logo
هكذا صار خبز غزة وقودا لـ "عربات جدعون"

هكذا صار خبز غزة وقودا لـ "عربات جدعون"

Independent عربيةمنذ 4 أيام

عندما بدأ عدد محدود جداً من المخابز بالعمل مجدداً على إنتاج الخبز الطازج، استبشر سكان غزة واستعدوا لإنهاء جوعهم حتى لو كانت المعونات محدودة، لكن بسرعة انقلب هذا الخبر المفرح إلى كابوس يهدد أمعاءهم بمزيد من الجوع.
بعد حصار استمر لنحو 80 يوماً تخلله حرمان الغزيين من الطعام مما تسبب في حال من سوء التغذية لدى السكان، سمحت إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ولكنها كانت بكميات محدودة للغاية.
ولتفادي كارثة الجوع، شغل برنامج الأغذية العالمي عدداً من المخابز في القطاع، مما جعل الغزيين يستبشرون وينتظرون الرغيف الساخن لإنهاء جوعهم، إذ يعانون نفاد الطحين في بيوتهم ويتضورون جوعاً بانتظار وصول الدقيق وإعادة تشغيل المخابز.
لكن هذه الأرغفة التي تمثل حلماً للغزيين لم تصل إليهم، إذ شغل البرنامج سبعة مخابز فقط، أربعة آلية وثلاثة مخابز طين، ويجب على هذه الأفران خدمة 2.3 مليون فرد جميعهم يتلهفون للحصول على رغيف.
هندسة المجاعة
تنتج المخابز السبعة نحو 20 ألف ربطة خبز يومياً، توزع على 20 ألف أسرة يتجاوز عدد أفراد كل منها سبعة أشخاص، وهذا يعني أن باقي العائلات في غزة لن تحصل على الغذاء وستبقى جائعة.
تفيد بيانات برنامج الأغذية العالمي أن الاحتياج الفعلي لسكان غزة من الخبز يبلغ 4 ملايين رغيف يومياً، بمعدل رغيفين لكل فرد للوجبات الثلاث، وهذا يعكس فجوة كبيرة بين حجم إنتاج الخبز الحالي المقدر بنحو 20 ألف ربطة لإطعام 140 ألف فرد، والطلب الذي يبلغ 4 ملايين رغيف.
يقول كرم "لم أحصل على رغيف خبز على رغم أن عدداً من المخابز باشر عمله، كميات الخبز القليلة، وتوزيعها على عائلات محددة، أمر يثير الفتنة، هذه خطوة لهندسة المجاعة وليس إنهاء الجوع". ويضيف "سأصاب بالجنون عندما يأخذ جاري خبزاً وأنا وأطفالي جوعى، ربما أفتعل مشكلات للحصول على الخبز، وربما أفكر في سرقة كيس طحين من شاحنات المساعدات، التي تحرمني الحصول على رغيف، لأعده لأطفالي في البيت".
ويكمل كرم "عدد أرغفة الخبز التي تنتج حالياً غير كافية لإطعام الغزيين، كذلك فإن حصة الفرد رغيفين فقط وهذا أمر غير مقبول، رغيفين لأفطر بهما وآكل وجبة الغداء وأيضاً العشاء، هذه كمية قليلة لا تكفي قطاً صغيراً".
يدعم برنامج الأغذية العالمي 25 مخبزاً في قطاع غزة، وكانت هذه الأفران تنتج خبزاً كافياً للسكان حتى خلال فترة الحرب وتغطي 50 في المئة من حاجات الغزيين، لكن عندما استأنفت المنظمة الدولية عمل المخابز أعادت تشغيل سبعة فقط، وبررت ذلك بأن كمية المساعدات التي تصل إلى غزة من إسرائيل قليلة جداً وتكفي لتشغيل هذه المخابز فقط.
عسكرة الطعام
المخابز القليلة والأرغفة المحدودة ليست المشكلة الوحيدة التي يواجهها الجائعون في غزة، إذ عندما استأنف برنامج الأغذية العالمي عمل المخابز السبعة، اختارها في النصف الجنوبي من غزة، ولم يشغل أي مخبز في شمال القطاع.
تخصيص الخبز في منطقة واحدة يحرم سكان شمال غزة من الطعام ويزيد عليهم الجوع، يقول الباحث السياسي طلال أبو ركبة "فكرة توزيع الخبز في الجنوب تعد تشجيعاً للنزوح إلى تلك المنطقة"، موضحاً "في (عربات جدعون) تخطط إسرائيل لتهجير الغزيين من الشمال للجنوب، وتهندس ذلك من خلال تجويعهم ثم توزيع المساعدات عليهم في الجنوب فحسب، وأخيراً قصفهم بالطائرات لدفعهم إلى النزوح".
ويوضح أن الإنسان الجائع سيجري وراء الخبز أينما كان، في الجنوب أو الشمال، وغالباً ما ستكون هناك موجة نزوح كبيرة من أجل الحصول على وجبة الغذاء"، لافتاً إلى أن ذلك يعد "عسكرة للطعام، وهو مخالف للقوانين الدولية".
ومن المشكلات الأخرى التي برزت مع تشغيل المخابز، أن برنامج الأغذية العالمي لن يسمح ببيع الخبز للسكان كما في السابق، وإنما سيوفر للمخابز مكونات إعداد الأرغفة، وبعد تجهيزها سينقلها الأغذية العالمي لنقاط توزيع في منطقة المواصي الإنسانية فقط.
غاضبة إيناس كثيراً، تقول "لن أحصل على خبز في شمال غزة لأن المخابز التي تعمل جميعها في الجنوب، وإن فكرت بالنزوح إلى هناك وهذا مستحيل فلن يتمكن صغاري من شراء الخبز من المخبز، لأنه يوزع فقط في المواصي، هذا الأمر تجويع إضافي".
يشرح رئيس جمعية المخابز في غزة عبدالناصر العجرمي، أن "آلية عمل المخابز التي جرى التوافق عليها بين برنامج الغذاء العالمي وإسرائيل، تتضمن شرطاً بتوزيع الطحين على الأفران، وبعد إعداد الخبز يتولى موظفو الإغاثة توزيع الخبز. هذا يعني أن المواطنين في غزة لن يتمكنوا من شراء الطحين أو تخزينه لفترات الطوارئ، مما يحرم السكان من الغذاء الكافي، ويطعمهم كميات محدودة، وكذلك يجعلهم يلهثون وراء الرغيف أينما كان".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب طلب إسرائيل فإن المخابز يشترط عملها أثناء الليل فقط كل يوم ولمدة 16 ساعة ليتم إنتاج ربطات خبز جاهزة، وبعد ذلك توزيعها مجاناً على الأهالي في 400 نقطة معظمهم في منطقة المواصي التي يطلب الجيش الإسرائيلي من المدنيين التوجه إليها.
يرفض العجرمي هذا الاتفاق، ويضيف "بموجب هذه الآلية يحرم أهالي غزة من تسلم أكياس الطحين كما كان عليه الوضع في السابق، لذا سيكون مصيرهم مرهوناً بما يسمح بدخوله يومياً من الطحين من قبل إسرائيل مما يضعهم في دائرة الابتزاز".
يوضح العجرمي أن "إسرائيل تفرض على الغزيين تناول الخبز وعدم تخزينه في ظل قطع الكهرباء، والمواطن الجائع لن يقبل بانتظار حصته من الخبز عبر المندوبين، بينما لا يملك طحيناً في منزله لإطعام أطفاله"، لافتاً إلى أن الآلية الجديدة تخلق سلطة إسرائيلية مطلقة لإجبار الغزيين على التحرك في أماكن توزيع الخبز".
ويبين أنه طلب من برنامج الأغذية العالمي توزيع الطحين قبل الخبز على المواطنين في خطوة استباقية لتفادي الفوضى والازدحام المحتمل، لكن إسرائيل رفضت ذلك، مشيراً إلى أن مخابز القطاع رفضت هذه الآليات لأنها غير مجدية وتعرضها والمواطنين للخطر.
لأجل "عربات جدعون"
وأثارت طريقة توزيع الخبز الجديدة اتهامات بأن ما يجري يندرج ضمن إدارة التجويع، إذ تشهد أزمة الخبز في القطاع تصاعداً، ويترافق ذلك مع حال فوضى أثناء توزيع الأرغفة، إذ يواجه السكان أزمة في الطحين الذي وصل سعره إلى 580 دولاراً.
يقدر العجرمي استهلاك غزة من الطحين يومياً بنحو 450 طناً، لذلك فهو يرى أن توزيع كيس دقيق على العائلات يشجعها على صناعة الأرغفة مما يخفف الضغط على المخابز ويمنع الفوضى والمشكلات وإثارة الفتن، ويقضي على مخطط التهجير القسري.
من جانب برنامج الأغذية العالمي، تقول المتحدثة الإقليمية عبير عطيفة "حتى الآن لم نحصل على تصريح من السلطات الإسرائيلية لتوزيع الطحين مباشرة داخل القطاع، التعاون مع المخابز كان الخيار الوحيد المتاح حالياً لضمان دخول المساعدات".
وتضيف "على رغم أن آلية تشغيل المخابز وتوزيع الخبز ليست هي المثلى، فإنها تهدف إلى تلبية الحاجات الملحة وتأمين الحد الأدنى من الغذاء للسكان لتفادي المجاعة، إذ بالكاد يستطيع الناس الحصول على وجبة واحدة في اليوم، وخيارات الأطعمة تقتصر على الأغذية المعلبة إذا توفرت، الخبز أصبح رفاهية".
وتوضح عطيفة أن "برنامج الأغذية العالمي يحتاج إلى دعم من السلطات الإسرائيلية لتوزيع الطحين، إذ إن هذه الطريقة هي الأكثر فاعلية لمنع انتشار الجوع الشديد، بخاصة أننا في سباق مع الزمن لمنع انتشار المجاعة على نطاق واسع".
في إسرائيل، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش "نعمل على تغيير آلية توزيع المساعدات والخبز، ما سمحنا به حالياً هو إعداد الأرغفة وتوزيعها، هذا كل ما في الأمر"، كذلك قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "هذه الخطوة تدعم أهداف عملية (عربات جدعون)".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سياسة جديدة للتأشيرات الأميركية تستهدف الأجانب الذين "يراقبون" الأميركيين
سياسة جديدة للتأشيرات الأميركية تستهدف الأجانب الذين "يراقبون" الأميركيين

العربية

timeمنذ 5 دقائق

  • العربية

سياسة جديدة للتأشيرات الأميركية تستهدف الأجانب الذين "يراقبون" الأميركيين

أعلنت الولايات المتحدة ، اليوم الأربعاء، سياسة جديدة مرتبطة بشروط التأشيرات تستهدف الأجانب الذين "يفرضون رقابة" على المواطنين الأميركيين. وقال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في بيان: "من غير المقبول أن يصدر مسؤولون أجانب أو يهددوا بإصدار مذكرات اعتقال بحق مواطنين أميركيين أو مقيمين في الولايات المتحدة بسبب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي الأميركية وفي أثناء وجودهم على الأراضي الأميركية". وأضاف روبيو أنه "من غير المقبول أيضًا" أن يطالب مسؤولون أجانب منصات التكنولوجيا الأميركية بمراقبة المحتوى، وفق وكالة "رويترز".

مدرس يضطر للتدريس خارج القسم في مركز "هامد" بسبب ارتفاع درجة الحرارة (صورة)
مدرس يضطر للتدريس خارج القسم في مركز "هامد" بسبب ارتفاع درجة الحرارة (صورة)

ميادين

timeمنذ 5 دقائق

  • ميادين

مدرس يضطر للتدريس خارج القسم في مركز "هامد" بسبب ارتفاع درجة الحرارة (صورة)

اضطر مدرس في مدرسة بمركز هامد الإداري في ولاية لعصابه، بأن أحد المدرسين اضطر بسبب ارتفاع درجة الحرارة إلى التدريس خارجه. فقد أقدم على إخراج التلاميذ من القسم والبقاء خارجه طيلة الحصة، وذلك في وقت سجلت نفس الواقعة في مدرسة أخرى داخل موريتانيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store