
بين صنعاء وعدن .. على طريق 'بين الجبلين' والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية
عبدالوهاب قطران
في لحظة وطنية نادرة، ومع حلول عيد الأضحى، شعرت – كما شعر ثلاثون مليون يمني- ببارقة أمل حين أُعيد فتح طريق صنعاء – الضالع – عدن، الطريق الذي كان مغلقًا منذ سنوات، والطريق الذي يعني أكثر من مجرد إسفلت، هو شريان حياة، وجسر بين شطري الوطن سابقا والذي مزقته السياسة والحرب.
قررت أن أغامر وأسلك هذا الطريق بسيارتي، مصطحبًا أسرتي إلى عدن، المدينة الأقرب إلى قلبي، لقضاء إجازة العيد. كانت الرحلة من صنعاء حتى آخر نقطة في دمت أشبه بممر سلام؛ نقاط سلطة صنعاء لم تعترضنا، لم تطرح أسئلة، لم تفتش. فقط صور إسماعيل هنية وحسن نصرالله عند التخوم كانت تذكرنا بمشهد عبثي.
لكن مع دخولنا أول شبر في مريس، شعرت أن الطريق ليس آمنًا كما تمنيت. منطقة موحشة، تحذيرات 'ألغام' على الجانبين، طلح ميت، أرواح منطفئة. ومع ذلك، النقطة الأمنية الأولى لسلطة عدن تعاملت معنا باحترام لافت، بمجرد أن اطلع أفرادها على بطاقتي القضائية أدركوا من نكون، فتحوا لنا الطريق، وابتسموا. لأول مرة، رأيت في عيون أطفالي بصيص فخر بالقضاء اليمني. قالت ابنتي كاميليا: 'والله لأدرس قضاء وأصير قاضية دام هذا الاحترام العظيم للقضاء والقضاة.'
مررنا بعشرات النقاط حتى وصلنا ردفان. وهناك، وتحديدًا عند نقطة 'بين الجبلين'، بدأ المشهد ينقلب.
كانت تلك النقطة الأمنية صادمة. استوقفونا بعنجهية، طلبوا منا النزول من السيارة ، صادروا سلاحي الشخصي رغم إبرازي للبطاقة القضائية التي تمنحني حصانة قانونية وحق حمل السلاح. الضابط الغليظ تعامل معي بازدراء. سألني بسخرية: 'قاضي من صنعاء؟ تعمل مع الحوثي؟ وجاي تعيد بعدن؟'. حاولت أن أشرح له أن الحوثيين أنفسهم اعتقلوني لستة أشهر، لكن لم يكن يريد أن يسمع.
حين قرأ القانون المطبوع خلف البطاقة، سخر قائلًا: 'ذاك زمان، بعدن مافيش قانون!'. كأنما نحن في وطنين، وقانونين، وسلطتين، في أرض واحدة.
مرت نصف ساعة من التوتر والخوف، في منطقة لا تغطية فيها للهاتف، كأننا في بقعة معزولة من العالم، يسهل فيها أن تُغيّب ولا أحد يدري. ثم عاد الضابط، أعاد لنا السلاح، ولبس قناع الناصح الأمين: 'خبِّ السلاح عند الحرمة، باقي الطريق نقاط كثيرة.'
مررنا بعد ذلك بكل النقاط إلى عدن بسلام، حتى نقطة المدخل تعاملت معنا بلطف. دخلنا عدن قبل الغروب، واختنقنا بالدمع ونحن نراها كما هي، جميلة، مدنية، تحتضننا كأبناء.
في عدن، الناس بسطاء، يحيونك من قلوبهم، وكأن لا حروب ولا نزاعات مرّت عليهم. هناك أدركنا أن كل مشاريع التشظي والتمزيق، وكل الكراهية التي حاول الغزاة وغلمانهم زرعها بين أبناء الشعب الواحد… سقطت.
لكن في الطريق، عند نقطة 'بين الجبلين'، كان هناك وجه آخر: وجه الكراهية، وجه العنصرية، وجه السلطة حين تفقد إنسانيتها وتظن نفسها فوق القانون.
ليت تلك النقطة كانت الاستثناء لا القاعدة، وليت الذين في أعلى الهرم هناك يدركون أن الطريق لا يُعبد فقط بالشيولات، بل بالاحترام، والعدل، والكرامة، والاحتكام للدستور… لا للبندقية والمزاج.
سيرة الأيام الحلوة والمرّة في ثغرنا الباسم
يا لعدن، تلك الجوهرة الفاتنة التي تتربع على عرش البحر، مدينة الأحلام والذكريات، حيث تتداخل نسمات البحر العليلة مع همسات التاريخ العريق. إنها عدن، ثغر اليمن الباسم، الذي احتضنني وعائلتي لأحد عشر يومًا كانت كحلم ساحر، امتزجت فيه لحظات الفرح بأنفاس الحزن على فراقها. وها أنا أروي، بقلب مفعم بالشوق والأمل، تفاصيل رحلتنا إلى تلك المدينة الساحرة، مع تركيز خاص على النقاط الأمنية التي عبرناها، تلك العتبات التي كانت بوابات عبورنا بين الأمان والقلق، بين اللطف والفجاجة.
أحضان الأمان واللطف الأصيل في عدن، تنتشر النقاط الأمنية كنجوم السماء في ليلة صافية، تحرس كل زاوية ومربع بيقظة وأناة.
كانت هذه النقاط، في معظمها، مرايا تعكس طيبة أهل الجنوب وكرمهم. كنت أعبرها مع عائلتي، فلا تكاد عيون الجنود تلمح اولادي وعائلتي حتى تشرق وجوههم بابتسامة الترحيب، ويلوحوا لنا بالمرور بلا توقف، كأننا ضيوف في ديارهم، لا غرباء. كان هذا اللطف يغمر قلبي بالدفء، وكأن عدن تحتضننا بأذرع مفتوحة، تقول: 'أنتم مني وإليّ'
لكن، كما في كل حكاية، كان هناك استثناء. في يوم العيد، وبينما كنا نتهيأ لزيارة الساحل الذهبي، أوقفتنا نقطة أمنية عند مدخله. تقدمت شرطية بأدب جم، ففتشت زوجتي وابنتي بلطف يعكس رقيّ الخلق، بينما قام الجنود بتفتيش السيارة بدقة. عثروا على جنبيتي، تلك الرمزية اليمنية التي أحملها كجزء من هويتي، فاحتفظوا بها وببطاقتي الشخصية، مؤكدين أنها ستُعاد عند مغادرتنا. تقبلنا الأمر بصدر رحب، وبالفعل، عند عودتنا، سُلمت الجنبية والبطاقة بأمانة وأريحية.
رحلة العودة
بين الفرح والحزن في صباح الامس، ودّعنا عدن بقلوب مثقلة بالشوق والأسى. انطلقنا من شقتنا المفروشة في المنصورة، متجهين شمالاً نحو صنعاء، عابرين عشرات النقاط الأمنية التي كانت، في غالبيتها، بوابات للطيبة والكرم. كنت أحمل معي رزمة من فئة خمسمئة ريال قعيطي جديد ، أهدي ورقة منها لكل جندي يستقبلنا بلطف، وكأنني أرد جزءًا يسيراً من جميلهم. كانت تلك الإيماءات البسيطة تعكس تواضعنا وامتناننا لهم، بينما كانت ابتساماتهم تزرع فينا الفرح، وتخفف من وطأة الحزن على فراق عدن.
وصمة العنجهية لكن، وسط هذا البحر من اللطف، برزت نقطة أمنية كالصخرة الصلدة التي تعكر صفو النهر. نقطة تقع بين الجبلين في ردفان، تدار عن بُعد، كأنها جزيرة منفصلة عن روح اليمن وطيبته. هنا، عشنا لحظات من الغربة والضيق، حيث أوقفنا ضابط متجهم الوجه، ينظر إلينا شزراً كأننا غرباء في وطننا.
طلب منا إبراز بطاقاتنا، ثم أمرنا بإيقاف السيارة وتفتيشها بدقة. نزلنا أنا وأبنائي، ووقفنا أمامه وهو متكئ على الجبل، متعجرفاً، يطالبنا بتسليم هواتفنا. 'لا هواتف معنا!' قلتها بحزم، فأجاب بسخرية: 'وبماذا تنشر مقالاتك وصورك في عدن؟ عليك بلاغ امني من جهة عليا، مطلوب توقيفك!' صُدمت من كلامه، وسألته عن التهمة، عن الجرم، عن الجهة التي أصدرت هذا البلاغ.
لكنه أصرّ: 'جهة عليا، سلّم هاتفك!' ثم أضاف اتهامات باطلة، زاعماً أنني كنت مع الحوثيين عام 2015، وأنني زرت عدن في تلك السنة. رددت بحزم: 'لم أزر عدن منذ خليجي 20 عام 2010، والحوثيون سجنوني ستة أشهر!' لكنه استمر في استجوابه، يسأل عن من هو أحمد سيف حاشد ؟!!
وعن انتمائي السياسي. أجبته بصدق: 'أنا اشتراكي الهوى، لست منتمياً لحزب، وأحمد سيف حاشد صديقي ونائب في البرلمان.'كان واضحاً من أسئلته أنه يعرف عني الكثير، متابع لكتاباتي، ومسلح بتعليمات لاستفزازي. حاولت استدعاء ما تبقى من أمل، فذكرته بحملة التضامن التي لاقيتها في عدن، واتصال مدير أمن عدن بي، وتحيات محافظها. لكنه رد بعنجهية: 'لا سلطة لعدن هنا، نحن بعيدون عنهم!' شعرت حينها بغربة لم أعهدها، كأنني في نقطة سلطة احتلال، لا في وطني. نقطة لا تعترف بدستور، ولا قانون، ولا دولة، بل تدار بالبلطجة والفجاجة. طالبني بتسليم هاتفي مرة أخرى، فأعطيته هاتف ابني محمد، ثم هاتفي المتهالك بشاشته المكسورة.
تصفحه الضابط لمدة ثمانٍ وأربعين دقيقة، يبحث في رسائلي ومنشوراتي، لكنه لم يجد سوى الخيبة. أعاد لي الهاتف أخيراً، وقال بنبرة متعالية: 'عليك بلاغ أمني، لكن تقديراً لسنك وعائلتك، لن أوقفك.'
ثم ارتدى ثوب الناصح الكاذب، محذراً إياي من نقاط الحوثيين، فقلت: 'لا أخاف، فليس لدي ما أخفيه.' صعدنا إلى السيارة، وانطلقنا، لكنه تبعنا على دراجته النارية لمسافة طويلة، كأنه يراقبنا، فوثقنا ذلك بالصور كما تروا ادناه.
من الضالع إلى صنعاء
عبرنا بعد ذلك نقاط الضالع بأريحية، حيث استقبلنا الجنود بابتسامات ودودة، يرتدون بريهات خضراء، وعندما سألتهم عنها، أجابوا ضاحكين: 'كلنا إخوة، ارحبوا!'
وفي مريس، رأيت علم الجمهورية المتهالك يرفرف إلى جانب علم الجنوب، فسألت الجندي: 'أنتم شرعية أم انتقالي؟' فأجاب مبتسماً: 'يا أخي، كلنا إخوة.'
اقتربنا من أول نقطة تابعة لسلطة صنعاء في دمت. توقفنا، وسألنا الجندي عن وجهتنا، فقلنا: 'من عدن.' قدمت بطاقتي القضائية والشخصية، ففتشوا السيارة بأدب. اقترب الضابط، وسألني: 'أنت قاضٍ؟ من أين أنتم؟' أجبته: 'من همدان، وهذه عائلتي. فقلت له وانت من اين انت فقال من العود..
' سألني عن سبب زيارتنا لعدن، فقلت: 'ذهبنا لنعيّد.' فقال وليش مارحت تعيد بالحديدة فقلت له : 'وعدن اليست بلادنا؟'
فصمت وشعر بحرج
ثم عاد مبتسماً، وقال: 'تفضلوا، العفو منكم.'
شعرنا براحة غامرة من رقي تعاملهم. واصلنا طريقنا إلى صنعاء، عابرين نقاط الحوثيين بسلاسة وسرعة، حتى نقيل يسلح التي توقعنا توقيفنا فيها، لكننا مرينا بسلام.
وصلنا منزلنا في الثامنة والنصف مساءً، منهكين من السفر، مكسوري الجناح من فجاجة نقطة ردفان بين الجبلين، لكن قلوبنا مفعمة بالذكريات الجميلة عن عدن وأهلها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 28 دقائق
- اليمن الآن
من غرفة نوم (100 مسؤول) إلى مكاتب (خامنئي).. قصة الجاسوسة التي هزت عرش إيران
منوعات (الأول) متابعات: في العلاقات بين الدول خاصة حين يكون العداء عميقا ومتراكما مثل العلاقة بين إسرائيل وإيران، لا تُحسم المعارك كلها في الجبهات العسكرية أو التصريحات السياسية، هناك ساحة أخرى لا تقل خطورة، هي ساحة الجواسيس والعمل السري، حيث تُصنع الاختراقات بصمت، وتُهد الأنظمة من الداخل. قصة الجاسوسة كاثرين تعود مع تجدد الصراع ومع تصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي مؤخرا، عادت قصة الجاسوسة الإسرائيلية كاثرين بيرز شكدم إلى الواجهة، كواحدة من أكثر النماذج صراحة وخطورة في هذا المجال، خاصة وأنها تمثل دليل حي على كيف يمكن لشخص واحد أن يصل إلى قلب نظام مغلق مثل إيران، ويخترق قياداته الدينية والسياسية باستخدام أبسط الأساليب من خلال "زواج المتعة"، هذه الحيلة القديمة فتحت أمامها أبوابًا كان من المستحيل الوصول إليها في أي ظرف طبيعي. لم يكن أحد في طهران يتخيل أن امرأة واحدة ستخترق نظام الحرس الثوري ودوائر رجال الدين والبرلمان الإيراني، فقط باستخدام جواز سفر فرنسي وزواج مؤقت، لكن هذا ما فعلته كاثرين بيرز شكدم، الجاسوسة الإسرائيلية التي فجّرت أكبر فضيحة في تاريخ الاستخبارات الإيرانية. مصدر القصة جاء من صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، التي كشفت أن شكدم استطاعت خداع أكثر من 100 مسؤول إيراني، بينهم قيادات بارزة في الحرس الثوري وشخصيات مقرّبة من المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه، بعدما قدمت نفسها كمسلمة فرنسية متزوجة من يمني، تبحث عن تعاليم المذهب الشيعي. المدهش أن الجاسوسة الإسرائيلية كاثرين عملت لعدة أشهر في مؤسسات إعلامية رسمية، بينها وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري، بل وكانت تكتب وتعلق على سياسات إيران الخارجية والداخلية، بينما كانت في الخفاء تصطاد المسؤولين واحدا تلو الآخر، تحت غطاء "زواج المتعة"، وهو الزواج المؤقت المعترف به دينيا داخل إيران. الزواج المؤقت المصادر أكدت لـ صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن الجاسوسة كانت تعرض "الزواج المؤقت" على رجال الدين والسياسيين، لتكسب ثقتهم، ثم تبدأ بجمع أسرارهم خلال اللقاءات الخاصة، وبين هؤلاء بحسب كلامها عضو في البرلمان شرح لها تفاصيل جلسة مغلقة للغاية، دون أن تسأله، ودون أن يدرك أنه يسرب أسرار دولة من الطراز الأول. ولعل الفضيحة الكبرى أن هذه المعلومات الحساسة وصلت إلى تل أبيب، وساهمت بحسب بعض الترجيحات الإعلامية في التخطيط لعدد من الضربات الإسرائيلية الأخيرة داخل طهران، بل وربما مهدت لعملية اغتيال إسماعيل هنية مؤخرا في العاصمة الإيرانية، وهو ما أثار عاصفة غضب داخل النظام الإيراني.


اليمن الآن
منذ 40 دقائق
- اليمن الآن
عاجل : تطورات خطيرة...مقاتلات إسرائيلية تخترق المجال الجوي التركي وتركيا تتدخل بطائرات F-16 "تفاصيل"
كشفت صحيفة "دوغرو خبر" التركية، اليوم الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025، عن حادث خطير تمثل في اختراق طائرات حربية إسرائيلية المجال الجوي التركي مؤقتًا، أثناء تنفيذها غارات جوية على أهداف داخل إيران، ما دفع أنقرة إلى تحرك عسكري فوري وتحذيرات مباشرة عبر اللاسلكي. وبحسب ما أوردته الصحيفة، فإن القوات الجوية التركية أقلعت بمقاتلات F‑16 بعد رصد دخول الطائرات الإسرائيلية إلى الأجواء التركية، حيث تم توجيه تحذيرات للطيارين الإسرائيليين، تزامنًا مع رفع حالة التأهب الجوي في المنطقة. وتزامن الحادث مع تصعيد عسكري غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، حيث يواصل الطرفان تبادل الضربات الصاروخية منذ عدة أيام، في وقت تشهد فيه المنطقة توترًا إقليميًا واسع النطاق وقلقًا دوليًا متصاعدًا. ولم تُصدر وزارة الدفاع التركية حتى اللحظة بيانًا رسميًا بشأن الحادث، كما لم تعلّق إسرائيل على هذه التقارير، إلا أن مراقبين اعتبروا أن الخرق الجوي قد يُشكّل اختبارًا خطيرًا للعلاقات التركية الإسرائيلية التي تشهد توترات مكتومة في ظل اختلاف المواقف السياسية بشأن الحرب الجارية. ويُذكر أن تركيا تُعد عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتحتفظ بقواعد جوية رئيسية قرب المناطق التي يُحتمل أنها شهدت مرور الطائرات الإسرائيلية، مما يُعزز حساسية الموقف ويفتح الباب أمام تطورات دبلوماسية أو عسكرية لاحقة إذا تأكد الخرق رسمياً.


اليمن الآن
منذ ساعة واحدة
- اليمن الآن
(خامنئي).. مصير يُناقَش في غرف مغلقة
أخبار وتقارير (الأول) متابعات: مع احتدام صراع تل أبيب وطهران، اتجهت الأنظار نحو شخصية ظلّت تمسك بخيوط اللعبة لأكثر من 3 عقود في إيران؛ إنه المرشد الأعلى علي خامنئي. ولم يستبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استهداف خامنئي. وفي مقابلة مع شبكة "أي بي سي" الأمريكية الإثنين الماضي، قال نتنياهو إن "أي ضربة على المرشد الأعلى الإيراني لن تُشعل حربًا أوسع نطاقًا ولكن يمكن أن تكون حاسمة بدلًا من ذلك". وأضاف: "لن يؤدي ذلك إلى تصعيد الصراع، بل سينهي الصراع". أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فكتب منشورًا على منصته "تروث سوشيال" مساء الثلاثاء، قال فيه إن الولايات المتحدة "لن تقتل في الوقت الحالي" المرشد الإيراني، علي خامنئي، محذرًا إياه من شن هجمات إضافية على إسرائيل، وملمحًا إلى أن على إيران "الاستسلام غير المشروط". وردًا على التلويح باستهدافه، قال المرشد الإيراني: يجب التعامل بقوة في مواجهة إسرائيل، ولن نساوم أبدًا. وفيما يلي تلقي "العين الإخبارية" نظرة فاحصة على سيرة خامنئي وصعوده إلى السلطة، مستندة في ذلك إلى وسائل إعلام إيرانية وغربية. من مساعد إلى مرشد أعلى وُلد خامنئي عام 1939 في عائلة دينية في مشهد، شرق إيران، وشبّ في السنوات التي سبقت ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي. سُجن مرارًا وتكرارًا من قبل الأجهزة الأمنية، وارتفع في صفوف المعارضة الدينية كحليف وثيق للخميني، الذي قاد الثورة وأسس جمهورية إيران الإسلامية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية. وعندما توفي الخميني عام 1989، تمّت ترقية خامنئي، بحلول ذلك الوقت، إلى المرشد الأعلى لإيران، أعلى سلطة سياسية ودينية في البلاد، ليبدأ مرحلة جديدة من ترسيخ نفوذه في مفاصل الدولة. السلطة المطلقة بصفته المرشد الأعلى لإيران، يُعيّن خامنئي رؤساء القضاء ووسائل الإعلام الحكومية والوكالات الأمنية الرئيسية، ويتمتع بالسلطة النهائية على من يمكنه الترشح للرئاسة. كما يسيطر على السياسة الخارجية والعسكرية، ويشرف على الحرس الثوري، وفيلق القدس. وتمتد سلطته كذلك إلى البرنامج النووي، وتضعه – وفق "نيويورك تايمز" – "في مركز مواجهة إيران المتصاعدة مع إسرائيل". مهندس استراتيجية إيران الإقليمية وعلى مدى عقود، كان خامنئي في صميم السياسة الخارجية الإيرانية. وهي سياسة تتهمها دول غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، بتدريب وتسليح وتمويل شبكة من الأذرع الممتدة من حزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، وحماس في قطاع غزة. ضربتان في سبتمبر/ أيلول الماضي، قتلت إسرائيل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في بيروت. وبحسب مراقبين، شكّلت تلك الحادثة "ضربة شخصية لخامنئي، الذي عرف نصر الله منذ عقود". أما الضربة الثانية – بحسب "الغارديان" البريطانية – فكان الهجوم الجوي الإسرائيلي على إيران، يوم الجمعة الماضي، والذي استهدف قيادات عسكرية بارزة ومواقع نووية. وقالت إسرائيل إن الحملة العسكرية كانت محاولة لمنع طهران من الحصول على أسلحة نووية. واتهمت إسرائيل والحكومات الغربية طهران منذ فترة طويلة بالسعي إلى القدرة على بناء قنبلة إذا اختارت ذلك. في المقابل، أكّد المسؤولون الإيرانيون أن البرنامج النووي لبلادهم مخصص للاستخدامات المدنية فقط. تحت الحراسة والتهديد وتشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه يتم التحكم في تحركات المرشد الأعلى لإيران بإحكام، ونادرًا ما يتم الكشف عن مكان وجوده. ويشرف على أمن المرشد الأعلى الشخصي وحدة نخبة من الحرس الثوري، التي تقدم تقاريرها مباشرة إلى مكتبه، وفقًا للمحللين. ويقال إنه تم نقله الأسبوع الماضي إلى موقع سري حيث يمكنه البقاء على اتصال بالجيش. ويأتي ذلك بعد تقارير مماثلة العام الماضي، عندما تم نقله أيضًا إلى مكان آمن بعد يوم من مقتل حسن نصر الله.