logo
الثقافة المنتمية

الثقافة المنتمية

الرياضمنذ 4 أيام
الحديث عن الثقافة الموازية مرتبط بشكل مباشر بالحوار المتجدد حول هوية العمارة السعودية والهوية السعودية بشكل عام وربما يتكرر هذا الحوار في العديد من الدول العربية مع هذا المد القاسي لثقافة الآخر التي يعتبرها البعض ثقافة معادية..
في البداية أحتاج أن أوضح أن عنوان المقال مرتبط بمصطلح "العمارة المنتمية" الذي تحدث عنه الزميل الدكتور عبدالرحمن السري، وهذا المصطلح بمفهومه المباشر يركز على المنتج المعماري الذي يولد من المكان ويعبر عن مخزونه الثقافي المرئي وغير المرئي. على أن البعض وقع في خطأ "النسخ" للمحتوى المكاني بكل أبعاده البصرية وتناسوا البعد الطبيعي والبعد الثقافي غير المرئي. أنا شخصيا طورت مصطلح "العمارة المحلية مفتوحة النهاية" منذ عام 2008 وأرى أنه يحتوي فكرة الانتماء الذي أشار له الزميل السري لأن المصطلح يفتح المجال على خلق عمارة مبتكرة في المستقبل وتظل هذه العمارة تحمل داخلها بذور الانتماء. أي أنه مفهوم لا يعتد بالشكل المشاهد، بل يحاول أن يغوص في المبادئ الثابتة التي حققت مبدأ الانتماء في الماضي ويشترط عدم تكرار منتجاتها السابقة. الفكرة نشأت بالتوازي مع التراث الموازي الذي يقوم على مبدأ تراث مستقبلي مرتبط بالنواة الإبداعية المولدة للثقافة المحلية والحافظة لوجودها بشكل دائم. يمكن ربط هذه المفاهيم بالقال السابق عن "الهوية الوجودية" فقد جعلتني أفكر في مفاهيم مثل "الثقافة المنتمية" و"الثقافة المحلية مفتوحة النهاية" و"الثقافة الموازية" وجميعها مفاهيم تغذي "الهوية الوجودية" وتدعمها.
لعلي أثير الجدل حول الثقافة الموازية بصفتها الأكثر تحررا من الماضي وتراثه المتراكم، ولعل هذا الجدل يفتح الاسئلة حول مفهوم التوازي الثقافي الذي يحقق البقاء والوجود في المستقبل ويكون مستقلا كذلك عن ثقافة الآخر إلا إذا كانت تقطعات إنسانية تجمع البشر جميعا. أحد مبادئ التراث الموازي هو "الاستقرار المؤقت" وهذا يعني أن الثقافة الموازية ليست مستقرة على الدوام، بل هي متغيرة ومتكيفة وهو ما يتناسب مع الوضع المعاصر، فكيف يمكن أن نجعل منها ثقافة منتمية؟ هنا مكمن الجدل لأنه يعني أنه عندما نقول "ثقافة سعودية معاصرة" أو حتى عربية فنحن نعني أنها ثقافة مؤقتة ونشير في نفس الوقت للمعاصر المؤقت والمتغير، وهذا واقع أصلا لكن لا يواكب تنظير ثقافي ملائم، فكيف نصنع من هذا المؤقت والمتكيف ثقافة منتمية؟ لا أجد تصورا واضحا للإجابة لكنه واقع معاش جدير بالتفكير والبحث ولم أجد محاولة جادة لفهم الثقافة المعاصرة المتغيرة باستمرار بمعزل عن التراث التاريخي الذي يجد فيه الغالبية الملجأ الوحيد للتشبث بالهوية التي ادعوها "الهوية الواهمة".
الحديث عن الثقافة الموازية مرتبط بشكل مباشر بالحوار المتجدد حول هوية العمارة السعودية والهوية السعودية بشكل عام وربما يتكرر هذا الحوار في العديد من الدول العربية مع هذا المد القاسي لثقافة الآخر التي يعتبرها البعض ثقافة معادية. فهل نستطيع فعلا تحديد ماهية الهوية السعودية. أكاديميا لا نستطيع أن نركن على الآراء النظرية دون وجود منهج يؤطرها، فالمنهج هو الأداة العقلية التي نصل بها للإثبات أو النفي، وخلال الفترة السابقة كان هناك محاولات جادة لبناء أطر عملية ونظرية منهجية لتحديد الثوابت التي تحدد ماهية الهوية، من تلك الأطر "خارطة العمارة السعودية" التي تركن إلى المكون البصري التاريخي أكثر من أي شيء آخر. يمكن أن أقول إن هذه الخطوة المبدئية تعتبر تقدما بشرط ألا تصبح هي المعيار الوحيد لتحديد الهوية وإلا أصبحت هذه الهوية مغرقة في الشكلانية التاريخية. التفكير المنهجي وتحديد أطر مرجعية لهذا التفكير تعد في ذاتها خطوة متقدمة لكن الالتزام الكامل بهذه الأطر دون نقدها وجعلها أطرا مفتوحة النهاية يقودنا في النهاية إلى الجمود والتكرار، وسبق أن خضنا وخاض العالم نفس التجربة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ولم تنجح التجربة وتخلى العالم عنها. نحتاج في عصرنا المتغير والمشوش أطرا مرجعية مفتوحة النهاية تستوعب المتغيرات وتتكيف معها.
العمارة ماهي إلا وجه واحد من أوجه الثقافة وما قد نرتكبه من أخطاء في تفسير الهوية المعمارية يمكن أن يمتد إلى الهوية الثقافية بشكل عام. ابتكار أطر مرجعية تحدد هوية العمارة أو الثقافة بهدف تحقيق الانتماء قد يوقعنا في أخطاء جسيمة ربما تجعلنا نصل إلى مرحلة "الجمود" وخنق الإبداع والابتكار. الأسئلة التي تدور في ذهني مرتبطة بكيفية الوصول إلى أطر مرجعية تدعم الثقافة الموازية مفتوحة النهاية؟ كيف نحدد النواة الإبداعية لهذه الثقافة وكيف نترك تفسيرها للمبدعين والمبتكرين؟ قد توصلنا هذه الأسئلة إلى إعادة التفكير في محددات ثقافتنا وثوابتها، وأذكر هنا أن أحد الزملاء علق على المقال السابق بقوله: يفترض ألا نفصل بين الهوية الثقافية والهوية الوجودية كوني استخدمت أداة المفاضلة "أو" والحقيقة أنى كنت أقصد أن الهوية الوجودية أعم وأشمل وأكثر إلحاحاً. البحث عن قشور الثقافة واعتبارها أطرا مرجعية ثم فرضها لتكون نظاما فيه مخاطر جمة لن نشعر بها إلا بعد فوات الأوان. ومع ذلك نحن هنا لسنا بصدد نقد أي توجه، ولكن يجب أن ننبه إلى أن غياب التحليل والنقد لأي مقترحات تمس الهوية الثقافية/ الوجودية يعد خيارات كبيرة وتفويت لفرصة سانحة لأحداث تغيير ثقافي عميق.
يجب أن نضع في اعتبارنا أن العالم يسير إلى الأمام ويخبئ مفاجآت كثيرة ويصعب التعامل مع هذه المفاجآت بعقلية الأطر الجامدة. ربما تساعد في ترشيد التغيير وتعطي إحساسا مؤقتا بالانتماء لكنها أبدا لا تستطيع أن تطلق مكامن الإبداع ومنافسة العالم. هذا ما يجعل، ربما، الثقافة المنتمية أحد أكبر التحديات المعاصرة والمستقبلية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زراعة الحناكية تُشارك في مهرجان العنب الأول
زراعة الحناكية تُشارك في مهرجان العنب الأول

الرياض

timeمنذ 2 ساعات

  • الرياض

زراعة الحناكية تُشارك في مهرجان العنب الأول

يشارك مكتب وزارة البيئة والمياه والزراعة في محافظة الحناكية في مهرجان العنب الأول، المقام في مركز النخيل بمنطقة المدينة المنورة، بهدف إبراز الإنتاج الزراعي المحلي، واستعراض خصائصه وفوائده الغذائية، وتسويق منتجات المزارعين، ودعم الأسر المنتجة والحرف اليدوية، وإحياء الإرث الزراعي في المركز. ويستعرض المكتب من خلال مشاركة المختصين والخبراء، المبادرات المقدمة للمزارعين، إضافةً إلى التعريف بالفرص الاستثمارية في المجال الزراعي بالمحافظة، وتقديم الإرشادات، وعرض التقنيات الزراعية الحديثة لتنمية القطاع الزراعي في المنطقة، والإسهام في تحقيق إستراتيجيات الأمن الغذائي، والإستراتيجية الوطنية للزراعة.

اللباس ودلالاته..  جدلية الرمزية والذات
اللباس ودلالاته..  جدلية الرمزية والذات

عكاظ

timeمنذ 6 ساعات

  • عكاظ

اللباس ودلالاته.. جدلية الرمزية والذات

«اللباس» من أهم الوسائط المادية التي تعبّر بها الذات عن رؤيتها للعالم، وعن موقعها داخل البُنى الاجتماعية والثقافية، فهو لا يُختزل في تغطية الجسد أو التزيين، بل يتحوّل إلى منظومة رمزية معقدة، تنطوي على دلالات معرفية، نفسية، واجتماعية في آنٍ واحد. من منظور معرفي؛ يعكس اللباس البُنى الذهنية للفرد، ويترجم تصوراته عن القيم، الهوية، والسلطة. فاختيارات اللباس تنبثق غالباً من أنماط التفكير اللاواعي، وتكشف عن العلاقة بين الذات والجماعة، لتصبح نصاً بصرياً ينقل رموزاً ثقافية واجتماعية دون الحاجة إلى اللغة المنطوقة. في البُعد النفسي؛ يشارك اللباس في بناء صورة الذات، وتعزيز الشعور بالتفرّد أو الانتماء، كما يؤثر في نظرة الآخر فيصوغ الأحكام الأولى ويثير المشاعر، فيتحوّل إلى وسيلة مزدوجة للتعبير والتأثير، فهو لا يعبّر فقط عن الوعي الخارجي، بل يعيد تشكيل الإدراك الداخلي، ويحفّز مشاعر الثقة والانضباط، بل وحتى القدرة على التكيّف مع الأدوار الاجتماعية المختلفة، أو ربما إثارة الرغبة في التمرّد على هذه الرموز نفسها. هكذا تنبثق العلاقة الوثيقة بين البُعد النفسي والاجتماعي، إذ يجسّد اللباس آليات التراتب الاجتماعي، ويعيد إنتاج الفوارق الطبقية والرمزية، فيصبح أداة لتأكيد الانتماء أو إعلان التمرد، ليغدو في النهاية خطاباً إجماعياً يعكس موقع الفرد داخل المجتمع وعلاقته به. وتظهر رمزية اللباس بوضوح في طقوس الحِداد، حيث يتحوَّل إلى رمز جماعي للفقد، ينقل الحزن من حالة فردية صامتة إلى حالة جماعية منظمة؛ يعلّمنا كيف نحزن، وكيف نُظهر مشاعرنا في سياق ثقافي موحَّد، فيصبح أداة لإدارة العاطفة وتحويلها إلى كيان رمزي مشترك. من منظور العلوم المعرفية؛ يؤثر اللباس في البُنى العصبية للفرد، فيعيد توجيه إدراكه لذاته وموقعه في العالم، ويعزز شعوره بالانتماء أو رغبته في الاستقلال. في النهاية.. العلاقة بين اللباس والفكر علاقة جدلية عميقة، يتبادلان فيها التأثير والتشكيل، فاللباس ليس مجرد تفضيل جمالي، بل ظاهرة معرفية مركبة، تكشف عن البُنى العميقة للفكر الإنساني في تعامله مع الجسد والعالم. المنظور المعرفي يعكس اللباس البُنى الذهنية للفرد رمزية اللباس تظهر بوضوح في طقوس الحِداد تأثير اللباس يعيد توجيه الذات ويعزّز الانتماء البُعد النفسي يشارك اللباس في بناء صورة الذات اللباس.. العلاقة بين الفكر والذات: أخبار ذات صلة

«الموعد النهائي»..
بين المشروعية والأنانية
«الموعد النهائي»..
بين المشروعية والأنانية

عكاظ

timeمنذ 6 ساعات

  • عكاظ

«الموعد النهائي».. بين المشروعية والأنانية

بعد أن أصبحت العلاقات وكأنها مشاريع مؤقتة؛ ظهر مفهوم «الموعد النهائي لإنجاز المهمة» (deadline) كأداة حادة في أيدي بعض الشركاء بقرار نهائي وأحادي الجانب لإنهاء العلاقة.. كثيرون باتوا يقررون بصمت أن يمنحوا الشريك «فرصة أخيرة» دون علمه؛ يراقبونه، ينتظرون تغيراً قد لا يأتي، ثم ينسحبون بهدوء وكأن شيئاً لم يكن. فهل اتخاذ قرار مصيري كالانفصال حق مشروع لطرف دون الآخر؟، أم أن الإنصاف والاحترام يفرضان إشراك الطرف الآخر، لا في القرار فقط، بل في مقدماته أيضاً؟. من حق كل إنسان أن يقيِّم علاقته مع الآخرين، والابتعاد حين يشعر بأنها تستهلكه أو تُضعفه، وهذا لا يعني ممارسته ذلك من موقع التخفي والمراقبة، وكأن العلاقة ساحة اختبار سري، فحين تُمنح مهلة دون علم الشريك، تصبح النوايا غير واضحة، ويتحول القرار من كونه تصرفاً ناضجاً إلى موقف يتقاطع مع الأنانية والخذلان. العلاقات الصحية لا تبنى على الانتظار بصمت، بل على المواجهة بشجاعة، فالأقوياء لا ينسحبون دون تفسير، بل يمتلكون الجرأة الكافية لفتح الحوار، للتعبير عن الاحتياج، لتوضيح نقاط الألم، ويمتلكون القدرة على اتخاذ قرار ناضج بعد منح الشريك فرصة حقيقية للتغيير، لا مهلة سرية مجهولة النهاية. أن تشرك أحداً في مخاوفك، أن تخبره بأن هناك حدوداً إن لم تحترم؛ فستضطر للمغادرة هو قمة النضج، أما أن ترحل دون مقدمات، فذلك لا يعبِّر إلا عن هروبك من المواجهة، واستخدامك لسلطة القرار كوسيلة انتقام غير معلن. العلاقات لا تُبنى بطرف واحد، والانسحاب من العلاقة لا يجب أن يكون ثأراً هادئاً أو لعبة انتظار، بل نتيجة حوار واضح، وقرار يتّسم بالصدق والاحترام. لنتذكّر أن الحب شراكة، والنضج في العلاقات لا يظهر في طريقة البقاء فقط، بل في طريقة الرحيل أيضاً. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store