
تدمير الأراضي الزراعية وتأثيره على الأمن الغذائي في غزة
أظهر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة لتحليل صور الأقمار الاصطناعية أن ما يقرب من 81% من الأراضي الصالحة للزراعة في قطاع غزة شهدت انخفاضا عاليا في صحة وكثافة المحاصيل الزراعية.
المصدر : الجزيرة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 16 ساعات
- الجزيرة
ما سر ظهور وانتشار "البرك الوردية" في البحر الميت؟
يشهد البحر الميت، في الجهة الغربية من الأردن، تغيرات بيئية متسارعة تُعد من أبرز مظاهر التحولات المناخية والجيولوجية في المنطقة. ومن أبرز هذه التغيرات ظهور برك مائية ذات لون وردي غير معتاد على أطرافه، مما أضفى على هذا الموقع الطبيعي طابعا بصريا مدهشا، لكنه يعكس في جوهره تحولات بيئية معقدة. يرتبط هذا التغير بتراجع منسوب المياه وتشكل برك مائية تُعرف باسم الحفر الهابطة أو الانهدامية، إلى جانب تأثيرات التدخلات البشرية والمناخية. وقد كشفت دراسة علمية حديثة أجرتها الجمعية العلمية الملكية في الأردن أن اللون الوردي الظاهر في بعض البرك ناجم عن نشاط ميكروبي غير مألوف في هذه البيئة الفريدة. ظاهرة بصرية مذهلة توصل الفريق البحثي من الجمعية العلمية الملكية إلى أن الكائنات الدقيقة المحبة للملوحة، مثل الأركيا، هي المسؤولة عن هذه الظاهرة، إذ تنتج صبغات كاروتينية تُعرف باسم "باكتيريوروبيرين" تمنح المياه لونها الوردي. تنشط هذه الكائنات في هذه الحفر الهابطة التي تتشكل عند اختلاط المياه المالحة بالمياه الجوفية أو مياه الأمطار، مما يؤدي إلى خفض تركيز الملوحة وخلق بيئة ملائمة لتكاثرها. تلعب هذه الصبغات دورا بيولوجيا أساسيا في حماية الكائنات الدقيقة من الإشعاع الشمسي، مما يسمح لها بالتأقلم والاستمرار في ظروف بيئية قاسية. ويؤكد الباحثون أن هذا النشاط الميكروبي يقدم نموذجا فريدا لدراسة التفاعل بين الحياة المجهرية وتغيرات البيئة المالحة. يشرح الدكتور المؤيد خليل السيد، مدير مركز المياه والبيئة والتغير المناخي في الجمعية في تصريحات للجزيرة نت، أن الظاهرة التي عملت عليها الدراسة "ليست نتيجة لأكاسيد المعادن أو الطحالب كما يُشاع في بعض التفسيرات العلمية، بل تعود بشكل رئيسي إلى الكائنات البكتيرية الدقيقة المحبة للملوحة". ومع تكرار هذه الظاهرة في مواسم متعددة ومواقع مختلفة حول البحر الميت، يؤكد السيد وهو أحد معدي الدراسة، على الحاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد العوامل البيئية الدقيقة المؤثرة، وفهم أعمق لهذا التحول النادر في نظام بيئي يتغير بسرعة. ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الكائنات الدقيقة موجودة أصلا في مياه البحر الميت لكن بنسب منخفضة ونشاط قليل، إلا أن التغير في تركيز الأملاح لمياه الحفر الانهدامية نتيجة مياه الأمطار والمياه الجوفية يوفر بيئة مناسبة لهذه الكائنات الدقيقة بالإضافة إلى تغيرات الإشعاع الشمسي بالمنطقة الذي يعمل على تحفيز إنتاج الصبغة في هذه الكائنات لحماية نفسها من هذه الظروف القاسية. تدهور النظام البيئي للبحر الميت يُعزى ظهور البرك الوردية في محيط البحر الميت إلى عدة أسباب من ضمنها تراجع المستمر في منسوب مياهه، وهو ما أدى إلى تشكّل ما يُعرف بالحفر الهابطة نتيجة تسرب المياه العذبة إلى الطبقات الجيولوجية الغنية بالأملاح. تعمل هذه المياه على إذابة الرواسب الملحية، مما يؤدي إلى انهيار الأرض وتكوّن الفراغات المائية. وتشير الدراسة إلى أن هذه التحولات الجيولوجية ترتبط ارتباطا مباشرا بالاضطرابات البيئية المتسارعة في المنطقة. وتشير الدراسة إلى أن هذه الحفر تشكّل أكثر من مجرد ظاهرة بصرية مثيرة، بل تمثل "مختبرا بيئيا طبيعيا" فريدا يتيح دراسة تأثير التغيرات في الملوحة وكيمياء المياه على الحياة الدقيقة. ويسهم هذا الفهم في تقديم رؤى مهمة حول مستقبل النظام البيئي للبحر الميت، الذي يواجه تحديات جسيمة بفعل التغيرات المناخية والتدخلات البشرية المستمرة. وفي هذا السياق، يُشير الدكتور المؤيد السيد، إلى أن البرك الانهدامية المنتشرة في المنطقة تُعد مؤشرا مباشرا على تدهور النظام البيئي، ويرجع السبب الرئيسي لظهورها إلى الانخفاض الحاد في تدفق المياه إلى البحر الميت، لا سيما بعد تحويل جزء كبير من مجرى نهر الأردن -المصدر الرئيسي لتغذيته- من قبل الاحتلال الإسرائيلي، مما أسهم في تراجع مستمر لمستوى المياه. وفي جانب آخر، يوضح الدكتور ضياء الصفدي، مدير مركز البحوث الصناعية في الجمعية العلمية الملكية، في تصريحات للجزيرة نت أن الأنشطة الصناعية، وخصوصا تلك المتعلقة بإنتاج المعادن، فاقمت من تدهور الوضع البيئي من خلال ضخ كميات كبيرة من مياه البحر إلى برك تبخير صناعية. ويضيف الصفدي، في حديثه للجزيرة نت، أن مستوى سطح البحر الميت ينخفض بمعدل سنوي يُقدّر بحوالي 1.1 متر نتيجة لنقص الإمدادات المائية وتزايد عمليات السحب الصناعي. وقد أدى هذا الانخفاض إلى انكشاف مساحات واسعة ذات تراكيب جيولوجية هشة، تحتوي على تركيزات مرتفعة من الأملاح وطبقات الجبسوم، ما يجعلها عرضة للانهيار عند تفاعلها مع المياه الجوفية وتغيرات المناخ والعوامل الهيدرولوجية. ويُتابع الصفدي، وهو من معدي الدراسة، أن هذه البرك تمتلئ بمزيج من المياه الجوفية، ومياه الجريان السطحي، ومياه البحر الميت، مما يُنتج نظاما مائيا جديدا بتركيبة كيميائية مختلفة وملوحة أقل، تتيح بيئة مناسبة لنمو أنواع جديدة ومتنوعة من الكائنات الدقيقة. ويؤكد الصفدي أن هذه البرك تُعد ملاذا مؤقتا للكائنات الدقيقة المحبة للملوحة، التي لا يمكنها عادة البقاء في بيئة البحر الميت ذات التركيز الملحي المرتفع، الذي يتجاوز 320 غراما لكل لتر. إلا أن تخفيف الملوحة بفعل اختلاط مياه الأمطار أو المياه الجوفية في هذه البرك يخلق بيئة أكثر ملاءمة تسمح بازدهار هذه الكائنات، مما يؤدي إلى تفاعل بيولوجي يُفضي إلى تغير لون المياه إلى اللون الوردي. بين الظهور والاختفاء لا تُعد البرك الزهرية في محيط البحر الميت ظواهر دائمة أو مستقرة. فهي نتاج ظروف بيئية متغيرة، تتيح في بعض اللحظات فقط ازدهار الكائنات الدقيقة المحبة للملوحة التي تلوّن المياه باللون الوردي. يعكس ظهور هذه البرك واختفائها تفاعلا معقدا مما يجعلها بيئات مؤقتة تختزن فرصا علمية نادرة لدراسة تكيف الحياة الميكروبية في وجه التقلبات البيئية الحادة، بحسب معدي التقرير. في مراحلها الأولى، تكون ملوحة هذه البرك أقل من البحر الميت، مما يسمح بنمو الكائنات الدقيقة المحبة للملوحة التي تنتج الصبغات الوردية. ومع مرور الوقت، تتعرض هذه البرك لمعدلات تبخر مرتفعة بسبب الحرارة والجفاف الشديد، مما يزيد من ملوحتها إلى مستويات لا تتحملها الكائنات الدقيقة، فتتراجع أو تختفي. وهذا يفسر ظهور اللون الوردي في بعض البرك دون غيرها، بل ويُفسر اختفاءه أحيانا. كما قد تنهار بعض البرك أو تجف تماما خلال أشهر أو سنوات، مما يعني اختفاء الكائنات الدقيقة فيها. لذا، لا تشكّل هذه البرك أنظمة بيئية مستقرة، بل فرصا مؤقتة لدراسة التكيف الميكروبي مع التغيرات البيئية الحادة، وقد تطول فترتها فقط إذا توفرت مصادر دائمة للمياه الخفيفة الملوحة، وفقا للباحثين الدكتور ضياء الصفدي والدكتور المؤيد السيد. مستقبل البحر الميت بعيدا عن مظهرها اللافت، قد تكون لهذه الكائنات الدقيقة تطبيقات عملية في العلوم والصناعة، إذ تشير الدراسة إلى أن الصبغات الكاروتينية التي يتم إنتاجها ذات قيمة عالية نظرا لخصائصها المضادة للأكسدة، مما يجعلها محل اهتمام لصناعات الغذاء والتجميل والأدوية. ويقوم الباحثون في الجمعية العلمية الملكية حاليا بدراسة إمكانات استخدامها في مستحضرات العناية بالبشرة، والإضافات الغذائية، والمكملات الصحية. تُبرز هذه الظاهرة الحاجة الملحة لحماية النظام البيئي الهش للبحر الميت، إذ يحذر الباحثان من أن التدخل البشري، وتحويل المياه العذبة، وتغير المناخ يعيد تشكيل هذا المشهد الفريد بسرعة أكبر مما يمكننا فهمه بالكامل. لكن التهديد الأكبر للبحر الميت ليس مجرد تغير المناخ إنما أزمة المياه المستمرة في المنطقة. فقد تم تقليل نهر الأردن، الذي كان يعتبر شريان الحياة له، بشكل كبير بسبب بناء السدود، والاستخدام المفرط، والمصالح المتنافسة. هذه ليست مجرد قضية بيئية فقد أصبحت واقعا سياسيا. لقد كانت ندرة المياه في المنطقة مصدرا للتوتر لفترة طويلة، ويعتبر البحر الميت من أكثر ضحاياها وضوحا، وفقا للدراسة. في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تصل ندرة المياه إلى مستويات حرجة، ويزيد تغير المناخ من حدة الجفاف، ويقلل من هطول الأمطار، ويرفع درجات الحرارة، مما يجعل موارد المياه المحدودة أصلا أكثر ندرة. وتحذر الدراسة من أن عدم اتخاذ إجراءات سيؤدي إلى استمرار انكماش البحر الميت، مما يسرع من تشكيل الحفر الأرضية ويغير توازنه البيئي بشكل دائم، وتقدم الأبحاث العلمية أدلة واضحة حول ما يجب القيام به، لكن الحل لا يكمن في العلوم وحدها، فمستقبل البحر الميت يعتمد على قرار سياسي، ويتطلب استعادة إمدادات المياه الخاصة به تعاونا إقليميا جادا.


الجزيرة
منذ 19 ساعات
- الجزيرة
نظرة علمية من الفضاء على الإبادة الزراعية في غزة
في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، تكشف دراسة حديثة عن الآثار المدمرة التي لحقت بالقطاع الزراعي في غزة، الذي يُعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة، توصل الباحثون في دراسة حديثة منشورة في دورية "ساينس أوف ريموت سينسنج" إلى أن ما بين 64% إلى 70% من حقول المحاصيل الشجرية، و58% من البيوت البلاستيكية (الدفيئات الزراعية التي تحفظ درجة حرارة محددة للمزروعات)، قد تعرضت للتدمير بحلول سبتمبر/أيلول 2024. هذه النتائج تُظهر حجم الكارثة التي ألمت بقطاع غزة، والتي ستترك آثارًا طويلة الأمد على الأمن الغذائي والقدرة الاقتصادية للسكان. ويقول هي ين، الأستاذ المساعد في قسم الجغرافيا، ورئيس مختبر الاستشعار عن بعد وعلوم الأرض بجامعة ولاية "كنت" الأميركية، والمؤلف الرئيسي في الدراسة في تصريحات حصلت عليها الجزيرة نت: "يُظهر تقييمنا معدلًا مرتفعًا للغاية من الأضرار المباشرة والواسعة النطاق التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة، سواءً مقارنةً بالتصعيدات السابقة هناك في عامي 2014 و2021، أو في سياق تصعيدات أخرى" ويضيف "على سبيل المثال، خلال حرب يوليو وأغسطس عام 2014، تضررت حوالي 1200 دفيئة زراعية في غزة. وهذه المرة، تضرر ما لا يقل عن ثلاثة أضعاف هذا العدد." أقمار ترصد الكارثة! ويقول ين: "على مدار الأشهر السبعة عشر الماضية، قمنا بتحليل صور الأقمار الصناعية في أنحاء قطاع غزة لتحديد حجم الدمار الزراعي في المنطقة. ويكشف بحثنا المنشور حديثًا ليس فقط عن النطاق الواسع لهذا الدمار، بل أيضًا عن الوتيرة غير المسبوقة المحتملة التي حدث بها. يغطي عملنا الفترة حتى سبتمبر 2024، ولكن تتوفر أيضًا بيانات إضافية حتى يناير 2025." اعتمدت الدراسة على تحليل صور الأقمار الصناعية من نوع "بلانيت سكوب" و"سكاي سات"، والتي توفر دقة تصل إلى 50 سم، مما مكن الباحثين من مراقبة التغيرات في الأراضي الزراعية بدقة عالية. تم استخدام نماذج تعلم آلي لرسم خرائط مفصلة للأراضي الزراعية قبل الحرب وتقييم الأضرار التي لحقت بها خلال السنة الأولى من الحرب على غزة. يضيف ين: "قبل الحرب، كانت الطماطم والفلفل والخيار والفراولة تُزرع في الحقول المفتوحة والبيوت البلاستيكية، وكانت أشجار الزيتون والحمضيات تصطف على طول صفوفها في أنحاء غزة. وتُعد هذه الأشجار تحديدًا تراثًا ثقافيًا مهمًا في المنطقة، وكانت الزراعة جزءًا حيويًا من اقتصاد غزة. كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك هناك يُنتج في القطاع نفسه، وكان الغذاء يُشكل نسبة مماثلة من صادراته." وفقًا للدراسة، غطت المحاصيل الشجرية، مثل الزيتون والحمضيات، حوالي 23% من مساحة قطاع غزة قبل الحرب، أي ما يعادل 8242 هكتارًا. ومع نهاية سبتمبر/أيلول 2024، تضرر ما بين 5305 إلى 5795 هكتارًا من هذه المحاصيل، مع تفاوت كبير بين المحافظات. وقد شهدت مدينة غزة أعلى نسبة تدمير، حيث تضرر أكثر من 90% من المحاصيل الشجرية، تليها محافظة شمال غزة بنسبة 73%. في المقابل، كانت محافظة رفح الأقل تضررًا بنسبة 42%. دفيئات زراعية مدمرة احتوى القطاع على قرابة 7219 دفيئة زراعية قبل الحرب، معظمها يتركز في المناطق الجنوبية والوسطى من القطاع. بحلول سبتمبر 2024، تضررت 58% من هذه الدفيئات، مع تدمير كامل للدفيئات في مدينة غزة وشمال غزة بحلول نهاية عام 2023. بدأ الفريق عمله بتحديد محاصيل الأشجار المتضررة وغير المتضررة بصريًا لتدريب نموذج التعلم الآلي، حتى يتمكن من تحديد ما يبحث عنه. وبعد تشغيل النموذج على جميع بيانات الأقمار الصناعية، راجع الفريق عينة من النتائج للتأكد من دقتها. نظرًا للتباين الكبير في صور الدفيئات الزراعية عبر الأقمار الصناعية، استخدم الفريق طريقة منفصلة لرسم خريطة للأضرار التي لحقت بها. وجد الباحثون أن أكثر من 4 آلاف دفيئة زراعية قد تضررت بحلول سبتمبر/أيلول 2024، وهو ما يمثل أكثر من 55% من إجمالي الدفيئات الزراعية المرصودة قبل الحرب. يضيف ين "في جنوب القطاع، حيث وُجدت معظم الدفيئات الزراعية، كان الدمار مُستمرًا نسبيًا من ديسمبر 2023 فصاعدًا. ولكن في شمال غزة ومدينة غزة، وهما أقصى محافظتين شماليتين من بين المحافظات الخمس في القطاع، كان معظم الضرر قد وقع بالفعل بحلول نوفمبر وديسمبر 2023. وبنهاية فترة دراستنا، كانت جميع الدفيئات الزراعية قد دُمرت." أمن غذائي كارثي تشير الدراسة إلى أن الدمار الذي لحق بالقطاع الزراعي في غزة له تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي للسكان، الذين يعتمدون بشكل كبير على الإنتاج المحلي لتلبية احتياجاتهم الغذائية. قبل الحرب، كان حوالي نصف الطعام الذي يُستهلك في غزة يُنتج محليًا، وكانت الزراعة تشكل جزءًا حيويًا من الاقتصاد المحلي. يجدر بالذكر أن الهجمات على الأراضي الزراعية محظورة بموجب القانون الدولي. إذ يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الاستخدام المتعمد لتجويع المدنيين من خلال (حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم) بأنه جريمة حرب. كما تُعرّف اتفاقيات جنيف هذه المواد التي لا غنى عنها بأنها (المواد الغذائية، والمناطق الزراعية لإنتاجها، والمحاصيل، والثروة الحيوانية، ومرافق وإمدادات مياه الشرب، وأعمال الري). يقول ين "أظهرت نتائجنا أن ما بين 64% و70% من جميع حقول محاصيل الأشجار في غزة قد تضررت. قد يعني ذلك إما تدمير بعض الأشجار، أو إزالة حقل الأشجار بالكامل، أو أي شيء بينهما. وقعت معظم الأضرار خلال الأشهر القليلة الأولى من الحرب في خريف 2023." لن تكون إعادة بناء القطاع الزراعي في غزة مهمة سهلة. فبالإضافة إلى إزالة الأنقاض وإعادة بناء الدفيئات الزراعية، هناك حاجة إلى تنظيف التربة من التلوث المحتمل وإعادة بناء البنية التحتية للري والصرف الصحي وهو ما قد يستغرق جيلًا أو أكثر. إذ تحتاج أشجار الزيتون والحمضيات 5 سنوات أو أكثر لتصبح منتجة، و15 عامًا حتى تصل إلى مرحلة النضج الكامل. ويختتم ين "تقدم دراستنا إحصاءات شفافة حول مدى وتوقيت الأضرار التي لحقت بالنظام الزراعي في غزة. إلى جانب توثيق آثار الحرب، نأمل أن يُسهم ذلك في جهود إعادة الإعمار الضخمة المطلوبة." وفي ظل هذه الأوضاع، يبقى الأمل في أن تُسهم هذه البيانات في دفع المجتمع الدولي نحو اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم سكان غزة ومساعدتهم على تجاوز هذه الكارثة الإنسانية والبيئية.


الجزيرة
منذ 3 أيام
- الجزيرة
الذكاء الاصطناعي يكشف مستقبلا مناخيا أكثر قسوة في الشرق الأوسط
في عالم يزداد احترارا، تبدو منطقة الشرق الأوسط أكثر عرضة من غيرها لتداعيات المناخ. من الجفاف الطويل إلى الفيضانات المفاجئة، ومن التصحر الزاحف إلى تقلبات درجات الحرارة، تمثل التغيرات المناخية تحديا معقدا يهدد الموارد والاقتصادات وحتى الاستقرار السياسي. وسط هذا المشهد، يبرز نموذج جديد للتنبؤ المناخي، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، كأداة واعدة لإعادة فهم المستقبل المناخي في الإقليم. في دراسة نشرت يوم 8 مايو/أيار في مجلة "إن بي جاي كلايمت آند أتموسفيريك ساينس"، طور فريق بحثي نموذجا يعرف باسم "ستاكينج إي إم إل"، يمزج بين تقنيات تعلم آلي متعددة ويظهر قدرة غير مسبوقة على التنبؤ بدقة بدرجات الحرارة وهطول الأمطار في الشرق الأوسط، حتى نهاية القرن الحالي. ما الجديد في هذا النموذج؟ يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "يونس خسروي"، الباحث في علم المعلومات الجغرافية في المعهد الوطني للبحث في كيبك، كندا، إن النموذج المقترح يعتمد على دمج 5 خوارزميات تعلم آلي مع 3 "نماذج ميتا" تقوم بتحليل مخرجات الخوارزميات وتجميعها للحصول على التنبؤ النهائي. ويضيف في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "هذه التقنية المعروفة باسم التعلم الجماعي تتيح تقليص نسبة الخطأ وزيادة الدقة". ويضيف "خسروي" أن الفريق صمم هذا النموذج كي يتعامل مع بيئة مناخية معقدة كبيئة الشرق الأوسط، حيث تمتزج التلال والسهول والصحارى والبحار، مما يصعّب دقة التنبؤ باستخدام نماذج تقليدية، لافتا إلى أنه باستخدام تقنيات التعلم الآلي، أصبحنا قادرين على رؤية أنماط مناخية لا تلتقطها النماذج الكلاسيكية. إعلان تعتمد النماذج المناخية التقليدية، مثل نماذج الغلاف الجوي العام، على معادلات فيزيائية تحاكي تفاعلات معقدة بين المحيط والغلاف الجوي، لكنها غالبا ما تعاني من ضعف الدقة في التنبؤ على المستوى المحلي، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى شبكات مراقبة مناخية كثيفة. وعلى النقيض من ذلك، يستند نموذج "ستاكينج إي إم إل" إلى تحليل البيانات المتاحة واستنباط الأنماط منها، دون الحاجة إلى معرفة مسبقة بقوانين الفيزياء، ويتميز بقدرته على التكيف مع البيانات غير المكتملة أو المناطق التي يصعب رصدها ميدانيًا، مثل المناطق الصحراوية أو الجبلية. "لا نقلل من أهمية النماذج الفيزيائية، لكننا نكملها بأسلوب جديد يجعل التوقعات أكثر واقعية على أرض الواقع"، يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة، ويضيف: "باختصار: الذكاء الاصطناعي لا يستبدل العلماء، بل يمنحهم رؤية أعمق". نتائج دقيقة وتحذيرات ساخنة عند تطبيق النموذج الجديد على بيانات "سي إم آي بي 6″، وهي قاعدة بيانات عالمية شاملة للتنبؤ المناخي، حقق دقة تنبؤية غير مسبوقة في توقع درجات الحرارة القصوى وفي توقع هطول الأمطار، وفقا للمؤلفين. وتحت سيناريو الانبعاثات المرتفعة، كشف النموذج عن صورة مثيرة للقلق، فموجات الحر تتجاوز 45 درجة مئوية في جنوب الجزيرة العربية وجنوب إيران، كما كانت هناك زيادة غير متوقعة في كميات الأمطار شمالا، مما قد يؤدي إلى فيضانات. "لم نعد نتحدث عن تحذيرات عامة، بل عن خرائط دقيقة توضح أي المناطق ستعاني أكثر، ومتى"، كما أوضح "خسروي". ويقول "محمد توفيق"، أستاذ المناخ التطبيقي بجامعة سوهاج (لم يشارك في الدراسة) "هذه الدراسة تمثل خطوة متقدمة في ربط الذكاء الاصطناعي بمشكلات واقعية في أكثر مناطق العالم هشاشة مناخيا. النموذج المقترح لا يكتفي بتحسين الدقة التنبؤية، بل يفتح الباب أمام استخدامات عملية مباشرة، مثل إدارة المياه وتخطيط المدن". ويضيف "توفيق" في تصريحات لـ"الجزيرة نت" أن ما يثير الاهتمام حقا هو أن النموذج يعمل بكفاءة حتى في المناطق التي تعاني من نقص البيانات، وهذه ميزة إستراتيجية لدول مثل اليمن أو السودان. لكن يبقى التحدي في مدى استعداد صناع القرار للاستفادة الفعلية من هذه الأداة، وتحويل التنبؤات إلى سياسات قابلة للتنفيذ. التغير المناخي ليس مجرد طقس تنبؤات المناخ ليست فقط مسألة علمية، بل لها تبعات مباشرة على الاقتصاد، حسب أستاذ المناخ التطبيقي الذي يلفت إلى أن الزراعة، التي تمثل شريان الحياة في بلدان مثل العراق وسوريا والسودان، مضيفا أن "تغير توقيت الأمطار يعني اضطراب مواسم الزراعة، والجفاف المتكرر يهدد الأمن الغذائي". ويوضح توفيق "في الخليج، ترتفع كلفة التبريد والطاقة نتيجة درجات الحرارة القياسية، مما يزيد الضغوط على الميزانيات العامة. كما تؤثر الفيضانات المرتبطة بالأمطار غير المنتظمة على البنية التحتية الهشة في بلدان مثل اليمن ولبنان". من جانبه، يحذر "خسروي" من أنه في بعض الحالات، ستكون التغيرات المناخية مكلفة أكثر من أي أزمة اقتصادية تقليدية، ولهذا السبب يشدد على الحاجة إلى إدماج النماذج المناخية في كل خطة اقتصادية أو إستراتيجية تنموية. ما الذي يجب فعله الآن؟ يوصي الباحثون بالاعتماد على النموذج الجديد كأداة إستراتيجية لدعم اتخاذ القرار في مجالات متعددة، أبرزها تخطيط استخدام الأراضي وتوزيع الزراعات الموسمية وفقا لتوقعات المناخ، وتحسين إدارة الموارد المائية بين القطاعات الزراعية والصناعية والحضرية، إضافة إلى تصميم شبكات الكهرباء والطاقة المتجددة بما يتناسب مع الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة. كما يؤكدون على أهمية ربط النموذج بأنظمة الإنذار المبكر لمواجهة مخاطر الفيضانات أو موجات الجفاف قبل وقوعها. ويشدد الفريق البحثي على ضرورة إتاحة النموذج كمورد مفتوح المصدر، قابل للتكييف والتدريب محليًا بما يتوافق مع ظروف واحتياجات كل دولة أو منطقة. ويوضح خسروي "نريد لهذا النموذج أن يخرج من المختبرات إلى الوزارات والمزارع والمجالس البلدية" ويضيف: "كلما كان القرار مبنيًا على العلم، كانت المجتمعات أكثر قدرة على الصمود".