
بؤس الرواية السعودية
من علق جرس «الخلاف الشخصي» عن روايات الكاتب المسلم ناقدان للشعر، في حين يتفرج النقاد المهتمون بنقد الرواية السعودية، يتابعون أحداث المسلسل والحزازات القديمة بين الناقدين، التي أشعل شرارتها رأي في روايات الموضة الجديدة التي تشكلت بفعل حشد كبير من التغيرات الشاملة في الفكر والذوق وجودة الصنعة الإبداعية..
وفي نفس الغذامي شيء من البازعي، يتقيح هذا الخلاف حينما تتوفر له الظروف الملائمة، ولا يتورع عن الاعتراف به في لقاءات متلفزة يجدها من رغب في الاطلاع عليها. ومضت الأيام فأدرك الجمْع المواكب لذلك الخلاف بأن المشكلة ليست اختلافا فكريا ونقديا، وإنما هو خلاف شخصي، وذاك ما جعل المتخصص في نقد الرواية ينأى بنفسه عن صراع الفحول حتى ينقشع غبار المعركة.. ربما..
الدكتور الغذامي عُرف بمجاملاته للشباب، وتشجيع الجيل الطليعي منذ صدور رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع، والتي دبج عنها مقالات بإيعاز من القصيبي الذي قرّض الرواية مجاملة للكاتبة الناشئة بحكم صلة القرابة، حتى كتب عنها جهاد الخازن رئيس تحرير جريدة الحياة آنذاك، والناقد الشهير جابر عصفور الذي لا يمكن أن يجامل أحدا إلا من كان في وجاهة القصيبي وعلاقات الغذامي في الصحافة.
ما علينا..
وبصراحة: النقد الأدبي في بيئتنا الثقافية بائس جدا، جرّ بؤسه صورة مشوهة عن الرواية السعودية، وهو نقد انطباعي قائم على المزاجية والشللية والمجاملات حتى عجز المتلقي والقارئ العادي عن تمييز الجيد من الرديء، وإن كانت الرواية السعودية نفسها لم تشكل تياراً يمكن أن يخلق بيئة نقدية ناضجة قائمة على المنهجية وأدوات النقد الصارمة. وإذا سلمنا بوجود رواية سعودية فإن الرواية المكتملة النضرة هي ما توفرت فيها عناصر الحكاية الأساسية (الدين، الحب، السياسة) وشروط السرد المعروفة.
هذه الشروط توفرت في روايات تركي الحمد، الذي ظلم كثيرا بسبب آرائه الفكرية والمجتمعية وعداواته الشخصية، وتظهر في رواياته الثلاث أطياف الأزقة المهجورة (العدامة، الشميسي، الكراديب) و «شرق الوادي» ولا بأس بـ«جروح الذاكرة». وبعد أحداث (11 سبتمبر 2001) في أمريكا جادت قريحته بمواكبة الحدث فأصدر رواية «ريح الجنة» ففشلت فشلا ذريعا لا يليق بكاتب الثلاثية فسقطت في الترشيحات الأولى من جائزة البوكر العربية.
أيضا القصيبي نجح في «شقة الحرية» كرواية سيرة ذاتية مكتملة و «العصفورية» كأنموذج للسرد الجديد، أما ما عداهما فهي تجارب كاتب ارستقراطي لم يشهد حمى المجتمع وحارات البلد، وهموم وصراعات الإنسان البسيط، وإنما اصطلى بكرسي الوظيفة ومنافسة الأقران في بيئة لم يستطع أن يسجلها إلا في أعمال خجلى كما في رواية «سبعة» و «أبو شلاخ البرمائي» و «الجنية» وغيرها.
واستطاع الجيل التالي لهؤلاء أن يمسك بصنعة الرواية المحلية ويوجه بوصلتها على جماليات الأركان الأساسية للسرد بالقدرة الفنية والأسلوبية كعبده خال ومحمد حسن علوان ورجاء عالم، إلا أن افتقارها لعنصري الدين والسياسة أطفأ وهجها الحكائي على اختلاف قدر العناصر الثلاثة، وهؤلاء استحقوا البوكر العربية عن جدارة للصياغة الفنية وحسب، بينما الرواية رؤية فكر وإشكالات رأي.
وغير الفائزين بالبوكر أسماء تستحق الإشادة كأميمة الخميس وأحمد أبو دهمان في «الحزام» والعتيق في «كائن مؤجل» وبدرية البشر والبخيت في «شارع العطايف».. فلماذا لا يتناولها الناقد الأكاديمي الكبير بالبحث والدراسة المنهجية؟ لكن لا يمنعه ذلك إلا أن أدواته قاصرة عن ملامسة هذا العالم المشتبك الذي قد يورطه بنسف تاريخه في نقد الشعر والحفاظ على هيبته كاسم بارز في ساحة النقد المحلي، فتظهر رؤيته في لمحات شفهية خجولة وتغريدات كسوالف المجالس عن كاتب يريد عنه القراء رأيا رصينا. ولو قرأنا كلام الغذامي في لقائه مع طامي السميري في كتاب (الرواية السعودية.. حوارات وأسئلة وإشكالات) لما تفاجأنا برأيه عن استسخافه بروايات تركي الحمد ويوسف المحيميد، ثم يقفز للتطبيل لرواية «بنات الرياض» وأخيرا روايات المسلم.
والأدهى من ذلك أن البازعي الذي أحسب له شجاعته في الوقوف أمام الرأي المارد الجارف عن «الروائي السطحي»، يعترف بأنه لم يقرأ إلا مقاطع قليلة لم يستطع أن يواصل قراءتها لتفاهتها، وفرح غريمه بذلك الاعتراف ليصمه - في تغريدة - بالمخلوق ويتهمه بالتهور وقلة الحياء والجهل.. إلخ..
كلا الناقدين قدم صورة واضحة للأسف عن بؤس الرواية السعودية، وبؤس الفكر النقدي، وبؤس الروائي السعودي الذي يتسول الكتابة عنه لنشر رواياته، ويتملق أصدقاءه ليشفعوا له عند هؤلاء الفحول في خصومتهم ليرفعوا التافه، ويتجاهلوا المبدع الغائر في زوايا النسيان، فإن انتشله كاتب نبيل قد أحس بنار التجاهل قبلا وإلا فهو في انتظار القدر.
مخجل ما يجري، وأخجل منه ذلك التبجيل الرخيص الذي يتناسى أن هؤلاء بشر تعتريهم أهواء المصالح، والأحرى بهم أن يعترفوا بمقولة جاك دريدا «المثقف لا يصلح لشيء..».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مجلة سيدتي
منذ 2 أيام
- مجلة سيدتي
تفسير حلم الحذاء المقطوع
تُعد الأحلام من الظواهر الغامضة التي أثارت فضول الإنسان منذ القدم، حيث تحمل في طياتها رموزاً وإشارات قد ترتبط بواقعنا أو مشاعرنا الداخلية. ومن بين هذه الرموز في الأحلام "الحذاء"، الذي يرمز في كثير من الأحيان إلى الطريق الذي نسلكه في الحياة أو العلاقات التي تربطنا بالآخرين. ويأتي حلم الحذاء المقطوع ليحمل دلالات قد يراها البعض سلبية أو مقلقة؛ كونه يرتبط عادة بوجود عوائق أو مشاكل في المسار الشخصي أو المهني، أو ربما يشير إلى نهاية مرحلة معينة أو علاقة ما. ابن سيرين تناول رؤيا الحذاء المقطوع في المنام، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف دلالاته حسب سياق الحلم وحالة الرائي. وللمساعدة على استنباط الدلالات الأكثر قرباً من واقع الحالم وظروفه الشخصية. دلالات رؤيا الحذاء المقطوع في المنام لابن سيرين أوضح ابن سيرين رؤيا الحذاء المقطوع في الحلم بأنها تُعبر عن حالة من الضغط النفسي، والكرب الشديد الذي يُلازم الحالم، وقد تكون الرؤيا دليلاً على تعبه من تراكم الهموم التي لم يجد لها مخرجاً بعد. ورؤيا الحذاء المقطوع في المنام، وكان لونه أسود؛ تعبّر عن التخلص من الحسد والفقر في هذه الحالة. ويمكن أن يرمز إلى تغيير الوضع المادي للرائي، أو التخلص من الأعباء المادية. وإذ كان الشخص يخطط لأمور مهمة في حياته، ويتطلع بكل ما لديه من طاقة لنيْلها، ورأى الحذاء المقطوع في المنام؛ فتلك إشارة إلى تأخير ما يطمح إليه ويخطط له، كما قد يشير إلى عدم التفكير الصائب أو الخسارة الكبيرة التي سوف تواجهه. والحذاء الأسود المقطوع والتخلص منه بُشرى بقرب زوال الهموم، وانفراج كرب الرائي. ورؤيا التاجر الذي يدخل في تجارة جديدة بالحذاء المقطوع في المنام؛ يشير إلى أنه سوف يتعرض لخسارة، ولكنّ الله سوف يعوضه بالمال الكثير. ورؤيا الشخص حذاء مقطوعاً في المنام، وكان مستاء من شكله؛ تعبر عن الضيق والنكد وعدم الراحة النفسية التي سوف تواجهه في الأيام القادمة. والحلم بالحذاء المقطوع؛ يعكس قدرة الحالم على تصحيح الأخطاء في حياته والبدء من جديد، وفق مشيئة الله. والحلم بالحذاء المقطوع وإصلاحه؛ يشير إلى تسهيل الله تعالى للأمور بعد فترة من الضيق، وحصول الحالم على رزق وفير يغير أوضاعه للأفضل. ورؤيا الحذاء المقطوع في المنام؛ يدل على تعرض صاحب الرؤيا إلى نقصان وعدم اكتمال في بعض الأمور المهمة التي يسعى إليها؛ فإن كان يرغب في الزواج لم يوفق فيه، وإن كان لا يزال في فترة الدراسة؛ فهذا يشير إلى النجاح بدرجات بسيطة، وربما يدل على الرسوب. قد تودين متابعة: حلم الحذاء المقطوع في المنام للمرأة والرجل ورؤيا الفتاة في منامها حِذاءً مَمزقاً ؛ فذلك يُشير إلى حُدوث اضطرابات ومُعاناة من ضغوطات نفسية ناتجة عن قرارات شخصية لم تكن موفقة، وحلم الفتاة بالحذاء المقطوع في منامها، وكانت ترتديه؛ تدل على وجود بعض الأفراد في محيطها يُخفون نوايا غير سليمة، ويحملون مشاعر الحقد أو الحسد تجاهها، وقد يكون بينهم من يسعى لإلحاق الأذى بها بطريقة غير مباشرة، وحلم الفتاة التي تنتظر خطبتها بحذاء مقطوع؛ فتلك إشارة إلى تأخر زواجها فترة من الوقت، ولكنها سوف تحصل على ما تريد. وإذا رأت الفتاة حذاء أسود مقطوعاً في طريقها؛ فتلك إشارة إلى معاناتها من الأضرار النفسية، وسوء في العلاقات الاجتماعية، وضعف في الحصول على الأصدقاء. وحلم الفتاة بأنها تلبس حذاءً أسود ممزقًا؛ قد يعبر ذلك عن توقعات بمواجهة صعوبات أكاديمية أو الفشل في الدراسة، وإشارة إلى احتمالية الارتباط بشريك لا يتحلى بالصفات الأخلاقية الجيدة. وإذا رأت الفتاة حذاءً مقطوعاً داخل منزلها؛ فإن ذلك يدل على وجود مشاكل وخلافات مع عائلتها. رؤيا المتزوجة لحذاءٍ ممزّق في المنام تُمثل إشارة إلى صراع داخلي وتوتر قائم بينها وبين أفراد عائلتها، وإذا رأت المرأة أن زوجها يهديها حذاءً مقطوعاً في المنام؛ فتلك إشارة إلى أن زوجها قاطع لصلة الرحم بأهله وبأهلها، ورؤيا حذاء أسود مقطوع في المنام للمتزوجة؛ يرمز إلى مرورها بفترة مليئة بالتحديات والمواقف الصعبة التي قد تؤثر سلباً على حياتها الشخصية أو العائلية، ومشاهدة الحالمة في المنام أنها فقدت حذاءها المقطوع، وسعت كثيراً من أجل الحصول عليه؛ فترمز إلى خسارتها لفرصة عظيمة كانت ستغير حياتها إلى الأفضل. والحذاء المقطوع للمتزوجة في المنام يدل على مواجهتها للكثير من المشاكل العائلية، وتعرضها لفترة حرجة مليئة بالمشاكل الأسرية، ورؤيا المتزوجة نفسها ترتدي حذاءً مقطوعاً في المنام؛ تعكس شعورها بالضيق وعدم الراحة في حياتها الزوجية، كما تدل على عدم رضاها عن الوضع الحالي. أما الحذاء المقطوع والمتسخ في منام المتزوجة؛ فيدل على وجود مشكلة كبيرة مع زوجها؛ بسبب خيانته لها، وقد تؤدي هذه المشاكل إلى طلب الطلاق. وحلم الرجل بحذاء مقطوع في المنام ، يرمز إلى تحديات ومشاكل في الجانب العملي من حياته. قد يشير ذلك إلى عدم الراحة في العمل، أو الشعور بالقيود، وعدم القدرة على التقدم في الحياة المهنية. ورؤيا الرجل التخلص من الحذاء المقطوع؛ تعبّر عن رغبة في التطور وتحسين الحالة الشخصية. ورؤيا الحذاء المقطوع للرجل الذي يعمل في وظيفة كبيرة؛ تشير إلى الخيبات والفشل، والإخفاق الذي سوف يواجهه في خططه المستقبلية. وإذا رأى الرجل حذاء مقطوعاً في المنام، وكان موجوداً في بيته؛ فتلك إشارة إلى غيرة من حوله له، وأنه مصاب بالحسد من قبل أقرب الناس لقلبه. ورؤيا الحذاء المقطوع في منام الرجل؛ يدل على أن الرائي قد يفقد مصدر رزقه أو عمله. وفي حال كان يرتدي حذاء وشاهده وهو يُقطع منه أثناء السير؛ فذلك يدل على أن هنالك أمراً ما في حياة الرائي لن يكتمل. ورؤيا الحذاء المقطوع في منام الرجل المتزوج؛ يُعبّر عن كثرة النزاعات بينه وبين زوجته، ما يخلق حالة من التوتر داخل البيت، وينعكس بشكل مباشر على المسؤوليات الأُسرية. وحلم الشاب بأنه يرتدي حذاء مقطوعاً؛ فهذا يدل على أن الرائي قد يتزوج من امرأة لها ولد واحد، ورؤيا الأعزب يرتدي حذاء ممزقاً في الحلم؛ تُعبّر عن تجارب عاطفية مؤقتة أو غير مُتكافئة من الناحية النفسية أو الاجتماعية، كما قد تكون علامة على الانخراط في علاقة لا تحمل الاستقرار أو لا تتناسب مع تطلّعاته العاطفية، وربما تعيقه عن التقدم الشخصي والمهني. ورؤيا الحذاء الممزق في الحلم؛ يعبّر عن خسارة الرجل لشيء ذي قيمة كبيرة بالنسبة له، سواء كان ذلك الشيء مادياً أو معنوياً، أو حتى فقدانه لشخص عزيز أو صديق مقرب. وحلم الرجل أنه يتخلص من حذائه المقطوع ويقوم بشراء آخر جديد؛ فهي إشارة إلى قرب حدوث الكثير من التغيرات الإيجابية في حياته عن قريب. ربما ترغبين في معرفة:

سعورس
منذ 7 أيام
- سعورس
إبراهيم الوافي نشر في الرياض يوم 15 - 05
في عالم الأدب، يبرز نوع من النصوص يحظى بانتشار واسع وقبول جماهيري لافت، سواء أكان شعراً أم رواية، ويُطلق عليه عادةً «النص الجماهيري». هذا النوع من النصوص يتميز بقدرته على الوصول إلى أكبر عدد من القراء، ويحقق غالباً مبيعات ضخمة وتفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأدبية. غير أن هذا النجاح الجماهيري لا يكون بالضرورة دليلاً على الجودة الفنية أو القيمة الأدبية العميقة للنص، وهو ما يفتح باباً للنقاش بين جمهور القراء والنقاد حول معايير التقييم الأدبي، إذ يعتمد في العادة على عناصر تجذب القارئ العادي، كالبساطة في اللغة، وتسارع الأحداث، ووضوح الحبكة، والتركيز على المواضيع العاطفية أو الاجتماعية التي تمس حياة الناس اليومية. كما أنه غالباً ما يتجنب التعقيد الرمزي أو الفلسفي الذي قد ينفر القارئ غير المتخصص. وهذا ما يفسر إقبال الجماهير على روايات معينة تحقق انتشاراً غير مسبوق رغم بساطتها الفنية، في حين قد تُهمل أعمال أدبية ذات عمق فكري وفني لأنها تتطلب جهداً ذهنيًا أكبر لفهمها، ولعلّ أول صورة حية وواضحة لهذا النص جاءت في أوائل الألفية من خلال رواية «بنات الرياض» التي حظيت بحضور جماهيري طاغٍ حينها، والحقيقة أنه لا يمكن إنكار أن النصوص الجماهيرية تؤدي دوراً مهماً في المشهد الثقافي، فهي تساهم في نشر القراءة، وتشجع فئات واسعة من الناس على الانخراط في عالم الكتب، خصوصاً في مجتمعات تعاني من عزوف عن المطالعة. كما أنها تواكب نبض الشارع واحتياجات الجمهور، مما يمنحها نوعاً من الحيوية والارتباط بالواقع المعاش. في المقابل، يذهب بعض النقاد إلى أن الإقبال الجماهيري لا يعني بالضرورة أن النص يحمل قيمة فنية حقيقية، إذ أن المقياس الجمالي والأدبي يتطلب أموراً تتجاوز الشعبية مثل الأسلوب، الابتكار، العمق الموضوعي، والبناء الفني، ولهذا يبدو لهم أن «النص» الجماهيري يحاول كسر هذه الأعراف والقواعد الفنية المتوارثة لكل فن.


الرياض
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- الرياض
أوراق مُحررخِبرة السنين
تمضي بنا الأيام إلى خيارات مُتعددة، ومواقف مختلفة، وانكسارات، وانتصارات، لينتج عن ذلك دروس وعِبر على هيئة «خِبرة» تجعلنا أكثر قدرة وقوة على التعامل مع ظروف الحياة المستقبلية. إن أكثر ما يثير استغرابي عندما أشاهد شخصاً تجاوز عمره الستين وربما أكثر، ومع هذا يظهر أمام الناس بشكل مُستفز، لا يحترم من حوله، ولا يتعاون معهم، وفوق ذلك تجده إنساناً منبوذاً، بل ولا أحد يرغب بالجلوس معه، ليبرز السؤال: «معقولة ما استفاد من سنين العمر شيئاً؟». وآخر في الخمسين يعاتب هذا، ويتشرّه على ذاك، وكأنه في بداية حياته العشرينية، منتظراً أن يحن عليه الآخرون، ويشاركونه في «التفاعل الدرامي»، ليؤكد حقيقة ضعف خبرته في التعامل مع هكذا مواقف! وعاشق جلس في ركن مقهى مستمعاً لأغنية: «أنت غير الناس عندي، أنت عندي شي كبير»، على أمل أن يطل عليه الحُب في أي لحظة، على الرغم أنه يعلم يقيناً بأنه لن يعود، فهل سيستفيد من هذا الدرس في قادم الأيام؟! «خِبرة السنين» تعني أن تملك رصيداً كافياً من المواقف السعيدة والحزينة، والعلاقات الجيدة وغير الجيدة، وكذلك المشاعر الإيجابية والسلبية، والتجارب الناجحة والفاشلة، لتصب في داخلك سيلاً من الفوائد، مما ينعكس ذلك على شخصيتك بالاتزان والثبات والهدوء والعقلانية. وإذا وجدت حالك لا تملك هذا الرصيد الذي يجعلك تتعامل مع نفسك أولاً بشكل صحيح، ومع غيرك بالطيبة والتسامح، فالأفضل أن تستفيد ممن يُعد خبيراً في شؤون الحياة، علّه يضيف لك ما كان ينقصك، وربما ظهرت بثوب جديد أمام الآخرين، وقد تتجاوز مشاكلك بسهولة. وأخيراً، بالخِبرة تصبح شخصاً ناضجاً لا يُضخّم الأمور، ولا يُصغّر الأحداث، يعفو، ويتجاوز، سعيداً في كل أحواله.