logo
محمد بشاري لـ «الاتحاد»: الفوز بـ «جائزة الشيخ زايد للكتاب» نقطة تحول مفصلية في مسيرتي

محمد بشاري لـ «الاتحاد»: الفوز بـ «جائزة الشيخ زايد للكتاب» نقطة تحول مفصلية في مسيرتي

الاتحاد١٩-٠٤-٢٠٢٥

فاطمة عطفة
أُعلن مؤخراً عن فوز الدكتور محمد بشاري، الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها التاسعة عشرة (2025) عن فرع «التنمية وبناء الدولة»، وذلك عن كتابه القيم: «حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة»، وجاء الكتاب ثمرة لمسار علمي طويل انشغل فيه المؤلف بإشكاليات العدالة الاجتماعية في المنظومة الفقهية، مركّزاً على قضية محورية ظُلمت بالتهميش والاجتزاء، وهي مسألة مشاركة المرأة في تنمية المال الأسري واستحقاقها نصيباً عادلاً من هذه الثروة.
واستعرض الكتاب الخلفيات الفقهية والتاريخية لهذا المفهوم، متوقفاً عند اجتهادات كبار فقهاء المغرب الإسلامي، وعلى رأسهم الإمام ابن عرضون، الذي أسّس لصيغة قضائية تُقرّ بحق المرأة في الكدّ ضمن منظومة العدل الفقهي. ثم انطلق الكتاب إلى بيان الأسس النصوصية والمقاصدية التي تشرعن هذا الحق، من خلال الربط بين فقه المعاوضات ومقاصد حفظ المال ورفع الحيف وتحقيق الإنصاف في الشراكة الزوجية. وفي حديثه لـ «الاتحاد» يقدم الدكتور محمد بشاري إضاءات مهمة على مؤلفه الفائز، وما يمثله له الفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في مسيرته الفكرية والعلمية.
بدايةً، يقول الدكتور محمد بشاري: يشكّل فوزي بجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع «التنمية وبناء الدولة» نقطة تحول مفصلية في مسيرتي الفكرية والعلمية، لما تحمله الجائزة من مكانة مرموقة في الفضاء الثقافي العربي والإسلامي، ولما تمثله من اعتراف مؤسسي رفيع بمشروع اجتهادي تأصيلي يسعى لردم الهوة بين التراث والواقع، بين النص والمقصد، بين الفقه والتنمية. لقد انشغلت لسنوات طويلة بتأصيل المفاهيم الفقهية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، ضمن منظور مقاصدي من داخل المنظومة الإسلامية، وحرصت على تقديم خطاب فقهي عقلاني يوازن بين الوفاء للنص والاجتهاد للعصر، غير أن هذه الجهود بقيت غالباً في نطاق النخب البحثية والأكاديمية.
ويضيف: تأتي هذه الجائزة لتمنح هذا المشروع شرعية مجتمعية أوسع، وتضعه في صلب النقاش العام والسياسات التشريعية، خاصة فيما يتصل بمنظومة الحقوق داخل الأسرة. لقد أكد هذا التتويج أن الفقه حين يُقرأ بمنطق المقاصد لا يتحول إلى قيود ماضوية، بل يصير أداة للتحرير والإنصاف. بعد الجائزة، غدت المسؤولية مضاعفة، لم يعد الأمر مجرد اجتهاد علمي فردي، بل مشروع معرفي مجتمعي يتعين تعميقه، وتوسيع أثره، والمساهمة من خلاله في بناء خطاب حضاري يعيد تعريف العلاقة بين الدين والتنمية في عالم متحول.
جوهر الكتاب
ينتقل الدكتور محمد بشاري للحديث عن كتابه «حق الكد والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة»، قائلاً: استعرض الكتاب مفهوم الكدّ والسعاية كما تطور تاريخياً في الفقه المالكي، خاصة في البيئة القروية المغربية، حيث كانت المرأة تسهم في الزراعة والرعي وإدارة المال الأسري، دون أن تُنصف تشريعياً. وقد أعاد المؤلف بناء هذا المفهوم تأصيلياً، مستنداً إلى فتاوى فقهاء كبار كابن عرضون، ومقاصد الشريعة في العدل والإنصاف، ليؤكد أن استحقاق المرأة يعد جزءاً من الثروة الزوجية ليس منّة، بل هو حق شرعي مشروع. ثم انتقل التحليل إلى إسقاط هذا المفهوم على الواقع المعاصر، متناولاً التغيرات في الأدوار الاقتصادية للنساء، وتحولات الأسرة، وبيّن كيف أن غياب هذا الحق يفضي إلى حيف اقتصادي ومعنوي، يتناقض مع روح الإسلام في حفظ الحقوق. وخصّص فصولاً لتحليل الوضع القانوني المقارن بين تشريعات بعض الدول العربية، المغربية خاصة.
وتنص مدونة الأسرة المغربية لعام 2004م، خصوصاً المادة 49، على أن لكل من الزوجين ذمة مالية مستقلة، وتتيح الاتفاق المسبق أو اللاحق على تنظيم الأموال المكتسبة أثناء الزواج. وقد اعتبر المؤلف أن هذه المادة تمثل خطوة إيجابية، لكنها تظل دون تفعيل حقيقي لمبدأ الكدّ والسعاية كما في التراث المالكي، مما يستدعي تطوير الاجتهاد القضائي والتشريعي لضمان حقوق النساء العاملات والمشاركات.
كما تناول الكتاب نماذج قضائية مغربية اعتمدت هذا المفهوم في الأحكام الصادرة، مؤكّداً أن استرداد المرأة لما ساهمت فيه من مال أو بناء أو عمل ليس من باب النفقة ولا الإحسان، بل من باب الحق المالي المشروع، الذي يُثبت بالشهادة والقرائن والعرف، كما هو مقرر في الفقه المالكي.
ويستطرد الدكتور بشاري: يتميز هذا العمل بمنهجه التركيبي، الذي يدمج بين فقه النص، والواقع، والاجتهاد المقاصدي، مقدماً نموذجاً علمياً يجسّد كيف يمكن للفقه الإسلامي، إذا قرئ بمفاتيح المقاصد والاجتهاد المنضبط، أن يكون فاعلاً في إحقاق العدل وتجديد الخطاب القانوني والحقوقي في مجتمعاتنا، بعيداً عن التوظيف الأيديولوجي أو الجمود المذهبي.
إضافة نوعية
وفي إجابته عن سؤال حول الإضافة النوعية التي يقدمها الكتاب إلى المكتبة العربية الإسلامية، يقول د. محمد بشاري: يمثّل كتاب «حق الكدّ والسعاية: مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة» إضافةً نوعية للمكتبة العربية الإسلامية من حيث منهجيته ومضمونه وأثره الاجتماعي والفقهي. فعلى المستوى التأصيلي، أعاد الكتاب فتح ملفٍّ فقهيٍّ شبه منسي هو مفهوم الكدّ والسعاية، الذي نشأ في البيئة المالكية المغاربية وعبّر عن اجتهاد فقهي متقدم يكرّس مبدأ العدالة في توزيع الثروة الزوجية المكتسبة خلال الحياة المشتركة. لقد استعاد الكتاب هذا المفهوم من مدوّنات التراث الفقهي، خاصة من خلال فتوى ابن عرضون، وربطه بإشكالات الواقع المعاصر، مما أخرج الموضوع من سياقه التاريخي إلى أفق تشريعي راهن.
أما على المستوى القانوني، فإن الكتاب قدّم قراءة عميقة للمادة 49 من مدونة الأسرة المغربية، وبيّن كيف أنها – وإن لم تذكر الكدّ والسعاية بالاسم – إلا أنها شرّعت له بمفردات جديدة تحت مسمى «توزيع الأموال المكتسبة بعد الزواج وفق الاتفاق أو الاجتهاد القضائي». لقد مهّد هذا التشريع المغربي لنقلة نوعية في تثبيت الحق المالي للمرأة العاملة في بيت الزوجية، دون اختزالها في مفهوم النفقة أو الإرث فقط.
وعلى المستوى الاجتماعي، استطاع الكتاب أن يُحدث تفاعلاً خارج المجال الأكاديمي الصرف، حين تحوّل مرجعاً لأعمال درامية، مثل مسلسل «حسبة عمري»، ما يدلّ على قدرته في التأثير الثقافي العام، وبيان أن الفقه – حين يُقرأ بعين مقاصدية واقعية – يمكن أن يكون أداة لصيانة الكرامة وتحقيق الإنصاف داخل الأسرة. هذه الإضافة المركّبة هي ما يمنح الكتاب قيمته بوصفه جسراً بين التراث والاجتهاد، بين النص والحياة.
ويختتم د. بشاري حديثه بقوله: فوزي بجائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع التنمية وبناء الدولة، لا يمثل نهاية لمسار علمي، بل هو إشعال لمرحلة أعمق وأشمل في مشروع معرفي ممتد، يستلهم في مرجعيته الفكرية والإنسانية الرؤية الملهمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن ببناء الإنسان قبل العمران، وجعل من العدالة والمساواة والتسامح ركائز في سياسة الدولة ومنهجها الحضاري. ويأتي هذا التتويج في ظل قيادة حكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يواصل هذا النهج الرشيد، بتعزيز منظومة القيم والمعرفة والتنمية البشرية، مما يشكّل بالنسبة لي محفزاً مضاعفاً لتحمل مسؤولية التجديد العلمي بروح الوفاء والمثابرة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

السودان.. وعطاء زايد الإنسان
السودان.. وعطاء زايد الإنسان

الاتحاد

timeمنذ ساعة واحدة

  • الاتحاد

السودان.. وعطاء زايد الإنسان

السودان.. وعطاء زايد الإنسان الإمارات لا ولم تتدخل في الشؤون الداخلية للسودان، ولكن لديها واجبات والتزامات دولية واستحقاقات إنسانية لا بد من التعامل معها وفقاً للقانون الإنساني الدولي، وإنْ لم يكن كذلك، فإن مبادئ السياسة الخارجية لدولة الإمارات مبنية على أسس العلاقات الإنسانية بين دول العالم كافة، بغض النظر عن الاختلافات البينية والفروقات العرقية والدينية والثقافية بين الشعوب الأخرى.. هذا ما تعتبره الإمارات قانونها الإنساني الخاص ولا تتعارض مع مبادئ القانون الإنساني الدولي، بل هي تستطيع طلب المساعدة الدولية لحماية قوافلها الإنسانية في كل أنحاء العالم. هذا عن الشأن الإنساني العام سواء كان في أميركا كما كان الوضع في إعصار «كاترينا»، أو في السودان الشقيق، وإنْ كان النظام العسكري الحاكم يريد غرس بذور الشقاق بين الشعبين، رغم قوة ارتباطهما بعرى الدين والعروبة وتاريخ طويل من التطور في العلاقات دون أن تشوبها شائبة، إلا في الأشهر الأخيرة من حكم طغمة بورتسودان، تريد خلط أوراق العلاقات الطيبة بأفعالها الخبيثة لمصلحة فردية لا علاقة لها باحتياجات الشعب السوداني، الذي هو أحوج الآن إلى شربة ماء ورغيف خبز وزجاجة دواء؟! أعيد عقرب التاريخ للوراء لقرابة 53 عاماً، لكي نرى مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفي 20 فبراير 1972، عندما حطت قدماه أرض السودان في أول زيارة خارجية لرئيس دولة فتية وحديثة العهد والنشأة، أي بعد إعلان الاتحاد بشهر ونصف الشهر. لماذا السودان وليست بريطانيا التي كانت آنذاك قد خرجت من الخليج للتو، وهي إحدى عواصم اتخاذ القرارات المصيرية في العالم قاطبة، مثلها مثل أميركا وفرنسا وألمانيا وغيرها، مع أنه بروتوكولياً من المعروف بأن الدول المستقلة حديثاً تسافر إلى تلك الدول لبناء علاقات دبلوماسية واستراتيجية للمستقبل! الشيخ زايد توجه إلى السودان وليس إلى واشنطن على سبيل المثال لماذا؟ لقد زار زايد الإنسان السودان والدليل على ذلك، أنه لم يكتف بالمكوث في العاصمة الخرطوم كما يقوم بذلك معظم القادة والزعماء في العالم. نستطيع أن نجزم القول بأن المغفور له الشيخ زايد هو أول زعيم عربي أو حتى عالمي أجرى جولات في السودان طالت جميع ولاياته. وفي كل مدينة أو ولاية زارها غرس فيها شجرة للصحة مستدامة ثمارها حتى الساعة، هذه الشجرة المباركة وارفة الظلال، تمثلت في 24 مركزاً صحياً لعلاج إنسان السودان، حتى يستطيع أداء دوره في العمل والبناء وهو في عافية دائمة. المغفور له الشيخ زايد وهو في ختام جولته داخل السودان، عائداً إلى الخرطوم، مر في طريق طوله 600 كيلومتر، لاحظ وعورةً الطريق الرئيسي في السودان، ولم يستطع أن يترك ذلك وراء ظهره دون أن يأمر بإصلاحه، لأنه يدرك بأن صحة الطريق أيضاً توفر الأمان لإنسان السودان وأيضاً لكل عابر سبيل وهو جزء من ضمان الأمن العام في المجتمع. و ماذا بعد رصف هذا من جديد، وفي الخرطوم كان اللقاء مع إنشاء المستشفى العام للشعب السوداني لكي ينعم بحياة كريمة في كافة أنحاء السودان الوطن. اليوم وبعد أكثر من نصف قرن، لا يقبل أبناء وأحفاد الشيخ زايد، ترك أكثر من 30 مليون سوداني يعانون الجوع والعطش وانعدام الدواء في دولة كانت تعد سلة للغذاء العربي، فيد العطاء الإماراتي متواصلة للشعب السوداني الشقيق. ورغم القطيعة التي سعت إليها زمرة بورتسودان، فإن علاقات الإمارات بالشعب السوداني لم ولن تنقطع ما دام في خزينة دولة الإمارات درهم واحد، وهو ما تعلمناه من مبادئ وقيم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله. *كاتب إماراتي

لقاء الحضارات على الحوار والتفاهم
لقاء الحضارات على الحوار والتفاهم

الاتحاد

timeمنذ ساعة واحدة

  • الاتحاد

لقاء الحضارات على الحوار والتفاهم

لقاء الحضارات على الحوار والتفاهم «لقاء الحضارات» هو عنوان كتاب مشتركٍ للكتاب الفرنسي إيمانويل تود وزميله اللبناني الأصل خليل كرباج، وقد صدر قبل خمسة عشر عاماً، وعنوانه الفرعي «تحولات المجتمعات المسلمة حول العالم». وقتها كانت وجهة نظر الكاتبين أن الضغوط الهائلة المستمرة على الشرق الأوسط بعد غزو العراق سوف تفجّره نهائياً، لأن المشكل الرئيس في فلسطين لم يجد حلاًّ، وقد أُضيف لذلك الآن العراق بعد غزوة عام 2003. لقد اعتقد إيمانويل تود، الناقد الحادّ للسلوك السياسي والثقافي الأوروبي، أنّ الولايات المتحدة بهجوم 11 سبتمبر 2001 فقدت القدرةَ على ممارسة الانضباط، وما عاد مصطلح «القوة الناعمة» الذي أطلقه جوزف ناي عام 1990 (توفي قبل شهر) ينطبق عليها. ولذا صار الاعتماد على أوروبا في تبادلٍ تاريخي كبير. وكانت أوروبا قد عجزت عن مكافحة انطلاقات الوحشية النازية، فتدخلت الولايات المتحدة لإنقاذ الحضارة الإنسانية، والآن أتت اللحظة التي تكررت عبر التاريخ، حيث يكون على أوروبا أن تتخذ موقفاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لماذا قال تود وزميله ذلك؟ لأنّ المجتمعات الإنسانية، والمسلمة منها على وجه الخصوص، شديدة الشوق والتطلع إلى عهودٍ للسلام والتعاون. هناك مسلمون عنيفون من الشبان، وهؤلاء يأباهم المسلمون أكثر من غيرهم، وهم يضرون مجتمعاتهم أكثر مما يضرون غيرهم، وهم قلةٌ متفلتة بين جماهير المسلمين في العالم والذين يزيدون على المليار. عندما نشر هنتنغتون كتابه «صِدام الحضارات» (1993) واعتبر فيه أنّ الإسلام يمتلك حدوداً دموية، ردَّ عليه مئاتٌ من المسلمين مستنكرين ومذهولين. لا يريد المسلمون مخاصمةَ العالم ولا إخافتَه، ومفكّروهم يعتبرون العلاقات بين الحضارات لقاءات وفُرص تفاهم وتعايُش، وأنه ينبغي التوقف عن الضغط العسكري والفكري والثقافي، كي لا يحصل المزيد من الانفجارات التي تهدّد سلام العالم المهدَّد أصلاً. ما أُعجب تود (الذي توفي قبل شهرين) بتطورات ما بعد عام 2010 في العالم العربي واعتبرها انفجارات لا تبشر بخير. لكنّ وجهة اهتمامه تركّزت حول مظاهر «الانهيار» الأوروبي. ما عجزت أوروبا عن كبح جماح الولايات المتحدة فقط، بل سارت في ركابها. إنما الأفظع أنه من الناحية الداخلية فإنّ أوروبا فقدت المناعة وتوشك أن تسيطر فيها تياراتٌ لا تريد السلام ولا العلاقات الحسنة مع العالم. إنّ هذه النزعات الثأرية غير المبرَّرة تتصاعد ولن يوقفها التقدم التكنولوجي المتسارع، بل يشجّع عليها، والطريف أنّ هذا المدَّ الاتصالي والذكاء الاصطناعي يصاحبه جزرٌ لجهة صعود القيم الأخلاقية الإنسانية وتفاهمات العيش المشترك. وفي كتابه «انهيار الغرب»، قبل وفاته بسنتين، ذكّر إيمانويل تود بما سبق له ذكره في «لقاء الحضارات». هناك صوتٌ جديدٌ فقط وهو صوت سلامٍ عالمي: صوت البابا فرنسِس الذي يقول لا سلام في العالم إلاّ بالسلام مع الإسلام. إنما المهمة الآن (2022، عام صدور الكتاب) إنقاذ الغرب الأميركي والأوروبي من نفسه، وقد ينفع فيه المسعى الصيني والآخر الهندي للنهوض والتغيير. لكنّ تود ليس عظيم الأمل لهذه الناحية بسبب النزعة القومية القوية لدى الأمتين الكبيرتين: فأين هم دعاة لقاء الحضارات وسط هذا العالم الذي يغصّ بمشكلات الغذاء وفساد البيئة والاندفاع باتجاه الحروب غير الضرورية وغير المبررة؟! *أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

«أكاديمية المواهب» الإخوانية.. دليل سرى للتدريب وإعادة  تشكيل عقل أعضاء الجماعة الإرهابية في فرنسا والدول الأوروبية
«أكاديمية المواهب» الإخوانية.. دليل سرى للتدريب وإعادة  تشكيل عقل أعضاء الجماعة الإرهابية في فرنسا والدول الأوروبية

البوابة

timeمنذ 2 ساعات

  • البوابة

«أكاديمية المواهب» الإخوانية.. دليل سرى للتدريب وإعادة تشكيل عقل أعضاء الجماعة الإرهابية في فرنسا والدول الأوروبية

النص يؤكد العمل على إعادة تنظيم المؤسسات السياسية وقانون العقوبات ليتماشى مع التشدد الإسلامى خبير فى قضايا الدين: نحن أمام إسلام مغلق يتناقض مع الإسلام نفسه ومع مؤسسات الجمهورية الفرنسية تمكنت مجلة "لوبوان" من الاطلاع على وثيقة التدريب المخصصة لأعضاء الإخوان المسلمين فى فرنسا المكونة من ١٧٧ صفحة، وتتحدث عن الأصولية والانفصال الاجتماعي والثقافي عن المجتمع لزرع صيغة الإسلام المتشدد في أوروبا، ولكن دون الإشارة إلى الإخوان المسلمين. الوثيقة بعنوان "أكاديمية المواهب"، وهو يقدم كدليل تدريبي للناشطين ولم يكن من المقصود نشره للعامة. وبحسب الأخ السابق الذي وصلتنا عن طريقه هذه المادة، فإنها تدرس فقط في "الأسرة"، وهي خلايا سرية تابعة للهيكل الإسلامي تضم ثلاثة أشخاص كحد أقصى. تم وضع الدليل في عام ٢٠١٧، ويحمل في كل صفحة شعار اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (UOIF)، والذي أعيدت تسميته إلى "مسلمي فرنسا" في العام نفسه. لا يُعرف مؤلفو الوثيقة، ولكن من الممكن العثور على مقطع فيديو يعود تاريخه إلى ثماني سنوات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقدم أحد أعضاء اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا نفسه على أنه رئيس أكاديمية المواهب. وهو يشغل حالياً منصب نائب مدير إحدى الكليات في منطقة الألزاس، ويشارك في الحياة المجتمعية المحلية والحوار بين الأديان، ولم يستجب لطلباتنا للحديث أو التعليق على الوثيقة. رؤية شاملة ولكن أقل ما يمكن قوله هو أن النص يحتاج إلى توضيح، لأن المضمون يختلف عما ذكره رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، عمار لصفر، في عام ٢٠١٦ عندما قال "إن الشريعة الإسلامية للمسلمين في فرنسا هي قانون الجمهورية"، وذلك خلال الاجتماعات السنوية للمنظمة في لوبورجيه. وبعيداً عن آذان المتطفلين، يتم تجاهل الاستقلال السياسي لصالح رؤية شاملة للإسلام. تقول الوثيقة: "عبادة الله تعالى تشمل الحياة كلها، وتنظم جوانبها كافة: من طريقة الأكل والشرب وقضاء الحاجة إلى بناء الدولة والسياسة والاقتصاد. حصر الدين في المجال الخاص فقط إثم. الإنسان مطالب بأن يعيش إسلامه على نحو شامل. ولا يجوز إتيان شيء من الدين وترك شيء آخر. ليس هناك مجال للحديث عن حياة المرء في زاويته الخاصة، في وضع هادئ. يجب على المؤمن أن يصلح أحبابه ومجتمعه". فى صفحة ٣٢ من الوثيقة، نقرأ: إن الإسلام يهدف إلى تنظيم المؤسسات السياسية مثل الحياة الخاصة، والأعمال اليومية مثل قانون العقوبات، مع العلم أن عقوبة اليد المقطوعة للسارق مذكورة في النص، بشكل شامل. وبطبيعة الحال، بما أن المسلمين يجدون أنفسهم أقلية في نظام لا يحكمه الإسلام"، فمن الضروري أن ننتظر ونرى، لأن الفجوة "بين عالمية الإسلام وواقع المجتمع الأوروبي لن تتقلص بين عشية وضحاها". غير قابلة للتفاوض وتذكر الوثيقة أن "الشريعة الإسلامية تهدف أيضاً إلى تنظيم وجود غير المسلمين". ومن المراجع الأساسية التي ذكرت مرتين كتاب طريق المسلم للشيخ أبو بكر الجزائري. يصف الكتاب طريقة ضرب الزوجات العاصيات "على الأجزاء الرقيقة" بشكل وحشي، ولكن متسق، مع رؤية الأصوليين. إن المشكلة الخاصة التي يطرحها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا "أو مسلمي فرنسا" هي الكلام المزدوج. ولذلك، كيف يجب أن نصدق المتحدثين باسم الاتحاد؟ على المنصة أم خلف الكواليس؟ كما يتضمن الدليل ضمن "جوانب الإيمان" ضرورة "الجهاد في سبيل الله، الذي يهدف إلى إعلاء كلمة الله، ورفع راية الحق، ومحاربة الظلم والفساد في الأرض". لا يوجد دعوة صريحة إلى حمل السلاح، ولكن البعد الآخر للنص التعليمي لا يختلف عن رؤية نهاية العالم التي يتبناها داعش. إن ميثاق الإخوان المسلمين، الذي يتجاهل قروناً من الفقه والجهود المبذولة لتكييف الإسلام، ينص على أن الفقهاء ليس لديهم الحق في التجديد في الدين (تعريف جيد للأصولية). يقول الدليل: "علينا أن نعود إلى نص القرآن الكريم "صالح لكل زمان ومكان" والذي ينطبق على غير المؤمنين أيضاً، على أن يتم تشجيع الحوار بين الأديان كإجراء انتقالى". وبنفس القدر من الخطورة، فإن "العلاقات العائلية سوف تنقطع". تولي أكاديمية المواهب أهمية كبيرة لأهمية الأسرة، ولكن باعتبارها دائرة إكراه أكثر منها دائرة إنجاز. وفي البلدان "الكافرة"، تقع على عاتق الأسرة والمؤسسات الإسلامية "المهمة الثقيلة المتمثلة في الحفاظ على الهوية الإسلامية"، دون مراعاة اختيارات الأطفال. الأولوية لـ"تطوير المجتمع المسلم قبل تطوير الفرد". وفيما يتعلق بالزواج بين أتباع الديانات المختلفة، فإن الإسلام يسمح باستثناءات، ولكن كقاعدة عامة، "بسبب المضايقات، فإن هذا النوع من الزواج محظور" بينما الإسلام، فى الأصل، يجيز زواج المسلم من امرأة مسيحية أو يهودية. إطار مغلق ويقول عالم الإسلام برنار روجييه، الذي حلل الدليل لصحيفة "لوبوان": "هناك إسلام مغلق، يُعرَّف بأنه إطار معياري صارم واستبدادي، يتناقض في جميع المجالات مع الإسلام نفسه ومع مؤسسات الجمهورية الفرنسية، ومبدأ الاستقلال السياسي والاستقلال الفردي". ويشير إلى أن الوثيقة تنص على أن "اليوم سوف يأتي عندما تشرق الشمس فى الغرب، إيذاناً بقدوم حكم الإسلام". وكتبت عالمة الاجتماع البلجيكية بريجيت مارشال في دراسة أجرتها عام ٢٠٠٦ عن جماعة الإخوان المسلمين الأوروبية: "إن النزعة العابرة للحدود الوطنية التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين غير مفهومة دون الأخذ في الاعتبار الجذور المحلية التي تمنحها وجوده". وهي تستخدم مفهوم تسويق "العولمة المحلية" لموضوعها، وهو انكماش للعولمة والتوطين". وترى أن الإسلام يرتدي زيًا يناسب كل الأسواق، ولكن في أعماقهم يظل دعاته غير مرنين. تقول الباحثة فلورنس بيرجود بلاكلر في كتابها "جماعة الإخوان وشبكاتها": "عندما مكن نيكولا ساركوزي وزير الداخلية آنذاك الإخوان المسلمين من أن يصبحوا محاورين للدولة في عام ٢٠٠٣، كان يعتقد أنه يستطيع جذبهم إلى واحة الشهرة وجعلهم أكثر طاعة داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. وتؤكد أن الدليل يثبت بشكل لا لبس فيه عضوية الحركة فى اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا أو مسلمي فرنسا التي أدت في نسختها العسكرية إلى ولادة تنظيمات إرهابية".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store