
كيف أصبح فرع لتنظيم القاعدة أحد أخطر التنظيمات الإرهابية في أفريقيا؟
Getty Images
جندي من الجيش المالي يحمل مدفع رشاش على ظهر شاحنة أثناء دورية على الطريق بين موبتي وجيني
تتفاقم مخاوف تدهور استقرار منطقة الساحل في غرب أفريقيا وسط تصاعد العنف من قبل الجماعات المتشددة التي تجتاح بوركينا فاسو ومالي والنيجر.
إحدى الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة تتبنى مسؤولية معظم هذه الهجمات، لكن من هي هذه الجماعة وماذا تريد؟
من هي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟
أصبحت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين واحدة من أخطر الجماعات الجهادية في أفريقيا في سنوات قليلة.
وتمارس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، التي تأسست في مالي، أنشطتها حالياً في جميع أنحاء منطقة الساحل، وهي منطقة صحراوية شاسعة تضم عشر دول من الساحل الغربي لأفريقيا شرقاً عبر القارة السوداء.
ويُعتقد أن الجماعة مسؤولة عن أكثر من نصف أعمال العنف السياسي التي وقعت في منطقة الساحل الأوسط في الفترة ما بين مارس/ آذار 2017 وسبتمبر/ أيلول 2023.
وفي عام 2024، وقع حوالي 19 في المئة من جميع الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم وأكثر من نصف جميع الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم في منطقة الساحل، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي (GTI) لعام 2025، الذي نشره معهد الاقتصاد والسلام.
ورغم الصعوبة التي ينطوي عليها تحديد عدد المقاتلين في هذه الجماعة، أو عدد من جندتهم في الفترة الأخيرة، يشير الخبراء إلى أن العدد قد يصل إلى عدة آلاف – أغلبهم من الشباب المحليين.
Reuters
صورة من مقطع فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر مسلحون يحملون أسلحة في جيبو، بوركينا فاسو، حيث تعرضت قاعدة عسكرية للهجوم.
كيف تشكلت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وما أهدافها؟
تأسست جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في 2017 - نتيجة اندماج أربع جماعات متشددة تمارس نشاطها في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل: أنصار الدين، وكتيبة ماسينا، والمرابطون، وفرع الصحراء لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
ويقود الجماعة إياد أغ غالي، وهو دبلوماسي سابق من مالي ينتمي إلى جماعة الطوارق ذات الأغلبية المسلمة. وقاد غالي ثورات الطوارق ضد حكومة مالي في 2012، سعياً لإقامة دولة مستقلة في شمال مالي. وهناك أيضاً نائب قائد الجماعة أمادو كوفا وهو من قبيلة الفولاني. ويرجح محللون أن هذه القيادة المركزية تُسهم في توجيه الفروع المحلية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الممتدة عبر منطقة الساحل، في إطار شبكة تُعرف باسم "الكتائب".
وتنشر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين محتوى نصياً وفيديوهات على حساباتها على تطبيقي تشيربواير وتلغرام عبر ذراعها الإعلامية "الزلاقة". وتؤكد الجماعة أن هدفها هو استبدال سلطات الدولة بتفسير محافظ للشريعة الإسلامية والحكم الإسلامي. كما تدعو أيضاً إلى انسحاب القوات الأجنبية من مالي.
أين تمارس هذه الجماعة نشاطها؟
بدأت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نشاطها في وسط مالي، لكنها توسعت بسرعة لتعلن مسؤوليتها عن هجمات في بوركينا فاسو، وتوغو، وبينين، والنيجر، وساحل العاج. كما تنفذ عمليات في جميع مناطق مالي، وفي 11 من أصل 13 منطقة في بوركينا فاسو، وفقاً للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية (GI-TOC).
وأصبحت بوركينا فاسو مركزاً لأنشطة المجموعة، خاصة في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية.
وفي الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مايو/ أيار 2025، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن أكثر من 240 هجوماً فردياً - وهو ضعف العدد الذي أعلنت مسؤوليتها عنه في نفس الفترة من العام الماضي، وفقاً لبيانات تحققت منها بي بي سي.
كما ترسخ جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وجودها في مناطق واسعة من مالي وبوركينا فاسو. ويجمع أعضاء الجماعة "الضرائب" من القرى - المعروفة بالزكاة - ويفرضون قواعد صارمة للزي، ويقيمون حواجز، إذ يتعين على الناس دفع رسوم لمغادرة المنطقة ودخولها، وفقاً لبيفرلي أوتشينغ، المحللة البارزة في شركة كنترول ريسك الاستشارية العالمية.
وقال إيفان غويشاوا، الباحث البارز في مركز بون الدولي لدراسات الصراعات، إن هذه النسخة من الإسلام قد تتعارض مع الإسلام الذي تمارسه المجتمعات المحلية.
وأضاف: "من الواضح أن هذه الممارسات تختلف عن الممارسات الراسخة، وهي بالتأكيد لا تحظى بشعبية كبيرة. لكن سواء كانت جذابة أم لا، يعتمد ذلك على ما يمكن أن تقدمه الدولة التي أظهرت أداء مخيباً للآمال في هذا الشأن خلال السنوات الماضية".
Reuters
تهاجم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين القواعد العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو
هل يتسع نطاق عمليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟
نفذت الجماعة أكثر من 3 آلاف هجوم في بوركينا فاسو ومالي والنيجر العام الماضي، وفقاً لبيانات موقع الأحداث والصراعات المسلحة (ACLED).
وأوضحت أوتشينغ أن الجماعات تستخدم أساليب متنوعة مصممة لإحداث أقصى قدر من الفوضى، بقولها: "يزرعون عبوات ناسفة مُحسنة على الطرق الرئيسية، ولديهم قدرات بعيدة المدى".
وأضافت: "أنهم يستهدفون قوات الأمن في القواعد العسكرية أيضاً، لذا فإن الكثير من أسلحتهم تأتي من هناك. كما يهاجمون المدنيين – لاعتقادهم أن المجتمعات المحلية على أنها تتعاون مع الحكومة".
وازدادت الهجمات عنفاً كما زاد عددها في الأشهر القليلة الماضية. وأعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم كبير على بلدة بوليكيسي في مالي هذا الشهر، إذ قُتل ثلاثون جندياً، وفقاً لوكالة أنباء رويترز.
ورجحت تقديرات رويترز أن أكثر من 400 جندي قُتلوا على أيدي المتمردين منذ بداية مايو/ أيار في قواعد عسكرية وبلدات متناثرة في أنحاء مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهو ما كان صادماً في منطقة غير مستقرة عرضة للانقلابات باستمرار.
وقال غويشاوا: "وتيرة الهجمات التي شهدناها على مدار الأسبوع الماضي غير مسبوقة حتى الآن. إذ كثفوا أنشطتهم بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية".
وفي ظل قمع حرية الصحافة وتراجع عدد المنافذ الإعلامية ــ الصحف وهيئات البث ــ التي أغلقت أبوابها في أعقاب سلسلة الانقلابات في بوركينا فاسو والنيجر ومالي، يرجح أن عدد الهجمات المرتبطة مباشرة بهذه الجماعات المسلحة ربما يكون أكثر مما أُبلغ عنه.
وشهدت المنطقة عدة انقلابات عسكرية؛ في النيجر عام 2023، وفي بوركينا فاسو عام 2022، وفي مالي عام 2020.
ما هي مصادر تمويل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟
تحصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على التمويل عبر طرق مختلفة، من بينها اختطاف رهائن أجانب لطلب فدية، وطلب المال مقابل العبور من طرق نقل المعادن والماشية.
وقال محلل من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية تحدثت إليه بي بي سي: "سرقة الماشية مصدر دخل رئيسي لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين". ورفض المحلل الكشف عن هويته خوفاً على سلامته. وأضاف: "تعتبر مالي من كبار مُصدِري الماشية، لذا من السهل عليهم سرقة الحيوانات وبيعها".
وأظهر بحث أجرته المبادرة أن الجماعة تمكنت من الحصول على نحو 768 ألف دولار أمريكي في سنة واحدة من منطقة واحدة. واستناداً إلى هذه الأرقام، يرجح أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين جنت ملايين الدولارات من سرقة الماشية.
وأضاف المحلل: "تُعد مناجم الذهب أيضاً من أهم مصادر دخل الجماعة، إذ تفرض ضرائب على من يدخلون ويخرجون من المناطق التي تقع فيها".
وقال مدير القيادة الأمريكية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي للصحفيين الأمريكيين الأسبوع الماضي إنه يعتقد أن أحد الأهداف الرئيسية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين هو السيطرة على الساحل، حتى "تتمكن من تمويل عملياتها من خلال التهريب والاتجار بالبشر وتجارة السلاح".
Reuters
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم المجلس العسكري في بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري يصلان إلى موسكو لإجراء محادثات
ماذا عن جهود مكافحة التمرد؟
كانت القوات المسلحة الفرنسية موجودة على الأرض لدعم الحكومة في مالي لمدة عقد من الزمن تقريباً - مع أكثر من 4 آلاف جندي متمركزين في جميع أنحاء منطقة الساحل لمحاربة جماعات مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
ورغم ما حققته هذه القوات من نجاح في بداية الأمر عامي 2013 و2014، إذ استعادت السيطرة على أراضي كانت بيد الجماعات الجهادية وقتلوا العديد من كبار القادة، إلا أنه فيما يبدو أن هذه الجهود باءت بالفشل فيما يتعلق بوقف النمو الذي حققته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في وقتٍ لاحق.
وأشار محلل المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية إلى أن "جهود مكافحة التمرد فشلت حتى الآن بسبب فكرة مفادها أنه يمكن هزيمة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عسكرياً، لكن القضاء عليها لا يتأتى إلا عبر التفاوض".
وقبل بضع سنوات، اجتمعت دول منطقة الساحل لتشكيل فرقة عمل مجموعة الدول الخمس في الساحل، وهي قوات دولية قوامها 5 آلاف جندي. ومع ذلك، انسحبت بوركينا فاسو ومالي والنيجر خلال العامين الماضيين، مما قوض قدرة فرقة العمل على مواجهة التمرد. أما بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، فرغم أنها ليست قوة لمكافحة الإرهاب، إلا أنها كانت موجودة في مالي لعقد من الزمن لدعم الجهود هناك حتى نهاية عام 2024.
Getty Images
كونت دول المنطقة الثلاثة - مالي والنيجر وبوركينا فاسو - تحالف دول الساحر لتنأى بنفسها عن القوى الاستعمارية التي سيطرت على المنطقة من قبل
ما هو تأثير الانقلابات العسكرية على جماعة نصرة الإسلام والمسلمين؟
رجحت تقارير أن أعداد القتلى في منطقة الساحل تضاعفت ثلاثة مرات مقارنةً بعام 2020، عندما وقع أول انقلاب عسكري في المنطقة في مالي. وسمح سوء الإدارة في ظل المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر لاحقاً للجماعات المسلحة، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، بالازدهار، وفقاً لمحللين.
وسارعت هذه المجالس العسكرية إلى مطالبة القوات الفرنسية بالانسحاب، واستبدلتها بدعم روسي وقوة مشتركة شكلتها دول الساحل الثلاثة. إلا أن مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية سحبت قواتها من مالي بالكامل.
وفي بوركينا فاسو، يُعتمد ما يُسمى بجيش "المتطوعين" لمحاربة المتشددين. وصرح الرئيس إبراهيم تراوري بأنه يريد تجنيد 50 ألف مقاتل لهذا الغرض. لكن خبراء يقولون إن العديد من هؤلاء المتطوعين جُندوا إجبارياً، وأن نقص التدريب يعني أنهم يتكبدون خسائر فادحة في أغلب الأحيان.
واتهمت منظمات حقوقية المجالس العسكرية في المنطقة بارتكاب فظائع ضد المدنيين، خاصة أعضاء مجتمع الفولاني، وذلك استناداً إلى مزاعم التعاون مع الجماعات المتشددة، مما يؤدي إلى عرقلة جهود السلام.
وفي الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني 2024 ومارس/ آذار 2025، أشارت تقارير إلى أن القوات الحكومية وحلفائها الروس يتحملون مسؤولية مقتل 1486 مدنياً في مالي، أي ما يقرب من خمسة أضعاف ضحايا العنف الذي تمارسه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وفقاً لتقرير للمبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية.
وأدى العنف الشديد ضد المدنيين إلى إثارة الغضب تجاه الحكومة، وهو ما عمل لصالح الجماعة التي شهدت زيادة في أعداد المجندين في صفوفها.
وفي حين تكافح البلدان لاحتواء التمرد، هناك مخاوف من أن تستمر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في التوسع في مختلف أنحاء منطقة الساحل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوسط
منذ ساعة واحدة
- الوسط
قتلى قرب مواقع توزيع مساعدات في غزة، والأمم المتحدة تدعو إلى "الضغط على إسرائيل"
Getty Images قالت السلطات الصحية في غزة إن النيران والغارات الجوية الإسرائيلية قتلت 25 فلسطينياً على الأقل، يوم الأحد، في أنحاء القطاع، خمسة منهم على الأقل بالقرب من موقعين لتوزيع المساعدات تديرهما مؤسسة غزة الإنسانية. وقال مسعفون في مستشفى العودة بوسط القطاع إن ثلاثة على الأقل قتلوا وأصيب العشرات بنيران إسرائيلية في أثناء محاولتهم الاقتراب من موقع تابع لمؤسسة غزة الإنسانية بالقرب من محور نتساريم. وقُتل اثنان آخران وهما في طريقهما إلى موقع آخر للمساعدات في رفح بجنوب القطاع. وذكر مسعفون أن غارة جوية قتلت سبعة آخرين في بيت لاهيا شمالي غزة، وأضافوا أن البقية قتلوا في غارات جوية منفصلة جنوب قطاع غزة. ولم يصدر أي تعليق بعد من الجيش الإسرائيلي. وبدأت مؤسسة غزة الإنسانية في توزيع المساعدات الغذائية في غزة في نهاية مايو/أيار بعد أن رفعت إسرائيل جزئيا حصارا كاملا استمر قرابة ثلاثة أشهر. وقُتل عشرات الفلسطينيين في عمليات إطلاق نار شبه يومية خلال محاولاتهم الوصول إلى الطعام، حسب السلطات الصحية في غزة. وترفض الأمم المتحدة نظام التوزيع الجديد المدعوم من إسرائيل وتصفه بأنه غير كاف وخطير ويشكل انتهاكا لمبادئ حياد المنظمات الإنسانية. وفي ذات الوقت، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، مقتل أحد جنوده في جنوب قطاع غزة، مع دخول الحرب بين إسرائيل وحركة حماس شهرها العشرين. وأوضح الجيش في بيان أن الجندي القتيل يُدعى نوعام شيمش، ويبلغ من العمر 21 عاماً وينحدر من مدينة القدس. وبذلك، يرتفع عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ بدء العمليات البرية في قطاع غزة، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إلى 430 جندياً. Getty Images عودة خدمات الإنترنت بعد انقطاع دام ثلاثة أيام وعادت خدمات الإنترنت إلى قطاع غزة بعد انقطاع دام ثلاثة أيام، بحسب ما أفاد ليث دراغمة، المدير التنفيذي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات الفلسطينية، لوكالة فرانس برس يوم السبت. وقال دراغمة إن "الشبكة تعمل الآن في جميع أنحاء قطاع غزة"، مشيراً إلى استئناف خدمات الاتصالات الأرضية وخطوط الألياف البصرية (فايبر أوبتك). وكانت وزارة الاتصالات التابعة للسلطة الفلسطينية قد أعلنت، يوم الخميس، عن انقطاع تام لخدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة في القطاع، نتيجة استهداف آخر مسار للألياف الضوئية، متهمة إسرائيل بالوقوف خلف الهجوم، في حين لم يصدر أي تعليق من الجانب الإسرائيلي. وفي حينه، قالت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات إن "كل خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة انقطعت بالكامل في قطاع غزة، بعد استهداف المسار الرئيسي الأخير للفايبر"، متهمة إسرائيل بمحاولة "عزل غزة عن العالم الخارجي". وأشارت الهيئة إلى أن القوات الإسرائيلية منعت الفرق الفنية من إصلاح الكابلات، وعرقلت محاولات الوصول إلى مسارات بديلة. من جهتها، قالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، الخميس، إن انقطاع الإنترنت أعاق عمل فرق الطوارئ، إذ تسبب في تعطيل التواصل مع فرق الاستجابة الأولية المنتشرة في الميدان. وتسببت الحرب في غزة في أضرار جسيمة للبنية التحتية في مختلف أنحاء القطاع، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء والطرقات. دعوة أممية للضغط على إسرائيل اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، قراراً غير ملزم يدعو إلى اتخاذ "جميع التدابير اللازمة" للضغط على إسرائيل، في تصويت أثار انتقادات من الولايات المتحدة وإسرائيل. القرار، الذي جاء على غرار النص الذي عرقلته الولايات المتحدة الأسبوع الماضي لحماية حليفتها إسرائيل، يطالب بوقف "فوري وغير مشروط ودائم" لإطلاق النار، إلى جانب الإفراج عن الرهائن، وقد تم اعتماده بـ 149 صوتاً مؤيداً، مقابل معارضة 12 دولة، بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتناع 19 دولة عن التصويت. ويُحمّل القرار إسرائيل، بصفتها "السلطة القائمة بالاحتلال"، مسؤولية مباشرة عن استمرار الحرب، مطالباً بإنهاء الحصار على غزة فوراً، وفتح جميع المعابر الحدودية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين في مختلف أنحاء القطاع "بشكل فوري وواسع النطاق". كما يدين القرار "بشدة" استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، و"المنع غير القانوني" لوصول المساعدات الإنسانية. وفي نهاية مايو/أيار، وبعد أكثر من شهرين من الحصار الكامل، سمحت إسرائيل بفتح مراكز توزيع للمساعدات تديرها منظمة "غزة الإنسانية"، غير أن هذه العمليات شابتها حوادث دامية، دفعت الأمم المتحدة إلى رفض التعاون مع المنظمة بسبب "التمويل الغامض" ومخاوف تتعلق بالحياد والمهنية. القرار يدعو كذلك الدول الأعضاء إلى "اتخاذ جميع التدابير اللازمة، بشكل فردي أو جماعي، وفقًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها"، من دون أن يستخدم مصطلح "عقوبات". Getty Images ودعا المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، الدول إلى ترجمة تصويتها إلى "أفعال"، مطالباً باتخاذ "إجراءات حقيقية وفورية" لردع إسرائيل عن مواصلة عدوانها. وقال منصور: "التدابير التي تتخذ اليوم ستحدد عدد الأطفال الفلسطينيين الذين سيموتون غداً"، مشيراً إلى القتل والتهجير والتجويع المستمر في القطاع. كما جدّد القرار التأكيد على "الالتزام الثابت" بحل الدولتين، وضرورة أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنباً إلى جنب بأمان وسلام.


الوسط
منذ ساعة واحدة
- الوسط
كيف تصور إيران أكبر مفاجأة عسكرية تعرضت لها على أنها "انتصار"؟
Getty Images في هجمات إسرائيل على إيران، ربما كان الأمر الأكثر إثارة للصدمة من الهجوم على المنشآت النووية والقواعد الجوية الإيرانية هو تدمير المباني السكنية، وهو ما لم يتوقعه الشعب ولا المسؤولون الحكوميون. ولم يكن نشر صور لطفل صريع تحت الأنقاض، ودبّ لعبة مغبرّ ملقى في الشارع، ودفتر رسومات، من المشاهد التي اعتاد الإيرانيون رؤيتها، على الأقل منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية، خصوصاً في شوارع العاصمة طهران. وفي التلفزيون الإيراني، عرض مراسلٌ كان يغطّي انهيار مبنى من 14 طابقاً في مجمع الشهيد جمران في ساحة نوبنياد بطهران، ملابس أطفال وصوراً لهم قال إنهم قُتلوا في الهجوم الإسرائيلي، وقد بثّ التقرير مشاهد صادمة لجثث أطفال داخل أكياس الموتى، أو بوجوه مضرجة بالدماء داخل ثلاجات الموتى، أمام أعين المشاهدين. لقد جعل هذا الهجوم على العاصمة الإيرانية المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في "خط الجبهة الأمامي"، يبحثون عن معلومات تشرح لهم ما الذي يحدث، ومدى اتساعه، وكيف يمكنهم النجاة من هذه الضربات. كما برز سؤال كبير في أذهان الجميع وهو كيف تمكّنت إسرائيل من التخطيط وتنفيذ هجمات بهذه الدقة والاتساع، واستهداف كبار المسؤولين في أهم مؤسسات الدولة، وفي عمق الأراضي الإيرانية؟ ومع ذلك، وحتى بعد مرور ساعات طويلة على الهجوم، بل وحتى بعد مضي أكثر من يوم، لم يصدر عن أي جهة رسمية في البلاد أي بيان توضيحي، ولم تُقدَّم للناس معلومات تساعدهم على فهم الحجم الحقيقي لهجوم إسرائيل على إيران، أو كيفية التصرف في ظل مواجهة عسكرية بهذا الاتساع. وتساءل الناس: هل دخلت البلاد في حالة حرب؟ وكتب أحد المستخدمين على منصة "إكس": "أكثر من 30 ساعة مضت على بداية الاشتباك العسكري بين إسرائيل وإيران، ومع ذلك لم يتم بعد تشكيل غرفة إعلامية للحرب، ولا يوجد ناطق رسمي أو مكتب للتأكيد أو النفي أو لتزويد وسائل الإعلام والجمهور بالمعلومات، وتنتشر الأخبار والصور المزيفة مثل الفيروس، وكأن شيئاً لم يحدث". واستخدم جميع المسؤولين الرسميين تقريباً الذين تحدّثوا عبر القنوات التلفزيونية نبرة توحي بأن "الأمر ليس خطيرا"، و"كل شيء تحت السيطرة"، و"أوضاع المدن آمنة وهادئة"، مطمئنين الناس بأنه لا داعي للقلق أو الذعر. لكن لم يوضح أي جهاز رسمي كيف تمكنت الطائرات الإسرائيلية من التحليق بحرية ودون مقاومة حتى وصلت إلى طهران ومدن أخرى، ونفذت ضربات دقيقة على أهدافها. وكانت البيانات الصادرة عن مختلف المنظمات، والتي نُشرت في الوكالات الرسمية، مليئة بالعبارات الخطابية التي تحدّثت عن "المقاومة" و"المظلومية" و"الانتقام الوطني القاسي". أما فيما يخص وسائل الإعلام الرسمية، فكان على الناس إما أن يبحثوا عن المعلومات وسط بيانات مليئة بعبارات مثل: "لا ينبغي التحدث مع هذا النظام المتوحش إلا بلغة القوة"، و"العدو كان سبباً في أن تُثبت مظلوميتنا وعدالة قضيتنا"، أو أن يتنقلوا بين قنوات التلفزيون الإيراني ليستمعوا إلى أناشيد وخطب حماسية مصحوبة بصور العلم الإيراني و"الشهداء". Getty Images المظلومية والمقاومة والانتقام القاسي بدأت التغطية الرسمية صباح يوم الجمعة بنشر أخبار وصور عن القادة العسكريين والعلماء النوويين الذين قُتلوا، ثم شرع التلفزيون الإيراني في بث أناشيد وطنية وإسلامية ترافقت مع هذه الأخبار والصور، إلى جانب اقتباسات من شخصيات بارزة في الجمهورية الإسلامية، وأناشيد النصر، والتأكيد على مواصلة طريق "جبهة المقاومة". لكن منذ ساعات ما بعد الظهر، وبعد صدور بيانين عن المرشد الإيراني، أحدهما مكتوب والآخر مصوّر، بدأ المذيعون والخبراء في البرامج التلفزيونية بالدقّ على طبول "الانتقام القاسي". وقال آية الله علي خامنئي في بيانه المصوّر إن "القوات المسلحة ستتحرك بقوة، وستجعل النظام الصهيوني الخبيث في مأزق"، وهي العبارة التي أعادت تشكيل أسلوب التغطية الرسمية، ونفخت في بوق الانتقام. ومع حلول المساء، انطلقت الصواريخ الباليستية الإيرانية نحو تل أبيب، وبدأت القناة الأولى في التلفزيون الإيراني بثا مباشراً لصور مدينة تل أبيب ليلاً، ولقطات تُظهر صواريخ تضرب قلب المدينة، وتحولت هذه الصور إلى خلفية لحوارات مع خبراء يشرحون كيف تجاوزت صواريخ إيران الطبقات الدفاعية الإسرائيلية و"القبة الحديدية"، لتلقن إسرائيل "درساً قاسياً" وتعطيها "رداً ساحقاً". وهكذا، تبلورت "سردية النصر"، وحتى دوي صفارات الإنذار في تل أبيب اعتُبر دليلاً على الخوف. وكل ذلك كان يحدث في وقت كانت فيه الهجمات الإسرائيلية على القواعد الجوية الإيرانية ومنشآت نطنز وفوردو وأصفهان النووية مستمرة، بينما ظلّت الطائرات المسيّرة المهاجمة تحلّق في سماء طهران حتى ساعات ما قبل ظهر يوم السبت. Getty Images ما مدى خطورة الوضع؟ عندما تسقط الصواريخ، تصبح المسألة مسألة حياة أو موت، حيث يريد الناس أن يعرفوا ما الذي حدث، وكيف يمكنهم حماية أنفسهم وأحبّائهم، وتتطلب الإجابة عن هذين السؤالين معلومات دقيقة، وأي نوع من الرقابة أو التقييد في نقل المعلومات قد يؤدي إلى نجاة البعض أو إلى وفاة آخرين. ونشر يسرائيل كاتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، السبت رسالة على منصة "إكس" دوّت كالقنبلة في إيران حيث كتب يقول: "إذا واصل خامنئي إطلاق الصواريخ على المناطق السكنية في إسرائيل، فإن طهران ستحترق"، وجاءت هذه التغريدة ردًّا على سقوط صواريخ إيرانية في إسرائيل وبمثابة تهديد بردّ انتقامي، ومن الطبيعي أن تثير تغريدة كهذه قلق سكان طهران، بل وقد تؤدي إلى اضطرابات في المدينة، أو على الأقل إلى ازدحام مروري خانق في الطرق المؤدية إلى خارجها. لكن، أليس من حق الناس أن يعرفوا ما الذي يحدث؟ وإلى أي مدى وصلت خطورة الوضع؟ وكثيرًا ما يحاول المسؤولون الإيرانيون عرض الحقائق بالطريقة التي يرونها "صائبة" لمنع ما يسمونه "اضطرابات" و"حربًا نفسية" و"إثارة البلبلة"، ولذلك نسمع باستمرار عبارات مثل "الأضرار طفيفة"، و"المدن آمنة"، و"لقد لقّنا العدو الآن درساً قاسياً". لكن، هل المدن فعلاً آمنة؟ وهل جرى حقاً تلقين "العدو" درساً قاسياً؟ لذلك، خلال تغطية الجولة الجديدة من الهجمات الإسرائيلية على إيران، لم تُنشر عبر القنوات الرسمية سوى حصيلة القتلى من كبار مسؤولي الحرس الثوري الإيراني وعدد من العلماء النوويين مع بيانات مجتزأة حول استهداف المنشآت العسكرية والنووية، وأرقام متفرقة عن القتلى والجرحى أعلنها بعض المحافظين، أو نوابهم، أو في بعض الأحيان مسؤولو الهلال الأحمر في المدن الصغيرة حيث قيل مثلاً إن شخصين قُتلا في تبريز وأصيب 6، أو أن شخصاً قُتل وأُصيب 4 في محافظة لرستان. وبدلا من نشر معلومات دقيقة، امتلأت وكالات الأنباء بالبيانات الصادرة عن المسؤولين، وأئمة المساجد يوم الجمعة، والجمعيات الدينية، ومختلف أنواع المؤسسات وجميعها كانت تتحدث عن "مظلومية الشعب الإيراني"، واستمرار "جبهة المقاومة"، وتطالب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية بـ "الانتقام القاسي". لكن، حتى بعد متابعة هذه الأخبار واحدا تلو الآخر، بقيت الأسئلة الأساسية من دون إجابة وهي: كيف نُفذت هجمات بهذا الحجم؟ كم عدد المسؤولين المدنيين والعسكريين والعلماء النوويين الذين قُتلوا؟ كم عدد القتلى المدنيين، وما هي أسماؤهم؟ كم طفلاً قُتل بين المدنيين؟ ما هي المنشآت النووية والقواعد العسكرية التي استُهدفت بالتحديد؟ ما حجم الخسائر الفعلية؟ كم عدد الجنود والضباط الذين قُتلوا في القواعد؟ ما هي الأهداف التي تم استهدافها بالقرب من المناطق السكنية؟ والأهم من كل ذلك: هل طهران وبقية المدن الإيرانية آمنة؟ وحتى مساء 14 يونيو/حزيران تقريبًا، لم يُنشر أي خبر عن مدى نجاح إيران في التصدي لهذه الهجمات، وما إذا كانت قد نجحت في اعتراض طائرة مسيرة أو مقاتلة أو صاروخ، حتى أن إسرائيل نفت خبر "إسقاط" مقاتلتين من طراز إف 35 وأسر طيار، ولم تُنشر أي صور للطائرتين المقاتلتين اللتين تم إسقاطهما ولا للطيار الأسير. Getty Images في حالة المواجهة العسكرية ماذا يجب أن يفعل الناس في الشوارع؟ وبالنسبة لكبار السن الذين عايشوا الحرب العراقية الإيرانية، كان صوت الانفجارات في طهران يُذكرهم بوابل الصواريخ في سنوات الحرب، والذي بحسب أحد مستخدمي منصة إكس "يفتح الجراح القديمة"، إلا أن الفارق هذه المرة كان في تساؤل كثيرين: "لماذا لم تُطلق صفارات الإنذار؟" ذلك الصوت الذي كان يتردد صداه في الأزقة الخلفية والطرقات كلما ظهرت طائرات ميغ العراقية خلال الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات، مما يعطي للناس فرصة للهروب إلى الأقبية أو الملاجئ أو أيّ مأوى. وكان الزحام على محطات الوقود والمخاوف من نقص المواد الغذائية دليلاً على حاجة الناس إلى معلومات دقيقة وموثوقة ليتمكنوا من اتخاذ قرارات مناسبة في مواجهة وضعٍ طارئ. وفي عتمة الفجر وغموض الأخبار المتضاربة بين الصحيح والمغلوط، خرج في نهاية المطاف وزير الداخلية الإيراني بعد ساعات طويلة ووجّه توصيات إلى الناس، طالبًا منهم أن: يحافظوا على هدوئهم لا يقوموا بأي تصرف يثير القلق العام يثقوا فقط بالمعلومات الرسمية والموثوقة يتجنبوا التنقلات غير الضرورية ويتعاونوا مع فرق الإغاثة عند الحاجة لكن هذه العبارات بدت كأنها مطالب أكثر من كونها توصيات، حيث صيغت بهدف "السيطرة على الاضطرابات والرأي العام"، فبدلاً من تقديم إجابات، بدأ المسؤولون الإيرانيون منذ الفجر، حوالي الساعة 5 صباحاً، بتهديد من "ينشرون الأكاذيب"، وهي عبارة قانونية ذات تبعات جنائية، ومن بين هذه التهديدات، دعت النيابة العامة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي إلى الامتناع عن التطرق إلى مواضيع "تُخلّ بالأمن النفسي للمجتمع"، وأكدت أنها ستتخذ إجراءات قضائية بحق من يخالف. ثم ذهبت منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني أبعد من ذلك، وأصدرت بياناً أعلنت فيه أنها "وضعت على جدول أعمالها تحديد واتخاذ إجراءات وقائية بحق العناصر التي تزرع الاضطراب النفسي وتخلّ بالنظام العام". وتُعد هذه المنظمة جهازاً استخباراتياً يعمل بالتوازي مع وزارة الاستخبارات الإيرانية، كما دعت المنظمة المواطنين إلى تزويدها بالمعلومات "في حال وقوع أي تحركات أو أحداث مشبوهة". وفي اليوم التالي، السبت، أفاد التلفزيون الرسمي بأن 5 أشخاص اعتقلوا في يزد بتهمة "إثارة الرأي العام". Getty Images المعلومات "الضرورية" بدلا من الإعلام غالبًا ما يكتفي مسؤولو الجمهورية الإسلامية بنشر "المعلومات الضرورية" بدلًا من "الإعلام". وهذا التقييد هو ما يحدّ من نشر المعلومات، ويدفع الجمهور إلى اللجوء إلى منصات التواصل الاجتماعي بحثًا عن إجابات، والبحث عن معلومات يصعب أو يستحيل التحقق من دقتها، على الأقل من وجهة نظر من يفتقرون إلى الخبرة في مجال المعلومات والمعرفة الإعلامية. وفي الوقت نفسه، وتماشيًا مع جهود الحكومة الإيرانية "لمنع تقويض الأمن النفسي للمجتمع" و"إثارة الرأي العام"، تُقلّل وسائل الإعلام التابعة لها من شأن الأحداث المؤسفة، فعلى سبيل المثال، صرّح أكبر صالحي، معاون محافظ أصفهان للشؤون الأمنية، عن انفجار نطنز، قائلا: "هذا الصباح، تعرّض موقع نطنز النووي للهجوم، لكن الهدوء عاد ولا داعي للقلق" بينما قال مسؤول آخر: "تعرّضت منشآت نطنز للهجوم، لكن يبدو أن الأضرار سطحية"، وقال خبير آخر: "العديد من الطائرات المسيرة التي حلّقت فوق طهران ليلًا كانت تابعة لنا، ولا داعي للقلق". وهناك مشكلة أخرى وهي أنّ المسؤولين غالبًا ما يتحدثون بعبارات عامة ويقولون: "سيتم الإعلان عن التفاصيل لاحقًا"، ولكن هذه التفاصيل لا تظهر أبدًا. على سبيل المثال، شدد محافظ سنندج على ضرورة توخي الحذر من "وسائل الإعلام الأجنبية" وعدم الالتفات إلى "شائعاتها وإثارة الأجواء"، والحذر من "الحرب النفسية". وتعني هذه النصيحة في هذا السياق أن المسؤولين غالبًا ما يتجنبون تقديم المعلومات بدعوى أن "تقديم هذه المعلومات سيساعد العدو"، وبالتالي، غالبًا ما تُعتبر الشفافية في المعلومات تهديدًا للأمن القومي يُبرر التكتّم عليها. وهناك مبرر آخر يذهب إلى أبعد من ذلك، وهو أن بعض المسؤولين يقولون رداً على سؤال عما حدث بالضبط: "هل تريدون منا أن نعطي أسراراً عسكرية للعدو؟". وفي الوقت الذي تسعى فيه السلطات إلى حجب المعلومات، تسعى كذلك إلى نزع المصداقية عن أي معلومات أخرى متداولة. فعلى سبيل المثال، قال حسن عابديني، نائب مدير القسم السياسي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، قرابة الساعة الخامسة والنصف من صباح الجمعة، إن على الناس توخي الحذر في التعامل مع المعلومات على مواقع التواصل لأن العدو "ينشر تلوثًا معلوماتيًا" عبر الأكاذيب، مثل نشر أسماء مزيفة للضحايا، مما يثير "القلق" في المجتمع. كما حذّر من الذكاء الاصطناعي، ودعا الناس لعدم تصديق كل ما يرونه. وفي السياق ذاته، دعا مقدم برنامج "جهت" التلفزيوني المشاهدين إلى متابعة الأخبار فقط من خلال الإعلام الرسمي، وأن يتروّوا لبضع ثوانٍ قبل إعادة نشر أي خبر على مواقع التواصل للتأكّد من صحته. ورغم صحة هذه النصائح التي تعكس إدراكًا لمفهوم "الثقافة الإعلامية"، إلا أنّ عدم قيام القنوات الرسمية بدورها في نقل المعلومات بدقة، لا يترك للناس خيارًا سوى البحث عن مصادر بديلة، وهو ما قد يؤدي إلى "قلق عام أكبر" واتخاذ قرارات لا تستند بالضرورة إلى الواقع.


الوسط
منذ 2 ساعات
- الوسط
لغز مقتل نجمة «التيك توك» سناء يوسف.. وحكم المحكمة 18 يونيو
مثّل مقتل سناء يوسف نجمة «التيك توك» الباكستانية (17 عامًا) في منزلها بإسلام أباد الأسبوع الماضي برصاص رجل ، لغزًا كبيرًا وردود فعل مختلفة داخل المجتمع الباكستاني خاصة نساءه اللائي أعلنَّ تخوفهن من وسائل التواصل الاجتماعى وتأثيرها على حياتهن. انهالت التعليقات بعد الجريمة وفق وكالة فرانس برس على آخر مقطع فيديو نشرته يوسف على حسابها الذي يبلغ عدد متابعيه مليونًا، وتظهر فيه وهي تحتفل بعيد ميلادها. ولم تقتصر هذه التعليقات على الدعوات بأن ترقد بسلام؛ بل اعتبر بعضها أن الإنسان يحصد ما يزرع، وأنها استحقت هذا المصير لكونها لم تكن تحترم الإسلام. منصة سيئة السمعة اللافت أن منصة «تيك توك» تحظى بسمعة سيئة في باكستان؛ حيث حُظرت قبل أشهر بتهمة «الفجور»، وفقًا للسلطات، كما أنه لا تتجاوز نسبة من يملكن هواتف ذكية 30% من مجمل الباكستانيات، في حين يصل المعدل لدى الرجال إلى 58%، وفقًا لتقرير المساواة الرقمية لسنة 2025. ولم يكن حادث سناء يوسف هو الأول من نوعه، فقد سبقته حوادث متعددة لها علاقة بعالم التواصل الاجتماعي ونشاط النساء والفتيات عليه منها: في يناير الماضي، اعترف رجل في كويتا بإقليم بلوشستان، حيث يسود القانون القبلي في الكثير من المناطق الريفية، بتدبير جريمة قتل ابنته (14 عامًا) بسبب مقاطع فيديو نشرتها على تيك توك تسيء في نظره إلى شرفه. وفي أكتوبر، أعلنت الشرطة في كراتشي (جنوب باكستان) توقيف رجل قتل أربع نساء من عائلته بسبب مقاطع فيديو على تيك توك اعتبر أنها «غير لائقة». وتذكّر هذه الجرائم في كل مرة بـ«جريمة الشرف» التي أدت إلى مقتل قنديل بلوش، رمز المؤثرات الباكستانيات، برصاص شقيقها العام 2016 من دون أي وخزة ضمير، على ما صرّح يومها لوسائل الإعلام. ورأت منظمة «ديجيتال رايتس فاونديشن» غير الحكومية للدفاع عن الحقوق الرقمية أن هذه الفجوة تعود إلى أن «أفراد عائلات النساء غالبا ما يثنونهن عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي خوفًا من أن تصبح هذه العائلات عُرضة لأحكام اجتماعية. وعلى الرغم من هذا الوضع، لاحظت المتخصصة في دراسات النوع الاجتماعي فرزانة باري أن الباكستانيات أقبلنَ منذ سنوات على العالم الرقمي «سعيًا إلى الالتفاف على القيود الكثيرة التي يفرضها المجتمع الباكستاني الذي أصبح محافظًا جدًا، نتيجة التوجه المتدين الذي تنتهجه السلطات منذ عقود». ومن جانبها، رأى رئيس منظمة الحقوق الرقمية أسامة خلجي في تصريحات لوكالة فرانس برس إن ذلك «نقلًا لكراهية المجتمع للنساء إلى الإنترنت»، فيما أفادت 80% من الباكستانيات بأنهن تعرّضن لمضايقات في أماكن عامة. الباكستانيات خائفات وتستهدف هذه المضايقات كل أنواع المحتويات على الشبكات الاجتماعية، حتى أبسطها. فسناء يوسف مثلا كانت تروّج لمستحضرات تجميل أو تعرض وجباتها، وهي ترتدي دائمًا زيًا تقليديًا طويلًا يغطي الجسم. وفي منشور عبر «إنستغرام»، أكدت كانوال أحمد التي ترأس مجموعة على «فيسبوك» تضم 300 ألف امرأة أن «جميع الباكستانيات خائفات، إذ على تيك توك أو على حساب خاص يضم 50 متابعًا، سيظهر الرجال في الرسائل أو التعليقات أو في الشارع، وهذا ليس فعلًا مجنونًا بل هو نتيجة ثقافة بكاملها»، بحسب المرأة التي أنشأت مساحتها المخصصة للنساء 2013 لكي تفسح المجال لهن لتبادل الآراء بحرّية. وأشارت خلجي إلى أن نساءً كثيرات في باكستان التي تحتل المركز الخامس عالميًا من حيث عدد السكان ويشكّل الشباب دون الثلاثين 60% منهم، «لا ينشرن صورهن الشخصية» على حساباتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويكتفين فيها بلقطة لزهرة أو لشيء ما، لكن نادر ما تكون لوجوههن. رسالة واضحة وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من سبعة آلاف متحرش ومتنمر إلكتروني أفي باكستان أوقفوا في السنوات الأربع الأخيرة، ولكن لم تصدر أحكام إدانة إلا في حق 30% منهم، لذا، حرص قائد شرطة العاصمة سيد علي ناصر رضوي عند إعلانه توقيف المشتبه به في قضية قتل سناء يوسف، على القول إنه أراد توجيه «رسالة واضحة» قبل مثول الموقوف أمام المحكمة في 18 يونيو الجاري، مضيفًا «إذا أرادت أخواتنا أو بناتنا أن يُصبحن مؤثرات، سواءً كمحترفات أو على سبيل الهواية، فيجب تشجيعهن».