
الحج بلا تصريح: مخالفة للنظام وخروج على مقاصد الشريعة
في كل موسم من مواسم الحج، تتجدد الأشواق في قلوب المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها، لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.
وتسخّر المملكة العربية السعودية إمكاناتها كافة لتنظيم هذه الشعيرة العظيمة بما يحقق سلاسة الأداء وسلامة الحجيج. ومع هذه الجهود الجبارة، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة مقلقة تمثلت في إقدام بعض الأفراد على أداء الحج دون الحصول على تصريح رسمي، في مخالفة واضحة للأنظمة والتعليمات المنظمة لشؤون الحج.
إن الدافع إلى هذه المخالفة في الغالب ينبع من رغبة صادقة في أداء فريضة عظيمة، وقد يُبررها البعض بحسن النية أو ضيق الفرصة، إلا أن النوايا الحسنة لا تبرر الأفعال المخالفة إذا ترتب عليها ضرر محقق، سواء على الفرد أو على الحجيج عمومًا.
فالحج بلا تصريح لا يعد فقط مخالفة نظامية، بل هو خروج على مقاصد الشريعة التي جاءت لحفظ النفس والنظام وتحقيق المصلحة العامة.
إن اشتراط الحصول على تصريح لأداء الحج هو صورة معاصرة من تطبيق قاعدة شرعية معروفة في الفقه الإسلامي وهي «المصالح المرسلة»، والتي تجيز لولي الأمر وضع التنظيمات التي يتحقق بها نفع عام وتُدرأ بها المفاسد.
وقد قرر الفقهاء أن من أعظم مقاصد الشريعة حفظ النفس، وهو ما يتعرض للخطر عند مخالفة التنظيمات.
فالزحام الشديد ونقص الخدمات وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية في حالات الطوارئ، كلها مخاطر حقيقية يترتب عليها ضرر متعدٍّ، والنبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: «لا ضرر ولا ضرار»، فكيف تكون عبادة الحج سببًا في الإضرار بالنفس أو بالغير؟
كما أن من يقدم على الحج دون تصريح، قد يُمنع من دخول المشاعر، أو يُجبر على الرجوع قبل إتمام المناسك، مما يُفقده الركن ويوقعه في الحرج الشرعي، فتتحول عبادته إلى مخاطرة غير محسوبة.
إن الحج المبرور – وهو ما يرجو المسلم نيله – لا يتحقق مع مخالفة النظام، بل يتحقق بالتزام السكينة والانضباط، واتباع الهدي الظاهر والباطن، والامتثال لأوامر ولي الأمر.
إن الاستطاعة – هي شرط من شروط وجوب الحج – لا تقتصر على الجانب المالي أو البدني، بل تشمل أيضًا القدرة النظامية (تصريح الحج)، فلا يعد الإنسان مستطيعًا إذا مُنع من الحج لأسباب تنظيمية وهي أخذ تصريح الحج، والصبر على ذلك من طاعة الله، بل إن العاجز عن الحج مع وجود النية الصادقة يؤجر بنيته، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
إننا بحاجة إلى تعزيز فقه المقاصد في وعي المسلمين، لا سيما في التعامل مع الأنظمة التي تسعى إلى خدمة الدين والناس، وتنظيم الشعائر بما يكفل الأمن والطمأنينة.
إن الحج مشروع ديني وتنظيمي وإنساني ضخم، تتكامل فيه جهود الدولة والمجتمع، وأداء هذه الفريضة خارج نطاق النظام لا يُعد شجاعة، ولا اجتهادًا محمودًا، بل هو تعدٍّ على المصالح العامة، واستهانة بتنظيمات شرعت لحماية أرواح الناس وخدمة دينهم.
فلنتقِ الله في أنفسنا ومجتمعنا، ولنحترم النظام الذي وُضع لصالحنا، ولنعلم أن الطريق إلى الحج لا يُعبد بالمخالفة، بل بالصبر والانقياد، وأن في الالتزام بالنظام بركة، وفي انتظار أخذ التصريح طاعة، والله لا يضيع أجر من أحسن النية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
6 خرائط لمعرفة الطرق والاتجاهات بموسم الحج
ودعت قوات أمن الحج لشؤون المرور ضيوف الرحمن إلى الاستفادة من هذه الخرائط في تحديد مساراتهم، واتجاهات الحركة، والتصعيد، والنفرة. يأتي ذلك ضمن جهود قوات أمن الحج والعمرة في تسهيل حركة ضيوف الرحمن بين المشاعر المقدّسة، وتوفير أعلى سبل الراحة لهم، لتحقيق إتمام مناسك الحج بيسر وطمأنينة. من ناحية أخرى، أطلقت وكالة الشؤون النسائية بالمسجد الحرام أمس، مبادرة "عشر وارفة" العلمية، لإثراء تجربة القاصدات في موسم حج 1446ه. وتهدف المبادرة إلى بيان فضل العشر من ذي الحجة؛ وفق منهج علمي رصين يعزِّز الجوانب الإيمانية لهذه الأيام المباركة. وتتضمن المبادرة سلسلة دروس علمية منهجية مؤصلة؛ تهدف لتعزيز القيم الإيمانية، وبيان قدسية الأيام العشر المباركة، وتهيئة الأجواء التعبدية للقاصدات وإروائهم من فضائلها، وتغذيتهم الإيمانية برحماتها، إضافةً إلى عددٍ من البرامج لتعميق أثر شعيرة الحج في وجدان وسلوك حاجَّات بيت الله الحرام، وإثرائهن بكل ما من شأنه إنجاح رحلتهن الإيمانية، وأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
موسم الرحمة وتجديد العهد
كم من نفس تائهة وجدت طريقها في مثل هذه الأيام؟ وكم من دعوة خافتة ارتفعت في ظلمة الليل فاستُجيبت؟ قلوب ظمأى ارتوت من معين الذكر والدعاء، وأرواح أنهكتها الحياة عادت لتسكن عند باب الله، تأنس بقربه وتلتمس نوره. في هذه الأيام المباركة، يقف المرء مع نفسه وقفة صدق، يراجع الطريق الذي سلكه، ويتأمل الوجهة التي يسير نحوها. إنها أيام تصنع الفرق، تبعث الروح، وتوقظ الفطرة، حين ينكسر القلب بين يدي الله خضوعًا، ويتخلص من كل ما أثقله من شواغل الدنيا. دمعة واحدة في جوف الليل، من قلب صادق، قد تفتح للعبد أبوابًا من الخير لم يكن يتصورها، وتغير مجرى حياته بأكمله. فلنتهيأ لهذا الموسم كما يليق بعظمته، لا نريد أن نعيشه كما عشنا مواسم مضت، بل نريد أن نترك فيه أثرًا، أن نُسطر فيه طاعة، وأن نفتح صفحة جديدة مع الله. فلنجعل من هذه الأيام نقطة تحوّل حقيقية، نغسل فيها قلوبنا من شوائب التعلق بالدنيا، ونجعلها مهيأة للقرب من الله أكثر من أي وقت مضى. الإلهام لا يُنتظر من الخارج، بل يُستخرج من داخلنا. هناك نور قد خبا تحت غبار العجلة والانشغال، وهذه الأيام المباركة كفيلة بأن تعيده مشتعلاً، نقيًا، مطمئنًا. لا نعلم ما يخبئه الغد، لكننا نملك اليوم، نملك هذه الفرصة الثمينة، وما دامت الفرصة قائمة، فالرحمة أقرب مما نظن، والقبول أعظم مما نتخيل، والله أكرم وأرحم مما نتصور.

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
أمير الشرقية يُدشن مبادرة "خدمتكم فخر واعتزاز" لخدمة ضيوف الرحمن
وأكد سمو أمير المنطقة الشرقية ، أن خدمة ضيوف الرحمن شرف ومسؤولية وطنية تُجسد القيم الراسخة التي تقوم عليها المملكة، مشيرًا إلى أن حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين –حفظهما الله- تسخّر كافة الإمكانات وتحرص على تطوير الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين، بما يعكس الصورة المشرفة للمملكة ويؤكد مكانتها الريادية في خدمة الإسلام والمسلمين.جاء ذلك خلال استقبال سموه، لرئيس مجلس إدارة الجمعية، الدكتور محمد بن عبدالعزيز العيد، يرافقه عددٌ من أعضاء مجلس الإدارة. وقدّم رئيس المجلس عرضًا عن المبادرة التي تهدف إلى استقبال حجاج بيت الله الحرام القادمين والمغادرين عبر المنافذ الجوية والبرية في المنطقة الشرقية ، وتقديم حزمة من الخدمات اللوجستية والإنسانية، بما يسهم في تيسير رحلتهم وتمكينهم من أداء مناسكهم بكل يسر وطمأنينة. وبيّن أن هذه المبادرة تأتي امتدادًا للجهود المتواصلة التي تبذلها جميع الجهات المعنية في المملكة لتقديم خدمات نوعية ومتميزة لضيوف الرحمن، انطلاقًا من توجيهات القيادة الرشيدة –أيدها الله- وحرصها الدائم على تسخير كل الإمكانات لخدمة الحجاج والمعتمرين. وفي ختام اللقاء، ثمن الدكتور العيد دعم سمو أمير المنطقة الشرقية واهتمامه الدائم بالمبادرات المجتمعية، مؤكدًا أن هذا الدعم يُعد ركيزة أساسية في نجاح المبادرة وتحقيق أهدافها.