
«النهار» ترصد العيد الرابع تحت القصف.. فلسطين تُصلي بلا فرحة
وجوه الأطفال تفتقد البهجة.. والبيوت المهدومة تنتظر ساكنيها الذين لن يعودوا
ليس عيدًا كما عرفناه
في فلسطين، لا يحمل العيد ما يحمله للعالم من زينة وفرح وزيارات عائلية. في أرضٍ تعوّدت على الألم، يُطلّ العيد للعام الرابع على التوالي محمولًا على أكتاف الحرب، مثقلًا برائحة الركام، مبلّلًا بدموع الثكالى، بلا ضحكة، بلا أضحية، بلا عيديّة.
في قطاع غزة المحاصر، يدخل العيد على البيوت المنهارة كزائرٍ غريبٍ بلا وجه، يطرق الأبواب التي لم تبقَ، ويتجوّل بين أطلال المدن بحثًا عن منازل لم تعد مأهولة. في كل ركن، حكاية فَقْد، وفي كل خيمة، دعاءٌ للبقاء.
في غزة، لا تنطلق تكبيرات العيد من مآذن المساجد كما جرت العادة، بل من قلوب تنزف، تنادي الله أن يرحم موتاها، ويُبقي من تبقّى على قيد الحياة. أما الأطفال، فقد صاروا يحفظون تفاصيل الحرب أكثر مما يعرفون أسماء الألعاب. ضحكاتهم انحسرت، وعيونهم امتلأت بأسئلة لا تناسب أعمارهم: 'ليه مفيش عيد؟'، 'هو بابا راجع؟'، 'هو البيت هيتبني تاني؟'
عيد في الخيمة.. ورماد الذاكرة
في منطقة الزوايدة وسط القطاع، تقف 'مي' (24 عامًا) تحت شمس حارقة، ملتحفة بعباءة سوداء، تتحدث بصوتٍ يخنقه الحزن: 'ده العيد الرابع وإحنا في حرب. ما فيش لا فرحة ولا ضحكة، ما بقاش في عيد. العيد دلوقتي بقى سؤال: هل هنعيش لآخر اليوم؟ هل هننام وإحنا سُلام؟ هل هنصحى ولا نكون تحت الركام؟'
مي، التي كانت تقضي العيد في شراء الحلوى لأطفالها وتحضير الأضحية، صارت تقضيه الآن في التفكير في كيفية الحصول على طعام يسدّ رمق طفليها. زوجها فقد عينه اليمنى وأصيب في دماغه، وبات عاجزًا عن الحركة. أما صغيراها، فـيعانيان من سوء تغذية ونوبات متكررة من الإسهال والحمى.
'الخيمة بقت هي كل حياتنا.. أوضة النوم، والصالون، والمطبخ، وحتى الحمام. والعيال بتصحى بالليل مرعوبة.. بيصحوا يندهوا: ماما ماما.. خبّيني.'
صلاة العيد.. إعلان حياة
رغم كل شيء، تقام صلاة العيد وسط الأنقاض. تُفترش الأرض بالحجارة المبعثرة، وتُرفَع الأيادي إلى السماء في تضرّع لا ينقطع. خطبة العيد لم تعد دعوة للفرح، بل صارت بكاءً جماعيًا، ودعاءً طويلًا بالبقاء.
أحد أئمة غزة قال لـ«النهار»: 'نصلي رغم الحرب، نكبر رغم الموت. بنعلن إنّا لسه هنا. هنعيش.. وهنفرح.. حتى لو على الرماد.'
في ساحات مهدّمة، جلس المصلّون من كل الأعمار، رجالٌ يحملون صور أبنائهم الشهداء، نساءٌ يخبّئن دموعهن خلف النقاب، وأطفالٌ لا يدركون إن كانوا يحتفلون أم يودّعون.
هدية العيد.. دمية قماش وزجاجة ماء
في مراكز الإيواء، لم تكن هناك عيديّات تقليدية. إحدى الجمعيات وزّعت حقائب صغيرة تحوي قطعًا من البسكويت ودمى بسيطة محشوّة بالقطن المهترئ وزجاجات مياه معدنية.
ليلى، طفلة في السابعة، أمسكت بدميتها المصنوعة من قماش ممزق، وقالت ببراءة: 'هي دي عيديتي.. مش أحلى حاجة، بس بحبها. اسمها سوسو.. باخدها معايا كل مكان، حتى في الخيمة.'
الطفلة التي كانت في عيدها الماضي تلعب على دراجة صغيرة، باتت هذا العام تخشى الخروج من محيط الخيمة، حيث صوت القصف لا يرحم، والرعب لا يغادر.
من مخيم النصيرات، تحدّث 'وائل' (52 عامًا) قائلًا: 'زمان كنا نصحى على تكبيرات العيد، نفرّح ولادنا، ونجهز الضحية. دلوقتي بنصحى على صوت الطيران والقصف. العيد جالنا والبيت فاضي.. مراتي سافرت تتعالج في مصر من السرطان، وأخويا ومراته وبناته استشهدوا. البيت اللي كان بيجمعنا اتهد. إحنا مش عايشين العيد، إحنا بنعدّ غياب الناس اللي كانوا فيه.'
ورغم كل ذلك، يبتسم وائل في النهاية، ويهمس: 'لسّه عندنا أمل. رغم كل حاجة، بنضحك علشان نعيش.. وبنعيش علشان نقدر نضحك تاني يوم.'
ميرفت: 'والله ما عندي خبز'
في خيمة صغيرة بجوار ركام منزلها، تحكي «ميرفت باسل» رحلتها مع العيد والنزوح والبقاء: 'أنا ابني يتيم، متعوّد على أجواء العيد. من سنتين كنا نلبّسه، نروح نركب حصان ونجيب له لعبة. دلوقتي قاعدين في خيمة ما فيهاش لا أكل ولا شرب، لا ميه، ولا خبز. كل اللي حوالينا حرّ وقصف، حتى السلام مش موجود. بس بنقول الحمد لله. بس نفسي الحرب تخلص، وأشوف ابني بيلعب تاني.'
ثم تمسح دموعها بطرف غطاء رأسها، وتضيف: 'لو ابني داق حبة شوكولاتة العيد ده، يبقى أنا كده راضية.'
غزة.. خريطة وجع مفتوحة على الله
هكذا يصف الدكتور محمد الهادي السعافين، عضو المجلس الصوفي الأعلى، المشهد من الداخل: 'العيد الرابع يمرّ على غزة ولا عيد في غزة. لا مدارس، لا جامعات، لا بيوت. خيام تصهرها الشمس، أجساد نحيلة، أرواح تعبت من السؤال: إلى متى؟ الأطفال بيسألوا: إيه هو العيد؟.. وإحنا نفسنا مش عارفين نجاوب.'
ويضيف بصوت متهدّج: 'تعلّقنا بكل بصيص أمل، لكن حين لا يكون الأمل من الله، يخون. الآن لا نتعلّق إلا بالله وحده. نسأله أن يُلين القلوب، ويفتح الأبواب، ويجبر الخواطر.'
عيد بلا طقوس.. وذاكرة بلا فرح
من غزة، تقول رنا أبو يوسف، خمسينية من غزة: 'كل عيد من غير فرحة بيخلق جيل مش طبيعي. الحرب سلبت طفولتهم، وزرعت فيهم وعي بدري.. ووعي موجوع.'
وتتابع: 'أطفال غزة بيعيشوا حالة اضطراب نفسي مزمن. كل واحد فيهم محتاج حضن وعلاج مش لعب ولبس. بس لو لقوا حب، يمكن ينسوا ولو شوية.'
ومع كل ذلك.. ما زالوا يكبّرون
حتى وإن لم يجدوا أضحية، فإن أرواحهم تُذبح كل يوم. وحتى إن لم يرتدِ الأطفال ثيابًا جديدة، فإنهم يرتدون صبرًا أثقل من أعمارهم، وإيمانًا أوسع من الحصار.
رغم الوجع، تكبّر غزة. رغم الخراب، تُقيم الصلاة. رغم كل شيء، ما زال أطفال فلسطين يركضون، يضحكون، ويحملون رايات صغيرة كتبوا عليها بخط مائل: 'سنفرح، ولو بعد حين.'
وفي ختام هذا العيد، لا تجد فلسطين ما تهديه للعالم سوى جملة واحدة: 'نعيش لنفرح.. وسنفرح لنعيش. ولو على الرماد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الكنانة
منذ ساعة واحدة
- الكنانة
تامر عاشور يروى علاقته بزوجته الإعلامية نانسى نور
تامر عاشور يروى علاقته بزوجته الإعلامية نانسى نور صفاء مصطفي ……الكنانة نيوز كشف النجم تامر عاشور، أنه أهدى أغنية 'خلينى فى حضنك يا حبيبي' لزوجته الإعلامية نانسى نور، قائلا :'الأغنية دى فى الألبوم'، والناس بترقص عليها، لافتا إلى أن أغنية 'بنت أبويا' نجحت بشكل كبير لأن محدش كمل زيها قبل كده. وعن علاقته بزوجته نانسى نور قال تامر عاشور خلال استضافته فى برنامج 'صاحبة السعادة' الذى تقدمه الفنانة والإعلامية إسعاد يونس على شاشة dmc، نانسى فيها ميزة حلوة أنها سهلة ومعندهاش تكليف فى الكلام وهى ست بسيطة، واحنا خلصنا الفرح وسافرنا وحسيت أنها منى وانى أعرفها من فترة كبيرة'. ولفت تامر عاشور إلى أن زوجته نانسى نور لينة فى التعامل وسهلة فى التفاهم، وبتوفرلى الوقت اللى أقعده مع صحابى وأهلى، وربنا يخليهالى، وانا رجل شرقى بحت، ومواعيدها مظبوطة، وآخر ميعاد ليها فى دخول البيت الساعة 12 بالليل. اوضح أن زوجته بتغير عليا من الستات وبتشعنن، ولو حصل موقف متهور من الستات مثل التلامس مثلا هى بتدايق، ومبتطبخش ونفسها تطبخ لأن عندى طباخ، وهى متميزة فى عمل 'الفتوش'، وتألق النجم تامر عاشور مؤخرًا من خلال حفل فى الشيخ زايد من تنظم شركة 'تذكرتي' فى إطار جهودها المستمرة لتنشيط الحركة الفنية، وتقديم عروض ترفيهية راقية بمستوى عالمى فى مختلف المحافظات المصرية، وذلك ضمن فعاليات مشروع 'ليالى مصر' الثقافي. و استضافت الإعلامية منى الشاذلي مساء أمس الخميس في حلقة جديدة من برنامجها معكم، المعروض على قناة ON، المذيعة نانسي نور، إلى جانب مجموعة من المذيعين والمذيعات احتفالا بعيد الأضحى المبارك. وشهدت الحلقة فقرات متنوعة بينها انقسام الحضور لفريقين وإجراء مسابقات وتحديات، كما حكمت منى على نانسي نور بتقديم أغنية من أغاني زوجها المطرب تامر عاشور بصوتها، قائلة 'الحكم على نانسي نور إنها تغني أغنية بصوتها من أغاني زوجها الفنان تامر عاشور، مش بس الحكم ده تامر عاشور هينزل على السوشيال ميديا رأيه بما يرضي الله في صوت نانسي نور'.: وأضافت منى 'أنت في موقف صعب يا تامر'، واختارت نانسي أن تغني أغنية 'هيجيلي موجوع'. ونشرت الصفحة الرسمية لـ منى الشاذلي على موقع انستجرام، الفيديو الذي تقوم فيه نانسي بالغناء، وعلق تامر عليه، وكتب 'موضوع بما يرضي الله ده حطني في مأزق.. يا أستاذة منى صوت نانسي أحلى صوت في الدنيا كلها وأجمل إحساس كمان.. المغفرة يا رب من عندك'. جدير بالذكر أن الحلقة شهدت تواجد مجموعة من أشهر المذيعين والمذيعات، بينهم: منى عبدالغني، هبة الأباصيري، جاسمين طه زكي، محمد عبدالرحمن، حسام الدين حسين، سالي شاهين.


فيتو
منذ 2 ساعات
- فيتو
أخبار الفن اليوم: تحسن طفيف بالحالة الصحية للفنان صبري عبد المنعم.. أمينة خليل تقيم حفل زفاف جديد باليونان.. وإليسا تضع اللمسات الأخيرة على ألبومها الجديد
شهدت الساحة الفنية اليوم الإثنين عدد من الأحداث الهامة وكانت كالتالي.. شهدت الحالة الصحية للفنان صبري عبد المنعم تحسنا طفيفا، بعد أن تم نقله إلى أحد المستشفيات الخاصة بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية بحسب مصدر مقرب من الفنان. وتعرض صبري لأزمة صحية شديدة خلال الأيام الماضية، وكان يرقد داخل غرفة العناية المركزة، نظرا لمعاناته من أزمات بالقلب. أقامت الفنانة أمينة خليل حفل زفاف آخر بأحد الفنادق الشهيرة باليونان، بعد أن احتفلت بزفافها على المصور الفوتوغرافي 'أحمد زعتر'، منذ عدة أيام بالقاهرة. وحضر الحفل عدد من أفراد عائلة أمينة خليل وبعض الأصدقاء المقربين، الذين سافروا خصيصًا للمشاركة في الاحتفال الذي أعدت له أمينة منذ وقت طويل مديحة حمدي، كشفت الفنانة الكبيرة مديحة حمدي، كواليس ارتدائها الحجاب، وحقيقة ندمها على دخول عالم التمثيل. توقيت تفكير مديحة حمدي في ارتداء الحجاب وقالت مديحة حمدي خلال تصريحات خاصة لـ 'فيتو': "دخلت علي الحجاب من باب "ادخلوا علي دينكم برفق" وخلال تسجيل حلقات "أسماء الله الحسني" كنا نحفظ آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية وقدسية، وكنا نبحث عن تفسير الآيات، والعمل جعلني أذاكر بصدق في الدين، وبدأت أتبحر وأفهم أكثر في الدين الإسلامي". كشفت جيهان عبد المنعم الشهيرة بـ"جيجي"، شقيقة الفنانة سعاد حسني، قصة المذكرات التي أكدت حسب قولها أنها كانت سببًا في قتلها. وقالت شقيقة السندريلا في تصريحات خاصة لـ 'فيتو':"منذ رحيل سعاد حسني والكل يبحث عن المذكرات التي كانت كتبتها وسجلتها أيضًا بصوتها على مجموعة من الأشرطة، تلك المذكرات التي اختفت يوم رحيلها الغامض". تستعد أسرة الزعيم عادل إمام لحفل زفاف عادل رامي إمام 'حفيد عادل إمام"، وذلك على خطيبته 'فريدة أشرف'، حيث عقدت خطبة الثنائي في صيف عام 2023 الماضي. وكانت فريدة أشرف قد نشرت منذ أيام صورا من احتفالها مع صديقاتها بعيد ميلادها واقتراب موعد زفافها على حفيد الزعيم عادل إمام. حافظ فيلم ريستارت الذي يقوم ببطولته الفنان تامر حسني، على المركز الثاني ضمن الأفلام المعروضة حاليًا بدور العرض السينمائي بعد فيلم المشروع x، حيث بلغت إيرادات أمس الأحد ثالث أيام عيد الأضحى المبارك 9 ملايين و170 ألف جنيه. تستعد النجمة اللبنانية إليسا، لطرح أحدث ألبوماتها الغنائية خلال الفترة المقبلة على منصات الموسيقى وموقع يوتيوب بعد ألبوم 'أنا سكتين'. ويتضمن ألبوم إليسا الجديد، عددا من الأغاني المختلفة ما بين الدراما والرومانسية وتتعاون في أغنية منهم مع الشاعر الغنائي أحمد الملكي والتي لحنها الملحن الراحل محمد رحيم. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.


النهار المصرية
منذ 2 ساعات
- النهار المصرية
«النهار» ترصد العيد الرابع تحت القصف.. فلسطين تُصلي بلا فرحة
وجوه الأطفال تفتقد البهجة.. والبيوت المهدومة تنتظر ساكنيها الذين لن يعودوا ليس عيدًا كما عرفناه في فلسطين، لا يحمل العيد ما يحمله للعالم من زينة وفرح وزيارات عائلية. في أرضٍ تعوّدت على الألم، يُطلّ العيد للعام الرابع على التوالي محمولًا على أكتاف الحرب، مثقلًا برائحة الركام، مبلّلًا بدموع الثكالى، بلا ضحكة، بلا أضحية، بلا عيديّة. في قطاع غزة المحاصر، يدخل العيد على البيوت المنهارة كزائرٍ غريبٍ بلا وجه، يطرق الأبواب التي لم تبقَ، ويتجوّل بين أطلال المدن بحثًا عن منازل لم تعد مأهولة. في كل ركن، حكاية فَقْد، وفي كل خيمة، دعاءٌ للبقاء. في غزة، لا تنطلق تكبيرات العيد من مآذن المساجد كما جرت العادة، بل من قلوب تنزف، تنادي الله أن يرحم موتاها، ويُبقي من تبقّى على قيد الحياة. أما الأطفال، فقد صاروا يحفظون تفاصيل الحرب أكثر مما يعرفون أسماء الألعاب. ضحكاتهم انحسرت، وعيونهم امتلأت بأسئلة لا تناسب أعمارهم: 'ليه مفيش عيد؟'، 'هو بابا راجع؟'، 'هو البيت هيتبني تاني؟' عيد في الخيمة.. ورماد الذاكرة في منطقة الزوايدة وسط القطاع، تقف 'مي' (24 عامًا) تحت شمس حارقة، ملتحفة بعباءة سوداء، تتحدث بصوتٍ يخنقه الحزن: 'ده العيد الرابع وإحنا في حرب. ما فيش لا فرحة ولا ضحكة، ما بقاش في عيد. العيد دلوقتي بقى سؤال: هل هنعيش لآخر اليوم؟ هل هننام وإحنا سُلام؟ هل هنصحى ولا نكون تحت الركام؟' مي، التي كانت تقضي العيد في شراء الحلوى لأطفالها وتحضير الأضحية، صارت تقضيه الآن في التفكير في كيفية الحصول على طعام يسدّ رمق طفليها. زوجها فقد عينه اليمنى وأصيب في دماغه، وبات عاجزًا عن الحركة. أما صغيراها، فـيعانيان من سوء تغذية ونوبات متكررة من الإسهال والحمى. 'الخيمة بقت هي كل حياتنا.. أوضة النوم، والصالون، والمطبخ، وحتى الحمام. والعيال بتصحى بالليل مرعوبة.. بيصحوا يندهوا: ماما ماما.. خبّيني.' صلاة العيد.. إعلان حياة رغم كل شيء، تقام صلاة العيد وسط الأنقاض. تُفترش الأرض بالحجارة المبعثرة، وتُرفَع الأيادي إلى السماء في تضرّع لا ينقطع. خطبة العيد لم تعد دعوة للفرح، بل صارت بكاءً جماعيًا، ودعاءً طويلًا بالبقاء. أحد أئمة غزة قال لـ«النهار»: 'نصلي رغم الحرب، نكبر رغم الموت. بنعلن إنّا لسه هنا. هنعيش.. وهنفرح.. حتى لو على الرماد.' في ساحات مهدّمة، جلس المصلّون من كل الأعمار، رجالٌ يحملون صور أبنائهم الشهداء، نساءٌ يخبّئن دموعهن خلف النقاب، وأطفالٌ لا يدركون إن كانوا يحتفلون أم يودّعون. هدية العيد.. دمية قماش وزجاجة ماء في مراكز الإيواء، لم تكن هناك عيديّات تقليدية. إحدى الجمعيات وزّعت حقائب صغيرة تحوي قطعًا من البسكويت ودمى بسيطة محشوّة بالقطن المهترئ وزجاجات مياه معدنية. ليلى، طفلة في السابعة، أمسكت بدميتها المصنوعة من قماش ممزق، وقالت ببراءة: 'هي دي عيديتي.. مش أحلى حاجة، بس بحبها. اسمها سوسو.. باخدها معايا كل مكان، حتى في الخيمة.' الطفلة التي كانت في عيدها الماضي تلعب على دراجة صغيرة، باتت هذا العام تخشى الخروج من محيط الخيمة، حيث صوت القصف لا يرحم، والرعب لا يغادر. من مخيم النصيرات، تحدّث 'وائل' (52 عامًا) قائلًا: 'زمان كنا نصحى على تكبيرات العيد، نفرّح ولادنا، ونجهز الضحية. دلوقتي بنصحى على صوت الطيران والقصف. العيد جالنا والبيت فاضي.. مراتي سافرت تتعالج في مصر من السرطان، وأخويا ومراته وبناته استشهدوا. البيت اللي كان بيجمعنا اتهد. إحنا مش عايشين العيد، إحنا بنعدّ غياب الناس اللي كانوا فيه.' ورغم كل ذلك، يبتسم وائل في النهاية، ويهمس: 'لسّه عندنا أمل. رغم كل حاجة، بنضحك علشان نعيش.. وبنعيش علشان نقدر نضحك تاني يوم.' ميرفت: 'والله ما عندي خبز' في خيمة صغيرة بجوار ركام منزلها، تحكي «ميرفت باسل» رحلتها مع العيد والنزوح والبقاء: 'أنا ابني يتيم، متعوّد على أجواء العيد. من سنتين كنا نلبّسه، نروح نركب حصان ونجيب له لعبة. دلوقتي قاعدين في خيمة ما فيهاش لا أكل ولا شرب، لا ميه، ولا خبز. كل اللي حوالينا حرّ وقصف، حتى السلام مش موجود. بس بنقول الحمد لله. بس نفسي الحرب تخلص، وأشوف ابني بيلعب تاني.' ثم تمسح دموعها بطرف غطاء رأسها، وتضيف: 'لو ابني داق حبة شوكولاتة العيد ده، يبقى أنا كده راضية.' غزة.. خريطة وجع مفتوحة على الله هكذا يصف الدكتور محمد الهادي السعافين، عضو المجلس الصوفي الأعلى، المشهد من الداخل: 'العيد الرابع يمرّ على غزة ولا عيد في غزة. لا مدارس، لا جامعات، لا بيوت. خيام تصهرها الشمس، أجساد نحيلة، أرواح تعبت من السؤال: إلى متى؟ الأطفال بيسألوا: إيه هو العيد؟.. وإحنا نفسنا مش عارفين نجاوب.' ويضيف بصوت متهدّج: 'تعلّقنا بكل بصيص أمل، لكن حين لا يكون الأمل من الله، يخون. الآن لا نتعلّق إلا بالله وحده. نسأله أن يُلين القلوب، ويفتح الأبواب، ويجبر الخواطر.' عيد بلا طقوس.. وذاكرة بلا فرح من غزة، تقول رنا أبو يوسف، خمسينية من غزة: 'كل عيد من غير فرحة بيخلق جيل مش طبيعي. الحرب سلبت طفولتهم، وزرعت فيهم وعي بدري.. ووعي موجوع.' وتتابع: 'أطفال غزة بيعيشوا حالة اضطراب نفسي مزمن. كل واحد فيهم محتاج حضن وعلاج مش لعب ولبس. بس لو لقوا حب، يمكن ينسوا ولو شوية.' ومع كل ذلك.. ما زالوا يكبّرون حتى وإن لم يجدوا أضحية، فإن أرواحهم تُذبح كل يوم. وحتى إن لم يرتدِ الأطفال ثيابًا جديدة، فإنهم يرتدون صبرًا أثقل من أعمارهم، وإيمانًا أوسع من الحصار. رغم الوجع، تكبّر غزة. رغم الخراب، تُقيم الصلاة. رغم كل شيء، ما زال أطفال فلسطين يركضون، يضحكون، ويحملون رايات صغيرة كتبوا عليها بخط مائل: 'سنفرح، ولو بعد حين.' وفي ختام هذا العيد، لا تجد فلسطين ما تهديه للعالم سوى جملة واحدة: 'نعيش لنفرح.. وسنفرح لنعيش. ولو على الرماد.