logo
ثورة في علم الفيزياء.. هل كل ما نعرفه عن الزمن الكوني خاطئ؟!

ثورة في علم الفيزياء.. هل كل ما نعرفه عن الزمن الكوني خاطئ؟!

الجزيرة٠١-٠٤-٢٠٢٥

مقدمة للترجمة
يفترض فريق من علماء الكونيات أن الكون لا يتميز ببنية مكانية فحسب (حيث تتوزع المجرات في خيوط تفصل بينها فراغات*)، بل يتمتع أيضًا ببنية زمنية، حيث لا يتدفق الزمن بالوتيرة ذاتها في كل مكان، بل يختلف من مكان لآخر. تُعَد هذه الفكرة خروجًا جذريًّا عن المألوف، بل إن وصفها بالخروج عن المألوف سيكون تقليلًا من شأنها. فلطالما اعتقدنا أن الزمن يسير بالوتيرة ذاتها في جميع أنحاء الكون على المقاييس الكبيرة. ولكن وفقًا لهذا النموذج المعروف باسم "علم الكونيات الزمني"، توجد مناطق شاسعة في الكون تشهد على تدفق الزمن بمعدل أسرع مما نفترض، وهو ما يعني أن تلك المناطق شهدت مليارات السنين الإضافية مقارنة بما افترضناه سابقًا.
نص الترجمة
تخيّل أن أمامك الآن منظرًا خلابًا حيث تُلقي الشمس بظلالها على قمم جبال مُغطاة بالثلوج في الأفق البعيد، بينما يتعرج نهرٌ عبر تلالٍ متدحرجة. ثمة ما هو رائع في تأمل تضاريس هذا المشهد الطبيعي البديع الذي يُثير في نفوسنا شعورا بالجلال والروعة.
قد لا يبدو ذلك واضحًا عندما ترنو إلى السماء ليلًا، إلا أن للكون مشهدًا خاصا به حيث تتشكل خيوط من المجرات تفصل بينها فراغات شاسعة تكاد تكون خالية تمامًا. وهذه حقيقة توصل إليها العلماء منذ زمن بعيد.
ونتيجة لذلك، قرر فريق من علماء الكونيات سبر أغوار هذه الحقيقة بدرجة أعمق مفترِضين أن الكون لا يتميز ببنية مكانية فحسب (حيث تتوزع المجرات في خيوط تفصل بينها فراغات*)، بل يتمتع أيضًا ببنية زمنية، حيث لا يتدفق الزمن بالوتيرة ذاتها في كل مكان، بل يختلف من مكان لآخر.
تُعَد هذه الفكرة خروجًا جذريًّا عن المألوف، بل إن وصفها بالخروج عن المألوف سيكون تقليلًا من شأنها. فلطالما اعتقدنا أن الزمن يسير بالوتيرة ذاتها في جميع أنحاء الكون على المقاييس الكبيرة. ولكن وفقًا لهذا النموذج المعروف باسم "علم الكونيات الزمني"، توجد مناطق شاسعة في الكون تشهد على تدفق الزمن بمعدل أسرع مما نفترض، وهو ما يعني أن تلك المناطق شهدت مليارات السنين الإضافية مقارنة بما افترضناه سابقًا.
قد يبدو الأمر غريبًا، لكن ما يجذب بعض الفيزيائيين إليه هو أن جمال هذه النظرية يكمن في بساطتها، فهي لا تتطلب أي فيزياء غريبة، بل تنبع تلقائيًّا من نظرية معروفة، يقول عنها مبتكرها ديفيد ويلتشير من جامعة كانتربري بنيوزيلندا: "إنها جزء من بنية النسبية العامة، لكنها ببساطة لم تكن جزءًا من الأفكار التي طرأت على أذهان الناس سابقًا".
قد يكون هذا الافتراض مفتاحًا لحل أحد أكبر الألغاز في الفيزياء، بل وقد يُفضي إلى تغيير جذري في الطريقة التي يعتمدها الفلكيون لوصف هيكلة الكون. والآن، مع تدفق البيانات الجديدة من عمليات المسح الفلكي، بدأت تظهر إشارات توحي بأن هذه الفكرة قد يعتريها شيء من الصحة.
"لامدا- سي دي إم"
منذ ما يقرب من قرن من الزمان، توصل علماء الفلك إلى أن الفضاء يتمدد. فأيّ شيء لا يرتبط بالجاذبية مع غيره يبتعد عن كل الأشياء الأخرى. وهذا أمر متوقع باعتبار أن الكون بدأ بانفجار عظيم أدى إلى انطلاق عملية من التوسع. لكن في منتصف التسعينيات، توصلت مجموعتان بحثيتان مستقلتان إلى اكتشاف أساسي ومفاجئ للغاية، لدرجة أنهما فازتا بجائزة نوبل بسببه.
توصلت المجموعتان إلى أن الكون لا يتمدد فحسب، بل إن معدل تمدده يتزايد بمرور الوقت. ونظرًا إلى عدم وجود تفسير واضح لهذا الأمر، افترض علماء الكونيات أن الفضاء زاخر بـ"طاقة مظلمة" غامضة تدفع الكون إلى التوسع بوتيرة أسرع فأسرع.
غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم وجود تفسير طبيعي واضح لماهية هذه الطاقة المظلمة رغم العقود الطويلة التي بُذلت في سبيل البحث والتفكير فيها. ومع غياب أي بديل أفضل، أصبحت الطاقة المظلمة ركيزة أساسية في علم الكونيات.
ينطبق هذا الأمر أيضًا على فرضية تُعرف باسم "المبدأ الكوني" قدّمها عالم الفيزياء الفلكية البريطاني إدوارد آرثر ميلن عام 1933. وينص المبدأ على أن الكون متجانس، أي أنه يبدو متشابهًا في كل مكان، ولا يوجد مكان مميز عن غيره. بمعنى آخر، إذا كنت في مجرة بعيدة بدلًا من الأرض، فسترى الكون بالطريقة التي نراه بها نحن على الأرض.
لنأخذ على سبيل المثال عمر الكون الذي يُقدِّره علماء الفلك بنحو 13.8 مليار سنة، وذلك بناءً على قياسات أُجريت من الأرض. لكن وفقًا للمبدأ الكوني، لو أجرينا الحسابات ذاتها من أي نقطة عشوائية في الفضاء، لحصلنا على النتيجة نفسها.
ويرجع ذلك إلى أن الكون -على المقاييس الكبيرة – يتمتع بخاصيتين أساسيتين، وهما التجانس، بمعنى أن خصائصه متشابهة في كل مكان، والتناظر، أي أنه يبدو متماثلًا في جميع الاتجاهات. وتأكيدًا على ذلك، يقول جوشوا فريمان، عالم الكونيات من جامعة شيكاغو: "عندما أنظر إلى توزيع المجرات على نطاق واسع، أرى تقريبًا نفس العدد من المجرات بغض النظر عما إذا نظرت شمالًا، أو جنوبًا، أو شرقًا أو غربًا".
وبتطبيق هذا المبدأ الكوني إلى جانب نظرية النسبية العامة لأينشتاين -التي تُفسِّر كيف تؤثر الجاذبية في الزمان والمكان- سنحصل على نموذج كوني يحتاج إلى عناصر إضافية لتفسير الكون كما نراه اليوم، وهي المادة المظلمة والطاقة المظلمة.
يفترض النموذج القياسي لعلم الكونيات أن المادة المظلمة تتكون من جسيمات ثقيلة وبطيئة تُعرف باسم المادة المظلمة الباردة (CDM)، في حين تُعتبر الطاقة المظلمة مجال طاقة ثابتًا يُرمز إليه بالحرف الإغريقي λ (لامدا). ومن هنا جاء اسم النموذج الكوني "لامدا- سي دي إم"، وهو الإطار الذي يعتمد عليه معظم علماء الفلك والكونيات في دراسة الكون. ويوضح فريمان ذلك قائلا: "يوفر لنا هذا النموذج إطارًا لفهم كيفية تشكل وتطور البنية الكونية، وهو ما يتوافق مع عمليات الرصد الفلكية".
تكمن مشكلة المبدأ الكوني في أن الكون يبدو متجانسًا فقط على المقاييس الكبيرة، أي على مسافات تبلغ نحو 400 مليون سنة ضوئية أو أكثر. أما عند المقاييس الأصغر، فتختلف الأمور اختلافًا كبيرًا من مكان لآخر. فعلى هذه المقاييس، نجد تجمعات ضخمة من المجرات تضم كميات هائلة من المادة؛ مما يجعلها مترابطة بفعل الجاذبية ولا تتأثر بتمدد الكون.
وفي المقابل، توجد فراغات كونية شاسعة تكاد تخلو من المادة، لذلك يستمر التمدد فيها بوتيرته الطبيعية (بخلاف المناطق التي تحتوي على تجمعات مجرية ضخمة*). يشبه هذا الأمر شكل الأرض من الفضاء، حيث تبدو كأنها كرة مثالية، لكن عند الاقتراب، تكشف التفاصيل عن جبال ووديان تُخِلّ بتوازن هذا الشكل المنتظم.
وتيرة أسرع مما افترضنا
في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لفتت انتباه ويلتشير تلك الأبحاث التي أجراها توماس بوخارت في مختبر فيزياء الجسيمات "سيرن" بالقرب من جنيف في سويسرا.
أدرك بوخارت أن عدم تجانس الكون يمثل مشكلة كبيرة، خاصة مع افتراض أن الفراغات الكونية تشكل ما يصل إلى 95% من حجم الكون. لذلك، بدأ في تطوير طريقة أفضل للتعامل معها. فبدلًا من الاكتفاء بافتراض صحة المبدأ الكوني، تبنى ويلتشير أساليب بوخارت وطبقها على نظرية النسبية العامة، ليولد في عام 2007 نموذج "المشهد الزمني"، الذي يُعيد النظر في كيفية تدفق الزمن في مختلف مناطق الكون.
تعتمد فكرة نموذج المشهد الزمني على ظاهرة غريبة تُعرف باسم "تمدد الزمن الجذبوي". وفقًا لهذه الظاهرة، فإن الجاذبية القوية للأجسام الضخمة تعمل على تشويه الزمكان، وهو ما يُفضي إلى بطء مرور الزمن بالقرب من هذه الأجسام مقارنة بالمناطق الأبعد عنها. وكلما زادت شدة الحقل الجذبوي، زاد بطء الزمن.
صحيح أن هذا المفهوم لا يُعتبر جديدًا، إلا أن علماء الكونيات افترضوا عمومًا أن هذه التأثيرات تتلاشى على المقاييس الكبيرة، لأن المبدأ الكوني ينص على أن المادة موزعة بالتساوي تقريبًا في جميع أنحاء الكون.
بمعنى آخر، على الرغم من وجود مناطق ذات جاذبية قوية حيث يمر الزمن أبطأ (مثل المجرات)، ومناطق ذات جاذبية ضعيفة حيث يمر الزمن أسرع (مثل الفراغات الكونية)، فإن هذه الفروق تتوازن عند النظر إلى الكون على نطاق واسع، بحيث لا يكون لها تأثير كبير في التوسع الكوني أو عمر الكون المحسوب. لكن نموذج المشهد الزمني يرى أن هذا الافتراض قد يكون خاطئًا، وأن هذه التأثيرات لا تتلاشى كليًّا، بل قد تؤثر في طريقة فهمنا لتمدد الكون وعمره.
إذا تخلّينا عن المبدأ الكوني كما يقترح ويلتشير وزملاؤه، فلن يعود بإمكانكَ افتراض أن تأثيرات تمدد الزمن الجذبوي تتلاشى على المقاييس الكبيرة. وبدلًا من ذلك، يصبح من الضروري بناء نموذج كوني جديد يأخذ هذه الفروق الزمنية في الحسبان.
ولتحقيق ذلك، لابد من الخوض في التفاصيل الدقيقة لمعادلات أينشتاين، التي تربط بين خصائص الزمكان وكمية المادة والطاقة الموجودة داخله. تحدد هذه الخصائص ما إذا كانت منطقة معينة من الكون تتمدد، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي معدل يحدث هذا التمدد، وبأي سرعة يمر الزمن في تلك المنطقة مقارنة بغيرها.
ونظرًا إلى وجود كمية ضئيلة جدًّا من المادة داخل الفراغات الكونية، فإن مرور الزمن يختلف تمامًا هناك. وكما يوضح ريان ريدن-هاربر، أحد أعضاء الفريق بجامعة كانتربري بنيوزلندا: "قد يكون عمر الفراغات الكونية أقدم من عمر التجمعات المجرية بما يصل إلى 4 مليارات سنة".
بمعنى آخر، سيكون الزمن قد مرّ -منذ الانفجار العظيم- بوتيرة أسرع في المناطق الفارغة مقارنةً بالمناطق ذات الكثافة العالية، مثل مجرة درب التبانة؛ مما سيؤدي إلى نتيجة غير متوقعة، وهي أن عمر الكون ليس ثابتًا، بل يختلف اعتمادًا على الموقع الذي نقيس منه داخل الكون. وبالتالي، لا يمكن اعتبار أن للكون عمرًا واحدًا مطلقًا يشمل جميع أجزائه.
هذا يعني أيضًا أن الفضاء داخل الفراغات الكونية يتمدد لمدة تصل إلى أربعة مليارات سنة أكثر مما كنا نفترض لو اعتمدنا فقط على عمر الكون المحسوب من داخل مجرة درب التبانة. لكن عند تصحيح هذا الاختلاف الزمني بين المواقع المختلفة باستخدام نموذج الزمن المتغير، يدّعي الباحثون أن الحاجة إلى افتراض وجود الطاقة المظلمة تختفي تمامًا. (بمعنى آخر، قد لا يكون هناك طاقة مظلمة تدفع الكون إلى التوسع المتسارع، بل يكون التفسير ببساطة أن الزمن يمر بمعدلات مختلفة عبر مناطق الكون المختلفة*).
منذ طرحها لأول مرة، واجهت هذه الفكرة صعوبة في إقناع المجتمع العلمي، ولم يكن ذلك مقتصرًا على مجموعة ويلتشير فقط، بل ظهرتْ محاولات سابقة ومناهج مختلفة لمعالجة عدم التجانس الواضح في بنية الكون. ومع ذلك، لم تنجح هذه الفكرة أيضًا في تغيير الرأي السائد في الأوساط العلمية.
الفراغات المتمددة
ما زال بعض العلماء غير مقتنعين بهذه الفكرة ومن بينهم فريمان الذي يقول معلِّقًا على ذلك: "توجد أبحاث كثيرة حول نظريات الكون غير المتجانسة. وعند أخذ هذه البُنى الكونية الضخمة في الاعتبار، هل يُمكن أن تُؤثّر فعليًّا في توسّع الكون بطريقةٍ تُحاكي تأثيرات الطاقة المظلمة؟ من وجهة نظري، تُشير غالبية الأبحاث إلى أن هذا ليس هو الحال، مما يعني أن تأثير عدم التجانس في بنية الكون لا يبدو كافيًا لاستبدال فكرة الطاقة المظلمة".
كما أن فريمان ليس الوحيد الذي يشكك في هذه الفكرة، إذ يرى ويلتشير أيضًا أن المحاولات السابقة لبناء نماذج كونية غير متجانسة لم تكن كاملة، لأن الباحثين استمروا في افتراض أن للكون عمرًا ثابتًا في كل مكان.
ويؤكد ويلتشير أن ما لم يُدركه الكثيرون هو أن نموذج المشهد الزمني يختلف عن تلك النماذج السابقة، لأنه يأخذ في الاعتبار تفاوت عمر الكون من مكان لآخر. وهذا ما يجعل الفكرة أكثر منطقية، وذلك لسماحها بتمدد الفراغات الكونية لمليارات السنين أكثر مما كنا نتوقع عند الاعتماد على الحسابات المحلية. ويضيف ويلتشير: "عندما تجتمع هذه التأثيرات على مدى مليارات السنين، تصبح الفروق هائلة".
قد تكون لدى ويلتشير الآن فرصة جديدة لإقناع زملائه بوجهة نظره، وذلك بفضل مجموعة بيانات جديدة تُعرف باسم "بانثيون+". تحتوي هذه البيانات على ملاحظات خاصة بـ1535 مستعرًا أعظم (سوبرنوفا) من نوع خاص يُعرف باسم المستعر الأعظم من "النوع 1 إيه". وتتميز هذه النجوم المتفجرة بأنها تُطلق نفس كمية الطاقة تقريبا، لذا فإن أي اختلاف في سطوعها هو نتيجة بعدها عن الأرض. وبفضل هذه الخاصية، تُعد هذه المستعرات العظمى أداة دقيقة جدًّا لقياس تمدد الكون.
وتكمن القيمة الحقيقية لمجموعة بيانات ويلتشير في أن جميع عمليات الرصد قد فُحصت بدقة لإزالة أي أخطاء محتملة ناتجة عن تسجيل المستعرات العظمى باستخدام تلسكوبات مختلفة. وبفضل هذا الحجم الكبير والدقة العالية للبيانات، أصبح من الممكن إجراء مقارنة حقيقية بين نموذج المشهد الزمني، والنموذج الكوني القياسي (مما قد يساعد في تقييم مدى صحة الفرضية التي تقترح عدم الحاجة إلى الطاقة المظلمة*).
وفي يناير/كانون الثاني 2025، نشر ويلتشير وزملاؤه أحدث تحليل لهم استخدموا خلاله بيانات المستعرات العظمى من "بانثيون+" لمقارنة مدى توافق النموذج الكوني القياسي مع البيانات، مقابل نموذج المشهد الزمني.
ويؤكد الباحثون أن التحليل الإحصائي الذي أجروه يُقدّم "أدلة قوية جدًّا لصالح نموذج المشهد الزمني مقارنة بالنموذج القياسي"؛ مما قد يشير إلى إمكانية الاستغناء عن فرضية الطاقة المظلمة إذا كان هذا النموذج صحيحًا.
ومع ذلك، فإن هذا التطور الأخير لا يزال غير كافٍ لإقناع فريمان، الذي يشغل منصب مدير مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، وهو مشروع تعاوني يضم أكثر من 400 عالم من مختلف أنحاء العالم. تكمن المفارقة في أن بيانات مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة الخاصة بالمستعرات العظمى، التي جُمعت بين 2013 و2019، أظهرتْ تفضيلًا لنموذج الزمن المتغير على حساب النموذج القياسي، تمامًا مثل نتائج ويلتشير.
غير أن السبب وراء استمرار شكوك فريمان، يكمن في قياسات ظاهرة كونية أخرى تُعرف باسم تذبذبات باريون الصوتية. فقد أجرى مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة أيضًا قياسات لهذه التذبذبات، وعندما دُمجت مع بيانات المستعرات العظمى، جاءت النتائج معاكسة تمامًا، حيث فضلّت النموذج القياسي على نموذج المشهد الزمني.
يمكن التفكير في تذبذبات باريون الصوتية على أنها تموجات في البنية الكونية واسعة النطاق. وهي مرتبطة بالموجات الصوتية التي انتشرت في البلازما البدائية، وهي الحوض الكوني الساخن الذي احتوى على جسيمات شديدة الحرارة ملأت الكون في مراحله الأولى، قبل أن تبرد تدريجيًّا وتندمج لتشكل المجرات التي نراها اليوم.
وقد تركت هذه الموجات اختلافات في الكثافة؛ مما أدى إلى تشكيل أنماط مميزة في توزيع تجمعات المادة والفراغات الكونية. وسرعان ما أصبحت هذه التفاوتات في الكثافة هي المخطط الأساسي الذي يُحدد الشكل العام لبنية الكون، بما في ذلك أماكن تكتل المجرات والفراغات الواسعة التي نراها اليوم.
عندما استخرج رايان كاميليري من جامعة كوينزلاند بأستراليا وزملاؤه بيانات تذبذبات باريون الصوتية من ملاحظات مشروع التحليل الطيفي للطاقة المظلمة، وقارنوا هذه البيانات بتوقعات كل من النموذج الكوني القياسي، ونموذج المشهد الزمني، توصلوا إلى أن النموذج القياسي تفوق بوضوح. ومع ذلك، لا يزال فريق ويلتشير غير مقتنع تمامًا بهذه النتيجة، ويرغب في التحقق منها بدرجة أعمق.
وعن ذلك، يقول رايان ريدن-هاربر، أحد أعضاء الفريق: "أهم ما يمكننا فعله حاليًّا هو إعادة النظر في مسألة تذبذبات باريون الصوتية، والتحقق مما إذا كان صحيحًا أن النموذج القياسي لعلم الكونيات يتفوق بطبيعته على هذا النموذج الجديد".
ترتبط الموجات التي تركت هذه البصمة الكونية بسرعة الصوت في البلازما البدائية، التي حُسبتْ بدقة شديدة ضمن النموذج القياسي، لكنها لم تُحسب بعد لنموذج المشهد الزمني. لهذا يعمل ويلتشير وفريقه حاليًّا على هذه الحسابات لمحاولة اختبار مدى دقة نموذجهم في تفسير البيانات.
إن الوصول إلى الإجابة الصحيحة أمر في غاية الأهمية، لأن هناك الكثير مما يمكن أن يتأثر بناءً على هذه النتيجة. يُعتبر النموذج القياسي لعلم الكونيات الأساس الذي نبني عليه فهمنا للكون، ورغم أنه حقق نجاحات كبيرة بلا شك، فإنه مع ذلك يواجه عدة تحديات ظهرت من أبحاث علم الكونيات الحديثة، ولا تقتصر هذه التحديات على نموذج المشهد الزمني فحسب.
مستقبل علم الكونيات
الخلاصة هي أن النموذج القياسي لعلم الكونيات لم يعد يتوافق مع جميع ملاحظاتنا الكونية. ففي عام 2005، بدأ آدم ريس من جامعة جونز هوبكنز في ماريلاند -وهو أحد العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل لاكتشاف الطاقة المظلمة- تسليط الضوء على لغز علمي يُعرف باسم "توتر هابل".
يشير هذا اللغز إلى أن الطريقتين الرئيسيتين لحساب معدل التمدد الحالي للكون، المعروف باسم "ثابت هابل" لا تعطيان النتيجة ذاتها. فمثلًا تُعطي الطريقة الأولى، التي تعتمد على ملاحظات المستعرات العظمى في الكون القريب نسبيًّا، قيمة تبلغ حوالي 73 كيلومترًا في الثانية لكل ميغا فرسخ فلكي (وهو وحدة قياس المسافات الكبيرة في الفضاء ويساوي 3.26 سنوات ضوئية*).
أما الطريقة الأخرى لحساب ثابت هابل فتعتمد على رصد إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، وهو الإشعاع الخافت الباقي من الانفجار العظيم، ومن ثم استخدام النموذج القياسي لتتبع تطور الكون على مدى 13 مليار سنة وصولًا إلى قيمته الحالية.
وفقًا لهذه الطريقة، ينبغي أن يكون ثابت هابل اليوم 67.7 كيلومترًا في الثانية لكل ميغا فرسخ فلكي. لكن التباين بين هذه النتيجة والنتيجة التي نحصل عليها من ملاحظات المستعرات العظمى يمثل مشكلة كبيرة. ويرى ريس أن هذا الاختلاف قد يكون "إشارة إلى وجود خلل ما في النموذج الكوني القياسي".
يعتقد ويلتشير أن نموذج المشهد الزمني قد يكون الحل لمشكلة "توتر هابل". فعندما انبعث إشعاع الخلفية الكونية الميكروي بعد حوالي 380,000 سنة من الانفجار العظيم، كانت البلازما البدائية التي ملأت الكون متجانسة تقريبًا. ولكن مع مرور الوقت، أدت الجاذبية إلى تجمع المادة؛ مما خلق بنية غير متجانسة تتألف من عناقيد مجرية وفراغات كونية.
إضافة إلى أن ما يميز نموذج المشهد الزمني هو أنه يأخذ هذا التطور في الحسبان، في حين أن النموذج الكوني القياسي لا يفعل ذلك بدرجة كافية. والنتيجة هي أن النموذج الجديد يتوقع ثابت هابل أعلى مما يتوقعه النموذج القياسي، لأن الفراغات الكونية قد توسعت أكثر مما يفترضه النموذج القياسي.
إن الوقت الحاسم لنموذج المشهد الزمني يقترب بسرعة. فخلال السنوات الخمس القادمة، ستتوفر بيانات أدق وأفضل لعلماء الكونيات. في السياق ذاته، يقول ويلتشير إن هذه البيانات ستكون قادرة على حسم الجدل نهائيًّا بين هذا النموذج الجديد والنموذج القياسي. وتشمل هذه البيانات المنتظرة نتائج من أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة في أريزونا، التي تعمل على إنشاء خريطة للكون من المتوقع اكتمالها بحلول عام 2026. كما أننا في انتظار بيانات جديدة من تلسكوب "إقليدس" الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وكذلك من التلسكوب العملاق "فيرا روبين" في تشيلي.
أما تلسكوب روبين الذي سيعمل على اكتشاف المستعرات العظمى، فمن المفترض أن يبدأ مسحه السماوي الواسع هذا العام. وعن ذلك، تقول إيموجين ويتام من جامعة أكسفورد، التي تبحث في تطور المجرات: "هذان المسباران سيُحدثان نقلة نوعية في مجال مسوحات المجرات الكونية، وسيمثلان نقلة نوعية في هذا المجال".
تتمحور وظيفة تلسكوب إقليدس حول رسم خريطة ثلاثية الأبعاد لبنية المجرات؛ مما سيوفر معلومات أكثر تفصيلًا حول تذبذبات باريون الصوتية BAO (وهي آثار لموجات الصوت البدائية التي ساعدت في تشكيل بنية الكون*).
أما تلسكوب روبين، الذي سيبدأ مسحه الشامل للسماء هذا العام، فسيكون بمثابة آلة لاكتشاف المستعرات العظمى (السوبرنوفا). وعن ذلك، تقول إيموجين ويتهام، الباحثة في جامعة أكسفورد والمتخصصة في تطور المجرات: "هذان التلسكوبان سيغيران قواعد اللعبة، فهما يمثلان قفزة نوعية كبيرة في هذا المجال".
كل هذا يعني أن مستقبل علم الكونيات لا يزال غير محسوم. لكن ويلتشير لا يمانع في الانتظار، فقد قضى ما يقرب من عشرين عامًا في تطوير فرضية "المشهد الزمني"، وهو على استعداد للانتظار بضع سنوات أخرى لمعرفة ما إذا كان قد اكتشف سرًّا من أسرار الكون التي تجاهلها الآخرون. وفي النهاية يختتم حديثه قائلًا: "بحلول نهاية هذا العقد، سنعرف حتمًا الإجابات".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كاتب أميركي: ترامب يدمر 100 عام من الميزة التنافسية الأميركية في 100 يوم
كاتب أميركي: ترامب يدمر 100 عام من الميزة التنافسية الأميركية في 100 يوم

الجزيرة

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

كاتب أميركي: ترامب يدمر 100 عام من الميزة التنافسية الأميركية في 100 يوم

يحذر الكاتب الأميركي فريد زكريا، في مقاله بصحيفة واشنطن بوست من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب قد دمرت خلال 100 يوم فقط، ما بناه الأميركيون في قرن كامل من المزايا التنافسية العلمية والابتكارية. ويشير زكريا إلى أن أخطر ما تفعله إدارة ترامب ليس الحرب التجارية مع الصين، بل الهجمات الممنهجة على الجامعات والتخفيضات الواسعة في تمويل البحث العلمي، الأمر الذي سيسمح للصين بالتفوق العالمي على الولايات المتحدة في المستقبل القريب. ويبدأ زكريا بالقول، إن الريادة العلمية الأميركية لم تكن أبدا أمرا طبيعيا أو مضمونا. ففي القرن 19 وأوائل القرن 20، كانت أميركا دولة تابعة علميا لأوروبا، حيث كانت ألمانيا تهيمن على جوائز نوبل في العلوم، تليها بريطانيا ، بينما كانت حصة الولايات المتحدة ضئيلة لا تتجاوز 6%. ووفقا للكاتب فإن التحول الأميركي يعود إلى ثلاث قوى رئيسية ساهمت في بناء قوتها العلمية. القوة الأولى، كانت الهجرة الجماعية للعقول العلمية الأوروبية، خاصة اليهود الذين فروا من اضطهاد النازية، وأسهموا لاحقا بتأسيس مؤسسات الأبحاث الأميركية. أما القوة الثانية، فتمثلت في الدمار الهائل الذي خلفته الحربان العالميتان في أوروبا وآسيا، مما ترك الولايات المتحدة في موقع الهيمنة الاقتصادية والعلمية، بينما كانت بقية القوى العظمى السابقة منهكة ومدمرة. أما القوة الثالثة فكانت القرار الإستراتيجي الأميركي بالاستثمار المكثف في البحث العلمي، حيث خصصت الحكومة الفدرالية نحو 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، مع نموذج يعتمد على دعم الجامعات العامة والخاصة دون التدخل في عملها، مما خلق بيئة من التنافس الحر والابتكار. عكس القوى الثلاث أما اليوم، كما يقول زكريا، يتم عكس هذه القوى الثلاث. إذ تقود إدارة ترامب حربا على الجامعات الأميركية، وتحجب عنها مليارات الدولارات من التمويل، وتضع ضغوطا سياسية متزايدة على المؤسسات العلمية، في الوقت الذي تخفض فيه الميزانيات المخصصة للأبحاث الفدرالية الحيوية. والنتيجة أن المؤسسات الرائدة، مثل المعاهد الوطنية للصحة والمؤسسة الوطنية للعلوم بدأت تفقد قدرتها على الابتكار. وفي هذه الأثناء، تصعد الصين بقوة في الساحة العلمية. فهي الآن تتفوق على الولايات المتحدة في العديد من المؤشرات الحيوية: إذ تحتل المركز الأول في عدد المقالات العلمية المنشورة في المجلات الرائدة، وفي طلبات براءات الاختراع المقدمة عالميا. كما ارتفع عدد الجامعات الصينية المصنفة ضمن أفضل 500 جامعة عالميا من 27 جامعة عام 2010 إلى 76 جامعة عام 2020، بينما شهدت الولايات المتحدة تراجعا من 154 جامعة إلى 133. والميزة الأخيرة التي كانت تتفوق بها أميركا -وهي جذب أفضل العقول من أنحاء العالم- أصبحت مهددة أيضا. يفضلون دولا أخرى فقد أدت سياسات الهجرة المتشددة إلى إلغاء مئات التأشيرات، وزادت القيود على الطلاب والباحثين الأجانب، مما دفع العديد منهم إلى الاتجاه إلى دول أخرى مثل كندا وأستراليا. وأضاف زكريا، أن 75% من الباحثين الذين شملهم استطلاع مجلة "نيتشر" قالوا "إنهم يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة". ويختتم زكريا مقاله بالتحذير من أن هذه اللبنات الأساسية لقوة أميركا يتم تدميرها بسرعة مقلقة، مما يهدد مكانتها العالمية التي تطلب بناؤها قرنا من الزمن.

علماء يجدون نصف "الهيدروجين المفقود" في الكون كله
علماء يجدون نصف "الهيدروجين المفقود" في الكون كله

الجزيرة

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

علماء يجدون نصف "الهيدروجين المفقود" في الكون كله

أعلن فريق من علماء الفلك بقيادة باحثين من جامعة كاليفورنيا بيركلي عن اكتشاف نصف غاز الهيدروجين المفقود في الكون، وهو إنجاز مهم في فهمنا لتوزيع المادة العادية في الكون.​ وحسب "لامدا سي دي إم"، وهو النموذج القياسي في علم الكونيات الحديث، فإن هذا الكون يتشكل من 5% تقريبا من المادة العادية (الباريونية)، تلك التي تشكل النجوم والمجرات والكواكب وما تحتويه، إلى جانب 95% تمثل ما تسمى المادة والطاقة المظلمتين. ويَفترض هذا النموذج أنه بعد الانفجار العظيم، تشكّل الهيدروجين كأبسط وأخف عنصر في الكون، وكان من المفترض أن يشكّل معظم المادة العادية. لكن عند قياس كمية الهيدروجين المرصودة في النجوم والمجرات حاليا، ومقارنتها بما يفترض أنه خرج من الانفجار العظيم، وجد العلماء أن هناك نقصا كبيرا، إذ لم يتمكنوا من حساب نحو نصف الكمية المتوقعة.​ البحث عن نصف الكون وحيرت هذه المادة المفقودة العلماء لسنوات، إذ لم تظهر في المسوحات التلسكوبية أو خرائط الإشعاع، لكن الأرصاد الجديدة -التي وثقها الباحثون في دراسة تخضع الآن لتحكيم الأقران في دورية "فيزكال ريفيو ليترز"- تشير إلى وجود هذه المادة كغاز هيدروجين متأين غير مرئي حول المجرات. وحسب الدراسة، أوضح الباحثون أن هذا الهيدروجين كان يصعب اكتشافه بسبب كثافته المنخفضة ودرجة حرارته العالية، مما جعله غير مرئي بالتقنيات التقليدية.​ وقد جاء هذا الاكتشاف من تجميع أكثر من مليون صورة لمجرات، حصل الباحثون عليها من أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة (ديسي) المثبتة في مرصد كيت بيك في الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب قياسات إضافية من تلسكوب أتاكاما لعلم الكونيات في شيلي. درس العلماء هذه الصور لرصد إشارات خافتة للغاية مما يسمى بـ"تأثير سونييف-زيلدوفيتش الحركي"، الذي يقيس التغيرات الطفيفة في درجة حرارة الإشعاع الكوني. ويوضح هذا التأثير أماكن تشتت الضوء الصادر من إشعاع الخلفية الكونية الميكروي بواسطة الإلكترونات الحرة في سحب الغاز العملاقة، هذا الضوء نشأ بعد 380 ألف سنة من الانفجار العظيم، ثم انطلق لينتشر في الكون كله، ويمكن للعلماء رصد التغيرات الدقيقة فيه. بين المجرات ومن خلال فحص تلك الصور، ضخّم العلماء إشارة هذا الإشعاع المشتت، الذي يُحدث تقلبات طفيفة في درجة حرارة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، مما يُشير إلى مكان سحب الغاز. في الواقع، فإن معظم المادة في الكون ليست في النجوم، بل في غاز الهيدروجين، الذي غالبا ما يكون متأينا وغير مرئي، وينتشر في خيوط كونية، وهي هياكل تشبه الشبكة تربط المجرات عبر مسافات شاسعة. وتُشكل هذه الخيوط ما يسمى "الوسط بين المجرات الدافئ-الحار"، الذي يعد ساخنا ورقيقا للغاية بحيث يصعب اكتشافه، والواقع أن هذه هي المرة الأولى التي يُقدّر فيها العلماء توزيع المادة في هذا الوسط بتلك الدقة. آمال بحثية ويُساعد العثور على المادة المفقودة في استكمال جرد العلماء للمادة العادية في الكون، الأمر الذي يحسن من فهم الوسط العلمي لتطور المجرات والبنية واسعة النطاق للفضاء، حيث عانت النماذج النظرية التي افتقرت إلى هذا المكون الغازي من تناقضات عديدة في السابق، والآن يُمكن إصلاحها. وكان علماء الفلك يعتقدون سابقا أن الثقوب السوداء العملاقة في مراكز المجرات تُطلق الغاز فقط في مراحلها النشطة المبكرة، ولكن الأرصاد الجديدة تشير إلى أن مصدر هذا الغاز قد يكون التغذية الراجعة الدورية، أي أن الثقوب السوداء العملاقة يمكن أن تنشط وتنطفئ في دورات، وقد وجدت الدراسة أن التغذية الراجعة أقوى وأطول مما أشارت إليه البيانات السابقة. ويعتقد الباحثون أن هذه النتائج تُعد خطوة مهمة في تحسين فهمنا لكيفية تطور المجرات والنجوم داخلها، وكيفية عمل الثقوب السوداء العملاقة، وقد تساعد هذه النتائج على فهم المادة المظلمة بشكل أفضل من خلال إزالة الشكوك حول المادة المرئية

"أولم" وكنيستها الأطول عالميا.. تحفة العمارة القوطية في ألمانيا
"أولم" وكنيستها الأطول عالميا.. تحفة العمارة القوطية في ألمانيا

الجزيرة

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • الجزيرة

"أولم" وكنيستها الأطول عالميا.. تحفة العمارة القوطية في ألمانيا

عند الحديث عن السياحة في ألمانيا فإن مدنا مثل العاصمة برلين أو ميونيخ ربما تأتي في الصدارة حيث أنها الأكثر شهرة في هذا المجال، كما أن مدينة كبرى أخرى مثل فرانكفورت تعد بمثابة عاصمة المال والأعمال في هذا البلد الأوروبي الكبير، غير أن بعض المدن الصغيرة في ألمانيا لا تخلو من معالم سياحية تستحق الزيارة، فمدينة أولم الواقعة جنوبي ألمانيا تضم معلما شديد الأهمية والتميز، سواء على الصعيد الأوروبي أو حتى العالمي. المعلم الرئيسي في أولم هو كنيستها العملاقة التي تحمل اسم "أولم مينستر"، وتعد أطول كنيسة في العالم، وأحد أبرز نماذج العمارة القوطية في أوروبا. أبرز المدن الأوروبية وإذا لم تكن قد سمعت عزيزي القارئ عن أولم، فأنت بالتأكيد تعرف أحد أبرز من أنجبتهم هذه المدينة وهو عالم الفيزياء الأشهر في العالم وصاحب نظرية النسبية ألبرت آينشتاين ، والذي ولد هناك عام 1879، وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 قبل أن يتوفى في نيوجيرسي بالولايات المتحدة عام 1955، ومن أكثر مناطق الجذب في أولم منزل آينشتاين وتعتبر أولم من أبرز المدن الأوروبية التي تجسّد بامتياز التناغم بين الأصالة التاريخية والحداثة المعاصرة، وتقع هذه المدينة الساحرة في ولاية بادن-فورتمبيرغ على ضفاف نهر الدانوب العريق، حيث تشكل نقطة التقاء بين التاريخ والحاضر الزاخر بالحيوية والنشاط. تحفة تتحدى الزمن تُشكّل كنيسة أولم مينستر تحفة معمارية فريدة من نوعها، حيث بدأ بناؤها عام 1377 في العصور الوسطى، لكنها استغرقت أكثر من خمسة قرون كاملة حتى يكتمل بناؤها، حيث وُضع حجرها الأخير عام 1890، لتصبح صرحا شهيرا يمثل نموذجاً رائعا للصبر والعزيمة. تتميز الكنيسة بعدة خصائص تجعلها تحفة معمارية نادرة ومنها: البرج الشاهق: يبلغ ارتفاع البرج الرئيسي 161.53 متراً، مما يجعله أعلى برج كنيسة في العالم بأسره. يمكن للزوار المغامرين صعود 768 درجة للوصول إلى قمة البرج، حيث ينتظرهم مشهد بانورامي سحري للمدينة بأكملها، ونهر الدانوب المتعرج. العمارة القوطية: والمقصود بذلك هو طراز معماري ازدهر في أوروبا خلال العصور الوسطى خصوصا بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر. وتتبدى روعة الفن القوطي في كل زاوية من زوايا الكنيسة، من خلال تصميمها الرشيق الذي يضم أقواساً مدببة شاهقة، ونوافذ زجاجية ملونة ضخمة تصور مشاهد دينية بإتقان فني مذهل. الأجراس التاريخية: تضم الكنيسة مجموعة نادرة من عشرة أجراس تاريخية، يأتي في مقدمتها الجرس العملاق "جلوكلين" الذي يزن خمسة أطنان ونصف الطن، ويعد من أكبر الأجراس في أوروبا. الكنيسة كرمز للهوية شهدت الكنيسة تحولات تاريخية كبيرة، حيث بُنيت في الأصل كرمز لقوة الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى، لكنها تحولت إلى كنيسة بروتستانتية بعد حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر. وفي عصرنا الحالي، لم تعد الكنيسة مجرد مكان للعبادة، بل تحولت إلى رمز ثقافي وحضاري وسياحي يجسد عراقة أولم وهويتها. ماذا يوجد بالمدينة رغم الشهرة العالمية لكنيسة أولم مينستر، فإن المدينة تقدم لزوارها العديد من المعالم والأنشطة التي تستحق الاكتشاف، ومنها ما يلي: إعلان المدينة القديمة: تحتفظ بسحر العصور الوسطى من خلال شوارعها المرصوفة بالحصى وبيوتها الملونة ذات الواجهات المزخرفة، والتي تحكي قصصا من الماضي العريق. جسر الدانوب: وهو أحد أجمل الجسور في المدينة ويتيح لمرتاديه مناظر بديعة على نهر الدانوب والمنطقة المحيطة به. نهر الدانوب: يشق المدينة ويقسمها إلى نصفين، مكوناً مشهداً طبيعياً خلاباً، ويوفر فرصاً رائعة للتنزه سيراً على الأقدام أو عبر رحلات بالقوارب النهرية، أو مجرد الاستلقاء والاسترخاء والاستماع إلى تغريد الطيور وخرير النهر. متحف الخبز: وهو المتحف الوحيد من نوعه في العالم الذي يروي قصة الخبز منذ العصر الحجري حتى يومنا هذا، عبر عرض تفاعلي شيق. البرج المنحني: يوجد في المدينة القديمة قابل نهر الدانوب وسط العديد من المنازل القديمة ونصف الخشبية. ويبلغ ارتفاع البرج 36 متراً، ويعود تاريخ بنائه إلى عام 1349. السوق المحلي: يضم المأكولات المحلية والمنتجات الطازجة، ويقام في البلدة العتيقة، وتجد فيه سلع مثل الجبن والحلويات المحلية والفواكه. دار المدينة: مبنى قريب من كنيسة أولم، وتحتضن الدار مجموعة من الأنشطة الفنية مثل المعارض والحفلات، ويجسد وجود الدار بمعمارها العصري إلى جانب الكنيسة التاريخية مثالا بارزا للجمع بين التقاليد والتاريخ والتطلع للمستقبل. المكانة والتنقل تعد أولم أحد المراكز الإدارية في ولاية بادن-فورتمبيرغ، كما أنها أكبر مدينة في منطقة بوبنغن، وتوجد أولم بين مدينتين كبيرتين هما شتوتغارت وميونيخ، كما أنها لا تبتعد كثيرا عن فرانكفورت، أكبر مركز مالي في ألمانيا. المسافة من أولم إلى شتوتغارت (شمال غرب) نحو 90 كيلومترا تقطعها السيارة أو القطار في نحو الساعة، وتصل المسافة من أولم إلى ميونيخ (شرقا) نحو 150 كيلومترا، ويمكن الوصول إليها في ساعة وثلث الساعة بالقطار السريع، وتزيد المدة إلى ساعتين إلا ربعا بالسيارة. والمسافة من أولم إلى فرانكفورت (شمالا) نحو 290 كيلومترا، يقطعها القطار في نحو ساعتين ونصف الساعة، وبالسيارة تتجاوز مدة الساعات الثلاث بقليل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store