logo
مسؤوليات تفوق العمر.. أطفال بين كتب المدرسة وأعباء رعاية الآباء

مسؤوليات تفوق العمر.. أطفال بين كتب المدرسة وأعباء رعاية الآباء

الغدمنذ يوم واحد

ديمة محبوبة
اضافة اعلان
عمان - تقف الطفلة سلمى، (13 عاما) في أحد أحياء عمان، على طرف سرير والدتها المصابة بمرض التصلب اللويحي، تطعمها ملعقة تلو الأخرى بحنان وهدوء. تمسح فمها بمنديل مبلل، ثم تسرع إلى المطبخ لتغسل الأطباق قبل أن تشرع في أداء واجباتها المدرسية.تقول: " أنا بعمل كممرضة لوالدتي، وابنتها بنفس الوقت"، تقولها بابتسامة خجولة، وكأن ما تفعله لا يستحق الذكر.في حياة سلمى، هي من يتولى الرعاية معظم الوقت؛ فوالدتها لا تقوى على أداء المهام المنزلية، وتكتفي بمساعدتهم عبر الحديث والتوجيه. أما والدها، فيعود إلى البيت متأخرا من عمله، وجدتها امرأة مسنة ومريضة، بالكاد تتمكن من تقديم العون في بعض الأمور البسيطة.وتنهي سلمى حديثها: " أنا بحب أمي، هي عملت أشياء كثير إلي، وهلا بتساعدني بالتوجيه… وهذا اللي بتقدر عليه".لكن الحقيقة مختلفة تماما، سلمى واحدة من مئات الأطفال في الأردن، وربما من آلاف في الوطن العربي، ممن يتحولون بصمت، وبدون وعي مجتمعي كاف، إلى مقدمي رعاية بدوام جزئي أو كلي لذويهم من المرضى أو كبار السن أو ذوي الإعاقة داخل المنزل.يطلق خبراء على هؤلاء الأطفال اسم " أطفال الظل"، لأنهم يعيشون طفولة معلقة بين اللعب والمسؤوليات البالغة.تتنوع أسباب وجود هؤلاء الأطفال في هذا الدور غير المألوف. ففي كثير من الأحيان، تكون الأسرة محدودة الدخل ولا تملك القدرة على استقدام ممرض أو مقدم رعاية، أو قد يكون أحد الوالدين غير قادر على تحمل الأعباء النفسية والجسدية وحده، فيلجأ إلى الطفل الأكبر طلبا للعون.اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي يرى أن وجود الطفل كمقدم رعاية داخل المنزل هو خلل في توزيع الأدوار الأسرية، ناتج عن ضعف في أنظمة الحماية الاجتماعية وتراجع التكافل المجتمعي، إلى جانب ثقافة الصمت حول ما يعد أدوارا مفروضة بحكم الظروف.ويضيف خزاعي: " ما يحدث مع هؤلاء الأطفال هو استنزاف صامت لطفولتهم؛ إذ يحملون ما لا يحتمله الكبار أحيانا، ويؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية واجتماعية تبدأ بالتدريج، مثل القلق، والشعور بالذنب، والعزلة، وقد تصل إلى العنف الذاتي أو الانسحاب التام".في إربد، يتولى الطفل محمد (14 عاما) رعاية والده المصاب بالفشل الكلوي منذ ثلاثة أعوام، إذ يرافقه ثلاث مرات أسبوعيا إلى المستشفى لجلسات غسيل الكلى، ويساعده في الاستحمام أو عند حاجته للقيام بأمور خاصة.ويبين محمد أن المهمة مرهقة وتتطلب جهدا كبيرا، خاصة مع التزاماته الدراسية، لكنه يعدها واجبا عليه، ويحرص على مساعدة والدته، كونه الابن الأكبر والمسؤول معها. ويضيف أنه لا يشكو لأصدقائه، لأنه يرى أن من الصعب عليهم فهم ما يمر به، كما لا يسمح لأحد من أعمامه بالتدخل أو المساعدة بعد أن شعر سابقا بانزعاج من تدخلهم في تفاصيل حياتهم.المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني تؤكد أن تحمل الطفل لمسؤولية رعاية شخص بالغ يضعه تحت ضغط نفسي لا يتناسب مع عمره، ويؤثر بشكل مباشر على نموه العاطفي والاجتماعي.وتوضح الكيلاني أن هذه الفئة من الأطفال تعاني غالبا من صراعات داخلية، ما بين حبهم لأهلهم وشعورهم بالخسارة. فهم لا يعبرون عن رفضهم علنا، لكنهم يفقدون القدرة على الاستمتاع بطفولتهم بشكل طبيعي.وتتابع: " من أهم المشاكل التي نراها في العيادات النفسية: تأنيب الضمير المستمر، والتقصير في الدراسة، وصعوبة تكوين علاقات اجتماعية متوازنة، وكلها ناتجة عن عدم تفريغ هذه المشاعر السلبية بطريقة صحية".في بريطانيا، يعرف الطفل مقدم الرعاية (Young Carer) بأنه من يقل عمره عن 18 عاما ويقدم دعما منتظما لأحد أفراد أسرته المريض أو المعاق.وتوفر الحكومة هناك برامج دعم نفسي وتعليمي، بالإضافة إلى خدمات استشارية للأسر التي تضم أطفالا في هذا الوضع.أما في المجتمعات العربية، فغالبا لا يعترف بوجود هذه الفئة أصلا. لا توجد إحصاءات رسمية ولا برامج مخصصة، وغالبا ما ينظر إلى ما يقدمه الطفل من رعاية على أنه "بر بالوالدين" أو "مساعدة منزلية طبيعية"، ما يمنع الحديث الجاد عن الحاجة إلى حماية هؤلاء الأطفال من آثار هذا الدور.ويؤكد الدكتور حسين خزاعي أن الخطوة الأولى تبدأ بالاعتراف المجتمعي بهذه الفئة من الأطفال، تليها ضرورة إنشاء وحدات دعم داخل المدارس ومراكز التنمية الاجتماعية، تهدف إلى الكشف عن الأطفال الذين يتحملون أعباء لا تتناسب مع أعمارهم. ويشدد على أهمية تعديل بعض السياسات الأسرية والاجتماعية، لتوفير بدائل رعاية مهنية أو دعم مجتمعي يمكن الاعتماد عليه.من جهتها، تقترح المرشدة النفسية والتربوية رائدة الكيلاني توفير مساحات آمنة لهؤلاء الأطفال لمشاركة تجاربهم، سواء من خلال جلسات دعم نفسي جماعي، أو عبر أنشطة تفريغ مثل الرسم واللعب التفاعلي، إلى جانب تدريب الأهل على كيفية إعادة توزيع الأدوار داخل المنزل، بطريقة لا تُثقل كاهل الطفل.وتقول الكيلاني: "العديد من هؤلاء الأطفال لا يجدون من يستمع إليهم، لأنهم لا يجرؤون على الشكوى. يشعرون أن ذلك نوع من الخيانة لأهلهم، أو ضعف يجب إخفاؤه".ومع هذا الصمت، تستمر معاناة 'أطفال الظل'، بعيدا عن الضوء.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الاردن: افتتاح 18 مدرسة جديدة في العام الدراسي المقبل
الاردن: افتتاح 18 مدرسة جديدة في العام الدراسي المقبل

رؤيا نيوز

timeمنذ 43 دقائق

  • رؤيا نيوز

الاردن: افتتاح 18 مدرسة جديدة في العام الدراسي المقبل

كشف رئيس الوزراء جعفر حسّان، الأحد، عن افتتاح 7 مدارس مع بداية العام الدراسي المقبل و11 مدرسة مع بداية الفصل الثاني من العام المقبل، ضمن مشروع المسؤولية المجتمعية. وخلال زياته لوزارة التربية والتعليم، بين أن الحكومة تكرس جهدها لبناء 85 مدرسة جديدة، وتوسعة 35 مدرسة صغيرة وإجراء إضافات صفية، خلال العام الدراسي المقبل. وأوضح حسّان أن المدارس ستشهد نقلة نوعية؛ سواء في الصيانة أو بناء مدارس جديدة، وهو ثمرة مشروع المسؤولية المجتمعية التي أطلقتها الحكومة مع القطاع الخاص. وتابع 'كل مدارسنا يجب أن يكون فيها تعبير وطني واضح يعكس قيم الدولة ورسالتها وصورتها في نفوس أبنائنا وأجيالنا الجديدة'.

'الصحفيين' تحذر الأفراد والجهات من انتحال الصفة الصحفية أو الإعلامية
'الصحفيين' تحذر الأفراد والجهات من انتحال الصفة الصحفية أو الإعلامية

رؤيا نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • رؤيا نيوز

'الصحفيين' تحذر الأفراد والجهات من انتحال الصفة الصحفية أو الإعلامية

حذرت نقابة الصحفيين الأردنيين، الأحد، كافة الأفراد والجهات الذين يقومون بادعاء الصفة الصحفية أو الإعلامية عبر صفحاتهم الشخصية أو العامة على منصات التواصل الاجتماعي، دون سند قانوني من النقابة أو من الجهات ذات العلاقة في المملكة الأردنية الهاشمية، من الاستمرار في هذه المخالفات التي تمس هيبة المهنة وتسيء للجسم الصحفي. ويأتي هذا البيان وفقًا للاستشارات القانونية التي تلقتها النقابة. ومنحت النقابة هؤلاء الأفراد مهلة نهائية مدتها (30) يومًا تنتهي في 30 حزيران 2025، وذلك لتصويب أوضاعهم بشكل كامل، ويتضمن التصويب ما يلي: * تعديل أسماء وصفحات حساباتهم على جميع منصات التواصل الاجتماعي * إزالة أي إشارة أو صفة تدل على أنهم 'صحفيون' أو ما يماثلها * وقف استخدام الألقاب الإعلامية أو الصحفية دون وجه حق ويُستثنى من هذا القرار، العاملون في المؤسسات الصحفية والإعلامية المرخصة وفق أحكام القانون، الذين يمارسون المهنة. ودعا المجلس المؤسسات الإعلامية إلى تصويب أوضاع العاملين لديها بما ينسجم مع أحكام قانون نقابة الصحفيين، بما يضمن حماية الحقوق المهنية والقانونية للصحفيين. وبإنتهاء المهلة سيباشر مجلس النقابة، بالتنسيق مع الجهات المعنية المختصة، اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين، وإحالتهم إلى القضاء. وأكدت النقابة أن هذه الخطوة تأتي في إطار سعيها لحماية المهنة وصيانة هيبتها، والحفاظ على مكانة الزملاء الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، بما يخدم المصلحة الوطنية ويحمي الحريات الإعلامية من التزييف والانتحال.

حماية المستهلك تدعو للالتزام بذبح الأضاحي في الأماكن المخصصة
حماية المستهلك تدعو للالتزام بذبح الأضاحي في الأماكن المخصصة

رؤيا نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • رؤيا نيوز

حماية المستهلك تدعو للالتزام بذبح الأضاحي في الأماكن المخصصة

دعت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، المواطنين الراغبين بشراء وذبح الأضاحي الالتزام بالأماكن التي حددتها الجهات الرقابية المعنية الخاصة بالذبح، والتقيد بالشروط الصحية من أجل المحافظة على نظافة الأماكن لضمان عدم انتشار الأوبئة والأمراض. وأكدت الجمعية في بيان، اليوم الأحد، ضرورة تشديد الرقابة على أماكن بيع الأضاحي في مختلف محافظات المملكة للحد من عمليات الغش التي قد تحدث للمواطنين نتيجة عدم معرفتهم وتمييزهم ما بين الأضاحي البلدية والمستوردة. وأشارت إلى أن الذبح العشوائي من خلال اللجوء إلى القصابين المتجولين سيؤدي إلى مخاطر قد تؤثر على المستهلكين، والصحة والبيئة. كما بينت الجمعية أنه من حق المستهلك اختيار أضحيته من خلال توضيح نوع ومنشأ الأضاحي، سيساعده في التمييز ما بين الأضحية البلدية والأضحية وذات المنشأ الأجنبي، واتخاذ القرار الذي يتناسب مع قدراته الشرائية. ودعا رئيس الجمعية الدكتور محمد عبيدات المواطنين الراغبين في الحصول على أضحية، إلى التريث قبل عملية الشراء لأن هناك شروطا شرعية يجب الالتزام بها حتى تكون الأضحية صحيحة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store