logo
رمضان كان.. واليوم أصبح!

رمضان كان.. واليوم أصبح!

الأيام٠٧-٠٣-٢٠٢٥

رمضان كان.. واليوم أصبح!
نشر في
7 مارس 2025 الساعة 14 و 30 دقيقة
وفي كل ليلة، كان هناك بطل بيننا يغامر ويتقدم إلى الصفوف الأولى، متوقعا أنه في أي لحظة يمكن أن يدفع به إلى الخلف، ليفسح المكان لمن هم أكبر منه سنا..
وحين تنتهي الصلاة، نخرج مع جموع المصلين وكأننا كنا نصلي معهم طوال الوقت، نلحق بالكبار في طريق العودة إلى البيت، نتبادل التحايا مع كل من نعرف، كإثبات وجود وإعلان مشاركة في أداء ركعات التراويح حتى نهايتها…
عبد الإله حمدوشي
في الطفولة، كان رمضان حكاية أخرى تروى عبر أزقة ضيقة، حيث تختلط روائح 'الشباكية' و'السفوف' بأصوات الباعة المتجولين الذين يروجون لـ'السردين' و'الخضر الطازجة'، فيما كانت الأمهات تتبادلن 'التذويقة' عبر النوافذ، وأطراف الحديث عن كل وصفة جديدة تدخل الحي…
كنا صغارا، لا نفهم فلسفة الصيام، لكننا كنا نُصر على الإمساك عن الطعام مثل الكبار، نعدّ الساعات بشغف، ونشرب الماء سرا حين لا يرانا أحد، ونفرح عندما يقال لنا: 'تبارك الله عليك منين كملت نهارك'، نشعر حينها وكأننا بلغنا منزلة العابدين والرجال الراشدين.. كنا نلعب لعبة 'الشرطة واللصوص' في الزقاق، ونركض خلف الكرة المصنوعة من جوارب قديمة أو تلك البلاستيكية التي تباع في الدكاكين بدراهم معدودة، حتى تنادينا أمهاتنا قبل الأذان: 'يالاه دخلوا.. الآذان قريب!'.
عندما يؤذن المؤذن لصلاة المغرب، تتوقف الحركة، يهرع الكل للتحلق حول المائدة، تتسمر العيون على 'براد' الشاي في المائدة المرصوصة بكؤوس زجاجية قديمة، وملاعق متفرقة الأشكال، و'مسمن' يتوسط الصحن الكبير، بينما نكهة 'الحريرة' تتسلل إلى الأنوف.. كانت الإشهارات التلفزيونية تملأ الأرجاء، لكن لا أحد يهتم، فاللقمة الأولى كانت أجمل من أي إعلان.. الأب يطيل الدعاء، ونحن نلتهم ما وُجد دون أن ننتظر نهاية دعاء 'اللهم لك صمنا…'.
المسجد في رمضان كان له شأن آخر.. كنا نحضر صلاة التراويح، أو على الأقل، هذا ما كان يعتقده أهلنا.. والحقيقة أننا كنا نذهب لنلعب في الصفوف الخلفية، حيث المساحة واسعة والأعين أقل مراقبة.. نبدأ الصلاة في البداية بوقار مصطنع، نقف بين المصلين، نركع ونسجد، لكن سرعان ما تجرّنا المغامرة إلى التراجع إلى الخلف والتقافز بصمت خلف الأعمدة، أو التسلل إلى مكان الأحذية بحثا عن 'أحسن بلغة' نجربها ثم نعيدها لمكانها، أو حتى نلعب 'الغميضة' في زوايا المسجد، نحاول كتم ضحكاتنا كي لا يُمسك بنا أحد المصلين الصارمين من الذين لا يؤمنون أصلا بضرورة حضور الأطفال إلى المسجد..
وفي كل ليلة، كان هناك بطل بيننا يغامر ويتقدم إلى الصفوف الأولى، متوقعا أنه في أي لحظة يمكن أن يدفع به إلى الخلف، ليفسح المكان لمن هم أكبر منه سنا..
وحين تنتهي الصلاة، نخرج مع جموع المصلين وكأننا كنا نصلي معهم طوال الوقت، نلحق بالكبار في طريق العودة إلى البيت، نتبادل التحايا مع كل من نعرف، كإثبات وجود وإعلان مشاركة في أداء ركعات التراويح حتى نهايتها…
كان الحي ليلا ينبض بالحياة، الرجال في جلابيبهم المختلفة الألوان يجتمعون في الدكاكين يتحدثون في كل شيء ويتبادلون النكات، والشباب يتنافسون في 'ضامة' فوق كراسي مهترئة، ونحن الصغار نواصل لعبنا بين الأزقة وكأننا لم نصم يوما كاملا.. كأننا غير معنيين بما يخبئه لنا الغد من مفاجآت.. نغرق في اللعب حتى ينادينا الأهل للدخول إلى البيت، وحين نصل، نرتمي على الفراش وننام بسرعة، بلا أرق، بلا حسابات وبلا سحور في أحايين كثيرة…
أما اليوم، فكل شيء تغيّر.. صار رمضان موسما للاستهلاك.. الأسواق ممتلئة، لكن الأسعار تلتهب.. الموائد ما عادت بسيطة كما كانت، بل تحولت إلى ساحات استعراض.. امتلأت بما لذ وطاب، لكن بلا طعم.. العائلات التي كانت تذوّق بعضها البعض من أطباق الطعام يُخيّل إلينا أنها انقرضت، وحلت بدلها أسر تسكن الشقق الاقتصادية ولا تعرف حتى هوية جيرانها.. صرنا نجتمع بصمت حول شاشات الهواتف، كل واحد غارق في عالمه.. حتى صلاة التراويح تغيرت.. لم تعد المساجد تعجّ بالصغار المشاغبين.. بل بالكاميرات التي توثق كل شيء، والهواتف التي تلتقط اللحظة بدل أن تعيشها…
لم يتغير رمضان.. لكننا نحن من تغيرنا.. تغيرت عاداتنا، صارت بيوتنا أوسع، لكن قلوبنا أضيق.. كبرنا، لكن أحلامنا صارت أصغر.. لم نعد ننتظر العيد بحماس الأطفال، ولم نعد نضحك لعرس الجيران أو نسعد بكسكس الجنائز.. ربما لأننا أدركنا أخيرا أن بعض الأشياء حين ترحل، لا تعود أبدا.. تماما كما لا تعود المائدة لتجمع الغائبين كما كانت، ولا تعود ضحكات الطفولة التي انطلقت ذات زمن بين الأزقة، ثم ضاعت في زحام الحياة..
رمضان الذي كنا نعرفه صار مثل حكاية نصفها مروي والنصف الآخر ابتلعته السنوات.. مثل باب ظل مفتوحا طويلا في انتظار أولئك الفضلاء الذين كانوا يدخلون بيوتنا بلا استئذان… لكن أحدا لم يعد!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البودالي  يكتب. عون سلطة وحاجز إسمنت في ممر سيارة طاقم برنامج بطولة الجماهير
البودالي  يكتب. عون سلطة وحاجز إسمنت في ممر سيارة طاقم برنامج بطولة الجماهير

LE12

timeمنذ 7 ساعات

  • LE12

البودالي يكتب. عون سلطة وحاجز إسمنت في ممر سيارة طاقم برنامج بطولة الجماهير

حضر عون السلطة لمقدم …عند من جاية هاد الطومويبل ديال التلفزة واش عندهم الرخصة …اسي لمقدم هادي راها قناة ديال الدولة وعندها الترخيص ديال التصوير اسي المقدم. * رشيد البودالي عند وصول طاقم وفجأة، حضر عون السلطة (المقدم) وبدأ بالاستفسار: – 'منين جاية هاد الطوموبيل ديال أجبته بهدوء: – 'آسي المقدم، راه هادي قناة ديال الدولة، وعندها الترخيص القانوني للتصوير.' فرد: – 'وريني الترخيص.' ناولناه الوثيقة، فألقى نظرة ثم قال: – 'مزيان.' سألته بدوري: – 'ولكن آسي المقدم، واش السكان ديال الإقامة عندهم الحق يديروا هاد الحاجز؟' فرد: – 'راه السكان متافقين، وعندهم ولاد صغار.' قلت له متعجبًا: – 'يعني اللي عندو ولادو صغار يحبس الطريق؟ أشنو غنديرو؟' حاولت أوضح له الصورة: – 'آسي المقدم، تصور معايا: وقعت شي حريقة، كيفاش غادي تدخل شاحنة المطافئ؟ ولا وقع شي خطر أمني، كيفاش غادي يدخل البوليس؟' المقدم بدا يتمتم، ما بقى عارف آش يجاوب. قلت له: – 'آسي المقدم، باين أنك باقي عايش بعقلية الستينات.' ما عجبوش الحال وقال لي: – 'أنا عندي السنة الثالثة جامعي، أشريف!' أجبته: – 'ومنين كملتي الثالثة، فين هو تطبيق القانون؟' الخلاصة: بعض السكان، الله يهديهم، كيعتقدوا أنهم كيخدموا الصالح العام، ولكن الواقع أنهم كيرتكبوا أخطاء كارثية. الحواجز العشوائية ماشي حل، بل خطر على الأمن والسلامة ديال الجميع. *عضو طاقم برنامج بطولة الجماهير

افتتاح الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي 'ماطا' للفروسية
افتتاح الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي 'ماطا' للفروسية

طنجة نيوز

timeمنذ 8 ساعات

  • طنجة نيوز

افتتاح الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي 'ماطا' للفروسية

افتتحت مساء الجمعة بمدشر زنيد بجماعة أربعاء عياشة، دائرة مولاي عبد السلام ابن مشيش بإقليم العرائش، فعاليات الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي 'ماطا' للفروسية، المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس. وتميز افتتاح هذه الدورة من المهرجان، التي تحمل شعار 'احتفائية ماطا بربع قرن من الازدهار والتنمية في العهد الميمون لصاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله وأيده'، بحضور وزير التجهيز والماء، نزار بركة، وعامل إقليم العرائش، العالمين بوعاصم، وعدد من المسؤولين المحليين والشخصيات المدنية والعسكرية وفعاليات المجتمع المدني. ويعرف المهرجان، الذي يمتد برنامجه على مدى ثلاثة أيام، مشاركة وفود تمثل عددا من البلدان، بمن فيهم سفراء رواندا وغينيا بيساو وغانا والكونغو الديموقراطية والسودان والبرتغال والكاميرون، إلى جانب دبلوماسيين سابقين. وافتتح المهرجان بعرض لتقديم الفرسان المشاركين في اللعبة وللتعريف بتراث فروسية ماطا، التي تعتبر رمزا للذاكرة الجماعية المغربية وموروثا روحيا يمتد إلى القطب الرباني مولاي عبد السلام بن مشيش، مؤسس الطريقة المشيشية الشاذلية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store