
ذكرى أول بث للتفلزيون المصري.. حين تكلمت مصر بالصوت والصورة
في تمام الساعة السابعة مساء، ظهرت أول صورة بالأبيض والأسود على شاشة التلفزيون المصري، من قلب مبنى ماسبيرو، الواقع على ضفاف نهر النيل وسط القاهرة، وسمى بذلك تيمنا بعالم الآثار الفرنسي الشهير "جاستون ماسبيرو"، تقديرا لإسهاماته في توثيق الحضارة المصرية القديمة.
بدأ البث - والذي استمر 6 ساعات يوميا - بتلاوة آيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي، ثم كلمة المذيع صلاح زكي ليعلن بداية بث التلفزيون المصري بعبارته الشهيرة: "اليوم أعلن مولد التلفزيون العربي من القاهرة"، وتوالت الفقرات بعرض حفل افتتاح مجلس الأمة، وخطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومشاهد من احتفالات الثورة، والنشيد الوطني، ثم نشرة الأخبار وختام بالقرآن الكريم.
انطلقت فكرة تأسيس التلفزيون المصري رسميا عام 1954، حين تقدم الصاغ صلاح سالم بمقترح إلى الرئيس جمال عبدالناصر لإنشاء محطة إذاعية وتلفزيونية تقام على جبل المقطم، وفي عام 1959 بدأ العمل الفعلي، وفي 21 يوليو 1960 انطلقت أولى إشارات البث من مبنى ماسبيرو المقام على 12 ألف متر مربع، في إطار سعي الدولة لتحديث أدوات الخطاب الجماهيري وتوظيف الإعلام كقوة ناعمة تعزز الهوية وتواكب تحولات العصر.
رغم ندرة الوثائق المصورة من لحظة الانطلاق، فإن شهادات العاملين الأوائل، وما وثقته بعض الأفلام التسجيلية، ترسم صورة دقيقة للغرفة التي شهدت ميلاد التلفزيون المصري، والتي كانت عبارة عن مساحة ضيقة نسبيا، جهزت بعناية هندسية، بجدران مزدوجة العزل، مبطنة بطبقتين من الصوف الزجاجي، لضمان نقاء الصوت ومنع تسرب الذبذبات، وضمت أول طاولة تحكم خشبية ضخمة، جلس خلفها فنيو الصوت يرتدون سترات ثقيلة لمقاومة الحرارة المنبعثة من أجهزة البث البدائية، ووضع أول ميكروفون رسمي يحمل شعار التلفزيون المصري في زاوية الغرفة إلى جانب كاميرا ثابتة ضخمة بعدسة واحدة، كانت تنقل الصورة إلى ملايين المشاهدين المنتظرين أمام شاشات قليلة العدد، لكنها ممتلئة بالشغف.
تولى الدكتور ثروت عكاشة، وزير الإرشاد القومي آنذاك، مسؤولية الإشراف على انطلاقة المشروع، بمشاركة نخبة من الكفاءات الإعلامية والتقنية التي أدركت أهمية هذا التحول الجذري، ومع مرور عام واحد فقط من البث الرسمي، ارتفعت ساعات الإرسال إلى 13 ساعة يوميا، ثم انطلقت القناة الثانية في عام (1961)، والقناة الثالثة في عام (1962)، ليصل إجمالي ساعات البث إلى نحو 30 ساعة يوميًا.
وعقب انتصار حرب أكتوبر1973، تم تطوير البث إلى الألوان عبر نظام "سيكام" في 1976، ثم تحول إلى نظام "بال" في 1992.. وفي الثمانينات بدأت اطلاق القنوات الإقليمية بمختلف المحافظات، مثل قناة القاهرة الكبرى تغطي "القاهرة، الجيزة والقليوبية" في عام (1985)، قناة إقليم قناة السويس تغطي "الإسماعيلية، السويس، بورسعيد والشرقية" عام (1988)، وقناة الإسكندرية تخاطب "الإسكندرية والبحيرة ومطروح" عام (1990) وغيرها، ثم انطلقت القناة الفضائية المصرية الأولى في ديسمبر (1990)، كأول فضائية عربية حكومية، تلتها قناة النيل الدولية عام (1993).
وفي أكتوبر 1994، بدأ البث الفضائي الدولي عبر قناة "النيل تي في"، والتي تعد أول قناة فضائية مصرية تبث برامجها باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وذلك في إطار اهتمام مصر بحوار الحضارات بين الشعوب وتعزيز التواصل مع الجمهور الدولي وتعريفهم بالثقافة المصرية.
وقد شهد التلفزيون المصري صعود نخبة من الإعلاميين الذين باتوا جزءا من ذاكرة المشاهد، منهم فوزية العباسي منذ بداية البث عام 1960 والتي قدمت برامج "عشرون سؤالا"، "للكبار فقط" و"كلمة في سهرة" الذي استمر 7 سنوات، ليلى طاهر التي بدأت كمقدمة برامج قبل دخولها عالم التمثيل وقدمت "مجلة التلفزيون" لسنوات طويلة بالإضافة إلى مجموعة من برامج المنوعات، وحمدي قنديل الذي ترك بصمته عبر برنامجي "أقوال الصحف" في الستينيات و"رئيس التحرير" الشهير عام 1998، كما برز عبداللطيف المناوي في قيادة مركز أخبار مصر بين (2001 - 2011)، مقدما برامج تحليلية متعمقة مثل "رأي ثالث" و"طبعة خاصة".
وتعاقب على رئاسة التلفزيون عدد من الشخصيات المؤثرة منذ الانطلاق، أبرزهم محمد أمين حماد، عبدالرحيم سرور، وتماضر توفيق أول سيدة تقود التلفزيون والمعروفة بدورها في التحديث الإعلامي، ثم تبعتها همت مصطفى أول مذيعة تقرأ النشرة الإخبارية وترأست التلفزيون لفترة قصيرة.
وكانت صفاء حجازي آخر من شغل منصب رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون قبل تحويله إلى الهيئة الوطنية للإعلام عام 2016، وهي الجهة التي تتولى حاليا الإشراف على شبكة التلفزيون المصري وقنواته الوطنية والإقليمية والفضائية.
في عام 1962 أذيع أول مسلسل تلفزيوني بعنوان "هارب من الأيام" بطولة عبدالله غيث، توفيق الدقن، مديحة سالم وحسين رياض، وحقق نجاحا كبيرا وشهرة واسعة وقت عرضه، تبعه إنتاج مسلسلات تاريخية ووطنية ودرامية شهيرة مثل "ليالي الحلمية" و"رأفت الهجان" وغيرها التي أصبحت جزءا من الهوية الثقافية المصرية.
وفي كل عام، يحتفى بذكرى انطلاق البث الرسمي للتلفزيون المصري من خلال استعادة ذكريات أول بث، واستعراض محطات تطوره وتاريخه وعرض برامج خاصة تتناول هذا الحدث الفاصل في مسيرة الإعلام المصري، وتقوم الهيئة الوطنية للإعلام بمناسبة هذا اليوم بتقديم برامج خاصة، وعروض وثائقية تعرض على القنوات الرسمية، إلى جانب تكريم بعض رموز الإعلام المصري، وإعادة بث لقطات أرشيفية من سنوات الانطلاق الأولى.
وعلى مدار العقود الماضية، لعب التلفزيون المصري دورًا محوريًا في تشكيل وعي المجتمع، وشارك في توثيق لحظات فارقة في التاريخ الوطني من النكسة إلى النصر، ومن حكم الرئيس جمال عبدالناصر إلى مراحل التحول السياسي والاقتصادي التي شهدتها البلاد، وستظل لحظة انطلاق أول بث تلفزيوني مصري محفورة في ذاكرة الإعلام الوطني، شاهدة على بداية مسيرة طويلة من الريادة والرسالة، أضاءت خلالها شاشة ماسبيرو ملايين البيوت، واحتضنت حكاية وطن بأكمله، لتصبح مرآة للمجتمع وصوتا الناس.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مصراوي
منذ 11 ساعات
- مصراوي
ابنة الفنان سيد زيان تروي لحظات مؤثرة عن مرض والدها: فقد النطق قبل وفاته
كتب- مروان الطيب: حلت إيمان ابنة الفنان الراحل سيد زيان ضيفة على برنامج "الستات" المعروض على قناة النهار، وتحدثت عن ذكرياتها مع والدها، وعلاقته بنجوم الوسط الفني، إلى جانب تفاصيل أيامه الأخيرة قبل رحيله. وعن فترة مرض الراحل سيد زيان قالت: "كان فاقد النطق في آخر أيامه، وماكانش يقدر يخش في حوار معاكي، لكن كنا نقوله آية من القرآن الكريم كان يكمل الآية كلها، وهو كان بيصور مسلسل وكان خلاص خلص تصوير آخر مشهد، وكان عايش في إسكندرية وقتها وراح على شقته وهو بيتعشى بالليل مكانش قادر يشيل دراعه ودخل نام، وعلى الفجر دراعه تقل أكتر وبعدها لسانه تقل، وكانت جلطة وبعدها أثرت على الرجل". رحل الفنان سيد زيان عن عالمنا في 13 أبريل 2016، تاركا إرثا فنيا كبيرا، وأكثر من 200 عمل فني ما بين السينما والمسرح والدراما التليفزيونية.


مصراوي
منذ 11 ساعات
- مصراوي
ابنة سيد زيان: فقد النطق بسبب الجلطة
حلت إيمان ابنة الفنان الراحل سيد زيان ضيفة على برنامج "الستات" المعروض على قناة النهار، وتحدثت عن ذكرياتها مع والدها، وعلاقته بنجوم الوسط الفني، إلى جانب تفاصيل أيامه الأخيرة قبل رحيله. وعن فترة مرض الراحل سيد زيان قالت: "كان فاقد النطق في آخر أيامه، وماكانش يقدر يخش في حوار معاكي، لكن كنا نقوله آية من القرآن الكريم كان يكمل الآية كلها، وهو كان بيصور مسلسل وكان خلاص خلص تصوير آخر مشهد، وكان عايش في إسكندرية وقتها وراح على شقته وهو بيتعشى بالليل مكانش قادر يشيل دراعه ودخل نام، وعلى الفجر دراعه تقل أكتر وبعدها لسانه تقل، وكانت جلطة وبعدها أثرت على الرجل". رحل الفنان سيد زيان عن عالمنا في 13 أبريل 2016، تاركا إرثا فنيا كبيرا، وأكثر من 200 عمل فني ما بين السينما والمسرح والدراما التليفزيونية.


بوابة ماسبيرو
منذ 15 ساعات
- بوابة ماسبيرو
محمود التميمي يسلط الضوء على تاريخ ماسبيرو ودوره في الإعلام المصري
قدم الكاتب والباحث في التراث محمود التميمي لمحة تاريخية شاملة عن مبنى ماسبيرو، مؤكدًا أهميته ودوره المحوري في الإعلام المصري على مدار عقود، قائلا إن ماسبيرو صرح إعلامي عريق وتاريخ حافل، وذلك فى إطار الاحتفال بمرور 65 عامًا على تأسيسه. كما أكد التميمي أن ماسبيرو يُعد صرحًا إعلاميًا رائدًا له تاريخ وقيمة كبيرة في وجدان كل مصري، مشيرا خلال حواره ل برنامج ( صباح الخير يا مصر) إلى أن ماسبيرو كان بمثابة نافذة مصر على العالم وصوتها السبّاق في مجال الإعلام، بدءا من النجاح الباهر الذى حققته الإذاعة المصرية حيث تأسست في 31 مايو 1934، وكانت تجميعًا للإذاعات المحلية المنتشرة آنذاك . وأوضح أن الحاجة إلى إذاعة رسمية برزت بعد استخدام بعض الإذاعات المحلية لأغراض تجارية أو مشبوهة ، وبدأ أول بث للإذاعة المصرية بصوت أحمد سالم، ثم آيات من القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت، وتلاها عمالقة الطرب مثل أم كلثوم وعبد الوهاب ، واستلهمت الإذاعة المصرية فكرة بدء يومها بالقرآن الكريم من عادة البيوت المصرية في الثلاثينات . وأشار إلى محاولات سابقة لإنشاء التلفزيون في مصر تعود إلى أواخر الأربعينات بعد ثورة 23 يوليو، حيث تقدم صلاح سالم بمشروع إنشاء التلفزيون في عام 1956 وصمم المهندس المصري جلال مؤمن مبنى ماسبيرو، بعد نصيحة من مهندس فرنسي ، وأوضح أن التصميم الدائري للمبنى له أسباب هندسية وفنية تتعلق بتردد الصوت وصدى الصوت، فتم بناء المبنى في 10 أشهر فقط، بتكلفة 108 آلاف جنيه عام 1960، وكان أحدث مبنى تلفزيوني في العالم وقت افتتاحه . كما شارك التميمي ذكرياته الشخصية مع ماسبيرو، بدءًا من عمله في برنامج "البيت بيتك" عام 2004 ، وعبر عن انبهاره بتاريخ المبنى والاستوديوهات التي شهدت تصوير أعمال فنية وتلفزيونية شهيرة ، وتحدث عن الدور الوطني لمبنى ماسبيرو ، خاصة خلال حرب أكتوبر ، وروى قصة إصرار الفنانة وردة والملحن بليغ حمدي على تسجيل أغنية وطنية بعد ساعات من العبور ، وأكد أن ماسبيرو كان الملاذ للفنانين ليوصلوا صوتهم إلى مصر والعالم ،ووصف ماسبيرو بأنه معلم من معالم المدينة، وأن علاقته بالمصريين متداخلة . وأعلن التميمي عن تأليفه كتابًا عن الفنان أحمد نبيل، رائد البانتومايم، والذي صدر عن مهرجان المسرح المصري ، وأشار إلى أن أحمد نبيل عرفه العالم من خلال برنامج "أضواء المسرح" الذي بدأ في ماسبيرو عام 1962 . يذاع برنامج ( صباح الخير يا مصر) يومياً على شاشة القناة الأولى المصرية في تمام الساعة السابعة صباحاً.