logo
مواجهة أبرهة العصر

مواجهة أبرهة العصر

بوابة الأهرام١٢-٠٥-٢٠٢٥

تحملنا نفحات التدبر فى مشهد موسم الحج، إلى تذكر ما كان، عَلّ فيه بعض مداواةٍ لما هو كائن، وتلمسًا لامتلاك أسباب الإصلاح فى قادم ما يكون، ولهذا يُقدِم لنا (ابن كثير) مشهدًا حواريًا خلفيتُه أُمّةٌ مُفككة قبائل وعشائر، ومَلِك هو (أبرهة) لمملَكة تسيدت ثراءً وسلطانًا وحدودًا، حتى أسكرتْ سيادتها المَلِك، فقرر أن يبنى لهُ فى اليمن قِبلَة يحج الخلق إليها (القليس)، ولمَّا اكتشف أن (الكعبَة) تحول دون قبلَتِه المصنوعة، وأن كعبتَه قد استهان بها الناس حد أن أحدهم تبرز فيها، قرر هدم كعبة مكة، وتحرك على رأس جيشٍ تتقدمُه أفيال لَم يشهد أهل الجزيرة العربية له مثيلًا، وحين شارَف على حدود مكة كانت القبائل قد اعتزمَت التسليم، وكان مِن بين كبار قادَة العرب (عبدالمطلب بن هاشم) جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وحين دَخل على (أبرهة) أجلَّه وأكرمه حتى إنه نزل عن سريره فجلس معه على بساطه، ثم قال لمترجمه «اسأله حاجته»، وكانت الإجابَة «حاجتى أن يرد على الملك مائتى بعير أصابها لي»، إجابَة علَق عليها الملك «لقد كنت أعجبتنى حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى، أتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لأهدمه لا تكلمنى فيه؟!»، لكن (عبدالمطلب) علَق «إنى أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه»، لكن الملِك الذى أسكَره سلطانُه رد مُعتَدًا «ما كان ليمتنع مني»، وهو ما حمل ضيفَه لأن يؤكد «أنت وذاك» وانصرف عائدًا بإبلِه.
فى مشاهِد الواقع العربى والإسلامى الحالية واقعٌ مأزوم على خريطة عالم جديد يتشكل، واقعٌ يُحتِّم علينا تلمُس كلَ سبب للاستنهاض، فى مواجَهة كُل (أبرهَة) مُعاصِر لا يكترث بأوطانٍ ولا يُقيم وزنًا لإنسان، وبعيدًا عن الجدليات الدينية والفكرية حول تقييم موقف (عبدالمطلب)، ما يعنينا هو قراءَة النموذج بداية من أبعادِه الشخصية التى جسّدها بمقولته وموقفه للموازَنة بين تحمل المسئولية الشخصية والتوكل على الله، ليكون إدراك حدودنا كبشر ليس ضعفًا، بل قوة وحكمة، تمكن من التعاطى مع كل أزمة عبر حلول تتوافق وما نستطيعهُ فعله، أخذًا بالأسباب بعدَه يكون التوكُل على الله. ثم نموذج الإدارة العامَة للأزمات عبر كُل مفوض بإدارة، بما تفرضُه أمانَة لحظة أوطاننا المصيرية، لتتصدَّر الألوليات رعاية مسئولياتها الوطنية بدلاً من الغرق فى القضايا العامة أو الرمزية التى تُشتت الجهود، وتستنزف الموارد، وتُبقى الأمة فى حالة تراجع مستمر.
كان (عبدالمطلب) المواطِن المُدرِك لدوره ومسئوليته كراعٍ للإبل التى يملكها، مُتحررًا من الانفعالات ومركزًا على توجيه جهودِه نحو ما يمكن فعلُه، فلم يتخلَّ عن دوره الشخصى تاركًا ما يتجاوزه لربه، نموذجًا للتوازن بين العمل البشرى والثقة فى الله، لتكون رسالتُه لجيله ومن يخلُفه أن مواجهة الأزمات تتطلب وعيًا بالمسئوليات الفردية والجماعية، وأيضًا إيمانًا بأن هناك قوى عليا تحكم الأمور، رسالة تلهم الأفراد لتحمل مسئولياتهم دون خوف من النتائج التى لا يملكون السيطرة عليها.
كما يُقدِّم (عبدالمطلب) نموذجًا للمسئول يدعو كُل مكلفٍ بإدارة عامَة، لمواجَهة علَّة فقدان إدراك حدود المسئولية الوطنية، والانشغال بالقضايا الهامشية والعامة على حساب الأولويات الأساسية للدول والمجتمعات، استهلاكًا للخطابات والشعارات غير العملية، وإهمالًا للقضايا الحيوية التى تقع ضمن مسئوليات الإدارة المباشرة مثل التعليم، الاقتصاد، الصحة، بما يُشيع تراجعا فى القوة الوطنية بسبب عدم رعاية مصالح الشعوب وإهمالا للتنمية الداخلية - صناعة وتعليم وبحث علمى -، وهى المجالات التى تبنى القوة الحقيقية للأمم.
إن خُلاصَاتٍ مُعاصِرة لقراءة موقف (عبدالمطلب) مِن تحديات الوجود التى فرضها أبرهَة، تُمثل نموذجًا عمليًا لتجاوز حالة التردى التى تُحدق بنا، عبر حتمية مواجهتها عمليًا لا شعاراتيًا، بما يحقق عملًا مُنتجًا فاعلًا، ضمن حدود التأثير للدولة الراعية تعليمًا وصحةً وإرساءً للعدالة والاجتماعية ضمن منظومتها، وتجردًا من تُهم التواكل فى الإدارة لتتم عبر التخطيط والعمل الجاد بدل الاعتماد على الآخرين، وموازَنَة بين المحلى والعالمى بما يجعَل الأولوية لنهضة كل مكونات الداخل كونها الضامِنة لمواجهة كُل تحديات الخارج مهما تمادت مخاطر وتهديدات كُل (أبرهة).

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب
هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب

مصرس

timeمنذ 25 دقائق

  • مصرس

هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب

أجاب الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال حول جمع صلاة الظهر والعصر، بسبب الظروف الدراسية أو العملية التي تمنع من أداء الصلاة في وقتها، موضحًا أن هناك تسهيلات في الشريعة الإسلامية تتيح للمسلم جمع الصلاتين في حالات الضرورة. وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حوار مع الإعلامي مهند السادات، ببرنامج «فتاوى الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء: «إذا كان الشخص في موقف يتعذر عليه فيه أداء الصلاة في وقتها، مثلما يحدث في المحاضرات أو أثناء العمل، فيمكنه جمع الصلاة، وهذا الأمر مستند إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، من غير عذر مثل السفر أو المرض، وهو ما يسمى 'جمع التأخير.»وأضاف: «إذا كان الشخص في محاضرة أو في عمل مهم ويصعب عليه ترك المكان لأداء الصلاة في وقتها المحدد، فيمكنه أن ينوي جمع الصلاة في وقت لاحق، فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص في محاضرة طالت وكان الوقت قد اقترب من العصر، فيجوز له أن ينوي جمع الظهر مع العصر في وقت العصر، وهذه حالة من جمع التأخير.»وتابع: «النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتخفيف الحرج عن أمته، ولتيسير العبادة في الحياة اليومية، فالإسلام لا يكلف المسلم بما لا يطاق، لذلك إذا كان الشخص في حالة يصعب فيها أداء الصلاة في وقتها، يجوز له جمع الصلاتين.»وأكد أن الشخص في هذه الحالة يجب عليه أن ينوي جمع الصلاة قبل أن يخرج وقت صلاة الظهر، ويصلي الظهر والعصر معًا، ولا يكون عليه قصر للصلاة لأنها صلاة مقيم، مشيرًا إلى أن هذا من التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى للمسلمين في ظروف الحاجة.وأردف: «إذا فاجأه وقت العصر قبل أن يصلي الظهر، فيصلي الظهر والعصر معًا بدون قصر، حيث أن القصر خاص بالمريض أو المسافر فقط».

أمين الفتوى يوضح حكم ختم الصلاة الأذكار.. هل يكون جهرًا أم سرًا؟
أمين الفتوى يوضح حكم ختم الصلاة الأذكار.. هل يكون جهرًا أم سرًا؟

مصراوي

timeمنذ 33 دقائق

  • مصراوي

أمين الفتوى يوضح حكم ختم الصلاة الأذكار.. هل يكون جهرًا أم سرًا؟

كتب - علي شبل: أوضح الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حكم خَتْم الصلاة بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، وهل يكون جهرًا أم سرًا. يقول ربيع إن خَتْم الصلاة بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل أمرٌ مشروعٌ، وقد ورد الأمر بالذِّكْر عَقِب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء 103]. وأضاف أمين الفتوى أنه لم يَرِد في الشرع ما يُخصِّص الذِّكْر بالإسرار، فمَن شاء أَسَرَّ بالذِّكْر، ومَن شاء جَهَر به، فرَفْع الصوت بالذِّكْر عَقِب الصلاة كان معهودًا زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كنتُ أَعْلَم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته"، وفي لفظٍ: "كنتُ أعرِفُ انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتكبير". وختم ربيع فتواه، عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، قائلًا: فمَن جَهَر بالتسبيح والدعاء فقد أصاب السُّنَّة، ومَن أسَرَّ أيضًا فقد أصاب السُّنَّة؛ فالكل فَعَله النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر في ذلك واسع. اقرأ أيضاً:

وكيل "أوقاف الفيوم": "الانضباط والنظافة والالتزام ركائز صون أمانة المساجد"
وكيل "أوقاف الفيوم": "الانضباط والنظافة والالتزام ركائز صون أمانة المساجد"

الدستور

timeمنذ 34 دقائق

  • الدستور

وكيل "أوقاف الفيوم": "الانضباط والنظافة والالتزام ركائز صون أمانة المساجد"

عقد الشيخ سلامة عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة الفيوم، صباح اليوم، اجتماعًا موسعًا مع مديري إدارات الأوقاف على مستوى المحافظة، وذلك بديوان عام المديرية، تنفيذًا لتوجيهات وزير الأوقاف الدكتور أسامة السيد الأزهري. حضر الاجتماع كلا من الشيخ يحيى محمد مدير إدارة الدعوة، والشيخ طه علي مسؤول المساجد، والشيخ فتحي عبد الفتاح مسؤول الإرشاد الديني. وفي مستهل اللقاء، شدد وكيل الوزارة على أن المساجد أمانة في أعناق العاملين في قطاع الأوقاف، مؤكدًا أن خدمة بيوت الله شرف ومسؤولية عظيمة، تتطلب الالتزام التام بالتعليمات الدعوية والإدارية، إلى جانب الانضباط في العمل والنظافة والقدوة الحسنة في السلوك والمظهر. كما أكد أن الإمام والداعية يُعد نموذجًا يُحتذى به في مجتمعه، وأن الوزارة بقيادة الدكتور أسامة الأزهري تولي اهتمامًا خاصًا بتحقيق الانضباط والارتقاء برسالة المسجد، مشيرًا إلى أن المتابعة الميدانية هدفها الإصلاح لا العقاب، لكنها ستكون حازمة في مواجهة أي تقصير متعمد. ودعا وكيل الوزارة مديري الإدارات إلى تفعيل الدور التوعوي للمساجد، وتوجيه الخطاب الدعوي بما يتناسب مع الواقع المجتمعي، وبما يُبرز وسطية الإسلام وسماحته، ويُعزز من ثقة الناس في رسالة المسجد. وفي سياق متصل، دعا إلى المشاركة الفاعلة في مشروع صكوك الأضاحي، موضحًا أنه مشروع وطني إنساني تنفذه وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارتي التموين والتجارة الداخلية، والتضامن الاجتماعي، وعدد من مؤسسات الدولة، بهدف توفير لحوم الأضاحي للأسر الأولى بالرعاية بعزة وكرامة، بعيدًا عن أي أهداف ربحية. وأكد في ختام الاجتماع أن مكتبه مفتوح أمام كل من يعمل بإخلاص لخدمة الدعوة، مشيرًا إلى أهمية العمل بروح الفريق والتفاني في أداء الرسالة الدعوية. 1000343071 1000343068 1000343065 1000343062

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store