العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن
في زوايا التاريخ، حيث يمتزج الفن بالتراث، يبرز العقيق اليماني كأحد أجمل الأحجار الكريمة التي سطرت قصصًا تتجاوز حدود الزمان.
يعود تاريخ صياغته إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة. هذا الحجر، الذي يتلألأ بألوانه الفريدة، لا يُعتبر مجرد زينة، بل هو رمز عميق للثقافة اليمنية.
من جبال آنس في وسط اليمن إلى أسواق صنعاء القديمة، مدينة سام ابن نوح، يتنقل العقيق حاملاً معه حكايات الأجداد الذين نحتوا الجبال وبنوا القصور والمعابد. يبقى العقيق شاهدًا على مهارة الحرفيين الذين أبدعوا في تشكيله وصقله، ليعكس روح الإبداع والانتماء إلى التراث.
تُعتبر عملية استخراج العقيق وصناعته من الفنون التقليدية التي تتطلب مهارة عالية ودقة في الأداء.
يروي فؤاد عبدالله الخضاف، أحد رواد هذه الصناعة، قصته كجزء من عائلة تمتهن صناعة العقيق منذ عقود طويلة في سمسرة النحاس بسوق الملح وسط صنعاء القديمة.
بدأ فؤاد تعلم هذه الحرفة على يد والده منذ طفولته في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث ورث عنه شغفًا كبيرًا بفنون العقيق.
تبدأ عملية استخراج العقيق بنحت الحجر بعناية فائقة، حيث يستخدم أدوات تقليدية لتقطيعه. بعد ذلك، يتم تنظيفه وتنقيته من الشوائب باستخدام المناشير، وهي خطوة تضمن جودة الفصوص. تلي هذه المرحلة عملية الجلخ، التي تتضمن تشكيل الحجر وتحديد أشكاله المختلفة، سواء كانت بيضاوية أو دائرية أو مستطيلة أو مربعة.
بعد الانتهاء من تشكيل الفصوص، يُخضع الحجر لمرحلة التلميع باستخدام أدوات مثل الصنافر والدباشات، خاصة عند العمل على كميات كبيرة. بهذه الطريقة، يتحول العقيق إلى قطع فنية متألقة تعكس مهارة الحرفيين وتفانيهم في عملهم.
يُستخدم العقيق في تزيين مجموعة متنوعة من الأدوات والمجوهرات، مما يضفي لمسة من الفخامة والجاذبية على كل قطعة. تُعتبر خواتم العقيق من الخيارات الشائعة بين محبي المجوهرات، حيث تحمل في طياتها رموز الفخر والتميز. وغالبًا ما تُهدى هذه الخواتم في المناسبات الخاصة، لتعبّر عن الحب والاحترام.
لا يقتصر استخدام العقيق على الخواتم فحسب، بل يمتد ليشمل صناعة القلائد والأساور، ليكون جزءًا من إطلالات مميزة. كما يتم استخدامه في تزيين الأدوات التقليدية، مثل السيوف والخناجر، مما يبرز الفخر بالتراث الثقافي. هذه القطع الفنية لا تعكس فقط الجمال، بل تسلط الضوء على الهوية الثقافية الغنية لليمن، وتجسد ارتباط الأجيال بماضيهم.
يتكون معمل صوغ الفضيات الحديث من مجموعة متنوعة من الآلات المتخصصة، مثل ماكينة السحب (التسطيح) وماكينة الدبكي، التي تُستخدم لقص القطع والمنمنمات بدقة عالية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل المعدات ماكينة تشكيل أسلاك الفضة ومنظومة اللحام بالغاز، وغيرها من الأدوات التي يعتمد عليها الحرفيون في تنفيذ قطعهم الفضية.
تتطلب صناعة خاتم فضي مهارة فائقة، حيث يمكن أن يتكون الخاتم من عشرات القطع الصغيرة، وقد تحتوي بعض التصميمات على أكثر من مئة قطعة ومنمنمة فضية. يُبرز ذلك تعقيد العمل ودقة التفاصيل المطلوبة. يعتمد الحرفي في تشكيل القطعة على مهاراته اليدوية، ليتمكن من إنجاز التصميم النهائي الذي يجسد إبداعه ورؤيته الفنية.
ارتبط العقيق عند الكثير من اليمنيين بكرامات وأساطير تتناقلها الأجيال، ومعتقدات بجلب الحظ وطرد السحر، وامتصاص السموم، ومنح الطاقة والقوة والنشاط. يُقال إنه حين يضرب البرق، يلمع العقيق في الصخر ويعكس ما حوله، مما ينتج عنه ترسبات وتظهر الصور على الحجر.
وأنت تتجول في أزقة صنعاء القديمة، حيث يلتقي التاريخ بالحضارة، يمكنك أن تتأمل في أيدي الرجال والنساء. يحرص الكثيرون على تزيين أصابعهم بخواتم تقليدية مصنوعة من الفضة، تتوسطها فصوص من العقيق بألوانها المتنوعة. هذه الخواتم تجسد الهوية والانتماء، وتعكس جمال التراث اليمني الأصيل.
خلف جمال العقيق يختبئ واقع مرير، فقد تأثرت هذه الصناعة، المرتبطة بتراث اليمن الأصيل، بتحديات عصيبة نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية. تراجع الإقبال على العقيق بسبب توقف حركة السياحة وضعف القدرة الشرائية للمواطنين، مما أثر سلبًا على العاملين في هذا المجال. نتيجة لذلك، أصبح الكثير من الحرفيين يمتهنون أعمالًا أخرى، مثل العمل على الدراجات النارية وفي بيع القات.
ختاما، يتجلى العقيق اليمني كرمز للتراث والثقافة، حيث يحمل بين طياته قصص الأجداد ومهارات الحرفيين. رغم التحديات التي تواجه هذه الصناعة العريقة، يبقى العقيق شاهدًا على الإبداع والتميز، ويمثل حلقة وصل بين الماضي والحاضر. إن الحفاظ على هذه الحرفة ليس مجرد واجب ثقافي، بل هو دعوة لتعزيز الهوية والانتماء في وجه التغيرات السريعة. فلنستمر في تقدير جمال العقيق، ولنحافظ على إرثه، الذي يعكس روح اليمن الغنية وتاريخها العريق.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 3 أيام
- مصرس
دينا فؤاد: مفيش خصوصيات بيني وبين بنتي.. بتدعمني وتفهم في الناس أكتر مني
قالت الفنانة دينا فؤاد إن ابنتها "زينة" تبلغ من العمر 17 عامًا، وتعدّ أكبر داعم نفسي لها، مضيفة: "بتتفرج عليّ وبتشجعني. العلاقة بينا بقت صداقة، مش بس أم وبنت، وده من وقت ما دخلت سن المراهقة". وأضافت فؤاد، خلال حوارها مع المحامي الدولي والإعلامي خالد أبو بكر، والإعلامية راغدة شلهوب، في برنامج "آخر النهار" على قناة "النهار": "بتكلم مع زينة في كل حاجة، حتى في أموري الخاصة، وهي كمان بتحكيلي عن حياتها وشئونها الشخصية".وتابعت: "ما بقاش عندي خصوصيات معاها، هي عارفة كل حاجة عني، حتى آرائي في الناس بقولها لها، وهي عندها إحساس بالناس أكتر مني، أنا ساعات بكون عبيطة وهي بتفهم أكتر".وأكدت دينا فؤاد أنها تشكر الله سبحانه وتعالى دائمًا على نعمه وكل ما يحدث في حياتها، وقالت: "بعد كل نجاح بشكر بابا، رغم إنه متوفي، لكن دايمًا حاسة إني مستنية مكالمة منه يطمن عليّ".كما أعربت عن امتنانها للفنان الراحل نور الشريف، قائلة: "هو اللي اكتشفني وكان صاحب فضل كبير عليّ، كان بيدربني على التمثيل، وأعتبره الأستاذ اللي تعلمت على إيده كل حاجة في الفن".


مستقبل وطن
منذ 5 أيام
- مستقبل وطن
بعد عرض فيلم «الإسكندراني».. تفاصيل خلاف بيومي فؤاد مع أحمد العوضي
بعد عرض فيلم «الإسكندراني» ظهر خلاف الفنان بيومي فؤاد مع الفنان أحمد العوضي. وفي أول تعليق مباشر له، عبّر الفنان المصري بيومي فؤاد عن استيائه من مسار الخلاف الذي وقع بينه وبين الفنان أحمد العوضي بعد عرض فيلم "الإسكندراني". وأوضح فؤاد أن ما حدث لم يتجاوز حدود سوء التفاهم، وأنه لا يحمل أي ضغينة تجاه الفنان أحمد العوضي. كما أبدى استعداده الكامل للعمل مع العوضي مجددًا، واضعًا حدًا للتكهنات التي دارت حول توتر العلاقة بينهما. حرب التصريحات الصحفية وأكد فؤاد في تصريحات صحفية أن كلماته لم تكن موجهة للإساءة أو التقليل من قيمة العوضي، بل جاءت في سياق مهني بحت. وأضاف: "نحن زملاء في نفس المجال، ولا يوجد مبرر لاستمرار التباعد. بالنسبة لي، الموضوع انتهى، ولن أعود للحديث فيه". بدأ الخلاف بين الطرفين في مارس الماضي، عندما أشار فؤاد إلى أن دوره في فيلم "الإسكندراني" هو المحرك الرئيسي للأحداث، ملوّحًا بأن 11 فنانًا سبق أن اعتذروا عن العمل قبل أحمد العوضي. هذا التصريح فُهم على أنه تقليل من حجم مشاركة العوضي، ما دفع الأخير للرد بطريقة ساخرة، مشيرًا إلى أنه قبِل العمل رغم عدم إعطائه أهمية كبرى لدور بيومي فؤاد. وفي تصريحاته الإعلامية، قال العوضي إن بيومي فؤاد "عليه أن يشكر الله" أنه وافق على المشاركة في الفيلم، مضيفًا أن محاولات فؤاد لإضفاء طابع كوميدي لم تلقَ قبولًا داخل كواليس العمل. كما وصف إحدى الجمل التي ألقاها فؤاد أثناء التصوير بأنها لم تكن موفّقة.


الأموال
منذ 5 أيام
- الأموال
أول تعليق من عمرو الليثي بعد خضوعه لعملية جراحية
طمأن الإعلامي عمرو الليثي، رئيس اتحاد إذاعات وتليفزيونات دول منظمة التعاون الإسلامي، جمهوره ومتابعيه على حالته الصحية، بعد خضوعه صباح أمس الإثنين لعملية جراحية بأحد المستشفيات الخاصة في منطقة المهندسين. ونشر الليثي صورة له من داخل المستشفى عبر حسابه الرسمي بموقع "فيسبوك"، وعلّق عليها قائلاً:"ألف شكر للعالم الكبير الدكتور محمد حقي، الذي أجرى الله على يديه الخير، وتمت العملية بنجاح الحمد لله". ولاقت الصورة تفاعلًا واسعًا من متابعيه الذين حرصوا على الاطمئنان عليه وتمنوا له تمام الشفاء والعودة سريعًا لممارسة نشاطه الإعلامي. وفي سياق أخر، أعلن عمرو الليثي اعتذاره رسميًا للإذاعي محمد نوار، رئيس الإذاعة المصرية، عن الاستمرار في تقديم برنامج "كلمتين وبس"، والذي كان يُذاع عبر أثير موجات البرنامج العام. وجاء هذا القرار بسبب انشغاله في تقديم برنامجه الخيري "أبواب الخير"، عبر إذاعة راديو مصر، وهو البرنامج الذي يركّز على دعم الحالات الإنسانية في مختلف أنحاء الجمهورية. وقبل نوار اعتذار الليثي، موجهًا له الشكر والتقدير على تقديمه البرنامج على مدار أربع سنوات كاملة دون مقابل مادي، مؤكدًا أنه كان نموذجًا للإعلامي صاحب الرسالة المجتمعية. برنامج "كلمتين وبس" يُذكر أن برنامج "كلمتين وبس" يُعد إعادة إحياء لرؤية الفنان الكوميدي الراحل فؤاد المهندس، ولكن بصيغة حديثة، حيث قدّمه الليثي في إطار إذاعي عصري، يجمع بين الماضي والحاضر. ويسلط البرنامج الضوء على قضايا وهموم المواطن المصري، من خلال سرد يومي يحمل لمسة من الفكاهة والتأمل، في قالب حواري بين الليثي وصوت فؤاد المهندس، مما منح البرنامج طابعًا فريدًا ومحببًا لدى جمهور الإذاعة.