logo
'زياد الرحباني'.. استخدم المسرح كأداة نقد اجتماعي وسياسي

'زياد الرحباني'.. استخدم المسرح كأداة نقد اجتماعي وسياسي

موقع كتاباتمنذ يوم واحد
خاص: إعداد- سماح عادل
'زياد الرحباني' فنان وملحن ومسرحي وكاتب لبناني، اشتهر بموسيقاه الحديثة وتمثيلياته السياسية الناقدة التي تصف الواقع اللبناني الحزين بفكاهة عالية الدقة. تميز أسلوبه بالسخرية والعمق في معالجة الموضوع، كما أنه يعتبر طليعيا وصاحب مدرسة في الموسيقى العربية والمسرح العربي المعاصر.
وُلد 'زياد عاصي الرحباني' في 1 يناير 1956 في بلدة أنطلياس، قضاء المتن، في محافظة جبل لبنان. هو الابن البكر للموسيقار 'عاصي الرحباني' (1923–1986) والمطربة 'نهاد حداد' (فيروز، مواليد 1935). كان والده جزءا من ثنائي 'الأخوين رحباني' (عاصي ومنصور الرحباني) الذين شكّلوا ظاهرة في المسرح الغنائي اللبناني منذ خمسينيات القرن العشرين، بالتعاون مع إذاعة 'صوت لبنان' ثم 'الإذاعة اللبنانية الرسمية'، وبرزوا في المهرجانات الكبرى كـ'بعلبك' و'بيت الدين'.
نشأ 'زياد' في منزل عرف بكثافة الإنتاج الفني والعمل الإذاعي والمسرحي اليومي، وكان محاطا بكتاب وموسيقيين وممثلين منذ سنواته الأولى. تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة 'جبل أنطلياس' الكاثوليكية، ثم انتقل إلى مدرسة 'اليسوعية' في بيروت. لاحقا، درس الموسيقى الكلاسيكية والجاز على البيانو بشكل غير أكاديمي، وتعلم التأليف الموسيقي بمجهود ذاتي معتمدا على ما شاهده من عمل والده وعمه، فضلا عن تأثره بموسيقى الجاز الأميركية.
لدى زياد شقيقان: 'هالي' الذي يعاني من إعاقة ذهنية منذ الطفولة، و'ليال' (توفيت عام 1988) لم تتجه إلى الفن، وأُضيف على كاهله، بصفته الابن الأكبر، مسؤوليات خاصة داخل العائلة بعد مرض والده في أواخر السبعينيات.
الأدب..
جاءت بداية 'زياد الرحباني' في الأدب كتب في سن مبكرة نصوصا شعرية بعنوان 'صديقي الله'، أنجزها بين عامي 1967 و1968، وقد لفتت هذه النصوص الانتباه إلى موهبة أدبية واعدة، كانت تبشر بولادة شاعر متمكن، لولا أن اختار لاحقا تكريس طاقته بالكامل للموسيقى والتأليف المسرحي.
في عام 1971، وضع أول ألحانه الغنائية بعنوان 'ضلك حبيني يا لوزية'، والتي شكلت مدخله الفعلي إلى عالم التلحين. ثم جاءت اللحظة المفصلية في عام 1973، حين كان لا يزال في السابعة عشرة من عمره، حين لحن أغنية لوالدته فيروز، وذلك في ظل دخول والده عاصي الرحباني إلى المستشفى وتغيبه عن العمل الفني.
كانت فيروز حينها تستعد لبطولة مسرحية 'المحطة' من تأليف الأخوين رحباني، فكتب منصور الرحباني كلمات أغنية تعكس الغياب المفاجئ لعاصي، وأسند مهمة التلحين إلى زياد.
جاءت النتيجة على شكل الأغنية الشهيرة 'سألوني الناس'، التي أدتها فيروز ضمن المسرحية، وأحدثت صدى واسعا فور صدورها، إذ مثّلت أول ظهور حقيقي لزياد كملحن ضمن أعمال العائلة الرحبانية. وقد شكلت هذه الأغنية بداية مرحلة جديدة في مسيرته، وأظهرت ملامح أسلوبه الخاص، المختلف عن نهج والده وعمه، وفتحت أمامه باب التعاون الموسيقي مع فيروز الذي امتد لعقود لاحقة.
لاقت تلك الأغنية نجاحا كبيرا، ودهش الجمهور للرصانة الموسيقية لابن السابعة عشرة ذاك، وقدرته على إخراج لحن يضاهي ألحان والده، ولو أنه قريب من المدرسة الرحبانية في التأليف الموسيقي.
مسرح..
شارك 'زياد الرحباني' في أول ظهور له على خشبة المسرح في مسرحية 'المحطة'، مجسدا دور الشرطي، وهو الدور ذاته الذي كرره لاحقا في مسرحية 'ميس الريم'، حيث قدم مشهدا حواريا موسيقيا مع فيروز، سائلا إياها عن اسمها وبلدتها في قالب ملحن. إلا أن مشاركته لم تقتصر على التمثيل، فقد قام أيضا بتأليف موسيقى مقدمة 'ميس الريم'، والتي أثارت إعجاب الجمهور لما حملته من تجديد في الإيقاع والأسلوب، كاشفة عن لمساته الشابة المختلفة عن أعمال والده وعمه.
لاحقا، طلبت منه فرقة مسرحية لبنانية كانت تعيد تقديم مسرحيات الأخوين رحباني، وتضم المغنية مادونا التي كانت تؤدي دور فيروز– أن يكتب مسرحية أصلية جديدة من تأليفه وتلحينه، فاستجاب لذلك وكتب أول أعماله المسرحية: 'سهرية'. وقد احتفظت هذه المسرحية بشكل المسرح الرحباني الكلاسيكي، إلا أنها كانت أقرب إلى ما وصفه زياد بـ'حفلة غنائية'، حيث كانت الأغاني هي العنصر الأبرز، وتدور الأحداث فقط لتخدم تقديم المقطوعات الموسيقية، في تقليد واع للمسرح الرحباني.
مع مرور الوقت، أحدث زياد تحولا كبيرا في شكل المسرح اللبناني؛ إذ ابتعد عن النمط المثالي والخيالي الذي تميز به مسرح الأخوين رحباني، واتجه إلى مسرح سياسي واقعي يعكس حياة الناس اليومية، خصوصا في ظل أجواء الحرب الأهلية اللبنانية. فكانت أعماله تعبيرا مباشرا عن هموم المجتمع اللبناني، بلغة نقدية لاذعة وسخرية ذكية.
وفي دراسة بعنوان 'حصاد الشوك: المسرح السياسي الكوميدي في سورية ولبنان'، أشار الباحث أكثم اليوسف إلى أن زياد فرض نفسه خلال تلك الفترة كـكاتب ومخرج ومؤلف موسيقي وممثل بارز، معتبرًا أن مسرحه أصبح منبرا يعبر عن جيل ضائع تتقاذفه أهوال الحرب والضياع، ويشكل صوتا نقديا بارزا في المشهد الثقافي اللبناني.
الزواج..
تزوج من 'دلال كرم'، ورزق منها بولد أُطلق عليه اسم 'عاصي'، إلا أنه تبين لاحقا أنه ليس ابنه البيولوجي. انتهت علاقتهما بالطلاق، مما دفع كرم إلى كتابة سلسلة من المقالات في مجلة 'الشبكة' تناولت تفاصيل علاقتهما الزوجية. وقد ألّف الرحباني عددا من الأغاني التي تعكس تجربته في هذه العلاقة، من أبرزها: 'مربى دلال' و'بصراحة'.
بعد انفصاله عن زوجته 'دلال كرم' خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حرم زياد الرحباني من رؤية ابنه حتى بلغ التاسعة، بسبب سكنه في بيروت الغربية وسكن والدته في الشرقية. لاحقا، دخل في علاقة استمرت 15 عاما مع الممثلة اللبنانية 'كارمن لبّس'، وانتهت بسبب عدم قدرة زياد على توفير الاستقرار الذي كانت تطمح إليه. وصرحت كارمن لاحقا: «كان زياد الشخص الوحيد الذي أحببته»، بينما اعترف زياد أن كارمن كانت محقّة في قرارها، مضيفا أنه لم يتمكن من إصلاح الفوضى التي كانت تحيط بحياتهما. انعكست تجربته العاطفية مع كارمن في عدد من أعماله الفنية، أبرزها أغنية 'ولعت كتير' من ألبوم 'مونودوز'، التي تناولت قصة حب طويلة.
في عام 2008، أثارت الصحف اللبنانية جدلا واسعا بعد كشف دعوى قضائية قدمها زياد لإنكار أبوته لابنه 'عاصي'، المسجلة تحت الرقم 910/2008. وأكدت الوثائق أن فحص الحمض النووي عام 2004 أظهر عدم النسب. وصرح زياد لجريدة الأخبار أن موقفه القانوني جاء اضطراريا بعدما فشلت والدة عاصي في تسوية القضية بشكل خاص. وأكد أن كلا الطرفين، عائلته وعاصي نفسه، تضررا من هذا الواقع، وأنه لا يتحمل مسؤولية ما حدث.
عرف زياد الرحباني بعلاقته الطويلة مع الحركات اليسارية اللبنانية، وصرح بأنه شيوعي الهوى، وظل منخرطًا في الحزب الشيوعي اللبناني طوال حياته. أثار جدلا كبيرا بمقالاته الإذاعية الساخرة وبرامجه السياسية الفنية مثل برنامج 'العقل زينة'. وفي مقابلة أجراها مع الصحفي غسان بن جدو، صرح الرحباني بأن مجزرة تل الزعتر التي ارتكبتها ميليشيات مسيحية يمينية متطرفة في عام 1976، كانت الدافع الرئيسي لانتقاله إلى بيروت الغربية. وعلى الرغم من ذلك، عبر أيضا عن دعمه للمقاومة اللبنانية ومشروعها في مواجهة 'الاحتلال الإسرائيلي ونظامه العنصري الأبارتايد'. ورغم نقده الحاد للأنظمة والحكومات، إلا أنه بقي مناصرًا للقضايا القومية مثل القضية الفلسطينية، وانتقد ما سماه 'تحالف السلطة والمال والدين'.
وفاته..
توفي 'زياد الرحباني' في 26 يوليو 2025 في بيروت عن عمر 69 عاما، بعد معاناة طويلة مع مرض تليف الكبد، الذي تدهورت حالته الصحية بسببه خلال الأشهر الأخيرة من حياته. نقل إلى المستشفى في يونيو 2025 إثر مضاعفات صحية متكررة، وأفادت مصادر طبية بأنه خضع لعلاج طويل الأمد لم يكن جسده قادرا على الاستجابة له في المراحل الأخيرة.
لم تقتصر أعمال زياد الرحباني على الكتابة المسرحية وكتابة الشعر والموسيقى فكان الوجه الثاني لزياد هو «السياسي»، وقد تميز بجرأة منقطعة النظير، وفي مهرجان الذكرى الثانية والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني ألقى كلمة إلى جانب كلمة الأمين العام وتتطرق فيها لإعادة هيكلة الحزب الشيوعي اللبناني قائلا أنه لم يخرج من الحزب إلا من كان يجب أن يخرج، وعبر عن انتمائه العميق قائلا الشيوعي لا يخرج من الحزب إلا إلى السجن أو البيت.
أما زياد الرحباني الصحفي الذي كتب في أكثر من جريدة لبنانية منها جريدة النداء والنهار أثناء الوجود السوري في لبنان، فقد تميزت كتاباته بالجرأة والقدرة الهائلة على التوصيف. وقد كتب لفترة في جريدة الأخبار اللبنانية دعما لانطلاق الجريدة الجديدة في زحمة الإعلام والصحافة اللبنانية. يكتب عمود مانيفستو في جريدة الأخبار.
تميز زياد بأسلوب موسيقي متمرد يمزج بين الموسيقى الشرقية الكلاسيكية وأنماط الجاز، البلوز، الفانك، وحتى الروك. استعمل المقامات العربية في توليفات غير تقليدية، وجمع بين الأنغام اللبنانية والإيقاعات الغربية، ما شكل نهجا جديدا في الموسيقى العربية. وإضافة إلى ألحانه لفيروز، قدم ألبومات غنائية بصوته تضمنت أغاني مثل:
'عودك رنان'
'أنا مش كافر'
'إي في أمل'
'بما إنو'
'مارغريتا'
كما عمل موزعا موسيقيا في العديد من الأعمال الفنية والمسرحية، وأعاد توزيع أغنيات تراثية بروح عصرية.
استخدم المسرح كأداة نقد اجتماعي وسياسي، عالج من خلاله قضايا الحرب الأهلية، الفساد، الطائفية، العدالة الاجتماعية، وقضايا المواطن اليومية. من أبرز مسرحياته التي تحولت إلى ظواهر ثقافية في لبنان:
بالنسبة لبكرا شو؟ (1978): تناولت بأسلوب ساخر قضايا الخيانة والانتماء والوضع السياسي الهش.
فيلم أميركي طويل (1980): طرحت بأسلوب عبثي مأساوي وضع المثقف والسياسي في ظل الحرب.
شي فاشل (1983): انتقد فيها النظام التعليمي والفساد الإداري.
نزل السرور (1974): كانت من أوائل أعماله الناقدة للطائفية.
اعتمد على شخصيات متكررة من الطبقات الشعبية كناقلين لرسالته، ومنحهم أدوار البطولة بدلاً من النخب التقليدية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زياد الرحباني.. الوداع الأخير الاثنين في المحيدثة
زياد الرحباني.. الوداع الأخير الاثنين في المحيدثة

شفق نيوز

timeمنذ 9 ساعات

  • شفق نيوز

زياد الرحباني.. الوداع الأخير الاثنين في المحيدثة

أعلنت عائلة الفنان اللبناني الراحل زياد الرحباني، نجل السيدة فيروز، تفاصيل مراسم التشييع والعزاء، بعد وفاته صباح أمس السبت عن عمر ناهز 69 عاماً. وذكرت العائلة في بيان، أن صلاة الجنازة ستُقام غداً الاثنين في كنيسة "رقاد السيدة" في المحيدثة – بكفيا، في تمام الساعة الرابعة بعد الظهر. وأضافت أن تقبل العزاء سيتم يوم الاثنين، قبل الدفن وبعده، في صالون الكنيسة نفسه من الساعة 11:00 صباحاً وحتى الساعة 18:00 مساءً، على أن يُستأنف استقبال المعزين يوم الثلاثاء في التوقيت ذاته. ويُعد زياد الرحباني من أبرز الوجوه الفنية في لبنان والعالم العربي، كاتباً وملحناً وموسيقياً ومسرحياً، عُرف بأسلوبه الساخر والناقد للواقع السياسي والاجتماعي اللبناني، وبأعماله الجريئة التي شكلت مدرسة فنية خاصة. ولد الرحباني في 1 كانون الثاني 1956، وهو ابن الفنانة العالمية فيروز والملحن الراحل عاصي الرحباني، وقد بدأ مسيرته الفنية في سن مبكرة، ملحناً لوالدته أغنية "سألوني الناس"، وتوالت أعماله الفنية بعد ذلك لتشمل الأغاني والمسرحيات ذات الطابع النقدي والسياسي. ورغم ما شهده من تألق فني، فقد عانى زياد في السنوات الأخيرة من تدهور صحي أثر على نشاطه، قبل أن يرحل تاركاً خلفه إرثاً فنياً كبيراً شكّل علامة فارقة في الموسيقى والمسرح العربي.

جِسر.. من هو عميد شعراء العرب الإيرانيين وعميد الأبوذية؟
جِسر.. من هو عميد شعراء العرب الإيرانيين وعميد الأبوذية؟

اذاعة طهران العربية

timeمنذ 12 ساعات

  • اذاعة طهران العربية

جِسر.. من هو عميد شعراء العرب الإيرانيين وعميد الأبوذية؟

احبج يافلاحيتي.. احبج من نمت بفياي نخلات الشتلهن خالنا سبيتي احبج من بنا البنّاي من معدن ذهب طينج كَسُر بيتي احبج يا فلاحيتي***احبج يا فلاحيتي نسلط الضوء هذه المرة على صاحب هذا الابيات الذي لقب بعميد الأبوذية، الشاعر الفذ الذي طارت شهرته الآفاق وتخطت حدود وطنه الأم إيران. فاستعدوا معنا للتعرف على مسيرته الأدبية الملهمة وأشعار الأبوذية الرائعة التي أبدع فيها. فهو الملا فاضل السكراني بن يعقوب بن عاشور بن سكران الطائي ولد في مدينة شادكان بمحافظة خوزستان عام 1923 وهي مدينة تاريخية لم تخلُ عبر تاريخها من الأدباء و الشعراء والمؤرخين و اللغويين أبرزهم ابن السكيت الدورقي. كان مولعا بالشعر والأدب منذ طفولته ويحضر الاحتفالات الأدبية التي تقام بالمناسبات ويسمع من شعرائها و دبائها الأناشيد الأدبية و التواشيح الدينية. نظّمَ الشعر وهو في الحادي عشر من عمره حتى أصبح شاعرا كبيرا وتفنن في نظم الأبوذية حتى سمي بعميدها. تجاوزت شهرته الحدود الإيرانية فكانت كلماته في غاية الحسن والجمال من حيث النظم الفني والصور الشعرية ومفرداته النبيلة، حتى أنشده كبار الشعراء في الجمهورية الإسلامية وخارجها على رقة وعذوبة اشعاره. الشاعر الشهير والأديب البارز الأستاذ فاضل بن المرحوم يعقوب السكراني والذي عرف في أواسط المجتمع بالملا فاضل له أكثر من 2500 بيت شعر في الأخلاقيات والاجتماعيات والهجاء والرثاء. تعلم في طفولته التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم وترعرع بمحبة أهل البيت عليهم السلام، وبعد ذلك تعلم كتابة الخط العربي وطريقة قرائة القصائد الشعرية بأنواعها وفن إنشادها على يد أستاذه المرحوم السيد رضا بن المرحوم السيد صالح إبراهيمي. عرف الشاعر الراحل ملا فاضل السكراني، بعميد الأبوذية، كتب هذا الجنس من الشعر، وإن لم يختص به فحسب، إلا أنه استطاع أن يخرجه من محليته. و الأبوذية هي أحد أشهر أوزان الشعر الشعبي في خوزستان والعراق، وأكثرها تداولاً بين أوساط الشعراء والجمهور، لسهولة حفظها ولقدرتها على اختزال موضوعٍ كاملٍ في أربعة أشطر. وهي تسمية مركبة، تتألف من مقطعين: "أبو"، وهي تحمل في اللهجة الأهوازية معنى الصاحب أو المالك، أما "ذية" فقد تكون اشتُقَّت من الأذى، كما هو شائع، وقد تكون مجزأةً إلى مقطعين "ذي" (التي تعني صاحب) و"يه"، وهي القفلة التي تنتهي بها الأبوذية دائماً. فقال رحمه الله: مر عزمي اليحرر جان برداي انطفه وسيفي الصقيل انگلب برداي انجرج جدمي ابمحنتي وعثر برداي وكثر لومي اعله گومي الزرو بيه *********** أحِــب دوم أنظر إلجيده وريده واحِب شَم وَجنِتَـه وشَمَّة وريده يَلَاهــي إشْكثْر أوِد ناهي وريده دخَلَّه ايزورني ويعطف علـــيه *********** ألِف طَرطَر دليــلي بسيف مَنطَر دَم جَر سَل رِگــه الأجبال منطر الگلب شَب گَب ثِگَب نيران منطر اسمك ياعَفيف شعِمَل بـــــيه *********** الفقير المُفلِس إلمامَلَك شَيَّبْ يَمنته شيِشْتِري وللأهَل شيّب گِلِت للگال أبو العشرين شيّب الطِفِل هليوم شَيْبَتّهْ الدَنَيَه *********** دَم دمعك دســيله لايسلــــــــمه على الراح وعلى الله لايسلــمه الهجر ماجان وعـدچ لايسلـــمه الوَعَد جان الوصل قبل المنـــيَّه *********** وكباقي الشعراء نظم الملا فاضل السكراني الشعر الشعبي في مختلف أنواعه منها القصيدة. ونقرئ لكم أبياتا من قصيدة "احبج يافلاحيتي": احبج من نمت بفياي نخلات الشتلهن خالنا سبيتي احبج من بنا البنّاي من معدن ذهب طينج كَسُر بيتي احبج يا فلاحيتي***احبج يا فلاحيتي **** احبج يالغفيت ابحضنج الدافي وغطاي الحاف عتبارج احب امعارج اليحجي ابخبر حمده و يملها البالوحل بارج احب فتنه و صريج اجعاب اخو فتنه اليزوغل جان ويعارج *** احب هلهولة ام عيد التهز ايد الفرح بلعيد وتبارج احب كوتج وحب ابيوتج البيهن احلام ايام تذكارج احب سُورج وحب خُورج و حب ابخورج المنتشر بكتارج *** احب شطج وحب اجفايفه الخضره وضحجها الرگّص اشجارج احب ريفج وحب لبطت مشاحيفيج الفرها الكنص بهوارج احب نورج وحب نارج وحب اشتم روايح عطر نُوّارج **** انتقل إلى رحمة الله الملا فاضل السكراني مساء الـــ 28 من شهر دي عام 2013 عن عمر يناهز التسعين في مدينة شادكان، تاركاً خلف تراث شعري قيم للأجيال الخوزستانية. وبعد فترة من وفاته أقيمت بأسمه الندوات الشعرية في أرجاء محافظة خوزستان وجنوب العراق وشكلت جائزة أدبية للشعر تحت عنوان: "ملافاضل السكراني" بمشاركة أبرز شعراء المحافظة. كما اهتمت دائرة الثقافة والإرشاد الإسلامي في خوزستان بجمع ديوانه ليبقي نبراساً يحتذى به في سياق الشعر الشعبي ومديحات أهل البيت عليهم السلام. وبفضل جهود المخرج الخوزستاني "حبيب باوي ساجد" تم إعداد فيلم وثائقي يروي حياة المرحوم ملا فاضل السكراني تحت عنوان "أود أرجع". كانت هذه نبذة مختصرة عن حياة شاعرنا الاستاذ الراحل ملا فاضل بن المرحوم يعقوب السكراني المعروف بشخصيته المرموقة وبتضحياته الجسام خلال حياته المباركة في توسيع رقعة لغة الشعر وتنوعها وتطورها إذ صار بفضله الكثير من أبناء بلده شعراء تعلموا منه أوزان الشعر ومعانيه فمن كان منهم بالأمس لا يقيم وزنا للشعر ولا يدري ما طعمه وما لذته قد أصبح شاعرا وعاشقا للشعر ينهل من معينه ويأكل من ثمار جنانه بكل رغبة و لهفة واشتياق. نتمنى أن نكون قد ألقينا الضوء على إرث هذا الشاعر العظيم الذي أثرى الساحة الأدبية بأشعار الأبوذية الساحرة. فمهما مرت السنين، ستظل كلماته تعيش في قلوب محبّي الشعر وتُلهم الأجيال القادمة.

إلى زياد في يوم انتقاله
إلى زياد في يوم انتقاله

موقع كتابات

timeمنذ يوم واحد

  • موقع كتابات

إلى زياد في يوم انتقاله

خاص: بقلم- د. مالك خوري: حين استقرّيتُ في القاهرة قبل خمسة عشر عامًا، اكتشفت أن كثيرًا من أبناء الجيل الجديد من المصريين لا يعرفون فيروز إلا من خلال الموسيقى التي قدّمها لها ابنها زياد. المفارقة أن هذه الموسيقى نفسها، كانت تُقابل في أوساط لبنانية وعربية كثيرة – خصوصًا بين من عايشتهم في بيروت والمهجر الكندي – بمحاولات واضحة للفصل بين 'فيروز القديمة' و'فيروز زياد'. لكن فيروز زياد، تلك التي بدأت رحلتها معه في أواخر السبعينيات، كانت الصوت الأقرب إلى وجدان طلابي وأصدقائي في الجامعات المصرية، حيث كان ما أحب أن أطلق عليه لقب 'الموجة الفيروزية الجديدة' – المُحمّلة بالنَفَس السياسي والاجتماعي العميق، والممهورة بأسلوب موسيقي تجريبي جمع الكلاسيكي بالجاز، والفانك بالشرقي، والوجدان بالاحتجاج – هي أكثر ما يُردده هؤلاء لدى استعادتهم لفيروز.. كثيرون منهم عرفوا فيروز من خلال 'قطع زيادية' لا تُشبه ما قبلها: أغاني حبٍ لا تفيض رومانسية بقدر ما تعبّر عن علاقات مضطربة، تتقاطع فيها مشاعر الشوق بالخذلان، كما في كيفك إنت، أنا عندي حنين، عودك رنان، عندي ثقة فيك، قال قايل، سلملي عليه ومعرفتي فيك. وأغانٍ سياسية لم تلجأ إلى الشعارات، بل قدّمت موقفًا ضمنيًا، ساخرًا، وملتصقًا بالهمّ الجمعي للمهمشين والمنسيين من أبناء لبنان، أولئك الذين لا تجمعهم الطائفة بل توحدهم الخيبة. ريبرتوار زياد الموسيقي ليس مجرد مجموعة من الأغاني، بل هو موسوعة احتجاج. من سألوني الناس، باكورته الفيروزية التي لحنها في غياب والده، إلى اقتباساته اللافتة من كلاسيكيات غربية (لبيروت) أو مصرية (أهو ده اللي صار)، رسم زياد صوتًا جديدًا لفيروز ولنا معها. فبينما ساهم والداه – عاصي ومنصور – في بناء العصر الذهبي للمسرح الرحباني القائم على الحنين والمثالية الريفية، خرج زياد من رحم المدينة، يحمل سخرية مدينية لاذعة، ونقدًا سياسيًا جريئًا، وموسيقى متأثرة بالجاز والفوضى، عاكسةً كل ما تمزّق في الوطن… وما زال. زياد لم يكن فقط فنانًا يساريًّا، بل كان أحد أكثر الأصوات الشيوعية النقدية سخرية وشجاعة في العالم العربي. أعماله لم تُهادن سلطة، ولم تُزَيِّن طائفية، بل كانت مرآةً مكسورة للواقع. في أغانيه الثورية – أنا مش كافر، جايي مع الشعب المسكين، يا رياح الشعب، رفيقي، بما إنو مش كل يوم، شو عملتلي بالبلد؟، طلعت ريحتكن – كان يلتقي الخطاب بالفن، والوجدان بالتحريض، ضمن أسلوبٍ عضويّ، جماهيريّ، لا يحتاج إلى وسطاء. وفي المسرح، كانت مسَّاهماته ثورة جمالية وفكرية أعادت تعريف هذا الفن للبنانيين: من نزل السرور (1974)، إلى بالنسبة لبكرا شو؟ (1978)، ومن فيلم أميركي طويل (1980)، إلى شي فاشل (1983)، ومن بخصوص الكرامة والشعب العنيد (1993)، إلى لولا فسحة الأمل (1994)… تحوّلت نصوصه وحواراته إلى جزء من الفولكلور الشعبي اللبناني، يتناقلها الناس كما يتناقلون الأمثال، لأنها قالت ما لم يستطع غيره قوله، وسخرت من ما لم يجرؤ غيره على السخرية منه. قال الرئيس اللبناني في نعيه: 'زياد لم يكن مجرد فنان، بل ظاهرة فكرية وثقافية متكاملة… ضميرًا حيًا، وصوتًا ثائرًا في وجه الظلم، ومرآة صادقة تعكس معاناة المهمّشين والمظلومين.' وهذا القول ليس مجاملة رسمية، بل وصف دقيق لرجل لم يتردّد يومًا في الوقوف خارج الصفوف المنظمة، ولا في العزف خارج الألحان المقرّرة. عروضه الحيّة كانت أسطورية، سواء وهو يعزف البيانو في نوادٍ ليلية دخانية في الحمرا، أو وهو يقود فرقته في عروض ضخمة الإنتاج، تتنقّل بين العبث، والوجع، والكوميديا السوداء، وتُعيّد اختراع المسافة بين الفن والجمهور. وعزاؤنا اليوم، أن زياد ترك لنا 'زوادة'… زادًا من المعنى، ومن الموسيقى، ومن الضحك الحزين، نعود إليه في كل خيبة، وكل نشوة، وكل لحظة نُريد فيها أن نُصغي لأنفسنا كما يجب. هي زوادة نستطيع أن نغرف منها وجعنا وفرحنا، مآسينا وأحلامنا، وكل ما نكرهه ونحبه في وطنٍ أعيانا وأحببناه. قلبي اليوم معك يا فيروز، ومع كل من كان زياد جزءًا من تكوينه… وذاكرته… ووعيه. 'يا ضيعانو'!!.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store