الذكاء الاصطناعي والتحسين الفائق للتجربة الشخصية : عندما يعرفك الذكاء قبل أن تتكلم
في عصرٍ أصبحت فيه البيانات هي الذهب الجديد، لم يعد كافياً أن تُقدم الشركات خدمات «جيدة» أو «مناسبة» فحسب. بل باتت المنافسة الحقيقية تدور حول القدرة على فهم العميل على مستوى عميق، استباقي، ودقيق لدرجة تُشعره أن التجربة صُممت خصيصًا له. وهنا يدخل الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليُحدث نقلة نوعية في عالم التفاعل بين الإنسان والتقنية، عبر مفهوم ثوري اسمه: التحسين الفائق للتجربة الشخصية (Hyper-Personalization).
ليس مجرد تسويق مخصص أو رسالة بريد إلكتروني تبدأ باسمك، بل نتحدث عن أنظمة ذكية تفهم سلوكك، عاداتك، نواياك، وحتى حالتك المزاجية، وتقوم بتعديل محتواها وخدماتها وتوصياتها وفقاً لذلك. هذا المفهوم بات يُعيد صياغة العلاقة بين الأفراد والتطبيقات، بين العملاء والعلامات التجارية، بل حتى بين المرضى والأطباء.
فكر في تجربة التسوق الإلكتروني: بينما كانت المواقع سابقًا تقترح لك المنتجات بناءً على ما اشتريته سابقًا، أصبحت اليوم تعرف متى تكون أكثر استعداداً للشراء، وتُحدد المنتجات التي تناسب ذوقك، وحالتك المالية، وأسلوب حياتك، وحتى توقيت تصفحك. كيف؟ عبر الدمج بين الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، وتقنيات التعلّم العميق التي ترصد كل نقرة، وكل تمرير، وكل تفاعل.
وتتجلى قوة التحسين الفائق في قطاعات متعددة، على رأسها الرعاية الصحية، حيث بدأت المستشفيات وشركات التأمين الصحي باستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية لكل مريض بشكل فردي، وتقديم خطط علاجية وغذائية ووقائية مخصصة حسب النمط الجيني، التاريخ المرضي، ونمط الحياة. هذا التحول لا يعني فقط رعاية صحية أفضل، بل أيضًا تقليلًا في النفقات، وزيادة الكفاءة.
أما في التعليم، فقد أصبح من الممكن اليوم بناء مسارات تعليمية مصممة لكل طالب على حدة. أدوات تعليمية ذكية تقوم بقياس مستوى الاستيعاب، وتعديل الأسئلة، وإعادة شرح المفاهيم بطرق مختلفة حتى يتأكد النظام أن الطالب قد فهم الدرس. هذا النوع من التعليم لا يرفع فقط من مستوى التحصيل، بل يعزز الثقة والارتباط بالعملية التعليمية.
ولا يتوقف الأمر هنا. حتى في القطاع الحكومي، بدأت بعض الدول المتقدمة باستخدام تجارب حكومية فائقة التخصيص، حيث يحصل المواطن على خدمات رقمية تتناسب مع موقعه الجغرافي، حالته الاجتماعية، المساعدات التي يحق له الحصول عليها، وأوقات تفضيله للتواصل. لقد تحولت الحكومة من كيان بيروقراطي ضخم، إلى مساعد رقمي يتحدث لغتك ويفهم احتياجاتك.
القوة الحقيقية وراء هذا التحول تكمن في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية مثل ChatGPT GeminiوClaude، التي تتعلم من تفاعلات المستخدم وتبني عليه. هذه النماذج لم تعد تتفاعل فقط، بل تتنبأ بما تريد، وتبني تجربة ديناميكية تتغير كل مرة وفقاً لتفاعلك.
لكن مع كل هذه الإمكانيات المبهرة، تبرز تساؤلات عميقة حول الخصوصية، والأمان، وحدود التدخل في حياة الأفراد. فحين تعرف الأنظمة الذكية أكثر مما تعرفه عن نفسك، كيف نضمن أنها لا تتجاوز الخط؟ كيف نضمن أن هذه التخصيصات لا تتحول إلى تلاعب أو استغلال؟
وهنا تظهر الحاجة الماسة إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي، وإرساء قواعد شفافة لاستخدام البيانات، تضمن أن تبقى هذه التقنية في خدمة الإنسان، لا العكس. خصوصاً أن هناك خيطًا رفيعًا بين تخصيص التجربة وبين اختراق الخصوصية، وقد يؤدي الإفراط في التخصيص إلى خلق «فقاعات معرفية»، حيث لا يرى المستخدم إلا ما يُشبهه، مما يقلل من تنوع مصادر المعرفة ويؤثر على التفكير النقدي.
رغم ذلك، فإن فوائد التحسين الفائق لا يمكن إنكارها. تخيل أن يحصل المريض على تشخيص دقيق أسرع من أي طبيب، أو أن يجد الباحث مقالات وكتب تتوافق تمامًا مع اهتماماته العلمية، أو أن يحصل المواطن على خدمات حكومية دون الوقوف في طابور أو تعبئة عشرات النماذج، لأن النظام يعرفه مسبقاً ويقوم بكل ذلك آلياً.
اخيرا، الذكاء الاصطناعي لا يعيد فقط رسم حدود العلاقة بين الإنسان والآلة، بل يعيد تعريف معنى «التجربة الشخصية» نفسها. إنها تجربة تتطور كل ثانية، تتكيف معك، تكبر معك، وتعرفك أكثر مما كنت تتصور.التحسين الفائق ليس رفاهية، بل مستقبل التجربة الإنسانية في العالم الرقمي. ومن يدرك أهميته اليوم، سيكون في طليعة من يصنعون تجربة الغد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سرايا الإخبارية
منذ 2 ساعات
- سرايا الإخبارية
9 طرق لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث المتعمق
سرايا - يشهد مجال البحث بالذكاء الاصطناعي تحولاً سريعاً، فأدوات «البحث المتعمق» الجديدة من «تشات جي بي تي ChatGPT»، و«جيميناي Gemini» و«بيربليكسيتي Perplexity» تبحث وتجمع المعلومات بشكل مستقل من عشرات -بل مئات- المواقع، ثم تُحللها وتُركّبها لإنتاج تقارير شاملة. تقارير موثّقة واسعة خلال دقائق وبينما قد يستغرق الإنسان أياماً أو أسابيع لإنتاج هذه التقارير المدعومة بالاستشهادات، والمكونة من 30 صفحة، فإن تقارير البحث المتعمق بالذكاء الاصطناعي تكون جاهزة في دقائق. وبينما تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي التقليدية إجابات معزولة لأسئلة محددة، تُجري أدوات البحث المتعمق تحقيقات متطورة من خلال عشرات عمليات البحث المترابطة. ويشابه هذا الأمر، الفرق بين مراجعة سريعة للمراجع ورحلة بحث شاملة. طرق البحث المتعمق وهناك تسع طرق عملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في البحث المتعمق. إن أدوات البحث بالذكاء الاصطناعي تتألق عندما تحتاج إلى معلومات شاملة حول مواضيع معقدة. إليك بعض حالات الاستخدام المحددة التي تتفوق فيها: نتائج البحث لتخطيط رحلة نتائج البحث لتخطيط رحلة 1. تصميم مسارات رحلات مخصصة أَنشئ خطط سفر مفصَّلة وشخصية من خلال تحديد وجهتك، وتواريخها، وتفضيلاتك للأنشطة، وميزانيتك، واهتماماتك الثقافية، وأي شيء آخر مهم لك. غالباً ما تكشف مسارات الرحلات المُولّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي عن كنوز غير متوقعة... استخدم النتائج نقطة انطلاق لتحديد الاحتمالات المثيرة للاهتمام، ثم تابع ببحث مُستهدف. • حدِّد تفضيلاتك الغذائية، واحتياجاتك من حيث إمكانية الوصول، وذوقك في أماكن الإقامة والمطاعم والترفيه، للحصول على توصيات أكثر تخصيصاً. يمكنك بنص حول هذا الموضوع لإعادة استخدامه. • استخدم استعلامات المتابعة للحصول على مزيد من التفاصيل حول المعالم السياحية أو الأنشطة التي تجذبك، أو لمقارنة مسارات الرحلات المحتملة. قارن النتائج من «شات جي بي تي» و«جيميناي» و«بيربليكسيتي» و«كوبايلوت». 2. إعداد التقارير حول المؤسسات احصل على معلومات أساسية شاملة عن الشركات والمنظمات غير الربحية أو أي مؤسسة في دقائق بدلاً من البحث بين عشرات نتائج البحث. • قارن بين المؤسسات المماثلة أو المنافسة. • حدد التنسيق. ربما ترغب في تنسيق دراسة حالة، أو تقرير موضوعي، أو تاريخ زمني، أو تحليل سياق الصناعة. • حدد مقاييس مهمة مثل تاريخ التمويل، وأنماط نمو الإيرادات، وتغييرات القيادة، واتجاهات التغطية الإعلامية، والدعاوى القضائية، أو أي شيء آخر يهمك. قد تكون البيانات نادرة للمؤسسات الخاصة التي تحتفظ بسجلات سرية، لذا اقرأ النتائج بتشكك. • نصيحة متقدمة: انسخ مقتطفات من تقارير البحث العميق إلى «كلاود Claude» لتحويلها إلى لوحات معلومات مرئية -بما في ذلك الرسوم البيانية والعناصر التفاعلية- باستخدام «Claude Artifacts» يمكنك مشاركة هذه المعلومات مع زملائك.

السوسنة
منذ 4 ساعات
- السوسنة
آبل تعيد بناء سيري لتواكب الذكاء الاصطناعي
السوسنة- تسعى شركة آبل إلى تصحيح مسارها في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد الإخفاقات التي صاحبت إطلاق مزاياها الأولى في هذا المجال خلال العام الماضي.ووفقًا لتقرير موسّع من وكالة بلومبرغ، تركّز جهود الشركة حاليًا على إعادة تصميم مساعدها الرقمي 'سيري' بالكامل، بإصدار جديد يعتمد على نماذج اللغة الكبيرة (LLM)، ويحمل داخليًا اسم 'سيري LLM'.وأشار التقرير إلى أن مشروع 'Apple Intelligence' واجه تحديات كبيرة، من أبرزها تردد كريج فيدريجي، رئيس قسم البرمجيات في آبل، في الاستثمار المبكر في تقنيات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى انطلاقة الشركة المتأخرة مقارنة بمنافسيها، حيث لم تبدأ آبل فعليًا تطوير المشروع إلا بعد إطلاق ChatGPT أواخر عام 2022. وأشارت بلومبرغ إلى أن جون جياناندريا، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في آبل، كان من المعارضين لفكرة المساعدات القائمة على الذكاء التوليدي، مؤكدًا لموظفيه أن المستخدمين غالبًا لا يرغبون في أدوات مثل ChatGPT، كما أن محاولات إدماج تقنيات الذكاء التوليدي في النسخة القديمة من سيري لم تُحقق النتائج المرجوة، وسط شكاوى من الموظفين بأن كل إصلاح تقني يتسبب بظهور مشكلات جديدة. ويبدو أن جياناندريا، الذي التحق بآبل قادمًا من جوجل عام 2018، لم يتمكن من التأثير في الدوائر القيادية للشركة، ولم يدافع بقوة للحصول على التمويل اللازم، بحسب التقرير. وقد اُستبعد جياناندريا من الإشراف على مشاريع سيري والروبوتات حديثًا، وسط حديث داخل الشركة عن توجه لوضعه على طريق التقاعد ، مع التخوف من مغادرة الفريق الذي جاء معه إلى آبل. وبهدف إنقاذ المشروع، تعمل آبل حاليًا على تطوير نسخة جديدة كليًا من سيري عبر فريق الذكاء الاصطناعي التابع لها في مدينة زيورخ، حيث تُبنى البنية الجديدة بالكامل على نموذج لغوي كبير لجعل المساعد أكثر قدرة على المحادثة، وفهم السياق، وتحليل المعلومات. وتسعى آبل إلى استخدام تقنيات تراعي الخصوصية، وتحسين جودة البيانات التي تُدرب بها نماذجها، من خلال مقارنتها محليًا مع رسائل البريد الإلكتروني للمستخدمين في أجهزة آيفون دون إرسال البيانات الأصلية إلى خوادمها. وتناقش الشركة أيضًا السماح لسيري الجديد بتصفح الإنترنت، وجمع البيانات من مصادر متعددة، مما يجعله أقرب إلى أدوات بحث ذكية مثل Perplexity، التي أشارت التقارير إلى أن آبل تدرس التعاون معها لإدماج مساعدها الذكي في سفاري. يُذكر أن آبل كانت قد بالغت في تسويق قدرات مزايا الذكاء الاصطناعي الخاصة بها Apple Intelligence عند إعلانها، خاصةً في ما يتعلق بتحسينات سيري، قبل أن تضطر لاحقًا إلى تأجيل إطلاق تلك المزايا. اقرأ المزيد عن:

السوسنة
منذ 4 ساعات
- السوسنة
غوغل تضيف ميزة البحث في محادثات Gemini
السوسنة- أطلقت شركة غوغل ميزة جديدة تتيح للمستخدمين البحث في المحادثات السابقة ضمن تطبيق الدردشة الذكي 'Gemini'، وقد بدأت هذه الميزة بالظهور أولًا في نسخة التطبيق على الويب.عند استخدام 'Gemini' عبر المتصفح، سيلاحظ المستخدم ظهور أيقونة عدسة مكبّرة في الزاوية العلوية اليمنى من اللوحة الجانبية. بالنقر عليها، ينتقل المستخدم إلى حقل 'البحث عن المحادثات'، ما يتيح له العثور على محادثات سابقة بسهولة.وتحت حقل البحث، تظهر قائمة بالمحادثات 'الأخيرة' التي يمكن أن تضم حتى 16 محادثة، مع إعطاء أولوية لعرض المحادثات المثبتة في الأعلى، بحسب ما أورده موقع '9TO5Google' المتخصص في أخبار التكنولوجيا، ونقلته 'العربية Business'. تأتي هذه الميزة بعدما أعادت "غوغل" تصميم اللوحة الجانبية بالتطبيق مؤخرًا، وهو ما أضاف إمكانية التمرير اللانهائي بعد النقر على خيار "إظهار المزيد".وميزة البحث في المحادثات هذه مباشرة وبسيطة للغاية، حيث تتضمن النتائج اسم المحادثة وسطرًا ذا صلة يحتوي على الكلمة التي بحث عنها المستخدم.وبحسب التقرير، فلم تظهر ميزة البحث في المحادثات بعد في تطبيق "Gemini" لكل من "أندرويد" و"iOS":