأسواق العالمية مستحيلة، كما ظلت حركة الصادر مكبلة بفعل الإجراءات البنكية، ورفض إصدار وثائق صادر من قبل نظام سويفت، وهكذا ظلت الإجراءات العقابية سارية، خطاب إعلامي يروّج للسودان كنموذج، بينما السياسات على الأرض تُكبل حركته بقيود استعمار اقتصادي. ثالثًا: المفارقة السورية- صدمة الرئيس ترامب العقوبات الأمريكية يمكن أن تُرفع هكذا… بجرّة لسان! وعلى الهواء مباشرة!!!!!!! في مشهد لا يخلو من العبث، ولا يليق برؤساء الدول، ولا والدبلوماسية، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليعلن، بكل بساطة، وبطريقته المعلومة، وعلى الهواء مباشرة رفع العقوبات عن سوريا، والاطراء على رئيسها الجديد أحمد الشرع الذي تغير اسمه السابق من الجولاني الذي كان مطلوباً من قبلهم بالأمس مقابل عشرة ملايين دولار لاتهامه بالإرهاب. مشهد ينبىء عن صفقة مشبوهة تزكم الأنوف، بين كل من أمريكا وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل لإعادة تقسيم النفوذ. فأين كانت 'المعايير الأمريكية'؟ وأين اختفى الحديث عن حقوق الإنسان، والعدالة، والتعويضات، والتحولات الديمقراطية؟ هل يحق لدولة عظمى أن تتعامل مع معاناة الشعوب بهذا القدر من الاستخفاف وعدم المسؤولية؟ رابعًا: أمريكا… بين الاستراتيجية المزعومة وواقع الارتجال تتفاخر واشنطن دومًا بأنها تسير وفق رؤى استراتيجية وضعتها مراكز أبحاثها وجنرالاتها، تُخطط للقرن القادم، وتستشرف موازين القوى. لكن الواقع يُثبت أن كثيرًا من قراراتها الحاسمة تُصاغ على هوى اللحظة، وبمزاج رؤسائها: ترامب يفاوض السعودية كمن يبيع 'صفقات مشبوهة': 'أنا أحبك يا بن سلمان'، أحمد الشرع شخص رائع،، كلكم رائعون،، نحن نحميكم،، 'لولا أمريكا لما بقيتم ساعة!' يعرض غزة للبيع، يريد أن يضم كندا، ويشتري غرينلاند، ويُغيّر أسماء الخلجان والمعالم الجغرافية! هكذا يتكلم بكل جرأة، فهو ربما يظن أنه يملك هذا العالم،، بلا حدود، تماماً كالمصاب بالخرف! يعربد اقتصاديًا بفرض الرسوم الجمركية كما يشاء، ضاربًا عرض الحائط بمنظمة التجارة العالمية التي كانت بلاده من أبرز مؤسسيها. فهل هذه استراتيجيات أم انفعالات؟ هل هي مصالح طويلة الأمد أم نزوات لحظية؟ الخاتمة: أمريكا بين الترهيب والانحدار لقد اغترّت أمريكا بقوتها، وبدل أن تمارس دورًا أخلاقيًا يليق بمكانتها كمؤسس لميثاق الأمم المتحدة، اختارت أن تعربد في العالم، وتُسقِط المبادئ التي طالما ادّعتها في سلة المهملات. تُروج للديمقراطية حيث يخدمها ذلك، وتدعم أنظمة قمعية حين تحتاجها. تُدين الإرهاب لفظًا، لكنها ترعاه حين يخدم مصالحها. تُغذي النزاعات، ثم تتنصل من نتائجها. والسؤال الأهم: لماذا تصرّ أمريكا على اتباع سياسة الترهيب المقنع الآن في الشرق الأوسط؟ لماذا تتشبث بإسرائيل وتغضّ الطرف عن الجرائم وإشعال الحروب والتوسع، وسياسة الفصل العنصري والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذى ترتكبه؟؟؟ لماذا لم تبنِ شراكات حقيقية مع دول الخليج وأفريقيا، تُحقّق التوازن بدل الهيمنة؟ لكن يبدو أن فاتورة هذه السياسات بدأت تصل: تمرد الحلفاء. تصاعد التململ في أوروبا. تنامي الرفض في الجنوب العالمي. والأرجح أن هذا ليس إلا بداية النهاية لعصر الهيمنة الأمريكية، فالمتضررون سيتّحدون لا محالة في وجه الغطرسة الأمريكية فالباب قد بات مشرعا أمام قوى أخرى لتشكيل نظام عالمي جديد، لا تُرسم فيه السياسات من واشنطن وحدها، بل من قِبل شعوبٍ قررت أن تتوقف عن دفع ثمن (البلطجة) والغطرسة الأمريكية.

الذهب وتمويل الحرب في السودان: من الفوضى إلى أدوات السيطرة
الذهب وتمويل الحرب في السودان: من الفوضى إلى أدوات السيطرة

التغيير

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • التغيير

الذهب وتمويل الحرب في السودان: من الفوضى إلى أدوات السيطرة

الذهب وتمويل الحرب في السودان: من الفوضى إلى أدوات السيطرة عمر سيد أحمد مقدمة: ماضٍ ملكي وثروة منسية لآلاف السنين، كان الذهب محورًا للحضارات التي ازدهرت في ما يُعرف اليوم بالسودان، لا سيما مملكتي كوش ونبتة. سُمّيت المنطقة 'نوبيا' أو 'أرض الذهب' عند المصريين والإغريق القدماء، في إشارة إلى وفرة هذا المعدن وارتباطه بالسيادة والتجارة. وتشهد على ذلك النقوش في نبتة ومروي، والمسارات التجارية التي ربطت أسوان، حلفا، مروي، وسواكن (وزارة المعادن، 2024). لكن ما كان مصدرًا للسيادة، أصبح في العقود الأخيرة وقودًا للفوضى والانقسام، حيث يُستغل الذهب لتمويل الصراعات، ويُهرّب في ظل ضعف مؤسسي وانهيار أجهزة الدولة (Global Witness، 2022؛ Chatham House، 2025). الذهب: خزينة حرب بدلًا من مورد للتنمية رغم أن السودان يمتلك واحدة من أكبر احتياطيات الذهب في إفريقيا، إلا أن هذه الثروة تُستغل لتمويل الحرب والتهريب بدلاً من دعم الاقتصاد. تُقدّر التقارير أن الإنتاج الرسمي بين أبريل وأغسطس 2023 بلغ نحو 2 طن فقط، بينما يُهرّب ما بين 50% إلى 80% من الإنتاج الفعلي، خصوصًا عبر الإمارات العربية المتحدة (Sudan Tribune، 2023؛ Time Magazine، 2024). ويُستخدم الذهب في تمويل كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 (Chatham House، 2025). الإنتاج والتصدير: أرقام مضللة شهد قطاع الذهب نموًا كبيرًا بعد 2010، وبلغ ذروته في 2016 بإنتاج بلغ 93 طنًا، لكنه تراجع لاحقًا ليصل إلى 34.5 طنًا في 2022، ثم ارتفع مجددًا إلى 65 طنًا في 2024 (وزارة المعادن، 2024). ومع أن الإنتاج ارتفع، انخفضت الإيرادات من 2.02 مليار دولار في 2022 إلى 1.6 مليار دولار في 2024، رغم ارتفاع أسعار الذهب عالميًا بنسبة 30% (مجلس الذهب العالمي، 2024). تُشير هذه الفجوة إلى خلل في نظم التسويق والرقابة، ما يعزز فرضية التهريب واسع النطاق (Global Witness، 2022). الاقتصاد الموازي، التلاعب والفساد أصبح الذهب أحد أعمدة الاقتصاد الموازي في السودان، حيث يتم تداوله خارج النظام المصرفي الرسمي، وتُدار كثير من الشركات من قبل جهات ذات نفوذ، بعيدًا عن الرقابة المؤسسية (مبادرة الشفافية السودانية، 2020). تشير تقارير إلى أن بعض الشركات المسجلة تشارك في التهريب بدعم من جهات أمنية، وتُمنح الامتيازات غالبًا بعلاقات سياسية لا بمعايير اقتصادية (سليمان، 2021؛ Africa Intelligence، 2023). التهريب: الفجوة الأكبر يُقدّر أن 70% إلى 80% من الإنتاج يُهرّب سنويًا عبر حدود السودان مع مصر، ليبيا، تشاد، وإفريقيا الوسطى، من خلال شبكات محلية ودولية (Sudan Tribune، 2023؛ Global Witness، 2022). وقد أصبح التهريب نمطًا مؤسسيًا، بتشابك مصالح بين أطراف داخل الدولة وخارجها (Chatham House، 2025؛ ICG، 2023). الآثار البيئية والصحية يرتبط التعدين التقليدي باستخدام الزئبق والسيانيد بطرق غير خاضعة للرقابة، ما يؤدي إلى تلوث المياه وتدهور التربة وانتشار الأمراض الجلدية والتنفسية، خصوصًا في ولايات نهر النيل، جنوب كردفان، ودارفور (WHO، 2023؛ BBC Africa، 2021؛ مركز الطاقة المتجددة، 2023). الحرب: الذهب كوقود للنزاع منذ 2023، أصبحت مناجم الذهب في دارفور وجنوب كردفان خاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، التي تستخدم عائداتها لشراء السلاح وتمويل العمليات العسكرية (Chatham House، 2025؛ Global Witness، 2022). وقد أدى هذا إلى فصل المناجم عن سيطرة الدولة وتحويلها إلى 'مناطق سيادية' خارجة عن القانون. خسائر عقد من الذهب المهرب تشير تقارير مستقلة إلى أن ما بين 50% و80% من الإنتاج يُهرّب خارج السودان، ما يحرم الدولة من إيرادات ضخمة (Global Witness، 2022؛ Sudan Tribune، 2023). بناءً على متوسط سعر الذهب العالمي عام 2024 (64,000 دولار/كجم)، فإن خسائر السودان خلال العقد الماضي تُقدّر بين 23 مليار و36.8 مليار دولار: وزارة المعادن، 2024؛ STPT، 2024؛ Chatham House، 2025) من بوركينا فاسو… درس عملي قدّمت بوركينا فاسو تجربة رائدة في استعادة السيادة على قطاع الذهب، رغم ظروفها الأمنية الهشة. فمنذ عام 2022، شرعت الدولة في إصلاحات شملت: تعديل قانون التعدين. تأسيس شركة وطنية لإدارة المناجم الكبرى مثل Boungou وWahgnion. إنشاء احتياطي ذهبي وطني. في 2025، ارتفع الإنتاج السنوي إلى 62 طنًا، وجمعت الحكومة أكثر من 11 طنًا من التعدين الحرفي خلال ربع واحد فقط (Chatham House، 2025). كما ساهم القطاع في تمويل الميزانية وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. ما فعلته بوركينا فاسو ليس معجزة. بل هو نموذج عملي لما يمكن أن يتحقق في السودان إن توفرت الإرادة السياسية والرؤية الاقتصادية. الإصلاحات العاجلة رقابة ذكية: إصدار سندات ذهب مقابل الذهب المسلّم. إنشاء مراكز شراء متنقلة لتقليل التهريب. إطلاق منصة إلكترونية وطنية لعرض أسعار الذهب (STPT، 2024). إصلاح مؤسسي وهيكلي: نشر عقود الامتياز والتقارير الإنتاجية. تجريم امتلاك أو تشغيل شركات تعدين من قِبل الجهات الرسمية. تعزيز التعاون الإقليمي لتفكيك شبكات التهريب (Global Witness، 2022؛ Chatham House، 2025). مقترحات استراتيجية: سبائك ذهبية سيادية سودانية. سندات ذهب لتمويل مشروعات استراتيجية. مدينة الذهب السودانية. نموذج تقاسم الإنتاج. شركات مساهمة بين الدولة والمنقبين. جمعيات تعاونية للحرفيين. حصر التصدير والشراء بالبنك المركزي. مصفوفة استيراد وطنية مقابل الذهب. ربط التعدين بالطاقة المتجددة. بورصة سودانية للذهب والمعادن. الذهب كأصل مالي بورصة وطنية وسندات ذهبية تعني أن الذهب لم يعد وقودًا للفساد أو السلاح، بل أصل مالي قابل للتوظيف في إعادة الإعمار والاستثمار طويل الأجل (World Bank، 2022؛ Al Jazeera، 2023). الخاتمة: استرداد الذهب من قبضة الفوضى- الذهب اختبار السيادة لم يعد قطاع الذهب في السودان مجرد مورد اقتصادي أو أحد فروع النشاط التعديني، بل أصبح اختبارًا حقيقيًا لسيادة الدولة، ولمدى صدق نواياها في الإصلاح وبناء مؤسسات وطنية حقيقية. إن الطريقة التي تُدار بها هذه الثروة ليست مسألة فنية أو إدارية فحسب، بل هي انعكاس مباشر لطبيعة السلطة، وشكل الدولة، وتوازن القوى داخلها. إما أن يُدار الذهب بعقلية الدولة الحديثة — دولة القانون، والمحاسبة، والشفافية، والمؤسسات — أو يظل رهينة للفوضى، ومصدر تمويل للميليشيات، وأداة لشراء الولاءات وإدامة الصراع. وبين هذين الخيارين، تتحدد ملامح المستقبل الاقتصادي والسياسي للسودان. الذهب في السودان اليوم يعكس عمق الأزمة الوطنية، لكنه يحمل في الوقت ذاته بذور الحل. فكما أنه غذّى الحرب، يمكن أن يكون وقودًا لإعادة البناء. وكما أنه مَثَّل موردًا مهدورًا لعقود، يمكن أن يتحوّل إلى أصل مالي واستراتيجي، إذا وُضعت له قواعد شفافة، وأُخضع لرقابة حقيقية. التجارب الدولية تثبت أن هذا التحول ممكن. لقد فعلتها بوركينا فاسو، وسبقتها دول أخرى كانت تعاني ظروفًا مشابهة. لكنها لم تكتفِ بالإصلاح الإداري، بل تبنّت مشروعًا سياديًا يعيد للدولة دورها الطبيعي: أن تكون المنظّم والضامن والحامي للثروات العامة. ما نحتاجه اليوم ليس قرارات معزولة أو إجراءات تقنية، بل رؤية وطنية شاملة تعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والموارد، بين المجتمع والثروة، بين السياسة والاقتصاد. بورصة وطنية شفافة، مصفاة حكومية مستقلة، مؤسسة رقابية فاعلة، وقطاع تعدين حرّ من سطوة الأجهزة — كل هذه ليست رفاهيات، بل شروط لبناء سودان جديد. إن الذهب اليوم لم يعد مجرد ملف من بين الملفات، بل أصبح الامتحان الأوضح: إما أن ننجح ونستعيده لصالح الجميع، أو نتركه في أيدي تجار السلاح والدم، فيواصل دوره كأداة لتفكيك الدولة. القرار الآن، والفرصة ما زالت قائمة — لكنها لن تنتظر طويلًا. الصرخة الأخيرة: من يملك الذهب… يملك القرار في بلد يُشترى فيه السلاح من عائد منجم، لم يعد الذهب مجرد ثروة طبيعية خام، بل تحوّل إلى أداة حاسمة في الصراع على السلطة والنفوذ. لم يعد الحديث عن الذهب في السودان نقاشًا اقتصاديًا، بل أصبح معركة على مستقبل الدولة نفسها. اليوم، يقف السودان أمام قرار مصيري: إما أن تنتزع الدولة هذا المورد السيادي من قبضة الفوضى والفساد والتهريب، وتعيد توجيهه نحو البناء والإنقاذ، أو أن تواصل قوى السلاح والظل استخدامه كوقود للانهيار. الخيار واضح. إما أن ننقذ الذهب ليكون ركيزة لبناء السودان الجديد، أو نتركه غنيمة لتجار الدم والسلاح. المراجع والمصادر مصادر عربية: وزارة المعادن السودانية. تقرير الأداء السنوي 2016–2024. وزارة المعادن. خطة تطوير قطاع الذهب. 2023. مركز الدراسات المستقبلية. قطاع التعدين التقليدي، 2020. سليمان، أحمد. اقتصاد الظل للذهب في السودان، المركز العربي، 2021. Sudan Tribune، تقارير متنوعة 2022–2024. STPT. تقرير الشفافية في قطاع الذهب، 2020. Al Jazeera Net، 'ذهب السودان والاقتصاد الموازي'، 2023. Al Jazeera Net، 'تعدين الزئبق في السودان'، 2022. مركز دراسات الطاقة المتجددة. 2023. مصادر دولية: Chatham House، إنتاج الذهب خلال الحرب، 2025. Chatham House، السودان ونظام الصراع الإقليمي، 2025. Time Magazine، ذهب الدم وعلاقات السودان والإمارات، 2024. Wikipedia، الحرب الأهلية السودانية 2023–الآن. Global Witness، عسكرة الذهب في السودان، 2022. Global Witness، الشفافية والمحاسبة في قطاع الذهب، 2022. STPT. تعقب الذهب غير المشروع في السودان، 2023–2024. International Crisis Group، الذهب والحرب في السودان، 2023. WHO، أثر الزئبق في التعدين السوداني، 2023. BBC Africa، استخراج الذهب السام، 2021. World Bank، نظرة على اقتصاد السودان، 2022. World Gold Council، اتجاهات الطلب Q1 2024. Africa Intelligence، تقارير قطاع التعدين السوداني، 2020–2024.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store